الشريعة والحياة - المسلمون والمسيحيون - صورة عامة
الشريعة والحياة

المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك

كيف تأَسست قواعد العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين تاريخيا؟ وما الذي يتسبب في خَلْخَلة العيش المشترك؟ وكيف السبيل للخروج من دائرة الغلو والتوتر الديني؟

– الرؤية الإسلامية لأهل الكتاب وأهمية الحفاظ على وجودهم
– قواعد العيش المشترك وجوانبه وأسباب الاضطراب فيه

– أسباب الهجرة المسيحية وتأثيراتها على صورة الإسلام

– عوامل الاضطراب في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين

عثمان عثمان
عثمان عثمان
محمد السماك
محمد السماك

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم هذه المرة من العاصمة اللبنانية بيروت. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ..}[آل عمران: 64] فما القواعد التي تأسس عليها العيش المشترك تاريخيا؟ وكيف تنشأ الانحرافات عن ذلك العيش المشترك؟ وما السبيل للخروج من دائرة الغلو؟ التوتر الديني المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك موضوع حلقتنا لهذا اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور محمد السماك الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، مرحبا بكم دكتور.


محمد السماك: أهلا، وعليكم من السلام.

الرؤية الإسلامية لأهل الكتاب وأهمية الحفاظ على وجودهم


عثمان عثمان: بداية دكتور ما موقع أهل الكتاب ومكانتهم في الإسلام؟


محمد السماك: يعني من أجل تحديد هذا الموقع هناك المصدر القرآني وهناك المصدر النبوي وهناك المصدر الراشدي وهي مصادر أساسية في التشريع الإسلامي، بالنسبة للمصدر الأول الأساسي المصدر القرآني هناك عدد كبير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن أهل الكتاب وتتحدث عن أهل الكتاب بتقدير وتبجيل وثناء وحتى على القساوسة والرهبان، يعني على سبيل المثال الآية {..مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}[آل عمران:113، 114] هذا الوصف لأهل الكتاب في القرآن الكريم وهو وصف عام، هناك وصف تخصيصي للنصارى {..وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً..}[المائدة:82] هنا يجب أن نلاحظ أنه لا رهبانية في الإسلام غير أن القرآن الكريم يشيد بالرهبان وبالقساوسة إشادة مباشرة وواضحة ويعتبرهم أقرب مودة للذين آمنوا، فهذه الثوابت القرآنية الكريمة تجعل لأهل الكتاب موقعا مهما في القرآن، القرآن الكريم عندما يتحدث عن الإنجيل يقول {..فِيهِ هُدًى وَنُورٌ..}[المائدة:46]، {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ..}[المائدة:47] وهذا الإسلام كما نعرفه إسلاما ليس ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الإسلام {..إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ..}[الحج:78] كل هذه المسيرة الإيمانية بالله الواحد وبالاستسلام لله الواحد هي إسلام، ولذلك فإن العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب وبين المسلمين والمسيحيين تحديدا كما حدده القرآن الكريم ليست علاقة تسامحية ولكنها علاقة إيمانية مبنية على الإيمان في أساسه، أما العلاقة التسامحية ففيها فوقية المتسامح تجاه المتسامح معه، وهذه لا تكون هناك في العلاقات بين الأديان علاقات تسامحية بمعنى أنا كمسلم لا يمكن أن أتسامح في نص ديني من أجل استرضاء الآخر أيا كان دينه.

إعلان


عثمان عثمان: انطلاقا من هنا دكتور يعني ما أهمية الحفاظ على وجود أهل الكتاب من خلال الرؤية الإسلامية؟


محمد السماك: هو وجود يعني أساسي ومهم جدا، من ناحية أولى وجود أهل الكتاب يمكنك كمسلم من أن تمارس شكلا من أشكال العبادة مع أهل الكتاب لأن القرآن الكريم يتحدث عنهم بهذا الشكل فوجودهم يوفر لك المجال لممارسة هذا الإيمان، انظر إلى ما ورد في العهد النبوي الشريف لنصارى نجران، يعني عندما كان اللقاء مع نصارى نجران كان أول حوار إسلامي مسيحي في تاريخ الإسلام وعقد هذا اللقاء في بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة الذي أصبح الآن جزءا من المسجد النبوي الشريف، استقبلهم النبي بتكريم وتحاور معهم طويلا وأكرمهم وثم ودعهم بتكريم أيضا وهم بقوا على دينهم ولم يغيروا عقيدتهم، مع ذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم العهد للمسيحيين ولمسيحيي نجران تحديدا وفي هذا العهد التزام بالدفاع عن دينهم، يعني كلام نبوي مهم جدا، ليس الدفاع عنهم كمواطنين وإنما الدفاع عن دينهم وعن عقيدتهم وتحريم استخدام حجر واحد من مبنى كنيسة في بناء بيت أو مسجد للمسلمين، فهذا النوع من الأسس التي عندما ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القدس مارس ما ورد في العهد النبوي الشريف لنصارى نجران، عندما التزم بالعهدة العمرية وسمح لأن البيزنطيين كانوا يمنعون اليهود من دخول القدس فأول من سمح لهم بالعودة إلى القدس كان عمر بين الخطاب وأعطى المسيحيين حقوقهم الدينية الكاملة في إطار الدولة الإسلامية ولذلك فإن العيش مع أهل الكتاب العيش مع المسيحيين تحديدا هو تعبير عن الإيمان المشترك، الإيمان بالله، لأن المسيحية خلافا لما يعتقد بعض الناس المسيحية تقول بإله واحد وهذا الإيمان بالإله الواحد وتؤمن باليوم الآخر وفي الحساب وتدعو كما ورد في الآية القرآنية الكريمة {..وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..}[آل عمران:114] هذه ثوابت تؤسس لموضوع..


