صورة عامة - الشريعة والحياة 18/03/2012
الشريعة والحياة

ضرورات الوحدة ومخاطر الفرقة والانقسام

تستضيف الحلقة مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغَرْيانيّ ليتحدث عن ضرورات الوحدة ومخاطر الفرقة والانقسام، فما مقتضيات الأمر بوحدة الصف؟ وكيف يدار الاختلاف في إطار الوحدة؟ وهل إقامة العدل ضمانة من الفرقة؟ وما القواعد العملية في الإسلام للزومِ الجماعة؟

– مشروع الفدرالية ومخاوف من تقسيم ليبيا
– مظاهر الوحدة في التشريع الإسلامي
– إدارة الاختلاف في إطار الوحدة

– الشريعة ومدى أهميتها في توحيد الأمة

– مفهوم التطاوع والتوافق

‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان
‪الصادق الغرياني‬ الصادق الغرياني
‪الصادق الغرياني‬ الصادق الغرياني

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز}وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103[ ما مقتضيات الأمر بوحدة الصف؟ وكيف يدار الاختلاف في إطار الوحدة؟ وهل إقامة العدل ضمانة من الفرقة؟ وما القواعد العملية للإسلام للزوم الجماعة؟ ضرورات الوحدة ومخاطر الفرقة والانقسام موضوع حلقة اليوم من برنامج  الشريعة والحياة مع فضيلة الدكتور الصادق الغرياني مفتي ليبيا والذي ينضم إلينا عبر الأقمار الصناعية من طرابلس ليبيا مرحبا بكم فضيلة الشيخ؟

 الصادق الغرياني: مرحبا أهلا وسهلاً.

مشروع الفدرالية ومخاوف من تقسيم ليبيا

عثمان عثمان: الثورة الليبية حققت إنجازات مهمة لكن في المقابل أفرزت بعض المظاهر السلبية البعض دعا إلى الفدرالية مما اعتبر دعوة لتقسيم ليبيا هل هناك من خوف فعلي على الوحدة؟

الصادق الغرياني: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فإني أحييكم جميعا السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في الحقيقة ليس هناك خوف على وحدة ليبيا إن شاء الله وذلك لأن الذين خرجوا بهذه الدعوة هم في الأساس عدد قليل وأخطئوا خطأين أفقدهما تعاطف العامة معهما، الخطأ الأول التوقيت الذي خرجوا فيه فكان توقيتا خاطئاً، خرجوا في وقت الليبيون فيه أشد وأحوج ما يكونون إلى الوحدة وذلك بسبب الأوضاع الأمنية الأمر الثاني أنهم لم يكتفوا بالدعوة إلى الفدرالية لأنهم لو اكتفوا بذلك لا يمكن أن يعد ذلك داخلا في إطار حرية الكلمة أو في الخيارات السياسية التي يختارها الناس، التي يختارها، لكن هم تجاوزا ذلك وتعدوه إلى أن أعلنوا عن انقسام إقليم برقة وسموه إقليم برقة وأسسوا مجلساً خاصا بهم وعينوا لهم رئيسا مما عد ذلك خروجا على الدولة وسيادة القانون وذلك أفقدهم تعاطف العامة معهم، والليبيون جميعا منذ أن خرجت هذه الثورة المباركة كانت لهم ثلاثة أهداف لم يتنازلوا عنها وأجمعوا عليها منذ بداية الثورة أنه لا بد من خروج القذافي وعائلته وقد وفوا بذلك، أنه لا للتدخل الأجنبي ووفوا بذلك برغم ما قاسوه وما عانوه، والأمر الثالث حسب شعاراتهم وعباراتهم لا شرقية ولا غربية وليبيا وحدة وطنية.          

عثمان عثمان: أنقل لكم سؤال المشاهد أحمد السالك حيث يقول كيف سيتعامل دعاة الوحدة في ليبيا مع مثل هذه الدعوات والخطوات التقسيمية؟

الصادق الغرياني: هو الآن في هذا الوقت الحالي ربما ليس هناك تعامل إلا كلما تخرج دعوة تخرج ضدها دعوة مضادة، أنه لما خرجت هذه الدعوة خرجت مظاهرات كبيرة يعني تعارض هذا المطلب وكان لها أثر ايجابي في الشارع لكن في المستقبل الأمر يرجع بعد ذلك إلى الاختيار وإلى الدستور وإلى الانتخابات والشعب الليبي 90% منه لا يقبلون التقسيم لأنه في ذهنه بداية للتقسيم.  

عثمان عثمان: أيضا المشاهد عبد الله الفتي يقول بأن بعض المناطق تشهد قتالا بين المسلمين على خلفيات قبلية أو مذهبية ومما يزيد استعار هذا القتال وجود السلاح بيد الجميع ما تصوركم لعلاج هذه المعضلة؟

 الصادق الغرياني: تصورنا الذي دائما نطالب به أن الحكومة لا بد تتخذ قرارات حازمة لأن القرارات الآن التي تتبع قرارات فيها نوع من السهولة والمرونة لا تريد إراقة دماء لكن ربما الحزم في بعض الأحيان لا بد منه بحيث يضع حد للتجاوزات بعض الناس لا يوقفهم إلا الحزم والقانون، فوزارة الداخلية ووزارة الدفاع لا بد أن تتخذ لا بد أن تقوم بواجبها بحيث تحمي الناس من هذه التجاوزات.     

