الشريعة والحياة - الشأن الديني في تونس - صورة عامة
الشريعة والحياة

الشأن الديني في تونس

يستضيف البرنامج نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية في تونس وأستاذ الفقه وأصوله في جامعة الزيتونة، ليتحدث عن الفتاوى في تونس والخلل الحاصل في الأسلوب والمنهج. وما الآلية لإحياء منظومة الأوقاف في تونس؟
‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان
‪نور الدين الخادمي‬ نور الدين الخادمي
‪نور الدين الخادمي‬ نور الدين الخادمي

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة إلى حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي نستضيف فيها فضيلة الدكتور نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية في تونس وأستاذ الفقه وأصوله في جامعة الزيتونة وقبل الدخول مشاهدينا الكرام في موضوعنا الذي يناقش الشأن الديني في تونس نتناول الوضع الخطير الذي تتعرض له مدينة القدس في ضوء إجراءات التهويد المتسارعة للاحتلال الإسرائيلي والذي تصدر أعمال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي للدفاع عن هذه المدينة المنعقد في العاصمة القطرية وسط دعوات من المشاركين بالبدء بإجراءات ملموسة لدعم صمود سكانها وتشكيل لجنة تحقيق دولية بالانتهاكات الإسرائيلية مرحبا بكم سيدي.

نور الدين الخادمي: أهلا وسهلا مرحبا بكم وبهذا البرنامج الطيب المبارك.

عثمان عثمان: طبعا سابقا حاولنا استضافتكم لكن كنتم بحاجة إلى إذن الآن تأتون إلى هذا البرنامج وأنتم على رأس وزارة دون إذن مسبق.

نور الدين الخادمي: هذا من فضل الله سبحانه وتعالى وقد كنت وددت أن أشارك في هذا البرنامج سابقا ولكن الظروف كما ذكرتم لم تسمح والحمد لله ها أنا الآن في هذا البرنامج بحضوركم وفي هذه الدولة دولة قطر الخير وأحيي كافة المشاهدين والمشاهدات في تونس وفي قطر وفي كل العالم العربي والإسلامي والإنساني.

الانتهاكات الإسرائيلية ضد مدينة القدس

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور وضع القدس الخطير الآن يفرض نفسه في هذه الحلقة وفي كل المنتديات والمنابر الآن في الدوحة مؤتمر دولي لمواجهة تهويد القدس وهناك دعوات لإجراءات ملموسة في مواجهة هذا التهويد يعني عمليا بعدنا عن المؤتمرات عن الشعارات عن الخطابات من الواجب عمليا لمواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية.

نور الدين الخادمي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف:10] التهويد هذا آخر وأعظم الجرائم والمظالم التي استهدفت الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعب العربي والشعوب الإسلامية وكذلك شعوب العالم الأحرار والشرفاء، هذا التهويد الذي يتعاظم ويزداد وهو من أسوء ما عرفت الكرة الأرضية والصراع العربي الإسلامي الإنساني الإسرائيلي لابد أن يتحول الأمر الآن من القول إلى الفعل إلى المساندة الفعلية الحقيقية.

عثمان عثمان: كيف نترجمها؟

نور الدين الخادمي: نترجم ذلك من خلال أن يتنادى كل الأحرار من مسلمين وعرب وشرفاء إلى وضع إستراتيجية مبدئية حقيقية عملية وفعلية تستند إلى الإطار القانوني والحقوقي وتستند كذلك إلى المشروعية التاريخية والمشروعية النضالية والإنسانية من أجل التصدي الفعلي لهذه المظالم والمجازر لأن الكلام لم يعد يكفي، وروح المؤتمر هذا اليوم والاتجاه العام الآن في المنطقة العربية والإسلامية يدعو إلى أن يتحول القول إلى الفعل وربما الثورات العربية الثورة التونسية والثورة الليبية والمصرية والسورية واليمنية هذه الثورات إنما هي إطار الآن يؤسس لمرحلة جديدة لعل أبرز عناوينها مواجهة والتصدي للكيان الصهيوني الإسرائيلي والتصدي لعمليات التهويد التي تهدد ليس المسجد الأقصى فقط وإنما تهدد القدس وتهدد كل المكون الفلسطيني المادي والمعنوي والروحي وأيضا تهدد المكون العربي والإسلامي فلابد إذن من التحول من القول إلى الفعل وهذه مهمة العلماء ومهمة السياسيين ومهمة المناضلين والحقوقيين وكل الشرفاء في الأمة العربية والإسلامية كل المناضلين هذا يرتقي للواجب الشرعي الإسلامي وإلى الواجب الوطني والحضاري وإلى المسؤولية التي هي الآن تناط بذمم كل هؤلاء.

عثمان عثمان: دكتور الآن مسألة شد الرحال إلى المسجد الأقصى ربما حصل فيها نوع من التجاذب ونوع من النقاش حول حرمة الذهاب إلى المسجد الأقصى وهو في ظل الاحتلال الإسرائيلي باعتبار أن ذلك نوعا من التطبيع مع الاحتلال وإقرار بواقع هذا الاحتلال وهناك دعوات سياسية ربما برزت اليوم من الرئيس الفلسطيني بأن زيارة المسجد الأقصى هو نوع من الدعم للمقدسيين.

