الشريعة والحياة - صورة عامة
الشريعة والحياة

الهوية الإسلامية

تناقش الحلقة الهوية الإسلامية، فما ملامح هذه الهوية؟ وهل تَحَول خطاب الهوية إلى عائق أمام الاندماج في العصر والتواصل مع العالم؟ هل احتفال المسلمين بأعياد غير المسلمين يهدد الهوية الإسلامية؟

– حول الجدار الفولاذي ومظاهر الاحتفال بعيد الميلاد
– أسباب الحفاظ على الهوية وعوامل تضخمها

– دور المراكز الإسلامية ومعنى مغايرة الآخر

– معالم الهوية وعوامل تميزها والحفاظ عليها

عثمان عثمان
عثمان عثمان
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة. خطاب الهوية خطاب يستشعر تهديدا ما يدفع إلى الاستنفار للمحافظة على الذات والخصوصية أو هو خطاب نشأ في مواجهة سيل الغرب الذي تصور البعض أنه لا يمكن دفعه وانصرف آخرون إلى المحافظة على الهوية خشية الذوبان فيه فنشأت أفكار الاستعلاء والتميز والخصوصية وغيرها، لكن ما ملامح الهوية الإسلامية؟ وهل تحول خطاب الهوية إلى عائق أمام الاندماج في العصر والتواصل مع العالم؟ وكيف تتجسد الهوية الإسلامية اليوم في أوروبا مع تصاعد الحديث عن الهوية الأوروبية؟ الهوية الإسلامية موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، مرحبا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بكم يا أخ عثمان.

حول الجدار الفولاذي ومظاهر الاحتفال بعيد الميلاد


عثمان عثمان: قبل أن نتناول هذا الموضوع فضيلة الدكتور، الآن نعيش ذكرى مرور عام على العدوان الإسرائيلي على غزة الذي خلف دمارا وخرابا واستمر الحصار على أهل غزة، هل من تعليق في هذه المناسبة؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد فمن حقنا في هذه أو من واجبنا في هذه المرحلة وفي هذه الذكرى الأليمة ذكرى العدوان الوحشي على غزة أن نحيي إخواننا وأهلنا في غزة على ما بذلوه وعلى موقفهم الرائع الصابر والمصابر المرابط المضحي في سبيل الله والذي وقف أمام دبابات إسرائيل في البر وأمام طياراته من الجو وأمام بارجاته من البحر، وقف أمام هذا العدوان وانتصر بحمد الله عز وجل، قدم ما قدم من الشهداء وقدم ما قدم مما أشرت إليه من أملاك دمرت مدارس ومساجد ومزارع هذه كلها في سبيل الله، ومما نأسف له في هذه الآونة أننا بدل أن نقدم هدية إلى الشعب الغزاوي المصابر نقدم إليه مأساة تتمثل في البناء الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدود غزة، الحقيقة أنني أول ما سمعت هذا الأمر أنكرت وظننت أنه من باب التشنيع على مصر ومن باب الوقيعة بينها وبين الفلسطينيين وأن هذا لا يمكن أن يقع وساندي في هذا الأمر أولا أن مصر أنكرت ذلك وقلت الحمد لله ثم كانت الفجيعة أن هذا الخبر صحيح، قالت مصر إنها حرة وذات سيادة على أرضها وهذه حقيقة ولكن أيضا هناك مع هذه السيادة حقوق لأهلها وإخوانها وجيرانها، لهم حقوق عليها أن يبقوا أحياء ألا يقتلوا بالتجويع والحصار والإذلال، لا يجوز لمصر أن تساعد على تجويع وحصار الشعب الغزاوي الشعب الفلسطيني وأن تكون عونا عليهم لا عونا لهم، مع أن المفروض عربيا وإسلاميا وإنسانيا أن تكون عونا للفلسطينيين، الحق العربي، حق الأمة العربية والوحدة العربية والقومية العربية ألا تترك مصر فلسطين وقد خاضت أربعة حروب قبل ذلك من أجل فلسطين فكيف تتخلى اليوم؟ لا يجوز عربيا ولا يجوز إسلاميا والإسلام يقول {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}[التوبة:71]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..}[الحجرات:10]، "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، لم يقل جوع أخاك وحاصر أخاك واضغط على أخيك لحساب عدوك، فمصر حرة في أرضها ولها سيادة عليها ولكن هناك حقوق، "ليس منا من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع"، هذا أكثر من هذا أنت مش بس لا تعطيه ما يأكله أنت تمنع أن يتنفس خصوصا أن مصر تغلق المعبر الذي هو الرئة الوحيدة لهؤلاء الفلسطينيين وكانوا يتنفسون بعمل هذه الأنفاق يتسللون منها، طيب يا أخي غض الطرف عن هذا، لا، لا بد أن نسد عليهم كل المنافذ! فهذا عمل لا يجيزه شرع ولا تجيزه أخلاق ولا يجيزه قانون دولي ولا يجيزه قانون إقليمي ولذلك نناشد يعني أهلنا وإخواننا في مصر أن يتقوا الله في إخوانهم وأن يتقوا الله في سمعة مصر، مصر ليست جزارة بحيث تفعل هذا الأمر وتجهز على إخوانها لحساب إسرائيل، من المستفيد من هذا؟ إسرائيل في النهاية، نطلب من الجامعة العربية ومن منظمة المؤتمر الإسلامي ومن كل أصدقاء مصر أن يضغطوا عليها لتتوقف عن هذا الأمر من أجل مصلحة إخوانهم ومن أجل مصلحة الحق والعدل والكرامة والحرية، نسأل الله أن يهديهم سواء السبيل حتى يفيقوا ويعودوا إلى رشدهم ليعملوا من أجل العروبة والإسلام ومن أجل الجوار ومن أجل الحق الذي قامت به السموات والأرض.


