صورة عامة الشريعة والحياة 13/2/2011
الشريعة والحياة

العلماء والحكام

قال تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)، لماذا قال العلماء قديمًا: بئسَ العالِمُ على أبوابِ السلاطين؟ وكيف حوّل علماءُ السلطةِ الشأنَ الدينيَّ إلى جزءٍ من جهاز الدولة؟

– العلماء ومدى تأثيرهم على صلاح الأمة
– الفرق بين الحاكم العادل والحاكم المستبد

– أسس العلاقة بين الحاكم والعالِم

– اضطهاد الحكام للعلماء الثائرين

– العالم واستقلالية الفتوى

 

‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪يوسف القرضاوي‬ يوسف القرضاوي
‪يوسف القرضاوي‬ يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أهلاً ومرحباً بكم على الهواء مباشرةً في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة, يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[النحل: 116] لماذا قال العلماء قديماً بئس العالم على أبواب السلاطين؟ وكيف حول علماء السلطة الشأن الديني إلى جزءٍ من جهاز الدولة؟ ولماذا يستخدم بعض العلماء من جانب السلطة؟ العلماء والحكام موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي, مرحباً بكم سيدي.

يوسف القرضاوي: مرحباً بك يا أخ عثمان.

العلماء ومدى تأثيرهم على صلاح الأمة

عثمان عثمان: العلماء فسروا أولي الأمر بأنهم العلماء والأمراء بصلاحهم يصلح الناس وبفسادهم يفسد الناس, ما حقيقة ذلك؟

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه, {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[ الكهف: 10] {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران : 8] وبعد, فالمسلم له ثقافة خاصة تميزه عن غيره من الناس, هذه الثقافة الأصلية الأساسية التي تغذي فكره وقلبه وتنور له حياته وتقيمه على أسس علمية ومنطقية يؤدي أولها إلى آخرها هذه الثقافة الإسلامية, يعني ومنها ثقافته في التعامل مع الحكام ومع الناس عامة, فالقرآن الكريم والسنة النبوية جاءت بنصوص متعددة وفيرة غزيرة في: كيف يكون حكم الناس؟ بماذا يحكم الناس؟ ومن يحكم الناس؟ ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59] الأمر يعني الشأن أصحاب الشأن، أصحاب القوة، أصحاب النفوذ, من هم أولو الشأن؟ حينما ترجع إلى المفسرين القدامى من أيام الصحابة والتابعين والأئمة, بعضهم يقول أولو الأمر هم الحكام، أهل السلطة, وبعضهم يقول لأ بل هم العلماء لأن العلماء هم الذين يأمرون أهل السلطة كما يقول الشاعر:

إن الأكابر يحكمون على الورق       وعلى الأكابر يحكمُ العلماءُ

 العلماءُ هم اللي راعينهم, ومن الناس من يقول كل منهما يطاع فيما هو من شأنه, يعني الحاكم يُطاع فيما يتعلق بشؤون الحكم ولكن بشروط طبعاً, أن يكون ذلك في غير معصية وإما أن يكون بناءاً على نص أو على مصلحة يعني واجتهد فيها..

عثمان عثمان: بتفصيلات.

يوسف القرضاوي: يعني فيه تفصيلات والعالم يطاع فيما هو من شأنه, فيما يتعلق بالبيان إن هذا أمرٌ له أصلٌ في الشرع ولم يأتِ من الخارج فهكذا, ومما نجد في هذا النص إن القرآن جعل أولي الأمر لم يقل ولي الأمر, لما يقل أطيعوا ولي الأمر لم يأتِ بصيغة الفرد إنما جاء بصيغة الجمع, أولي الأمر, الأصل في أهل الأمر إنهم جماعة يعني ما فيش واحد يحكم وحده لأ, وحده ومعه المسلمون وألو الأمر أصحاب الشأن من في أيديهم الحل والعقد, الشيخ رشيد رضا في تفسيره, تفسير المنار، تحدث عشرات الصفحات في تفسير آية أولي الأمر, والقرآن الكريم يقول في آية أخرى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }[النساء:83] فجعل أولي الأمر من أهل الاجتهاد, من أهل الاستنباط لو ردوه أولي الأمر {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} مما يدل على إنه أولو الأمر ليسوا الحكام فقط, العلماء أيضاً هم أولو الأمر فذلك الشيخ عبد الوهاب خلاف- رحمه الله-  في كتابه في أصول الفقه رجح إنه المقصود بأولي الأمر الحكام الأمراء والعلماء معاً, كلاهما يعني هو مقصود كلٌ منهم أولو أمر.