عثمان عثمان (مقاطعا): لموضوع العيش أو التعايش المشترك. فضيلة الدكتور عندما نتحث اليوم عن العيش المشترك هذا العيش الذي ربما تشوه وأسيء إليه مسؤولية من هذه القضية قضية العيش المشترك؟


محمد السماك: في صور نمطية، الاحتكام إلى الصورة النمطية السلبية عن الإسلام وعن المسيحية هو الذي يؤدي إلى هذه النتائج إلى الإساءة إلى العيش المشترك، الآن نحن في وضع جديد في وضع الدولة الوطنية، الدولة الوطنية التي صنعها مسلمون ومسيحيون معا، فالآن القواعد للعيش المشترك تقوم على حق المواطنة وهي حقوق ينص عليها الدستور ويجب الالتزام بها، عندما يكون هناك افتئات وانتقاص من ممارسة هذا الحق هنا يؤدي إلى ضعف الحياة المشتركة.


عثمان عثمان: ربما هنا يعني نسأل عن موضوع مسؤولية الدولة عن مسؤولية النظام السياسي في بلد ما، نسأل عن دور المرجعيات الدينية أيضا في إرساء هذا العيش المشترك.


محمد السماك: أعتقد الجميع مسؤول، مؤسسات المجتمع الأهلي مسؤولة، التطرف يزيد الوضع سوءا ويعمق هوة اللاثقة وأكثر من ذلك هو يصنع اللا ثقة، عندما يكون المواطن المسلم في مجتمع لأنه عندما نتحدث عن العيش المشترك الحقيقة نتحدث عن صيغتين صيغة أكثرية غير إسلامية في الغرب في أوروبا مع أقلية إسلامية وأكثرية إسلامية مع أقلية مسيحية مثل دول إندونيسيا وباكستان وغيرها من الدول، فالصيغ صيغ العيش المشترك تختلف من مجتمع إلى مجتمع وهناك تقاليد وعادات تؤثر في عملية العيش المشترك ولكن نحن هنا نلاحظ أن ثلث المسلمين في العالم تقريبا يعيشون في مجتمعات غير إسلامية أميركا أوروبا كندا البرازيل أستراليا ثلث المسلمين، والمسلمون اليوم أكثر من مليار ونصف مليار، ولكن بالنسبة للمسيحيين في القرن التاسع عشر كان المسيحيون 80% من المسيحيين يعيشون في الأميركيتين وأوروبا، الآن ثلثا المسيحيين يعيشون في دول العالم الثالث أي حيث يوجد الإسلام، فمن خلال وجود المسلمين في مجتمعات غربية ووجود وانتشار المسيحية في مجتمعات شرقية إسلامية أصبح التداخل عميقا ويوميا بين المسلمين والمسيحيين، العيش المشترك أصبح يواجه أحد أمرين، إما أن نجد له قواعد ثابتة مبنية على الثقة والاحترام والمساواة في حقوق المواطنة أو أن يؤدي إلى الصدام.

إعلان

قواعد العيش المشترك وجوانبه وأسباب الاضطراب فيه


عثمان عثمان: طبعا نحن سنتحدث يعني ربما في مرحلة لاحقة عن موضوع القواعد والأسس التي تأسس عليها العيش المشترك ولكن اسمح لي دكتور أن نأخذ الدكتور رفيق حبيب كاتب ومفكر قبطي. مرحبا بكم دكتور.


رفيق حبيب/ كاتب ومفكر قبطي: مرحبا بك.