نور الدين الخادمي: شد الرحال إلى المساجد الثلاثة ورد فيها حديث نبوي صحيح ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)) وورود هذا الحديث يأتي في سياق تعظيم هذه المساجد وإمارتها بالصلوات والذكر وبدروس العلم وبعمل الاجتماعي الإسلامي والوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية ولكن هذا المعنى الإسلامي المعرفي الفقهي إنما هو يرد في هذا السياق أما السياق الآخر والذي لابد أن يؤخذ فيه معنى إنه هذا الشد أو هذه الزيارات لابد أن تتنزل أيضا في سياق سياسي وسياق اجتماعي والسياق الآن هو سياق صراع متواصل بين الكيان الصهيوني وبين المسلمين والعرب والأحرار كما ذكرنا وذلك فالمسألة مسألة تقديرية واجتهادية منهم من رأى أن زيارة الآن تحقق خيرا معينا إلى الشعب الفلسطيني ومنهم من رأى خلاف ذلك ومن رأى عدم الزيارة الآن نظر إلى أن هذه الزيارة ستكرس الواقع الصهيوني وتطبع مع جرائمه ومع توسعاته ومظالمه وأيضا ستهمش ربما القضية المركزية القضية الجهادية النضالية لأن التطبيع أخطر من، التطبيع لا يقل خطورة عن المظالم ذاتها وربما الزيارة ستطبع نفسيا واجتماعيا ويصبح الأمر وكأنه عادي وهذا قد يعتبر أمرا إضافيا للاحتلال الصهيوني كي يزيد بناء عليه مظالمه ومجازره، فالمسألة إذن تقديرية ولكن الاتجاه الفقهي العام هو أن هذه الزيارة ليس وقتها الآن وإذا كنا نتحدث عن شد الرحال فشد الرحال على المستوى الفكري وعلى المستوى النضالي وعلى المستوى الاهتمام اهتمام وشعور بمعاناة هؤلاء الأخوة المناضلين وأيضا شد الرحال على مستوى وضع الإستراتيجية العربية والإسلامية والثورية الآن من أجل مقاومة هذا المحتل الغاصب.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا موضوع القدس موضوع طويل وينبغي فيه الحديث بشكل أطول لكن الآن نعود إلى متابعة موضوعنا الذي خصصنا هذه الحلقة له الشأن الديني في تونس ولكن قبل ذلك نذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي نخصصها لمناقشة الشأن الديني في تونس فقد فرضت الثورة في تونس وضعا جديدا فيما يتعلق بالدين وموقعه من الحياة العامة وخرج الدين من عباءة السلطة السياسية والرؤية الأحادية لها إلى الساحة العامة للناس أي أن الدين تحرر من سلطان السلطة القاهرة وانفتحت آفاقه على فاعلين مختلفين انتماء وتوجهات وتصورات ومواقع ولكن في ظل هذا الانفتاح كيف سيعاد تنظيم المجال الديني في تونس بعد الثورة؟ وهل المسألة الدينية تعبدية محضة أم وطنية أيضا؟ وما مصير التدين التونسي في ظل انتهاء سيطرة الدولة ووجود تصورات مختلفة عن الإسلام؟ وقبل الدخول في الحوار نتابع التقرير التالي الذي يصور المشهد الديني في تونس.

[ تقرير مسجل ]

محمد البقالي: زال حاجز الخوف فأقبل كثيرون على تعلم القرآن وعلوم الدين في هذه الجمعية وفي عشرات غيرها على امتداد تونس يحاول الكثيرون تعويض زمن كانت فيه مثل هذه الاجتماعات شبهة تورد صاحبها المهالك، وفي زمن الحرية يستعيد الدين في تونس حضوره في الحياة العامة لكن الأمر لا يخلو من جدل فالمشهد الديني بعد الثورة متعدد ومعقد أحيانا، أكبر الحركات الإسلامية في تونس هي حركة النهضة الحاكمة صوت لها قرابة نصف الناخبين في انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر الماضي تنتح في جذورها الفكرية من مدرسة الإخوان المسلمين لكنها طورت كثيرا في أدبياتها وأضحت الآن تمثل مدرسة مستقلة وأقرب ما تكون إلى منهج حزب العدالة والتنمية التركي، لا يرضي ذلك التيار السلفي في البلاد والسلفيون في تونس ليسوا على قلب رجل واحد يجمع بينهم الإيمان بتحكيم الشريعة واعتماد أكثر الاجتهادات تشددا خاصة في قضايا المرأة والحرية لكنهم يختلفون حول الموقف من العنف بين من يتبرأ منه وبين من يعتبره جهادا، حزب التحرير مكون آخر من مكونات الحراك الإسلامي في تونس يبشر هذا الحزب الذي يمثل امتدادا لحزب التحرير العالمي بمشروع دولة الخلافة وبتطبيق الشريعة لكنه يرفض العنف منهجا وممارسة على الطرف المقابل دعوات لفكر إسلامي حداثي رفع لواءها مفكرون وباحثون من أمثال هشام جعيط وعبد المجيد الصرفي وغيرهم لكن هذه الدعوات بقيت حديثة الكتب والصالونات الفكرية فقد ووجهت بأنها أقرب ما تكون إلى القراءات الاستشراقية للتراث الإسلامي، وبين هؤلاء وأولئك متصوفة وشيعة ذكرهم محدود لكنهم موجودون دون أن يعرف أحد على وجه التحديد حجمهم الحقيقي في المجتمع، في ظل هذا الحراك تجد وزارة الشؤون الدينية في تونس نفسها في مواجهة أسئلة حارقة أي نموذج ستدافع عنه للإسلام في تونس؟ وما موقع الدين في الدولة؟ وكيف السبيل إلى تحقيق التعايش بين مختلف المكونات المجتمعية؟ فتونس التي مثلت منارة للعلم الإسلامي طيلة عقود من خلال جامع الزيتونة تطلع اليوم إلى استعادة دورها ومكانتها عل زمن الحرية يصلح ما أفسدته عهود الاستبداد. محمد البقالي، الجزيرة، تونس.

[نهاية التقرير]

عثمان عثمان: مرحبا بكم فضيلة الدكتور من جديد.

نور الدين الخادمي: أهلا وسهلا.

أهمية وزارة الشؤون الدينية في ضبط العمل الإسلامي

عثمان عثمان: يعني ما أهمية وزارة الشؤون الدينية في ضبط مسارات العمل الإسلامي في تونس ثمة مطالبات حثيثة ومتشددة بإلغاء وزارة الشؤون الدينية، مؤسسة الإفتاء، وتحويل الشأن الديني برمته إلى المجتمع المدني ما قيمة مثل هذه الدعوات؟

نور الدين الخادمي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وزارة الشؤون الدينية أو الشؤون الإسلامية أو وزارة الأوقاف هذه وزارات موجودة في كل الدول العربية والإسلامية وهي مثل الوزارات الأخرى كوزارات الصحة والتعليم دورها يعنى بشأن واضح هو الشأن الديني كالشأن الصحي والشأن التعليمي، وهذا الشأن له مؤسسات وهياكل وأعمال وله مضمون ومحتوى وله أساليب وقوانين تنظمه إلى آخره، فإذن هذا النشاط لابد أن تحتضنه مؤسسة تتبع الدولة وليس تتبع حزبا سياسيا أو دولة يطغى عليها حزب سياسي معين فمن الناحية التنظيمية والمؤسسية من ناحية الجدوى وأيضا من ناحية الربط بين هذه الوزارة وسائر الوزارات الأخرى لابد أن تتأسس أو أن تقوم وزارة بكل هذه المعطيات من أجل الضبط والإشراف وتوجيه الشأن الديني طبعا الشأن الديني شأن وطني ليس شأنا حزبيا ليس شأنا فصائليا إنما هو شأن يهم كل المواطنين..

