عوامل نهضة الأمة الإسلامية
مقدم الحلقة | ماهر عبد الله |
ضيف الحلقة | الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، داعية إسلامي كبير |
تاريخ الحلقة | 27/05/2001 |
![]() | |
![]() |
ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، سلام من الله عليكم وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).
تمتلك الأمة الإسلامية العديد من إمكانات القوة ومن شروط هذه القوة، ولكنها للأسف لا تزال تعيش حياة الضعف منذ ما يزيد على القرن من الزمان. الإسلام جاء لينقذ البشرية من الظلمات إلى النور، واختار الله هذه الأمة، لتكون رائدة لهذه البشرية في طريق خلاصها. لكن لماذا فشلت الأمة وأخفقت في تحقيق هذا الهدف المنوط بها؟ ولماذا فشلت في القيام بالمهمة التي اختارها الله –سبحانه وتعالى- من أجلها؟
لمناقشة أسباب تكون الأمة الإسلامية، أسباب وهنها وأسباب تشتتها وأسباب تفرقها، اسمحوا لي أن أرحب باسمكم بفضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أهلاً وسهلاً بك مجدداً.
د. يوسف القرضاوي: أهلاً بكم يا أخ ماهر، وبارك الله فيكم.
الإسلام وإقامة دولة واحدة متكاملة
ماهر عبد الله: سيدي البعض يشكك بداية بأن الإسلام –أصلاً- لم يسعَ لتكوين أمة، ولم يحو دولة تحمى هذه الأمة، لم يقم دولة، وهذا يعني صراع شاغل الأمة على مدار القرن. هل فعلاً نجح الإسلام في تكوين أمة صاغت نفسها في دولة دافعت عن أفكارها.. عن قضاياها؟
د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا ومعلمنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد.. فلا شك أن من أهداف الإسلام تكوين أمة صالحة تقودها دولة صالحة، كما يسعى الإسلام إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة الفاضلة والمجتمع المسلم الفاضل الصالح، يسعى لتكوين الأمة الصالحة، وهذا واضح في القرآن الكريم يقول: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) ويقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). ويقول: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون). (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) على أن "مِنْ" تجريدية، يعني: "ليكن منكم".. يعني كما أقول: ليكن لي منك الصديق، أي: كن أنت الصديق، كونوا أنتم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف وتنهون عن..، فسعي الإسلام لأمة وسط وأمة للناس، لأنه الأمة الإسلامية أمة ذات رسالة عالمية يعني ليست أمة لنفسها، الله تعالى يقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) يعني:أمة أخرجت، معنى أخرجت أي أنها ليست نباتاً برياً أو نباتاً شيطانياً كما نقول يعني في اللغة الدارجة دا نبات شيطاني يعني طالع لوحده، لا.. دا أمة أخرجها.. ربها كما قال: (وكذلك جعلناكم أمة). يعني: أمة مجعولة، أمة جعلها جاعل وصنعها صانع وأخرجها مخرج وهو الله تبارك وتعالى. لم يخرجها لنفسها، وإنما أخرجها للناس، أخرجت للناس، لهداية الناس، لنفع الناس، لإسعاد الناس، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. فهي أمة تعمل للناس كل الناس، أمة عالمية، (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس). فهذا هو شأن الأمة الإسلامية أنها أمة عالمية، وأنها أمة وسط، وأنها أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الخير كما تؤمن بالله -عز وجل- فهذه الأمة لا شك إنها من أهداف الإسلام الكبرى الأساسية.. أن يكون له أمة، وأمة ذات رسالة، وأمة تؤمن برب واحد، وتؤمن برسول واحد، وتؤمن بكتاب واحد، تؤمن بعقائد واحدة، تحتكم إلى شريعة واحدة، لها مصدر معصوم: القرآن الكريم وما بينه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله: صلى الله عليه وسلم.
د. يوسف القرضاوي: ذات قبله واحدة، تصلي إلى الكعبة حيثما كانت في مشارق الأرض ومغاربها، لها آداب واحدة، حتى آدابها.. يعني المسلم حيثما التقى بالمسلم يقول: السلام عليكم، وعليكم السلام ورحمة الله، يأكل باليمين، يبدأ باسم الله، يختم بحمد الله. يعني أمة ذات أهداف مشتركة، ومناهج مشتركة، وقيم مشتركة، وآداب مشتركة. فوجود الأمة الإسلامية هي أمة موجودة وهي حقيقة، هي حقيقة دينية كما ذكرت في الآيات القرآنية، وهي حقيقة تاريخية، يعني. هذا.. إحنا ما بنتكلمش عن كلام نظري، لا.. دا وجدت أمة بالفعل قادها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقادها من بعده الخلفاء الراشدون، وبعد ذلك الخلافة الأموية، وبعد ذلك الخلافة العباسية، والخلافة العثمانية، ظلت هذا الأمة أمة واحدة إلى سنة 1924م حتى لها قيادة يعني مش بس أمة يعني بنظرياتها وأخلاقياتها دون قيادة، لأ قيادة سياسية حتى موجودة..
