صورة عامة - الشريعة والحياة 19/12/2010
الشريعة والحياة

أهل العلم وأهل العمل

يستضيف البرنامج الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي أحمد الريسوني ليتحدث عن أزمة العلم والعمل ما حقيقتها? وهل همّشت الحركة الإسلامية أهلَ العلم لصالح مَنْ سُموا بأهل النضال والسَّبْق؟

– العلاقة بين العلم والعمل وموقع المسلم منهما
– موقع العلماء في المجتمع وفي الحركات الإسلامية

– أسباب تراجع دور ومكانة العلماء في الحركات الإسلامية

عثمان عثمان
عثمان عثمان
أحمد الريسوني
أحمد الريسوني

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..}[المجادلة:11]، أزمة العلم والعمل ما حقيقتها؟ وهل همشت الحركة الإسلامية أهل العلم لصالح من سموا بأهل النضال والسبق؟ وأين موقع علماء الشريعة من واقع الحركة الإسلامية اليوم؟ العلم والعمل وأوجه الاتصال والانفصال موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، مرحبا بكم فضيلة الدكتور.


أحمد الريسوني: حياكم الله والسلام عليكم.

العلاقة بين العلم والعمل وموقع المسلم منهما


عثمان عثمان: بداية فضيلة الدكتور هل يولد العلم العمل بالضرورة؟


أحمد الريسوني: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. بطبيعة الحال في الإسلام لا علم إلا لأجل العمل ولذلك قال العلماء "العلم ينادي بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل"، حتى العلم يرتحل ويتبخر ويضيع إذا لم يتبعه العمل والإمام البخاري كما هو معروف بوب على أحد أبواب كتابه الصحيح باب "العلم قبل القول والعمل" فإذاً العلم يتبعه العمل فإذا لم يتبعه العمل كان حجة على صاحبه وكان بدون جدوى فإذاً العلم مقترن في الإسلام مقترن بالعمل وعلم بلا عمل سراب كما قيل فإذاً لا بد للعلم أن يتبعه العمل.


عثمان عثمان: أفهم أن العلم والعمل قد ينفصلان أحيانا، لماذا؟


أحمد الريسوني: طبعا كما قال الله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ..}[البقرة:44]، {..لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف:2] فإذاً هناك انفصال بين القول والعمل وبين العلم والعمل هذا يحصل بطبيعة الحال إما جهلا بقيمة العلم ووظيفته أو كما يحصل في جميع التكاليف تراخ وتفريط وتهاون لأن العلم يحصله الإنسان فيكون حصيلة، العمل هو شيء يومي قد يتقاعس فيه الإنسان قد يفرط لسبب أو لآخر ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من علم لا ينفع. فإذا العلم لا ينفع يستعاذ به من الله تعالى لأنه كما ذكرت حجة على صاحبه ويزيده إثما على إثم فإذاً افتراق العلم والعمل هذا وارد ومشاهد ومعيش يعني.


عثمان عثمان: هل كل علم معتبر أو كل عمل معتبر شرعا؟


أحمد الريسوني: طبعا العلم المعتبر هو الذي يتبعه عمل، العلم المعتبر هو الذي ينفع الإنسان في دينه في دنياه في آخرته في معاشه في علاقاته ينفع به الناس هذا هو العلم المعتبر في الشرع ولذلك في الحديث حديث الصدقة الجارية وما يخلفه الإنسان "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ومن ذلك أو علم ينتفع به" إذاً العلم في الإسلام هو العلم الذي ينتفع به والعلم الذي لا ينتفع به هذا لغو وهذا فضول وهذا ضياع للوقت فالإنسان إذا وجد شيئا يتعلمه ولم يجد له فائدة في الدين ولا في الأخلاق ولا في العمل ولا في كسب عيش طبعا يجب الانصراف عنه لأنه مضيعة للعمر والإنسان محاسب على عمره وأيامه وساعاته فإذاً علم بلا عمل بطبيعة الحال لا مكان له.


عثمان عثمان: عندما نتحدث عن العلم فضيلة الدكتور من الناحية الشرعية هل المقصود به فقط العلم الشرعي أم سائر العلوم؟


أحمد الريسوني: لا، هو بالدرجة الأولى طبعا العلم إذا أطلق في الشرع والعلماء إذا أطلقوا وطلب العلم إذا أطلق فبالدرجة الأولى العلم الشرعي ولكن هذا لا يمنع أنه وردت نصوص تفيد أن تعلم أشياء أخرى غير شريعة هي أيضا تخدم الدين وتخدم الدنيا فإذاً هي من العلم الصالح ومن العلم النافع ومن العلم المقبول كتعلم الطب والصناعات فهذا أيضا من العلم النافع ومن العلم.. ولكن إذا أطلق لأن بعض الكلمات إذا أطلقت بدون تحديد لها معنى، إذا قيدت فهي تتقيد، إذا قلنا العلم بجميع أصنافه ومجالاته هذا كله شرعي لكن إذا تحدثنا عن العلم والعلماء فبالدرجة الأولى لا نقصد لا الأطباء ولا المهندسين ولا الفلكيين وإنما نقصد علم الشريعة وما ينبثق منه.


