صورة عامة
الشريعة والحياة

الوعظ الديني واقعه وآفاقه

تتناول الحلقة قضية الوعظ الديني كما جاء في القرآن الكريم من ضمن مهام الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين.

– معنى الوعظ الديني وأهميته
– مشاكل الوعظ وسمات الواعظ الناجح

– الوعظ بين الترغيب والترهيب
– مشاكل الوعَّاظ وأثر الإعلام على الوعظ


undefinedعبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} ويقول أيضا {أُوْلَئِكَ الَذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ وقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} ويقول تعالى أيضا {وإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} صدق الله العظيم، فالوعظ والموعظة جاءت في القرآن وصفا للقرآن الكريم كما جاءت من مهمات النبوة ونَفَر من المؤمنين، فما وجه الحاجة إلى الوعظ الديني؟ وما هو واقع الخطاب الوعظي اليوم؟ وكيف يتعامل مع المتغيرات التي طرأت على المخاطبين؟ وهل تجييش المشاعر يعني تغييب العقل؟ إذاً حلقة اليوم حول موضوع الوعظ الديني واقعه وآفاقه مع الداعية السعودي الدكتور محمد العريفي، أهلا بكم دكتور.

محمد العريفي – داعية سعودي: حياكم الله، بارك الله فيكم.

معنى الوعظ الديني وأهميته

عبد الصمد ناصر: مرحبا بك، لو بدأنا بدايةً بتحديد المصطلح، ماذا نعني بالوعظ الديني؟ وما وجه الحاجة إليه؟

محمد العريفي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، الكلام عن الوعظ في تصوري أنه من أهم المواضيع التي ينبغي أن تُطرق في عصرنا هذا وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا ذَكر آخر الزمان ذكر أن الفتن لا تزال تزيد شيئا بعد شيء وأن الإيمان في قلوب الناس يدرس كما يدرس وشي الثوب.. وشي الثوب هو الخطوط التي تكون على الثوب، فإذا لُبس كثيرا بدأت هذه الخطوط مع طول اللبس وكثرة الغسل تبدأ تزول، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يبدأ يدرس من القلوب ويزول من القلوب كما يدرس وشي الثوب عندها نحتاج دائما إلى أن نعظ قلوبنا وأن نعظ قلوب الآخرين حتى نجدد هذا الإيمان في قلوبهم وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام "أن الإيمان ليخلق في قلب أحدكم كما يخلق الثوب" وغير ذلك من النصوص التي جاءت تبين أهمية أن يكون عند الإنسان إن صح التعبير إبر في زيادة الإيمان حتى يندفع دائما إلى الطاعات، التعبير بالوعظ هي كلمة في الحقيقة مجملة إن كان المقصود بالوعظ الكلام على الجنة والنار وتتويب الناس وردّ الضالين عن ضلالهم وردّ مَن كان عندهم شيء من المعاصي عن معاصيهم فهذه الكلمة قد يناقَش فيها وذلك لأن كل الناس يستطيع أن يقوم بمثل ذلك، فمثلا الرجل الباحث الذي يتكلم عن إعجاز القرآن ويبدأ يبين للناس ما في هذا القرآن من إعجاز علمي اكتشف في العصر الحديث هو في خلال كلامه تجد أنه يُرسل رسائل إيمانية إلى الناس فيقول هذا يدل على عظمة الله، هذا يدل على مثلا قوة عذاب الله تعالى لمَن خالفه ونحو ذلك، الطبيب الذي يعرض للناس ما يتعلق بالأجنة مثلا، المهندس الذي.. أو الفلكي الذي يتكلم عن الفلك أو الجيولوجي الذي يتكلم عن الجيولوجيا أو نحو ذلك، جميع هؤلاء باكتشافاتهم للأمور الكونية التي خلقها الله تعالى تجد أنهم يستطيعون أن يبعثوا رسائل إيمانية إلى قلوب الناس فنستطيع أن نسمي هؤلاء جميعا وعَّاظ وذلك لأن الناس باستماعهم إلى كلام هؤلاء يزداد إيمانهم وترق قلوبهم هذه المسألة..

عبد الصمد ناصر: أين يختلف هنا الوعظ عن الإرشاد؟

محمد العريفي: في تصوري أن الكلام متداخل، يعني إذا قلت الوعظ الديني قد تفرق بينه وبين الخطاب الوعظي أو الخطاب الدعوي أو الخطاب التعليمي أو نحو ذلك من العبارات، لكن في تصوري أنها كلها تصب في شيء واحد وهو ما يتعلق بتقوية علاقة الناس بربهم سبحانه وتعالى وتعظيم قدر الله عز وجل في قلوب الناس، لذلك الله تعالى لما ذكر بعض مَن عصاه قال في سبب عصيانهم {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} السبب أنه ما عظَّموا الله في قلوبهم حق التعظيم وبالتالي تجرأت نفوسهم على أن تقع في المعاصي والمخالفات، الناس في تصوري اليوم يحتاجون إلى هذا الموضوع كثيرا، تجد أن السارق ربما لا يمنعه عن سرقته إلا أن يوعظ وأن يُذكَّر وأن يقال له إن فلت من يد العدالة ويد الشرطة لن تفلت من يد الله تعالى، إن المغتصب أيضا قد يتمكن أحيانا من فتاة ليغتصبها فيخاف من الله عز وجل فتستطيع به أن تحفظ الأمن تستطيع به أن تضبط الأخلاق تستطيع به أن تضبط الأنساب تستطيع به أن تضبط الأموال وذلك أنك إذا جعلت للناس وازعا في قلوبهم من خوف الله تعالى ومراقبته استغنيت أن تجعل عند كل باب شرطي يراقبه.

عبد الصمد ناصر: سنأتي إلى الحديث عن تأثير الوعظ في المجتمعات طيب، في مقدمة الحلقة تحدثنا أو أوردنا كلمة الموعظة والوعظ في آيات ثلاث من القرآن الكريم وهناك آيات كثيرة تتحدث عن هذين المصطلحين، كيف يصور القرآن الكريم الوعظ ودوره؟

محمد العريفي: القرآن طبعا هو موعظة كما سماه الله تعالى {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} الموعظة هنا إن تكلمنا عنها من ناحيتها اللُّغوية فهي ترقيق القلب لأجل شيء معين، لكنك إذا تأملت في القرآن وجدت أنه ليس فقط يستعمل الوعظ المتعلق بالترقيق المباشر يعني مثلا القرآن خاطب العقل في خلال كلامه فتستطيع أن تعظ الناس من خلال مخاطبة العقل مثل قول الله تعالى {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ}، {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، {أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَذِي تَشْرَبُونَ} هذه كلها أمور تخاطب العقل ومثل ما قال سبحانه وتعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ والأَرْضَ}، فإذا تأمل الإنسان بعقله وجد أن القرآن ربما خاطبه موعظة تتكلم عن العقل ربما خاطبه بأسلوب آخر وهو يعظ يتكلم عن وصف الجنة والنار فيرغِّبه في الجنة ويخوِّفه من النار، ربما خاطب أحيانا مروءة الإنسان ورجولته أحيانا ببعض العبارات، فالقرآن موعظة كما قال الله لكنه موعظة متنوعة بحسب الحال الذي تخاطب به المخاطبين.