[فاصل إعلاني]
ماهر عبد الله: سيدي، كنت تتحدث عن الحقيقة التاريخية، وتقول أنه كان لها حتى رمز سياسي.
د. يوسف القرضاوي: نعم.. هناك أحكام ثلاثة أساسية الحقيقة أكد بها الإسلام وحدة هذه الأمة، الوحدة الأصلية الأساسية، هناك وحدة المرجعية، فهذه الأمة حيثما شرقت أو غربت لها مرجعية ترجع إليها لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان كما يقولون: القرآن والسنة، فهذه وحدة المرجعية.
ماهر عبد الله: المرجعية.
د. يوسف القرضاوي: هناك وحدة الدار، الفقهاء يقولون عن أوطان المسلمين "دار الإسلام"، لا يقولون دور الإسلام أو ديار الإسلام لأ.. يسموها دار.. هي دار واحدة، وإن اختلفت الأوطان أو تفرقت الأقاليم أو اختلفت الألسن واللغات أو العروق والأجناس وكل هذا..، إنما هو أمة واحدة في دار واحدة "دار الإسلام". ثم إن هذه الأمة هناك الوحدة الثالثة وهي وحدة القيادة، أن هذه الأمة يقودها إمام أو خليفة، الإمام الأعظم.. الخليفة.. حتى إن المسلمين بعد أن توفي النبي، صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله: صلى الله عليه وسلم.
د. يوسف القرضاوي: أخروا تجهيز النبي –عليه الصلاة والسلام- ودفنه ليهتموا بأمر من يكون خليفتهم، لا يريدون أن يعيشوا يوماً واحداً بلا خليفة، والنبي –عليه الصلاة والسلام- يقول في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن ابن عمر: (من لقي الله وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتةً جاهلية)، فهذه الوحدة.. وحدة القيادة إن المسلمين المفروض يكون لهم قيادة، وهكذا ظلوا إلى سنة 1924م حينما هدمت هذه القلعة التاريخية وهتكت هذه المظلة الإسلامية، الخلافة العثمانية التي كانت تمثل آخر تجمع للمسلمين تحت راية العقيدة، تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، صحيح نحن لنا يعني ملاحظات ومؤاخذات على الخلافة العثمانية، ولكن مهما كانت كانت تمثل القيادة والتجمع تحت ظل الإسلام وتحت راية القرآن. ولذلك ما استطاع الصهاينة أن يكون لهم موطئ قدم في أرض فلسطين إلا بعد أن ألغيت الخلافة، هم حالوا أيام السلطان عبد الحميد أن يشتروا بملاينهم ملايين الليرات الذهبية، والذهب في ذلك الوقت له قيمة كبيرة، حاولوا أن يغروه بشيء للسلطنة وشيء لجيبه الخاص ولخزانتة الخاصة، ورفض الرجل يعني تماماً، ولذلك تآمروا على إسقاطه، وكان أحد الذين يعني سلموه صك الخلع هو أحد الذين كانوا يفاوضونه في إعطاء أرض في فلسطين، وكان سقوط الخلافة صدمة ونكبة على العالم الإسلامي كله، يعني وعبر عن ذلك شوقي في قصيدته الشهيرة الحائية التي يعني أوصي شباب المسلمين بأن يحفظوها يقول.
عادت أغاني العرس رجع نواح
ونعيتِ بين معالم الأفراح
بينعي الخلافة، يقول هذا لأنه العرس انقلب إلى مأتم، لماذا؟ كان المسلمون في أنحاء الأرض يظنون مصطفى كمال إنه أحد رجالات الإسلام، وكانوا يسمونه "الغازي مصطفى كمال" الغازي ويغزو في سبيل الله.. والمجاهد في سبيل الله، ويظنونه يعمل للإسلام وهو من وراء الستار يعمل ضد الإسلام، حتى إن شوقي في إحدى قصائده الشهيرة يقول له: الله أكبر – حينما انتصر في مرة من.. المعارك على الحلفاء قال:
الله أكبر، كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب فكانوا يسمونه "خالد بن الوليد الجديد"، خالد الأتراك وهو إذا به يعمل ضد..، فكان حينما حدث ما حدث الناس ذهلوا، لم يصدقوا ما حدث فقال شوقي الذي كان يمدح هذا رجع.. يقول:
عادت أغاني العرس رجع نواح
ونعيتِ –للخلافة- بين معالم الأفراح
كفنتِ في يوم الزفاف بثوبه
ودفنتِ عند تبلج الإصباح
ضجت عليك منابر ومآذن
وبكت عليك ممالك ونواحي
الهند والهة ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحاح
والشام تسأل والعراق وفارس
أمحى من الأرض الخلافة ماحي؟!