عثمان عثمان: النبي عليه الصلاة والسلام جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم، ما هو الحد الأدنى من المعلومات الشرعية التي يجب على المسلم أن يتحصل عليها ليكون عمله مقبولا عند الله عز وجل؟


أحمد الريسوني: العلم في الإسلام ما يطلب منه وما يجب منه يختلف بحسب الأفراد وبحسب الحالات ولكن بصفة عامة هناك علم واجب على كل مسلم وهو ما يحتاجه في حياته في عباداته في علاقاته، الإنسان المتزوج أو المقبل على الزواج يحتاج أن يعرف أحكام الزواج من ألفها إلى يائها وأحكام العلاقات الزوجية وإذا أنجب أو كان مقبلا على الإنجاب يعرف ما يجب عليه منذ الحمل والإنجاب والعقيقة وما إلى ذلك والتربية وما إليها، الإنسان المقبل على تجارة على زراعة على سفر كل إنسان مقبل على عمل أو دخل في العمل واجبه أن يعلم أحكام الشرع في هذا المجال، هذا الفرض العيني الأدنى الحد الأدنى من العلم هو أن يعلم الإنسان ما يحتاجه ما يعرض له ما هو مقبل عليه. وهناك العلم الكفائي أو الوجوب الكفائي وهذا يجب على فئة من الأمة ليس على جميع الناس فمن تخصص بحكم دراسته وحكم توجهه إلى الدراسات الشرعية وإلى العلوم الشرعية هذا واجب عليه أن يتوسع وأن يتبحر وأن يزداد يوما بعد يوم لأن هذا هو العالم المعول عليه في الفتوى وفي البيان وفي النصح وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل في تمييز بعض الأمور التي تختلط هل هي معروف أو هي منكر، هذا علم واجب وجوبا كفائيا لكن هذا لا يجب على جميع الناس وإنما يجب على فئات معينة تحصل فيها الكفاية فإذا كان عدد هؤلاء قليلا فعلى الأمة ومسؤولي الأمة أن يزيدوا عدد هؤلاء حتى يكون في كل قرية عالم أو أكثر في كل مدينة علماء إلى آخره فإذاً هناك فرض الكفاية وفرض العين في طلب العلم.


عثمان عثمان: {..فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ..}[التوبة:122].


أحمد الريسوني: تماما هذه الآية هي الأصل في ذلك.


عثمان عثمان: نعم، بين العلم والعمل فضيلة الدكتور هل يصح عمل دون علم اليوم في زماننا في أيامنا هل يعذر الجاهل بالعلوم الشرعية التي تجب عليه لأداء الفرائض والواجبات الدينية؟


أحمد الريسوني: لا، قلت المسلم لا يعذر في أي عمل يقدم عليه وأن يقول لا علم لي، لكن يعذر في علم أشياء ليست من صميم حياته هذه لا يعذر فيها العالم، العالم لا يعذر في أي مسألة في الشريعة إذا كان بإمكانه واتسع وقته وعمره وجهده لا يعذر في ألا يعلم تفسير الآيات والأحكام المعينة وأصول الشريعة ومقاصدها هذا المتخصص والعالم يمضي في هذا أقصى جهده وإذا قصر يكون محاسبا ويكون ملوما ويكون مقصرا في ذلك أما المكلف فالذي يجب عليه ولا يعذر فيه هو ما هو مقبل عليه، حتى الإنسان إذا سافر سفرا لم يسبق له يجب أن يعرف ما سيعرض له من أحكام العبادات والمعاملات والسفر والأكل والشرب والصلاة والقبلة إلى آخره كل هذه الأمور يجب أن يسأل عنها ويعرف أحكامها ويعرف كيف يدبرها، كما يتزود الإنسان في سفره لتأشيرته ودخوله وخروجه والرصيد المالي والبطاقة التي سيسحب بها وأين سيبيت ويحجز وما إلى ذلك فهكذا أيضا في دينه، ثم الأمور التي هي راتبة ومستمرة في حياة الإنسان كمهنته وغير ذلك فهذا لا عذر فيه لا عذر لأحد أن يقدم على شيء وهو يعتقد نفسه مسلما ثم يقدم على مشروع وعلى علاقات وعلى تجارة وأسفار وما إلى ذلك دون أن يعلم حكم الله فيها هذا لا عذر فيه لكن عامة الناس معذورون إذا لم يعلموا أشياء ليست مطلوبة في حركتهم وحياتهم هذا شأن العلماء أيضا لا يعذرون إذا قصروا.


عثمان عثمان: يعني إذا كان الجاهل لا يعلم أو الأمي لا يعلم ربما يسأل إمام البلدة أو شيخ المسجد الذي هو في حارته أو منطقته.


أحمد الريسوني: نعم.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني انطلاقا من هنا نريد أن نصل إلى ضابط القبول في العلم والعمل عند الله عز وجل.


أحمد الريسوني: لا، القبول دائما أولا مرده إلى الإخلاص، القبول أي القبول الأخروي الذي فيه ثواب هذا متوقف قبل كل شيء على الإخلاص وألا تكون فيه مخالفة صريحة للشرع يعني الإنسان قد يخالف من حيث لا يعلم ودون أن يقصر في الطلب والبحث لأن كل الناس يخطئون قليلا أو كثيرا حتى العالم كما نعرف العالم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران، فإذاً العلم الذي.. أو ما يقبل من العلم ومن العمل معا هو ما كان خالصا لله وما كان موافقا للصواب لكن الصواب إذا لم يكن فيه تقصير إذا أخطأ الإنسان الصواب وهو غير مقصر وغير متعمد فهذا أيضا مرفوع عليه الإثم فإذاً يقبل ما كان خالصا وصوابا كما هي العبارة الشهيرة لعلماء السلف.


عثمان عثمان: هل يتعدد الصواب؟


أحمد الريسوني: هذا موضوع هو نفسه ربما أو شبيه بالموضوع المعروف في أصول الفقه، هل كل مجتهد مصيب؟ الذي عليه جمهور العلماء أن الصواب واحد وما سواه خطأ وبعض العلماء يرون أن كل مجتهد اجتهد فهو على صواب لكن الجمهور على أن الصواب واحد وغيره مخطئ لكن إما مخطئ مأجور إذا كان من أهل الاختصاص واجتهد فأخطأ فهو مأجور أجرا واحدا فاته الأجر الثاني لكن إن اجتهد في العلم أو في شيء لا يحسنه ولم يسأل عنه واندفع وتهور واستخف في الأمر فإن أخطأ فهو آثم بطبيعة الحال.


