مفكر وداعية إسلامي
الشريعة والحياة

علاقة الإسلام بالغرب

منذ أن ظهر الإسلام ظلت علاقته مع الغرب محكومة بالعداء والحروب المتواصلة، وأبرزها الحروب الصليبية. وتصر بعض الأصوات في الغرب على أن الصراع هو الأصل في العلاقة بينه وبين الإسلام، فإلى أي مدى يمكن التعايش بين الجانبين؟

undefined

undefined

ماهر عبد الله:

أعزائي المشاهدين سلام من الله  عليكم وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامج "الشريعة والحياة".

منذ أن ظهر الإسلام، وأغلب الأزمنة كانت في علاقته مع الغرب محكومة بالعدائية وبالحروب المتواصلة التي كانت الحروب الصليبية لعلها أبرزها، خسر الغرب في هذه المعارك العديد من المواقع المُهمَّة، ولعل إسطنبول أو القسطنطينية سابقًا أحد هذه المعالم التي مازالت تؤرِّق وتقضُّ مضاجع الغرب.  إسبانيا كانت معلمًا آخر، ولكن إسبانيا كانت أيضا مؤشر على العدوانية الشرسة التي تعامل بها الغرب عندما حاول الثأر لنفسه، والانقضاض مجددًا على المسلمين.

 في زمننا هذا، الزمن الذي يكثر فيه الحديث عن الحوار، مازالت هناك بعض الأصوات في العالم الغربي تصر على أن الصراع هو الأصل في العلاقة بين الإسلام وبين الغرب.

 لمناقشة هذا الموضوع يسعدني أن يكون معي هذا اليوم فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.. دكتور يوسف، أهلاً وسهلا بك مجددًا.

د. يوسف القرضاوي:

أهلاً بكم يا أخ ماهر، وحفظكم الله

ماهر عبد الله:

لو ابتدأنا بالمقولة الدارجة هذه: العدو الأخضر هو البديل للعدو الأحمر، هل هناك مبررات لدى الغرب لتحكم علاقته هذه الدرجة الكبيرة والشديدة من الخوف من الإسلام؟

د. يوسف القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله  والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد،

فالعلاقة بالغرب علاقة قديمة، وذلك أن الإسلام بطبيعته دين عالمي ورسالة للناس كافة، وفي سبيل نشر دعوته لابد أن يحدث الصدام، خصوصًا أن الغرب من قديم اتصل بالشرق، وكانت له في الشرق بلاد ودول يتحكَّم فيها، مثل بلاد الشام وبلاد مصر وشمال إفريقيا، هذه كانت محكومة بما يسمى الغرب حتى وإن كان هي القسطنطينة أو كذا، إنما دولة الروم الشرقية.. وعندما ظهر الإسلام كانت هناك دولتان كبيرتان تسودان العالم أشبه بروسيا والأمريكان في وقت ما، دولة الروم في الغرب، ودولة الفرس في الشرق.

واصطدم الإسلام بالمسيحية منذ أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالته إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، ثم حدث الصدام بعد ذلك في غزوة تبوك وفي سرية مؤتة في العصر النبوي، ثم في معركة اليرموك ومعركة أجنادين ومعركة فتح مصر، ومعركة فتح شمال إفريقيا وما بعد ذلك، هذه كلها بلاد أخذها الإسلام من المسيحية من قديم، وساد فيها الإسلام، ثم دخل الإسلام إلى أوروبا مباشرة، عن طريق شمال إفريقيا والمغرب وجبل طارق، وأقام الإسلام حضارة في إسبانيا أو في الأندلس كما كان يسميها المسلمون، لمدة ثمانية قرون، وأقام حضارة شامخة وجمعت بين العلم والإيمان، واستفاد منها الأوروبيون، من الأفكار الإسلامية ومن العقلانية الإسلامية. ثم طُرِد الإسلام من أوروبا طردة -كما أشرت في مقدمتك- طردة تحسب على أوروبا وعلى الغرب، لأنه عومل المسلمون معاملة وحشية، إما التنصر وإما القتل وإما.. ثم دخل الإسلام..

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله:

سيدي قبل الفاصل قاطعناك وأنت تتحدث عن الطردة السيئة التي طرد بها المسلمون..

د. يوسف القرضاوي:

طرد المسلمون من إسبانيا، وعلى كل حال الإسلام دائما إذا غابت شمسه من ناحية أشرقت في ناحية أخرى، فبدأت شمس الإسلام تشرق وتدخل أوروبا، من ناحية أخرى، هي من ناحية الدولة العثمانية، الدولة الفتيَّة الجديدة التي دخلت أوروبا من ناحية البلقان وطرقت أبواب فيينا أربع مرات، وكان لها في أوروبا سلطان أيَّ سلطان.

المهم العلاقة بين الإسلام والغرب مستمرة، طبعًا حدث قبل هذه الحروب الصليبية المعروفة، المسلمين كانوا يسمونها حروب الفرنجة والغربيون يسمونها الحروب الصليبية لأن الصليب كان هو الشعار المرفوع في هذا الحروب، وجاءت ثماني حملات صليبية من أوروبا إلى أرض الإسلام، وبالفعل احتلوا فلسطين وأقاموا هناك إمارات وممالك استمرت نحو قرنين من الزمان، واحتلوا القدس الشريف وظل في أيديهم تسعين عامًا، وارتكبوا من الجزائر [يقصد المجازر] في فتح القدس ما يقشعرُّ بدن التاريخ منه، ومعروف غاص الناس في الدماء إلى الركب، ولكن الله سبحانه وتعالى هيأ للإسلام رجالاً لم يكونوا من جنس العرب، هم عماد الدين زنكي التركي، وابنه نور الدين محمود الشهيد، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي الكردي، والظاهر بيبرس البندقداري بعد ذلك، واستطاعوا أن يطهروا المنطقة من آثار الصليبيين.

 دُحِر الصليبيون عسكريًّا، ولكنهم استفادوا ثقافيًّا وعلميًّا وفكريًّا من المسلمين، رأو حضارة ورأوا انفتاحًا لم يكن لهم به عهد فاستفادوا من هذا، كما استفادوا من الأندلس، واستفادوا من صقلية، ومن قنوات الاتصال المعروفة، وكان لهذا أثره في النهضة الأوربية بعد ذلك.

على كل حال، هذا الصراع هو سنة من سنن الله، وكما يقول الله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}.

الإسلام في هذا كله حينما دخل بلاد الغربيين كما دخلها في الأندلس وغيرها كما قلنا أقام حضارة، وأنشأ علومًا ومعارف وقِيَمًا وأخلاقيات، ولكن الآن منذ عهد الاستعمار حدثت صلة جديدة منذ عهد الإستعمار، دخل الاستعمار بلاد المسلمين في العصر الحديث، ونشأت علاقة جديدة كانت تقوم على الأحقاد من ناحية والأطماع من ناحية أخرى، والمخاوف من ناحية ثالثة، والاستعلاء والكبرياء من ناحية رابعة، فهذه الأشياء هي التي أحدثت توترًا وعلاقة جديدة بين المسلمين والغرب.

ماهر عبد الله:

طيب تسمح لي قبل أن نخوض في العلاقة الجديدة، في معرض كلامكم تفضلتم عن أن الإسلام دين عالمي، وأنه سعى إلى الانتشار.. بعُرف السياسة الدولية اليوم عندما تقول لي  الإسلام دين عالمي قد يُفهم من هذا أنه دين توسُّعي، وبالتالي المبادرة بالعدوانية جاءت منه.

د. يوسف القرضاوي [مقاطعا]:

لا، التوسع ليس بالضرورة من طريق العدوانية، التوسع من طريق نشر الدعوة، كل ما كان يريده الإسلام في ذلك الوقت وإلى الآن وإلى ما بعد الآن، يريد أن تنفتح الآفاق أمامه لنشر دعوته.

في الزمن الماضي لم يكن يمكن نشر الإسلام إلا عن طريق الجيوش، لأن الملوك لا تسمح بدخول أية دعوة جديدة، وده اللي حدث، النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث بعض الدعاة قُتلوا، ولما أرسل إلى كسرى رسالته مزَّقها، فكان لابد من الصراع العسكري والمادي، خصوصًا كما قلت لك إنوالغربيين كانوا هم يحتلون ديار العرب وديار الناس، لم يكونوا هم في بلادهم هذه، حينما دخل الإسلام في صراع في سوريا أو في مصر أو في فلسطين، هذه ليست بلاد الروم البيزنطيين، وكأنه صراع مع مستعمرين، ولذلك هذه البلاد رحبت بالمسلمين، في مصر لم يكن عمرو بن العاص ومَنْ معه يحاربون المصريين، لا، كانوا يحاربون الروم. ما.. والمصريين بالعكس كانوا معهم ومؤيدين لهم، فهذا هو المقصود من العالمية.

أنا الآن، ولذلك أنا أقول الآن، كنت قلت في افتتاح مشروعنا العالمي الإسلامي الجديد، خدمة الإسلام على شبكة الإنترنت، مشروع (إسلام أون لاين)، قلت هذا هو جهاد العصر، لم نعد في حاجة إلى إرسال جيوش، لأن إحنا نستطيع نرسل دعوتنا من غير جيوش على الإنترنت ومن هذه القنوات الفضائية ومن غيرها، لو أننا استطعنا أن نكلم العالم بلغته المختلفة، نستطيع لأننا من غير أن نجند الجنود، أو نشهِر السيوف، أو نجيِّش الجيوش، نبلغ دعوتنا، فهي دعوة عالمية، اليهودية دعوة انغلاقية، إنما الإسلام دعوة انفتاحية، دعوة {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا} {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فهو لا يحب أن يحتكر الخير لنفسه، يحب أن ينشره في الناس، إنما ليس معنى هذا إنو العالمية معناها العُداونية، لا.