قصيدة هائلة ورائعة. فكانت نبكة.. والمسلمون في الهند والمسلمون في مصر والمسلمون.. عقدوا مؤتمرات ليبحثوا عن البلد التي تنتقل إليه الخلافة، ما ظنوا أن يعيشوا بدون خليفة، ولكن المؤامرة كانت أكبر منهم ولم يستطيعوا أن –يعني- يجمعوا رايتهم إلى.. إلى الآن تحت ظل راية واحدة ولواء واحد، وفسحوا المجال بهذا لتقوم الصهيونية وتقوم الدولة الصهيونية في قلب بلادنا العربية والإسلامية.
أنا أعتقد لو كان هناك خليفة لقال: يا مسلمون.. لو إحنا الآن فيه خليفة مسلم ويقول للمسلمين: هبوا لنجدة الأقصى، هبوا.. المسلمين من المحيط إلى المحيط، من (كوالالمبور) و (وجاكرتا) إلى الدار البيضاء والرباط وموريتانيا الذي ذهب وزيرها ليصافح شارون ويقابل..، الأمة الإسلامية كلها كانت تهب، ولكن اليهود عرفوا إنه لابد أن يهتكوا هذه المظلة ويهدموا هذه القلعة قبل أن يقيموا مشروعهم الذي خططوا له منذ مائة عام واستطاعوا أن ينفذوه.
ماهر عبد الله: لكن يعني أنا كنت متشائماً بعض الشيء في بداية هذا الحوار، وأنت نجحت في زيادة تشاؤمي، لأنه إذا عوامل الوحدة هي: المرجعية الواحدة والدار الواحدة والقيادة الواحدة، الآن حتى المرجعية ككتاب وسنة في وضع الأمة الحالي لو استثنينا الإسلاميين هناك تشكيك حتى بهذه المرجعية.
وحدة الدار.. أنت أدري مني بشدة تشتتها. القيادة وأعتقد الآن نحن بسهولة نتحدثة عن قرن كامل تقريباً أو أقل ثلاثة أرباع القرن من فقدان هذه القيادة. إذن الوضع أسوأ مما كنا نتصور هل.. هل من سبيل؟ يعني كيف وصلنا إلى هذه الدرجة؟ التشكيك بالمرجعية كثقافة عامة عند العرب والمسلمين، وحدة الدار أعتقد الآن بعد حرب الخليج الثانية صارت أقرب..
د. يوسف القرضاوي في بلاد العرب يعني.
ماهر عبد الله: حتى.. حتى بلاد العرب وحتى بعض الدول من الداخل الآن حديث عن فتن داخلية في العراق جنوب وشمال، أكراد، عرب، القيادة طبعاً أمرها أكثر إيلاماً وأشد إحزانا. يعني كيف.. كيف المخرج؟.. كيف وصلنا إلى هذا الحال؟
عوامل فرقة وضعف الأمة
د. يوسف القرضاوي: هو لا شك يعني أن هناك مفرقات فرقت الأمة، يعني الأمة الواحدة كما أرادها الله، (أمتكم أمة واحدة) ذات المرجعية الواحدة، والدار الواحدة، والقيادة الواحدة، والشريعة الواحدة، والقبلة الواحدة، والكتاب الواحد، والرسول الواحد، هذه الأمة -يعني للأسف- جاءت أشياء فرقتها، فهناك العصبيات، فيه عصبيات يعني عنصرية عرقية، وعصبيات إقليمية، إنه بعد أن كانت أمة، لا أصبح بقى هناك قومية عربية، وقومية كردية، وقومية بربرية، وقومية أندونيسية، وقومية هندية وقومية تركية طورانية، وقوميات مختلفة يعني لم تعد هذه كما قال: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) لا.. "لتناكروا"، وكل قومية مقابل قومية أخرى. والإسلام ضد العصبية، يعني ويقر إنه فيه شعوب وقبائل، وإنمال ليس لتتناكر وتتعادى يعني..، فهذه العصبيات من ناحية، المذاهب المستوردة والأفكار المستوردة بعد أن كانت المرجعية هي الإسلام لأ.. أصبحنا بنستورد من الشرق ونستورد من الغرب.