عثمان عثمان: من الحالة الليبية إلى حالة الأمة جاء التنصيص في القرآن الكريم على وحدة هذه الأمة }إنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون{  ] الأنبياء: 92[ ما مصير هذه الوحدة الآن؟

الصادق الغرياني: ورد في القرآن آيات كثيرة تأمر بجمع الكلمة وتنهى عن التفرق وهذا من السياسة الشرعية وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح الأمة والحفاظ على نظامها وهيبتها يقول الله تبارك وتعالى }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ{ ] آل عمران: 103[ ويقول تبارك وتعالى}وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ ] الأنفال: 46[ ويقول الله تعالى }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ{ ] الصف: 4 [ والنبي r أمر بجمع الكلمة ووحدة الصف وقال r فيما صح عنه من حديث أبي موسى]: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك r بين أصابعه[ وأيضا  في حديث أبي هريرة أن النبي r عندما قال: ] إن الله يحب لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: يحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم: قيل وقال وإضاعة المال وكثر السؤال[ وفي حديث عبد الله ابن عمر:]عليكم بالجماعة من شذ في النار وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية[ أما مصير هذه الوحدة فهو معلق في أعناق المسلمين وحكامهم لئن فالأمر بالوحدة فالأمر قائم الأمر بها قائم إلى قيام الساعة ولا بد هذا تكليف إلهي لم ينسخ ولا يسقط فهو قائم إلى قيام الساعة وعلى الناس أن تقوم بواجبها في هذا النحو والمسؤولية فيه متعددة تشمل الحكام وتشمل العامة وتشمل النخبة والمثقفون والعلماء والإعلاميون وكل واحد تقع عليه المسؤولية بقدر موقعه.  

 
مظاهر الوحدة في التشريع الإسلامي

 عثمان عثمان: فضيلة الشيخ أنتم سقتم جملة من الأحاديث والنصوص الشرعية التي تحض على الوحدة بل توجب هذه الوحدة هل من خطوات عملية في الإسلام للزوم الجماعة، ما التطبيقات ومظاهر هذه الوحدة في التشريع الإسلامي؟ 

الصادق الغرياني: الخطوات تبدأ دائما عندما يريد الإنسان أو تريد الأمة أو تريد مؤسسة أو أي فرد يريد أن يحقق أمرا أو يعمل شيئا أو هدفا لا بد أن يعمل له رؤيا وتخطيط  وهدف محدد لأنه إن لم تكن له رؤيا ولم يكن له هدف مجرد أنه يريد أن يفعل فهذه مجرد تمنيات وأحلام يقظة وأهم الخطوات وأولاها، أهم الخطوات التي يحقق بها الإنسان ما يهدف إليه هو إيمانه بالهدف ذاته فإذا كان هنالك إيمان بالهدف فبعد ذلك الخطوات تأتي شيئا فشيئاً والذي أراه إلى الآن أن الأمة أو حكام الأمة إلى حد الآن ليس لم يصلوا إلى أن تكون وحدة الأمة الإسلامية ووحدة المسلمين هدفا من أهدافهم بدليل أننا لا نجدها على جداول أعمال الحكومات على مستوى الحكومات أو على مستوى الحكومات الإقليمية أو منظمة العالم الإسلامي ولا نجدها تطرح لا في الإعلام الرسمي ولا تجدها في أروقة الحكام ولا نجد لها ذكرا ولا اسما حتى بين أوساط الناس بصفة كبيرة…      

عثمان عثمان: يبدو أنك نفضت يدك من الحكام ولكن ماذا عن هذا الحراك والثوران العربي الهائل هل يمكن المراهنة عليه لتحقيق وحدة ما في حدود معينة؟

الصادق الغرياني: الحراك كيفما تكونوا يولى عليكم إذا أفرز هذا الحراك حكومات تشعر بالمسؤولية وبأن الوحدة الإسلامية هدف لا بد من تحقيقه فربما نصل إلى بدايات لكن إذا كان الذين وصلوا إلى سدة الحكم لا يعنيهم هذا الأمر واستمروا في نفس السياسة الأولى سياسة الخصوصية وأن كل إنسان ينادي بنفسه ويريد أن يبني نوعا خاصا أو ذاتيا أو يبني ذاته فلن نصل إلى هذا الهدف. 

عثمان عثمان: وحدة الأمة ربما هو حلم كبير وشعار كبير ترفعونه ويرفعه الكثيرون من أبناء هذه الأمة، ولكن هناك مشكلات يراها البعض أنها ربما تحول دون تحقيق هذه الوحدة، نتحدث هنا عن الاختلافات العرقية الاختلافات المذهبية اختلاف الولاءات السياسية الاختلافات الأيدلوجية اختلافات المصالح القطرية أين هي وحدة الأمة في ظل هذه الانقسامات الكثيرة والمتعددة؟ 

الصادق الغرياني: لا أرى أن هذه الانقسامات يمكن أن تكون عائقا حقيقيا لوحدة المسلمين إذا آمنا بالهدف لأن هذه الانقسامات ليست جديدة على الأمة، الانقسامات العرقية والانقسامات المذهبية والانقسامات السياسية والانتماءات بمختلف أنواعها هذا أمر ليس جديدا هذا منذ بداية الدولة الإسلامية من أواخر الخلافة الراشدة وهذه المذاهب وهذه الأفكار، ذكرت ربما في وقت من الأوقات كانت أشد منها الآن ومع ذلك كانت الخلافة قائمة الخلافة الراشدة الخلافة الأموية الخلافة العباسية فهذه المسائل ربما حتى هذه الخلافات المذهبية إذا وجدت صدقا في تحقيق هدف الوحدة وكانت الوحدة تقوم على العدل ويمكنها أن تعطي لهذه الجماعات وهذه الفرق خصوصياتها وتوفر لها حاجياتها ربما هذه الخلافات المذهبية والسياسية والعرقية تكون في صف الوحدة أكثر منها في صف الفرقة. 

