الخطاب الفقهي.. واقعه ومشكلاته
– مواصفات الفقيه ووظيفته
– واقع الفقه والفقهاء وعلاقتهم بالدولة
– مكانة الفتوى ومشاكل الخطاب الفقهي
– العلاقة بين الفقه والسياسة
عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام وأهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الحديدة من برنامج الشريعة والحياة. ما الذي ينقص الخطاب الفقهي اليوم وما الذي لم يقله الفقيه؟ وإذا كانت مهمة الفقه إيجاد الحلول فلماذا يصنع بعض الفقهاء المشكلات؟ الخطاب الفقهي واقعه ومشكلاته موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي والذي ينضم إلينا من المغرب عبر الأقمار الصناعية، مرحبا بكم دكتور.
أحمد الريسوني: مرحبا بك أستاذ عثمان وبالسادة المشاهدين.
عثمان عثمان: دكتور في عصر الفضائيات والإنترنت كثر المفتون مما يدفع إلى السؤال باستمرار من هو المفتي؟ ما هي مواصفاته؟
أحمد الريسوني: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. طبعا المفتي كما هو معروف ويعرف عند الفقهاء بأنه مخبر عن حكم الله فهذا معناه أنه فقيه متمكن من معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها ومظانها، والمفتي على مرتبتين، هناك المفتي المجتهد الذي يجتهد في الأحكام الجديدة ويستنبطها وينتجها بناء على أدلتها وهناك المتفي الذي يفتي بما هو متداول في مذهبه أو في المذاهب الفقهية عموما ينقحه وينزله على نازلة المستفتي، فإذاً عموما المفتي هو فقيه متخصص متمكن من الأحكام الشرعية من أدلتها فكل من يستجمع هذه الصفات فهو مفت وهو فقيه إن شاء الله.
عثمان عثمان: دكتور كما ذكرنا في عصر الفضائيات الفضاء المفتوح ظهرت إلى العلن ما يسمى بظاهرة الدعاة الجدد مما أثار جدلا حول الفرق بين الداعية والفقيه، ما هو الفرق بين الداعية والفقيه؟
أحمد الريسوني: نعم حقيقة يقع عادة خلط بين الفقيه بمعناه الاصطلاحي والفقيه بمعانيه العرفية المتداولة، فالناس يعتبرون من يؤمهم في المسجد فقيها ومن يخطب عليهم يوم الجمعة فقيها ومن يعظهم ويقدم دروسا وعظية وتوجيهية يعتبرونه ويسمونه فقيها، واليوم يسمى الدعاة سواء الجدد أو القدامي يسمون أو يوصفون بصفة الفقه وهذه كلها إطلاقات عامية وأوصاف عامية، فالفقيه هو من ذكرت ومن وصفت بشروطه أما هؤلاء جميعا فقد يكونوا فقهاء وقد لا يكونون، فالدعاة الجدد بصفة عامة أو الدعاة بصفة أعم يمكن أن يكونوا فقهاء ولكن الغالب أن الداعية غير الفقيه وإمام الصلاة غير الفقيه وخطيب الجمعة غير الفقيه والواعظ غير الفقيه والباحث والمفكر أيضا غير الفقيه، فالفقيه متخصص في الفقه وأصوله وأدلته متبحر فيها محيط بمصادرها ومتمكن من الإفتاء بناء عليها، لأن الداعي الجديد أو القديم قد تكون له قدرة بلاغية وقدرة تبليغية وقدرة بيانية ولكنه ليس له قدرة على إنتاج الأحكام الفقهية وتحرير الأحكام الفقهية وتنزيلها، فلذلك عامة الدعاة الحقيقة تسميتهم فقهاء هي تسمية عامية كما يقع في حالات أخرى أشرت إليها.
عثمان عثمان: طبعا يعني ولكن يمكن لهؤلاء الدعاة، يمكن لإمام المسجد، لخطيب الجمعة أن يقدم بعض الفتاوى في المسائل العبادية البحتة.
أحمد الريسوني: هو ينقل الفتاوى، هذا ينقل الفتاوى، يعرف ماذا قال الشيخ فلان والفقيه الفلاني وفي المذهب الفلاني والكتاب الفلاني وينقلها لكن المفتي، الفقيه المفتي لا بد أن يكون له نوع من التصرف ونوع من التنزيل، فإذا كان له هذه القدرة فهو فقيه، أما إذا كانت له قدرة أكبر وهي أن يستنبط الحكم مباشرة من أدلته وبنفسه فهذا فقيه مجتهد، أما الذي يسأل عمن جاء مسبوقا في صلاته وعمن نسي فصلى بدون وضوء وعمن مرض بكذا وكذا هل يتيمم أو لا.. هذا يستطيع أي واحد ملم بنبذة من الأحكام الشرعية أن ينقلها له كما قرأها في الكتب وفهمها فهذه درجة تعليمية تقريبا يقوم به حتى المدربين والأساتذة والمدرسين في أقسامهم، هذا لا يسمى فقيها إلا في الاستعمال العرفي كما ذكرت، والاستعمال العرفي ومثله اليوم الاستعمال الصحفي يوسع معنى الفقيه.