عثمان عثمان: ما حقيقة ما يقال فضيلة الدكتور عن أزمة بين أهل العلم وأهل العمل؟


أحمد الريسوني: طبعا هذا اصطلاح قد يطلقه بعض الناس وله صيغ ومضامين متعددة وتعابير متعددة فمنذ القديم يعني هناك انفصل أو تمايز -لا أقول انفصل- مثلا أهل العبادة والزهد وعرفوا بالزهاد ثم عرفوا بالمتصوفة وهؤلاء في الغالب كان علمهم قليلا ولكنهم يجتهدون في العبادات ويجتهدون في الطاعات وربما يزيدون قد يصلون إلى حد التزيد والابتداع، مقابل هؤلاء كان الفقهاء الذين يصرفون معظم جهودهم إلى العلم ولكن قد لا يكونون مبالغين ولا مكثرين من الناحية العملية فكان هذا وجها مثلا من وجوه العلم والعمل، هؤلاء أهل عمل وهؤلاء.. وكان أيضا هناك انفصال آخر بصيغ أخرى وعبارات أخرى وهو أهل العلم وأهل الجهاد، فكان القائمون في الجبهات والمتصدون للأعداء والقائمون على الثغور يستخفون بمن استقروا في المساجد والعبادات وقيام الليل وما إلى ذلك ويرون أن عمل الجهاد أفضل بكثير وأنه كاللعب أن هذه العبادات وخاصة ما كان منها تطوعيا يشبه أن يكون لهوا بالمقارنة مع العمل والجهاد الذي هم فيه فكان هذا أيضا نظرة هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء إلى هؤلاء، واليوم نجد أيضا الحركات الإسلامية الشباب الذين يكافحون ويتصادمون ويجتهدون مقابل العلماء الذين هؤلاء قد يتهمون هؤلاء بالقصور في العلم وهؤلاء يتهمون هؤلاء بالقصور في العمل إذاً هذه الصيغ دائما أو هذه المفارقة أهل العلم وأهل العمل دائما وجدت بصيغ وتعابير وتجليات متعددة.


عثمان عثمان: سنتحدث بتفصيل أكثر في موضوع الحركة الإسلامية والعلماء ولكن قبل ذلك سؤال أخير في هذا المحور، أيهما مقدم جلسة علم أم جلسة عبادة؟


أحمد الريسوني: أولا لا ينبغي أن نضع أنفسنا ولا أحدا في مفارقة عليه أن يختار هذا أو هذا، هنا نتذكر الحديث الطويل والصحيح حديث جريج الذي حكاه النبي صلى الله عليه وسلم عمن كانوا قبلنا حين كان جريج هذا عابدا متفرغا في صومعته للعبادة وجاءته أمه احتاجت إليه في خدمة أو مساعدة فنادته وهو في أعلى صومعته يا جريج يا جريج فأطل فعرف أنها أمه قال يا رب أمي وصلاتي يعني أيهما؟ فانصرف إلى صلاته وترك أمه، وهكذا القصة طويلة ومعروفة في الحديث، العبرة هنا أنا أقول أمي وصلاتي، أنا لا أقول كما قال جريج أمي وصلاتي ثم أختار إحداهما، لا، أقول علينا أن نقول أمي وصلاتي وكان هذا هو الواجب على جريج وقد أخطأ كما ورد في الحديث ثم إلى آخره. فنحن لا نقول هل نختار العلم أوالعمل بل لا بد من العلم والعمل لكن من حيث الأسبقية الطبيعية أن العلم سابق على العمل هذه مسألة محسومة والعبارة الشهيرة التي ذكرتها للإمام البخاري وقد أصبحت يعني قاعدة عند العلماء قال، باب العلم قبل القول والعمل، الإنسان حتى قبل أن يتكلم بشيء علم يتكلم بعلم يكون هذا العلم قد دار في ذهنه واستقر في ذهنه وتمحص بمعنى ما يلفظ من قول إلا بعد أن يكون قد تقرر أنه صواب وأنه كذا وأنه خير وأنه نفع ثم ينطق، حتى النطق فكيف بالعمل والاندفاع في الحياة والمشاريع أو في أعمال معينة لا بد العلم هو الميزان ولذلك قال العلماء "العلم إمام العمل" فالعلم هو الإمام والعمل يأتم بالعلم فإذاً الإنسان في أي مسألة يقدم العلم على العمل ولكن بصفة عامة نحن تارة نقدم هذا نقدم علما لأجل العمل ثم نتبعه بالعمل فنصبح في عملية دائرية متواصلة لكن من حيث المبدأ والبداية الحقيقية لا بد من العلم وأيضا لا بد أن يتبعه العمل حتى لا ندخل في قوله تعالى {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف:3] أو يعني العلماء الذين يقولون ما لا يفعلون.

موقع العلماء في المجتمع وفي الحركات الإسلامية


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور في موضوع الحركة الإسلامية من المعروف أن مجمل الحركات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي كان العلماء من أسسها، لو أردنا اليوم أن نتحدث عن الحركة الإسلامية في واقعنا المعاصر ما حاجتها إلى العلماء؟


أحمد الريسوني: ما حاجة الحركة الإسلامية إلى العلماء فهي كحاجة الأمة بل أشد، هذا الذي يمكن أن أقوله بكلمة واحدة، حاجة الحركة الإسلامية للعلماء هي كحاجة الأمة وحاجة جميع قطاعات وفئات الأمة، العلماء هم المصابيح هم الهداة هم المرشدون هم الذين يحلون الإشكالات ويجتهدون للمستجدات وهم الذين ينيرون الظلمات فكل حركة وكل فئة لا تقتدي بالعلماء ولا تلجأ إلى العلماء ولا تتسلح بالعلماء وبعلم العلماء هي إن لم تكن في ضلال فهي إلى ضلال وإلى تيه وإلى تخبط فإذاً لا غنى للحركة الإسلامية وخاصة الحركة الإسلامية اللي هي يعني تدعو إلى الإسلام ولا تمارس تجارة أو كذا لأنه حتى الذي يمارس تجارة لا يستغني عن العالم فكيف بالذي يمارس الدعوة إلى الإسلام وبيان الإسلام والتدافع مع الشبهات ومع الخصوم ومع العوائق، هذا إن لم يكن مشروطا أن يكون هو نفسه عالما فلا أقل من أن يكون العالم أمامه وبجانبه.