عثمان عثمان: نعم, مولانا ولكن هناك الآن فئات كثيرة تؤثر في المجتمع تؤثر في عملية الصلاح, الإصلاح والإفساد, هل تحديد أولي الأمر بالعلماء والأمراء هو على وجه الحصر.

يوسف القرضاوي: لأ, همّ هؤلاء هم القادة الذين يوجهون الناس  بالذات لا بد من حاكم يحكم ولا بد من أناسٍ يرشدون ويبينون هذا حلال وهذا حرام, هذا طاعة وهذا معصية, هذا يوافق الكتاب والسنة وهذا لا يوافق, فهؤلاء هم يتكاملون إنما ليس, كل الناس أيضاً هم مساعدون لهم, إن الحكم للناس جميعاً, فالجميع مطالبون بأن يكونوا في خدمة هذا الحكم, ليس الحكم لطائفةٍ وسائر الناس معزولون كما يفعل بعض الناس هم الحكام وكل الناس يعني بتشتغل عبيد عندهم أو خدم عندهم, لأ, يجب أن يكون الجميع على قدم من المساواة.

عثمان عثمان: ولكن ماذا تبقى اليوم للعلماء في ولاية الأمر مع استئثار الحكام والسلاطين بهذا الدور وإقصاء العلماء؟

يوسف القرضاوي: العلماء دورهم هو النصيحة, والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتواصي بالحق وتواصي بالصبر, والدعوى إلى الله, وسميها ما تسميها جاءت في القرآن والسنة بصيغ كثيرة, هذه يربى عليها المسلمون جميعاً كل المسلمين عليهم أن يتعلموا إن الإنسان ليس مطالباً أن يصلي ويصوم  ويزكي ويحج فقط, لأ عليه أيضاً أن يكون أمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر, متواصياً بالحق متواصياً بالصبر, كما جاء في سورة الصبر..

عثمان عثمان: سورة العصر.

يوسف القرضاوي: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[العصر:1-2] سورة العصر, {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر}ٍ [العصر1-2] كل إنسان خاسر وضائع وهالك {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:3], هذا يدل على أن كل مسلم ومسلمة، كل فرد في المجتمع الإسلامي في الأمة الإسلامية عليه واجب للجميع, يسميه الإسلام التواصي بالحق والتواصي بالصبر, التواصي بالمرحمة, تواصي يعني إيه؟ يعني أنا أوصيك وأنت توصيني, كل واحد, ليس هناك أحد أصغر من أن يوصي وليس هناك أحد أكبر من أن يوصى, كل واحد يوصي ويقبل الوصية من غيره هذا ما يعلمه الإسلام للناس جميعاً, ولذلك لو تنتشر هذه الثقافة بين الناس لا نجد أناساً ينفردون بالحكم ويحكمون على الآخرين ويعزلونهم عن الحياة ويعتبرونهم وكأنهم ليسوا بشراً كأنما هم حمير أو بهائم, لأ هذا خلاف الدعوة الإسلامية والثقافة الإسلامية التي يعلمها الإسلام للناس عن طريق الكتاب والسنة.

عثمان عثمان: نعم, الأخ عبد الرحيم الرباطي من المغرب يقول: إذا رأيتم العلماء على باب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك, وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فنعم الملوك ونعم العلماء, يسأل عن مصدر هذا القول؟

يوسف القرضاوي: هذا القول إسلامي تماماً, فمن قديم قالوا: "خير الناس يعني أميرٌ أو والي يزور عالماً, وشر الناس عالمُ يزور أميراً أو والياً", ويزور يعني باستمرار يعني من حق الإنسان أنه يزور الحاكم ينصحه أو يطلب منه شيئا يعني, ولكن أن يكون عنده باستمرار هذا هو الشيء الذي يدمي به العلماء, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( من بدأ جفا, ومن تبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن, ومن اقتراب, ازداد من السلطان قرباً ازداد من الله بعدا)) هذا الحديث رواه الإمام أحمد.

عثمان عثمان: هل يمكن هنا أن نميز…

يوسف القرضاوي: وجاء أيضاً في الحديث يعني جابر بن كعب بن عجرة, إنه النبي عليه السلام قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله من إمارة السفهاء يا كعب، قال: وما إمارة السفهاء, قال: ((هم قومٌ بعدي يهدون بغير هديّ ويسنون بغير سنتي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فقد برئوا مني وبرئت منهم, ولم يردوا علي حوضِ, ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك هم مني وأنا منهم, وَسَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ)) فحديث النبي صلى الله عليه وسلم تحذر المسلمين أن يكونوا يعني وراء السلاطين على أبوابهم يعني كأنهم شحاذين أو مطبلاتيه أو لأ, فلا لا يكون المسلم هكذا.