عثمان عثمان: حديثنا فضيلة الدكتور عن الهوية الإسلامية، ألا ترون أن كل ما ذكرتموه يناقض أبسط واجبات هذه الهوية الإسلامية والعربية المشتركة؟


يوسف القرضاوي: قطعا، لا تجيز هذا عروبة ولا منطق العروبة ولا منطق الإسلام ولا حتى المنطق الإسلامي العام، الناس بيأتوا من أوروبا ومن غيرهم يعني استجابة للمنطق الإنساني العام أنه لا يجوز ترك هؤلاء المظلومين المستضعفين المحاصرين، لا يجوز تركهم وتأتي قوافل الإغاثة الإنسانية وتقول يا ناس افتحوا لنا المعابر افتحوا لنا الطريق حتى نغيث هؤلاء الملهوفين ونطعم هؤلاء الجائعين.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور، خلال الأسبوع الماضي موضوع مقال في مجلة ديرشبيغل الألمانية يتهمكم بالتحريض ضد النصارى وأعيادهم، نسمع التعليق حول هذا الموضوع إن شاء الله بعد وقفة قصيرة، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بعد الفاصل بإذن الله.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان الهوية الإسلامية مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. سيدي طغت في الأونة الأخيرة مظاهر الاحتفال بالـ Christmas حتى شمل هذا الاحتفال أيضا بعض المسلمين، على أثرها قام عدد من الخطاب بالتنديد بهذا الأمر، بالمقابل جريدة ديرشبيغل الألمانية يعني شنت عليكم هجوما عنيفا اتهمتكم بأنكم تحرضون على المسيحيين وأعيادهم من خلال خطبة الجمعة التي تحدثتم فيها أيضا عن هذا الموضوع، هل تعلقون على ذلك؟


يوسف القرضاوي: للأسف يعني بعض الغربيين أصبح عندهم هوس يعني في الهجوم على الإسلاميين وعلى الإسلام ولا يدعون فرصة إلا ويضعون فيها سمومهم في هذه القضية، أنا معروف عني أنني من دعاة التسامح مع الأديان جميعها وكتبي كلها يعني تشهد على هذا وآخر كتاب أصدرته في هذا الأمر كتاب فقه الجهاد في مجلدين، ولكنني منذ أسبوعين أو ثلاثة خطبت الجمعة وفي الخطبة الثانية نبهت إلى أمر أن هناك بعض المسلمين يبالغون في الاحتفالات بأعياد الميلاد المسيحية وهم ليسوا مسيحيين ومجتمعنا ليس مسيحيا، لم يفعلوا ذلك في عيد الفطر ولا عيد الأضحى العيدين الإسلاميين، فأنكرت ذلك وخصوصا بعد موقف سويسرا حينما منعوا المآذن، والمآذن لا تؤذي أحدا مع أنها منظر جميل، ما أجمله يؤذن فيه يظهر منه بالمايكروفون أشهد ألا إله إلا الله، يعني الله أكبر، الله أكبر، حي على الصلاة حي على الفلاح، هل يؤذي هذا أحدا؟ ولكن فعلوا، حتى في فرنسا عملوا استطلاعا فـ 40% قال ينبغي منع المساجد مش منع المآذن! أنا قلت ها هم يفعلون هذا ونحن في بلادنا نحتفل بأعياد الميلاد، إلى هذا الحد وهنا الحفاظ على الهوية، لأن هو المشكلة في هذه الأشياء المبالغة، المبالغات تفسد يعني كل.. ومبالغة بعض الناس في الاحتفال بما يسمى الـ Christmas حتى إن البلد تفقد مظهرها الإسلامي ولا يوجد مسيحي واحد في قطر أصلي يعني حتى يحتفلوا بهذه الأشياء، فأنا الذي أنكرته هو هذا ولكن لم أنكر على النصارى في بلادهم أن يحتفلوا في بلادهم بل أنا لي فتوى أنه يجوز تهنئة النصراني بعيد الميلاد وبهذه الأشياء مخالفا الفتوى المشهورة عن شيخ الإسلام ابن تيمية الذي منع هذا وكثير من العلماء في السعودية وبلاد الخليج يتبنون هذه الفتوى وأنا اعتمدت الفتوى بجواز التهنئة للجار أو للزميل أو للرفيق يعني ما دام في أي صلة يجوز هذا من البر الذي لم ينه الله عن أن تبروهم وتقسطوا إليهم.