عثمان عثمان: دكتور لنتحدث عن قواعد العيش المشترك التي تأسست على أسس دينية كيف توضحونها عبر الخبرة التاريخية؟


رفيق حبيب: هو الحقيقة إن قيم العيش المشترك تأسست في المجتمعات العربية والإسلامية على القيم الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية وأصبحت هذه القيم فاعلة في الواقع الاجتماعي وتنتج قيما للتعايش المشترك بين المسيحيين والمسلمين على أساس الدافع الديني وعلى أساس الوازع الديني مما جعل هذا التعايش ليس مجرد توافق اجتماعي وليس مجرد تعايش احتماعي بالضرورة ولكنه أصبح نتاجا للقيم الدينية لدى المسيحيين والمسلمين فأصبح محميا بالإيمان الديني محميا بالدافع الديني وأيضا محميا بشيء مهم آخر وهو التطبيق في الحياة للقيم المسيحيية والإسلامية تشابكت وتداخلت كلاهما أديان سماوية كلاهما يؤمن بالقيم المطلقة وبالتالي تدخلت القيم التطبيقية الحياتية المسيحية والإسلامية لتصنع نموذجا ثقافيا مشتركا استطاع أن يستوعب المسلم والمسيحي داخل نمط حياة ديني مرتبط بالقيم الدينية  أسس للعيش المشترك قادر على البقاء.


عثمان عثمان: ولكن هذا العيش المشترك دكتور الذي تتحدث عنه والذي أرسته القيم الدينية المشتركة خاصة بين المسيحية والإسلام نراه اليوم قد تعرض لتشوهات وانتكاسات كثيرة، كيف تفسرون ذلك؟


رفيق حبيب: هناك عدة تفسيرات لما حدث من اضطرابات في قواعد العيش المشترك، هناك أولا الظروف الاجتماعية هناك أزمات الهوية الحادة التي تعرضت لها الدول العربية والإسلامية هناك أيضا الهزائم التي تعرضت لها الأمة مما أثر على إحساسها بقوتها وكل أمة عندما تضعف تضعف قيم وقواعد العيش المشترك بداخلها وتتفكك أكثر وبالتالي تعرضت الأمة العربية والإسلامية للعديد من العوامل التي حولتها إلى أمة في حالة تراجع حضاري في حالة ضعف، في حالة الضعف يزداد التعصب وفي حالة القوة تزداد قيم العيش المشترك وبالتالي تحت هذه الضغوط المتتالية التي تعرضت لها الأمة العربية والإسلامية بدأت تفقد قدرتها على إعادة إنتاج هويتها في الواقع المعاش، بدأ يحدث في داخلها تشقق حدث بين القوميات حدث بين المذاهب ثم حدث أيضا بين المسيحيين والمسلمين مما يدل أن الأزمة الاجتماعية أو الحضارية الشاملة التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية أثرت على قيم العيش المشترك وجعلت هذه القيم ما زالت موجودة لا نستطيع أن نقول إنها غابت تاريخيا ولكن فعلها وقوتها على الأرض ضعفت نتيجة ما تتعرض له الأمة من مشكلات.


عثمان عثمان: ولكن دكتور يعني مع نشوء الدولة الحديثة ومتغيرات الدلة الحديثة ربما حدث اضطراب في هذا العيش المشترك، حدث اضطراب في دور الدين ووظائفه، يعني هذه الدولة الحديثة متغيرات الدولة الحديثة ما الدور الذي تلعبه سلبا في التأثير على العيش المشترك؟


رفيق حبيب: أعتقد أن هذه النقطة مهمة جدا لأن الدول الحديثة لم تقم على أسس قيم العيش المشترك الموجودة في الموروث الحضاري، الدولة الحديثة تبنت القومية كمبدأ العلمانية لم تتبن موروث القيم المشترك الموجود في التراث الإسلامي والمسيحي، لم تعبر عن هذه القيم المشتركة ولم تحمها، أيضا واجهت الدولة الحديثة مشكلة حقيقية في أنها لم تعرف كيف تتعامل مع الدين فتجاهلته أحيانا وعادته أحيانا واستخدمته أحيانا، أصبح المناخ العام والجو العام لا يمثل الجو الصحي لدور الدين في حياة المسلمين والمسيحيين وفي حياة الأمة الإسلامية عموما وبالتالي في هذا الاضطراب اضطرب أيضا دور الدين لأنه لم يوضع في القنوات السليمة الصحية التي تجعله يمثل المسار العام لتاريخ الأمة وتاريخ كل مكوناتها وقواعد العيش المشترك بينها، أصبح الدين في حالة تدافع دائم مع قوة تحاول أن تحيده وقوة تحاول أن تستعيده وفي هذا المناخ أصبح دور الدين مفترضا لأنه يعيش في مناخ غير صحي بالنسبة لتفعيل قيمه، وهذا أنا في اعتقادي أثر كثيرا على قيم العيش المشترك حيث لم تعد الدولة تتبنى نشر نموذج قيم العيش المشترك، حاولت أن تتبنى نموذجا آخر للمواطنة قيما أخرى للعيش المشترك، لم تستطع زراعة هذه القيم داخل البيئة الدينية والحضارية والثقافية وبالتالي لم تستطع أن تمد جذورها إلى الأرض فأصبح هناك قيم توضع في الدستور ولا تطبق وقيم دينية يفترض أنها هي التي أسست العيش المشترك ولكنها لا تجد مناخا رسميا يحميها ويحتضنها ولا تجد دولة تحتضنها.