ماهر عبد الله:

طيب قد لا تكون تعني العدوانية، ولكن المسيحية على خلاف اليهودية دين تبشيري أيضًا، يسعى إلى.. ومازال يمتد حتى الآن في بلاد المسلمين، وعندنا مشكلة كبيرة في إفريقيا، حول صراع ديني مازال قائم، لماذا لا يُنظر على الأمر أنه على الأقل ليس عدوانيًا بمعنى الغزو، ولكن عدوانية دينية، بمعنى أنك تتوسع، وكل التوسع الإسلامي كان في أغلبه على حساب المسيحية، فما هو..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعا]:

لماذا تعتبر هذا عدوانًا؟ هذه ليست عدوانية، العدوانية أنك تجبر الناس على أن يدخلوا في دينك، الإسلام لا يفعل هذا، الإسلام يقول: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيِّ}، بالعكس لو واحد دخل الإسلام مُكرَهًا الإسلام يعتبر إيمانه باطلاً لأن الإيمان المعتبر في نظر الإسلام هو أن يدخل الإسلام مقتنعًا مختارًا، حتى إنو القرآن اعتبر إيمان فرعون عندما أدركه الغرق فقال {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال: {آلآن وقد عصيت قبلُ وكنت من المفسدين} إنت الآن تؤمن وإنت في ساعة الغرق، وليس لك حرية الاختيار، لابد إنو الإنسان يكون لو حرية الاختيار، فهذا ليس من العدوانية في شيء، ودائما الإنسان يدخل الدين باختياره، وتتاح له الفرصة ليقارن ويميز ويختار لنفسه، قضية مصير.

ماهر عبد الله:

طيب إحنا لو سألنا السؤال التالي: أنت ذكرت الحروب الصليبية وذكرت الاستعمار الحديث، القاسم المشترك بينهم هل هو الصراع الديني البحت؟  أو كما تفضلت في بعض الإجابات أنه هناك أحقاد، هناك مطامح، وهناك مطامع للغرب في هذه المنطقة؟ الاستعمار الحديث كان واضح إنو، يمكن اقتصادي في المقام الأول، كان هدفه الخيرات التي وُجِدَتْ في العالم الإسلامي؟ أم أن الجانب الديني كان؟

د. يوسف القرضاوي:

هو الشيخ الغزالي الله يرحمه، لوه [ له] كتاب اسمه (الاستعمار أحقاد وأطماع) ذكر فيها جانب الأطماع الاقتصادية وخيرات البلاد الإسلامية وغيرها، وفيه أحقاد تحركه من.. موروثة من الحروب الصليبية، هذا بعبر عنه العسكريين أكثر ما بعبر عنه السياسيون، نجد مثلاً (اللنبي) القائد الإنجليزي الذي دخل إلى القدس سنة 1917 قال كلمته الشهيرة: "الآن انتهت الحروب الصليبية" يعني حققنا ما لم يحققه الصليبيون من قبل، ودخلنا القدس، والقائد الفرنسي (غورو) الذي ذهب إلى دمشق، وذهب عند قبر صلاح الدين الأيوبي وقال أيضا كلمته الشهيرة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، فهذا يدل على إن فيه لا زالت عُقَد موروثة تحرك، فالإستعمار فيه أطماع في الناحية الاقتصادية، فيه أحقاد، فيه مخاوف أيضًا، مخاوف من الإسلام أن يعود من جديد ويتحرك، وهذا يعني حتى في حرب في 73  المعروفة، أو زي ما أنا أفضل نسميها حرب 93هـ العاشر من رمضان، في هذه الحالة الغرب أبرزعن نفسه، وقال: إنه المسلمين لا يحتاجون إلا من يخاطبهم باسم الله فيتحركون من جديد، ويظهر من جديد طارق بن زياد و يظهر صلاح الدين ويظهر.. ففيه مخاوف من قوة الإسلام أن تظهر من جديد، هذا أيضًا من العوامل اللي مو.. أيضًا فيه عامل الاستعلاء عند الغربيين، عرفت الغربيين ينظرون لأنفسهم أنهم سادة العالم، وإنو التاريخ منهم يبتدئ وإليهم ينتهي، التاريخ القديم بسقوط روما والتاريخ الحديث بسقوط القسطنطينية وافتتاح المسلمين لها، فبينظروا إلى إنو هم رأس العالم وقمة العالم، ومن عهد الرومان كان الرومانيون يعتبرون أن كل ما عاداهم (برابرة) فهذه النظرة الاستعلائية لا تزال موجودة، وإنو هم الذين يجب أن يحكموا العالم، الرجل الأبيض يجب أن يحكم العالم، ولذلك بعضهم بعد ما رأى ضعف الغرب والانهيار الأخلاقي  قال: انتهى دور الرجل الأبيض، فهذا أيضًا العنصر.

وبعدين فيه أشياء كثيرة أيضا تحكم هذا، وهي الجهل بحقائق الإسلام وحقيقة المسلمين، العرب يقولون: من جهل شيئًا عاداه، الناس أعداء ما جهلوا، والقرآن أشار إلى ذلك حينما قال: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله} فهم يجهلون حقيقة الإسلام، ولا زالت عندهم أوهام من قديم، خصوصًا من عهد الحروب الصليبية كُتَّابهم ورجال دينهم أورثوهم صورة شائهة عن الإسلام، إنه واحد قام في جزيرة العرب والسيف في يده يقطع به الرقاب، ومن ناحية تانية يأخذ النساء الجميلات يتزوجهن وهذه الصورة لا تزال تعمل في بعض الأذهان.

ماهر عبد الله:

هذا يذكرنا بصورة مقابلة موجودة عندنا، الخوف من الإسلام موجود في الغرب، لكن الخوف من الغرب موجود عند المسلمين أيضًا، هناك صور ليست بالضرورة صحيحة ولا دقيقة عند المسلمين، الطابع العام لعلاقتنا بالغرب طابع عدائي، هل هي مجرد ردة فعل؟ أو في مبررات عندنا؟

د. يوسف القرضاوي:

لا، فيه مبررات عندنا..

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

مبررات مثل ماذا؟

د. يوسف القرضاوي : 

مبرراتنا إنه الغرب اعتدى علينا في الحروب الصليبية، وهو الذي جاء إلينا بقضه وقضيضه وثالوثه وصليبيته، واحتل أرضنا، واغتصب مقدساتنا وظل هكذا، وبعدين في العصر الحديث هو اللي استعمر بلادنا، كل البلاد الإسلامية تقريبًا كانت مستعمرة ما عدا السعودية و اليمن، كل البلاد الإسلامية كانت مستعمرة، إلى الآن لازال الغرب في القضايا الإسلامية لازال يقف ضد المسلمين، ويكفي قضية واحدة تدين الغرب، وهي أن الغرب هو الذي أوجد إسرائيل في قلب بلاد العرب والمسلمين، هو الذي هيأ لها الظهور حتى وُلِدَتْ، وساعدها منذ ولادتها حتى ترعرت، ولازال يغذيها ويرمي لها بالوقود إلى الآن، المليارات الآن.. بماذا تقوم إسرائيل؟ بالمال الأمريكي، وبالسلاح الأمريكي، و بالفيتو الأمريكي، وطبعا والغرب منذ وعد بلفور سنة 1917م وهو وزير خارجية بريطانيا الذي أعطاهم الوعد المشهور وعد بلفور في الحرب العالمية الأولى، وسنوات الانتداب الثلاثين التي هيأت بريطانيا فيها لظهورإسرائيل، ولاتزال ومنذ قامت إسرائيل منذ ولدت 15 مايو 1948م الغرب قال: خلقت إسرائيل لتبقى، فهذه.. وإلى الآن التحيز الغربي وخصوصًا الأمريكي لإسرائيل إلى اليوم، هذه نقطة سوداء في علاقتنا بالغرب.

أنا أقول لك بصراحة: نحن ليس عندنا مشكلة مع الغرب، الغرب هو الذي عنده مشكلة مع الإسلام، الإسلام ليس معه مشكلة لا مع الغرب ولا مع الشرق، لأن الإسلام يرى إنه كما قال الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} فالغرب كالشرق عندنا، معندناش مشكلة في هذه القضية، إنما المشكلة تكمن في نفس الغرب وفي نفسية الغربيين من الإسلام، ويمكن أن نزيد هذا، إنو طبعا أنت أشرت في كلامك إنهم رشحوا الإسلام ليكون هو العدو بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بحثوا عن عدوٍّ جديد يعبئون القوى والحوافز ضده، فلم يجدوا غير الإسلام.

[موجز الأنباء]

ماهر عبد الله:

فضيلة الشيخ، لو سألتك أنا: التخوف الغربي هل هو من الإسلام أم من المسلمين؟  قد يكون الإسلام جميل في طرحه، جميل في أفكاره، جميل في نواياه تجاه البشرية، كونه دين عالمي، لكن ما يراه الغرب، وما نراه نحن المسلمين من تصرفات بعض المسلمين هي مخيفة حتى لنا.

د. يوسف القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم، هو في الحقيقة هذا ما كنا نظنه، أن الغرب يخشى تطرف بعض المسلمين، والمسلمون المتطرفون دوله [هؤلاء]  الحقيقة ليسوا خصومًا للغرب وحدهم، بل هم خصوم للمسلمين أنفسهم، ولكن للأسف أصبحنا نسمع نغمة جديدة عند الغربيين منذ فترة من الزمن يقولون فيها: احذروا الإسلام المعتدل، كانوا قبل ذلك يحذِّرون من الإسلام المتطرف المتشدد، الآن يحذِّرون من الإسلام المعتدل، لماذا؟ لأنهم يرون إن الإسلام المعتدل أشد خطرًا، وأبعد أثرًا، وأعمق تأثير في الحياة، فهم لهذا قال لك لا، هؤلاء أخطر.

التطرف دائمًا قصير العمر، التطرف لا يعيش طويلاً لأنو ضد الفطرة الإنسانية، كما جاء في بعض الآثار: "إن المنبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى"، فالطبيعي إن الذي يبقى هو الاعتدال، هم يرون الاعتدال هذا أخطر، وبعضهم يسوقها بصيغة أخرى   يقول: الإسلام لا يمكن أن يكون معتدلاً، إنه يبدأ معتدلاً ثم يتطرف بعد ذلك على طريقة "تَمسْكَنْ حتَّى تَتَمَكَّن" فهذه نظرة الكثيرين منهم في الغرب.