الفرق بين الحاكم العادل والحاكم المستبد

عثمان عثمان: هل يمكن أن نميز هنا بين الحاكم العادل الصالح, وبين الحاكم المستبد الظالم.

يوسف القرضاوي: طبعاً, هناك فرق كبير بين الحاكم العادل, الإسلام يسميه الإمام العادل, ((سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أولهم إمامٌ عادل)), ثلاثةٌ تستجاب دعوتهم الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء, ويقول الرب: {وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ}[حديث قدسي], فالإمام العادل الذي يعدل في الناس يقسم بالسوية ويعدل في القضية, ويقيم المساواة بين الرعية هذا الحاكم العادل الذي يتوخى العدل في كل شيء هذا هو المطلوب, هذا غير الحاكم الظالم والعياذ بالله, يعني جاء في بعض الأحاديث ((إن يومٌ من والٍ عادل خيرٌ من عبادة ستين سنة)), إذن يوم واحد ممكن يعني يصدر فيه قرار أو قرارات يكون وراءها خدمة ألوف من الناس ملايين من الناس, عشرات الملايين من الناس, تنصف المظلومين, ترد الحق لمن ضاع منه الحق, تعيد المتجبر إلى مكانه لا يتعدى سلطته, هذه يوم واحد من إمام عادل, وكذلك لو واحد ظالم والعياذ بالله, اليوم من هذا الإمام الظالم يعني شرٌ من سيئات سنين.

أسس العلاقة بين الحاكم والعالم

عثمان عثمان: كيف نستطيع أن نرسم شكل العلاقة بين الحاكم والعالم في آداب السياسة الشرعية؟

يوسف القرضاوي: العالم مهمته أن يرشد الحاكم, يعني يدله على الأمر إذا أختلف في أمر, لازم يقول رأيه إذا كان هذا الخلاف مبنياً على فهم النصوص, العالم أدرى من الحاكم خصوصاً في عصرنا, كان الحكام أيام الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز, وبعض هؤلاء الناس يعرفون في الفقه ويستطيعون أن ينظروا فيه, كان بعضهم حتى مثل عبد الملك بن مروان, أبو جعفر المنصور, كان هؤلاء الناس عندهم فقه يعني درسوا, الحكام في عصرنا لا يعرفون شيئاً عن أحكام الشريعة ولهذا عليهم أن يطلبوا من العالم ما هو الحكم, يعني يبحثوا عن الحكم, في الأمس قرأت في الجزيرة أو رأيت في الجزيرة أن علماء الصومال يعني وقفوا ينقدون نصوصاً مسودة للدستور الصومالي، وقالوا أن هذا الدستور يجب أن يحكّم الشريعة ويستمد من الشريعة فهو هذا حق, كل دستورٍ يجب, الدستور المصري يعني يعتمد على الشريعة, المادة الثانية من الدستور, فهؤلاء الإخوة في الصومال الذين صنعوا دستوراً لا يجوز أن يكون الدستور غائباً عن الشريعة وآتي وأقول أنا موافق على الشريعة, لأ, لا بد أن يكون نص فيه, نص صريح ومؤكد أنه يخضع للشريعة ويستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية, هناك فيما عرفش إن في أثيوبيا التي تعرف بأنها اسمها الحبشة إن فيها الآن يحكم مجلسها الأعلى جماعة ممن كانوا في بيروت من قبل اسمهم "الأحباش"، وهؤلاء أناس، المسلمون يعني يعترضون عليهم في فهمهم للإسلام وتحريفهم لأحكامه وتكفيرهم لكثيرٍ من الناس وازدرائهم من الأحكام الشرعية واعتبار لهم فتاوى باطلة, هؤلاء يجب أن يردوا الأمر إلى سائر المسلمين, لتأتي فئة لبلدة واحدة وتحكم فيها بما يخالف جماعة المسلمين وهكذا, فلا بد للعلماء أن يكونوا بجوار الحكام يبينون لهم في أصل الحكم وينصحونهم, الحاكم يعني باستمرار تأتي له قضايا يحتاج فيها إلى معرفة حكم الشرع في كل يوم تأتي أشياء جديدة من أين نعرف حكمها؟ هنا لا بد أن يكون علماء الشرع قريباً من أهل الحكم, إنما إذا كان الحاكم بعيدا عن العالم سيقول ما يشتهي, سيستمع الهواء وهو ما حذر الله تعالى منه داوود عليه السلام, حين قال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص:26] لا بد أن ينحرف يعني الحاكم إذا بعد عن العالم فمن هنا يجب أن يكونوا العلماء فرضاً لا بد منه, أن يكونوا قريباً من أهل الحُكم أو أن يكون هناك في الدولة التي تحتكم إلى الشريعة الإسلامية يكون عندها مرجعية إسلامية في المجلس التشريعي في مجلس خاص, يعني يرجع إليها حتى لا يكون في قوانينها قوانين مخالفة، مخالفةً قاطعة لأحكام الشريعة الإسلامية, لا يجوز هذا في بلد إسلامي بلد يقول قال الله وقال الرسول يعني لا نريد أنه مش معناها نقول يعني إني إحنا عايزين كل إنه كل الحكام يبقوا مشايخ, لأ, إنما هناك مشايخ مستنيرون أيضاً, ما تجبشِ مشايخ يعني لا يعرفون كيف تسير الحياة؟ كيف تتطور الدنيا؟ كيف يمشي العصر؟ لا بد أن يكون هناك مشايخ معاصرون يعرفون الدنيا ماشية إزاي, ويعرفون أحكام الشرع, يجمع بين معرفة الشرع على حقيقته ومعرفة الحياة على حقيقتها، هؤلاء يجب أن يكونوا لهم مجلس أو ضمن مجلس ترد إليه الأحكام العامة التي يحكم بها أهل المدنيين من الناس في المجالس النيابية، مجالس الشورى سميها ما تسميها.