عثمان عثمان: هناك من اتهم الحركة الإسلامية بأنها همشت العلماء همشت أهل العلم لصالح من سموا بأهل الفضل والسبق، هل توافقون على هذا القول؟ ولماذا؟


أحمد الريسوني: أولا أنا لا أقول الحركة الإسلامية همشت العلماء لكن ربما أقول لم تبوئهم المكانة اللائقة بهم ولم تحرص عليهم وعلى تكوينهم وعلى تقديمهم بما يليق بهم وبما يلبي حاجتها إليهم، لأن التهميش ربما كلمة فيها شيء من المبالغة وفيها شيء من القصد والعمد، أنا لا أقول هذا لا أقول أبدا إن الحركة الإسلامية تهمش العلماء لا أبدا. الذين يهمشون العلماء الآن هم الحكام الذين بنوا الدولة العصرية على غير العلم، الدولة الإسلامية قديما مهما كان فيها من اختلالات كانت مبنية على العلم فلذلك مستشارو الخليفة علماء القضاة علماء المحتسبون علماء المفتون علماء ولاة الجيش علماء مرشدو الجيش علماء فالعلماء كان لا يستغني عنهم أحد خليفة أو أمير أو وال أو قائد أو كذا لكن اليوم النموذج الحديث للدولة الحديثة في معظم الدول الإسلامية أو في كلها على تفاوت هناك تهميش للعلماء هذا صحيح يعني أبعدوا إبعادا بمعنى قيل لهم ادخلوا مساكنكم والزموا مواعظكم ولا شأن لكم بي إلى آخره، على تفاوت في هذه الصيغة ما بين شدة وتدرج إلى آخره، هذا تعمد هذا تهميش يمكن أن نسميه تهميشا لأنه مقصود ولأنه سياسة ولأنه حتى أصبح مطلبا لدى كثير من السياسيين سواء كانوا في الحكم أو في غيره. الحركة الإسلامية أقول إنها قصرت في تبويء العلماء المكانة اللائقة بهم، قصرت في الاعتماد على العلماء قصرت في تقديم العلماء في طليعة صفوفها هذا صحيح ولكن أيضا بجانبه العلماء ليسوا يعني بريئين من التقصير أيضا فالعلماء في العصور المتأخرة أيضا كأنهم كانت عندهم قابلية للانصراف وقابلية للابتعاد عن ميادين معارك الأمة وقضاياها ومنها قضية الدعوة والحركة الإسلامية فهناك شيء متبادل، كثير من القادة والشباب والعاملين في صفوف الحركة الإسلامية لا يكترثون ولا يحرصون على أن يكون على رأسهم عالم أو علماء وأن يكون في صفهم الأول علماء لا يحرصون يعني كأن هذا أمرا يرونه ليس ضروريا وربما نظر إليه بعضهم على أساس أنه يعني يعثر ويثبط وما إلى ذلك ولكن أيضا العلماء ليسوا حريصين، أنا لقيت شخصيا عددا من العلماء يقول نحن لا يليق بنا أن نكون في صفوف الحركات الإسلامية ولا يصلح لنا، هذا له أسبابه إما حرصا على السلامة حرصا على الوجاهة حرصا على أشياء معينة حرصا على نوع من الراحة لأن العمل العلمي في القنوات في المساجد في المنابر في المؤلفات في المكاتب هذا إلى حد ما مريح، العمل مع الحركة الإسلامية فيه متاعب كثيرة وله ضريبة وله كلفة فهذه أسباب قد تكون صارفة أيضا للعلماء فإذاً أنا أعتقد أن المسؤولية مشتركة.


عثمان عثمان: التقصير الذي ذكرته عن الحركة الإسلامية في تقديم العلماء، علما أنكم كنتم على رأس الحركة الإسلامية في المغرب، في لبنان كان فضيلة الشيخ فيصل مولوي إلى فترة قريبة، وأكثر من مثال ربما نضربه كان هناك علماء على سدة قيادة الحركة الإسلامية، هذا التقصير الذي تتحدث عنه فضيلة الدكتور من أين جاء؟ لماذا؟


أحمد الريسوني: أولا من جانب الحركة، لأن أنا قلت هذه مسؤولية مشتركة، من جانب الحركة الإسلامية الحركة الإسلامية في حقب في معظم الحقب في هذا العصر هي حركة تدافع أو قد نقول حركة صراع حركة معارضة بالاصطلاح السياسي وحركة احتجاجية فهذا العمل وهذا العمل ذو الطبيعة النضالية التدافعية اليومية يحتاج إلى حركة وإلى خفة وإلى تنظيمات يعني حزبية أو شبه حزبية، العلماء عادة متباطئون في هذا الاتجاه قليلو الاستجابة في هذا الاتجاه، كان على الطرف اخر أن يصبر عليهم وأن يكونهم ويتفاهم معهم لكن المعركة تدور والعجلة تدور فتلقائيا يحس أصحاب الحركات الإسلامية أنهم بدون هؤلاء العلماء أخف وأقدر على الحركة والمبادرة وأبعد عن كثرة الاعتراضات وكثرة الشروط والقيود وما إلى ذلك مما يوجد عند العلماء. العلماء أيضا كما ذكرت ربما من جهة لم يجدوا الدفع الكافي والاهتمام الكافي ومن جهة أخرى كما قلت هناك نوع من -هذا لا شك فيه ونعرفه بالمعايشة والمعاينة- هناك نوع من التهرب من تبعات العمل في صفوف الحركة الإسلامية وأحيانا الهروب حتى من تبعات الاقتراب منها حسب درجة الحرارة السياسية في كل بلد، فهذه هي الأسباب.