ماهر عبد الله: بس تسمح لي في موضوع العصبيات قبل أن.. أن نتتقل إلى المذاهب المستوردة، هذه العصبيات كانت موجودة في أيام الإسلام الأولى وتم التغلب عليها، كيف نجح المسلمون الأوائل –وقد كانوا أقل حضارة منا، أقل ثقافة، في طبعهم العام كان بدوي أمي لا يقرأ ولا يكتب كيف استطاعوا في تلك الفترة التغلب على هذه العصبيات وفشلنا؟
د. يوسف القرضاوي: تستطيع أن تتغلب على هذه العصبيات بتقوية يعني مبادئ الإسلام وقيم الإسلام وعقائد الإسلام، هي التي تجمع الأمة. حينما تضعف الأمة تظهر عصبيات، ظهرت الشعوبية في فترة من الفترات، الأقوام الذين يعادون العرب، ظهر بين العرب القيسيين واليمانيين وكذا.. ، فتن كانت تظهر بين الحين والـ.. إيه؟ والحين، ولكن الإسلام كان قوي، وكانت وحدة القيادة ووحدة المرجعية إن الجميع يقولون: الشرعية والقرآن والسنة كانت تتغلب على هذه النتوءات التي تظهر بين الحين والحين. أول يعني مظاهر الوهن في الدولة الإسلامية الكبرى النزعات الانفصالية، وحدث نزعات انفصالية هنا وهناك، ولكن لم تستطع أن تفتت الدولة الواحدة. الآن لأن إحنا يعني ضعفنا.. والضعف جاء أولاً في القيادة، يعني كان الأستاذ محب الدين الخطيب يقول في مجلة "الفتح" ومن قديم ومجلة "الزهراء" له شعاران يعني يجعلهما دائماً في مطلع المجلة يقول: "المسلمون إلى خير ولكن الضعف في القيادة. إحنا الضعف في القيادة"، الآن فيه صحوة إسلامية، الصحوة الإسلامية تنادي في كل مكان بالرجوع إلى المرجعية الإسلامية، يعني هات لي بلد يحتكم إلى الجمهور الشعبي يعني احتكام حر نزيه، يستفتى الناس. هل تقبلون المرجعية الإسلامية، أو المرجعية الوضعية، أو الأجنبية الماركسية أو الليبرالية؟
ستجد أن الأغلبية ستصب في خانة المرجعية الإسلامية، وهذا ما حدث، لما حدث في إيران، لما جه الإمام الخوميني وعملوا استفتاء على الناس، تقبلوا الإسلام؟ فـ 99% اللي قالوا الإسلام، إلا أقلية بسيطة أو كذا. فأتح الفرصة لهذه الناس، فإذا كان هناك بعض الناس من فروخ الغرب وتلاميذ التغريب ينادون بمرجعية غير إسلامية، إنما هؤلاء لا يمثلون الأمة. يعني كل أمة فيها شواذ، إنما أنا بأتكلم عن سواد الأمة، حتى كثير من الذين يعني كانوا في وقت من الأوقات يعني رجعوا إلى الغرب أو آمنوا بالتغريب رجعوا إلى.. إلى الإسلام، الصحوة الإسلامية أعادت هؤلاء، ولكن المشكلة هي مشكلة القيادات. فأنا أقول يعني هناك مفرقات.
ماهر عبد الله: العصبيات تحدثنا عنها.
د. يوسف القرضاوي: العصبيات، الأفكار والمذاهب المستوردة، استوردنا من الشرق، واستوردنا من الغرب، واستوردنا من اليمين واستوردنا من اليسار.
استوردنا المبادئ الليبرالية الرأسمالية الديمقراطية اليمينية فترة من الزمن، وبعدين استوردنا المبادئ اليسارية الاشتراكية الثورة الماركسية أو ذات يعني اللي الاهتمام الماركسي فترة من الزمن..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب أين الخلل؟ هل كل هذا الاستيراد خطأ بالضرورة؟ يعني أليس فيها..
د. يوسف القرضاوي: هو.. استيراد مذهب كامل خطأ، إنما استيراد أفكار معينة، يعني أنا ليس عندي مانع من إننا استفيد من نظرية (ماركس) يعني في بعض التحليلات الاقتصادية أو كذا، نستفيد من نظرية (دور كايم) الاجتماعية نستفيد من نظرية (رويد) في التحليل النفسي يعني..
[موجز الأخبار]
ماهر عبد الله: سيدي، كنت تتحدث عن أنه يمكن لنا أن نستعير أو نستفيد من جزئيات من منظومات فكرية أخرى، ولكنك ضد فكرة أن نستورد منظومة متكاملة.
د. يوسف القرضاوي: نعم.. نعم.
ماهر عبد الله: ما هو الفرق يعني بين الجزئيات؟
د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، ممكن أن نكون مسلمين مرجعيتنا الإسلامية ولكن نقتبس بعض الجزئيات، هذه الجزئيات ندخلها ضمن منظومتنا فتفقد جنسيتها الأولى، تصبح جزءاً من منظومتنا، والمسلمون فعلوا هذا، سيدنا عمر استفاد من نظام الدوانيين عند الرومان وعمل نظام الديوان دونوا كذا..، واستفاد من نظام الخراج عند الفرس، واستفادوا المسلمين من نظام البريد عند بعض الدول، فالاقتباس هذا من الناحية العملية ومن الناحية –حتى- النظرية، أنا بأقول. لا مانع أن نستفيد من نظرية يعني (فرويد) وإحنا.. لكن أنا ما أتبناش النظرية كاملة.. من (ماركس)، ولكن لا أتبنى النظرية كاملة، أقتبس منها ما لا يخالف عقيدتي ولا يخالف شرعيتي ولا يخالف قيمي وبيدخل ضمن منظومتي، فخلاص يصبح جزءاً من المنظومة. إنما المشكل هو إن إحنا كل جماعة بيستوردوا يعني أفكار كاملة، منظومة متكاملة للحياة كلها: اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، فهذا هو الخطر لأن معناها إنك بتفقد ذاتيتك وتسير وراء غيرك، تتبع سنن الآخرين شبراً بشبر وذارعاً، كما جاء في الحديث، هذا هو الخطر إن الإنسان يعني يقلد حتى التقليد عندنا ممنوع في أصول الدين وفي فروع الدين..، لأنه يعني كما قال ابن.. الإمام (ابن الجوزي): إنه.. يعني قبيح إنما خلق العقل للتدبر والتفكر، فمن قلد غيره فإنه يفقد عقله، قبيح من أعطى شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة فإذا كان هذا تقليد حتى بالنسبة للمسلمين لأئمة المسلمين، ما بالك تقليد الآخرين في خارج الدار وخارج الدين وخارج المبادئ يعني؟
ماهر عبد الله: طب، هذه المستوردة، ذكرت العصبيات والمذاهب المستوردة كأحد أو بعض أجزاء الوهن.