عثمان عثمان: نعم, مولانا تاريخياً نتحدث ثنائية عن العالم والحاكم كان هناك أشكال متعددة من العلاقة, كان هناك شد وجذب مما أفرز يعني ما يسمى بعلماء السلطة أو العلماء الربانيين, كيف توضحون صورة هذه الثنائية؟

يوسف القرضاوي: هذه إنما جاءت بعد الخلفاء الراشدين, في عهد الخلفاء الراشدين لم يكن هناك هذا الجزم, لأن الخلفاء الراشدين أنفسهم كانوا فقهاء معتبرين من فقهاء الأمة, أبو بكر رضي الله عنه أفقه الأمة, عمر بعده من الفقهاء الذين تركوا تراثاً فقهياً عظيماً, فقه عمر, الأستاذ الشيخ المدني- رحمه الله- عمل كتاب اسمه: " نظرات في فقه عمر" نشرها في مجلة الأزهر على أعداد في فقه عمر، الأشياء التي، الناس تقول لك ده ترك النصوص, لا، لم يترك عمر النصوص إنما له فهم في المؤلفة قلوبهم, له فهم في هل تقطع الرقاب، تقطع الأيدي, إذا سرق الناس في عهد المجاعة أو لا, له كلام في هذا في أحكام كثيرة معروفة ومذكورة ذكرناها في كتبنا وفسرناها فعمر, عثمان, علي, كلهم كانوا أهل فقه ولذلك كان الناس معهم, الصحابة الآخرون ابن مسعود, ابن عباس, ابن عمر, ابن الزبير, معاذ ابن جبل, أبي ابن كعب, كل هؤلاء الصحابة يعني كانوا مع هؤلاء الراشدين لم يكن هؤلاء ضد هؤلاء لا بالعكس, كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: ((من رأى منكم فيه اعوجاجا فليقومني)) يعني يطلبون من الناس أن يقوموهم, يسددوهم يهدوهم إلى ما هو أصلح, وما هو خير, لا يدعون أنهم معصومون, ليس هناك أحدٌ معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكل هؤلاء يؤخذ منهم ويرد عليهم, ولذلك كانوا يطلبون من الناس فلم يكونوا يعني ضد من ينصحهم بل يرحبون بالنصحاء, سيدنا عمر يقول: ((مرحباً بالناصح أبدا الدهر, مرحباً بالناصح غدواً وعشيا, رحم الله امرئ أهدى إلي عيوب نفسي)) هكذا كانوا.

عثمان عثمان: إذنْ ثنائية العالم والحاكم كانت بعد الخلفاء الراشدين.