إعلان


عثمان عثمان: شكرا الدكتور رفيق حبيب كاتب ومفكر قبطي كنت معنا من القاهرة. دكتور عندما نتحدث عن العيش المشترك ما الشكل الذي يأخذه هذا العيش المشترك في أي أمر يكون؟


محمد السماك: هي الحياة المشتركة يعني في الأساس ربنا سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين وسنبقى مختلفين حتى يوم الدين، فالاختلاف سنة من سنن الكون والاختلاف تعبير عن العظمة الإلهية في الخلق من نفس واحدة إلى شعوب وقبائل ودعانا بالنتيجة إلى التعارف، فالتنوع هو شكل طبيعي ولكن كيف نعيش في إطار هذا التنوع؟ التنوع ليس غنى في حد ذاته ولكن ثقافة احترام التنوع هي الغنى، بمعنى أن ثقافة احترام الاختلاف وقبول الاختلاف واعتبار الاختلاف سنة طبيعية وبالتالي أن يكون العيش المشترك ليس لإلغاء الاختلافات إنما لإيجاد ثقافة تتقبلها كما هي يعني أن تقبلني كما أرى نفسي وكما أنا أختار نفسي لأن الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم ولم يكرم مؤمنين أو غير مؤمنين الكرامة للذات الإنسانية، واستخلف الإنسان لم يستخلف مؤمنين أو غير مؤمنين استخلف الإنسان، فالقيم الإنسانية بشكل عام في القرآن الكريم يمكن أن تشكل أسسا وقواعد لعلاقات إنسانية متبادلة أهم ما فيها هو أننا ليس صحيحا أننا لا نستطيع أن نعيش معا ونحن جماعات متعددة إلا إذا توحدنا على قواعد واحدة كأننا نخرج من تحت مكبس واحد، الصحيح هو أن الاختلاف يمكن أن ينجح بثقافة احترام الاختلاف وتقبله واعتباره شأنا إلهيا، هو الله الذي أراد أن نكون مختلفين وهناك كما نعرف هناك آيات قرآنية كريمة تتحدث عن الاختلاف بمعنى أنه إرادة إلهية، حتى أن الله سبحانه وتعالى عندما دعانا إلى أن نعتصم بحبله قال {..وَلاَ تَفَرَّقُواْ..}[آل عمران:103] ولم يقل ولا تختلفوا..


عثمان عثمان: الاختلاف غير التفرق.


محمد السماك: الاختلاف موضوع آخر تماما، التفرق يعني يحول الاختلاف إلى خلاف وهنا فرق كبير بين الأمرين.


عثمان عثمان: دكتور ربما ذكرتم أن هناك ضرورات للتعاون، للتعايش بين المسلمين والمسيحيين بين أصحاب الديانات، نتحدث عن الأشكال التي يجب أن يكون فيها هذا التعاون، هل هو في المسائل العقدية في المسائل الأخلاقية في المسائل السلوكية، إلى أي مدى يعني نستطيع أن نذهب في هذا التعايش؟


محمد السماك: أولا موضوع الضرورات هي النقطة الضعيفة في العيش المشترك، العيش المشترك حتى ينجح يجب أن يكون قائما على خيار وليس على الضرورة، لسنا مضطرين أن نعيش معا ولكننا نختار أن نعيش معا، عندما نعيش إيماننا فنحن نكون قد اخترنا العيش معا لأن إيماننا يدعونا إلى احترام إيمان الآخر والله يحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين، لا نعطي أنفسنا حق الحكم على الآخر إنما نبحث عن القواعد المشتركة للعيش معه على قاعدة أن الله هو المصدر وهو الذي أوحى والأديان الكتابية عندما نتحدث عن أهل الكتاب نؤمن بأن الله أنزل هذه الكتب السماوية ودعانا أن نعيش معا، هناك قواعد عملية يعني عندما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من نصرانية فهذا زواج إسلامي مسيحي، زواج الإسلامي مع المسيحية وعندما يقول القرآن الكريم {..وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ..}[المائدة:5] يعني قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت، هذه المشاركة العائلية والمشاركة في الطعام والشراب هذا نوع من العائلة الواحدة أصبحت ولذلك العيش المشترك هنا ليس ضرورة ليس بالضرورة ليس مفروضا علينا لأنه إذا لم نتعايش فتذهب ريحنا عبثا، ولكنه خيار لنا، نحن نختار أن نعيش معا لأننا نختار أن نعيش إيماننا.