عثمان عثمان: في هذا الإطار فضيلة الدكتور يعني كيف تفسرون شيوع احتفال المسلمين في هذه المناسبة المبالغة في هذا الاحتفال، يعني هل ترون أن هذا يهدد الهوية الإسلامية؟


يوسف القرضاوي: نعم هذا مما يهدد الهوية الإسلامية، هذا يدل على التهاون، والمشكلة في هذا هي الابتعاد عن منهج الوسطية الإسلامية، منهج الوسطية الإسلامية أنك تحتفظ بهويتك كمسلم ولكن تتعامل مع الآخرين بالتفاهم وبالتسامح وبإعطاء الحقوق والمشاركة في الأشياء العامة، هذا ما ندعو إليه.


عثمان عثمان: طبعا نحن نتحدث عن البلاد الإسلامية بالذات.


يوسف القرضاوي: البلاد الإسلامية طبعا، البلاد الإسلامية خاصة التي ليس فيها أقليات نصرانية.

أسباب الحفاظ على الهوية وعوامل تضخمها


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور سؤال الهوية يؤرق كافة المجتمعات البشرية لماذا نحن بحاجة للحفاظ على الهوية؟


يوسف القرضاوي: الله سبحانه وتعالى خلق الناس في قسم منهم مشترك بعضه مع بعض وفي قسم يتميز به كل شخص يعني الأصل في الخلق التنوع، القرآن يسميه اختلاف الألوان، {..مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا..}[فاطر:27]، ولكن مع هذا التنوع كل واحد له شخصيته الخاصة..


عثمان عثمان: له خصوصيته.


يوسف القرضاوي: له بصمته الخاصة به، له وجهه وصورته الخاصة، له حتى البصمة الصوتية، صوته لا يتكرر يعني حتى بعض الناس التوائم اللي من بويضة واحدة يعني ربنا يعمل أي علامة تميز بين الشقيقين كل واحد مملكة مستقلة، هذا في شأن الأفراد كل واحد له، أيضا الجماعات والأمم لها شخصيتها تتميز كل أمة عن أخرى، حتى الحيوانات ربنا يقول {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم..}[الأنعام:38]، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما اقترحوا عليه أن يقتلوا الكلاب قال "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها"، حتى الكلاب، فكل أمة لها مزاياها وهذا واضح عندنا في سورة الفاتحة وفي سورة الكافرون، في سورة الكافرون {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:1- 5] شوف بهذا التكرار والتأكيد ومع هذا في نهاية السورة قال {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:6] فالسورة فيها نهاية الاعتزاز والتمسك بالهوية وبالذاتية، {..لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ..} وبعدين في النهاية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ولذلك المشكلة هنا حينما تقول لكم دينكم ولي دين، هو يقول لا، لنا ديننا وليس لك دين، لنا عملنا وليس لك عمل، أيضا سورة الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:5-7] ولذلك هو الصراط المستقيم مخالف لأهل الجحيم كما قال الإمام ابن تيمية مأخوذ من سورة الفاتحة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ..} فبتقول يا رب اهدنا الصراط نتمسك به ولا نضيع في السبل الأخرى التي على رأس كل منها شيطان كما جاء في الحديث وقرأ قوله تعالى {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ..}[الأنعام:153].


عثمان عثمان: مسألة الهوية فضيلة الدكتور والتي هي تعبير عن الخصوصية كما ذكرتم لم تكن مطروحة بهذا الشكل تاريخيا، لماذا تضخمت بهذه القوة في العصر الحديث؟


يوسف القرضاوي: لا، طرحت في بعض العصور ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الشهير "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم" مأخوذ من الآية {اهدنا الصراط المستقيم صراط..} هو سمى هذا اقتضاء يقتضي أنك تلتزم بالصراط المستقيم أنك تخالف إيه؟ طريق أهل الجحيم، فألف هذا الكتاب ومنع الاحتفال بأعياد الآخرين والتهنئة لهم مبالغ فيه وكان هذا بناء على ظواهر اجتماعية رآها، أن بعض الناس بدؤوا يتحللون من بعض التزاماتهم ويقلدون الآخرين فألف هذا الكتاب. في عصرنا طبعا خصوصا بعد عصر الاستعمار بعد أن دخل الاستعمار بلاد المسلمين وأصبح مؤثرا عليهم يعني الغزو مش كان غزو عسكري فقط، غزو عسكري وغزو فكري وغزو اجتماعي وغزو أخلاقي..


عثمان عثمان: ثقافي، حضاري.