يوسف القرضاوي: هكذا, بعد ذلك بدأ الناس يعني في عهد معاوية كانوا أقرب إلى من غيرهم بعد معاوية أصبحُوا أبعد عن الحاكم كلما ازداد الناس بُعداً لما جاءوا أحد مثل عمر ابن عبد العزيز قرب إليه أهل العلم هو نفسه من أهل العلم، العلماء قالوا أنه أول من ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنه من يجدد لها دينها)), قالوا: المجدد الأول هو عمر إن عبد العزيز معتبرون أول مجدد في تاريخ الإسلام جدد الدين, صحيح لم يطل زمنه إنما ثلاثون شهراً سنتين ونص وأخذ هل سُمي أم إيه يعني ولكن حتى في هذه السنوات القليلة ما شاء الله انطلق الإسلام واغتنى الناس من فقر وأصبحوا يبحثون عن فقير فلا يكادوا يجدون في إفريقيا وولي عمر على إفريقيا يقول انتظرت لأبحث عن فقير مسلم لم أجد، وبعث إليه يقولوا أعمل إيه؟ قالوا اشتري بها رقاباً فأعتقها، إذا لم تجد فقراء فيه أرقاء إذنْ نحن نحرر الناس من ضيق الفقر..

عثمان عثمان: العبودية..

يوسف القرضاوي: إذا لم نجد فقيراً، نحرر الناس من الرق الأصلي من رق العبودية اشتري رقاباً وأعتقها فك الرقاب، وهكذا، فكلما ازداد الناس بعداً عن الإسلام، ازداد العلماء بعداً عن الحكام، فأصبح الحاكم يسير في خطٍ وحده والعالم يسير في خط، حتى يأتي الله بعالمٍ قوي له شخصيته الإسلامية وله معرفته الواسعة بالشرع، وله خشيته من الله عز وجل وله رهبته في نفوس الناس، فيعمل على إحياء الإسلام وتجديد الإسلام جاء هذا في كثيرٍ من العصور.

عثمان عثمان: ربما نشأت محنة العلماء مع السلطان والتي سنتحدث عنها بإذن الله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

اضطهاد الحكام للعلماء الثائرين

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام أهلا ومرحبا بكم من جديد إلى حلقتنا من هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة، والتي هي بعنوان العلماء والحكام مع فضيلة شيخنا اللامع الدكتور يوسف القرضاوي، مولانا في التاريخ الإسلامي نشأ ما سمي بمحنة العلماء مع السلطان نتيجة اضطهاد الحكام للعلماء الثائرين أو الربانيين أو الذين لا يمشون في ركبهِم، كيف يمكن الاستفادة من هذه الصورة اليوم خاصة أن البعض يتهم أيضا بعض العلماء الثائرين بأنهم حزبيون؟

يوسف القرضاوي: العالم الحقيقي هو الذي يقول الحق، لا يبالي ما يصيبه بعد ذلك، لا يخاف في الله لومة لائم الله سبحانه وتعالى قال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[المائدة: 54] فالجهاد في سبيل الله ليس كله حمل السيف لتقف ضد الكفار المعادين للإسلام، هناك جهادٌ آخر أفضل جهادٍ كلمةُ حقٍ عند سلطانٍ جائر، وسيدنا معاذ ابن جبل حديثاً وإن كان في كلام لكن معناه قوي، يقول: ((خذوا العطاء مادام عطاء فإذا كان رشوةً على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه تمنعكم الحاجة والفقر، ألا إن القرآن والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا إنه سيكون عليكم أمراء مضلون يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم قالوا: وما نصنع يا رسول الله؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم، نشروا بالمناشير وحملوا على الخُشب، والذي نفسي بيده لموتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياةٍ في معصية الله)) فهكذا ينبغي أن يكون العلماء يجاهدون في سبيل الله وينشرون دعوة الله ويقولون كلمة الحق ويجرؤون الناس على أن يفعلوا ذلك، هكذا وجدنا الشيخ سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الذي باع الملوك يسمونه "بائع الملوك" لأنه جاء للمماليك الذين كانوا يحكمون في مصر والشام قال لهم: (أنتم أرقاء أنتم عبيد للدولة الإسلامية لازم تحرروا أنفسكم)، وفرض عليهم إنهم يبيعوا أنفسهم للدولة والدولة تحررهم، وكان بينه وبين حاكم مصر كلام فترك مصر وراح إلى الشام وجِه البعض يقول له: بس الحاكم يعني تقبل يده وقال لهم: أنا لا أرضى أن أقبل يدي فكيف أقبل يده! فهؤلاء العلماء الكبار، الإمام النووي له أيضاً مواقف مثل هذا الإمام ابن تيمية وتلميذ ابن القيم قضوا ما قضوا في السجن مات ابن تيمية وهو في السجن، وهو قام بنصرة الإسلام وبتشجيع المسلمين وحارب التتار وحارب كل من يقفون ضد الإسلام وكذلك تلاميذ ابن القيم وغيره من الأئمة، منذ عهد سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين ويعني لم يقبل أن يرضخ لبني أمية، حاولوا أن يشتروه حاولوا أن يعطوه، كان له مقرر يعني 34 ألف ريال في السنة يعني عطائه ورفض أن يأخذها، وقال: حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان، بعد ذلك أرادوا أن يزوجوا ولي العهد الوليد بن عبد الملك من بنته رفض أن يزوجهم بنته، وزوجها لأحد تلاميذه، يعني عرف إن امرأته توفيت، وقال له: أما تزوجت؟ قال ومن يزوجني وليس معي إلا ثلاث دراهم، قال: إذا وجدت  من يزوجك تزوجت، قال نعم، فقال: أنا أزوجك ابنتي رفض أن يزوجها لولي العهد وزوجها لواحد ما عندوش إلا 3 دراهم، وبالليل وجد واحد يدق الباب قال من؟ قال له: سعيد، بيقول خطر في بالي كل سعيد في الدنيا إلا سعيد بن المسيب لان بقى له أربعين سنة لا يغادر من بيته إلى المسجد، فقط يعلم الناس ولا يغادر هذا، وبعدين قال له: هذه زوجتك، فهؤلاء الناس، وضرب سعيد بن المسيب أكثر من مرة لكي يقر بولاية عهد اثنين قال لهم: هذا ليس في الإسلام، ضرب أكثر من مرة، فكثير، الأئمة الأربعة كلهم ضربوا الإمام أبو حنيفة وقف مع محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم وحبس في المدة وبعدين بعد مدة ما استقر الأمر إلى أبو جعفر المنصوري عرض عليه القضاء أبى أن يكون قاضياً، وقال لهم: لا أصلح، قالوا: أنت كذاب، قال لهم: إن كنت كذاباً  فالكذاب لا يصلح للقضاء وهكذا، الإمام مالك ضرب 100 سوط..  