عثمان عثمان: ربما في بعض البلدان هناك المؤسسات الدينية تمارس ضغوطا على بعض العلماء حتى لا يكونوا داخل الحركة الإسلامية، هذا ما ذكره أحد قادة الحركة الإسلامية معنا منذ فترة معينة. فضيلة الدكتور، فضيلة العلم مقدمة على فضيلة العمل على ما ذهب إليه جمهور العلماء، كيف يمكن أن نوضح هذه الفكرة وهذه المسألة؟ أسمع الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان العلم والعمل وأوجه الاتصال والانفصال مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي. فضيلة الدكتور، الفضيلة العلمية مقدمة على الفضيلة العملية على ما ذهب إليه جمهور العلماء، كيف ذلك؟


أحمد الريسوني: نعم هذا لا شك فيه وسبقت الإشارة إلى ذلك وأن العلم إمام العمل وأن العلم قبل العمل ولا شك في الأسبقية الترتيبية لأسبقية العلم على العمل، لماذا؟ لأن العلم نور والعمل هو سير في الطريق، الإنسان هل يوقد النور قبل أن يتحرك أو يتحرك ويقطع المسافات ثم يوقد النور؟ فإذاً السير بدون علم والسير قبل العلم وقبل نور العلم هو تخبط هو خبط في الطرقات وفي الشعاب والأحجار وما إلى ذلك فهذه هي فضيلة، من هنا جاءت فضيلة العلم على العمل فالعلم مفضل لأنه هو الذي يحدد الوجهة ويحدد المقصد ويحدد المسار ويحدد الخطوات وما يجوز وما لا يجوز والطريق الذي يمكن سلوكه والطريق الذي لا يمكن سلوكه وبدون علم -كما قلنا- ليس هناك إلا التخبط والتعرض لمختلف المخاطر والآفات فلذلك كان العلم مقدما على العمل وكان أفضل منه.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك من يرى أن التهوين من شأن العلماء لم يكن قاصرا على الحركة الإسلامية إنما يكاد يكون حالة عامة، لماذا برأيكم؟


أحمد الريسوني: نعم هذا أشرت إليه تقصير عام، صحيح أنه في الكثير من الحالات المجتمع نفسه قد يكون راغبا عنهم وزاهدا فيهم وغير مقدر لمكانتهم وكم هاجر العلماء من بلد إلى بلد هاجروا بلدا وجدوا فيه الإعراض والجفاء وسافروا إلى بلدان وجدوا فيها التكريم والعناية والحفاوة هذا حاصل، وحتى الأنبياء هاجروا من بلدان إلى بلدان، ربما لم يجدوا ما يليق بهم وبدعوتهم في بلدانهم وأوطانهم فهاجروا، معظم الأنبياء هاجروا فإذاً هناك حالات يكون الجمهور نفسه مقصرا أو معرضا بدرجة أو بأخرى وهذا يجب التنبيه عليه باستمرار تنبيه الناس إلى أن علماءنا هم مصابيحنا هم هداتنا هم قادتنا في ديننا ودنيانا فعلينا أن نقدمهم ونعلي شأنهم ولا نستغني عنهم أبدا، فإذاً هذا بالنسبة للجمهور. وأشرت كذلك من قبل إلى أن مسؤولية ولاة الأمور والمفروض في الأصل في الإسلام أن يكون ولاة الأمور من جملة العلماء لأن هذا هو الوضع السوي وعمر رضي الله عنه يقول "تعلموا قبل أن تسودوا" أي قبل أن تصيروا سادة وقادة في المجتمع قبل ذلك تعلموا أولا كونوا علماء كونوا فقهاء قبل أن تتبوؤوا مناصب السيادة والقيادة والوجاهة في المجتمع، لكن حينما يقل العلم في الحكام أنفسهم ويتخصصون في أمور أخرى كما حكام اليوم قد نجدهم قادة عسكريين في الأصل أو اقتصاديين أو سياسيين أو قانونيين فعلى الأقل في هذه الحالة يجب أن يعيدوا الاعتبار للعلماء لأن قرار الحاكم وقرار الدولة يسري على كل الناس، فإذاً هناك فعلا تهميش وتقصير من الحكام في إعطاء العلماء مكانتهم، الآن في كثير من قضايا الأمة وقضايا المجتمع قضايا اجتماعية وآفات قلما نجد الاعتماد على العلماء إلا حينما تستفحل الأمور فيؤتى بالعلماء لنوع من الإنقاذ والنجدة وما إلى ذلك بينما المفروض أن يكون العلماء دائما حاضرين فإذاً هناك تهميش عام قد يحصل وهو حاصل الآن بدون شك وأنا أعتقد أنه حتى إن قلنا بأن هناك تهميشا أو تقصيرا من الحركة الإسلامية في حق العلماء فقد يكون هو الأقل من نوعه فيما ينال العلماء بصفة عامة في مجتمعاتنا.

أسباب تراجع دور ومكانة العلماء في الحركات الإسلامية


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور اسمح لنا أن نأخذ الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي في حركة الإخوان المسلمين والذي ينضم إلينا من القاهرة، السلام عليكم دكتور.


عبد المنعم أبو الفتوح/ قيادي في جماعة الإخوان المسلمين – مصر: وعليكم السلام ورحمة الله، تحياتي للأخ الدكتور أحمد الريسوني ولك.


عثمان عثمان: حياك الله، دكتور بعد السبعينات هناك من يقول بأنه ندر في الحركة الإسلامية وجود الأزهريين وكانت سدة القيادة لأهل الطب والهندسة وهناك من يتحدث عن عبارة ربما سادت "ليس في دعوتنا مكان لاثنين، العسكري والأزهري" هل هذا صحيح؟ وكيف تفسرونه؟