أنا لا أقول طبعًا إن جميع الغربيين.. من الظلم أن نعتبر الغرب شيئًا واحدًا، والتعميم في هذا ليس مقبولاً منطقيًا، الغرب شرائح، الحكام غير المحكومين، والشرائح المختلفة متباينة بعضها مع بعض، والذين عاشروا المسلمين غير الذين لم يعاشروا المسلمين، ومَنْ لهم مصالح وأهواء معينة غير الذين سلموا من هذا الأمر، فلا ينبغي إننا نقول الغرب كل الغرب، فيه ناس دافعوا عن فكرة إن الإسلام خطر، (سبيزيتو) وناس الأساتذة الأمريكان والغربيين، والتقيت بعضهم في بعض المؤتمرات وزرتهم في بعض جامعات أمريكا، قالوا إنو هل الخطر الإسلامي ده حقيقية أم أسطورة؟ وبيَّنوا أنه أسطورة، وإنو وهم، لا يوجد خطر من الإسلام، والمسلمين لم يعودوا قوة حتى يصبحوا خطر على العالم، ده العرب وهم حوالي ثلاثمائة مليون لا يملكون من القوة ما تملك إسرائيل اللي هي حوالي أربعة ملايين، وبعدين المسلمون يشترون أسلحتهم من الغرب، لم يستطيعوا أن يصنعوا أسلحتهم إلى اليوم، كل الدبابات والطائرات والمقاتلات، الأشياء ديه [هذه] كلها تُشتَرى من الغرب، فالغرب هو الذي يسلحهم حقيقة، فما معنى الخوف من المسلمين؟

ماهر عبد الله:

لكنه قائم شئنا أم أبينا، مهما كانت دوافعهم، مهما كان تمييزهم بين المتطرف والمعتدل، إذا أردنا أن نتعامل مع الواقع، الواقع يقول أن العالم الغربي خائف، كيف يمكن لنا أن نبدد هذه المخاوف حتى تفتح البشرية صفحة جديدة وكما ذكرت عن (الإسلام أون لاين) يصبح للتبادل الثقافي..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعا]:

هو يصبح هذا بالحوار، أن نفتح باب الحوار بين الطرفين، الانغلاق دائمًا يخيف، إنما خلينا [دعنا] نلتقي، أنا دعوت إلى الحوار في عدد من كتبي، الحوار مع رجال الدين والقسس، والحوار مع رجال الفكر والمستشرقين، والحوار مع رجال السياسة مع صناع القرار، وكل جماعة دوله [هؤلاء] يتحوروا مع أمثالهم، أنا تحاورت مع بعض رجال الدين، ومع بعض رجال الاستشراق، وأذكر أني التقينا وكان معنا الشيخ الغزالي رحمه الله وبعض أساتذة الأزهر في كولون في ألمانيا منذ حوالي سبع تمن  [ثمانية] سنوات، والتقينا في يوم عمل كما يقولون وتغدينا غداء عمل مع مجموعة من المبشرين أو من مش [ليس] المبشرين من رجال الدين والمستشرقين، وسألوا أسئلة وأجبنا عنها، وأنا حقيقة استرحت لهذا اللقاء، لأنو حصل نوع من التفاهم، ومن الردود الإيجابية، فلو أننا نلتقي نزيل.. خصوصًا أن هناك أمران أساسيان:

أولاً: العالم تقارب وتقارب, حتى أصبح يكون قرية، بعضهم بيقول: العالم قريتنا الكبرى، وبنقولهم : لا، قريتنا الصغرى، لأن القرية الكبرى لا يعلم الناس في شرقها ما يدور في غربها إلا يمكن بعد يوم أو يومين، إنما نحن بنتابع ما يجري في العالم بعد لحظات، أو في التوِّ وأحيانا نتابع الأحداث وهي تحدث، فالتقارب أصبح حقيقة.

ومن ناحية أخرى، إننا نحن والغرب  بتعبير القرآن "أهل الكتاب" وبعدين إحنا نعتبر المسيحيين عامة، يمكن بيننا وبين اليهود مشكلة لا تزال معلقة، من أجل قضية فلسطين واغتصاب فلسطين، إنما ليس بيننا وبين المسيحيون هذه المشكلة، إلا وقوفهم، بينا وبين الأمريكان هذه المشكلة لوقوفهم مع الصهيونية العالمية، إنما المسيحيين بصفة عامة هم أهل كتاب، والإسلام أجاز لنا أن نتزوج نساءهم، وأن نأكل ذبائحهم {وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حِلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} وهذه قمة في التسامح.. المسيحية لم تسمح إن المسيحي يتزوج مسلمة، إنما الإسلام أجاز الزواج من المسيحية ومعنات [معنى] زوجها يعني إيه [ماذا] ؟ تصبح ربَّة بيته وأم أولاده، وشريكة حياته، وموضع سِرِّه، وتصبح {فجعله نسبًا وصهرًا}، يصبح أهلها أصهارًا له، يعني ويصبح أبوها جدًّا لأولاده، وأمها جَدَّة لأولاده، وأخواتها خالات، وإخوانها أخوالاً، وأصبح هناك..

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

جزء من لحمة المجتمع..

د. يوسف القرضاوي [مكملا]:

عائلة مشتركة بيننا، هذا هو قمة التسامح، فأنا أقول: التقارب الجغرافي والتقارب المادي الذي حدث بيننا وبين الغرب، والتقارب الديني، إنهم أهل كتاب، والأُخوَّة الإنسانية المشتركة بيننا وبينهم، إننا جميعًا مخاطبين بقوله: {يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} فنحن وهم إخوة في الإنسانية شركاء في العبودية لله، والبنوة لآدم "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد"، ونستطيع أن نقف على أرض مشتركة وبيننا قواسم مشتركة؛ ضد الإباحية، ضد المادية، ضد الإلحاد، ضد الظلم والاستبداد، نقف مع هذا، وفعلاً حدث في بعض المواقف إنو وقفت الكنيسة الكاثوليكية، ووقف معها الأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، في مؤتمر السكان في القاهرة، ضد إباحة الإجهاض، وضد الإباحية المطلقة للجنسين وهكذا، فيمكن أن نجد أرضية مشتركة نقف فيها معًا.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله:

وننتقل مباشرة إلى الإخوة المشاهدين، معنا الأخ (عبد الله أبو أنس) من إيطاليا، أخ عبد الله تفضل.

عبد الله أبو أنس:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في البداية أحيِّي شيخنا الفاضل الذي نسأل الله عز وجل أن يجازيه عن هذه الأمة خير الجزاء، فنحن نحبه في الله عز وجل ونسأل الله تعالى أن يوفقه ونحن إلى ما يحبه ويرضاه،  فقط إضافة حول الحقد الصليبي بصفتنا نحن نعيش في هذه الديار التي لا تدين بديننا، فالحقد شيخنا الفاضل الذي يحمله الصليبيون في قلوبهم للإسلام والمسلمين قد أخبرنا الله عزوجل به في كتابه العزيز حين قال: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، وفي قوله عز وجل: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، فهذا الحقد سيدي الفاضل كامن في قلوبهم ضد الإسلام، لا يحتاج إلى باعث آخر، فبمجرد وجود الإسلام في هذه الأرض كاف لتحريك ضغائنهم، وباعث لهم على التحرك ضد المسلمين، ليردوهم إن استطاعوا عن دينهم.. الحقد الصليبي سيدي الفاضل ليس مبعثه بالضرورة تديُّن النصارى كما قد يبدو لأول وهلة، إنما سببه الأساسي هو وجود المسلمين، وجود تجمع بشري لا ينتمي إليهم، ولا ينضوي إلى زمرتهم، ولا يتبع ملتهم، وهذا هو الذي تشير  إليه الآية الكريمة: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.

سيدي الفاضل، أريد أن أوضح، هناك مسألة أخرى ربما نضيفها إلى هذا الموضوع الجاد، أن هناك غزو في أوروبا تجاه أبناء المسلمين هو الغزو الفكري، هو اقتلاع العقيدة الإسلامية من قلوب أبناء المسلمين، وصرفهم عن التمسك بالإسلام، والوسائل لديهم كثيرة ومتعددة، ويمكن حصرها في مجالين أساسيين، أولاً: هناك سيدي الفاضل منهاج التعليم لأن أبناء المسلمين في ديار الغربة لا يملكون مدارس لها مناهج إسلامية، ولا يملكون كذلك وسائل الإعلام، فحين دخل الإنجليز مصر -لا أدري التاريخ- قام رئيس الوزراء بريطانيا في ذلك الحين في مجلس العموم البريطاني يقول مشيرًا إلى كتاب  كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أذكر الحديث ( لو أن الأمة تمسكت بكتاب الله عز وجل لانتصرت) قال هذا العدو مشيرا إلى كتاب الله عز وجل: "طالما كان هذا الكتاب في أيدي المسلمين فلن يقرَّ لنا قرار في أي بلاد ندخلها من أجل الاحتلال".. فهذه إضافة لأن سيدي في بداية حديثكم سيدي الفاضل تحدثتم عن..

ماهر عبد الله:

مشكور جدا أخ عبد الله، معنا الآن الأخ محمد غواص من عمان  أخ محمد تفضَّل.

محمد غواص:

السلام عليكم، كيف الحال يا شيخنا والله أحب أن أتداخل معكم، نقول: إن كما نعرف يا شيخنا وأخي الفاضل إن المسلمين يمتلكون كل المقدرات التي تمكنهم بأن يصبحوا قوة عظمى، فالعقيدة، والثروات، والموقع الاستراتيجي، والأعداد البشرية، ولكن لو لاحظنا في واقعنا أين هذه كلها؟ العقيدة حتى في عالمنا الإسلامي والعربي بصفة خاصة، أصبح مفهومها هذا المفهوم الذي أدخله الغرب علينا، بواسطة أولئك المثقفين من أمتنا الذين يركضون وراء ذلك السراب الفاني، من قومية جاهلية، وماركسية طاغية، وعلمانية، وماسونية، وغيرها، الثروات مهدرة، الموقع لا حول لنا ولا قوة لنا به، نسلمه للغرب تحت راية السلام، الشباب محطَّم، وأنا كشاب أقول هذه الكلمة: الشباب محطَّم، الـ.. غير مرغوب فيه أصبح في وطنه العربي يقول .. ديكتاتور البرتغال السابق أخشى أن يظهر..