عثمان عثمان: أنقل لكم من صفحة البرنامج على الفيسبوك سؤال حماد أبو المنذر الذي يقول هل ترون الدولة القطرية والحدود الجغرافية في الدول الإسلامية تحول دون تحقيق الوحدة المنشودة إذا لم تكن هناك إمكانية للوحدة الجغرافية بين الدول الإسلامية ألا يمكننا الحديث عن وحدة سياسية أو اقتصادية أو اتفاقية دفاع مشترك؟ 

الصادق الغرياني: هذا هو الذي ينبغي أن يكون لأن الوحدة لا تأتي هكذا بين يوم وليلة لابد في من أجل أن نصل لهذا الهدف أن نتخذ الخطوات بالتدريج، نبدأ أولا بتوحيد مواقفنا في المنظمات العالمية والمنظمات الدولية، نوحد مواقفنا بما يتفق مع مصالح الأمة الإسلامية بأن تحدد الأمة الإسلامية موقفها من الدول على ما يقتضيه مواقفها من قضايا المسلمين، هذه أول خطوة وهذه واجبة وليست صعبة وبالإمكان تطبيقها وهذا أمر لا بد منه أولا، ثم بعد ذلك نتدرج في مسألة التعاون الاقتصادي والتعاون الصناعي والتعاون الزراعي تكامل الخبرات عقد الاتفاقيات بمختلف أنواعها ثم بعد ذلك نأتي إلى اتفاقيات تتعلق بمسألة الدفاع المشترك نعمل اتحادات مثل الاتحاد الأوروبي نعمل برلمان مشترك خطوة خطوة وكل الخطى تكون بقدم راسخة وتكون ايجابياتها كثيرة وسلبياتها قليلة حتى نصل بعد ذلك إلى الحكومة الواحدة التي تجمع تحتها حكومات فدرالية أو ما شابه ذلك فهذا ليس أمرا صعبا ولا هو مستحيل ولا هو، يعني وجود الخلافات العرقية والسياسية والمذهبية لا يحول لأننا نشاهد الآن في العالم  كثير من الدول فيها هذه الخلافات فيها الخلافات العرقية وفيها الخلافات السياسية، بل نجد في الدول الأحزاب المتناقضة المتعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ومع ذلك هي تحت حكومة واحدة وتخدم هدفا واحدا فالأمر كله يقوم على الإيمان بالفكرة وإقامة العدل وضبط الأمور بعد ذلك المسائل كلها بالإمكان التغلب عليها.          

عثمان عثمان: إذن هنالك ضرورة ملحة للوحدة، ايجابيات الوحدة كثيرة ولكن لماذا يقع الاختلاف والتنازع؟

 الصادق الغرياني: الاختلاف والتنازع ينبغي أن نفرق بين التفرق والاختلاف التنازع أمر مذموم لأن التنازع هذا الخلاف الشديد وهذا هو سنة الله تعالى في الكون والاختلاف أيضا هو سنة الله في الكون يعني الناس بطبيعتهم لا بد تجدهم لا بد أن يختلفوا وهو من سنة التدافع الله تبارك وتعالى يقول: }وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ{ ] البقرة: 251[ قال تعالى: }وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ { ] الحج : 40 [قال تعالى: } وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ{ ] محمد : 4[ قال تعالى: }الم ﴿1﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{[العنكبوت: 1-2] فالأصل وجود التنازع ووجود الاختلافات هو قائم والتنازع هو مذموم شرعاً لأنه منهي عنه والاختلاف منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، الاختلاف القائم على الوصول إلى الحق مع الوصول إليه بالطرق الصحيحة التي تؤدي إليه هذا اختلاف محمود والمصيب فيه مأجور والمخطئ فيه مأجور، أما الاختلاف الذي يراد منه إقامة الباطل أو  حتى يقصد منه إرادة الحق ولكن لا يتخذ السبل أو يتبع السبل الصحيحة مثل الإنسان يريد أن يتكلم في علم على غير قواعده يتكلم في الشرع يفتي من غير أن يكون عنده معرفة بالعلوم الشرعية يفتي في الطب أو الهندسة من غير أن يكون عنده علم بهذه المسألة، إذا كان حتى لو كان يريد الحق و يريد أن يثبت شيء ما دام هو يتخذ طرق غير صحيحة غير معتمدة في ذلك العلم فهذا ميل لاختلاف مذموم لذلك أبو بكر الصديقt عندما تكلم في مثل هذه المسألة يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله برأيي، يعني الإنسان لما يستعمل برأيه على خلاف قواعد العلم يكون خلافه مذموم، لكن يختلف أذا كان استعمال الخلاف على وجهه الصحيح والمراد منه الوصول إلى الحق فهذا ممدوح لا شك فيه أما التنازع فهو تنازع كله لم يرد في القرآن إلا  في مورد الذم.              

عثمان عثمان: إلى ماذا يؤدي التنازع هل يؤدي إلى الفشل في الدنيا هل يترتب عليه العقاب في الآخرة؟

الصادق الغرياني: نعم التنازع واضح في كتاب الله عز وجل يقول: }وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{[الأنفال:46] قال تعالى: }وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ { ] الأنفال: 43 [ وعبر القرآن في موضع آخر عن الهزيمة بالتنازع }فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ{ ] طه: 62[ فرعون وقومه والسحرة لما جمعوا الناس ضحى يوم زينتهم وخرج فيهم موسى وزلزلهم وألقى فيهم تلك الكلمة كان لها وقع الصاعقة عليهم عنها انهزموا عبر القرآن عن هذه الهزيمة {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْْْْْ}[طه: 62[ فالله عز وجل كما أخبر في كتابه فقال لهم موسى: }وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ ﴿61﴾فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ ﴿62﴾{ ] طه :61- 62[ يعني انهزموا فالتنازع معناه هو الهزيمة وهو الفشل وهو المذموم هذا في الدنيا وهو واضح وكذلك أيضا هو علامة الخسران والبوار والهلاك في الآخرة فالله تبارك وتعالى يقول عندما حذر من النزاع وحذر من الفرقة: }وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ] آل عمران: 105[ والنبي r يقول ( خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية) والذي يدعوا إلى الفرقة ويدعوا إلى النزاع ويدعو إلى عدم جمع الكلمة وتشتيت الأمة إذا كان هو في منصب إمارة أو ولاية أيا كانت إذا كانت ولاية كبيرة أولاية صغيرة يعد غاشا للأمة والذي يغش الأمة يعد ذنبه عظيما فيقول r كما ثبت عنه في الصحيح(ما من راعي يموت عن رعيته وهو غاش لهم إلا حرم الله تعالى عليه الجنة).