عبد الصمد ناصر: طيب كيف صوّر دور الوعظ؟

محمد العريفي: صورّه بصور كثيرة، منها أنه يحكي أحيانا عن الأنبياء السابقين فمثلا نوح كان يقول لقومه أو قال الله تعالى له وذكَّرهم بأيام الله ذكَّرهم بقصص الماضين الذين هلكوا بسبب معصيتهم فذكِّر قومك بها فأمر الله تعالى أنبياءه أن يستعملوا أسلوب القصة والتذكير بأخبار الماضين لأجل أن ينهوا الناس عن أن يفعلوا مثلهم، هذا تصوير من تصاوير الوعظ من تصوير القرآن الكريم للوعظ، وعظ المؤمنين في أنفسهم فمثلا يذكِّرهم الله أحيانا بنشأتهم يذكِّرهم بمعاصيهم مثل ما قال الله {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ} يعني الهزيمة في أُحد {قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} هذه موعظة لقلوب الناس مثل توجيه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه {عَبَسَ وتَولَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى} فتأثر بها عليه الصلاة والسلام مثل ما أنزل {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ} وكان قد نزلت في بعض الصحابة الذين قدموا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كلاما وقرارات دون أن يطلبها منهم فبكوا لما نزلت مثل هذه.

عبد الصمد ناصر: إذاً دور بارز، مهمة واضحة للوعظ كما يصورها القرآن الكريم يعني وهذا انعكس على واقع المسلمين في بدايات الإسلام حيث..

محمد العريفي: بل هنا أستاذ عبد الصمد ولو قاطعتك أمر هام وهو في الحقيقة أن الناس جميعا ليس فقط المسلمين، ترى جميع الناس يحتاجون إلى الوعظ لماذا يحتاجونه؟ لأنك إذا (عطل فني) للناس واعظا أو وازعا من داخل أنفسهم استطعت أن تضبطهم حتى لو لاحظت معي وجدت أن فرعون استعمل هذا الأسلوب لما كان يقول لقومه {إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ} فهو لما جاء موسى يدعوهم إلى الدين الحق أراد أن يبعث في قلوب قومه المضادة لموسى فأخذ يحمسهم لأجل دينهم الذي هم عليه حتى قال ابن كثير، قام فرعون في قومه واعظا يقول لهم {إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ}، الناس الذين في عصرنا.. أذكر خطابا للرئيس بوش تكلم لما غزوا العراق وكان يريد أن يحمسهم داخليا لأجل أن يدخلوا هذه الحرب أن يحمس الجنود فكان يقول إنكم تقاتلون قوما هم ضد الحضارة الإنسانية، تقاتلون قوما ضد حضارة أميركا، لماذا يقول هذا الكلام؟ لأجل أن يبعث في قلوب قومه وهم يقاتلون أن يبعث حماسا لأجل أن يقاتلوا، الوعظ نحتاجه جميعا، الطبيب يحتاج إليه إذا صار عنده واعظ في داخل قلبه استطاع أن يقوم بعلاج المريض بخوف من الله سبحانه وتعالى أن لا يكلف المريض تكاليف عالية، المهندس عند بنائه إذا..

مشاكل الوعظ وسمات الواعظ الناجح

عبد الصمد ناصر: طيب، لو قصرنا حديثنا عن الوعظ الديني فقط يعني هذا الوعظ مجاله كان مزدهرا في عهد إسلامي سابق وكان له دور ومكانة بارزة في المجتمع حتى أن بعض العلماء كانوا يحرصون على حضور مجالس بعض الوعَّاظ، لماذا تراجع دور الوعَّاظ في يومنا هذا؟ أين الوعَّاظ الذين كانت لهم كلمة في مجتمعهم؟ لماذا لم نعد نسمع لهم إلا القليل وفيه فضائيات تُخصص لهم حيزا قليلا؟

محمد العريفي: بلا شك أن السابقين كان لهم في هذا ظهور فمثلا نذكر ابن الجوزي مثلا ونذكر غيره أيضا مما كان الناس يبكون في مجالسهم ويتوبون ويدخلون في الإسلام إلى غير ذلك، أنا أتصور أن الوعظ لا يزال له تأثيره إنما الذي جعل الوعظ يخف يعني في عصرنا هذا أحيانا الحيلولة بين الوعظ وبين الوصول إلى الناس أو أحيانا أن الناس أنفسهم لا يحرصون على الحضور في مجالس الوعَّاظ، ابن الجوزي كان يجتمع عنده كما قيل أكثر من عشرة آلاف وهناك مبلِّغون يبلِّغون الصوت إلى مَن ورائهم، لم يكن عنده مكبرات صوت، هذا الحضور الهائل في عصرهم بحسب عدد سكانهم في وقتهم، لو نظرت اليوم في واقعنا لرأيت أن كثيرا من الناس ربما لم يعد عندهم مثل هذا الإقبال هذا شيء، الشيء الثاني أنا قد أخالفك في أن الوعَّاظ ليس لهم اليوم ذاك الوجود، أنا لا أزال أشعر إن ألقيت محاضرات في عدد من الأماكن..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: أقول تراجع حضورهم؟

محمد العريفي [متابعاً]: أعني أن الحضور لا يزال كبيرا يعني يحضر فوق العشرين ألف في بعض الأماكن، إما مخيمات أحيانا للدعوة وإما أحيانا في بعض المساجد الكبيرة هذه الجموع التي أقبلت..

عبد الصمد ناصر: دكتور أنت تتحدث عن.. ربما عن المجتمع السعودي لكن لو تحدثنا عن المجتمع العربي والإسلامي بشكل عام..

محمد العريفي: لا أنا أن شئت أن أصرِّح أنا زرت الأردن وزرت سوريا وألقيت فيها محاضرات، زرت دول الخليج سواء في قطر أو في غيرها وفي المملكة وفي عدد من البلدان هذه الأعداد بالآلاف تُعد ليس فقط الحضور عندي بل الحضور عند عدد من..

عبد الصمد ناصر: لكن هذا ربما لأن الدكتور عريفي عرفه الناس من خلال الإعلام من خلال متابعتهم لكن..

محمد العريفي: أحسنت، أنا هذا الذي أعنيه أستاذ عبد الصمد أن الإعلام..

عبد الصمد ناصر: لكن هناك عراقيل كثيرة، على كلٍ سنعود إلى.. لا أريد أن نقصر حديثنا الآن عن مشاكل الوعظ لأن هذا محور آخر سنتحدث عنه ولكن حينما قلت بأن بعض العلماء كانوا يحضرون مجالس الوعَّاظ المشهورين كابن الجوزي مثلا، هنا أريد أن أقف عند تساؤل البعض حينما نقول واعظ حينما نقول داعية حينما نقول عالِم ما الفرق بينهم؟ وأي أدوار يلعبون؟ وهل هناك تكامل في الأدوار بين هؤلاء؟

محمد العريفي: القدرات التي عند الناس تختلف، بعض العلماء أحيانا يُبرز في بيان المسائل العلمية والفقهية وتفصيلها للناس وشرحها لهم والقدرة على إيصال الفكرة إليهم لكن لو قلت له أريدك أن تخطب خطبة جمعة عن وصف الجنة وأريد الناس أن يتأثروا لم يستطع ذلك ليس عنده أحيانا مهارات فطرية بل ولا مكتسبة يعني في رفع صوته وخفضه وربما ترتيل الآيات واستعمال أسلوب معين لأجل أن يؤثر في القلوب..

عبد الصمد ناصر: والنبرة أو الأسلوب..

محمد العريفي: أحسنت، نبرته في طريقة إلقائه ولو أقبلت إلى بعض الوعَّاظ ممكن أوتوا صوتا حسنا وقدرة على الإلقاء وقلت لهم..

عبد الصمد ناصر: وحكمة..