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

أنا مضطر أقطعك لأن الهاتف اللي معك يبدو فيه مشكلة، ليس كل ما تقوله مفهوم، أتحول إلى الأخ عصام الصواف من سوريا، أخ عصام تفضل.

عصام الصواف:

السلام عليكم، ردًّا على سؤال الندوة: هل كان الإسلام رحمة على أوروبا؟ نعم ساهم المسلمون كثيرًا في حضارة أوروبا، فمسلمو الأندلس وجنوب إيطاليا نقلوا الحضارة والعلوم والطب، وشاهدت أنا بنفسي لوحات علوم الطب معلقة في جامع قرطبة الشهير في الأندلس والذي كان أكبر جامعة في عصره في أوروبا، وكذلك نقل المسلمون العثمانيون الحضارة إلى شرق أوروبا وحتى فيينا، وعاشت أوروبا المسلمة بعهد من الحرية والتسامح الديني لم تشهده في حياتها حتى في إيرلندا الشمالية اليوم، وذلك باعتراف اليهود، وغيرهم الذين عاشوا عصر .. في ظل هذا التسامح الإسلامي في الأندلس، وحتى في فلسطين في ذلك العهد وحتى اليوم، وبعد الحرب العالمية الثانية احتاجت أوروبا وخاصة ألمانيا لهؤلاء المسلمون خاصة العلماء والأطباء ورجال الفكر منهم، وأنا كنت أحد الأطباء الذين عاش في ألمانيا أكثر من عشرين عامًا، ووصلت إلى مركز رئيس أطباء حتى في مشفى كاثوليكي، ومع احتكاكي معهم، ما سمعوه مني لم يسمعوه من قبل أبدًا، لأن الفكر الخاطئ اللي يعطوه عن الإسلام غير ما يشاهدوه شخصيًّا، حتى كان يسألوني هل أنت مسلم حقا؟ وصار عدة مناقشات ومجادلات مع رجال الدين، وحتى إحدى الراهبات اللي تعمل معي قالت لي: أرجو أن تخبرني متى رمضان حتى أصوم معكم؟

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

أخ عصام عندك سؤال لفضيلة الشيخ؟

عصام الصواف:

والله ما قاله فضيلة الشيخ جزاه الله خيرا كان كله صوابًا، فيه كلمة أخيرة: مع الأسف في موضوع الفكرة الخاطئة عن الإسلام، مثال مثلا، المرأة المحجبة ينعتونها بالرجعية والتخلف مع أن الراهبة إذا تحجبت يسمونها امرأة مقدسة، والكيل بمكيالين واضح جدًّا مع تعاملهم مع العالم الإسلامي، وأرجو أن ننزع الكراهية من قلوبهم، ونزرع المحبة والتسامح الديني كما فعله المسلمون الأوائل، وجزاكم الله خيرًا، وشكرًا.

ماهر عبد الله:

سيدي، كلام الأخ الأول عبد الله أبو أنس، أرجع للموضوع الأخير أن هناك دافع داخلي عند الغرب عند الغرب المسيحي مهما فعلنا سيبقى في القلب..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعا]:

ولكن هو الحقيقة الأخ اعتمد على نصوص فهمها بأنو الحقد عند الغربيين أمر أبدي ودائم، وما ذكره لا يدل على هذا بالضرورة، لأنو ذكر الآية الكريمة: {لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} الرضا شيء، والحقد شيء آخر، ليس.. نحن لا نريد أن نرضيهم، ليس مهمتنا أن يرضى عنا اليهود ولا، إحنا مهمتنا أن يرضى الله تعالى عنا، ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يكون همه رضاء اليهود ولا النصارى، ولا إرضاء البشر:

ومَن في الناس يرضِي كل نفس   

 وبين هوى النفوس مدى بعيد

على رأي ما قال الشاعر:

فليتك تحلو والحياة مريرة    

وليتك ترضى والأنام غضاب

فالآية تذكر المسلم إنو يكون همه إرضاء الله تبارك وتعالى، وإنو لا يمكن أن يرضى عنه البشر، حتى لا اليهود ولا غيرهم، فليكن همه إرضاء الله، إحنا لا نريد أن يرضى عنَّا اليهود، إنما لا نريد أن يحقدوا علينا، وليس من الضرورة إن هذا يعني أن يحقدوا، الحقد ده نتيجة اختلاط ولقاء وصراع ، و.. يربي في النفوس شيئًا، مثل الأحقاد الصليبية فالحروب الصليبية نتيجة أنهم لم يحققوا شيئًا، ظلت هذه العقدة تحكمه من عهد الصليبيين إلى اليوم كما ظهر في تصريحات (اللنبي) و (غورو) و(غلادستون)  الذي ذكر الأخ اللي هو رئيس وزراء بريطانيا، مادام هذا القرآن موجودا فلن يقر لنا قرار، وكما قال بعض  بعض الدعاة الكاثوليكيين إنه ما دام الكعبة وقبر محمد موجودين يبقى.. فكأنو يريد أن يهدم الكعبة، ويهدم قبر .. هذه كلها هي الأحقاد، وهذه الأحقاد لا ينبغي أن تظل تحكم الناس إلى الأبد، نحن، إذا كانوا ناس عقلاء نقول لهم: هذه كان لها ظروفها في حروب وانتهى، ويجب أن نكون نحن أبناء اليوم، ولسنا بقايا الأمس.

الآية الثانية اللي ذكرها الأخ قال: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا}، وانظر شوف التعبير القرآني: {ودَّ كثير من أهل الكتاب} ما قلش [ لم يقل ] كل أهل الكتاب، وهذا القرآن بيعلمنا العدل والدقة في التعبير، لا نعمم دائمًا، القرآن دائما يقول: {إلا قليلاً} {وقليل ما هم}.. لنتعلم أن ندقق في التعبير، فأنا أقول: إنو هم لا شك كما قال الأخ لن يرضوا عنَّا حتى نتبع ملتهم، ولكن مع هذا القرآن اعتبرهم أهل كتاب، وقال: {يا أهل الكتاب} وسماهم أهل كتاب، وأباح  مؤاكلتهم، وأباح مصاهرتهم، وهذه حقائق وأحكام مقررة لا نستطيع أن نتجاوزها، فمعناها أن لهم وضعية خاصة عن غيرهم.

ماهر عبد الله:

في جانب آخر إنو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نزلت عليه هذه الآية، عندما ضاقت به الأرض في مكة قال: "اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد" وكان كتابيًّا.

د. يوسف القرضاوي:

نعم كان كتابيا، هو الرسول صلى الله عليه وسلم  لم يقل هذا ارتجالاً لأن الحبشة كانت هي المكان الملائم جغرافيًا، لأنها ليست بعيدة جدًّا في.. كبلاد الصين يضيع المسلمين هناك، ولا قريبة في الجزيرة العربية، إنما بينهم وبين الحبشة بحر وتُعد ديه قريبة، المكان المناسب جغرافيا، والمكان المناسب دينيا، لأنهم نصارى فهم أقرب إلى المسلمين، والمكان المناسب سياسيًّا، لأنو رجل لا "أرجوا أن لا تظلموا عنده " كان عنده أيضا من المعرفة بسيرة هذا الرجل ما يطمئنه إلى أن المسلمين لن يضيعوا عند هذا الرجل، فهذا نتيجة تخطيط.

أنا أريد أن أقول: مع هذا يمكن أن نلتقي بالغرب ونتحاور مع الغرب، إذا تخلى الغرب عن أحقاده الموروثة، عن مخاوفه التي لا معنى لها، عن استعلائه واعتقاده أنو هو سيد العالم، عن أطماعه في بلادنا وخيراتنا، إذا تخلى عن هذا وترك لنا حرية أن نحكم أنفسنا بأنفسنا، الغرب يكره أن ينتصر الإسلام في بلد، زي ما بيكره الآن انتصار الإسلام في السودان، أو انتصار الإسلام في إيران، يا أخي إنت مالك [ ما شأنك ]؟! أنا.. لو كان الغرب يعقل، لوجد أنه حينما يتعامل مع مسلمين متدينين ملتزمين بأحكام دينهم، أفضل من أن يحتكم إلى أناس لا دين لهم، لا رادع يردعهم، المسلم الذي يخاف الله ويحتكم إلى دينه، هذا لا يخشى منه لأنه صاحب مبادئ، وصاحب قيم تحكمه في كل أموره، فلماذا لا يتركنا الغرب أحرارًا؟ إذا أراد بلد أن تحكمه شريعة الإسلام فهو حر لا يتدخل من أجل هذا حتى لو في بلاد وصل بالانتخاب يمنع الانتخاب، في بلاد مثل تركيا، الجيش يحكم، يحرس العلمانية بتأييد من الغرب.. هذا ما نريد من الغرب أن يتخلى عنه.

ماهر عبد الله:

في  سؤاله كان فيه شق ثاني، أنا أعتقد  أني رأيته غريب بعض الشيء، زرت الغرب مرارًا وتكرارًا، وعلى صلة بالمدارس الإسلامية، الأخ بيقول: إن هناك غزو فكري لأبناء المسلمين من خلال التعليم، لا مدارس لها مناهج إسلامية، سببها الحقد المسيحي أو في بعض الأحيان..؟

د. يوسف القرضاوي:

لا، الغزو الفكري هذا هو في بلاد المسلمين أكثر منه في الغرب، نحن نشكو منذ اصطرع المسلمون مع الغرب من عهد الاستعمار، في بداية عهد الاستعمار، نشكو إن الاستعمار العسكري والاستعمار السياسي، جاء وصاحبه استعمار ثقافي، استعمار تشريعي ألغى الشريعة الإسلامية، وأبقى القانون وأحل محلها القوانين الوضعية، استعمار تعليمي، بحيث إنه جعل التعليم يعبر عن فلسفته هو، استعمار الفكري أنو أصبحت قيم الغرب الفكرية هي المؤثرة للحياة الإسلامية، هذا موجود في بلاد المسلمين أكثر منه في بلاد الغرب.