عثمان عثمان: ما هي أنواع الفساد المترتبة على الفرقة والتنازع؟

الصادق الغرياني: أنواع الفساد كثيرة وعظيمة تبدأ أولا بأن الأمة لا تستطيع أن تستغل إمكاناتها بالصورة الصحيحة عند التنازع، التنازع أيضا معناه الهزيمة معناه المذلة معناه الهوان وما نشاهده نحن الآن في الأمة الإسلامية هو خير شاهد وخير دليل على ذلك لنأخذ مثلا الآن موقف المسلمين من قضية غزة أو من قضية سوريا الآن الشعب السوري يذبح ويقتل بصورة بشعة من حاكمه على مدى سنة كاملة وحتى عندما اجتمعت الدول وحاولت أن تساعد ورفعت هذا الأمم الأمر إلى مجلس الأمن خرجت الدول الكبرى ووضعت الاعتراض وفشل المشروع وانتهى كل شيء ولم نستطيع أن نحقق شيئا، ما السبب أن هذه الدول استطاعت أن تمكن للظالم وتمكن للحاكم المستبد أن يستمر في قتل شعبه وكانت لها الكلمة ودول العالم الإسلامي على أعدادها الكبيرة وإمكانياتها العظيمة لم تستطع أن تفعل شيء ما السبب في ذلك؟ السبب هو ضعفها والذي جعل الصين مثلا ولا روسيا ولا أميركا تملك هذا الحق هو قوتها ليس لديها أي مؤهل آخر هو القوة، فالمسلمون بسبب تفرقهم وبسبب تشتتهم أصابهم الهوان وأصابهم الضعف وأصابهم الذل فلا يستطيعون أن ينتصروا لإخوانهم ولا لأمتهم والله تعالى فرض عليهم ذا الأمر وهو نصرة أخوانهم }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ ] {التوبة: 71[ }وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ{ ] الأنفال: 72[ فهذه الفشل أو التنازع يؤدي إلى هذا الحال الذي الآن نراه في الدول الإسلامية.  

عثمان عثمان: ابتدأنا فضيلة الدكتور بالآية الكريمة }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{ ] آل عمران:103[ ذكرتم عددا من الآيات والأحاديث التي توجب الوحدة ولكن نقرأ في حديث النبي r: (( سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطنيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطنيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)) هل يؤثر ذلك في تصورنا على وحدة الأمة أسمع الإجابة إن شاء الله بعد أن أذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.      

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي نتحدث فيها عن ضرورات الوحدة ومخاطر الفرقة والانقسام مع فضيلة الشيخ الدكتور الصادق الغرياني مفتي ليبيا فضيلة الدكتور عودة إلى السؤال الذي ذكر قبل الفاصل أن النبي r سأل ربه دعوات عدة ومنها أن لا يجعل بأس الأمة بينها منع هذه الدعوة، إجابة هذه الدعوة، هل يؤثر ذلك في تصورنا عن وحدة الأمة؟     

الصادق الغرياني: أبدا لا يؤثر لأن الأمرين الأولانيين وهو أن الله تبارك وتعالى تفضل على هذه الأمة ألا يأخذها بالسنين والقحط والمجاعات وألا يستأصلها بالغرق هذا من السنن الكونية التي قضى الله عز وجل بها وهو أمر يعني يقضي به كما يقضي على سائر خلقه بما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وليس في هذا تكليف هذا خارج عن نطاق التكليف وخارج عن نطاق الابتلاء بل هو نعمة أخذه الله عز وجل بأنه تفضل بها علينا، أما الأمر الآخر وهو ألا يجعل بأسنا شديد فهذا لم يقض به بل جعله محل ابتلاء مثل أمرنا مثلا أن نعتصم بحبل الله جميعا وترك الخيار لنا مثل أن يأمرنا بالصلاة أو يأمرنا بالصيام فمن صلى أطاع الله عز وجل ومن لم يصل عصى الله عز وجل والفرق بين السنن الكونية والسنن التشريعية والسنن الشرعية، السنن الكونية لا خيار فيها المكلفين ولا يكلفون بها مثل أن يقضي الله عز وجل بأن يموت فلان لا يكلف بأنه يعني يرد الموت أو يفقره أو يعمله حادث سيارة أو يفقد ماله هذه أشياء سنن كونية ليست محل التكليف وتقع ويستوي فيها العاصي والمطيع من عباد الله لا أحد يستطيع أن يفعل حيالها شيئا لا يستطيع المطيع أن يطيع الله عز وجل فيها ولا يستطيع العاصي أن يتجاوزها لكن السنن التشريعية التي محل الاختبار المطيع يقف عندها قال الله عز وجل: }وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً{  [ آل عمران: 103] يعمل على تحقيق هذه الوحدة والعاصي يقول لا أنا لا افعل ذلك فيؤتى لهذا بالجنة ويجاز هذا بالجنة فيبتلى الآخر فيعاقب بالنار.