يوسف القرضاوي: وغزو أسري وغزو ديني، فكان لا بد من الحفاظ على الهوية ولذلك قام بعد الناس في فرنسا في الجزائر حينما احتلت فرنسا الجزائر كانت أهم حاجة تريد سلخ الجزائر من هويتها، هويتها تتمثل في إيه؟ العروبة والإسلام، الدين واللغة، ولذلك حاولت أنها تزيل العربية خالص من التعليم والإسلام تحاول يعني الضغط عليه حتى حولت بعض المساجد إلى كنائس وبعضها إلى متاحف وإلى إسطبلات وإلى أشياء يعني عجيبة. لما قام الشيخ ابن باديس وإخوانه من علماء الجزائر وأنشؤوا جمعية علماء الجزائر وبدؤوا يعني يحيون الهوية الإسلامية وقال الشيخ ابن باديس في نشيده الذي يعلمه للناشئة

شعب الجزائر مسلم

وإلى العروبة ينتسب

من قال حاد عن أصله

أو قال مات فقد كذب

وفي كل بلد قام العلماء يعني من حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهما في مصر وفي هذه البلاد، في أندونيسيا قام حزب دار الإسلامي وحزب مشرومي وفي كل بلد من بلاد الإسلام المقاومة كانت بالحفاظ على الهوية أمام الاستعمار حتى تحررت البلاد ومع هذا تحررت البلاد عسكريا ولكن لا يزال فيها التشريع الغربي يعمل، لا يزال الاقتصادي الغربي الربوي عن طريق البنوك الربوية وهكذا يعمل، لا تزال التقاليد الغربية التي أخرجت المرأة عن هويتها الإسلامية في وقت من الأوقات أصبحت المرأة العربية والمسلمة كأنها امرأة غربية تماما في زيها في حركاتها في كل شيء، وهذا في المقاومة للرجوع إلى الهوية، حتى عاد الحجاب ظاهرة إسلامية كان في وقت من الأوقات لا تكاد تجد امرأة محجبة، فأمام هذا التهديد لا بد أن يقوم الناس ليستردوا شخصيتهم حتى لا تضيع،


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور ذكرتم يعني كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم"، هناك نصوص قرآنية وأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الإطار أيضا، يعني في ظل هذه النصوص كيف يمكن أن نحدد يعني علاقة التشارك والتفاعل مع الآخر والأخذ عن الغرب؟


يوسف القرضاوي: هو كما قلت لك، إن احتفاظنا بهويتنا لا يمنع من التفاهم مع غيرنا والتسامح مع هذا إنما الخطر في التقليد الأعمى أن نمشي وراء الغربيين، هم أرادوا لنا هذا، أرادوا أن يجعلوا منا شخصية ذنبية، ذنب، ذيل، يعني كما قال بعضهم لأن أكون رأس كلب خير من أن أكون ذيل أسد، يعني فأرادوا أن نسير وراءهم وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا اليهود والنصار يا رسول الله؟ قال فمن؟" حتى لو دخلوا جحر الضب يضرب العرب به المثل في الضيق والالتواء والظلمة وسوء الرائحة ولكن إذا الغربيون دخلوا جحر الضب يبقى جحر الضب موضة لازم ندخل جحر الضب كما دخلوا، فهو يعني لا يريد منا أن نفقد شخصيتنا ونصبح أتباعا لغيرنا ونحن حملة الرسالة العالمية الخاتمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..}[آل عمران:110] وكذلك {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ..}[البقرة:143] المفروض إحنا نكون مرتبة الأستاذية للبشرية فكيف نتنازل عن رسالتنا وعن شخصيتنا ونصبح ذيولا لغيرنا؟ هذا ما لا يليق بأمة مثل الأمة المسلمة.

دور المراكز الإسلامية ومعنى مغايرة الآخر


عثمان عثمان: طالما نتحدث عن الهوية الأوروبية ومحاربة الرموز الإسلامية، الدكتور عماد أبو الرب إمام وخطيب المركز الإسلامي في أوكرانيا يقول "كما تعلمون أن المسلمين في الغرب رغم محاولات تذويبهم في المجتمعات العلمانية إلا أنهم متمسكون بدينهم ولغتهم وتاريخهم، وكلما تعرض الغرب للإسلام كمحاولة منع الحجاب  أو بناء المآذن إلا وكانت النتيجة عودة المسلمين لدينهم وهويتهم"، ما هو الدور الذي يمكن للمراكز الإسلامية في الغرب أن تقوم به في ظل مستجدات معاداة الإسلام والتخويف منه، ليعززوا حفاظ المسلمين في الغرب لهويتهم الإسلامية. دور المراكز الإسلامية في الغرب ما هو بالضبط؟


يوسف القرضاوي: دور المراكز الإسلامية والجمعيات والاتحادات والمؤسسات الإسلامية كلها ومنها المجلس الأوروبي للإفتاء الذي أتشرف برئاسته واتحاد المنظمات الإسلامية والمساجد الإسلامية والمدارس وكل هذه المؤسسات مهمتها في الحفاظ على هذه المعادلة، المعادلة هي إيه؟ أن نستقيم -واخد بالك- على ديننا، يجب على المسلمين أن يحافظوا على شخصيتهم الدينية في أنفسهم وأسرهم بلا انغلاق وأن يندمجوا في المجتمع الذي يعيشون فيه بلا ذوبان، يتأثروا ويؤثروا، يخدموا المجتمع بإخلاص يعملوا بحيث الناس يعرفوا أن المسلمين غير منعزلين، لا بد أن يعملوا في المجتمع ويحترموا النظام العام ويحترموا الحقوق ويؤدوا ما يجب عليهم، لا يجوز أن واحد يشتري بضاعة وما يدفعش ثمنها ويهرب ويعمل أو يأخذ خدمة أو منفعة ولا يعطي الأجرة اللازمة، وبعضهم يستحل هذا، هذا إسلاميا يعني لا يجوز.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني هل الهوية التي تعني المغايرة هي تحمل معنى سلبيا في مضمونها؟