طبعًا كون هو الأخ عايش في الغرب، لابد إنو تكون القيم الغربية والأفكار والمفاهيم الغربية هي المسيطرة، ومن أجل ذلك المسلمون يعملون دائما على أن تكون لهم مدارسهم الخاصة.. أخونا الأستاذ الدكتور حسان حتحوت العالم والشاعر والطبيب والفقيه، وهناك فرَّغ نفسه للدعوة في لوس أنجلوس وفي غرب أمريكا، سألته منذ عدة سنوات: ما أهم نشاطكم الآن؟ قال: نحن الآن في عصر بناء المدارس، العصر الماضي كان عصر بناء المساجد، ونحن الآن في عصر بناء المدارس، لنعلِّم فيها أبناءنا لأنه إذا لم نعلم أبناءنا التعليم الإسلامي سيأتي جيل آخر ويبيع المساجد التي بناها أجدادهم كما باع المسيحيون كنائسهم، فالآن المسلمين عليهم، وأنا رأيت في بعض البلاد الأوروبية في هولندا وفي غيرها، كمدرسة ثانوية للمسلمين، فالمسلمين عليهم أن ينشئوا مدارس لتعليم أبنائهم..

ماهر عبد الله:

هناك الآن جامعات في فرنسا..

د. يوسف القرضاوي:

هناك جامعات في فرنسا، وجامعات في أمريكا أكثر من جامعة الآن في أمريكا.

ماهر عبد الله:

طيب معنا الأخ المحارثي فؤاد من المغرب، تفضل أخي.

المحارثي فؤاد:

السلام عليكم أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، والأخ المقدم، يعني وكما قلتم وهو متفق عليه، فمعروف أن الغرب وبعد سقوط النظام الشيوعي يريد.. ولم يطرح عدوًا له، ارتأى في المسلمين أول عدو، لماذا؟ أقول ارتأى.. أظن أنه لذلك ما يوجد عند المسلمين من قوة تلاحم، وما يوجد في ديننا من جزم، لأن ديننا كما يمكن أن نقول ليس فيه تفاوت، حيث أن لا يمكن أن يكون تفاوت بين مسلم مغربي ومسلم مصري أومسلم أفغاني، لذلك وسؤالي لفضيلة الشيخ: هل الغرب يحاول الآن السيطرة على مراكز استراتيجية ولو جغرافيا أو فكريا عند المسلمين؟ وسؤالي محدد أظن أن مثال تركيا على ما أظن أنه خير مثال لأنه الآن أمريكا تحاول السيطرة، ولأن بقي لهم في الذكرى في ذكرى الغرب بقيت الإمبراطورية العثمانية ما حققته من نفوذ وتنظيم سياسي، فأظن وإذا أجبتموني شاكرا،  وشكرا والسلام عليكم.

ماهر عبد الله:

معنا الأخ محمد العماري من فرنسا، أخ  محمد تفضل.

محمد العماري:

السلام عليكم، أحييك فضيلة الشيخ جزاك الله كل خير وإننا نحبك في الله، ونحيي فيك سعة صدرك وسماحتك على بعض الزنادقة الذين معنا قد يرموك..

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

بس خليني أتحفظ لك يا أخ محمد على الزنادقة.. الشيخ منهجه مش تكفيري فأرجو إنه على الأقل إذا كنا أوفياء لفكره إنه ما نسميهم زنادقة، وتفضل بالسؤال.

محمد العماري:

والله  سؤالي للشيخ هو ليس سؤال، ولكن أن نداء.. لو أن المسلمون  يفكرون في الجالية الموجودة في أوروبا، فاليوم أن موجودة الكثير من القنوات التلفزية مثل الجزيرة مثل القنوات العربية، تبثُّ في أوروبا ولكن باللغة العربية، وهذا  لا يفهمه إلا العرب، ولا يغير شيئا من نظرة الغرب لنا، وللتعريف بالإسلام، أن يكون بعض القنوات التي تبثَّ بالفرنسية، وهذا لا يكون إلا بتمويل من أصحاب الخير وأهل الفضل والإحسان، بالفرنسية أو بالإنجليزية حتى أن نغير ما في قلوب هؤلاء من بغض أو عداء أو نظرة خاطئة للإسلام، وما الذي يعرفونه إلا من خلال  ممارسات المسلمين، وهذا مع الأسف سواء في بلاد المسلمين أو حتى في الغرب فهي ليست كل الممارسات أنها ممارسات تعطي وجه حقيقي والوجه الذي يجب أن يكون للإسلام، فلو أن المسلمون يفكرون في بث بعض القنوات التلفزية، فمع الأسف أن القنوات التي تبث بالعربية حتى أن أبناء الجالية العربية أو المسلمة في أوروبا لا تعرف الكثير من اللغة العربية..

ماهر عبد الله:

معنا الأخ راشد الهاجري من الإمارات، أخ راشد تفضل.

راشد الهاجري:

كيف الحال إن شاء الله مرتاح يا فضيلة الشيخ.. لو سمحت بس أنا عندي، كما يعلم فضيلة الشيخ بأن المخططات الصهيونية تهدف لهدم الإسلام، مبتدئة بأنظمة هذه الدول الإسلامية، طبعا سؤالي يقول: ما هي المواجهة ضد هذه المخططات من جهة نظرة الفكر الإسلامي العلمي؟

ماهر عبد الله:

لو بدأنا بالسؤال الأول مثاله كان في تركيا، أن هناك مراكز جغرافية وفكرية الغرب يحاول السيطرة عليها، ويريد أن يبقى بها، ولن يتنازل عنها، وضرب مثال تركيا، كونها كانت رمز إسلامي كبير في الماضي.

د. يوسف القرضاوي:

هو لا شك هذا من أدلة الصراع بين الغرب والإسلام، وأن الغرب هو الذي لا يريد أن يلقي السلم مع الإسلام والمسلمين، المسلمون ليسوا هم البادئين بالعدوان، هم الآن المعتدى عليهم على المستوى السياسي، وعلى المستوى الفكري، وعلى المستوى الحضاري، في بلد مثل تركيا، حتى الغرب هو يؤيد الديمقراطية في كل بلاد العالم إلا في بلاد المسلمين، في بلاد المسلمين لا يقبل الديمقراطية، ولا يرضى بالديمقراطية، ولا يؤيد الديمقراطية.. يؤيد الحكم العسكري، يؤيد الديمقراطيات المزيفة ديمقراطيات الـ(99,9٪) هذه، يؤيد الجيش في تركيا، يقف ضد (أربكان) وحزبه حزب (الرفاه) حينما وصل بطريق الانتخاب، وأخذ أقلية يعني أكثرية نسبية، ولكنها أقلية في المجموع العام، ومع هذا لم يتركوه يؤدي رسالته، فهذا ما نعيبه على الغرب، لكن أقول: إذا كنا إذا كان الغرب يريد أن نتعامل معاملة النِدِّ للنِدِّ، ولا يكون المسلمون خطرًا، يكون المسلمون خطرًا حينما يعتدي الغرب عليهم، حينما يرى الغرب يقف ضده، يقف ضد (أربكان) في تركيا، يقف متفرجًا في قضية الشيشان الآن، وما يجري على الشيشان من أعمال لا تتفق مع حقوق الإنسان في حال من الأحوال، مع المدنيين مع القتل الجماعي، وما جرى قبل ذلك في كوسوفو وفي ألبانيا وفي البوسنة والهرسك وفي كشمير وفي غيرها، الغرب الحقيقة لا يقف محايدًا من القضايا الإسلامية، فنحن إذا كان الغرب يريد أن يتعامل معنا لابد أن يتخلى عن هذا الموقف المتحيز الذي لا يتفق مع منطق الحضارة العصرية والادعاء بأن إحنا إنسانيين إلى آخره.

ماهر عبد الله:

لو انتقلنا إلى سؤال الأخ محمد العماري، الجاليات الموجودة في أوروبا والفضائيات العربية، هل ترى هناك ضرورة لأن تكون الفضائيات العربية ناطقة  بلغات أوروبية محلية، أم أن الحرص على العربية يجب أن يكون لأنه جزء مما يجب أن تفعله الجالية؟

د. يوسف القرضاوي:

والله أنا أحب أن أبشر الأخ يعني الأخ محمد العماري، أن الشيخ (حمد بن ثامر آل ثاني) اللي هو رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة، والمسؤول عن الإعلام في قطر بصفة عامة، قال لي منذ أيام، إنو هم سيبدؤون بترجمة برنامج "الشريعة والحياة" إلى اللغة الإنجليزية لينتفع به، لأن كثيرًا من المسلمين يقولون نحن لا نعرف العربية فإخواننا الذين يعرفون العربية يستفيدون من مثل هذا البرنامج ونحن لا نستفيد منه، فنقول إننا نفكر في أن يتم هذا قريبًا، إنو يترجم إلى الإنجليزية، لن يستفيد منه عندما تبث الحلقة، ولكن عندما تعاد الحلقة، هذه الحلقة تعاد مرتين بعد ذلك ففي إعادتها في ظهر الغد وفي الليلة التالية يمكن أن يستفيد منها من يعرفون الإنجليزية، وممكن بعد فترة تدخل لغات أخرى، وأحب أن نقول للأخ أيضًا إنو موقعنا على الإنترنت (إسلام أون لاين) نبثه بلغتين بالعربية وبالإنجليزية، وأيضا هذا الخطوة المبدئية، بعد ذلك ستكون الفرنسية والألمانية والروسية إلى آخره إن شاء الله.

ماهر عبد الله:

طيب أنا سأؤجل سؤال الأخ راشد الهاجري إلى بعد المكالمة هذه لأنو الأخ منذ فترة، الأخ عبد الله عبد الرحمن معذرة على التأخير تفضل.