عبد المنعم أبو الفتوح: يعني ليس هذا صحيحا من حيث المبدأ ولا يمكن تصور أن حركة إسلامية ترفع راية الإسلام ووظيفتها ومهمتها الأساسية هي نشر الفكرة الإسلامية والدعوة إليها والتربية عليها ألا يكون للعلماء فيها مكان ومكان مقدر وعظيم يعني، أما توصيف الحال على أن هناك الآن أصبح في شح وندرة في وجود العلماء بين الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي كله فهذا صحيح وأنا أتصور أن هذا عائد لحالة الإرباك الذي تتعرض له الحركات الإسلامية في العالم كله، حتى الحركة الإسلامية تحتاج إلى إعادة النظر في أدائها أنها حركة إسلامية دعوية إصلاحية شاملة يجب أن يتبوأ فيها القيادة أصحاب العلم، أصحاب العلم الشرعي ويتبوأ فيها الرؤية والفكر أصحاب العلم الشرعي، قد يكون هناك أطباء ومهندسون لكن لا بد أن يتوافر لديهم قدر من العلم ويكون دورهم إداريا بالدرجة الأولى، الخلط الإرباك الموجود في الحركة أنها خلطت بين دورها الدعوي الشامل بمفهوم الإسلام الشامل والدور الحزبي وهو المنافسة على السلطة. ما أدعو إليه وأدعو كل الحركات الإسلامية أن تعيد النظر في أدائها هل هي حركة حزبية تنافس على السلطة بمرجعية إسلامية أم أنها حركة دعوية تربوية إصلاحية شاملة، هنا يجب في الحالة الثانية يجب أن يكون هنالك العلماء لهم مقام ولهم قدر ولهم دور لأن الحركة تصدر فكرا وتصدر عقيدة وتصدر رؤية وتربي الناس على الإسلام فكيف لا يكون للعلماء فيها هذا المقام وهذا القدر؟ فهذا تصوري لحالة الإرباك اللي فيها الحركات الإسلامية تداخل الحزبي مع الدعوي وليس الدعوي مع السياسي لأن البعض من الإخوة العلمانيين ينادون بفصل الدعوي عن السياسي ولا يمكن السياسة تنفصل عن الدعوة الإسلامية فهي جزء منها ولكن أن ينفصل الحزبي عن الدعوي هذا ما أنادي به وأطالب الحركات الإسلامية مثل حركتنا التي نعتز بالانتماء إليها حركة الإخوان المسلمين أن تعيد النظر في هذه المسألة.


عثمان عثمان: ربما هنا أريد أن أنقل لك سؤال الأخ سامر سباعنة من فلسطين يقول "ألا تظن أن الحركة الإسلامية بحاجة إلى مراجعة عامة وإعادة تنشيطها وفق متطلبات المرحلة؟".


عبد المنعم أبو الفتوح: نعم نعم تحتاج كل الحركات وبالذات الحركة الإسلامية أن تراجع أداءها وتراجع وسائلها وتراجع رؤياها بين الحين والآخر على أن يتم كل هذا في إطار قيام الإسلام العظيم ومبادئ الحضارة الإسلامية التي نعتز بها جميعا وننتمي إليها كل العرب وكل المسلمين.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك عندما نتحدث عن ندرة وجود العلماء في سدة القيادة الحركية للحركة الإسلامية البعض يرى أن مرد ذلك هو إلى حالة الديمقراطية التي تبنتها الحركة الإسلامية من خلال التصويت إنما يأتي هذا الرجل أو ذاك يأتي عالم أو غير عالم.


عبد المنعم أبو الفتوح: لا، لا أتصور أن السبب ممارسة الديمقراطية وممارسة الشورى في الحركات الإسلامية لكن هو السبب الرئيسي هو هذا الإرباك الذي شرحته لحضرتك يعني لأنه يجب أن تكون الحركات الإسلامية تحدد رؤيتها تحدد أهدافها تحدد وظيفتها بشكل واضح وبالتالي يكون اختيار قيادتها طبقا لهذه الرؤية ولهذه الوظيفة يعني فالوظيفة الدعوية والتربوية بالمفهوم الإسلامي الشامل تختلف عن الوظيفة الحزبية ففي فارق بين أن أختار رئيسا لحزب معد للمنافسة على السلطة آه بأفكار الإسلام وبقيم الإسلام وبين أن أختار رئيس حركة دعوية تربوية تدعو للإصلاح الشامل إصلاح المجتمع وإصلاح السلطة فهي المسألة محتاجة لإعادة النظر في رؤانا كحركات إسلامية ما هي وظيفتنا ما هو دورنا، وعلى مدار 14 قرنا من وجود الإسلام والفكرة الإسلامية في منصة الحكم كان دائما العلماء موجودين وحركة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممثلة في العلماء والسلطان موجود وكلاهما يلتزم بقيم الإسلام لكن خلط السلطان بالسلطة السياسية والسلطان بالدعوة..


عثمان عثمان (مقاطعا): المسألة واضحة فضيلة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي في حركة الإخوان المسلمين كنت معنا من القاهرة. أيضا نأخذ فضيلة الشيخ عصام تليمة باحث شرعي من قطر، السلام عليكم فضيلة الشيخ.


عصام تليمة/ باحث شرعي- قطر: وعليكم السلام أستاذ عثمان.


عثمان عثمان: هل فعلا ما يقال إن الحركة الإسلامية طاردة لأهل الفكر ولأهل العمل يعني هل هم يضيقون بالحركة أم أن الحركة تغص بهم؟