عثمان عثمان: عندما نتحدث عن الضبط ما المقصود بالضبط؟

نور الدين الخادمي: الضبط هو الضبط القانوني والضبط المضموني أن يكون هذا الشأن الديني شأن وطني بمعنى يخدم الوطن يحقق الوحدة الوطنية يعمق ويرسخ الهوية العربية الإسلامية يعطي للناس المعلومة الشرعية الصحيحة يرشد السلوك يعني يسعى من أجل بناء الشخصية الوطنية العربية الإسلامية المدنية الوسطية المعتدلة المتوازنة التي ليس فيها إفراط ولا تفريط فإذا نحن مثلا أهملنا هذا الجانب وهذا الذي وقع فعلا فيما مضى من الأيام والأعوام في تونس عندما غلب العلماء ومنعت الدروس العلمية الشرعية بالمساجد وخاصة بجامع الزيتونة وعندما همش الإعلام الديني وعندما استهزأ بالعلماء والقراء وغير ذلك وعندما تعرض الشعب التونسي إلى هذه الوضعيات المأساوية أفضى الأمر إلى وجود خلل عظيم جدا في الفهم وفي الفكر وفي السلوك وفي الممارسات أورث جهلا كبيرا بأحكام الدين أورث اغترابا في الشخصية أورث مشاكل اجتماعية ومشاكل أسرية، فالوزارة إذا أقيمت الوزارة على أساس من المبادئ القانونية والدستورية وعلى أساس أنها شأن وطني وأنها تخضع إلى الحوكمة الرشيدة وتبنى على أساس التشريك والتواصل مع باقي المؤسسات فهذا ايجابي وطيب وكذلك بالنسبة إلى الإفتاء وبالنسبة إلى المجالس الإسلامية فالنظر في إلغائها أو في إبقائها يتأسس على الجدوى وعلى مدى استنادها إلى قواعد المنطق وإلى مبادئ العلم وإلى العدالة وإلى الإسهام الايجابي فيما يخدم الوطن وما يقدم لهذا الوطن من مصالح وخير ووحدة وطنية واستقامة في الفكر واستقامة في السلوك وتعايش سلمي بين كل المكونات الاجتماعية والسياسية وغير ذلك مما وضعت الوزارات والمؤسسات لأجله.

عثمان عثمان: البعض اقترح إنشاء مجلس إسلامي أعلى بحيث يكون الشأن الديني مستقلة عن الأحزاب والتيارات السياسية ويعني يكون مفتوحا لكافة شرائح المجتمع.

نور الدين الخادمي: المجلس الإسلامي الأعلى هو مؤسسة فكرية حضارية أقرب إلى المنتديات وإلى المراكز البحثية والعلمية أما الوزارات فهي مؤسسات رسمية بمعنى أنها مؤسسات دولة كوزارة الصحة مثلا ووزارة التعليم والبيئة وغير ذلك والمجلس الإسلامي الأعلى مجلس يستهدف المفكرين والنخب ويعالج القضايا الفكرية والحضارية ولكن الوزارة تنظيم إداري ودستوري ووظيفي يقوم بشأن عظيم جدا.

عثمان عثمان: ولكن بطبيعة الحال ليس هناك من تناقض..

نور الدين الخادمي: أبدا، أبدا بل هناك التكامل فالحد الأدنى حتى في بعض الدول في وزارة العدل مثلا في وزارة العدل وفيها المجلس الدستوري وفي الجمعيات القانونية والحقوقية وتجد وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى والجمعيات العلمية والشرعية إلى آخره، فهذا كله يطرح في سياق من التكامل والتنسيق والتعاون بما يخدم هذا البلد في هويته في ثقافته في تنميته في أمنه في رخائه فليس هناك تعارض بل هناك تكامل ومثلما قلت لك المسألة تتحدد بناء على أي مدى هذه المؤسسات تتكامل أو تتصادم وتتعارض.

عثمان عثمان: دكتور يعني أنتم عقدتم اجتماعا مع قادة الأحزاب السياسية في تونس لمناقشة الشأن الديني يعني هل معنى هذا أن الشأن الديني خرج من التدين المحض إلى أن يصبح شأنا وطنيا بامتياز؟

نور الدين الخادمي: الشأن الديني كما ذكرت هو شأن وطني يهم كل الوطن ويهم كل البلد..

عثمان عثمان: متدينين وغير متدينين.

نور الدين الخادمي: يهمهم بمستويات معينة يعني المجتمع التونسي أولا المجتمع وتونس الشعب التونسي شعب مسلم وشعب عربي منذ 14 قرنا والشأن الديني الإسلامي يهم كل الشعب التونسي وطبعا نحن لما التقينا بالأحزاب السياسية وسنلتقي بهيئات أخرى ومنظمات وجمعيات أخرى من أجل التباحث في الشأن الديني من أجل أن يسمعوا هم رؤيتنا نحن في الشأن الديني وأن يسمعوا أيضا رؤيتنا لهم بالشأن الديني وقررنا بعد تفاوض وتشاور مع هؤلاء الأخوة والشركاء في تونس أن الشأن الديني شأن وطني كالشأن القضائي وكالشأن الطبي وأن هذا الشأن لابد أن يظل شأنا ثابتا في تونس دون أن يمس بالتهميش وبالمواجهة وبالتقزيم مهما كان النظام السياسي ومهما كانت الحكومة سواء كانت حكومة بمرجعية إسلامية أو بمرجعية غير إسلامية فالشأن الديني لابد أن يظل قاسما مشتركا بين كل التونسيين وأمرا ثابتا في تونس وهذا ما عليه تاريخ تونس، فتونس بلد عربي مسلم كما ذكرت لك وطبعا يتفاوت اهتمام الناس بالشأن الديني، الخطيب خطيب الجمعة اهتمامه بالشأن الديني ليس كالمحامي مثلا القاضي والحزب السياسي اهتمامه بالشأن الديني ليس كالجمعية العلمية والقراء والحفظة والمدرسون ليسوا كمدرسين الرياضيات، فالشأن الديني يهمهم جميعا ولكن بتفاوت من حيث مستوى الاهتمام ومن حيث أمور أخرى تخصصية وإجرائية وسياقية..