عثمان عثمان: دكتور يعني لو أدرنا أن نكون أكثر تحديدا أن نسأل عن دور الفقيه، عن وظيفته اليوم في الواقع؟
أحمد الريسوني: نعم، وظيفة الفقيه اليوم هي وظيفته في كل يوم، طبعا هذا يدعو إلى تذكير سريع بأن الفقه هو تخصص لأنه عندنا العلماء قد نقول العلماء فلان عالم وهؤلاء علماء ثم نقول الفقهاء فطبعا في البداية كان العالم والفقيه شيئا واحدا يعني أيام الصحابة إذا قلنا الصحابي الفلاني عالم فهو فقيه وإذا قلنا فقيه فهو عالم واستمر هذا الوضع إلى قرن أو قرنين من الزمن ثم ظهرت التخصصات فصار هذا أصوليا وصار هذا فقيها وهذا محدثا وهذا مفسرا فلا يوصف أحد بالوصف الآخر إلا إذا كان له تمكن فيه، فإذاً صار الفقهاء هم الذين يمارسون استنباط الأحكام وبيانها للناس وتنزيلها على الوقائع، فوظيفة الفقيه بالمعنى التخصصي الدقيق هي أن يستنبط الأحكام إن كان مجتهدا من أدلتها وإن كان مقلدا أو يتصرف في نطاق مذهبي معين فهو يستخرج تلك الأحكام المقررة عند الفقهاء وينزلها ويهذبها ويفصلها وفق النوازل التي تقدم له ولكن دون أن يكون صاحب الفضل الأول في استنباطها، فإذاً الفقيه عموما إما أن يكون مجتهدا ينتج الأحكام الشرعية من أصولها ومنابعها الأولى وإما أن يكون واسطة لكن يقوم بعملية الملاءمة حتى يسمى مفتيا يلائم بين الحكم الشرعي كما قرره الفقهاء قبله أو في زمانه ثم يقدمه للمستفتي حسب نازلته وحسب ظروفه دون أن يكون هو منتج هذا الحكم دون أن يخرج على أصول المذهب الذي يفتي من خلاله فهذا هو الفقيه الحقيقي إذاً إنتاج الأحكام الشرعية أو التصرف فيها بالملاءمة والتنزيل أو باصطلاح الفقهاء بتحقيق مناطاتها، فهذه هي وظيفة الفقيه بالمعنى المتخصص ينتج الأحكام أو يلائم أحكاما مقررة.
عثمان عثمان: إذاً هو ينتج الأحكام أو يلائمها لإيجاد الحلول لمشكلات الناس ومشكلات المجتمع ولكن دكتور نجد اليوم ربما بعض الفقهاء بدل أن يوجدوا الحلول للمشكلات يصنعون هذه المشكلات لماذا برأيكم؟
أحمد الريسوني: نعم، حقيقة هذه مشكلة أن بعض الفقهاء وخاصة من غير المجتهدين يعني من الطبقة الثانية أو ربما لم يكونوا حتى في الطبقة الثانية، أما الطبقة الأولى فلا يكاد يتصور هذا، هذه مشكلة حقيقية قديمة وحديثة وفي كل زمان، قد تكون في زماننا أفحش وأشد لأن الآن المفتون صاروا من الأطباء ومن المحامين ومن الصحفيين ومن المؤرخين ومن المفكرين فازداد المشكل اتساعا، سبب هذا هو أولا نقصان في التمكن من الفقه وأدلته ولكن عدم التمكن بصفة خاصة من مقاصد الشريعة، عادة هؤلاء الذين يحدثون مشاكل قد ينظرون إلى الألفاظ فيقفون عند ظواهرها يغفلون عن مقاصدها يغفلون عن أعماقها ومراميها يغفلون عن مقاصد الشريعة بصفة عامة فيفتون بالألفاظ والحروف والكلمات وظواهرها فيوقعون الناس في مشاكل حقيقة، وهناك سبب آخر أيضا يذكره الأصوليون وأفاض الشاطبي في شرحه وبيانه وهو عدم التفاتهم يعني بعض الفقهاء بعض المفتين يغفلون ما يسمى باعتبار المآل، الإمام الشاطبي أطلق عبارة جميلة قال العالم الرباني هو الذي يجيب عن السؤالات وهو ناظر إلى المآلات يعني حينما يجيب أحد الناس أو جماعة أو مجتمع يجب أن يكون قد فكر مسبقا في هذه الفتوى ما هي المآلات التي تنتظرها وتنتظر العمل بها، هل سيعمل بها، هل سيساء استعمالها، هل ستؤدي إلى مشاكل هل ستؤدي إلى كوارث أم أنها آمنة، لكن الفقهاء الذين يحدثون المشاكل يعطي الفتوى ولا يبالي على غرار ما يقولون قل كلمة وامض، هذا ليس بفقيه أو على الأقل ليس الفقيه الرباني المتمكن الذي يجيب عن السؤالات وهو ناظر إلى المآلات، فالفقيه حين يغفل النظر إلى المآل يطلق كلمة ولا يبالي وينصرف آمنا مطمئنا إلى بيته بينما صارت فتواه تؤدي إلى مشاكل وتعقيدات وعسر على الناس وربما تؤدي إلى سفك الدماء وربما تؤدي إلى تفكيك أسر وهكذا، فهذه أهم الأسباب لهذه المشاكل التي يحدثها الفقهاء والمفتون بفتاويهم بينما كان يفترض العكس.