د. يوسف القرضاوي: هناك أيضاً من المفرقات أيضاً الأهواء والأنانيات، إنه ما الذي يمنع الناس أن يتحدوا؟ إنه هناك مصالح متضاربة، وكل واحد يريد مصلحته الشخصية و كرسيه وكذا، فهذه تمنع الناس أن يتفقوا، فهذه هي الخطر، لابد أن يتنازل يعني الناس عن بعض أنانياتهم ليكونوا أجزاء في كلٍ أكبر. يعني كونك تبقى وحدك طبعاً الاستقلال له..، إنما كونك تكون جزءاً في كل هذا أمرٌ في غاية الأهمية. فللأسف إنه نحن لم نفعل ذلك. والشيء الآخر –وهو المهم وأنا أخرته يعني عامداً- وهو الدسائس الأجنبية، هناك يعني أنا مش عايز أدخل في نظرية المؤامرة ولكن قوى.. القوى المعادية للأمة لا تحب للأمة أن تتفق أبداً. في عصر الاستعمار كان هناك عبارة مشهورة يعني يتناقلها الناس يقولون عنها إيه: "فرق تسد". لا تستطيع أن تسود إلا إذا فرقت الأمة، أحياناً تفرقها باختلاف الديانات تقول مسلمين وأقباط مثلاً، وأحياناً باختلاف العروق عرب وبربر، أو عرب وإيه؟ وأكراداً، وأحياناً باختلاف المذاهب سُنة وإيه؟ وشيعة، وأحياناً باختلاف الأوطان هذا مصري وهذا سوري، وأحياناً.. يعني لابد أن توجد سبباً يفرق الـ.. إيه؟ الناس. فكان الاستعمار ولازالت القوى المعادية تفعل هذا، وأنا.. أنا من أخطر التي نتجت عن حرب الخليج ليس الخسائر المادية وليس أنهم جربوا أسلحتهم الجديدة فينا وتخلصوا من أسلحتهم القديمة في أرضنا، ولكن شر ما نتج عن هذه الحرب هو أنها مزقت بلاد العرب، وحتى الآن مش قادرين نجمعهم بعضهم مع بعض. فهذا ما تسعى إليه الـ.. الإيه؟ القوى المختلفة. لماذا تسعى الإمبريالية الأميركية لإيجاد نتوءات في البلاد؟ يعني ما حدث من موريتانيا، يعني الخروج على الإجماع إنه أناس تروح.. شارون قاعد يُقَتَّل ويُذَبَّح النساء والأطفال والشيوخ ويدمر البيوت على أهلها ويتهدد الناس بمائة يوم إنه يقضي عليهم ويفعل الأفاعيل ويضرب بالـ.. بالـ (F.16) كأننا في حرب عالمية، وبعدين أروح أنا أصافحه؟! يعني هذا فهو يعني يراد تفريق الأمة، ويعني يمكن بلد زي موريتانيا مالهاش يعني الاعتبار، إنما هذا.. هذه الأشياء معناها إن الأمة غير مُجمعة، فاجتماع الأمة هذا أمر..
ماهر عبد الله: بس يعني تسمح لي.
د. يوسف القرضاوي ]مستأنفاً:[ ويد الله مع.. مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.
ماهر عبد الله: أنا عايز أسألك سؤالين على.. على موضوع موريتانيا، هو أولاً إنصافاً بلا شك –من وجهة نظري الشخصية- ما فعله وزير خارجية موريتانيا غير مقبول، لكن أن نحصر الأمر في موريتانيا وحدها قد يكون فيه شيء من الإجحاف، مازال العلم الإسرائيلي يرفرف في بعض العواصم العربية، في مؤتمر القمة أمس حتى في قطر تم تحايل على الموضوع، يعني لم يغلق المكتب تماماً وإنما جُمدت.. يعني أعتقد حصر الموضوع في موريتانيا..