عثمان عثمان: لا يعني ذلك لزوم التنازع بين الأمة إنما هي هذه النقطة موضع اختبار وابتلاء لأفراد الأمة.

الصادق الغرياني: نعم هذه النقطة موضع اختبار مثل سائر التكاليف الأخرى والله عز وجل يأمرنا بالإصلاح ويأمرنا بالخير ويأمرنا بالصدقة ويأمرنا بإقامة العدل فإذا فشلنا ولم نقم العدل ليس معنى هذا أن الله عز وجل يعني أراد منا أن لا نعدل وأننا مجبرون على ذلك بل ترك الاختيار وترك لنا إرادة نستطيع أن نفعل بها الخير ونفعل بها الشر يقول الله تبارك وتعالى: }وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً{  [ التوبة : 46] وما تشاءون إلا ليشاء الله فأسأل الله عز وجل للناس المشيئة وأسأل لهم الإرادة هذه هي موضع التكليف أما القدر فهذا لا علم لنا به الله عز وجل عندما يعاقب الناس على الابتلاء عندما يخالفون عندما العاصي يخالف إنما يعاقبهم على عصيان الأمر لا يعاقبه على القدر..

عثمان عثمان: اسمح لنا فضيلة الشيخ نأخذ نعم، اسمح لنا أن نأخذ بعض المشاركات من السادة المشاهدين إبراهيم عبد الباسط من هولندا السلام عليكم، عبد الحق الجلي من اسبانيا، أيضا انقطع الاتصال من المصدر أيوب إبراهيم من ليبيا تفضل إبراهيم.

 أيوب إبراهيم: السلام عليكم.

 عثمان عثمان: وعليكم السلام.

 أيوب إبراهيم: في البداية أنا أحيي قناة الجزيرة ونحيي الشيخ الصادق الغرياني مفتي الديار الليبية ونحييك يا سيدي هذا الموضوع..

 عثمان عثمان: مرحبا بك أخي تفضل في سؤالك، بارك الله فيك.

 أيوب إبراهيم: لا أنا نستفسر من نقطة أن السيد الصادق الغرياني عندما يقول التقسيم وغيرها وهو مخالف للشريعة والدين، الفدرالية يا سيدي هي ليست نظام تقسيمي هي نظام حكم ولائي وليس نظام سياسة دولة يراد بها السلطة  بين السلطة المركزية والحكومات الفدرالية يعني نضمن نحن الليبيون أن لا يأتيهم طاغي آخر مثل القذافي..

 عثمان عثمان: شكرا واضح السؤال أخ أيوب إبراهيم شكرا جزيلا لك فضيلة الشيخ نعود لنتابع إسماعيل الشرطاوي إسماعيل الشرطاوي نعم تفضل.

 إسماعيل الشرطاوي: السلام عليكم.

 عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله.

إسماعيل الشرطاوي: لدي سؤال لفضيلة الشيخ شيخنا الغرياني من ليبيا بارك الله فيكم.

 عثمان عثمان: تفضل.

 إسماعيل الشرطاوي: أولا هذا السؤال الخلافة الإسلامية قديما كانت كما أشرتم في العنوان أسفل الشاشة نعم الحمد لله كانت كما ينبغي لكن الآن الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي هذه المسميات على الأقل هل نحن يمكن بالمستقبل أن تكون هناك رؤية على غرار هذه الثورات العربية أو الربيع العربي ممكن يكون اقتراح للدول العربية والإسلامية اتحاد يعني ممكن هل يمكن؟

 عثمان عثمان: واضح، واضح سؤال أخ إسماعيل وأعتقد أن فضيلة الدكتور أجاب على هذه المسألة على سؤال أحد السادة المشاهدين نأخذ الأخ عبد الغفور حياني من قطر تفضل.

عبد الغفور حياني: السلام عليكم.

عثمان عثمان: وعليكم السلام ورحمة الله.

عبد الغفور حياني: تحية لشيخنا فضيلة سماحة المفتي الصادق وبتوجه له بنفس السؤال عسى ربي عز وجل أن يكرمه بهذا العمل الخير وتعاونوا على البر والتقوى فيا أخي الفاضل الآن الثكلى عندهم في ليبيا من بلادنا سوريا والسلطات لم تسمح بدخولهم إلى أراضيهم لعل الله عز وجل يكسبك الأجر أنت والصادق بتوجيه نداء للسلطة الليبية بتسهيل أمور هذه العوائل وجزآكم الله كل خير.

إدارة الاختلاف في إطار الوحدة


عثمان عثمان:
شكرا جزيلا أخ عبد الغفور حياني أعتقد إنه دعوته وصلت، فضيلة الدكتور نعود إلى موضوع النصوص التي حضت على الوحدة هناك حديث النبي عليه السلام أيضا الذي يتحدث عن افتراق الأمة أيضا في إطار مفهوم الوحدة أين موقع هذا الحديث؟

الصادق الغرياني: هذا أيضا لا يعوق الوحدة لأن الإقبال عن افتراق الأمة هذا أيضا موضع اختبار وابتلاء أنه يوجد في الأمة يعني فرق مختلفة ولها اتجاهات فكرية واتجاهات عقائدية ولكنه مع ذلك مع وجود هذه الفرق وهذه الانتماءات هي مطالبة بجمع الكلمة ووحدة الصف وهذا لم يعق الأمة الإسلامية أن تكون تحت خلافة واحدة لأن هذه السمات الفكرية وهذا الحديث الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة تفترق على بضع وسبعين فرقة ثلاث وسبعين فرقة هذا ليس لأن هذا بدأ من عهد أواخر الخلافة الراشدة وحتى إن بعض العلماء الذين يريدون أن يحددوا هذه الفرق ويقربوها من العالم الذي يخضع به النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن أصل الفرق هي 6 فرق وجدت من العهد الأول من عهد أوائل الدولة الأموية وأواخر الخلافة الراشدة ويجعلون هذه الفرق الستة الحرورية والرافضة والجهمية والمرجأة والقدرية والجبرية، ويقول الفرق الأخرى كلها تفرعت عن هذه الفرق ووجود هذه الفرق وهذه الانتماءات لم يحل دون أن تكون الأمة تحت خلافة واحدة فالأمر كله يتوقف على وجود همة وإيمان بهذه القضية ثم بعد ذلك تحقيق العدل واستقرار النظام للأمة عندها كل هذه الاتجاهات كل هذه الانتماءات قد تجد مصلحتها في الوحدة أكثر مما تجدها في الفرقة.