عثمان عثمان: دكتور اسمح لنا أن نأخذ الدكتور مشير باسيل عون أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية. مرحبا بكم دكتور.. دكتور مشير عون هل تسمعني؟.. ربما الدكتور ليس على الهاتف بعد. دكتور البعض ربما يفهم العيش المشترك ربما يفهم هذا التعايش أن يكون هناك توافق وانسجام تام سواء في العقائد أو في الأفكار يعني هذا التعايش هل يتعدى هذه المسائل إلى موضوع القيم والأخلاق والسلوكيات وما إلى ذلك؟


محمد السماك: يعني نحن في الدولة الوطنية وهناك أسس للعيش المشترك في إطار الدولة الوطنية، هناك أسس دينية تحدثنا عنها وهناك أسس وطنية يمليها يعني النظام الاجتماعي المشترك الذي يقوم عليه المجتمع الواحد وبتعدده، فاحترام النظام احترام الدستور الذي يعطي كل إنسان حقه، المساواة بين المواطنيين، لأنه شو المشكلة؟ عندما يشعر -خلينا نقول بصراحة- عندما يشعر مواطن مسيحي في دولة عربية ما أن سقفه هو دون سقف المواطن المسلم هذا يؤدي إلى نوع من الشعور الذي يزعزع أركان العيش المشترك، العيش معا يعني المساواة في الحقوق والواجبات فهذا الأمر عندما يتعرض إلى أي انتكاسة يعرض بالتالي تنتكس صيغة العيش المشترك.

إعلان

أسباب الهجرة المسيحية وتأثيراتها على صورة الإسلام


عثمان عثمان: يبدو أن الدكتور مشير عون عاد معنا على الهاتف. مرحبا بكم دكتور.. يبدو أن هناك أيضا مشكلة في التواصل مع الدكتور مشير عون من جديد، ربما يصلح الخطأ بعد قليل. دكتور هناك حديث مستمر ودائم وهناك تحذير خاصة من البطريركية اللبنانية تحذير من الهجرة المسيحية من الشرق إلى الغرب، مسؤولية من هذه الهجرة؟


محمد السماك: هي مسؤولية مشتركة، أولا إذا بحثنا في أسباب الهجرة نجد أن هناك هجرة تشمل المسلمين والمسيحيين معا، أسباب اقتصادية أسباب سياسية، الاضطرابات الدائمة في المنطقة، الصراع مع إسرائيل وانعكاساته على الحياة العامة، الطموح في البحث عن استقرار آمن عن بناء عائلة في مجتمع مستقر وآمن هذا كله أسباب مشتركة بين المسلمين والمسيحيين ولكن هناك سبب خاص هو الذي يجب أن نتوقف عنده هو الشعور المسيحي المتزايد باللا أمن نتيجة التطرف الإسلامي الذي ينعكس اعتداء على المسيحيين كمسيحيين في العراق مثلا والاضطرابات التي عرفنا وقعت في نجع حمادي في مصر ولو أنها ليست بالحادث الدائم ولكن هناك مؤشرات تجعل المسيحيين يشعرون بأنهم مستهدفون لكونهم مسيحيين يعني في العراق..


عثمان عثمان (مقاطعا): هل هذه حقيقة؟


محمد السماك: لا، لكن خلينا نشوف، في العراق المسيحيون ليسوا طرفا في الصراع على السلطة حتى نفسر الاعتداء عليهم كما نفسر الصراع المؤسف والدموي بين العرب والأكراد وبين السنة والشيعة وهذه أمور مؤلمة ومؤسفة وموضوع آخر، ولكن المسيحيين ليسوا طرفا في هذا الأمر مع ذلك فإنهم يستهدفون، هذا الاستهداف يرسم علامة استفهام كبيرة ليس فقط في العقل المسيحي وفي الضمير المسيحي ولكن يجب أن يرسم هذه العلامة أيضا في العقل المسلم وفي الضمير المسلم لأن المسلم مسؤول وطنيا ودينيا عن سلامة المواطن المسيحي في الدول العربية.