محمد العريفي: وحكمة أيضا في التصرف وفي اختيار المواضيع ولعل هذا يأتي وقلت له أريدك أن تفصل للناس مسألة الجمع والقصر في السفر وقرأها وقرأ الأدلة لالتبس عليه الأمر {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا} تستطيع أن تقول إن فلانا هو رجل صالح وينفع الأمة لكنه أوتي في الوعظ والتأثير في الناس فإذا حضر عنده المخالفون للشريعة تابوا وتأثروا بينما قد لا يتأثرون أحيانا عند بعض العلماء، أنا أعرف بعض العلماء الكبار الذين يخطبون الجمعة ومع ذلك مسجده ربما لا يمتلئ أبدا منذ سنين بينما بعض الوعَّاظ..

عبد الصمد ناصر: يفتقد أسلوب التأثير..

محمد العريفي: أحسنت، يفتقد إلى هذا بينما بعض الوعَّاظ يمتلئ مسجده قبل صلاة الجمعة بساعة قبل الخطبة..

عبد الصمد ناصر: صحيح وهو أقل منه علما.

محمد العريفي: أقل منه علما، لكن الواعظ لو فتح درسا علميا وحلقة علمية ليشرح فقها أو توحيدا لما حضر عنده إلا القليل، بينما العالم يزدحم، العالم..

عبد الصمد ناصر: طيب، دعني ربما أستبق الحديث عن نجاح الواعظ أو صفات الواعظ الناجح، أسأل هنا ما هي الصفات والسمات التي يتصف بها الواعظ الناجح؟

محمد العريفي: أول شيء ينبغي أن يكون صادقا مع ربه سبحانه وتعالى..

عبد الصمد ناصر: بالتأكيد، النية.

محمد العريفي: وهذا أمر مهم جدا، أحد السلف مَرَّ بواعظ يعظ الناس وهم لم يتأثروا فإذا هذا الواعظ قد غضب ويقول مالي أرى القلوب قد قست والأعين قد جفت، فالتفت إليه ذلك الرجل الصالح وقال له يا رجل اقصر، يعني لا تسخط عليه وتصرخ بهم، اقصر فما أظن القوم أوتوا إلا منك أنت، نيتك غير خالصة، لو خلصت نيتك لبكوا وتأثروا فأحيانا نحن نذوِّق العبارات ونلطفها ونحفظ السجعات والأشعار ثم لا تصدق هذه النية مع الرب سبحانه وتعالى..

عبد الصمد ناصر: تصدر عن اللسان فقط.

محمد العريفي: فقط من اللسان دون أن تخرج من القلب، ثم نريد قلوبهم أن تتأثر؟ يا أخي لا، إن السفينة لا تجري على اليابس هذا.. هذا أمر مستحيل، أنت إذا تأثرت وخشعت في كلامك وصار كلامك معظما لله تعالى انتقل هذا التعظيم إلى قلوب الناس، أما إذا علم الله تعالى منك الرياء والسمعة ثم تريد منهم أن يتوبوا من معصيتهم هذا لا يكون، لا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب والقلوب بين إصبع من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء سبحانه وتعالى، أول شيء ينبغي أن تكون صادقا مع الله سبحانه وتعالى وأن ينظر الله عز وجل إلى قلبك فيرى منه الصدق والحب الحقيقي لله وأنك يا رب أنا أريد أن أبعدهم لك..

عبد الصمد ناصر: لو اختصرنا ذلك.

"
ينبغي على الخطيب أن يطوّر من قدراته سواء كان واعظا من خلال منبر أو واعظا من خلال مجلس وعظ أو من خلال قناة فضائية حتى يستطيع أن يصل إلى قلوب الناس
"

محمد العريفي: ونحو ذلك، هذا أولا، الأمر الثاني ينبغي أن يعتني أيضا الواعظ بالأسلوب الذي يخاطب به الناس، يا أخي الكريم تجد أحيانا خطيب جمعة يمتلئ مسجده قبل بداية الخطبة بساعة بينما الخطيب الثاني لا يحضر عنده أحد مع أنهما ربما يقرآن ورقة واحدة قد جاءت من وزارة الأوقاف، ما السبب في ذلك؟ ليس لون البشت ولا نوع المسجد، السبب في ذلك الأسلوب الذي يتكلم به الخطيب الأول والأسلوب الذي يتكلم به الخطيب الثاني، في الحقيقة ينبغي على الخطيب أن يطوّر من قدراته سواء إن كان واعظا من خلال منبر أو واعظا من خلال مجلس وعظ أو من خلال قناة فضائية أو غير ذلك، ينبغي أن يحرص على أن يطوّر من قدراته حتى يستطيع أن يصل إلى قلوب الناس ولا بأس أن يتعلم يا أخي، أن يقرأ كتابا في فن الإلقاء، أن يحضر دورة، أن يقرأ في فنون الاتصال في فنون التأثير في فنون الحوار في فنون الإقناع ونحو ذلك حتى يصبح عنده شيء من التطور يكتسب مهارات عن الآخرين..

عبد الصمد ناصر: النقطة الثالثة؟

محمد العريفي: جميل، النقطة الثالثة أن يختار المواضيع المناسبة للناس، من غير المناسب أن تتكلم مع.. فرضا مع شباب في المرحلة المتوسطة وتعطيهم موعظة في مدرسة مثلا أو في مخيم ثم تتكلم عن غلاء المهور فرضا يعني أو تتكلم عن ظلم الزوجات وتعدد الزوجات ونحو هذا غير مناسب، لابد لأجل أن يتأثر الناس ولأجل أن ينجح هذا الواعظ أو الداعية لابد أن يختار الموضوع المناسب الذي يصلح أن يُطرح أمام هؤلاء والذين يشعرون هم أيضا أنه موضوع مهم عندهم، أما أن يخاطبهم بشيء لا تبلغه عقولهم فهذا في كثير من الأحيان قد لا يتقبلونه.

عبد الصمد ناصر: إذاً أن يخاطبهم بما هم في حاجة لاستماعه.

محمد العريفي: أحسنت، بما هم يحتاجون إليه وأنت إذا تأملت في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام..

عبد الصمد ناصر: عليه الصلاة والسلام.

محمد العريفي: وجدت أنه يخاطب كل أحد بما يصلح له، يرسل إلى كسرى بأسلوب معين يرسل إلى هرقل بأسلوب آخر يرسل عليه الصلاة والسلام إلى والي اليمن.. إلى والي مصر كل واحد يخاطبه بأسلوب معين وذلك لأنه يعلم أنه لا يصلح له إلا أن يخاطب بمثل هذا الأسلوب بل حتى لما يقدم النصح إلى أصحابه عليه الصلاة والسلام..

عبد الصمد ناصر: عليه الصلاة والسلام.

محمد العريفي: تجد معاذ لما طوّل الصلاة بالناس ولأنه له قِدم وصدق في الإسلام وهو عالم غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال "أفتَّان أنت يا معاذ" بينما لما جاء أعرابي وبال في المسجد مع أن فعله أعظم خطأَ من فعل معاذ، مع ذلك لم يقل للأعرابي شيئا وذلك لأنه رجل عامي أقبل من الصحابة.

عبد الصمد ناصر: طيب، النقطة الرابعة؟

محمد العريفي: نعم، النقطة هلا بل هي الخامسة وهي الأخيرة، ألا يطلب هذا.. ألا يقدم الترهيب دائما على الترغيب..

عبد الصمد ناصر: سنأتي إلى هذه النقطة.

محمد العريفي: جميل وهذه نقطة مهمة لأن نفصلها..