عثمان عثمان: لكن فضيلة الشيخ هنا بعض الفرق أو كثير من الفرق تعتبر نفسها أنها هي الفرقة الناجية وأن غيرها في النار ألا يؤثر يعني هذا المنطق أو هذا الفهم أو هذا التصور على وحدة الأمة هذه المختلفة إلى بضع وسبعين فرقة؟

الصادق الغرياني: هذول يؤكد أنه سوف لن يكون، هؤلاء سيكون القلة في الأمة الكثرة في الأمة هي الأمة التي على الحق ولكن الفرق هذه المختلفة ترى أنها الحق وربما تكون لها مبادئ متشددة هذه لن تكون هي الكثرة والحكم دائما يكون للكثرة حتى بمنطق الديمقراطيات الحديثة نعم.. 

عثمان عثمان: لا تجتمع أمتي على ضلالة.

الصادق الغرياني: نعم.

عثمان عثمان: لا تجتمع أمتي على ضلالة، نعم، في القرآن الكريم أيضا آيات كثيرة تتحدث عن ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس:19] {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[يونس:11] إلى غير ذلك يعني كثيرا ما يستدل من هذه الآيات والنصوص الشرعية على أن الاختلاف سنة كونية كيف نفهم هذا الاختلاف المنسوب للأمة وربما أجبتم على هذا السؤال ولكن أريد هنا كيف ندير هذا الاختلاف في ساحتنا الإسلامية في ساحة العمل الإسلامي؟

الصادق الغرياني: أولا الأمة في هذه الآيات ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[يونس:11]  {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}[يونس:11] المراد بالأمة هنا وهي المراد بها الدين كان الناس على دين واحد فاختلفوا على دين الفطرة فاختلفوا وكما قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف: 22] يعني على دين الوثنية ومنه قول النابغة: 

 حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً             وهل يأثمن ذو امةٍ وهو طائع

 يعني هل يقع الإثم من صاحب الدين وطوعا لا كراهية والاستفهام يعني الإنكاري أي لا يقع، فالمراد بالأمة هنا الدين وهذا كما قلت هي سنة كونية الناس غير مسؤولين عنها وغير مكلفين بها فالله عز وجل خلق خلقا للجنة وخلقا للنار ولا يسأل أحد الناس عن لماذا كان بعض الناس مؤمن وكان بعض الناس كافر لأن المسؤولية مسؤولية فردية لكن المسؤولية الفردية هي في عدم التنازع كل إنسان مسؤول أن يعمل على جمع الأمة ويوحد صفها لأن هذه هي السنة الشرعية السنة التكليفية هذه يجب أن لا نخلط بين الأشياء التي قدرها الله عز وجل وحكم بها ولا مناص منها وهذه لا مجال فيها للتكليف نحن لسنا مبتلين بهذا الأمر، نحن مبتلين، بأننا نحن مبتلين بأننا هل نعمل بأمر الله عز وجل {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103[ أما مسألة كيف ندير الاختلاف فهذا الأمر فيه بأن نرجع إلى أدب المسلمين وأدب السلف الصالح في الحوار ولهم في هذا يعني بلغوا في هذا الأدب مبلغا عظيما ولهم فيه كلمات نيرة ومشرقة يعني تجمع الكلمة وتوحد الصف وفيها موضوعية وفيها إنصاف وفيها إحسان لذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يعني في مسائل الخلافة ((رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحمله الصواب)) وقوله ((ما ناظرت أحد إلا وتمنيت أن يخرج الله الحق على يديه)) وهذا من إنصافه ومن الدليل على أخلاصه وهو عنده أيضا عبارة تكتب بماء الذهب تعبر عن مدى إخلاص العالم وصدقه في احتواء الأمة واحتواء المشاكل يقول ((وددت لو أن هذا العلم تعلمه الناس وعملوا به وأجروا عليه ولا ينسب لي منه شيء)) بل وصل الحال بعلماء المسلمين أن بعضهم كان يتعلم العلم وليس هو بحاجة ليتعلم بابا من أبواب العلم وليس بحاجة بأن يعمل به وإنما ليتخذه حجة لخصمه يقول عبد الله بن المبارك ((إني أتعلم العلم والحديث وأكتبه وليس في رأيي أن أعمل به ولا أن أحدث به ولكن لأتخذه ولكن لأجل أن أتخذه حجة لصاحبي إذا عمل به حجته عمل بالحديث النبوي)) والإمام الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى عنده كلام جيد في هذا الموضوع يقول: (( وللرجل أن يقصد إلى التوافق وجمع الكلمة بترك بعض بترك المستحبات لأن مصلحة التوافقي في الدين أعظم من مصلحة مثل هذه الأمور)) ويستدل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك بناء الكعبة وهو يحب أن يفعله من أجل التوافق وجمع كلمة المسلمين في ذلك الوقت كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: (( لولا قومك حديث عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم)) ويستدل أيضا بقول عبد الله بن مسعود وقد أنكر على عثمان رضي الله تعالى عنه أنه أتم في السفر ثم مع ذلك أتم معه وقال: ((الخلاف شر)) والعلماء يذكرون في هذه المسائل كثيرة نقول مثل للإمام إذا كان لا يرى أو كان يرى بعض المستحبات والمأموم لا يرونها فإذا ترك الإمام هذه المستحبات من أجل التوافق وجمع الكلمة فقد أحسن..