د. يوسف القرضاوي: لأ، أنا لا أحصره في موريتانيا، أنا.. أنا أنكر كل اتفاق مع اليهود ما داموا يحتلون يعني فلسطين، وماداموا يهددون المسجد الأقصى وما داموا.. ماداموا يهددون الأمة كلها، وأنا.. هذا أمر واضح عندي، يعني في.. يعني بينت هذا في كتبي وفي خطبي وفي محاضراتي وفي برامجي التليفزيونية وأنكر كل.. يجب قطع كل علاقة مع هذا الكيان العدواني المعتدي، سواءٌ كانت علاقة سياسية، أم علاقة تجارية، أم علاقة ثقافية، أم علاقة اقتصادية، أي علاقة ينبغي أن..، وخصوصاً الآن.. الآن وهم الآن يفعلون هذه الأفاعيل في أبنائنا وفي بناتنا وإخواننا وأخواتنا ويهددون مسجدنا الأقصى ولا ندري ماذا سيصيبه غداً، لابد إن الأمة كلها الأمة كلها، من المحيط إلى.. إلى المحيط، هذا حق الإسلام على هذه الأمة. يعني وكنا ننتظر من المؤتمر الوزاري الإسلامي، وهو الآن المفروض المؤتمر الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي هي التي تمثل البقية الباقية لوحدة الأمة يعني، فكنا نريد أن يكون هذا شيء على مستوى هذه الأمة الكبرى أمة المليار وثلث المليار من البشر.
ماهر عبد الله: السؤال الثاني يعني ليس في صميم موضوعنا، لكن ذكرت أنت في عوامل الوهن موضوع العصبيات، بعض ما كتب كردة فعل على موضوع موريتانيا يعني خرج عن الطور لدرجة أنه يعني كما يُقال بالعامية "مسح الأرض بكل الشعب الموريتاني"، اتهموا بأنهم عبيد، وأنهم حفاة عراة، وأنهم لا..، ووقع في الإشكال صحفيين كبار دون أن نذكر أسماء وصحفيين صغار، يعني هذه الردة العنصرية العصبية هل كان توظيفها أيضاً صحيحاً؟ يعني هل.. هل هذا مبرر للهجوم على كل ما هو موريتاني بسبب هذه الزيارة؟
د. يوسف القرضاوي: لا، هذا خطأ من غير شك، هذا غلط، لأنه موريتانيا دي نحن نعرفها من قديم باسم (شنقيط)، يعني "الشناقطة" وهؤلاء يعني شعب كله شعراء، كل الناس فيها تقول شعر، حتى نظموا العلوم شعراً وتجد الموريتاني يحفظ آلاف الأبيات من الشعر في النحو والصرف وفي الحديث وفي الفقه منظومات يعني غريبة وألفوا كتباً، فيعني الشعب الموريتاني –سواءٌ بعنصره العربي أو عنصره الإفريقي- هو شعب مسلم، وهو من خيرة الشعوب يعني، وهو شعب على الفطرة السليمة. ولكن.. المشكلة ليست في الشعب الموريتاني وليست في الشعوب العربية وليست في الشعوب الإسلامية، مشكلتنا الكبرى في الأنظمة السياسية التي تحكم بلادنا وتحكم شعوبنا، هذه هي المشكلة في موريتانيا وفي غير موريتانيا.
]فاصل إعلاني[
ماهر عبد الله: سيدي، قبل أن نتحدث عن عوامل نهضتها وعوامل قوتها أنت ذكرت في كلامك الأول قبيل الفاصل عن الدسائس الأجنبية، لكن كان هناك نظرية جميلة لـ مالك بن نبي يقول: إنه طالما هناك عداء بين الأمم طالما هي تتآمر على بعضها البعض، ولكن لا يمكن للدسائس أن تجد طريقاً لإضعاف أي أمة إلا إذا وُجد في الأمة المقابلة ما أسماه بـ "القابلية للاستعمار".
من.. حقنا أن نلقي بجزء من اللائمة على العوامل الخارجية، ولكن أليس الجزء الأهم هو ما فينا من.. من ضعف ومن وهن؟
د. يوسف القرضاوي: هذا صحيح، ولذلك هذا.. أنا أخرت هذا العامل إلى آخر العوامل، ولم أجعله أول العوامل كما يفعل بعض الناس دائماً يجعلوا الدسائس الأجنبية والقوى الاستعمارية هي السبب الأول في كل ما نعانيه. لأ.. إحنا يجب أن يكون نرجع على أنفسنا باللائمة أولاً وهذا المنهج القرآني، القرآن يقول: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم). كي نرجع إلى أنفسنا، (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)، فلابد أن نرجع إلى أنفسنا والقرآن يشير إلى هذا المعنى الذي ذكره الأستاذ مالك بن نبي –رحمة الله- وأشار إليه أستاذنا الشيخ الغزالي في أول كتاب له كتاب اسمه "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" قال: "إن الأمم تختل فتُحتل". يعني يحدث الاختلال في الداخل فيأتي الاحتلال من الخارج. وذكر ذلك على ما ذكره القرآن عن بني إسرائيل، القرآن لما قال: (لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُنّ علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار). فربنا سلط عليهم نتيجة الفساد والعلو والعثي في الأرض بالفساد سُلطِّ عليهم الآخرون. فهذا كلام يعني صحيح، لولا أننا عندنا القابلية لهذا وإنه حصل عندنا خلل في.. في أنفسنا ما استطاع الآخرون أن يؤثروا فينا وأن نستجيب لهم.