واقع الفقه والفقهاء وعلاقتهم بالدولة
عثمان عثمان: نعم. السيد وصفي أبو زيد من الكويت يقول "الخطاب الفقهي الراشد يعتمد على فقهاء ربانيين يجمعون بين التمكن من العلوم الشرعية والخشية القلبية وممارسة الأنشطة الدعوية، فهل يرى الدكتور الريسوني أن في الأمة كفاية من هذا النوع أم أن هذه النوعية نادرة في واقعنا المعاصر؟ ما الأسباب وما الطريق لسد حاجة الأمة من هذه النوعية من الفقهاء؟"
أحمد الريسوني: هو صحيح أن هذه النوعية الموصوفة في سؤال الأستاذ وصفي نوعية إذا لم نقل نادرة فهي قليلة وقليلة جدا وقريبة من حد الندرة، هذا صحيح لأن هذه عملة يعني غالية وعملة يعني قليلة التحقق، وفي الحديث الصحيح "الناس كإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة"، هذه مجرد راحلة يعني الرجل أو الشخص الذي يعتمد عليه ويعول عليه فكيف بهذا المجال؟ وبطبيعة الحال فإن من فروض الكفاية على الأمة وعلى جامعاتها وأولي الأمر فيها أن يعملوا ببرامج ومخططات محددة لإيجاد هذه النوعية من العلماء الربانيين، وبالمناسبة أود هذا اللفظ حتى لا.. لأنه عادة في سوء فهم لهذا الوصف، حينما يوصف شخص بأنه رباني أو عالم بأنه رباني عادة المفهوم عند عامة الناس بل حتى عند كثير من غير عامة الناس يفهمون أن الرباني هو الذي يكثر من العبادة والتزهد والذكر والمجاهدة، لا، الرباني ليس هذا، هذا كله شيء جيد ولا غبار عليه لكن العالم..
عثمان عثمان: من هو إذاً؟
أحمد الريسوني: العالم الرباني كما هو مبين عند المفسرين وعند العلماء في الآيات التي ذكرت هذا الوصف هو العالم الذي ينهج نهج الرب، ويسلك سبيل الرب في معالجة الأمور، والرب، كلمة الرب معناها الذي يرعى ويدبر ويسوس ويحل المشاكل ويرزق العباد ويدبر أمورهم ويرحمهم ويقضي مصالحهم، هذا معنى الرب، ففرق بين الرب والإله، فلذلك نحن نقرأ دائما {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] أي الذي يدبر العالمين ويرزقهم ويحل مشاكلهم ويشفي مرضاهم ويسعفهم ويرحمهم، فإذاً العالم الرباني هو هذا العالم الرباني أي فهو على منهج الرب وفيه صفة أو فيه قبس من صفة الرب ومن صفة الربوبية والتربب الذي يقوم به الله تبارك وتعالى، فالربوبية والرب هذه صفة الله ولكن العالم يجب أن يكون ربانيا أي على منهج الله أي أن يجعل من شرع الله تعالى وسيلة لرحمة الناس وتحقيق مصالحهم واللطف بهم ومساعدتهم وإخراجهم من مشاكلهم، هذا معنى العالم الرباني بالمعنى الذي قصده الأخ السائل.
عثمان عثمان: دكتور يعني الفقيه في الحضارة الإسلامية كان له دور مركزي ومحوري، الدولة الحديثة همشت هذا الدور، كيف يمكن أن نرسم العلاقة بين الفقيه والدولة؟
أحمد الريسوني: طبعا الدولة القديمة أو الدولة الإسلامية والدول الإسلامية المتعاقبة بغض النظر عما أصابها من إشكالات وحتى انحرافات بقيت مرجعيتها هي الشريعة ومرجعيتها هي الفقه الإسلامي فإذاً هذا يجعل تلقائيا يجعل الفقيه عمدة في أي دولة إسلامية عباسية أو عثمانية أو أموية أو راشدة أو حتى حديثة، ما دام الفقه الإسلامي هو المرجعية وما دامت الشريعة الإسلامية هي المرجعية العليا فسيعتمد على الفقيه الذي هو الخبير في هذا المجال الذي هو يفتي ويجتهد وهو القاضي وهو المفتي وهو المحتسب وهو الوزير إلى آخره، اليوم لما صارت معظم الدول الإسلامية مرجعيتها قانونية فصار القانونيون حلوا محل الفقهاء فإذاً كيف نصلح العلاقة مع.. هذا يقتضي الدول أن تراجع، إن راجعت هذه القضية وأباحت وأتاحت للفقه أن يأخذ مكانه ولو بالتدريج فسيعود الفقهاء، أنا أتذكر أن بعض الدول الإسلامية التي أعلنت يعني قبل عشر سنوات أو عشرين سنة عن رجوع إلى تطبيق الشريعة الإسلامية هب حتى كثير من القانونيين الذين كانوا قضاة ومحامين وأساتذة جامعات في الحقوق تحولوا فجأة وفي شهور معدودة إلى فقهاء وبدل أن ينكبوا على المدونات القانونية بالعربية والإنجليزية والفرنسية وغيرها انكبوا على كتب الفقه وعلى المدونات الفقهية فإذاً قرار الدولة ومرجعية الدولة في القضاء وفي الحكم وفي التشريع وفي الاقتصاد هذا هو المحدد، هذه هي النقطة المحورية التي تنبني عليها مكانة الفقيه، اليوم مكانة الفقيه توجد في المجتمع بالدرجة الأولى أما مكانته في الدولة فهو أنه عنصر مساعد للدولة بحسب حاجتها وبحسب اعتمادها للأداة الشرعية والدينية في تدبير الأمور، ففي جميع الأحوال تبقى وظيفته ثانوية إلا بعض الاستثناءات القليلة جدا، فإذاً توجه الدولة ومرجعية الدولة هذا هو المحدد لمكانة الفقيه.