عثمان عثمان: هل لهذه الهجرة آثار ونتائج على صورة المسلمين؟ أسمع منكم الإجابة بعد فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة التي هي بعنوان المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك مع الدكتور محمد السماك الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي. دكتور قبل أن نأخذ الإجابة على السؤال الذي سألتك قبل الفاصل عن الهجرة المسيحية وتأثير هذه الهجرة على صورة المسلمين اسمح لنا أن نأخذ مجددا الدكتور مشير عون والذي نرجو أن يكون قد انضم إلينا فعلا. مرحبا بكم دكتور.. دكتور مشير هل تسمعني؟.. نعود من جديد دكتور، أثر الهجرة المسيحية من العالم العربي والإسلامي إلى الغرب هل لها تأثيرات سلبية على صورة المسلمين؟


محمد السماك: بكل موضوعية أقول ليس لها تأثيرات سلبية إنما لها تأثيرات كارثية ولا أبالغ في ذلك، أولا هي تؤدي إلى تفسخ المجتمع العربي والمجتمع العربي الذي يتألف من هذا التنوع الإسلامي المسيحي وحتى بعض العناصر الأخرى، عندنا أكثر من 14 كنيسة في الشرق، كل الكنائس التاريخية بعضها أقفل أبرشياته أقفل كنائسه لأنه مثل الكنيسة السريانية في القدس مثلا أصبح كل المسيحيين في أستراليا، عندما تنسحب هذه الخيوط النسيج المجتمعي خيطا بعد خيط فالمجتمع كله ينهار ويتآكل وهذه أكبر مصيبة تصيب مجتمعاتنا في الشرق، هذه واحدة، الأمر الثاني هو أننا بذلك نقدم صورة سلبية وغير حقيقية عن الإسلام بأنه يرفض الآخر وبالتالي يشجع هذا الآخر الغربي على معاملة المسلمين الذين أقاموا عنده بالمثل، فتصبح العملية نسيء إلى مجتمعاتنا هنا ونسيء إلى المجتمعات الغربية حيث ذهب مسلمون للعيش هناك ونسيء إلى الإسلام من خلال تصويره على غير حقيقته ولذلك فإن مشكلة الهجرة المسيحية من الشرق ليست مشكلة مسيحية هي مشكلة إسلامية أيضا وبالتالي هناك مسؤولية إسلامية في التصدي لها.


عثمان عثمان: أيضا هناك من يحمل بعض الدول الغربية مسؤولية بعض الممارسات ضد المسلمين، يعني هناك مساجد أيضا في أوروبا ربما أغلقت وربما تحولت إلى كنائس هناك ممارسات أيضا حتى بعض الدساتير الأوروبية ترى إن الإسلام هو ثقافة وليس دينا، هناك بعض المنع لممارسات شعائر المسلمين في الدول الغربية، هل يمكن المقارنة هنا؟


محمد السماك: هنا من المهم جدا أن نضع خطا فاصلا بين المسيحية والغرب، الغرب ليس المسيحية، يعني البابا الراحل يوحنا بولص الثاني حاول جاهدا عندما كانت هناك محاولة لوضع الدستور الأوروبي الموحد برئاسة الرئيس الفرنسي الأسبق بارليفيه جيسكار ديستان أن يشار إلى أن المسيحية تشكل ركنا من أركان الثقافة أو الهوية الأوروبية، رفضوا مجرد ذكر المسيحية ورفضوا طلب البابا، فالغرب ليس المسيحية ولذلك لا يمكن منطقيا وواقعيا أن أحاسب المسيحية على أخطاء يرتكبها الغرب ليس لأنه بالضرورة ضد الإسلام ولكن لأنه ضد الدين بالمطلق إن كان مسيحية أو إسلاما.


عثمان عثمان: الصورة نفسها أيضا في بلادنا العربية والإسلامية، لا يحمل الإسلام مسؤولية ما يجري ضد المسيحيين ربما؟


محمد السماك: تماما ليس الدين الإسلامي، نحن ذكرنا أول الكلام ماذا يقول الإسلام بشأن أهل الكتاب، ولكن عندما يتعرض المسيحيون إلى الإساءة وإلى انتهاك حقوقهم الدينية فإنما يجري ذلك على صعيد غير ديني وليس تنفيذا لتعليمات دينية إنما هو خروج عن التعليمات الدينية عن وصايا النبي عن النصوص القرآنية عن الأسوة الحسنة للخلفاء الراشدين ولذلك يتحتم علينا هنا ألا نعامل مسيحيي أهلنا الذين هم من لحمنا ودمنا كرد فعل على أخطاء الغرب تجاهنا، هذه قضية جوهرية وأساسية جدا وعدم العناية بها وعدم ملاحظتها يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة ومميتة بالفعل.