عصام تليمة: بسم الله الرحمن الرحيم. أولا يعني أحييك وأحيي أستاذنا وشيخنا الشيخ أحمد الريسوني وهو طبعا علامة من علامات وجود أهل العلم في سدة قيادة الحركة فقد كان من قبل يعني مسؤولا عن إحدى الحركات في المغرب. في وجهة نظري أن الحركات الإسلامية هي طاردة لأهل العلم الشرعي الذين يعني لهم رؤية نقدية بمعنى والسبب يعني يعود في وجهة نظري أن الحركة الإسلامية حينما عادت إلى الحياة بعد السبعينيات كان عندها رصيد ضخم من الفكر والثقافة يعني تمشي به إلى يعني خمس سنوات لا تحتاج إلى قيادي كانت تحتاج إلى إداري يعيد ربط حباتها المنفرطة ولكن للأسف الذي تولى سدة القيادة في الحركات وكانوا يعني إداريين لم يتخيلوا أن الخمس سنوات أو العشر سنوات القادمة ستطرح أسئلة وقضايا تحتاج بالمقام الأول للباحث والعالم والداعية والمفكر الإسلامي وليس إلى الإداري التنظيمي البحت، فللأسف أصبح يتحاور الطبيب والمهندس الداعية المسؤول الإداري عن الحركة أصبح يتكلم فأصبح هناك شيء من لا أريد أن أقول النفاق الدعوي -معاذ الله- ولكن تطييب الخاطر، الخاطرة الجميلة البسيطة العفوية، ما شاء الله، ما هذا الإبداع ما هذا الجمال! عاش في دور أن هو يعني مسؤول عن حركة ومنظر وكاتب ودخلوا سلك الكتابة وسلك الكتابة الشرعية كذلك فنسي هؤلاء أن الحركة ستحتاج في إجابة إلى أسئلة مهمة يطرحها العلمانيون والمتغربون أمام المشروع الإسلامي ليس لها إلا الفقيه والمفكر والداعية الإسلامي، هذا سبب طبعا واضح. السبب الآخر أن هناك أصبح شيء من التضييق على حرية المفكر والباحث والباحث إذا فقد حريته في إبداء رأيه والتحليق بفكره أينما شاء ينظر ويكتب ويناظر ويطرح، أنا أشبه دائما المفكر في أي تنظيم وفي أي جماعة وفي أي حزب أشبه بالطائرة المنطلقة والحركة أشبه بالسيارة البسيطة، الطائرة دائما تسبق، عقول أصحاب التنظيم أحيانا لا تستوعب سبق هذا المفكر، المفكر لو ظل متأخرا لا يكون مفكرا فالضيق برأي المفكر والضيق به ووضع هذا المفكر في أطر وتقييمه بالتقييم الإداري البحت وليس يعني لا يصلح لهذا التقييم إنما يصلح كتقييم فكري، هذا التضييق على عقلية الباحث والمفكر أن يترك له ويفسح لقلمه العنان هذا صعب جدا ولذلك يعني رحم الله الشيخ حسن البنا أدرك هذا الأمر جيدا حينما ذهب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وقدم طلبا لأن ينضم للتنظيم الخاص بالإخوان المسلمين، التنظيم الخاص كان عسكريا للجهاد في فلسطين، رفض حسن البنا محمد الغزالي أن ينضم للتنظيم الخاص غضب الشيخ الغزالي وحزن ولما زاره أحد الإخوان القدامى وشكى له من هذا فالشيخ البنا قال له هات الغزالي وتعال وقال له يا شيخ محمد أنت رجل عالم فيك شرطان لا يصلحان لهذا العمل التنظيمي الإداري البحت الصفة الأولى أنك إذا ما أمرت بأمر سألت لماذا وأين الدليل؟ الأمر الآخر أن فيك صفة مهمة أن علامات غضبك ورضاك تبدو على صفحات وجهك وسن قلمك يعني أي شيء تنفعل به تكتبه وتعبر به وهذان الشرطان لا يصلحان لإنسان عالم مفكر يا شيخ محمد..


عثمان عثمان (مقاطعا): شكرا، أنت أجبت فضيلة الشيخ عن سبب ربما عدم وجود العلماء بقوة داخل الحركة الإسلامية من خلال هذين الشرطين، شكرا لك شيخ عصام تليمة باحث شرعي من قطر. فضيلة الدكتور سمعتم ما قاله الشيخ عصام يعني هل فعلا الحركة الإسلامية تضيق بأهل الرأي بأهل النقد لذلك هي طاردة لهم؟


أحمد الريسوني: أحيي الأخوين الدكتور عبد المنعم والشيخ عصام. نعم ما قاله الأستاذ عصام تليمة صحيح أيضا، دائما الأمور ليس بإطلاقها وعمومها لكن هذا أيضا معروف ولذلك أطلق بعض المفكرين ومن أبناء الحركات الإسلامية قالوا هناك إشكال بين فكر الحركة وحركة الفكر فإذاً فكر الحركة يضيق بحركة الفكر لأن الحركة عادة وهي تنظيم أولا وتدافع ثانيا وبرامج وتنفيذ وأمر وطاعة وانضباط وما إلى ذلك ومواقف محددة سياسية وفكرية يومية أحيانا، هذا فكر هذا يمثل فكر الحركة، كل حركة وكل تنظيم له فكر معين يسير به هو قانونه الداخلي ونظامه الداخلي وهو دستوره وما إلى ذلك لكن حركة الفكر أي واحد في الحركة يفكر ومثقف وعالم ومفكر وباحث لا يمكن تقييده بفكر الحركة لا يمكن، نعم ينضبط بالقرارات العملية لكن من الناحية الفكرية لا ينبغي بينما الذي نجده أن هذا فعلا لا غبار عليه نعرفه ونعايشه على مدى عقود وقد كتب في نقده الشيء الكثير من أبناء الحركة الإسلامية ومن داخل صفوفها أن حرية التعبير أحيانا قد يضيق بها القائمون على الحركات والقادة والتنظيميون، أحيانا يضيقون بها حتى لكثرة الكلام، حرية الفكر قد تحتاج وخاصة الأفكار الجديدة والمتطورة قد تحتاج إلى وقت لشرحها في الاجتماعات فيضيق المسؤول وقد يكون فيها تشويش في نظره على المسلمات والثوابت المعروفة لدى الحركة فيخشى أن تضطرب بين.. فإذاً هذا يحصل فعلا ولكن الصواب لا بد من حرية الفكر داخل هذه.. لأن صاحب الفكر وصاحب العلم وصاحب الرأي وصاحب الاجتهاد إذا لم يجد المناخ المناسب مناخ الحرية والهواء النقي سيبتعد وهذا الذي يحصل أن هناك نزيفا ربما نقول من أهل الفكر والعلم في النهاية إما يبعدون أو يبتعدون لهذا السبب فهذا سبب حقيقي ويضاف إلى ما ذكرته من أسباب وهو المعبر عنه -أذكر بهذه العبارة- التدافع أو التضارب بين فكر الحركة وحركة الفكر.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك البعض يطلبون أمجادا ومغانم كثيرة على حساب الدعوة على حساب بعض الرموز والأسماء على حساب الدين في أحيان أخرى، يعني ما سبب هذا الداء وكيف يمكن معالجته؟