عثمان عثمان: دكتور يعني لا نستطيع أن ننكر أن هناك مشكلات واضحة وصريحة في بناء الفتوى في طبيعة الفتوى في صناعة الفتوى، البعض يحمل مسؤولية هذا الأمر إلى الإعلام والفضاء المفتوح هل تشاطرون مثل هذا الرأي؟
أحمد الريسوني: لا، لا، يعني الإعلام لا، قد تسهم بعض وسائل الإعلام في تنمية بعض الإشكالات وتضخيمها وتضخيم بعض الظواهر ولكن المشكل موجود في الذات وفي الأصل، يعني إعداد الفقهاء وطبيعة الفقهاء وانغلاق الفقهاء وابتعادهم وإبعادهم، الإبعاد والابتعاد عن المؤسسات وعن الواقع وعن قيادة المجتمع وعن المشاركة فهذا يضعف الفقهاء سواء في تكوينهم، الآن حينما يدرس الفقه الإسلامي الأستاذ الذي يدرس يستحضر هذا الطالب الذي يدرسه ماذا سيفعل؟ فحينما يقدر أن هذا الطالب سيكون قاضيا يكون هناك تكوين معين، حينما يقدر أن هذا الطالب أو هؤلاء الطلبة سيكون منهم مجتهدون سيكون التكوين معين، حينما يقدر أن هذا الطالب سيتخرج لتدريس مادة التربية الإسلامية أو مادة التاريخ أو ليكون خطيبا أو واعظا فإن التكوين سيتركز على هذا، فالمشكل في بنية الأمور وفي طبيعة التكوين الفقهي وفي طبيعة الفقهاء الذين يتخرجون وهم في الغالب إلا من له باع خاص وهمة خاصة في الغالب أنهم يتخرجون على قدر كبير من الانكماش والانغلاق والبعد عن الواقع والسطحية في فهم هذا الواقع أو عدم فهمه تماما، فهذه هي المشاكل الحقيقية يعني الإعلام ليس له دور أساسي أو ليس هو المتهم الرئيسي في هذه القضية على كل حال.
عثمان عثمان: ربما له أثر في ذلك. فضيلة الدكتور نحن نعرف فقهيا أن المفتي هو الذي يحدد الجواب والفتوى على الاستفتاء لكن في عصرنا الآن في عصر الفضاء في عصر الإنترنت في عصر تعدد المذاهب ربما أصبح المستفتي هو الذي يختار الفتوى التي تناسبه، ما الذي تغير دكتور؟
أحمد الريسوني: لا، أنا أعتقد أن الوجه الآخر للقضية ما زال قائما وهو أن المفتي يجيب، صحيح أن المفتي قد يختار في برنامج معين أو في كتابات معينة فتاوى ينشرها أو كذا يختار القضايا التي تلائمه أو التي يريد أو التي له فيها نوع من الأولوية أو ما إلى ذلك، لكن على كل حال نحن نرى مثلا برامج مباشرة والمستفتون يتصلون من جميع أنحاء العالم ويقذفون بما عندهم وليس أمام المفتي إلا أن يتعامل مع هذا الواقع فإذاً كلا الأمرين أراه ما زال قائما، المستفتي يجيب عما يرده ولكن أيضا قد يقرر ما يريده فيقدمه للناس وطبعا هنا عنصر جديد يتدخل وهو أجهزة الرقابة المختلفة سواء في الوسيلة الإعلامية نفسها أو في الدولة التي تتبع لها الوسيلة الإعلامية أو المسؤولون عن القناة والذين يرسمون سياستها فهؤلاء فعلا قد يفرضون قضايا معينة ويغيبون قضايا معينة لكن هذه حالات معينة وإلا فالفضاء الفقهي والفضاء الإفتائي في المساجد في الكتب في المجلات في الإنترنت جميع الأسئلة بجيدها وسقيمها وغريبها ترد وترد عليها الإجابات ولكن المشكل هو الذي كنا قد تناولناه قبل قليل هو في نوعية هذه الإجابات ومدى كفاءتها ومدى سلامتها.