عثمان عثمان: من أجل فتوى..

يوسف القرضاوي: نعم.

عثمان عثمان: من أجل فتوى واحدة..

يوسف القرضاوي: من أجل فتواه، الإمام الشافعي ضرب، الإمام أحمد بن حنبل طبعاً معروف محنته طويلة في عهد المأمون والمعتصم والواثق من خلفاء بني العباس من أجل قضية خلق القرآن وهو يقول: لا، فكل العلماء في سائر العصور وجدنا علماء يقولون كلمة الحق ويوعون الناس ولا يخافون أن يجري عليهم ما يجري لأنهم يعلمون الأمور كلها بيد الله عز وجل ولذلك ندعو العلماء، علماء الإسلام الحقيقيين في عصرنا هذا، أن يقفوا الموقف الذي يوجب عليهم الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقولون الحق ويعملوا الأمة الدين الصحيح الدين الذي يحبه الله ورسوله لا الدين الذي  يريده الحكام.

عثمان عثمان: اسمح لي مولانا أن نأخذ بعض المشاركات السيد شريك أعتقد من البرازيل.

شرقان شريك: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام إني أرجو من السادة المشاهدين طرح السؤال مباشرةً لضيق الوقت.

شرقان شريك: أشكر قناة، قناتكم الحرة، قناة الجزيرة، السلام عليكم..

عثمان عثمان: تفضل بالسؤال.

شرقان شريك: شيخي الفاضل أنا من البرازيل، الحمد لله أن صرت مسلماً قبل سنتين لكن الحمد لله أنا عرفت الإسلام قبل أن أعرف ملوك السعودية خاصة الملك عبد الله..

عثمان عثمان: أخ شريك إذا عندك سؤال تفضل بسؤالك، وإلا سأعتذر منك سآخذ الأخ عبد الله الحويطي من السعودية، تفضل أخ عبد الله.

يوسف القرضاوي: هو إيش يقول الأخ؟

عثمان عثمان: هو يقول دخل الإسلام من سنتين.

يوسف القرضاوي: أيوه.

عثمان عثمان: نعم.

يوسف القرضاوي: طيب لو تابعت يعني.

عثمان عثمان: نعم.

عبد الله الحويطي: السلام عليكم

عثمان عثمان: نأخذ الأخ عبد الله الحويطي تفضل أخ عبد الله..

عبد الله الحويطي: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله.

عبد الله الحويطي: تحياتنا لك وللشيخ الجليل حبر وإمام المسلمين الذي نعتز به، الأخ يعلق على الملك عبد الله ملك العرب وإمام المسلمين يشرف البرازيل كلها.