يوسف القرضاوي: لا، تعني أن أحافظ على ذاتي أو المحافظة على الذات بحيث لا تضيع هذه الذات في وسط الهويات الأخرى، هذا هو المطلوب، سمه سلبية إيجابية، هذا منتهى الإيجابية أن تحافظ على نفسك حتى لا تسرق منك ذاتيتك.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني البشرية الناس إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الإنسانية، كيف ينسجم هذا مع الحفاظ على الهوية التي تعني تنشغل بالتميز والخصوصية كما ذكرتم؟


يوسف القرضاوي: هذا الكلام لسيدنا علي، الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وهذا ما ندعو إليه، الناس ليسوا أعداءك، الإسلام لا يجعل الناس بعضهم أعداء لبعض إنما جعل الشيطان هو العدو، قال {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً..}[فاطر:6] لا يتخذ بعضكم بعضا أعداء إنما يتخذ الشيطان، فإذا كان الإنسان عنده طاقة من الكراهية يجعل هذه الكراهية ضد الشيطان الذي هو رمز الشر والإفساد والضلال في الأرض، إنما الناس جميعا إخوة له من ناحية الخلق، هم من ناحية النسب أو من أبناء آدم فهم إخوانه ومن ناحية الخلق هم عبيد لله فأنت وهم أسرة واحدة، فالإسلام يدعو {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..}[الحجرات:13] لا لتتصادموا بل لتتفاهموا وتتحاوروا وتتعاونوا، {.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..}[الحجرات:13]، فهذا ما يريده الإسلام.


عثمان عثمان: أحد السادة المشاهدين يقول "ما الذي يجعلني فخورا لكوني مسلما عربيا أنتمي لبلد عربي -كما هو الحال مع الأميركي أو الأوروبي- فخورا ببلاده؟"، يتحدث عن القوة والضعف يعني.


يوسف القرضاوي: المسلم المفروض يعتز بما هداه الله إلى الإيمان يعتز بإيمانه وإسلامه وهذا أساسي، الاعتزاز بالهوية، القرآن يقول {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:33] فيقول إنني، يقولها معتزا ومباهيا، أنا من المسلمين {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:161- 163] حتى في بعض المذاهب تفتتح الصلاة بهذا النص القرآني، المسلم يعتز بهذا. سيدنا عمر لما قال "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله" هذا المهم في التربية الإيمانية، أن نربي الشخصية المسلمة المعتزة بنفسها مش المعتزة بعرض، مش زي شعب الله المختار، لا مش أنه أنا عربي أو كذا أو أنني شرقي أو فارسي أو هندي، لا، أنا بأعتز بالرسالة التي أحملها ولذلك قال {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..}[آل عمران:110] بهذا فضلتم على غيركم لا بسواد عيونكم ولا بحمرة خدودكم ولا بأنكم من نسل فلان أو علان.


عثمان عثمان: طبعا أتحدث هنا عن أمة الفكر وليس عن أمة العرق أو الجنسية.


يوسف القرضاوي: لا، أمة الرسالة.


عثمان عثمان: أمة الرسالة. فضيلة الدكتور في الدولة الحديثة الآن ما يسمى ببطاقة الهوية الشخصية التي يحملها كل منا، هل ترون أن يكتب في هذه البطاقة الشخصية ديانة المواطن فيها؟


يوسف القرضاوي: أنا أرى، أنا أحب أن يكتب في بطاقتي مسلم وهذا له يعني قد يكون له أهمية يمكن لو مت في بلد ولا حد يعرفش أنا مين، أدفن في مقابر المسلمين، المسلم عندما يموت مطلوب منه أن يغسل ويكفن وأن يصلى عليه وأن يدفن في مقابر المسلمين، إذا لم يعرف ذلك في هويته يعرف من أين، فعلشان حتى نعرف يعني المسلمين في بعض البلاد نسأل كم عدد المسلمين؟ بيقولوا ما بنعرفش لأنه مش مكتوب في البطاقة، ما المانع من هذا؟ لماذا يفر الناس من الدين؟ لماذا الدين هو المخوف؟ يعني الشخص يكتب يعني أنه جنسه كذا وأعمل كذا ولكن الدين ما المانع من هذا؟


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني البعض هناك يقول تحت مظلة الدولة الحديثة فكرة المواطنة التي هي فكرة مدنية كيف تستقيم هذه الفكرة مع الهوية الإسلامية التي هي فكرة دينية يعني كيف نجمع ما بين المواطنة والالتزام يعني بالدين؟