ماهر عبد الله: طيب، اسمح لي بس بأخذ بعض الهواتف ثم نعود لعوامل نهضة الأمة. الإخوة ينتظرون على الهاتف، الأخ عبد الإله محمود من السعودية، أخ عبد الإله، اتفضل.
عبد الإله المحمود: عبد الإله.. السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.
عبد الإله المحمود: اسمي عبد الإله المحمود.
ماهر عبد الله: حياك الله.
عبد الإله المحمود: أرحب بك أخ عبد الله ماهر وأرحب بفضيلة شيخنا الجليل.
د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.
عبد الإله المحمود: الله يكرمك، أبدأ أقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غَيرِ أولي الضرر..)
د. يوسف القرضاوي ]مقاطعاً:[ (غَيرُ).. (غَيرُ).
عبد الإله المحمود ]مستأنفاً:[ (غيرُ أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً)، صدق الله العظيم، يا أخ.. يا أخ عبد الله، التطورات التاريخية التي مر بها الإسلام والمسلمين –نصرهم الله- أدت إلى مرحلة قلق وحيرة، حيث الصراع الذي يطلقون عليه الآن "الصراع الحضاري"، وهذا الصراع هو صراع بين مفهومين متناقضين، الأول يستمد فاعليته من الثقافة الغربية أو تلك الثقافة العَلمانية العربية بين قوسين (القومية العربية). والثاني هو ذلك المفهوم الذي يستمد ثقافته من منطلقات ثقافية.. إسلامية وقيم حضارية أصيلة، وللأسف لم يكن هنالك ترابط بين ذلك المفهومين ولن يكون كذلك، أعطيك مثلاً الدعوة الآن في الجزائر المتمثلة في توحيد اللهجات البربرية فيما يُعرف سياسياً بـ (الأمازيغية)، كل ذلك لفائدة اللغة الفرنسية للهيمنة على المناخ الثقافي وبالتالي الديني في الجزائر، رغم أن الإخوان البربر أبلوا بلاءً حسناً في الجهاد وكانوا من أبرز قادته. والحقيقة لقد بُلينا بعلماء لا يصعدون بكلمة الحق إلا من رحم الله، ولا يحثون على الجهاد الآن ولا يطلبون من الدول المعنية بفتح الحدود للانضمام لإخواننا في فلسطين العربية المسلمة، لماذا الآن؟ أميركا أرادت ذلك، أميركا أرادت الجهاد لمواجهة الاتحاد السوفيتي لإنهاكه وتفكيكه، أما وقد انتهت هذه المهمة انقلبت وسمت الجهاد إرهاباً والدفاع عن الأرض والنفس عنفاً . أنا أطلب يا أخي طلب بسيط من جميع المسلمين: فقط مقاطعة السلع الأميركية والبريطانية. بالمناسبة في مراسلكم في رام الله.. مراسلكم في رام الله مرة قال: إنه اليهود احتجزوا بعض العرب لحمايتهم من المستوطنين اليهود، فكيف بالله عليك يكون مثل هذا التصريح؟ يعني هذا يجب أن ينتبه له يا أخي مراسلونكم في الجزيرة. بعدين أقول لكم: هل تعتقدون أن أتاتورك موجود في.. مات يعني أو رحل؟ أتاتورك موجود في كل بلد عربي، فهل تريد أكثر من أن يقوم رئيس أكبر دولة عربية أو ملك هاشمي بتهنئة شارون وهم يقصف شعبنا المسلمون العرب في فلسطين؟! ولكن صدقت إن ناديت حياً؟ ولكن لا حياة لمن تنادي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: طيب، أخ عبد الإله مشكور.. مشكور جداً يا أخ عبد الإله على هذه المداخلة. معايا الأخ واصف هلال من الإمارات أخ واصف، اتفضل.
واصف هلال: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
واصف هلال: في كل أزمنة الضعف والسقوط في حياة المسلمين يقيض الله –عز وجل سبحانه- من يستنهض الهِمم، ويشعل العواطف، ويلهب الحماس، ويدعو إلى العودة إلى دين الله، ويستنجد بالمسلمين للنهوض بواجبهم نحو حماية هذا الدين والدفاع عن الأوطان والوقوف في وجه المغتصب الغازي، فتعود الكوامن الطيبة الدفينة في النفوس إلى الحياة من جديد، تستعيد ماضيها المضيء وصفحاتها البيضاء بثقة وعزيمة صادقة، عندما توجد القيادة الصادقة مع خالقها، والمخلصة لدينها، والواثقة بوعد الله عز وجل، والتي تنأى بنفسها عن حطام الدنيا وسفاسفها، الساعية إلى غايات.. إلى الغايات العالية النبيلة. وما قيمة الحياة في أيامنا هذه التي نشاهد فيها على شاشات التلفاز الأشلاء تتمزق، والدماء تنزف والمساجد تهدم، والإسلام تقع عليه كل نقيصة، والمسلمون يمتهنون ويستضعفون في كل مكان، حتى وصل بهم الحد إلى طلب حماية إخوانهم في فلسطين من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة.