عبد الله عبد الرحمن:

السلام عليكم ورحمة الله ، كيف حالك يا شيخ، شيخ عندي نقطتين تقريبا، أول نقطة يا شيخ أتمنى الاستشهاد بالآيات والأحاديث حول علاقة المسلم بالنصارى واليهود لأن من المعلوم  القرار السياسي في الغرب الآن..

ماهر عبد الله [مستوضحا]:

 بس لو توضح لي السؤال يا أخ.

عبد الله عبد الرحمن:

أنا أتمنى من الشيخ الاستشهاد بالآيات والأحاديث حول علاقة المسلم باليهود والنصارى هذا جانب، نحن لأن تعرف المسلمين ليش نقنعهم بالواقع بكلام واقع اليوم، لا، نقتنع بالكتاب والسنة، فأنتمنى من الشيخ هو ما شاء الله بحر في هذا المجال فنتمنى منه الاستشهاد بالآيات والأحاديث تحدد علاقة المسلم باليهود والنصارى، لأن من المعلوم إن القرار السياسي في الغرب وأمريكا وغيرها يسيطر عليه اليهود في هذا الوقت، هذا جانب، الجانب الثاني: الآن كثير ما يتداول في الفكر الإسلامي فنسأل الشيخ: هل الإسلام فكر أم عقيدة؟ وجزاكم الله خير.

ماهر عبد الله:
الأخ عبد الحميد جسري من سوريا، تفضل.

عبد الحميد الجسري:

السلام عليكم ورحمة الله، أعزك الله بالإسلام  يا شيخنا الجليل، وأعز الإسلام بك إن شاء الله، شيخنا الجليل الإنسان عدو ما يجهل، فكما أن كثيرًا من المسلمين يجهلون حقيقة دينهم، فوالله بعد مجالسات ومدارسات مع إخواننا غير المسلمين، فإن إخواننا غير المسلمين أجهل بكثير بحقائق دينهم، لذلك سؤالي: أليس من الواجب علينا نحن المسلمين، وخاصة العلماء والدعاة أمثال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي مد جسور من الحب والإنسانية نحو الغير، يكون الغرض من هذه الجسور حبهم أولاً، ثم الالتقاء معهم على معان كثيرة إنسانية هي فصل مشترك بيننا وبينهم، وبذلك نزيل هذه الجبال من الحقد والتشنج التي دامت عبر عصور، وهذا أفهمه من توجيهك أيها الشيخ الجليل من مبدأ فقه الأولويات، أليس من الواجب علينا اليوم ألا نمل من ذلك رغم الصعوبات، وأن نتابع معهم "والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" إني أحبك في الله والسلام عليكم.

ماهر عبد الله:

مشكور يا أخ عبد الحميد، معنا الأخ خالد يوسف من الإمارات.

خالد يوسف:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا فضيلة الشيخ، كيف حالك أخ ماهر، السؤال الأول أخوي طال عمرك: ما موقف الإسلام من الحضارة الغربية؟ والسؤال الثاني يا شيخ والله إني أحبك في الله وقبل كم يوم يشهد الله والله العظيم إني حلمتك في النوم يا شيخ القرضاوي، بس أريد أن أكون منصفًا، أنا تناقشت مع بعض الشباب فهم يقولون إن الشيخ القرضاوي يقول: إخواننا النصارى، أو ما يكفر النصارى، أنا عتبت عليهم، قلت لهم: القرضاوي شيخ جليل ويعلم كما قال فضيلة الشيخ (ابن باز) رحمه الله، من لم يُكفر اليهود والنصارى فهو كافر، فنريد أن تبين موقفك من النصارى حتى الناس لا يفتروا هالافتراء الشنيع، لأن هذا من باب العقيدة كفر النصارى، وجزاكم الله ألف خير.

ماهر عبد الله:

مشكور جدًّا يا أخ خالد،  سيدي لو.. السؤال الأول والثاني لهم علاقة ببعض، الأخ عبد الحميد الجسري كان يتحث عن  مد جسور المحبة الإنسانية، وحبهم الالتقاء المشترك، السؤال الأول إنو الأخ كان عايز الاستشهاد بالآيات تحديدًا، وهذا أعتقد له علاقة بالسؤال الأخير، لأنو هذه الشبهة كثيرًا ما تتردد عندما  يدعو فضيلة الشيخ القرضاوي إلى الحوار مع اليهود والنصارى.

د. يوسف القرضاوي:

أولاً: عندما أدعو إلى الحوار مع اليهود والنصارى، أنا لا أبتدع شيئًا من عندي، هذا أمر الله، القرآن يقول: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} فالحكمة.. الدعوة بالحكمة حاصلة مع الموافقين، والجدال بالتي هي أحسن مع المخالفين، والقرآن يقول: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} {وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} فالإسلام أمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن {إلا الذين ظلموا منهم}، وعادونا وأظهروا لنا العداوة، ولذلك دستور العلاقة مع غير المسلمين تحدده آيتان في كتاب الله، ذكرت ذلك من قديم في كتابي (الحلال والحرام في الإسلام) هاتان الآيتان في سورة الممتحنة، يقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم} البر والقسط، القسط العدل تعدل، وبعدين البر فوق العدل، الإحسان، العدل إنك تأخذ ما لك ولا تزيد، الإحسان أنك تتنازل عن بعض ما لك أو تعطي فوق ما يجب، فهذا هو البر، اختار القرآن التعبير البر اللي هي الكلمة اللي بنعبر بها عن أخص الحقوق بعد حق الله، بر الوالدين {أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين  قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}، ففرق بينهم فلذلك أنا أقول الآن: موقفنا من اليهود غير موقفنا من النصارى لأن اليهود قاتلونا وأخرجونا من ديارنا، ومن ظاهر على إخراجنا من النصارى ينبغي أن نقف معه مثل هذا الموقف.. فيجب أن نفرق، و نمد جسور المودة بيننا وبينهم، وبهذا نفتح القلوب ونشرح الصدور لهذا الدين.

ماهر عبد الله:

الآية الثانية ذكرت إنو آيتين ذكرت {لا ينهاكم الله} هذه الآية.

د. يوسف القرضاوي:

{لا ينهاكم الله عن الذين} {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين} الآيتين مع بعض، فهذا هو دستور العلاقة مع غير المسلمين، وبعدين أنا ذكرت أنو الإسلام أجاز لنا أن نتزوج منهم يعني كيف ومعنى التزوج {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} فهذا هو..

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

في ظاهرة أخرى مولانا أن الله سبحانه وتعالى عندما تحدث عن الأنبياء الذين أرسلوا إلى الأقوام من الكفرة، والذين لم يتبعوهم، إن الله سبحانه وتعالى اختصهم بلفظ الأخوة.

د. يوسف القرضاوي:

ذكرنا هذا فيما سبق، الإخوة اللي اعترضوا عليَّ إن أنا بقول: إخواننا النصارى، أنا أقول: إخواننا النصارى، أنا بقول مثلاً بالنسبة للأقباط: إخواننا الأقباط، يعني على أساس أنهم إخوان لنا في الوطنية، إخوان للمصريين في الوطنية، إخواننا النصارى في سوريا في كذا، إذا كانوا إخوان في القومية أو في الوطنية، وهذا ستشهدت له بقوله تعالى في سورة  في سور من القرآن في سورة هود وفي سورة الأعراف وفي سورة الشعراء {كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح} {كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود} {كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح} أخوهم منين [ من أين ] لأنو أخوهم منهم، من هؤلاء القوم، لأنو يقول لهم يا قوم، إلا شعيبًا قال {كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب} ما قالشي لهم أخوهم ليه، لأنه لم يكن منهم، هو من (مدين)، ففي (مدين) قال {وإلى مدين أخاهم شعيبا}، في أصحاب الأيكة قال {إذ قال لهم شعيب} فمعنى هذا إن الأخوة..  فيه أخوة هنا أخوة قومية وأخوة وطنية وأخوة بشرية عامة لأنو بالنسبة.. لأننا كلنا أولاد آدم.

فأنا حينما أقول إن النصارى إخواننا أقصد النصارى اللي هم مشاركين لنا في الوطنية، ولكن ليس معنى هذا أن النصارى ليسوا كفارًا، أو إن اليهود ليسوا كفارا، أنا لي رسالة اسمها (موقف الإسلام من كفر اليهود والنصارى) ناقشت فيها بعض الناس اللي بيقولوا: لا، ده المسيحيين ليسوا كفارًا لا، كل من لم يؤمن برسالة محمد فهو كافر، ليس معنى الكفر الإلحاد، الإلحاد.. لأنهم يؤمنون بالألوهية ويؤمنون بالآخرة ويؤمنون بالرسالة فليسوا ملاحدة، إنما كفر بمعناه: أنهم يكفرون بدين محمد.

ماهر عبد الله:

ليسوا مسلمين.

د. يوسف القرضاوي:

آه فكل من كفر بدين محمد فهو كافر، وده أمر طبيعي، المفروض أن من لم يكفر بالشيوعية الرأسمالية، الرأسمالي كافر بالشيوعية، والشيوعي كافر بالرأسمالية، النصراني كافر بالإسلام، والمسلم كافر بالنصرانية، هذا طبيعي، وليس فيها شيء.

ماهر عبد الله:

كان جزء من سؤال الأخ الأول: هل الإسلام فكر أم عقيدة؟

د. يوسف القرضاوي:

الإسلام عقيدة، ولكنه أيضًا إسلام عقيدة ومعها مفاهيم وأفكار، العقيدة هي النظرة الكلية للوجود للحياة وللإنسان وللألوهية وللكون، اللي يمثل هذا هي العقيدة، اللي بنعبر عنها بالتعبير الديني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بالقدر خيره وشره، هذه العقيدة، أما هذه العقيدة أيضا تتمثل في أفكار ومفاهيم معينة، أنا .. ضمن الأفكار الإسلامية إن الإسلام  مثلا يرى إن القوامة للرجل في الأسرة، يجيز الطلاق، هذا مفهوم لا يوجد في المسيحية، المسيحية لا تجيز الطلاق، الإسلام يجيزه ده مفهوم، فكرة معينة، ولذلك الشيخ (أبو الحسن الندوي) يقول رحمه الله، ألف كتاب وسماه (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية) لأنو العقيدة تتمثل في أفكار، فأصبح هناك فكر غربي وفكر إسلامي، إنما الفكر اللي هو فهم الإنسان المسلم للإسلام، خلاف العقيدة.. العقيدة هي ماجاء في الكتاب والسنة.