عبد الصمد ناصر: نعم، حتى.. طيب الملاحَظ هنا ونحن نتحدث عن الوعظ أن بعض الوعَّاظ ربما لا أدري إن كان عن قصد أو غير قصد لكن البعض يقول إنها عن غرور ربما قد تصل بهم الشهرة إلى حد أنه قد يعتقد أنه أصبح عالما مُلما بأمور الدين فقد.. فتنزلق به لسانه ربما أحيانا إلى خطأ الإفتاء وشتان بين حق للإفتاء وجهد إفتاء وجهد الوعظ، ما تعليقك؟

محمد العريفي: أحسنت، عموما هنا نقطة مهمة لابد أن ننتبه إليها، أنا أقرأ أحيانا في كتابات بعض الصحفيين الذين ربما سخَّروا أقلامهم لحرب الدعاة تجد أنهم يصفوا دائما الدعاة مهما كانت قدراتهم الذهنية والعقلية ونظرتهم المستقبلية إلى واقع الأمة وعندهم أحيانا نوع استشراف للمستقبل وفكر عالٍ جدا سوى أنهم أصبحوا يعني في صورة إسلامية مهما كانت تخصصاتهم أحيانا تخصصاتهم ليست شرعية تجد أنهم يصفهم دائما بوصف الوعَّاظ مهما كان تخصصهم مهما كان أستاذا جامعيا يصف أنه واعظ ويقصد بهذا الوصف..

عبد الصمد ناصر: التقليل..

محمد العريفي: أن يتنقص منه كأنه يقول هذا واعظ يا جماعة يعني لا تسأله عن أميركا والعراق ولا تسأله عن ما يتعلق بأحوال المسلمين في فلسطين، هذا تريد أن تتوِّب إنسانا مدمنا ولا أو..

عبد الصمد ناصر: تسأله عن أحكام الوضوء، عن الطهارة..

محمد العريفي: بل حتى أحكام الوضوء ربما لا يتقنها، اسالوا عن غير ذلك، أنا أقول لا ينبغي أن يُحصر الوعظ أيضا وإذا قيل فلان واعظ لا ينبغي أن يقال إذاً خذ منه فقط ما يتعلق بالجنة والنار وترقيق قلبك، لا بل أيضا إذا كان عنده علم شرعي يتعلق بنظرة الإسلام إلى السياسة يؤخذ منه نظرة الإسلام إلى الاجتماع، يؤخذ منه نظرة الإسلام إلى الأموال والاقتصاد فالإسلام كله لا يتجزأ كما قال الله تعالى {وأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وفي الآية الأخرى قال ومهمين عليه يعني وقال عز وجل {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يعني في جميع شؤون الحياة، أعود إلى سؤالك ما يتعلق بأن بعض الوعَّاظ أحيانا قد يفتي في بعض المسائل الشرعية أقول كذلك بعض العلماء قد يعظ فلا مشحاتة إذا كان العالم عنده قدرة على الوعظ فوعظ هذا لا نشاحة في ذلك، أما بالنسبة للواعظ إذا أراد أن يفتي فإن كان يفتي في مسائل ربما تتعلق بأمور اجتماعية أحيانا قد يستضاف بعض الوعَّاظ ممن يتكلمون في الرقائق والآداب والأخلاق يستضاف فيسأل عن مسألة تتعلق بعقوق الوالدين مثلا أو نحو ذلك فلا بأس أن يتكلم في هذا ما دام أنها أمر اجتماعي..

عبد الصمد ناصر: أحكامها معروفة يعني..

محمد العريفي: أحسنت، أحكامها معروفة وتحتاج إلى كلام لطيف لجمع القلوب، أما لو سُئل مسألة تتعلق بحكم يتعلق بالأسهم فرضا وما يتعلق بالمبايعات فيها..

عبد الصمد ناصر: بالقضايا الشائكة..

محمد العريفي: أو أشياء دقيقة يعني أشياء شائكة تحتاج إلى علم سابق فينبغي على الواعظ ألا يتكلم إلا فيما يعلمه..

عبد الصمد ناصر: نعم، طيب هل تعتقد أو ترى أنت الآن أن الواعظ الديني بما هو عليه الآن بشكله بشخوصه المعروفة وغير المعروفة بظروفه من حيث القيود التي ربما تُفرض على الوعَّاظ من قبل الجهات المختصة أو الساهرة على الحقل الديني، هل هذا الواعظ الديني الآن يلبي الحاجات التي يبتغيها المتلقي؟

محمد العريفي: المتلقي حاجاته متنوعة، المتلقي عموما يريدك أن تفيده فيما يتعلق بحفظ ماله بحفظ أسرته، يريد أن تحل عنده مشكلة الفقر إن كان فقيرا، يريد أن تحل عنده مشكلة المرض إن كان مريضا، في تصوري أن الواعظ إذا استطاع يؤثر في الطبيب..

عبد الصمد ناصر: هناك قضايا أكثر تعقيدا..

محمد العريفي: أحسنت، قضايا أكثر تعقيدا، قضايا الأمة تعني..

عبد الصمد ناصر: قضايا التربية قضايا العلاقات الزوجية وغيرها..

محمد العريفي: جميل، هذه تدخل في هذا الواعظ..

عبد الصمد ناصر: قضايا التي لا يستطيع المتلقي أن يعبر عنها أحيانا..

محمد العريفي: أحسنت، فيحتاج أن الواعظ يحل له هذه المشكلة، الواعظ إن استطاع أن يؤثر في الطبيب حل مشكلة المرضى في غالب الأحيان لأن الطبيب سيكون عنده نوع من التعاون، الواعظ إذا استطاع أن يحل مشكلة السرقة حمى أموال الناس إذا أثر في السرَّاق وفي اللصوص وتأثروا وتابوا بسببه، الواعظ إذا أثر في الشباب استطاع أن يقضي على مشكلة الاغتصاب، الواعظ إذا أثر في التجار وأصحاب الأموال استطاع أن يقضي على الاحتكار، الواعظ إذا أثر في المحسنين استطاع أن يقضي على مشكلة الفقر، فأتصور أنا أو أستطيع أن أزعم الآن بأن الواعظ يستطيع أن يحل مشاكل كثيرة، لا أقول أن يغير الأمة كلها لكن إذا تأثر الناس وتحرك الإيمان في قلوبهم وصار هذا يبذل ماله طاعة لله لأنه تأثر بالكلام عن الجنة والنار واشتاق إليهما وأقنعه أيضا من وجهة شرعية أن هذا البذل الذي تبذله أنه ينفعك في دنياك قبل آخرتك مثلما قال الله سبحانه وتعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ومثل ما قال عز وجل {إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} يعني في الدارين في الدنيا والآخرة فالواعظ..

عبد الصمد ناصر: يعني يستطيع أن يلعب دورا مهما في المجتمع ويكون له تأثير..

محمد العريفي: نعم، أنا قد يفهم البعض بعض الأخوة أحيانا من المدققين على العبارات قد يفهم بأني قلت إن الواعظ يحل مشاكل الأمة كلها، أنا أقول تحريك الإيمان في القلوب سواء حركه واعظ أو حركه عالم أو حركه طبيب أو حركه باحث في الإعجاز العلمي أو حركه موقف رآه الإنسان مؤثرا فيه، تحريك الإيمان في القلب عموما حركه مَن حركه أيا كان يصلح الأمة في كثير من الأحيان..