عثمان عثمان: دكتور أحد الزعامات المارونية السياسية في لبنان دعا المسيحيين المشرقيين إلى أن يكون انتماؤهم مشرقيا وألا يتجاوزوا الحدود ويكون ولاؤهم خارج الحدود، هل ترون أن هذه المسألة أيضا تشوش أو تعطل مسألة العيش المشترك؟


محمد السماك: أولا المسيحية موجودة في الشرق قبل الإسلام وأنا أعرف كنيسة صغيرة موجودة في حوران في جنوب سوريا عمرها قبل ولادة الإسلام وقبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم واستمرارها يعكس هذا العيش الإسلامي المسيحي وهذا الوجود المسيحي المستمر منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ليس الوجود المسيحي طارئا في الشرق حتى ندعو إلى أن يتخذ هذه الصيغة أو تلك هو متجذر هو الشرق ولذلك يجب أن ندرك يعني لا نعطي أنفسنا دورا ليس لنا، نعطي المسيحيين كيف يجب أن يتصرفوا في الشرق وكأنهم جالية قادمة من مكان ما إلى هذا الشرق، هم مياه هم أرض هم تراب فلذلك يعني نحن أولا استجابة لتعاليم ديننا واستجابة لوطنيتنا التزاماتنا الوطنية لا يمكن إلا أن نعيش بمحبة واحترام مع المسيحيين.

عوامل الاضطراب في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين


عثمان عثمان: مجددا دكتور نأخذ الدكتور مشير عون. تسمعني دكتور أعتقد الآن.


مشير باسيل عون/ أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية: نعم، نعم.


عثمان عثمان: دكتور كيف توصفون العلاقة بين المسيحيين والمسلمين هل هناك تأزم ما؟


مشير باسيل عون: الحقيقة هناك تأزم إنما هذا التأزم هو تأزم فرعي لأن الأزمة أزمة العالم العربي ليست أزمة لاهوتية بين المسيحية والإسلام، الأزمة هي أزمة رقي الإنسان العربي الرقي الاجتماعي الرقي الاقتصادي، يعني أنا بظني أنه آن الآوان للإعراض عن استثارة الحديث المأساوي عن اضطراب العلاقات بين المسلمين والمسيحيين والعلمانيين العرب، يعني الحديث يصح أكثر عن اضطراب واقع الإنسان العربي ولذلك ينبغي لنا البحث عن السبل التي تساعد الإنسان العربي للنهوض من كبوته من بؤسه، هل يعترف العالم العرب بأنه عالم بائس عالم تعيس؟ وهل تعي الأديان الديانتان المسيحية والإسلامية والعلمانية أيضا كتيار فكري يدخل شيئا فشيئا في نسيج العالم العربي هل تعي هذه القوى الفكرية والروحية أنه تستطيع أن تسهم في رقي الإنسان العربي لأن الدين المسيحي والدين الإسلامي في صفائهما يقترحان سبلا لإنعاش الإنسان العربي ولكن..


عثمان عثمان (مقاطعا): هناك دكتور يعني كيف ننتقل من القيم الأخلاقية إلى القيم الدستورية في إرساء عيش مشترك؟


مشير باسيل عون: الانتقال هو انتقال مرتبط بتطور الوعي السياسي في العالم العربي، لا يمكنك أن تغير دساتير الأوطان العربية ما لم تتغير العقلية الذهنية العربية على وجه الإجمال من ذهنية مسيحية وذهنية إسلامية وذهنية قبل الإسلام وقبل المسيح، ذهنية قبائلية، الانتقال يقتضي أن يتحرر العالم العربي من مكبلاته السياسية يعني لا يجوز بعد الآن أن يتغاضى الإنسان العربي عن أسباب بؤسه وهمه أو حجته في ذلك أن الغيبيات الإلهية لا يمس بها لأنها تزوده بالمعنى الروحي، لا يجوز له أن يتغاضى عن أسباب بؤسه وحجته، الصراع المرير مع العدو الصهيوني أو انحراف العالم الغربي عن طريق الأخلاق، لقد أثبت العالم الغربي رغم كل الانتقادات التي توجه له أنه خرج بصيغة قانونية تضمن للإنسان في الحد الأدنى شيئا من الحرية شيئا من المساواة شيئا من العدالة وشيئا من الحس، حس المسؤولية عن الكون عن البيئة عن نظرائه البشر، هذا ما تأتى للعالم العربي أن يختبره حتى الآن والأسباب شتى، هون في هذه المسألة لا يمكن أن ننسب إلى المسيحية أو إلى الإسلام أو إلى اضطراب العلاقة بين المسيحية والإسلام سبب عدم انتقال القيم الروحية التي تتحدث عنها هاتان الديانات إلى مستوى التشريع الدستوري لأن التشريع الدستوري لم يزل قلة متحكمة بمصائر الشعب..