عثمان عثمان: في الإطار القانوني دكتور هل ستمارسون دورا رقابيا أو ضبطا للخطاب الديني لخطب الجمعة للدروس في المساجد لسير عمل الجامعات الإسلامية؟

نور الدين الخادمي: الضبط أيضا يحكم عليه في ضوء مدلوله وحقيقته إذا كان الضبط يراد به أن يكون الشأن الديني شأنا وطنيا يخدم الوحدة الوطنية ويحقق التعايش بين كل التونسيين ويسهم في التنمية والعمل والإنتاج والحوكمة والأمانة ويمنع الغش والرشوة والفساد الإداري والسياسي إذا كان الضبط بهذا المعنى هذا أمر مطلوب وإذا كان الضبط بمعنى المراقبة الأمنية الإدارية التي تمنع الأداء الديني السوي وتقمع الخطباء والعلماء من أن يقوموا بدورهم أو أن تراقب المصلين في دخولهم للمساجد وخروجهم من المساجد وأن تراقب النساء في لباسهن وفي سلوكهن وغير ذلك إذا كان الضبط بهذا المعنى فهذا مرفوض طبعا ونحن..

عثمان عثمان: وهذه مسألة تجاوزها التاريخ.

نور الدين الخادمي: نحن ابتلينا في الفترة الماضية بالضبط السيئ السلبي هو تحت عنوان ضبط لكنه مراقبة وإحصاء وضبط لمن يدخل ومن يخرج ومن يلتحي ومن لا يلتحي ومن تلبس الحجاب ومن لا تلبس حجاب هذا كله غير جائز الآن بمنطق هذه الثورة وبقوانين الحرية وأيضا بقانون العالم الآن الذي يتجه إلى الحرية والكرامة وإلى التعدد وإلى التعايش السلمي وإلى تنظيم إدارة هذا التعايش والتعدد في العالم كله.

عثمان عثمان: لكن البعض يتخوف فضيلة الدكتور من أن تمارس وزارة الشؤون الدينية في تونس التي ربما تنتمي إلى منهج فكري معين تصادر بقية الآراء والتوجهات الدينية في البلد وانطلاقا من ضبط الخطاب الديني، انطلاقا من القانون ومصادرة لحرية هؤلاء الأشخاص..

نور الدين الخادمي: وزارة الشؤون الدينية مثلما قلت لك وزارة في دولة ليست وزارة حزبية وهي تضم الوعاظ والأئمة والخطباء من مختلف المشارب الفكرية والفقهية ومن مختلف المواقف والآراء في الثورة وفي المجتمع وفي قضايا الدولة والإنسان إلى آخره فهي وزارة وطنية وزارة مستقلة وحتى إنني رشحت وقدمت على أنني شخصية مستقلة وكفاءة في مجال الشأن الديني وليس لي انتماء حزب معين وهذا منهج مهم جدا ليس في وزارة الشؤون الدينية فقط بل في الوزارات كلها وطبعا حتى إذا كان واحد له انتماء حزبي في وزارة أخرى فوجوده في الوزارة ليس على أساس الانتماء الحزبي وإنما على أساس مسؤولية محددة لابد أن يحترم فيها القانون والمصلحة الوطنية وأن يلتزم بما اتفق عليه كل المكونون للمجتمع التونسي ونحن فقط وأبشر التونسيين بأن وزارة الشؤون الدينية متواصلة مع كل التونسيين بنفس المسافة وسيكون خطابها خطابا مجددا ومعاصرا ومتحضرا إضافة إلى كونه خطابا أصيلا وراسخا وستقدم إن شاء الله البرامج النافعة المفيدة في الفكر في التربية في التنمية ستسهم في تحقيق أهداف الثورة ستحقق التنمية ستحقق السكينة الوطنية والأمن الاجتماعي والانطلاقة الحضارية لتونس كما كانت معروفة في السابق عبر تاريخها الطويل.

الفتاوى في تونس والخلل الحاصل في الأسلوب والمنهج

عثمان عثمان: وهذا تحدي كبير نعود إلى لقائكم مع قادة الأحزاب السياسية في تونس قلتم إن الفتاوى في تونس يشوبها راهنا الكثير من الانحراف والخلل في الأسلوب وفي المنهج على حد سواء كيف وأين الخلل في الفتاوى في تونس؟

نور الدين الخادمي: في اللقاء الذي ذكرته سئلت عدة أسئلة من بينها سؤال عن الفتوى الفضائية والاضطراب الإفتائي الذي عرفته شعوب كثيرة في الآونة الأخيرة فأجبت جوابا عاما ليس يتعلق بمؤسسة إفتائية بعينها أو بمفتي بذاته وإنما أوردت الجواب عموما وقلت بأن الإفتاء بوصفه أداء معرفيا ومنهجيا وإعلاميا يحتاج إلى تحسين وتطوير وإصلاح..