عبد الصمد ناصر: يصلح الأمة يعني يمكن أن يكون الواعظ ناجحا له دور مهم في حياة الأمة في مجتمعه في محيطه ولكن هذا يتوقف على مدى تأثيره في الآخرين وهنا السؤال، كيف نجعل الواعظ الديني شيقا جذابا يجذب المجتمع ويفتح شهية المستمع؟

محمد العريفي: أحسنت وأنا أريد سؤالك الجميل بأسلوب آخر وهو أن أقول، لماذا وأنت حضرتك قد عرفته قبل قليل لما قلت ويحضروا عند بعض الوعَّاظ دون البعض الآخر، السؤال ما الذي يجعلهم يحضرون عند هذا دون أن يحضروا عند الآخر، بينما قد يكون الآخر أحيانا أكثر علما وربما أكثر صدقا مع الله، أيضا لا نتهم نيات الناس، ما الذي يجعلهم يحضرون عند هذا وهو ربما من طلاب ذاك؟

عبد الصمد ناصر: وينفرون من هذا؟

محمد العريفي: في تصوري أن تطوير الداعية.. تطوير الواعظ للأسلوب وقدرته على براعة الاستهلال، في السابق كان يسمونها الشعراء، لماذا كعب لما أراد أن ينشد القصيدة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مدحه عليه الصلاة والسلام..

عبد الصمد ناصر: عليه الصلاة والسلام..

محمد العريفي: قال، بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ؟ كانوا يبدؤون بالغزل لأجل شد السامع مع أن القصيدة في النبي عليه الصلاة والسلام..

عبد الصمد ناصر: عليه الصلاة والسلام..

محمد العريفي: كذلك الواعظ إذا أراد أن يبدأ بكلمته يبدأ بموعظته بخطبته بتوجيهه ينبغي أن يحسن اختيار المدخل الذي يدخل منه على الناس بحيث إنك تستطيع لو أردت أن تُلقي كلمة في مسجد أو خطبة جمعة تستطيع أن تجذب الناس إليك وأن ينظروا إليك وأن يتابعوك مثلا يبدأ بقصة افرض أنه قام وقال أيها الناس هل سمعتم بقصة الذئب الذي كلَّم الناس؟ يتعجبون فليأتهم بالحديث الذي مسلم الإمام أحمد أن الذئب في آخر الزمان يتكلم إلى آخر من أشراط الساعة أو يبدأ أحيانا بسؤال هل تعلمون كم بين السماء والأرض؟ الناس يُشدون فعلا كم بين السماء والأرض فيأتي بحديث العباس رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم بيننا مسيرة خمسمائة عام إلى آخر الحديث أو يبدأ أحيانا بذِكر شيء غريب أو يبدأ أحيانا بذِكر طرفة لطيفة، أهم شيء..

عبد الصمد ناصر: أن يركز على الإيمانيات في الأول..

محمد العريفي: في تصوري أنه يدخل أحيانا بمدخل حسن إذا استطاع أن يجذب الناس إليه، بعد ذلك يدخل في الموضوع الذي يريد يتكلم عن عقوق الوالدين إن شاء يتكلم عن الكسب الحلال قراءة القرآن إلى غير ذلك وكذلك لابد يا أخي أن يحضِّر ما يقول للناس، مشكلة بعض الوعَّاظ أنه مثلما يقول المثل العامي عندنا افتح فمك يرزقك الله، يعني أن تقف على المنبر من غير تحضير وأتكلم يا أخي الوحي انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم..

عبد الصمد ناصر: صلى الله عليه وسلم، صحيح.

محمد العريفي: لا تظن أنك تأتيك الفتوحات من كل مكان، لابد أن الواعظ أن يحضر ويحترم عقول الذين أمامه، يا أخي الآن الناس ربما كانوا في السابق ليس هناك مصادر كثيرة للتلقي يعني ربما أكثرهم من الأميين ونحو ذلك، الآن الناس يتلقون من التلفاز يتلقون من الإنترنت يحضر عندك في خطبة الجمعة وفي موعظتك أطباء ومهندسون وإعلاميون ودكاترة في الجامعة ونحو ذلك، لابد أن تعتني بأسلوبك تعتني بالألفاظ التي تقولها يعني ربما بعضهم يتحمس ويقول مثلا يخطب عن الزنا مثلا فيقول يا أيها الزاني، أنت أيها الزاني يا أخي لا يرضى الناس أن تقول هذه العبارات مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم، ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا يضبط عباراته، يبتعد عن العبارات النشاز التي ربما تخرق الأذن عندما يسمعها الناس، عناية الواعظ عموما، أنا لست في معرض الحديث عن آداب الوعظ لكن عناية الواعظ عموما بالآداب العامة للموعظة، اختيار عباراته وحسن مدخله، اختيار الموضوع المناسب للناس، احترام العادات والتقاليد أحيانا في بعض العبارات التي يتكلم به، هذا بمجموعه يجعل به قبولا عند الناس.

عبد الصمد ناصر: على كل حال فضيلة الشيخ سنواصل الحديث عن الواعظ الديني وأساليب الواعظ الديني ولكن بعد أن نأخذ فاصلا، نعود إليكم مشاهدينا الكرام بعد الفاصل فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

الوعظ بين الترغيب والترهيب

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم من جديد في برنامج الشريعة والحياة، حلقة اليوم حول الواعظ الديني مع الدكتور محمد العريفي، فضيلة الدكتور يعني كنا نتحدث قبل قليل عن حال الواعظ الديني اليوم، لو تحدثنا عن بعض الأساليب التي يلجأ إليها بعض الوعَّاظ والتي تثير تحفظ أو اعتراض البعض كاللجوء إلى مداعبة مشاعر الناس على حساب العقل كما يقول البعض، لماذا يتساءل البعض لماذا يتم تهميش العقل في الخطاب الوعظي؟ هنا أنا لا أتحدث بشكل عام ولكن عند الكثير من الوعَّاظ.

محمد العريفي: أحسنت، هو عند الكثير من الوعَّاظ وهذا القيد جيد لأن ليس كل الوعَّاظ أسلوبهم واحد، هذا يرجع في ظني إلى قدرات الواعظ نفسه، أنت يا أخي لا تستطيع أن تُلزم الواعظ أن يكون ذكيا خارق الذكاء فيخاطب العقل وأن يكون عنده مهارات في الحوار مهارات في الإقناع ولو اشترطت هذه الشروط الكثيرة في كل واعظ أو في كل خطيب جمعة ربما ثلاثة أرباع مساجد المسلمين لا تجد لها أئمة يخطبون بالناس فلا شك أن الناس يتميزون بهذه القدرات التي أعطاهم رب العالمين، أما من ناحية السُنّة فالنبي عليه الصلاة والسلام..

عبد الصمد ناصر: عليه الصلاة والسلام..

محمد العريفي: كان لا يكتفي فقط بإثارة العاطفة عند الموعظة بل كان يخاطب العقل، خذ مثلا لما جاء إليه رجل قال يا رسول الله إن امرأتي جاءت بغلام أسود، هو أبيض وزوجته بيضاء، فكأنه يريد أن يتهمها بالفاحشة فالنبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بعقله قال "هل عندك إبل قال نعم، قال ما ألوانه؟ فذكر أن فيها بِيض وحُمر، قال هل فيها من أورق؟ فيها لون ثالث؟ قال نعم، قال فمن أين جاء؟ قال نزعه عِرق، يمكن واحد من الأجداد البعير أو من أجداد الناقة كان بهذا اللون، فقال صلى الله عليه وسلم وولدك لعله نزعه عرق"، شوف كيف خاطب العقل..

عبد الصمد ناصر: كلام صحيح.