عثمان عثمان: دكتور كثرة المفتين واختلافهم بل وربما تناقضهم أيضا هل ترون أن مثل هذا الأمر أثر على مكانة الفتوى عند الناس؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله بعد وقفة قصيرة فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
مكانة الفتوى ومشاكل الخطاب الفقهي
عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان الخطاب الفقهي واقعه ومشكلاته مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي والذي ينضم إلينا دائما من المغرب. فضيلة الدكتور كنا نسأل عن كثرة المفتين واختلافهم بل ربما تناقضهم كما قلنا هل يؤثر ذلك على مكانة الفتوى عند الناس؟
أحمد الريسوني: نعم، بطبيعة الحال كثرة الخلافات والتناقضات والتضاربات بين الفقهاء هذا عموما يضعف مكانة الفقه ورسالته ووظيفته وخاصة إذا كان ذلك يقع في البلد الواحد وأحيانا يقع في المسجد الواحد وفي المنطقة الواحدة هذا يضعف بدون شك ولكن مع ذلك علينا أن نعترف أن الاختلاف الفقهي بما فيه من تضارب أحيانا ليس خاصا بزمننا وليس خاصا بفقهاء زمننا والمفتين في عصرنا، الخلاف الفقهي شيء طبيعي جدا ولم ينكر في أي عصر من العصور ولم يختف إلا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياة رسول الله لأنه كان المرجع الوحيد والمرجع النهائي والمرجع الأعلى حتى إذا اختلف بعض الناس أو بعض الصحابة وهم بعيدون عنه صلى الله عليه وسلم فإذا عادوا إليه وعرضوا عليه الأمر حسمه وانتهى الخلاف لكن مباشرة بعد ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بدأ نوع من الخلاف معروف بين كبار الصحابة ومتأخري الصحابة وهلم جرا إلى اليوم، وقد اشتد الخلاف في وقت من الأوقات في القرن الثاني على الخصوص ربما بشكل لا مثيل له عبر العصور اللاحقة ربما إلى اليوم حتى كان الفقهاء والعلماء يصنفون هؤلاء أهل أثر وهؤلاء أهل نظر وهؤلاء أهل قياس حتى قال بعضهم حينما ذهب من المدينة إلى العراق قيل له كيف وجدت الأمر في العراق؟ لما رجع إلى المدينة، قال وجدت حلالهم حرامنا وحرامنا حلالهم، أو كلاما بهذا المعنى بمعنى وجد اختلافا كثيرا حتى في الحلال والحرام والأحكام الرئيسية وهذه هي الفترة التي كانت السنة النبوية لم تستقر بعد ولم تهذب ولم تمحص فاشتد الخلاف إلى درجة كبيرة جدا ثم قل هذا الخلاف فيما بعد وكان الإمام الشافعي نجما في هذا الباب كما هو معروف وهكذا يستمر الخلاف دائما، لكن الخلاف إذا كان بين مذهب ومذهب وهذا مذهب في المغرب والآخر في المشرق والآخر فيما وراء النهرين، هذا أثره أو ضرره السلبي يكون قليلا، لكن اليوم الفضائيات تعولم الخطاب الفقهي فيتضخم المشكل، صار العراقي يسمع فتوى المغربي والمغربي يسمع فتوى الأفغاني ويقع هذا في الحج وفي الفضائيات وفي الإنترنت فهذه الوسيلة التي نقلت الخطاب الفقهي من النطاق المذهبي الإقليمي المحدود إلى أن صار خطابا عالميا فاضطرب الناس، قديما كان المتدين والمستفتي يذهب إلى الفقيه في مدينته أو في أقصى الحالات في عاصمة قطره وينتهي الأمر وعادة..
عثمان عثمان (مقاطعا): أمام هذه التحديات دكتور ماذا يفعل المستفتي؟ ماذا يفعل المسلم أمام هذه التناقضات ربما بالفتاوى؟
أحمد الريسوني: نعم، هي التناقضات التي يزيدها الإعلام طبعا ليس بالضرورة بقصد أبدا ولكن هذه طبيعة الزمن، هذه التناقضات والتضاربات التي تزداد ظهورا وتزداد سوء تأثير عبر الفضائيات وعبر الإنترنت، الحل فيها هو المؤتمرات للعلماء وهو المجامع الفقهية، الآن عندنا مجامع فهية متعددة، بعضها مجامع عالمية فعلا تستطيع أن تضطلع بدور مهم جدا ولكن المشكل هو أن هذه المجامع أولا لا تستقطب معظم ولا كل الفقهاء الفاعلين ذوي المصداقية فإذاً تأخذ منهم قدرا ويبقى قدر آخر ذو مصداقية وذو تأثير خارج هذا المجامع، ثم هذه المجامع ما زالت ضعيفة، الإنتاج الفقهي والمواكبة الافتائية لهذه المجامع ضعيفة جدا لا تلبي حتى عشر ما يحتاجه المسلمون، فلو أن هذه المجامع الفقهية مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة والمجمع الفقهي الإسلامي في مكة ومجمع الإفتاء والدراسات في أوروبا والمجمع الفقهي في شمال أفريقيا والمجمع الفقهي في الهند ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر لو أن هذه المجامع صارت لها فاعلية ومكانة ولو أنها نسقت فيها بينها ولو أنها ضاعفت من إنتاجها ومن قدراتها فهذا هو الطريق حقيقة لترشيد العمل الفقهي وترشيد الإفتاء الفقهي وتقليل هذه التضاربات التي تسألون عنها.