ماهر عبد الله:

معنا مكالمة أخيرة قبل الموجز الأخ صبري ميرزا من أمريكا، تفضل أخ صبري.

صبري ميرزا:

السلام عليكم ورحمة الله، جزاكم الله خيرًا على حديثكم عن الإسلام في أمريكا أو الإسلام في أوروبا، وموقف أوروبا طبعا وأمريكا من أوروبا في منظار التقييم هذا، الإسلام هنا في الغرب عندنا، وفي أمريكا خاصة هي قضية رابحة حتى الآن، لكنها لازالت بأيدي محامين قد أصفهم بالفاشلين أو ليسوا في المستوى المطلوب، قمة الدعوة إلى الله عز وجل في أمريكا الآن والتحدي الكبير الذي نواجهه هي المدارس، الخطر الذي يتهدد أبناء الجيل الذي هاجر أي يستأصلوا من خلال المدارس، لكنني أؤكد حتى الآن أعاننا الله عز وجل على أن تكون لدينا مدارس، مثلاً في ولاية (نيوجيرسي) عندنا ثلاث مدارس، وعندنا سبعمائة طالب وطالبة، الطالبات مجلببات باللباس الشرعي الإسلامي، بدءًا من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية، يدرسون المناهج الأمريكية المحلية بالإضافة إلى التربية الإسلامية واللغة العربية..

ماهر عبد الله [مقاطعا]:

ممكن أسألك سؤال أخ صبري: كان هناك مضايقات من الحكومة الأمريكية؟

صبري ميرزا:

حتى الآن ليست هناك أية مضايقات، حسبنا أن نرى مشهد مئتي طالبة في المرحلة المتوسطة والثانوية يخرجن من المدرسة مجلببات محجبات.. سؤالي أو رجائي أن نلقى العون المادي من إخوتنا في المشرق، وأن يقفوا إلى جانبنا حين نتوجه إلى الإخوة لدعم ميزانيات المدارس ولفتح مدارس جديدة، لأن علينا ضغطا شديدا في كثير من المناطق، فلو كان هناك مساعدة مادية كافية لأمكن أن نفتح أكثر من خمس مدارس في ولاية (نيوجيرسي) وحدها، فالأمر كذلك فأعينونا في ذلك فنحن على ثغرة، بارك الله فيكم.

[ موجز الأنباء ]

ماهر عبد الله:

فضيلة الشيخ كنا قبل الموجز بقليل أجلنا سؤالاً من أحد الإخوة ذكر فيه أن ما نعانيه أو سوء هذه العلاقة بيننا وبين الغرب هو نابع أو راجع لمخططات صهيونية، وكان سؤاله: هل عندنا من الاستعداد ما يكفي لمواجهة هذه الخطط بنفس العلمية؟ أنا أضيف عليه سؤال آخر: هل تتفق إنو هي مجرد مخططات صهيونية فقط؟

د. يوسف القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم هو لا شك أن لـ(اللوبي) الصهيوني في البلاد الغربية، وخصوصا في أمريكا، لا شك أن له تأثيرا في توجيه السياسات واتخاذ المواقف، ولكن أيضًا هناك أشياء أخرى، هناك البعد الديني، هناك بعض الإخوة الفلسطينيين ألف كتابًا سماه (البعد الديني في السياسة الأمريكية) خاصة والسياسة الغربية عامة، هناك المسيحية الأصولية الآن تسعى إلى تأييد إسرائيل، وهناك الرؤساء الأمريكان، ابتداءً من الرئيس (كارتر) و(ريغان) و(بوش) و(كلينتون) كل هؤلاء يسارعون في هوى إسرائيل، هذا بناءً على أفكار دينية عندهم إن مملكة الرب وكذا ستكون لهؤلاء إلى آخره، وهناك مصالح أيضًا وأشياء وثقافة معينة تؤدي إلى هذا، ولكن لا شك أن التأثير الصهيوني واليهودي على أفكار صناع القرار في أوروبا وأمريكا خصوصا أمريكا لا ينكره منكر.

نحن المفروض إننا يكون لنا موقف من هذا، ليس عندنا مثل هذا (اللوبي)، حتى الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا من المسلمين رغم أنهم  في كثير من الأحيان أكثر من اليهود عددًا، ولكن ليس لهم شأن في التأثير على صناع القرار لأنهم يعانون من مشكلات يجدونها في حياتهم هناك، فليس عندهم قدرة على هذا التأثير.

يمكن لو نظم المسلمون أنفسهم وعاشوا بتخطيط،، لم يعيشوا ارتجالاً، وكانت لهم هويتهم المتميزة، ربما يستطيعون أن يؤثروا فيما بعد، المهم الصهيونيون استطاعوا أن يؤثروا علينا نحن العرب والمسلمين في بلادنا، استطاعوا يقيموا دولتهم، استطاعوا الآن أن.. أو يحاولون أن يصنعوا سلامًا على هواهم، أو تسوية كما يرى بعض الإخوة  أننا لا ينبغي أن نسميها سلامًا بل نسميها عملية تسوية كما يريدون، وأكثر من ذلك، لا يكتفون بالتسوية، يريدون ما يسمونه التطبيع، التطبيع وهو أن تكون العلاقة بيننا وبينهم طبيعية، مع إنها غير طبيعية، هم يريدون  تمييعًا أو تطويعًا أو تركيعًا لنا، حتى نسير معهم، تطبيعًا اقتصاديا وتطبيعًا سياسيًّا وتطبيعًا ثقافيًّا، التطبيع الثقافي يريدون أن نقبل بالإسرائيليات الثقافية الجديدة، لابد أن نقاوم هذا، ومن أبرز الأشياء التي اشتمل عليها المؤتمر القومي الإسلامي في بيروت الذي عقد من نحو شهر هذا، كان من أبرز الأشياء هو مقاومة التطبيع، لا تستسلم، إذا استسلم الحكام للتسوية فلا ينبغي أن تستسلم الشعوب للتطبيع، خصوصًا التطبيع الاقتصادي والتطبيع الاجتماعي، والتطبيع الثقافي في الدرجة الأولى.

ماهر عبد الله:

طيب الأخ صبري ميرزا كان سأل أو تحدث بإسهاب عن موضوع المدارس، وفضيلتك ذكرتم مقولة للدكتور حسان حتحوت أن الثمانينات كانت مرحلة المساجد والآن مرحلة، أو التسعينات كانت فترة بناء المدارس، أنا أعتقد أن هذا سيظل ضعيفًا دون حماية سياسية، دون حماية قانونية، وذكرتم في معرض كلامك منذ قليل أنو لا نملك مثل هذا اللوبي، لا نملك هذه المؤسسات السياسية العامة، لماذا لا يجري حث المسلمين على البدء مبكرا؟ لماذا ننتظر لمرحلة الأمر؟ لماذا لا ندخل في مرحلة إقامة المؤسسات؟ ما هو مفتوح لليهود في أمريكا مفتوح لغيرهم.

د. يوسف القرضاوي:

أنا منذ زرت أمريكا في أواسط السبعينيات، وأنا أحثهم على هذا الأمر، أن يكون لهم وجود إسلامي متميز داخل الوجود الغربي العام، ونحن دائمًا نحث المسلمين هناك على أمرين متكاملين ومتلازمين: محافظة دون انغلاق، واندماج دون ذوبان، لابد أن نحافظ على هويتنا وشخصيتنا الإسلامية ولكن لا ننغلق، لا نعيش منعزلين عن المجتمع ولا يكون لنا أي تأثير، كما ومن ناحية أخرى أأن نندمج في المجتمع ولكن لا نذوب فيه بحيث تضيع هويتنا، هذا هو المعادلة الصعبة، التي ينبغي أن.. وأنا قلت للإخوة هناك: يجب نتعلم من خصومنا، نتعلم من اليهود، اليهود استطاعوا أن يعيشوا في هذه المجتمعات محتفظين بالشخصية الدينية اليهودية التاريخية، ولم يفرطوا، رغم تأثيرهم البالغ في المجتمع من حولهم، ينبغي إحنا نتعلم منهم كيف فعلوا هذا؟ عن طريق ما نسميه (حارة اليهود)، التجمع اليهودي المتقارب، الحي اليهودي، نسميها في مصر حارة اليهود، ويمكن في سوريا أو البلاد دي، فعاوزين نعمل ( حارة المسلمين) أو حي المسلمين  يجتمعوا عشان يقدروا يحافظوا على أولادهم، ويعملوا بينهم علاقات، فنحن محتاجين إلى المسجد، ومحتاجين إلى المدرسة ومحتاجين إلى النادي، محتاجين إلى كل المؤسسات، والآن الأمر متاح لنا، ينبغي أنو نحن نستفيد من هذا، للأسف فيه خلل عند المسلمين، حتى المسلمين في بلاد الشرق، أي واحد مثلا غني يريد أن يعمل خيرًا ينفعه بعد أن يموت، ماذا يفعل؟ يبني مسجد، لا يبني مدرسة، عملنا (إسلام أون لاين) هذا، وندعو الموسرين من المسلمين محتاجين لتمويل، المسلم عاوز يبني مسجد، يا أخي ومال [إذا] كيف تبلغ رسالة الإسلام إلى العالم؟ هذا هو الجهاد، فيه حاجة إلى توعية حتى ننقل المسلمين من اعتبار المسجد هو كل شيء، والمسجد لا يذهب إليه إلا من تعلم الإسلام وآمن به، ده المدرسة هي اللي بتعملوا عشان يوصل للمسجد لا بد من المدرسة، وعشان نحافظ على المسلم ليبقى موصولا بالمسجد لابد من المدرسة.

ماهر عبد الله:

معي الأخ عبد الله القحطاني من الأردن، أخ عبد الله تفضل.