عثمان عثمان: أخ عبد الله، أخ عبد الله الرجاء أن نبتعد، أن نبتعد كل البعد عن ذكر الأسماء والشخصيات إن كان عندك سؤال في صلب الحلقة تفضل.

عبد الله الحويطي: أنا ودي أستفسر من فضيلة الشيخ الكريم، مفتي سوريا الذي يؤيد بشار وأخوه ماهر بقتل الناس بالدبابات وبالصواريخ..

عثمان عثمان: شكراً جزيلا، الأخ جمال الطواب من مصر تفضل أخ جمال.

جمال الطواب: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله،  بسؤالك مباشرةً.

جمال الطواب: تحياتي لك أخ عثمان وفضيلة مولانا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ودعائي له بدوام الصحة والعافية والبركة في العمر يا مولانا، سؤالي: هل قرب العلماء من السلطة يجعلهم يقدمون المصلحة الخاصة بكل وجوهها على المصلحة العامة أيضاً بكل وجوهها؟ وشكراً وبارك الله فيكم.

عثمان عثمان: شكراً جزيلاً، عمر سفرجي السعودية..

عمر سفرجي: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله.

عمر سفرجي: الله سبحانه عز وجل يقول {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَْْ}[البقرة: 146] هل تعتقد يا فضيلة الشيخ أن العلماء وخاصة علماء السعودية كتموا الحق..

عثمان عثمان: شكراً جزيلاً أخ عمر سفرجي من السعودية، مولانا هناك البعض ربما يخوض في أسماء ويجرح في أسماء وشخصيات وهيئات، وهذا ليس مكان برنامجنا بطبيعة الحال.

يوسف القرضاوي: وليس هذا يعني، تجريح الناس هذا غير مطلوب، نعلم الناس الأدب والعفة في القول، الإنسان يعني الله سبحانه وتعالى يحاسبه على كل ما يقوله { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ ق:18] {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] فالخوض في أعراض الناس وفي فلان، هذا ليس من خلق المسلم، واتخاذ هذا في مثل هذا البرنامج ليس من الشيء اللائق، البرنامج لم يصنع لمثل هذا، إن الواحد يريد أن يتخذه وسيلة له  لينفس في شتم واحد أو كذا هذا غير لائق بالإنسان المسلم.

عثمان عثمان: من هنا نقطع بعض الاتصالات التي لا تحترم هذا المبدأ، الأخ جمال الطواب طرح سؤال، هل قرب العلماء من ذوي السلطة يجعلهم يقدمون المصلحة الخاصة بكل وجوهها على المصلحة العامة بكل وجوهها أيضاً؟

يوسف القرضاوي: ممكن هذا إذا كان قربهم من أهل الحُكم يعني قرباً مثل هذا، يعني مش قرب للنصيحة، مش قرب للتعليم،  مش قرب للهداية، إذا قرب للدنيا فممكن يعني يجيز له إنه يقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة مع أن الإسلام يعني على عكس ذلك، الإسلام يقدم المصالح العامة على المصالح الخاصة هذا ما جاء به الإسلام، من هنا اعتبر المصلحة المرسلة هذه من الأدلة الشرعية عندما لا يوجد كتاب ولا سنة يؤخذ بالمصلحة المرسلة كما أخذ بها الصحابة، سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر والراشدون جميعاً وعلماء الأمة وحكام الأمة وقالوا بالمصالح المرسلة، المصلحة المرسلة مصلحة المجموع الأكبر، مش مصلحة فرد من الأفراد لأ، المصالح الفردية هذه ليست تدخل في التشريع إنما تدخل المصالح العامة التي تهتم بها الأمم والشعوب.

عثمان عثمان: نعم، جاءني سؤال من الشيخ معاذ الخطيب يقول: لا يمكن للعالم أن يعطي الحرية لأحد قبل أن يكون هو حراً وناجياً  من الأسر والوصاية والاحتواء؟

يوسف القرضاوي: طبعاً، إذا لم يكن هو حر كيف يعطي الحرية لغيره! هو عبد، العبد لا يستطيع أن يعطي العبد وما ملكت يداه لسيده، فهو لا يملك شيئاً، فكيف يعطي غيره وهو محروم، لا بد أن يكون هو فعلاً إنسان حراً في نفسه شاعر بأنه حر فيستطيع أن يعطي الحرية لغيره ويعلم غيره الحرية وهذا ما جاء به الإسلام وقرره وحققه.