عثمان عثمان: اسمح لنا دكتور أن نأخذ الدكتور محمد الزحيلي أستاذ الفقه المقارن والدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة الشارقة، السلام عليكم دكتور.
محمد الزحلي/ أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة-جامعة الشارقة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عثمان عثمان: دكتور ما الذي ينقص الخطاب الفقهي اليوم؟
محمد الزحلي: بارك الله فيكم يا أخي. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ونشكركم ونشكر الدكتور أحمد على بيانه لجوانب الموضوع. ولا شك أن الخطاب الفقي في العصر الحاضر يجب أن نترجمه فيما يقرب من مصطلحات العصر، فالفقيه والمختص بالفقه الإسلامي وذلك بعد دراسته دراسة وافية متخصصة ومتخرج حصرا من كليات الشريعة أو كليات الفقه وحصل على الأقل على بكالوريوس أو ليسانس أو إجازة في الشريعة ثم تابع دراسته بتعمق أو بالدراسات العليا للمجاستير والدكتوراه ومارس العمل في هذا المجال، وأقول تكملة لما تفضل به الدكتور أحمد إن ما يظهر على الفضائيات وأجهزة الإعلام من دون المتخصصين، فأقول كلمة قد تكون قاسية وهي أنه متطفل وغير مختص ويجب منعه كما يمنع ممارسة الطب من غير الأطباء أو ممارسة الصيدلة من غير الصيدلي أو ممارسة الهندسة من متطفل عليها أو ممارسة التعليم من غير المتعلم، ولا شك أن هذا الموضوع كخطاب فقهي تقع مسؤولية تحديد هذه الجوانب على السلطات المختصة أولا مع التعاون والتحذير والموعظة من العلماء لهم، ولا شك..
عثمان عثمان (مقاطعا): نعود إلى السؤال دكتور، ما الذي ينقص الخطاب الفقهي اليوم عمليا؟
محمد الزحلي: يا أخي الخطاب الفقهي هو عبارة في جانب سلبي جدا جدا وأنه كما تفضل الدكتور أحمد أن الفقه الآن غير مطبق عمليا إلا في النذر اليسير وبالتالي السؤال عنه إما تفكها ولمجرد الاطلاع وإما في بعض العبادات والأحوال الشخصية ومن هنا يجب أن يعم الخطاب الفقهي جميع مجالات الحياة وكل ما يهم الناس لمعرفة الحلال والحرام مع وجوب العودة إلى الشريعة وتطبيق الشريعة ليسأل الناس عن الأحكام العملية ويلتزموا بها ويرونها مطبقة عمليا حتى لا يقع هذا الانفصال، وفعلا في الانفصال الآن بين التشريع والقوانين والأنظمة وبين واقع المسلم في عقيدته وفقهه وأحكامه الشرعية، ولذلك الخطاب الفقهي اليوم يحتاج أولا أن يكون للمتخصصين من جهة وأن يتجه للتطبيق العملي وتقنين الشريعة وتطبيقها عمليا وربط هذا الخطاب الفقهي بالقرآن والسنة بكل ما ورد فيها من ترغيب أو ترهيب وفضل القرآن والسنة وربطه بمقاصد الشريعة.
عثمان عثمان: نعم، شكرا الدكتور محمد الزحيلي أستاذ الفقه المقارن والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الشارقة. فضيلة الدكتور أعود إليك، الأخ أمية يوسف عبر صفحة البرنامج على facebook يرى أن الخطاب الإسلامي ينقصه مواكبة العصر خاصة في مواجهة قضايا القومية والأقليات كما ينقصه ضبط العلاقة والاستقلالية عن الحاكم، الأخ أحمد أيضا على صفحة البرنامج على الـ facebook يقول الأكيد ينقص الخطاب الفقهي فقه العصر.
أحمد الريسوني: نعم. السؤال ما هو؟
عثمان عثمان: كيف ترون هذا الكلام هل هو مطابق للحقيقة؟
أحمد الريسوني: نعم. لكي نجمع الكلام بين أوله وبين ما تفضل به الدكتور محمد الزحيلي وما ذكرتموه أخيرا فقد ذكرت أن هناك عزلا وإبعادا للفقه والفقهاء عن مرجعية أو إبعاد لمرجعية الدولة لهؤلاء فتلقائيا هذا يمثل غيابا للفقيه عن ميادين الحياة، نحن نطالب الفقيه بأن يفتي في الاقتصاد وفي القوانين الدولية وفي حقوق الإنسان وفي كل المجالات المستجدة ولكن مع ذلك الفقيه مبعد، كيف يفهم شيئا.. نحن لا نعفي، أنا لا أعفي الفقيه تماما، الفقيه عليه أن يقتحم هو صاحب رسالة وحامل رسالة ولكن جزءا من المسؤولية أيضا يتمثل في أن الفقيه لم يعد له دور فعلي، فالفقيه حينما يكون في القضاء وفي المؤسسات وفي الإعلام وفي البنوك وفي الشركات مفتيا وموجها وشريكا ويكون في البرلمان ويكون حينئذ تلقائيا سيكون عارفا بعصره ولذلك اليوم الصحفي يعرف عصره ومشكلات عصره بأضعاف المرات التي يعرفها الإمام الأكبر والفقيه والشيخ والعلامة وسماحة كذا، الصحفي يعرف أكثر منهم لأن مهنته تجعله كذلك وقديما قال قبل مائة سنة تقريبا أو نحوها ذكر العلامة المغربي الفقيه محمد الحجوي الثعالبي أن عملية الاجتهاد مرتبطة بوضعية المجتمع، فإذاً حينما يكون المجتمع نفسه متحركا وفي حرية وفيه مبادرة والفقيه مندمجا في هذا الواقع هذا فعلا يهيئ للاجتهاد، فإذا انكمش المجتمع أو أبعد الفقيه هذا من أسباب تخلف الفقه وضعفه وبعده، فإذاً هذا هو الإشكال المركب إن شئنا أن نقول فالوصف صحيح ولكن الأسباب مركبة ومتعددة.