عبد الله القحطاني:

السلام عليكم ورحمة الله، الله يمسيكم بالخير يا فضيلة الشيخ، أنت والأخ ماهر، وجزاكم الله خيرا، أخي الكريم أنا أريد أن أسأل بعض الأسئلة القصيرة فقط وما أطيل إن شاء الله. 

السؤال الأول: إنو فضيلة الشيخ ذكر في البداية أن الغرب لا يعامل جملة، قضية التفريد، وهذه مسألة قانونية وشرعية يعرفها فضيلة الشيخ وتعرفونها، ولا يجوز الإنسان أن يأتي إلى القوم ويدعوهم، يعني زمن الدعوة الجماعية كان زعيم القبيلة إذا أسلم أسلمت معه قبيلته، الآن في الغرب الدعوة فردية، وكل إنسان يحاسب على عمله، لو أسلمت الآن إحدى ملكات الغرب لا يسلم معها قومها، فإذا عملية التفريد التي تفضل بها فضيلة الشيخ في بداية حديثه جيدة تمامًا، وأرجو التأكيد عليها، إلا أنه عاد فبدأ الحديث عن الغرب جملة، كما أن الغرب فيه الغث والسمين والجيد والفاسد، والعاقل الذي يفهم الأفكار ويتعامل معها مثل (روجيه غارودي) وغيره، كذلك فيه الحاقدون والجهلة، والشرق فيه كذلك، فقضية التفريد هذه أرجو التأكيد عليها ليعرف المسلم كيف ينطلق، المسلم الداعية الفرد يتعامل مع فرد يدعوه؟

الثاني يا سيدي: أنا أريد من فضيلة الشيخ وهذه البرامج الكريمة أنو يطمئنوا  بالدرجة الأولى يطمئنوا حكام المسلمين أولا  ليتعاملوا مع شعوبهم تعاملا جيدا بحيث لا يسحقوهم، لأن من هانت عليه نفسه في بلاده، ومن هان على حكامه، لا يمكن أن يكرم عند الغربيين، ولو رأى الغربيون مجتمعات قوية متماسكة حقيقة لاحترمونا، لا يرضوا عنا، لكن يحترموننا، ويتعاملوا معنا على أننا بشر، فعندما أحترمك أستطيع أن أتقبل أفكارك، ولكن عندما تهون علي عدم المؤاخذة لا آخذ منك ولا أستطيع أن أقدم لك شيئا، هذا ما أردت أن أقوله وجزاكم الله خيرا.

ماهر عبد الله:

معنا الأخ عزيز سعيدي من هولندا، أخ عزيز تفضل.

عزيز سعيدي:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية إلى شيخنا الكريم الدكتور يوسف القرضاوي، ونشكر برنامج "الشريعة والحياة" لإثارته أو لمناقشته مثل هذه القضايا، قضايا الإسلام والغرب والمسلمون في الغرب وما إلى ذلك، إلا أني أبدأ بتعقيب بسيط عن ما سمعناه في الإعلان أو لدعاية للقيام بهذا البرنامج، وهي أنه كان يقال من خلال الدعاية، أن الإسلام دخل إلى أوروبا عبر أبوابه أو من الأبواب الخلفية، تسرب الإسلام إلى أوروبا من أبوابه الخلفية، الإسلام لم يتسرب في الحقيقة من الأبواب الخلفية، ولم يتسرب لكن دخل من أبوابه الشرعية، من الأبواب الطبيعية، دخل لأول مرة مطلوبا للدخول  إلى الأندلس، ودخل المرة الثانية، المرة الأخيرة لما دمرت أوروبا، دخل لكي يعيد بناء هذه، ما هدمه الغرب هذا جانب.

والجانب الثاني هو أن  نلاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك تصاعد لرأي، أو هناك عملية تأسيس لفكر جديد ولرؤية جديدة للإسلام في الغرب، هناك من يريد أن يتعلم من الإسلام، وسأعطي مثال بسيط جدًّا حدث في الأيام الأخيرة عندنا في هولندا، أن الآن إلى غاية 24 أبريل، فيه معرض إسلامي للفن الإسلامي في كنيسة بمدينة أمستردام قرب القصر الملكي بأمستردام، افتتحت الملكة هذا القصر هذا المعرض، وقالت مما قالته: إن علينا أن نتعلم من الإسلام، هذا الدين العظيم  يجب أن يكون لنا مدرسة نتعلم منها.

هو حتى الآن هناك تهيئة في المجتمعات الغربية لتقبل الإسلام بشكل أوسع، أعطي مثالا أخير هو أن عمدة أمستردام في خطابه مرة قال: علينا أن نتهيأ لقبول أن يكون عمدة أمستردام مثلاً امرأة محجبة، هناك تأسيس لرؤية جديدة حول الإسلام وجعله كمدرسة وشكرا.

ماهر عبد الله:

معي المكالمة التي أرجوا أن تكون الأخيرة من الأخت فاطمة محمود ومعذرة على التأخير يا أخت فاطمة تفضلي من كندا.

فاطمة محمود:

السلام عليكم، سؤال عندي سؤالين لسيادة الشيخ، السؤال الأولاني: المسلمين يستشهدوا بالآية {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} لتكفير المسيحيين، فأرجو الرد على هذا، وسؤالي الثاني: اللي هو إن إحنا كمسلمين في المهجر بينظر إلينا كإرهابين بسبب العمليات الإرهابية اللي يقوم بها بعض المسلمين، فده بحطنا [ يضعنا ] في موقف الضعف والدفاع عن الإسلام، لأن تصرفات بعض الأقلية بتخلي بتشوه صورة الإسلام في العالم الغربي وشكرا.

ماهر عبد الله:

الأخ كان ارتاح لأنك رفضت التعميم، ثم يقول إنك عدت للتعميم عن الغرب فهو هل.. كأنوا اختلط عنده الأمر هل الأصل هو التفريد والمعاملة..

د. يوسف القرضاوي:

 لا لا، أقول الغرب ليس شيئًا واحدًا، وكما ذكرت، السؤال اللي ذكره الآن الأخ في هولندا، يقول لك وكمان أن تكون عمدة أمستردام امرأة محجبة، بينما فرنسا تمنع الطالبات من الحجاب، وهذا حق يتعلق بالحرية الدينية والحرية الشخصية في بلد ترى نفسها أم الحريات وأم العلمانية، والعلمانية معناها: إنك  تتدخل في شؤون الدين ولكن لا تعادِ الدين، فلا نستطيع أن نقول إن الغرب  كله شيء واحد، وما ذكره الأخ من حيث الدعوة الفردية، هذا أمر مهم، وهذه مهمة المسلمين الذين يعيشون في هذه البلاد.

وأنا منذ ذهبت إلى البلاد أقول: كل مسلم عليه واجبات خمسة، ومن الواجبات الخمسة، واجبه نحو نفسه وواجبه نحو أسرته، واجبه نحو إخوانه المسلمين، وواجبه نحو غير المسلمين ممن يعيش معه ليقدم لهم الإسلام في صورة جميلة فيحب الناس الإسلام، وبعدين واجبه نحو أمته الإسلامية، كما نرى إن اليهود في أنحاء العالم يروا واجبهم  نحو إسرائيل، فهذا ما أقوله.

ماهر عبد الله:

بس ياريت تفسرلنا الآية اللي طلبتها الأخت لأنو هذه {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثلاث ثلاثة}.

د. يوسف القرضاوي:

هو أنا قلت إنو نحن نؤمن أن المسيحيين كفار لأنو يقولون بالتثليث، ونحن نرى أن التثليث كفر، وهم يرون أن إحنا كفار بمسيحيتهم، هذا لا حرج فيه، لا ينبغي إننا تقوم العلاقة على النفاق، أقول: لا، المسيحيين مسلمون، لا، مش مسلمين، لأن إحنا نرى أن هذا كفر، والقرآن صريح في هذا، ولا يزعل  المسيحي مني حينما أنا أرى أنه كافر ولا أزعل منه حينما يرى أنني كافر، مع اعتقاد الكفر بيننا، ومع هذا نتعاون فيما نتفق عليه، ونتجادل بالتي هي أحسن، ونقف على أرضية في محاربة الملاحدة والإباحيين، هذا لا حرج فيه إطلاقا.

ماهر عبد الله:

طيب الأخ السائل الأول عبد الله  القحطاني أرجع جزء من  احتقار واستعلاء الغرب علينا، أنو حكام المسلمين لا يحترمون شعوبهم، فكيف نتوقع من الغرب أن يحترمنا؟ في أقل من دقيقة.

د. يوسف القرضاوي:

ولذلك أنا أقول للأخ عبد الله اللي كان تكلم من إيطاليا في أول لقاؤه وقال إن هؤلاء كذا وهؤلاء كذا، أنا أقول: الغربيين أحيانًا يَسَعُونَ المسلمين بما لا يَسَعُهم أهل بلادهم، كثير من المسلمين فرُّوا من بلادهم، الذين يضطهدون فيها ولا يأمنون فيها من خوف، وجدوا الأمن ووجدوا الحرية في بلاد غير المسلمين، للأسف كثير من بلاد المسلمين لا ترعى حقوق الإنسان، لا ترعى الحقوق الدينية ولا الحقوق المدنية، ويضطهد المسلمون ودعاة الإسلام فيها، وهذا مما يؤسف له، وده يجعل المهمة علينا ثقيلة نحن دعاة الإسلام لأن علينا أن نصلح المسلمين في الداخل، وندعو غير المسلمين في الخارج.

ماهر عبد الله:

طيب فضيلة الشيخ شكر الله لك، أعزائي المشاهدين باسمكم أتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ القرضاوي على هذه المساهمة الطيبة في حلقة اليوم، ونعتذر مرة أخرى للذين اضطروا ان ينتظروا  فترات على الهاتف، ونعتذر للإخوة الذين لم  نجب على فاكساتهم، حاولنا أن ندخل بعض الأسئلة دون أن ننسبها إليهم حيثما وكلما استطعنا، إلى أن نلتقي في الأسبوع القادم، لكم مني تحية والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.