العالم واستقلالية الفتوى

عثمان عثمان: مولانا الدولة الحديثة الآن استولت على المؤسسات الدينية وعلى وزارات الأوقاف والشؤون الدينية وبالتالي حولت الشأن الديني إلى جزء من الدولة ربما أفقد العَالم أو العالِم استقلاليته وحرية قراره، كيف يمكن لنا أن نستعيد استقلالية هذا العالِم واستقلالية فتواه عن السلطة؟

يوسف القرضاوي: العالم يجب أن تكون له شخصيته المستقلة، هو فوق الحاكم، وفوق الرئيس وفوق أي..، هو الذي يرجع إليه حتى يؤخذ قوله في القرارات والأحكام حيث لا تناقض الشرع، فليس هو من يجري مع الناس ومع الزفة لأ، لأ هذا ليس شأن العالم، العالم شأنه شأن كبير، الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرجع إلى العلماء، وجعل المجتمعات أسوأ ما تكون حينما يعني يفقد العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، هذه مصيبة حينما يصبح الناس ورؤساؤهم جهال يفتون بغير علم فيضلون ويضلون، يجب على العلماء أن يكونوا هم أحرار أنفسهم مستقلين، ليس لأحد يوجههم، هم الموجهون، ولذلك يعني قالوا إنه الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك.

عثمان عثمان: ولكن كيف يكون العلماء حكاماً على الملوك وهم موظفون عند هؤلاء الملوك وعند هؤلاء الحكام ويأخذون راتباً شهرياً بينما ربما في التاريخ الإسلامي.. 

يوسف القرضاوي: يأخذ راتب من الدولة، مش من الحاكم، المفروض الدولة تعطي كل عامل يأخذ  راتبه من الدولة يعني فا فليس هو موظف عند الحاكم، الحاكم نفسه يأخذ راتبا، ممن يأخذ؟ من الدولة، من المؤسسة العامة التي تعطي الناس جميعاً، فيجب أن يكون للعالم مسؤولية الأمة كلها، مسؤولية الشعب، الشعب عليه أن يحمي العلماء من بطش الحكام، لا يتركوا العلماء للحكام يهينهم ويعني يصغرون من شأنهم ويصبحون أضحوكة للناس، هذا لا يجوز، الحكام عليهم أن يحترموا أنفسهم وعلى الشعب أن يحمي هذا الاحترام ويؤيدهم ويكون العلماء فوق الجميع هذا هو الأصل، الأصل إن العلماء أي علماء حتى لو علماء في الاقتصاد أو علماء في الشؤون العلمية والجيولوجية والبحرية وهذه الأشياء، قرارهم فوق الجميع، فهذا هو شأن العالم الحقيقي.

عثمان عثمان: مولانا البعض يرى أن حسن البنا ربما ذهب في استقلالية العلماء والفتوى عن السلطان من خلال السيد قطب، يعني يريد أن يحول..

يوسف القرضاوي: سيد سابق

عثمان عثمان: عفواً سيد سابق، يعني ربما المؤسسة الدينية في ذلك الحين كانت تابعة لعبد الناصر وحسن البنا أراد أن يجعل استقلاليه لهذا العالم؟ في دقيقة واحدة.

يوسف القرضاوي: حسن البنا لم يدرك عبد الناصر، ولا، عبد الناصر بعد ذلك، في هذا الأمر حسن البنا كان في أيام الشيخ المراغي وأيام..، لا يوجد إنه عمل مؤسسة فقهية، الشيخ سيد سابق بدأ في حسن أيام حسن البنا يكتب في الوضوء، كتب له هو يعني في كتابه في فقه الوضوء، أول ما بدأ يكتب في فقه السنة، بدأ الكتابة في الوضوء وكتب له حسن البنا رحمه الله ورضي عنه المقدمة، مقدمة الكتاب فقه السنة اللي هو الوضوء، لم يوجد في هذا الوقت يعني مؤسسة، الدعوى، دعوة حسن البنا وجماعة حسن البنا هي جماعة إسلامية، والجماعة الإسلامية حينما تكبر وتنتشر وتقوى ستكون فيها شخصيات علمية وفقهية تؤسس، إنما لم يبدأ حسن البنا بهذه المؤسسة، وكان هذا في مصر وفي سوريا وفي بلادٍ شتى يعني.

عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة أشكركم مولانا فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، قبل الختام أعتذر من الذين لم نستطع الإجابة على أسئلتهم، أترككم على أمل اللقاء بكم في الحلقة القادمة بمشيئة الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.