يوسف القرضاوي: الإنسان يجوز أن يكون له عدة انتماءات وهي متداخلة أشبه بدوائر متداخلة، دائرة أوسع من دائرة ولا يتعارض بعضها مع بعض، يعني أفرض أنا قطري، القطري له انتماؤه إلى قطر وهويته القطرية ومع هذا هو له انتماء خليجي فهذه دائرة أوسع وهو له انتماء عربي فهذه دائرة أوسع، العروبة أوسع من الخليجية، وبعدين له انتماء إسلامي فهذه دائرة أوسع من الدائرة العربية وبعدين له انتماء إنساني فهذه دائرة أوسع، وله انتماءات أخرى أنه آسيوي مثلا أنه من العالم الثالث من البلاد النامية من كذا، هذه انتماءات لا يعارض بعضها بعضا ولا ينفي بعضها بعضا فلا مانع من أن يكون الإنسان مواطنا في بلد ومع هذا يكون مسلما أيضا، هذا لا ينافي هذا.

عثمان عثمان: ولكن فضيلة الدكتور هناك المسلمون الآن يعيشون في بلدان مختلفة، هناك من يعيش في بلاد عربية وإسلامية هناك من يعيش في بلاد أوروبية، أمام هذا التنوع والتعدد والاختلاف كيف يمكن تشكيل هوية إسلامية واحدة مشتركة؟


يوسف القرضاوي: يمكن تشكيل هوية إسلامية من المسلمين في البلاد التي أكثريتها إسلامية، هوية هذا البلد إسلامية، في أوروبا وبعض البلاد يقول لك يعني دينها الكاثوليكية أو البروتستانتية وهكذا وهذه بوذية وهذه هندوسية لا مانع يعني من هذا. أنا أفضل أن ينتسب الناس إلى الدين بدل أن ينتسبوا إلى العلمانية التي تنكر الدين أو تعادي الدين.

معالم الهوية وعوامل تميزها والحفاظ عليها


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني خطاب الهوية اليوم انشغل كثيرا بمسألة الرموز، الحجاب والمآذن وغير ذلك، يعني ضخم هذه المسألة ربما مما جعلها يعني سلاحا في يد اليمين.


يوسف القرضاوي: الحجاب وهذه الأشياء ليست رموزا.


عثمان عثمان: ليست رموزا.


يوسف القرضاوي: الغرب هو اللي سماها رموزا، الحجاب ليس رمزا دينيا، هم اعتبروه رمزا دينيا وأنا ناقشت هذا وأرسلت رسالة إلى شيراك في وقتها وقلت إن الحجاب ليس رمزا دينيا قط، لأنه لو كان رمزا دينيا كانت المسلمة يعني تلبسه في كل الأوقات، إنما هي تلبسه أمام الرجال الأجانب وتخلعه أمام النساء اللي مثلها وتخلعه أمام أبيها وأخيها وابن اختها وابن أخيها يعني هؤلاء الرجال المحارم تخلعه، لو كان رمزا لا يخلع إطلاقا، هذا مظهر من مظاهر الاحتشام الذي يفرضه الإسلام {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}[النور:31]، فهذا نوع من الحشمة الإسلامية وهذه تتمايز فيها الحضارات بعضها عن بعض والثقافات والأديان بعضها عن بعض، ولذلك المشكلة إنك تريد أن تفرض علي ثقافتك، هذا هو التعصب وهذا هو التحيز هذا هو ضيق الأفق أنك تريد أن تجعل ثقافتك الخاصة ثقافة عالمية فترى أن كل النساء لازم يبقوا زي النساء في فرنسا ليه؟ ليه ما تكون نساء فرنسا مثل النساء المسلمات؟ إحنا الأصل الأديان كلها تدعو إلى الحشمة.


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور حتى داخل الساحة الإسلامية هناك تيارات إسلامية متعددة في ساحة العمل الإسلامي، البعض يميز نفسه بشكل من أشكال الحجاب، بشكل من أشكال اللباس، بعض البلدان تميز نفسها بأنها مثلا كإيران لا يلبسون الكرافيتة مثلا هل في هذا إشكالية ما؟


يوسف القرضاوي: لا، هذا كله برضه نوع من الحفاظ على الهوية يعني أصل البدلة هذه اللي أنت لابسها دي أصلها مش لبس عربي ولا لبس فارسي ولا لبس هندي يعني هي لبس غربي أوروبي جاي من.. فبعض البلاد يتمسكون بزيهم مثل الهنود، يتمسك بزيه الوطني، أنا أحترم هذا جدا، إحنا أصبحنا بلاد العرب معظمها عدا بلاد الخليج نلبس هذا اللبس وفقدنا الزي الوطني، في إيران أنا أرى أنهم عملوا عملا جيدا، قالوا طيب لا بأس أننا نلبس البدلة دي إنما نخالف الغربيين في لبس الكرافيتة هذه، لأن الكرافيتة غير مفهومة، أنت لابس الكرافيتة دي ليه؟ هل لها أي فائدة عندك؟ أنا بأسألك؟ الكرافيتة دي بتلبسها ليه؟


عثمان عثمان: شكل.


يوسف القرضاوي: إيه؟


عثمان عثمان: شكل، ليس لها أي رمز.