عثمان عثمان: في تونس أليس هناك اضطراب؟

نور الدين الخادمي: في تونس وفي كل العالم نحن لماذا، كل العالم الآن يطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والبيئي فلماذا إذا تحدثنا عن الإصلاح في الإفتاء قيل لنا كيف تتحدث عن الإصلاح في الإفتاء ولا يعني حديثنا عن الإصلاح في الإفتاء أننا نتهجم على الإفتاء أو نقلل من أدواره أو من أعماله في السابق أو نطعن في شخص معين أو في مؤسسة معينة نحن عندما نتحدث عن الإصلاح، هذا الإصلاح يوجبه الواجب الإسلامي عموما أريد الإصلاح ما استطعت وأيضا تفرضه ظروف العصر الآن فمن قبيل الإصلاح في الإفتاء الآن أن يكون الإفتاء إفتاء جماعيا مؤسسيا ليس مبنيا على جهد فرد مع تقديرنا للفرد في دوره وفي علمه وفي أدائه أن يكون هذا الإفتاء قائما على الاستئناس بالخبراء والعلماء في مجالات الطب والهندسة والاقتصاد والمال والبيئة إذا كانت الموضوعات المطروحة لها اتصال بهذه المجالات العلمية وأن يكون الإفتاء أيضا إفتاء يساير العصر الآن ويتماشى مع منطق الثورة، الثورة التونسية الشعب التونسي الآن شعب قد ثار على الظلم وعلى الاستبداد ويريد أن يستعيد دوره وأن يستصلح مع هويته العربية الإسلامية يريد أن يكون شعبا متحضرا يعني سلميا يبدع في التنمية يبدع في الفكر فلابد أن يكون الإفتاء مواكبا لهذا وقولهم هذا ليس فيه يعني مشكل يعني إذا قلنا بأن الإصلاح الإفتائي يمر بهذا نعم..

عثمان عثمان: لنفسر ونوضح للمشاهد لكي..

نور الدين الخادمي: تفسير واضح يعني ولكن أنا أيضا أجبت لأنه في بعض الكلام هنا وهناك كأننا تحدثنا عن استهداف جهة إفتائية معينة نحن لا نستهدف أي جهة إفتائية نحن نتواصل وبالمناسبة الإفتاء عندنا في تونس هو مؤسسة يتبع رئاسة الجمهورية ليس له علاقة بالشؤون الدينية ونتواصل بصفة ودية وبصفة علمية نتواصل مع الإفتاء مع الأخوة في الإفتاء وهم زملاؤنا وأحبابنا وقاموا بدور ما رائد فيما مضى وهم أيضا يدعون إلى أن تتوسع دائرة الإفتاء حتى تكون مؤسسة علمية فيها خبرة فيها تدريب للمفتين الشبان تتواصل مع الشعب أكثر تتواصل مع المكونات السياسية والاجتماعية أكثر إضافة إلى رصيدها السابق يعني.

عثمان عثمان: دكتور أعلنتم أيضا عن تكوين مؤسسة إفتائية جامعة أين موقعها في كل ما تفضلتم به؟

نور الدين الخادمي: نحن أيضا لم ندعُ إلى هذا وليس هناك برنامجا معدا من قبل الوزارة في هذا الإفتاء وإنما كل ما فيه أن فيه جواب عام وفي كلام الآن يتداول في الساحة العلمية وفي المنتديات الخاصة حول تحسين الإفتاء ومما قيل في هذا أن تتأسس مؤسسة إفتائية جديدة تستفيد من الماضي وتحسن الأداء في المستقبل وقد لا تقتصر هذه المؤسسة على مفتي واحد أو عدد قليل من المفتيين والخبراء بل تكون مؤسسة كبيرة في العدد، أصحابها، أعضاؤها من المتخصصين في الشريعة الإسلامية ممن لهم خبرة ودراية في الواقع المعيشي وبظروف العصر وممن يكون لهم تواصل أيضا مع الشعوب ومع الجماهير ومع المؤسسات.

عثمان عثمان: نأخذ الدكتور أحميدة النيفر أستاذ العقيدة وعلم الكلام في جامعة الزيتونة، السلام عليكم دكتور..

أحميدة النيفر: وعليكم السلام ورحمة الله.

إعادة صياغة المشهد الديني بعد الثورة

عثمان عثمان: بداية ما الأفكار التي يسوقها الدعاة والوعاظ بعد الثورة في تونس؟

أحميدة النيفر: بسم الله الرحمن الرحيم، الدعاة وخطباء الجمعة لا يستطيعون أن ينفصلوا عن الحدث الكبير الذي شهدته البلاد التونسية وشهدته البلاد العربية، أغلب البلاد العربية، ولذلك يتفاعلون بمستويات مختلفة وبمضامين متباينة أحيانا تبدأ من التفاعل اليومي كما يتفاعل عموم التونسيين إلى أن تصل ببعض الحالات إلى مستوى التنظير والحاجيات الضرورية للوعي الديني المناسب في هذا الحدث الفخم الذي عاشته البلاد وهذا ما يطرح السؤال، كيف يمكن أن، نظرا لهذا التباين، كيف يمكن يقع ترشيد هذا الخطاب، ترقية هذا الخطاب، وهذه مهمة في الحقيقة مهمة جد عسيرة ليست عملية ستقع بين عشية وضحاها بل تحتاج إلى تكوين وإلى تأييد الخطاب الديني وإلى وضع نوع من الموجهات، وفي هذه النقطة أنا كنت أستمع إلى صديقي الدكتور الخادمي حينما تحدث عن مهمة الوزارة، في الحقيقة هي مهمة شاقة تعني الوزارة ولكن تعني كل الأطراف الأخرى التي، الجامعة الزيتونية..

عثمان عثمان: ولكن دكتور ما الخطوط العريضة لهذا الإصلاح الذي تتحدث عنه، هذا الترشيد؟

أحميدة النيفر: أولا أن ندرك حقيقة الخطاب الديني ما هو نوع الخطاب الديني الذي يحتاجه المجتمع التونسي بعد هذا التحول الكبير هذه الثورة الهامة التي شهدتها البلاد، الخطاب الديني ليس خطابا مثلا تجيشيا لا يمكن أن يكون خطابا من أجل حشد الناس ضد اتجاه معين، كل المعاني التي فيها تربية روحية، تربية فكرية، إدراك مهمة المؤمن ومقتضيات هذا الانزواء في المسجد باعتباره جامع للمؤمنين والمصلين، كيف يمكن أن ينزل في مقتضيات واحتياجات البلاد في هذه اللحظة التاريخية، هذا أول خط لا بد أن يدركه الإصلاح ويهتم به في تكوين الأئمة لأنه إلى حد الآن عندنا مؤسسة تهتم بتكوين الأئمة، تكوين بسيط وليس هناك مؤسسة مركبة ولها برامج معمقة تقتضيها اللحظة التاريخية.