عثمان عثمان (مقاطعا): إذاً هناك مسؤوليات دستورية تتحملها الأنظمة العربية والإسلامية، أشكرك الدكتور مشير عون كنت معنا من بيروت. دكتور يعني في مؤتمر الفاتيكان الثاني في الستينيات من القرن الماضي يعني عبر الفاتيكان عن موقف تصالحي مع عدد من الأطراف مع الطوائف المسيحية مع المسلمين مع قضايا حوار الحضارات وحوار الأديان، قرر الكنيسة من الليبرالية وصالحها مع العلمانية ولكن فيما بعد وخصوصا مع البابا الحالي ربما تأزم الوضع وحدث تراجع من الفاتيكان عن هذه المقدمات وهذه المسلمات، حتى البعض سمى البابا الحالي رجل معارك، كيف ترون الأمر؟


محمد السماك: شوف، التراجع عن الفاتيكان الثاني ليس عملية.. هذا يحتاج إلى مجمع آخر لإعادة النظر فيه، ما يصدر عن المجامع الكنسية هي عمليات تشريعية، تشريعية دينية ثابتة، ولكن أيضا البابا الحالي بينيدكت السادس عشر الكاردينال ريتسينغر كان شريكا في الفاتيكان الثاني ومشاركا في الصياغة وهو رئيس مجلس العقيدة في الفاتيكان ولذلك لا يمكن أن أتصور  أن يكون قد وافق على ما لا يؤمن به، الفاتيكان الثاني خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الإسلام هناك نص متقدم جدا يعتبر الإسلام دينا إبراهيما ويعتبر المسلمين يعني يشيد بالمسلمين، هو لا يقول بالإسلام دينا كنص لكنه يقول إن المسلمين يؤمنون بالله الواحد يؤمنون باليوم الآخر يؤمنون بالثواب والعقاب يؤمنون بالأنبياء يدعون إلى عمل الخير والصالحات، هذه الأمور لم تكن مطروحة قبل 1964، 1965 عندما عقد الفاتيكان الثاني وكان البابا الحالي هو من لجنة الصياغة من الذين كتبوا..


عثمان عثمان (مقاطعا): ما الذي حصل إذاً؟


محمد السماك: لا أعتقد ظروف البابا الحالي الحقيقة عنده كتاب صدر قبل وقت قصير جدا من انتخابه على السدة البابوية واسم الكتاب "بلا جذور" كتبه مع كاتب إيطالي يقول إن أوروبا تخلت عن قيمها الدينية وأصبح المجتمع الأوروبي خاويا وفارغا من أي مضمون، فكل همه هو أن يعيد الهوية المسيحية إلى أوروبا، فمقاربته لهذا الأمر وهذا موضوع دقيق يعني في موضوع الكنيسة ودور الكنيسة في موضوع إعطاء صفة لمجتمع أوروبي متنوع بنى نفسه على أساس فك الارتباط بالدين والآن يحاول البابا يعيد الهوية المسيحية إلى أوروبا..


عثمان عثمان (مقاطعا): ولكن اسمح لي دكتور حتى نضيف شاهدا آخر الأب هانز كونغ زميل البابا الحالي في اللاهوت وجه نداء مكتوبا للبابا قال فيه إن البابا أضاع من الفرص أكثر مما استغل، أضاع فرصة التقارب مع الكنائس البروتستانتية حرمت من وضعها ككنائس صريحة، أضاع فرصة الحوار مع المسلمين حين صور الإسلام على أنه دين عنف ومعاد للعقل، أضاع فرصة جعل روحه من مجمع الفاتيكان الثاني بوصلة الكنيسة الكاثوليكية، إلى غير ذلك، ما مستقبل العيش المشترك في ظل هذه السياسة وهذه الرؤية؟


محمد السماك: أعتقد هانس كونغ  من كبار علماء اللاهوت الكاثوليكي وهو مرجع لو لم تكن له قيمة علمية ولاهوتية كبيرة في العالم المسيحي وفي العالم الفلسفي الحالي لما تجرأ على أن يقول هذا الكلام، ثم إنه على علاقة قريبة كان هو والبابا في علاقات شخصية.


عثمان عثمان: دقيقة واحدة دكتور.


محمد السماك: لكن أنا أود أن أشير في بقية الوقت إلى أن البابا بينيدكت السادس عشر يواجه حملة صهيونية بسبب إصراره على تطويب البابا الأسبق بيوس الذي كان بابا أثناء الحرب العالمية الثانية على تطويبه قديسا وتعتبره الحركة الصهيونية متواطئا مع الحركة النازية، فعندما يتعرض البابا إلى هذه الحملة التشهيرية أعتقد بأن من واجبنا أن نبحث عن جوامع مشتركة طالما أنه خاصة بعد زيارته الأخيرة إلى القدس وانفتاحه على العالم الإسلامي بزيارة تركيا هناك توجه جديد أعتقد أن من المصلحة أن نمد يدنا للتعاون معه.


عثمان عثمان: أشكركم الدكتور محمد السماك الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي كنتم معنا في هذه الحلقة. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، كل الشكر لفريق العمل في بيروت وفريق العمل في الدوحة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب وسائر فريق العمل دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: الجزيرة