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ..

 الصادق الغرياني: نعم.

عثمان عثمان: ومن أجل ذلك أيضا والنقطة، من أجل ذلك أيضا نجد أهل العلم كرهوا الجدال في الدين، والإمام مالك رحمه الله تعالى كان سئل الرجل عنده الحديث ((هل يجادل به قال يتكلم بالسنة فإن قبل منه وإلا ترك وجاءه ذات رجل من أهل الجدل اسمه أبو جويرة يريد أن يجادله فقال له مالك رحمه الله إن يعني ((إذا غلبتني ماذا نصنع؟ قال تتبعني قال إن غلبتك قال اتبعني، وإن جاء ثالث فغلبنا، قال نتبعه قال يا عبد الله نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بدين واحد وأراك تتنقل هذه السلسلة بنت سليسلة كلما جاءنا رجل أجدى من رجل تركنا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما جاء به هذا الرجل الذي يجادل)) وأبو أيوب السختياني رحمه الله جاءه رجل ليجادله فقال له: (( كلمة يا أبا أيوب قال ولا نصف كلمة)).

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور تحدثنا أن الاختلاف سنة كونية هناك تعدد فكري وتعدد في فهم النصوص الشرعية نتحدث في الجانب العلمي وأفضتم فيه لكن في الجانب السياسي اليوم نرى مجموعة من التيارات السياسية الإسلامية والفكرية هذه التيارات على اختلافها ربما تواجه تحديات مشتركة من أنظمة علمانية خاصة إذا كان هناك استحقاقات سياسية كانتخابات نيابية مثلا الأخ كريم زيروكي يقول ما حكم الوحدة شرعا بين مختلف أطياف العمل الإسلامي في ظل تحديات حرجة تستهدف الساحة الإسلامية كلها وهنا يتحدث أيضا عن موضوع الانتخابات النيابية التي يتنافس فيها أبناء الساحة الإسلامية كلهم؟

الصادق الغرياني: هو كما قلنا دائما في نهاية الأمر هو الكلام للأغلبية والأكثرية والأمة لن تجتمع على ضلالة وأكثر الناس في مجتمعنا المسلم أكثرهم مسلمون وأكثرهم معتدلون وحتى عندما تكون هناك توجهات وتيارات أخرى وأحزاب أخرى يمكن أن تكون تحت حكم واحد كما نشاهد الآن في كثير من الدول الكبرى هناك أحزاب متناقضة ومتضاربة واحد في أقصى اليمين وواحد في أقصى الشمال وواحد في الوسط ومع ذلك هناك قانون يجمعهم ويضمهم ويعطي لكل الأقليات حقوقها ويعطي العرقيات حقوقها وعندما يكون هناك عدل الأمور كلها تستقر، فالنقطة الأساس هي أن يكون هناك دور للأمة دور للحكام ودور للعلماء، العلماء عليهم دور كبير لأن الناس في غفلة والحكام منصرفون عن هذا الهدف فنجد حتى دور العلماء قاصر في مثل هذه المسائل قاصر في توجيه الحكام إلى هذه الفريضة المنسية والمفقودة وقاصر أيضا في توجيه عامة الناس لأن عامة الناس مثلا لو أتينا إلى قضية، قضية فلسطين قضية غزة، من حين لآخر يأتيها عدو يجتاحها ويفعل ما يفعل ويقتل وينهب ويفعل ما يريد ويستبيح الحرمات تجد عامة الناس ربما يقولون نحن نريد أن نعمل شيء لكن ما هو الذي نستطيع أن نعمله؟ نريد معناه العلم أن يوجهوننا نريد أن نعمل عمل مستمر لا عمل طفرة في وقت الحدث نقف  نجمع تبرعات ثم بعد ذلك تهدأ الأمور وحتى ننتظر أن تأتينا صفعة أخرى، نريد أن نشارك، هناك واجب شرعي على كل مسلم أن يقوم بواجبه لنصرة أخيه المسلم أينما كان، دور العلماء يجب عليهم أن يبينوا هناك يفترض أن يكون هناك المجلس الأعلى لعلماء المسلمين أو كذا يدرس مثل هذه القضايا دراسة متأنية من قبل أناس متخصصين لمشاركة عامة الناس في مثل هذه الحوادث مثلا ما هو الشيء الذي يمكن لكل مسلم أن يشارك فيه دون أن يكون هناك فيه تعدي على دولته أو تعدي على القوانين مثلا مقاطعة بعض الدول التي لها يعني أثر كبير في العدوان مثلا تبرعات بقيم رمزية تكون مستمرة كل أسبوع أو كل شهر واجب شرعي على كل مسلم، يعني هناك أشياء يجب أن تكون، هناك أشياء مدروسة من قبل ناس متخصصين في القانون وفي الاقتصاد في القانون الدولي بحيث يمكن المسلم يمكنه أن يسهم دون أن يكون هناك عليه اعتراض من حكومته أو يتعرض للأذى هذا واجب مفقود يجب على المسلمين لابد أن تتاح لهم هذه الفرصة.