عثمان عثمان: دكتور هناك بعد الثورة قضايا ملحة طرحت في الشارع التونسي، طرحت على النقاش الديني العام في تونس، ما هي أبرز هذه القضايا، طبعا نتحدث عن عصر سبق خلق فيه الخطاب الديني وتحدث عن عشرات السنوات العجاف في قمع الدعاة والخطاب الديني وتأطيره وتنظيمه، الآن هناك قضايا ملحة بعد الثورة، بعض هذه القضايا وكيف يمكن مواجهتها والتصدي لها؟

أحميدة النيفر: في الحقيقة بعد الثورة رفعت يد السلطة الأمنية على المساجد، أصبح هناك نفس حرية واضح، هذا المجال مجال المسجد وفي سياق الحرية التي اتضحت بصورة أكيدة بعد الثورة جعلت الخطاب المسجدي، خطاب الجمعة وخطاب الدروس الوعظية والدعوة تتخذ مناحٍ شتى يعني من الاتجاه الذي يهتم بالأمور التعبدية الفقهية الجزئية وفق مذهب محدد مراد إقحامه بصورة محددة، بصورة أحيانا متعسفة، إلى درجة الاهتمام بالأمور الشكلية المظهر، اللباس، اللحية، إلى حالة تجييش الخطاب أحيانا يعني هناك حالة من التشتت في الخطاب ناجم، أنا في تقديري ناجم عن عدم وجود حوار داخلي بين القائمين في وزارة الشؤون الدينية ومؤسسة الإفتاء والجامعة الزيتونية، هناك على الأقل أربع مؤسسات كبرى في البلاد كانت طيلة عهود تعمل مفككة يعني كان الإفتاء في جهة الوزارة في جهة أخرى الآن ندعو هذه المؤسسات الكبرى مع القائمين على المساجد مدعون إلى الفتح مع الأطراف السياسية الأخرى أيضا، والمبادرة التي قام بها الدكتور الخادمي وأشار إليها منذ قليل في غاية الأهمية، إشراك الأحزاب والجمعيات في البلاد خطوة تضاف إلى المؤسسات الرسمية حتى يصبح المجال الديني شأنا يشترك فيه الجميع ويتضافر به الجهود من أجل الارتقاء بالخطاب الديني، حتى نتجنب الأحاديث التي أحيانا تذري بمقام خطباء الجمعة أحيانا..

عثمان عثمان: شكرا.

أحميدة النيفر: أو تجعلهم على هامش متطلبات المجتمع التونسي.

عثمان عثمان: شكرا الدكتور أحميدة النيفر أستاذ العقيدة وعلم الكلام في جامعة الزيتونة كنت معنا من تونس، فضيلة الدكتور هذه المؤسسات الضخمة التي تحدث عنها فضيلة الدكتور النيفر منذ قليل، الإفتاء، وزارة الشؤون الدينية، جامعة الزيتونة، أئمة المساجد، هل هناك من آلية لجمعها والعمل من منظور واحد في هذه المؤسسات؟

نور الدين الخادمي: شكرا، أشكر الأستاذ أحميدة النيفر وهو صديق، وأشكره بالخصوص فيما ذكر فيما يتعلق بضرورة التنسيق بين هذه المؤسسات الأربع: الوزارة، وجامعة الزيتونة، ودار الإفتاء، والمجلس الإسلامي الأعلى، هذه أجنحة أربعة، هي الغطاء والمظلة الوطنية للشأن الديني في تفاصيله ومجملاته وسائر مكوناته، طبعا الاتجاه الآن في البلد ضرورة التنسيق بين هذه المؤسسات الأربع، ووضع برنامج متكامل مع احترام كل مؤسسة لميدان عملها، فالإفتاء كما ذكرت لكم هو خطة شرعية وأداة علمية وظيفية يبين الأحكام الشرعية في نوازل الناس وقضايا المجتمع، المجلس الإسلامي الأعلى مؤسسة فكرية حضارية جدلية نقاشية وأكاديمية إلى آخره، والوزارة هي إطار في الدولة كوزارة الصحة كما ذكرنا وجامعة الزيتونة طبعا هي مؤسسة جامعية أكاديمية تتبع من الناحية النظامية وزارة التعليم العالي ولكنها تتواصل وتتكامل مع سائر المؤسسات الأخرى.

تأهيل الدعاة والخطباء في ظل المتغيرات الجارية

عثمان عثمان: ما مستوى تأهيل الدعاة والخطباء في تونس الآن أمام التغيرات الحاصلة؟

نور الدين الخادمي: طبعا من الكوارث يا أخي عثمان أن الوعاظ والمرشدين في تونس حرموا من الوعظ والإرشاد عدة سنوات أكثر من خمسة عشر سنة، تصور أن الواعظ وظيفته الوعظ والإرشاد لا يدرس في المساجد كالمحامي الذي لا يرافع في المحاكم وكالطبيب الذي لا يعالج المرضى هكذا صار بالنسبة للوعاظ فطبعا لما جاءت هذه الثورة، وجدنا وضعا صعبا جدا من حيث قدرة الكثير من الوعاظ أن يستعيدوا دورهم العملي والمنهجي والأدائي، وجدنا مشكلات أخرى فكرية علمية لا بد من التكوين العلمي فيها ولا بد التدريب ولا بد من وضع إستراتيجية علمية مبدئية منهجية حتى نؤسس إلى دور جديد للوعاظ والمرشدين والخطباء لكن الأمر الآن يمشي بما عليه الآن ونحن نحسن ونطور وهناك طبعا كفاءات في البلد من الخطباء ومن الوعاظ كونوا أنفسهم بحكم قراءات خاصة أو بحكم خبرة خارج تونس أو ما شابه ذلك، ولكن الاتجاه الآن في البلد هو أننا سنضع إستراتيجية لهؤلاء الخطباء والمؤدبين والقراء وكل الذين يعملون في الشأن الديني تعميقا لمعارفهم، وأيضا تدريباً لهم على أداء المهمة هذه وحتى أيضا للاستفادة من الجوانب الفنية والإعلامية وتنظيم دورات في الإعلام والاتصال وفن التواصل مع الشعب وأيضا أن يتحولوا في خطابهم من خطاب ضيق في المسجد إلى خطاب اجتماعي وخطاب إنساني أنهم يصلحون بين الناس، يسهمون في حث الناس على التنمية على العمل على الإنتاج، ونحن الآن بلدنا بحاجة إلى الاستقرار والاستثمار وبحاجة إلى الوحدة ونبذ الفرقة وأيضا مواجهة أي بادرة من بوادر التفرق الاجتماعي لا سمح الله أو القبلي أو ما شابه ذلك، ودورهم واضح في هذا الصدد..