أحمد الريسوني: أولا هذا داء صحيح لا يمكن إنكاره وآفة معروفة ولكن ليست خاصة بالحركة الإسلامية، هذا واحد، ربما تكون في الحركة الإسلامية أقل من سواها من الأحزاب والتيارات وحتى الأفراد فالطموح إلى المناصب والمكاسب والوجاهة والمواقع التي فيها سلطة ونفوذ هذه طبيعة بشرية وهي حكمة ربانية في الأصل إذا وقفت عند حدودها لأنه لا غنى عن.. تصور لو أن الناس ليس لهم نزوع إلى هذه المسؤوليات، من يتولاها؟ ستجد الجميع يفر منها ولا أحد يريد أن يتأمر لا على ثلاثة ولا جيش ولا مدينة ولا تنظيم ولا جامعة ولا إلى آخره فإذاً هناك تطلع طبيعي عند الناس وهو تطلع قوي ولذلك غالبا مثل التطلع إلى الأموال والشهوات غالبا ما يتجاوز حده إذا لم ينضبط، فهذا موجود في الحركات الإسلامية وموجود في الطبيعة البشرية ولذلك الله تعالى قال {..وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ..}[الأنفال:7] فإذاً في وقت مبكر من الدعوة الإسلامية نزل القرآن يبين أن الصحابة، وقال في الآية الأخرى {..مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ..}[آل عمران:152] حتى قال بعض الصحابة ما كنا نظن أن في صفوفنا من يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية، والآية لا يمكن لأحد أن يتردد في أنها صحيحة لا يمكن لأحد أن يقول لا، صحابة رسول الله مبرؤون من هذا لا يمكن نزلت الآية وانتهى الأمر {..مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ..} و {..وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ..} فهذا صحيح لكن ينبغي أن يعالج بالتربية وبالعقيدة الصحيحة وبالإخلاص وأيضا بنظم ضابطة لكبح هذه التطلعات حتى لا تتجاوز حدودها وإلا فهذا موجود ولا يمكن أن نتوقع ليس هذا فقط بالحاضر أو الماضي لا، لا يمكن أن نتوقع في المستقبل أن تختفي هذه الآفة بأي سبيل كان لأنها لو كانت ستختفي لما ظهرت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن جاء القرآن والرسول فالمعالجات ممكنة مع المؤمن يخاطب فيه إيمانه وينبه ويحذر ويذكر ثم توضع أيضا، هذا كله لا يغني عن وضع ضوابط ناظمة للتدرج في المسؤوليات أو توليها لا يكون ذلك متروكا لهوى الشخص ومزاجه ورغبته بل ينضبط بالشورى وينضبط بنظم معينة.


عثمان عثمان: أيضا نجد هناك من يتطاولون على الناس بدعوى الانتساب إلى حركة أو تيار أو تنظيم أو جماعة معينة، نجد أيضا هناك من يستأثرون بالمناصب والمواقع لمجرد أنهم من هذه الفئة أو المجموعة، يعني هذه السلوكيات ما حكمها شرعا؟ كيف يمكن معالجتها؟


أحمد الريسوني: بطبيعة الحال هذا شيء مذموم يعني إذا كان لذات الشخص لأننا نحن يمكن أن نتصور في حالات الإنسان قد يتقدم أو يعرض خدمته أو يعبر عن استعداده وتطوعه لتولي مسؤوليات وخاصة إذا لم يكن فيها أرباح مباشرة هذا قد يكون وقد يكون بريئا لأننا نعرف أن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام قال {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:55] فإذاً قد يكون هناك حالات مبرأة لكن في الأصل إذا كان هذا مطلوبا لذات الشخص ولمصلحة الشخص ولتطلعاته النفسية ورغباته المادية وما إلى ذلك فلا شك أن هذه آفات وهذه أمراض يجب معالجتها ولا يمكن التطاول بها ولا التسابق فيها وعلى كل حركة أن ترصد مثل هذه الأمور لأنها إذا تركت تستشري وتسيطر وتصبح هي المحرك بكثير من المواقف والمبادرات فإذاً هذا لا بد فيه من يقظة تربوية ويقظة تنظيمية لكي توضع هذه الأمور في مواضعها ولا تتحول إلى أمراض وآفات مدمرة.


عثمان عثمان: أحيانا أيضا يبالغ أصحاب التنظيم في موضوع السمع والطاعة، قد يصل الأمر إلى تحقير النفس وقدراتها لصالح الأمر التنظيمي، ما الموقف أيضا من هذه المسألة؟


أحمد الريسوني: يجب أن نفرق بين ما هو من مقتضيات التنظيم والحركة العملية وما هو من مقتضى أو من خصائص أو من اختصاصات العلم والفكر فإذا كانت أمورا تنفيذية وأمورا تنظيمية صرفة فلا شك أن من تولى مسؤولية إدارية وتنظيمية وحركية كلمته لا بد أن تطاع لأنه كما قال سيدنا علي "لا رأي لمن لا يطاع" أن يطيعه الصغير والكبير وأن يطيعه العالم والمهندس والتلميذ هذا أمر لا شك فيه لكن ما كان يعود إلى الفكر وإلى حرية الفكر وإبداء الرأي والعلم فكلمة العلماء مقدمة ولكن في جميع الحالات لا هذا يلغي هذا ولا هذا يلغي هذا لأن التنظيم هو تنفيذ أمور متفق عليها ومشروعة وربما ضرورية وواجبة فهنا على الفرد الملتزم والمتعهد مع هذه الجماعة أن يكون مطواعا وملتزما ومنضبطا ولا يقول أنا عالم لا تصدروا إلي الأوامر وإلا سيفسد النظام لكن أيضا في مجال الرأي والفكر علينا أن نسمع لأهل العلم والفكر.


عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة أشكركم فضيلة الدكتور أحمد الريسوني الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على وجودكم معنا في هذه الحلقة وعلى هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.