عثمان عثمان: دكتور طبعا بالعودة إلى الفتاوى هناك من يرى أن مجمل الفتاوى التي تخرج إلى العلن هي فتاوى ربما سياسية، كيف يمكن توضيح العلاقة بين الفقه والسياسة، هل يمكن الحديث عن فتاوى سياسية وأخرى فقهية؟
أحمد الريسوني: أولا الفقه لا يعرف الحدود لأن الشريعة الإسلامية كما أنزلت وكما هي معروفة الآن في القرآن وكما مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه والمسلمون عامة احتوت مظلتها واحتوت رحابها كل هذا الذي نسميه قضايا اقتصادية وسياسية وطنية ودولية كل هذا موجود، ولذلك الفقيه تلقائيا إذا تحرك بفكره واجتهاده وأدلته وآلياته سيجد نفسه يصدر أحكاما على هذه القضايا كلها، فإذاً قضايا الفقيه وصفت من الخارج بأنها سياسية أو غير سياسية هي فعلا لا تمييز، كل ما يطرح على الفقيه في الواقع في مجتمعه أو يطرحه عليه الأفراد المستفتون فهو يجيب عنه، حينما يسأل الناس ما حكم الغزو الأميركي للعراق أو ما حكم التحالف الدولي في أفغانستان أو ما حكم محاكمة الرئيس البشير؟ السؤال نفسه سياسي فلا بد أن تكون الإجابة سياسية، فإذاً الفقيه أو الفقه لا يعرف هذه الحدود ويفتي، طبعا حين تكون القضية سياسية توصف الفتوى بأنها سياسية ولكن الحقيقة أن القضية سياسية وليست الفتوى هي اللي سياسية، الفتوى في النهاية وفي جميع الأحوال يجب أن تكون فتوى شرعية لكن القضايا منها قضايا سياسية، فالإنسان حينما يفتي في الإضراب وفي الانقلاب وفي المعارضة وما إلى ذلك من القضايا السياسية تكون الفتوى ذات طبيعة سياسية وذات أثر سياسي ولكن الوصف سياسي يأتي من طبيعة القضية لا من الفتوى نفسها. نعم هناك فتاوى سياسية..
عثمان عثمان (مقاطعا): دكتور سبق أن ذكرتم أن الفقيه موقع عن الله عز وجل كما قال ابن القيم رحمه الله ولكن هذه الفتاوى السياسية ربما تخضع لمصالح ربما تخضع لتجاذبات، كيف يمكن الجمع بين الأمرين؟
أحمد الريسوني: هذا ما كنت بصدد إضافته قبل سؤالكم هذا الأخير، هو أن هناك فتاوى سياسية بمعنى معين هو أنها تكيف وتوضع وتركب من البداية على أساس خدمة هدف سياسي معين، هذا الفقه هو خيانة بدون شك، هذه خيانة للفقه خيانة للدين خيانة للمسلمين خيانة لله ورسوله حينما يضع الفقيه فتواه بشكل مسبق ومتعمد لخدمة هدف سياسي معين لحكومة أو لحزب أو لتيار معين أو لطائفة معينة ويخضع فتواه لهذا المزاج أو تكون فتواه وفق الطلب، الطلب الصريح أو الطلب غير الصريح هذه فعلا هذا حاد وخرج من زمرة الفقهاء حقيقة ودخل في زمرة المتلاعبين في الدين، فهذه الفتاوى السياسية بهذا المعنى الرديء أو كما يقال اليوم هذه فتاوى سياسوية وليس فقط سياسية فإذاً هنا سواء كان الموضوع سياسيا أو لم يكن..
عثمان عثمان (مقاطعا): دكتور سبق أن كتبتم مقالا تحدثتم فيه أو أجزتم فيه عقد صلح بين الإسرائيليين والفلسطينيين ووصفتم هذا الكلام بأنه رأي وليس فتوى، ما الفرق بين الرأي والفتوى؟ طبعا نحن لسنا بصدد معالجة الرأي بالذات.