عثمان عثمان: في المقابل دكتور هناك قلق ينتاب غير الإسلاميين في تونس، من المسجد من دوره، من دور الوعاظ والعلماء والدعاة والخطباء هل يمكن تحييد المنابر والمساجد عن التجاذبات الأيديولوجية والسياسية والفكرية؟

نور الدين الخادمي: المساجد لا يجوز أن تكون أبواقا للدعاية السياسية والحزبية، والخطيب الإمام في المسجد يخطب في جمع من المصلين متحدين في الصلاة مع ما فيهم من اختلاف في المذاهب وفي المواقف وفي والآراء فهو يجمع ولا يفرق والخطيب الإمام لا يجوز له أن يدعو إلى حزب سياسي أو فصيل حزبي بعينه له أن يعلق على قضايا الشأن العام، له أن يتحدث عن الظلم وعن الفساد الإداري مثلا، له أن يبين أن الرشوة حرام ومضرة بالمجتمع وبالتنمية وأن الغش لا يجوز وأن الاحتكار تعطيل لأقوات الناس، له أن يتحدث عن الحرية وعن الكرامة الإنسانية وعن المواطنة السوية والمواطنة الحق له كل ذلك، وحديثه هذا حديث الشأن العام، حديث الشأن السياسي بوجه عام لا بوجه خاص من جهة أنه حديث عن حزب سياسي وعن فصيل سياسي، فالمساجد هنا يجوز أن لا تتحول إلى دعاية حزبية سياسية كما ذكرت وإن كان الإمام من حقه أن يتحدث في الشأن العام لأن خطبة الجمعة هي خطبة اجتماعية كذلك وخطبة سياسية ليس بالمعنى الحزبي وإنما بالمعنى أن يدعو الحاكم للعدل أن لا يتنكر الحاكم لمبادئ العدالة ومبادئ المواطنة ومبادئ المساواة بين الشعب إلى آخره، وعلماؤنا قديما عبر التاريخ وفقهاؤنا وخطباؤنا كانوا يتحدثون عن الشأن العام، الشأن الوطني والشأن الإقليمي حتى الشأن العالمي دون أن يدخلوا باصطفافات حزبية معينة أو مذهبية محددة، وأنا أبشر وأطمئن كل الإخوة والرفقاء والمواطنين في تونس بأن المساجد ستكون عناصر وحدة للمجتمع كله، عناصر وحدة وطنية، عناصر وحدة إنسانية، ونحن في ديننا عندنا مسألة المواطنة وهي مسألة في الدين معروفة وثابتة، الرسول صلى الله عليه وسلم أقام دولته في المدينة على مبدأ المواطنة.

عثمان عثمان: صحيح.

نور الدين الخادمي: والمواطنة وهي أن الناس ينتمون إلى الدولة لا على أساس عرقي أو حزبي أو سياسي وإنما على أساس الحقوق والواجبات والجميع يشترك إلى انتمائه للمواطنة بشرط أن يكون ولاءه لهذه الدولة وأن لا يخونها وأن لا يضر بأمنها وبخيرها وله كل الحقوق والواجبات مثله مثل سائر المواطنين الآخرين.

عثمان عثمان: تحدثتم على الإصلاح هل ستستفيدون من تراث الزيتونة، طاهر بن عاشور، خير الدين التونسي وغيرهم؟

نور الدين الخادمي: طبعا الزيتونة باعتبارها مؤسسة علمية بالإضافة إلى كونها معلما عباديا، فبالإضافة إلى كونها معلما عباديا وعلميا الزيتونة تاريخ طويل، علماء كثر، تجارب متنوعة وثرية، سندها متصل، وأثرها واضح، إسهامها الوطني والمغربي والعالمي جلي ومعروف، ولا شك أن السابقين لهم فضل السبق ولهم أيضا محل الاقتداء واللاحقون يأخذون من السابقين مع مراعاة ظروف العصر ومع التطوير، أن يأخذوا ما ينفعهم وأن يتركوا ما لا يتماشى مع عصرهم ونحن لنا شيوخ في المقاصد وفي الفكر وفي المنطق وفي العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية ولنا علماء في الحياة عموما في السياسة والمجتمع المدني والأهلي والخيري كل هؤلاء لا بد أن يستفاد منهم من آثارهم ومن بحوثهم ومن تراثهم وننظر أيضا إلى علماء آخرين من خارج تونس والأمة الإسلامية الزاخرة بعلمائها وفقهائها وأيضا نستفيد حتى من العلماء العالميين فيما فيه نفع وخير للمسلمين وللأوطان وللناس عموما.

عثمان عثمان: وأنا أحاول أن أستفيد مما تبقى من وقت قصير في القفز على بعض النقاط الأساسية التي يجب أن نطرحها تم إلغاء نظام الوقف منذ عقود هل أنتم عازمون على إرجاع منظومة الأوقاف من جديد.