محمد العريفي: خرج الرجل وهو مقتنع، أحيانا يخاطب المروءة لما قال صلى الله عليه وسلم للأنصار لما غضبوا في قسمة قسمها بعد معركة حنين، قال ألم آتكم ضالين فهداكم الله بي؟ ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ أوجدتم عليكم في أنفسكم تغضبون عليّ في لعاعة من الدنيا أعطيتها قواما أتألف بها للإسلام؟ يعني هل يسوى أن تغضبوا على رسولكم بسبب شوية دراهم وزعتها؟ هذا يخاطب مروءتهم، فبكى القوم، يقول أنس، بكى القوم حتى اخضبوا لحاهم وغطوا وجوههم ولهم خنين بدؤوا يصيحون من شدة البكاء، هذا أيضا مخاطبة المروءة كان يمارسها عليه الصلاة والسلام، مما كان يخاطب عليه الصلاة والسلام أحيانا يخاطب العاطفة في قلوب الناس فكما جاء في مُسند أحمد أنه رقى يوم من على المنبر وقال "أيها الناس اتقوا النار اتقوا النار"، يقول الراوي حتى سمع موعظته مَن كان في أقصى السوق، هذا إذاً من مخاطبة العاطفة، إذا جمع الواعظ في الحقيقة بين مخاطبة العقل عند الحاجة إليه مخاطبة العاطفة عند الحاجة إليه مخاطبة المروءة يا أخي لما تجلس مع قوم ربما من الأعراب.. الأعراب عادة وعندهم اهتمام بالمروءة والرجولة كثيرا أحيانا تطرق الموعظة إليهم من خلال هذا الباب وربما أنشدت أشعارا من أشعارهم..

عبد الصمد ناصر: يكون مدخلا للتأثير فيهم..

محمد العريفي: أحسنت وربما تأثروا أكثر من تأثرهم بغيرها أحيانا..

عبد الصمد ناصر: إذاً هنا حسب الحاجة وحسب الظرف وحسب المخاطب..

محمد العريفي: أحسنت وحسب المخاطبين أنت لم تلق الموعظة على دكاترة في الجامعة، لابد أن يكون أسلوبك يختلف عن موعظة يلقيها في مسجد عند عوام أو في سوق أو في نحو ذلك، قدرة الواعظ عندما يريد أن يوجه على التماس مثل هذه الأمور يكون واعظا ناحجا بلا شك..

عبد الصمد ناصر: طيب، ربما يندرج الوعظ الديني تحت ما سماه بعض العلماء بالترغيب والترهيب، هل ترى ربما في واقعنا الآن واقع الواعظ الديني الآن أن الترغيب والترهيب توسع وتضخم على حساب قضايا الواقع ومشكلات الناس..

"
الترغيب والترهيب لا يكفيان أصلا في حل مشاكل الناس، بل يجب الجمع بينهما وبين الإنذار والتخويف من العقوبة الدنيوية، لأنه من أصناف المسلمين من يعظه القرآن ومنهم من تعظه عصا السلطان
"

محمد العريفي: في تصوري أولا أن الترغيب والترهيب لا يكفي أصلا في حل مشاكل الناس، لو كان الترغيب والترهيب يكفي في حل مشاكل الناس في القضاء على الأخطاء التي عندهم لما نزلت الحدود الشرعية، الله سبحانه وتعالى أنزل {ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى} لكنه يعلم أن بعض الناس سيقرب فقال في آية أخرى {الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وقال في آية أخرى سبحانه وتعالى {ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} لكنه يعلم أن أقواما لا يسمعون الكلام وسوف يأكلون فقال {والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} إلى آخره، الجمع بين الترغيب والترهيب الجمع بينه وبين الإنذار والتخويف وربما التخويف من العقوبة الدنيوية هذا يستطيع أن يضبط لك أمور الناس وعثمان رضي الله تعالى عنه قال قديما يقول من الناس مَن لا يزعه القرآن، مَن لا يزعه يعني مَن لا يعظه القرآن ولا يخوِّفه القرآن، من الناس مَن لا يزعه القرآن ثم قال ولا يزعه إلا عصا السلطان يعني إذا قلت له لا تسرق الله سبحانك وتعالى سيعاقبك ربما سرق، لكن إذا قلت سوف يقيم عليك السلطان الحد وسوف تُسجن وسوف يكون هناك عقوبة تجد أنه يرتدع عما هو عليه.

عبد الصمد ناصر: طيب، البعض أيضا من بين النقاط التي يتم نقد الواعظ فيها أنه يركز غالبا على مواضيع الغيب وأهوال القيامة وعذاب القبر ونحو ذلك، هل هذه التهمة فعلا ثابتة على كل الوعَّاظ أم أنه ربما تعميما يراد به شيء آخر؟

محمد العريفي: يعني أتوقع أن هذا هو خاص بواعظ معين يعني هو الذي ربما تكون مداركه غير متسعة كثيرا وأنا لا أزم هؤلاء هذا يقدمه جزاء الله خير يقدم ما في قدرته في خدمة الدين، كما أن المجاهدين منهم من يستطيع أن يصبح قائدا ومنهم مَن يكون في الساقة ومنهم مَن يبرئ لهم النبل ونحو ذلك..

عبد الصمد ناصر: يعني هذا تعميم..

محمد العريفي: يعني أنا أعني يا أستاذ عبد الصمد أن الذين يقعون في الوعَّاظ ويقول هذا واعظ ما عنده إلا جنة ونار يقول كتَّر خيره أنه عنده جنة ونار هذا مثلما ذُكر في نكتة ذكروا أن رجلا متطورا يرى نفسه متطورا مرَّ بشيخ يدرس طلابه الكلام على المسح على الخفين فمر به وقال يا شيخ الناس وصلوا القمر وأنت تتكلم عن المسح على الخفين؟ فقال على الأقل نحن تعلمنا المسح على الخفين أنت لا وصلت قمر ولا مسحت على خفين، فكذلك هؤلاء الذين يذمون الوعَّاظ أحيانا نقول له كثر الله خيره أنه استطاع أن يتكلم في الجنة والنار ويرقق قلوب الناس ليس عنده قدرة أحيانا فوق ذلك..

عبد الصمد ناصر: ربما هذا النوع من الخطاب له تأثيره له جمهوره يؤثر في بعض الناس..

محمد العريفي: بلا شك بل هو جمهورهم كبير جدا أيضا وأنا لا أزل أزعم إلى لحظتي هذه أن جمهور الوعَّاظ وجمهور.. أو جمهور الدعاة يعني أسميها حتى أيضا لا نصمهم بوصف ربما بعضهم يرى أنه أوسع منه وأن حجمه أكبر من كلمة واعظ، جمهورهم كبير جدا من خلال القنوات من خلال المساجد من خلال القاعات التي يلقون فيها، أحيانا يأتي هذا الواعظ أو الداعي يلقي في قاعة تتسع ربما للآلاف وتمتلئ ويقف الناس في الشوارع، هؤلاء ما جاء بهم إلا محبتهم له وتأثرهم بأسلوبه ولو لم يروا أنهم يتأثرون بأسلوبه ويستفيدون من الحضور عنده لما تجشموا الصعاب وركبوا سيارتهم أو أوتوبيساتهم..

عبد الصمد ناصر: اسمح لي أن أشرك الشيخ جمال قطب..

محمد العريفي: تفضل.

عبد الصمد ناصر: وهو رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا من مصر، شيخ جمال البعض يقول بأن الترغيب من الموعظة بمثابة الطعام والترهيب بقدر الملح فيه، هل تتفق مع هذا القول؟

جمال قطب – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً: السلام عليكم ورحمة الله.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله.

محمد العريفي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

جمال قطب: شاكر اشتراكي معكم وتحياتي للبرنامج ولحضرتك ولأخونا فضيلة الشيخ.

عبد الصمد ناصر: شكرا.

محمد العريفي: بارك الله فيك.

جمال قطب: الترهيب جزء من الدعوة، لا ينبغي أن يزاول الواعظ ترغيبا فقط ولا ترهيبا فقط إنما يمزج لغته بالأمرين، هكذا استعمل القرآن الكريم، حضرتك أنا أتابعكم في عنوان الحلقة الوعظ واقعه وآفاقه، مش هو ده الموضوع؟

عبد الصمد ناصر: نعم، تفضل سيدي.