يوسف القرضاوي: مش شكل، أنت فرضت عليك هو الزي هكذا إنما هي ليس لها أي فائدة، إذا خلعتها لا تنقص أي شيء. هو بيحكوا حكايات عن سببها فالإيرانيون قالوا نخلع هذه الكرافيتة نتميز بأن يبقى لبسنا من غير هذه، أحسنوا في هذا حقيقة.


عثمان عثمان: الأخت أم بشير من كييف تسأل "ما هو دور الآباء في حفظ هوية أبنائهم في ظل العولمة وتأثير الإنترنت والكليبات والتلفاز؟".


يوسف القرضاوي: والله دور الآباء والأمهات والأسر دور كبير جدا يعني في الحفاظ على الأولاد حتى لا يتخطفهم الواقع الغربي من دينهم ومن ثقافتهم ومن حضارتهم ويصبحوا ذيولا لغيرهم، فالأسرة عليها أهمية كبيرة في هذه القضية والمدرسة والمسجد والعلماء والمربين والإعلاميين كل عليه دوره بحيث نحتفظ بهويتنا ولا ننعزل عن غيرنا، هذه هي المعادلة الصعبة وهذا هو المنهج الوسطي، المنهج الوسطي الذي نتمسك به وندعو إليه أنك كيف تحافظ على هويتك وتتفاعل مع غيرك، هذا لا يمنع. الرسول عليه الصلاة والسلام هو أول ما راح المدينة مش عمل معاهدة مع اليهود؟ عمل معاهدة وعمل صحيفة ودستورا معهم في كيف يتعاملون في حالة السلم وفي حالة الحرب وفي حالة الشدة وفي حالة الرخاء وكذا، فتعاون معهم، فلا يمنع التمسك بالهوية من التعاون مع الآخرين.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور مما يتصل بالرموز مسألة النشيد والعلم، كل بلد إسلامي أو عربي له نشيد خاص به وله علم خاص به يرفعه، هل يتعارض هذا مع الهوية الإسلامية؟


يوسف القرضاوي: لا، لا يتعارض هذا ولكن المبالغة في الوطنية، النزعة الوطنية أو النزعة القومية يعني بحيث زي ما قال بعضهم

بلادك قدمها على كل ملة

ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

سلام على كفر يوحد بيننا

وأهلا وسهلا بعده بجهنم

إلى آخره، هذه المبالغة، حتى أمير الشعراء أحمد شوقي وهو له نزعته الإسلامية المعروفة في قصائد عديدة وفي مدائحه النبوية وفي غيرها، له أشياء في قضية الوطنية بيقول

وجه الكنانة ليس يغضب ربكم

أن تجعلوا كوجهه معبودا

ولوا إليه في السدود وجوهكم

وإذا رقدتم فاعبدوه هجودا

يعني وجه الكنانة يجعلوه.. فكما علق الشيخ الغزالي رحمه الله على أحد الأناشيد الوطنية كنا نحفظه ونحن طلاب في المدرسة بيقول

بلادي بلادي فداك دمي

وهبت حياتي فدى فاسلمي

غرامك أول ما في الفؤاد

ونجواك آخر ما في فمي

بيقول فماذا أبقى هذا لله؟ إذا كانت البلاد تأخذ من الفم إلى القلب وآخر ما في الفؤاد وآخر ما في الفم بيقول ماذا بقي لله؟ فالمبالغة في الولاء للأوطان بحيث يكون بديلا عن الولاء للدين، في فترة من الفترات أصبحت القومية والوطنية أصناما جديدة كما حكى بعض الغربيين، أصبحت أوثانا للناس يراد أنها بدل التوحيد يعبدون هذه الأشياء، فالمبالغات هي التي نرفضها إنما أن تحب الناس أوطانها وأن تنشد نشيدا وطنيا وأن يكون لها علم هذا لا مانع منه.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور أولع بعض الإسلاميين في أسلمة المعرفة، يتحدثون عن الطب الإسلامي وعن العمارة الإسلامية والفن الإسلامي وعلم الاجتماع الإسلامي، لماذا هذا الولع بالأسلمة والتميز والخصوصية؟