أحمد الريسوني: نعم، نعم، فقط أنا لا بد لي أن أشير إلى أن هذا الرأي أو سماه البعض فتوى له حيثياته وتفاصيله وليس بهذه البساطة، أما الفرق بين الرأي والفتوى أنا سميته رؤية، رؤية وليس حتى رأيا، قلت رؤية فقهية سياسية وهذا من باب الاحتياط لأنه فعلا كان فيها تحليل سياسي وأنا أعتقد أن التحليل السياسي صحيح هو نوع من تحليل الواقع واستدعائه واستحضاره للبناء عليه، وغياب هذا الأمر هو مما نشكو منه ومما نعيب به فقهنا وفقهاءنا، فعلى كل حال الإنسان إذا لم يصل إلى التصريح والجزم أن هذا هو الحكم الشرعي اللازم فيبقى في حدود الرأي والرؤية وأنا حرصت على أن أبقى في هذه الحدود يعني كنوع من الاحتياط فقط وإلا من وصف ذلك بأنه فتوى فأنا لا أعترض عليه، فعلى كل حال من لم يجزم بنسبة حكم ما أو رأي ما لم يقل بأن هذا هو حكم الله وهذا هو حكم الشرع كما فهمته واستنبطته فهذا يكون رأيا يكون محاولة يكون مقاربة يكون رؤية لكن حينما يأتي الفقيه ويبني ويرتب أدلته ويستعمل آلياته الشرعية والأصولية ويقول في النهاية حكم الله تعالى كما فهمته واجتهدت فيه هو أن هذا جائز أو أن هذا حرام، إذا فعل ذلك بهذا الوضوح وبهذا الجزم فإنه يكون فتوى بدون شك.
عثمان عثمان: دكتور هل ترون أن ثمة شيئا ما لم يقله فقيه اليوم أو مفتي اليوم إما خوفا من سلطان أو خوفا من جمهور؟
أحمد الريسوني: نعم فعلا هناك قضايا كثيرة مسكوت عنها وخاصة لدى الفقهاء المعتبرين وحينما يسكت الفقهاء المعتبرون يتكلم غيرهم ممن دونهم، فهناك قضايا حساسة يتناولها الشباب ويتناولها من سماهم الدكتور الزحيلي بالمتطفلين والمغامرين ومفتو التنظيمات والحركات ويعني هؤلاء يعالجون كل شيء، لكن المفتين المعتبرين الذين لهم وزن من المجامع ومن الأفراد فعلا هناك قضايا سياسية وطنية ودولية يسكتون عنها وهناك نوع من التواطؤ على السكوت على هذه القضايا، هناك قضايا فساد سياسي وقضايا فساد مالي وهناك قضايا وجود القواعد العسكرية في العالم الإسلامي وهناك الحديث عن هذه المحاكم التي صارت تنصب وهي أشبه بالمشانق للمسلمين خاصة للشعوب وللحركات والعلماء والزعماء هذه كلها قضايا لم أسمع فيها فتوى للعلماء، لم أسمع فتوى للعلماء في هذا الذي يسمى مجلس الأمن وهو يقطع الرقاب وهو يخنق الشعوب ويحتل الدول بفصل اسمه الفصل كذا أو كذا، على الأقل يجب أن يسمع لعلمائنا فتاوى صريحة في هذا هل هذا يصح؟ هل له وجه؟ هل يمكن أن يقبل بوجه من الوجوه؟ هل هو كذا؟ فإذاً هناك قضايا عديدة خاصة ذات الطبيعة السياسية والأمنية والمالية أيضا ما زال الفقهاء يتحاشون الدخول فيها.
عثمان عثمان: دكتور باختصار شديد وبإيجاز شديد يعني في ما يقرب من دقيقة ما الذي ينقص الخطاب الفقهي اليوم؟
أحمد الريسوني: الخطاب الفقهي ينقصه أولا أن يمكن له، يمكن له في الواقع أكثر فأكثر، وهذا ليس مطلوبا في أحد هو حقيقة مطلوب من ولاة الأمور لكي يصححوا ولكي يتجنبوا الانفلات والتطرف والغلو والشذوذ والتطفل، عليهم أن يمكنوا للعلماء والتمكين للعلماء أيضا من أسبابه ومن مجالاته أن يمكن للأحكام الشرعية لتعود الأمور شيئا فشيئا إلى نصابها وهذا سيجر تكوينا مناسبا، نحن الآن حينما ندرس في الجامعة ننظر سوق الشغل هذا الخريج ماذا سيفعل؟ لا نريد أن نخرج خريجا يحمل شهادة وحيثما ذهب يقال له لا تكوينك لا يصلح لنا ولا ينفعنا، فإذاً حينما نعرف أن هذا الخريج سيفتح أمامه الباب الفلاني والباب الفلاني فإن تكوين الفقهاء وتكوين طلاب الدراسات الشرعية أيضا سيتغير، هذه بعض الأمور في هذه العجالة التي حددتها التي يمكن أن تنهض شيئا ما بالخطاب الفقهي وبالإفتاء الفقهي.
عثمان عثمان: في الختام لا يسعنا إلا أن نشكركم فضيلة الدكتور أحمد الريسوني الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي على وجودكم معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة وأنقل لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب ودمتم بأمان الله، إلى اللقاء في الأسبوع القادم والسلام عليكم ورحمة الله.