نور الدين الخادمي: من المظالم الكبيرة التي وجه فيها الشعب التونسي هي إلغاء الأوقاف وتعطيلها تعطيلا نهائيا والأوقاف الحقيقة هي بالإضافة إلى كونها حكما شرعيا هي وعاء للتنمية والاقتصاد والتحضر وحرم الشعب التونسي من ريع الوقف ومن عائده سواء العائد والريع المتعلق بالمساجد وبالدين والشرائع أو الريع المتعلق بالتنمية والاقتصاد والريع المتعلق بالتحضر وإبراز الوجه الحضاري لأن الوقف ليس عملا خاصا بالمسلمين بل يعم غير المسلمين وفي الفقه الإسلامي أن الوقف هو الوقف حتى على اليهود والنصارى على أبدانهم وعلى أقواتهم ودوائهم ولباسهم وليس على معابدهم وكنائسهم كما ذكر ذلك الفقهاء فالوقف هو حكم شرعي إسلامي هو حالة شرعية إسلامية هي تحضر، عطاء إلى آخره، ونحن إن شاء الله طبعا الوقف مطروح عند الشعب التونسي كله بمختلف مكوناته بالنظر إلى طبيعته الشرعية والإنسانية والاجتماعية.

آلية محددة لإحياء منظومة الأوقاف في تونس

عثمان عثمان: هل هناك من آلية محددة لإحياء منظومة الأوقاف من جديد؟

نور الدين الخادمي: طبعا الآلية هي جزء من إستراتيجية كاملة ومن توجه عام هذا التوجه هو يقوم على أساس استعادة هذا الحق الشرعي والحق الوطني لهذا الشعب التونسي وإقناع الناس بضرورته وأهميته وأثره وأنه أيضا بعد ذلك يتأسس الإجراء والإطار القانوني والإطار العملي بناء على هذه الإستراتيجية وهذا التوجه وطبعا بمقاربة إسلامية اجتهادية وطنية يكون الوقف أحد أوجه النماء والخير وأحد مستحقات هذه الثورة التونسية، هذه الثورة التي كان من أسبابها البعد الديني ومن أسبابها ما تعرض له الشعب التونسي من تعطيل الأوقاف، إلغاء جامعة الزيتونة، تهميش للمادة الإسلامية، إغلاق المساجد إلا في أوقات قليلة إلى آخره مما تعرض له الشعب التونسي بخصوص تمسكه لدينه وأدائه للشعائر الإسلامية، فالوقف بهذا المعنى يكون عملا مقترحا وذا اهتمام كبير من قبل كل مكونات المجتمع وخاصة المجتمع العلمي والمدني الأهلي الخيري.

عثمان عثمان: هناك أيضا معضلات قانونية كانت موجودة في العهد السابق وهي تخالف نصوص صريحة في الشريعة الإسلامية نتحدث عن تجريم لتعدد الزوجات عن جواز التبني عن جعل الطلاق بيد القضاء إلى آخر هذه المنظومة، كيف ستتعاملون مع هذه المسائل الشائكة؟

نور الدين الخادمي: هذه المسألة ليست فقط هي من اهتمام وزارة الشؤون الدينية هي مسائل صحيح مسائل شرعية فقهية وهي كذلك ذات صلة بالجانب القانوني والدستوري وأيضا لها علاقة بمختلف مكونات المجتمع التونسي ولا شك أن هذه المسائل فيها موقف شرعي، موقف إسلامي الفقهاء تحدثوا عنها وذكروا بيانها وذكروا أحكامها وذكروا استدلالاتها ومن إجماع العلماء فالمسألة إذن بهذا الأمر هي مسألة فقهية مسألة ذات بعد قانوني ودستوري وذات بعد اجتماعي وربما تناولها وطرحها من الأهمية بمكان وليس هناك عيب في أن يناقش أهل تونس بما يتعلق بدينهم ما هو موضع نص صحيح؟ ما هو موضع اجتهاد؟ ما هو موضع مقاربات اجتهادية إلى آخره فالأمر بهذه الساعة إن شاء الله أمر جائز وميسور.

عثمان عثمان: لكن هنا البعض يتخوف من أسلمة المجتمع انطلاقا من تغيير هذه القوانين وغيرها؟

نور الدين الخادمي: لا الشعب التونسي أصله شعب مسلم لا يحتاج إلى أسلمة هذا الكلام قيل في عدة مناسبات، الشعب التونسي شعب مسلم وهذا الشعب المسلم الشعب العربي إذا ووجه أو إذا وجهت إليه موعظة أو درس علمي أو خطبة جمعة ليس هذا أسلمة له من جديد وإنما يأتي هذا على سبيل التذكير وعلى سبيل البيان، خطيب الجمعة لما يخطب في الجمعة يخطب المصلين كل يوم جمعة وينصحهم بالتقوى والالتزام بالدين واجتناب المحرمات هل هو داخل في أسلمة المجتمع هو يخاطب شعبا مسلما ولكنه يحثهم على زيادة الخير، يشخص له بعض الأخطاء والهفوات يدعوهم إلى التوبة إلى الإصلاح يدعوهم إلى زيادة العمل، فالأداء الإسلامي والخطاب الشرعي والخطاب الديني هذا ليس أسلمة للمجتمع بمعنى أنه إحداث انقلاب جديد للمجتمع لم يكن مسلما ويسعى إلى إسلامه فالأسلمة هنا اصطلاح كبير وهو ذو تبعيات فكرية وجدلية قد تشغل عن أولوياتنا الآن وقد تورث نوعا من الاشتداد والاحتكاك بين مكونات المجتمع ونحن ندعو إلى الوحدة وندعو إلى التعايش وندعو إلى التوافق لا أن ندعو إلى أن إثارة المصطلحات التي قد تكون جدلية فوق اللزوم يعني..

عثمان عثمان: دكتور في أقل من دقيقة، في 30 ثانية أنقل لك سؤال أحد المشاهدين نصر الدين يقول هل الخطاب الديني في تونس يجب أن يكون مراعيا لشروط التدرج في الدعوة بعد التغييب والتهميش الذي عاشاه هذا البلد؟

نور الدين الخادمي: نعم التدرج أو التدريج سنة نبوية ومراد إلهي وضرورة حياتية والنبي صلى الله عليه وسلم تدرج في الأحكام خطابه في مكة ليس كخطابه في المدينة وخطابه في المدينة في أول دخوله المدينة ليس كخطابه في آخر المدينة المهم أن التدرج سنة وهو يؤسس إلى إحداث المقاربات الشرعية المناسبة والممكنة من أجل إصلاح العام والخاص.

عثمان عثمان: في الختام أشكركم الدكتور نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية في تونس كنتم معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة وأنقل لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.