جمال قطب: أنا حضرتك أريد أن أتحدث في نقاط سريعة، أول الأمور أن الخطبة جعلها الله سبحانه وتعالى تذكيرا وتوعية وليست تعليما شرعيا، كثير من مشايخنا بيستثمر الخطبة على أنها فرصة يعلم الناس فقها، بل قد يذهب إلى فقه مذهبي وجزئي وهذا أمر لم يرد به توجيه..

عبد الصمد ناصر: شيخ جمال لو قصرنا حديثنا عن الوعظ الديني وليس خطبة الجمعة؟

جمال قطب: أنا عارف يعني حضرتك المتحدث في خطبة الجمعة في المحاضرة العامة أنا بأدخل بس للحديث الرئيسي أنه خطبة الجمعة ينبغي أن تكون تذكيرا لا تعليما هذه واحدة، الثاني الفرق في الوعي الذي يحاول الخطيب أو الداعية أن يؤديه، نحن نؤدي رسالة يستطيعوا الناس أن يعملوا بها لاتفاق علمائنا على أنه كل قول لا يترتب عليه عمل لا ضرورة له، لكن أن يتحول الإسلام إلى مادة ثقافة ومقارعة بين مذاهب وقال فلان ورد فلان في خطبة أو في محاضرة هذا قد تجاوزته العصور، الشباب والرواد والمسلمون عموما يودون أن يضعوا أيديهم على فحوي الخطاب الشرعي من الوحي بغير خلافات مذهبية، القضية الثانية يا سيدي الفاضل في الخطاب الديني أو في الوعظ بصفة عامة أن كثيرا منا عن حسن نية يريد أن ينشر مذهبا لا يريد أن ينشر دينا كما نزل من عند الله، يصر على أن يفرض على مستمعيه أو قرائه أن الوجه الصحيح للدين هو رؤيته أو مذهبه أو شيخه أو تياره وهذا ما نعاني منه، من أن الناس يروا أئمة كل منهم يدعو الناس إلى نهج على أن هذا النهج هو الوحيد وهذه في تقديري أنا بالنسبة لي كواعظ تعتبر خطيئة مش خطأ، لابد أن الناس يروا ضوء الوحي قبل أن تحتويه المدارس حتى لا نضيِّق على الناس، القضية الثالثة في تقديري يا سيدي لا ينبغي للواعظ أن يتحول إلى قاضي، هو يبلِّغ هو يوعِّي هو يُخرج الناس من دائرة الجهالة بشيء إلى الوعي وإدراكها أما أن يتهم الناس في دينهم وأن يشتد عليهم دي بتنقلنا للعنصر اللي بعده وهو لابد أن يتخيل الواعظ والداعي في المسجد وفي غير المسجد أن جمهوره الذي حضر إليه هم شريحة من الأتقياء أو شريحة كبرى من الراغبين لا ينزل عليهم مهاجما ولا ينقل إليهم آلام المتسيبين إنما يأخذ بأيديهم ويضعهم على أول الطريق على أنهم جاؤوا بأقدامهم حتى لا يستشعروا هجوما أو شدة، القضية الرئيسية يا أستاذي العزيز..

عبد الصمد ناصر: باختصار شيخنا.

جمال قطب: آه، سريعا جدا، قضية موضوع الخطاب سواء في خطبة الجمعة أو في الدرس أو في الندوة بعض الناس يعني يقول لك نختار موضوع أنا أدعو أخوتي العلماء إلى اختيار عنصر من عناصر الموضوع لكن لا يستطيع أبدا أن واحد يلم بالعبادات ولا يلم بكل الصلاة وجوانبها في خطبة أو في درس أو في لقاء..

مشاكل الوعَّاظ وأثر الإعلام على الوعظ

عبد الصمد ناصر: الفكرة واضحة يا شيخ جمال، عفوا للمقاطعة الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا لضيق الوقت شكرا جزيلا لك، إلى المشارك التالي شعبان السنهوري من الدوحة، تفضل شعبان تفضل.

شعبان السنهوري – قطر: السلام عليكم.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

شعبان السنهوري: الحقيقة أشكر الأستاذ عبد الصمد على إحضار مثل هؤلاء الأخوة الأفاضل أمثال الدكتور محمد العريفي والحقيقة أنا متابع البرنامج على الراديو يعني جزاه الله خيرا يعني وفَّى كافة.. ولمَّ الموضوع من جميع الجوانب..

محمد العريفي: بارك الله فيك.

شعبان السنهوري: وأنا أريد من الشيخ أن يركز فعلا على النقطة للتفرقة بين الداعي إلى الله سبحانه وتعالى ولو كان من عامة الناس وبين الواعظ الذي يجب أن يرتب أوراقه ومواضيعه والنقاط التي يتحدث فيها مع الناس أمام الجمع وكما ذكر فضيلة الشيخ العريفي جزاه الله خيرا يحترم عقول الحاضرين والسامعين، أما الداعي إلى الله ربما يعني يصل إلى مقهى أو أعزكم الله مكان فيه مكان محرمات ويدعو الناس يقول لهم ولو من.. لا يقرأ ولا يكتب تعالوا هلموا إلى المسجد هناك عالم يدعو إلى الله هناك عالم يحدث أمثال الشيخ العريفي أو غيره فيأتي مَن لا يستطيع أن يتحدث مع الناس بالناس إلى المسجد وقد حدثنا مرة أحد علماء الأزهر أنه ذهب إلى فرنسا يعني مبعوثا من قبل الأزهر الشريف يدعو إلى الله سبحانه وتعالى في فرنسا فما وجد أحد فقام بعض الأخوة وجمعوا الناس من المقاهي والخمارات الموجودة من الأخوة المسلمين والعرب الذين يعيشون في الجالية في فرنسا وجمعوه لهذا العالم وجلسوا أمامه وأوعظهم موعظة وقد أثر فيهم وتبدلت حياتهم فكثير من الأخوة ربما يسمعني الآن يعارض بعض الفئات التي تدعو إلى الله بغض النظر عن التيارات والجماعات ويعني يبدع الناس ويفسق الناس مع أنه كما قال الشيخ العريفي جزاه الله خيرا أن بعض الأخوة يدعون إلى الله فجزاه الله خيرا أنه ذكر الناس بالجنة أو بالنار الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح البخاري بلغوا عني ولو آية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعريف الناس بوحدانية الله آية على الكلام عن عظمة الآية، الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم في بداية حياته أن يدعو إلى تكبير الله {ورَبَّكَ فَكَبِّرْ} وقال عز وجل {وكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} فالدعوة إلى كبرياء الله ومعرفة الله وحب الله والخوف من الله وتعظيم الله سبحانه وتعالى لإقرار هذه المعرفة في قلوب العباد حتى تخبت قلوب العباد إلى الله وتتوب قلوب العباد إلى الله وتلين قلوب العباد إلى الله ثم تستقبل أوامر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها أول ما علم النبي صلى الله عليه وسلم أصاحبه علمهم الإيمان ثم القرآن أو الأحكام..

عبد الصمد ناصر: الإيمان ثم الأحكام، الفكرة واضحة الشيخ شعبان الوقت ضيق للأسف بارك الله فيك فضيلة الشيخ شعبان السنهوري من قطر هل لديك أي تعليق؟

محمد العريفي: نعم، أنا أشكر الشيخ جمال والشيخ شعبان فيه كلمة ذكرها الشيخ جمال في تفصيله طبعا هو تكلم عن مشاكل الوعَّاظ وهذه نقطة مهمة، يبدو.. أرجو أن لا يضيق الوقت عنها تكلم أن بعض الخطباء يعلموا الناس فقها من خلال خطبة الجمعة ويقول إن خطبة الجمعة هي موعظة يبدو أنه أحيانا في بعض الخطب..