يوسف القرضاوي: أسلمة المعرفة المقصود بها أساسا المعرفة الإنسانية، العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية التي تكون ثقافة الأمة وهي تختلف من بلد إلى بلد ومن حضارة إلى حضارة ولذلك تجد علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية وهذه العلوم الإنسانية عند الروس والبلاد الشيوعية هي غيرها عند البلاد الرأسمالية بل أحيانا حتى البلاد الرأسمالية بعضها يتغير، تجد علم النفس في فرنسا غير علم النفس في أميركا وعلم الاجتماع يعني تختلف، فقامت مدرسة وقامت جماعة يريدون أن يؤسلموا العلوم الإنسانية، إسلامية المعرفة، لأنه إحنا في هذه الأشياء عالة على الغربيين نأخذ عنهم يعني أخذا أعمى، لماذا لا تكون لنا ثقافتنا الخاصة، لنا مدارسنا، المدرسة الإسلامية في علم النفس بدل علم النفس الإسلامي، المدرسة الإسلامية في علم النفس، المدرسة الإسلامية في علم الاجتماع، المدرسة الإسلامية في علم التربية وهكذا مدارس إسلامية ونخدم يعني ديننا في هذه ومن الأشياء التي خدمت بحق في الجانب الاقتصادي علم الاقتصاد، أنا أول ما كنت أبحث من حوالي خمسين سنة في فقه الزكاة، أبحث في الاقتصاد لا أجد أثرا للعرب ولا للمسلمين في علم الاقتصاد، يتكلم عن اليونان وعن الرومان وعن الفرس وعن الهنود إنما كأن العرب والمسلمين دوله لم يوجدوا في التاريخ، الآن أصبحت والحمد لله هناك دراسات هائلة حول الاقتصاد وأقسام أنشئت في الجامعات ومراكز أبحاث ومجلات اقتصادية وبنوك إسلامية ومؤسسات إسلامية وندوات تعقد وكميات هائلة ورسائل ماجستير ودكتوراه عشرات ومئات والمكتبة الاقتصادية الإسلامية هذا.. يعني لماذا نغضب من هذا؟ أليس هذا يدلنا على أن لنا حضارة ولنا ثقافة وعندنا فلسفة، العالم الآن أصيب بأزمة كبيرة نتيجة فلسفة الاقتصاد الغربي، نحن عندنا فلسفة أخرى للاقتصاد وعندنا أنظمة للاقتصاد جديرة بأن تنقذنا إذا أحسنا فهمها وأحسنا تطبيقها.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني ما يتصل أيضا بالحفاظ على الهوية هو المحافظة على اللغة العربية كلغة تدريس للعلوم الحديثة، يعني إسرائيل أحيت لغة من الموات تدرس بها علومها، الصينيون اليابانيون يدرسون المواد العلمية بلغاتهم أيضا رغم صعوبتها، هل وصلت أمتنا إلى حالة من الضعف حتى تنكفئ عن اللغة العربية التي من أساس هويتها؟


يوسف القرضاوي: والله هذا مما يؤسف له أشد الأسف أن اللغة التي وسعت القرآن يعني كما قال حافظ إبراهيم في تائيته الشهيرة

وسعت كتاب الله لفظا وغاية

وما ضقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف

آلة وتنسيق أسماء لمخترعاتي

إلى آخره. اللغة العربية هذه العظيمة بما فيها من اشتقاق وما فيها من مزايا يعني بينها فلاسفة اللغة ابن جني وابن سيدا وغير هؤلاء، وعندها هذه المعاجم الهائلة وعندها الأصول اللغة أصول الاشتقاقات يعني ثروة هائلة هذه اللغة التي يعني وسعت العلوم، كتبت بها العلوم في عصر الحضارة الإسلامية كتب الطب وكتب التشريع والفلك والكيماء والفيزياء وكل العلوم كتبت بها وكانت هي اللغة الأولى في العالم، نأتي إحنا الآن للأسف لضعفنا وهواننا ووهننا وعجزنا نتهم اللغة العربية أنها عاجزة واللغة ليست عاجزة وإنما العجز فينا

نعيب زماننا والعيب فينا

وليس لدهرنا عيب سوانا

يعني للأسف.


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور -في دقيقتين- متى يجب أن تستفز وتستدعى الهوية التي اعتبرها البعض جهاز المناعة في جسد الأمة؟


يوسف القرضاوي: في مثل عصرنا هذا، نحن الآن مستفزون يريدون أن نضيع هويتنا وأن نتبع غيرنا يريدون أن ننسلخ من ديننا من حضارتنا من ثقافتنا لنصبح أتباعا لهم وهذا ما نرفضه وما يجب أن يرفضه كل ذي عقل وكل ذي دين، نرفضه أفرادا ونرفضه جماعات ونرفضه أمة كبيرة سواء كان الأمة العربية أو الأمة الإسلامية لأنه عندنا من المقومات ومن الخصائص ما يجعلنا أمة ذات رسالة إلى العالم عندنا ما نقدمه للعالم، العالم في الحقيقة ضائع عالمنا الآن مفلس أفلس روحيا، الحضارة الغربية أفلست روحيا وأفلست أخلاقيا وأفلست قيميا وتعاملت بمعايير مزدوجة وغلبت عليها الفلسفة المادية في ناحية الدين والفلسفة النفعية في ناحية الأخلاق والفلسفة العنصرية في الاستعلاء استعلاء الرجل الأبيض على العالم وأصبحت يعني تتأله على.. كما نرى أميركا لا تسأل عما تفعل ولا تحاسب على ما تقول لا يوجد من يقاوم هذا ويقدم للناس قارورة الدواء ومضخة الإطفاء ورسالة الهداية والنور الذي تربط الأرض بالسماء والخلق بالخالق والمادة بالروح والعقل بالقلب، لا يوجد إلا رسالة الإسلام إذا أحسن المسلمون فهمها وأحسنوا تطبيقها وأحسنوا الدعوة إليها.


عثمان عثمان: أشكركم فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، كما أشركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب، إلى اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.