 الشريعة ومدى أهميتها في توحيد الأمة

عثمان عثمان: في ظل يعني حالة الانقسام والفرقة التي ربما تسود الأمة في هذه المرحلة هل يمكن لمقاصد الشريعة أن تشكل عامل وحدة بين عناصر الأمة؟ 

الصادق الغرياني: ما في ذلك شك مقاصد الشريعة يعني مثلا جمع الكلمة ووحدة الصف مقصد من مقاصد الشريعة الكلية وتجري إلى مقصدين مقصد الحفاظ على الدين والحفاظ على النفس لأن الذي يستطيع أن يمنع العدو من أن يقف في وجه الدعوة الإسلامية والذي يستطيع الشيء الذي يمكن أن يقف أمام العدو بحيث لا يتجرأ على دين المسلمين ولا ينتهك الحرمات ولا المقدسات ولا يستطيع أن يستبيح دول المسلمين وأموالهم وأعراضهم، هذه أشياء تتعلق بدين المسلمين وتتعلق بأرواحهم وهذه من مقاصد الشرع ولا يمكن الوصول إلى حماية هذا الدين من هذه الانتهاكات ولا حماية الأرواح من هذه الانتهاكات إلا بقوة الأمة وقوة الأمة لا تتحقق إلا بوحدتها. 

عثمان عثمان: اسمح لي أن أنقل سؤال أحد المشاهدين السوريين عبد الله يقول بعد مضي شهور على تشكيل المجلس الوطني الانتقالي السوري ما هي نصيحة فضيلة الشيخ الصادق الغرياني لأعضاء المجلس التي لربما تضمن وحدة الصف ونبذ الفرقة في ظل أو في ضوء تسلط آلة الحرب ضد المدنيين في سوريا وسحقهم؟ 

الصادق الغرياني: أدوات النصر ذكر الله عز وجل في هذه الآيات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 45-46]  الثبات والصبر وذكر الله عز وجل وهو الإخلاص لله عز وجل والقيام بهذا الواجب من أجل إقامة الحق وإماتة الباطل لا أي  نصرة شيء آخر لنصرة دين الله عز وجل ثم بعد ذلك جمع الكلمة ووحدة الصف مهما اختلفت الآراء مهما اختلفت الاتجاهات وهذا عامل أساسي رئيسي كان في نصر ثورة ليبيا بحمد الله عز وجل، الآن بعد انتهى التحرير خرجت فيها انتماءات لا أول لها ولا آخر لكن في مرحلة التحرير كان هؤلاء الناس جميعا كلهم يتكلمون بصوت واحد ولم ينبس أحد ببنت شفة يخالف فيها طائفة أخرى، فجمع الكلمة أساس مع الثبات والنصر مع الإخلاص لله عز وجل لنصرة دينه فهذه هي وسائل النصر التي نسأل الله عز وجل أن يوفق أهلنا في سوريا للوصول إليها. 

مفهوم التطاوع والتوافق

عثمان عثمان: هناك حديث للنبي عليه الصلاة والسلام ((يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا تطاوعا ولا تختلفا)) ما مفهوم التطاوع هنا فضيلة الشيخ؟

الصادق الغرياني: التطاوع والتوافق في هذا الحديث هو وجهه وخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ ابن جبل حين أرسلهما إلى اليمن لقاضيين يعلمان ويفتيان ويأخذان الصدقات فأمرهما بهذه الأشياء الثلاثة وأمرهما أن يتطاوعا بمعنى يتوافقا ولا يختلفا لأن اختلافهما يؤدي إلى اختلاف أتباعهما فيحصل الشقاق ويحصل النزاع في ذلك الهزيمة وهذا فيه دليل على أن ينبغي أن لا تتضارب الفتاوى في المكان الواحد لأن تضارب الفتاوى في المكان الواحد قد يكون فيه فساد للجماعة وفرقة للأمة وهذا الحديث فيه دليل على هذه المسألة. 

عثمان عثمان: في موضوع تضارب الفتاوى الأخ جمال حسان يسأل أفرزت الثورات العربية اختلافا واضحا بين علماء السلطة وعلماء الثورة، كيف نفهم هذا الاختلاف بين العلماء كيف يمكن لعامة الناس أم يتعاملوا مع مثل هذه الفتاوى المتضاربة في دقيقة واحدة السؤال كبير ولكن نريد أن نختصر في دقيقة واحدة فضيلة الشيخ؟

 الصادق الغرياني: المسألة هنا الناس يميزون لا شك أنهم الذي ينحاز إلى الظالم لا شك أنه يصنف نفسه في حزب الظالمين فمثلا الآن ما يجري في سوريا لا يمكن لأي عاقل أن يرى أن ما يفعله حاكم سوريا الآن بشعبه ويستعمل ضد أمته كل وسائل التعذيب والذبح والقتل وانتهاك الحرمات وحتى إنه لا يسمح لإدخال الاغاثات الإنسانية ولا الدواء ولا يسمح حتى للناس ينقلون الأخبار الصحيحة ويعني إعلامه قائم على الكذب وعلى الدجل وعلى تلفيق الحقائق والتلبيس على الناس فمن يفتي بهذا الأمر يعني لا يشك أي إنسان عنده عقل أن هذه الفتاوى هي فتاوى غير صحيحة…

 عثمان عثمان: شكرا.

 الصادق الغرياني: ولا يمكن أن تتفق مع أوامر الله عز وجل، لكن إذا كان الإنسان  قام بالعدل وبين بالحق واستدل على ما يفعل بالنسبة الصحيحة وكتاب الله عز وجل..

 عثمان عثمان: شكرا.

 الصادق الغرياني: فهذا أمر يتميز ويعلن أنه على الحق وعلى الصواب.

عثمان عثمان: شكرا فضيلة الدكتور الصادق الغرياني مفتي ليبيا كنتم معنا من طرابلس كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، أنقل لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.