عبد الصمد ناصر: قال إنهم يركزون على مذهب الفكر أكثر ما يركزون على..

محمد العريفي: هذه نقطة أخرى ذكرها هو قال إنهم يعلمون الناس الفقه يعني لما يقبل رمضان ألا ينبغي أن نتكلم عن أحكام رمضان وبعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام؟ لما يقبل الأضحى ألا ينبغي أن نتكلم عن أحكام الأضحية؟ صحيح أن موعظة خطبة الجمعة ينبغي أن تكون في أمور عامة تربوية وآداب ورقائق ولكن هناك أحيانا الناس لا يحضرون، عندك يا أخي لو أقمت درسا عن أحكام رمضان لما حضر الناس فأنت تستثمر وجودهم في خطبة الجمعة لأجل أن تعلمهم ما تظن أنهم في شدة حاجة إليه، أنا أخشى أن الوقت يضيق..

عبد الصمد ناصر: نعم، الوقت ضيق جدا وأريد أجوبة قصيرة إذا كان ممكنا فضيلة الشيخ.

محمد العريفي: الكلام عن مشاكل الوعَّاظ أمر مهم يا أستاذ عبد الصمد شئت أن أقدمه لأن أنا أخشى أن يضيق الوقت عنه.

عبد الصمد ناصر: طيب، أنا أريد أن أتحدث هنا عن مشاكل الوعَّاظ يقال بأن من بين مشاكل الوعَّاظ أن إدارات الدعوة ربما أحيانا في بعض البلدان تسد كل الطرق والأبواب وتقف كعقبة أمام بعض الوعَّاظ والعلماء لكي يصلوا إلى الناس ويركزوا فقط على البعض الذين يخدمون منهجا أو فكرا معينا يتناغم وينسجم مع توجه هذه الإدارة، ما قولك؟

محمد العريفي: هذه مشكلة الحقيقة واقعة في عدد من بلاد المسلمين أنه يحال أحيانا بين الواعظ الصادق الصريح الذي يخاطب الناس ويسمعهم ما يريده الله تعالى لا ما يريده غيره أحيانا فيحال بينه وبين الوصول إليهم لكن هذا لا يعذر الواعظ من أن يوصل خيره إلى الناس إن لم يستطع أن يوصله عبر خطبة الجمعة يوصله من خلال اجتماع الناس في عُرس، اجتماع الناس في عزاء أو غير ذلك لكن ينبغي أن ينتبه الواعظ إلى أمور ولو يعني قفزت إلى هذه النقطة قفزا ينبغي أن ينتبه إلى أمور حتى لا يقع فيها في أثناء وعظه، بعض الوعَّاظ أخي تجد أنه يفرط في تحريك مشاعر الناس حتى يتكلم في أمور يقرأها في بعض كتب الوعظ يقرأ مثلا في بعض الكتب فضيلة الفقر فلان كان يعيش في المزابل فلان كان يعيش بين المقابر ثم يبدأ يذكر هذا للناس تزهيدا لهم في الدنيا، هذا ليس منهجا شرعيا، النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعله أو يقل مثلا وجاء عن فلان أنه كان يصلي ألف ركعة في اليوم، يا أخي لو جعلنا لكل ركعة دقيقة أو جعلنا لها دقيقة ونصف لاحتاج إلى أكثر من 18 ساعة يوميا أو يقول إن فلان ختم القرآن في حياته أكثر من عشرين ألف مرة حسبتها فإذا هو يحتاج إلى أربعة وخمسين سنة لو كان يختم كل يوم مرة لاحتاج إلى أربعة وخمسين سنة هذا غير معقول، ينبغي على الواعظ إذا أراد أن ينقل هذا للناس أن يتخير وأن ينتقي ما تأخذه عقولهم، يقول علي رضي الله تعالى عنه ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة هذا أمر، الأمر الثاني أحيانا المبالغة في سرد بعض الحكايات الإسرائيلية عن بعضهم مَن كان يتعبد في صومعة أو نحو ذلك هذه المبالغات حتى لو صحت أنه كان يقوم في الشمس يوميا أو يومين هل هي مطلوب شرعا وهل الله تعالى كلفنا بها كذلك لابد أن تضبط هذه الحكايات بالكتاب والسُنّة لم يقل فلان قرأ عليه آية وغشي عليه وزاروه ثلاثة أيام وهو مغشي عليه هل غشي على النبي عليه الصلاة والسلام وهو أكثر خشوعا وانكسارا كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى يسمع في صدره أزيزا كأزيز المرجل كأزيز الماء الذي يطبخ في قدر..

عبد الصمد ناصر: هنا ربما قد نتساءل عن تأهيل الواعظ عن قدرات الواعظ مؤهلاته، هل ترى أن الوعَّاظ اليوم بحاجة إلى معارف جديدة لإيصال خطابهم إلى الناس مثل علم النفس علم الاجتماع ولغير ذلك يعني إلى أي حد ترى أنت الوعَّاظ الآن هم فعلا على دراية وعلى إلمام بفقه الواقع؟

محمد العريفي: أنا لا ألزم جميع الوعَّاظ أن يلموا بما تفضلت بذكره من أمور اجتماعية وسياسية ونفسية وغيرها، أنا لا ألزم جميع الوعَّاظ بذلك إنما ألزم مَن كان يريد أن يتكلم في مجلس عالم واعظ يريد أن يتكلم في قناة فضائية يكلم الملايين يا أخي طوّر نفسك قبل أن تتثنى بهذا المقام، واعظ يريد أن يخطب في مسجد يحضره خمسة آلاف أو عشرة آلاف لابد أن تعد ذلك أما إن صار واعظ يريد أن يتكلم في مدرسة يتكلم في زواج في عزاء في مناصحة في جمع قلوب الناس في إصلاح ذات البين لا نطالبه بمثل هذه أستاذ عبد الصمد.

عبد الصمد ناصر: باختصار كمحور أخير كسؤال أخير مادمت جئت على ذِكر وسائل الإعلام هل تعتقد بأن وسائل الإعلام ربما أثرت سلبا أو إيجابا على الوعظ الديني مع انتشار عدد من الوعَّاظ والدعاة من خارج المؤسسة الدينية باجتهادات ربما فردية؟

محمد العريفي: كل إنسان يستطيع أن يقدم شيئا للإسلام أنا أطالبه أن يقدمه وأنا أعتبر أن الإسلام اليوم مع هذه الهجمة الشديدة عليه الفكرية والسياسية والعسكرية كالغريق الذي ألقي في بحر ويحتاج إلى مَن ينقذه ألقي إليه خشب ألقي إليه أي شيء يتمسك به فكذلك مَن يستطيع أن يقدم شيئا صافيا للإسلام حتى لو كان هو مقصر في نفسه في بعض الأمور الشرعية مادام يقدم ما يتوافق مع الكتاب والسُنّة فلا حرج عليه.

عبد الصمد ناصر: بارك الله فيك يا دكتور محمد العريفي الداعية الإسلامي شكرا جزيلا لك وشكرا لكم مشاهدينا الكرام لمتابعتكم مع تحيات ناصر الطلافيح في الإخراج ومعتز الخطيب في الإعداد ومني عبد الصمد ناصر وتحيات جميع طاقم فريق العمل ساعد على هذا البرنامج وإلى اللقاء بحول الله.