سؤالي لفضيلة الشيخ.. سؤالين اثنين: من عوامل نهوض هذه الأمة أن الإسلام يتصف بالوسطية في كل شيء، ومن وسطيته عدم الغلو في الدين، عدم الغلو في الدين في جانب العبادة أو جانب المادة، وهذه السمة تمنح الأمة الإسلامية التوازن في حياتها. فيا حبذا يا فضيلة شيخنا توضيح ذلك ما أمكن.
السؤال الثاني: يقولون أنه لا ينبغي تجاوز سُنن الله –عز وجل- في التمكين والهزيمة، فتمكين الله –عز وجل- لأوليائه لا يمكن أن يتحقق للقاعدين عن تأييد دين الله الذين لا هَمَّ له سوى الأماني والدعاوي التي لا وجود لها في الواقع، لا، العِلِل الفتاكة التي تفشت اليوم بين المسلمين وعدم الأخذ بالسنة الإلهية..
ماهر عبد الله ]مقاطعاً:[ طب، أخ.. أخ واصف مشكور جداً، مشكور جداً على المداخلة وعلى الأسئلة. معي الأخ نضال أبو نواس من السعودية، أخ نضال اتفضل.
نضال أبو نواس: سلام عليكم سيدي ماهر.
ماهر عبد الله: حياك الله.
نضال أبو نواس: أنا والله الموضوع هذا يؤرقني من زمان وأنا مبسوط إنه سيدي يوسف قرضاوي موجود. أنا حأتكلم، عنوان مداخلتي: "النص والثقافة السائدة"، حاتكلم في تلاتة نقاط وأختم.
أنا أشوف إنه العلاقة بين النص والثقافة المُعاشة أو السائدة، النص طبعاً القرآن، السُنة، الإجماع، القياس، يمثل الإسلام.
د. يوسف القرضاوي: عَلِّي صوتك شوية يا أخ والله.
نضال أبو نواس: طيب، يا سيدي يوسف. القرآن والسُنة والإجماع والقياس هم النص والثقافة المعُاشة، الإسلام بالطبع أن هذا النص لم يُلق فجأة في ليلة واحدة، وإلا لما كانت هناك علاقة بين النص والثقافة السائدة. هذه العلاقة تشكلت خلال فترة تزيد على العشرين عاماً لأنها كانت تعالج الواقع أو الثقافة السائدة، ولذلك وجدنا أن النص القرآني وهو ينزل يوماً بعد يوم ليعالج الثقافة السائدة لم يكد يكتمل حتى إنه إيش؟ أثر في الناس وأصبح الشغل الشاغل، حتى إنه أثر في ثقافات أخرى، لا لشيء إلا لأنه كان يحلل الواقع بميزان يوازن بين النص والثقافة. ألا ترى سيدي يوسف أن التباعد بين النص والثقافة جعل من حِرفية النهضة والتقدم ملكية للآخر، بعد ما كان الآخر مُستغل عبقريتنا ولقوتنا ولأوطاننا؟
اتنين: العلماء اللي حاولوا التجديد كانوا يحاولون الخروج كلية من عباءة التراث والتاريخ، هذا مما أضعفنا أيضاً وجعلنا مُقلدين مستهلكين.
وتلاتة: إبان فترة سيد البشر وأيضاً بعد وفاته –صلى الله عليه وسلم- ألا توافقني سيدي يوسف -هذي النقطة أنا أبغي رأيك فيها- أن النص أو العالم لم يكن هو مسيطر، بل كان الواقع الذي يتماشى معه النص والعالم هو المسيطر، وكان النص فقط بمثابة المعالج أو المُقوم لفهم أو تعديل ما يحدث على الساحة. أما الآن أصبح النص والعالم هما المسيطران، ولذلك ضعفنا وأصبح القرآن للحفظ والسُنة للاحتفاظ بالشكل الظاهري وأصبح القياس والإجماع لتبرير الماضي وتحريم الدخان وغيره من الأمور.
حأختم مثال أخير أراه يؤيد، أنا أشوف إنه يؤيد كلامي، الفصل بين الثقافة والنص يعني هو مو جديد يعني من وفاة سيدنا محمد لما حصل أو خلاف –طبعاً سيدي أنت أعلم- يعني على مسألة تداول السلطة بين قريش وأهل المدينة، والعبارة المشهورة: "منا أمير ومنكم أمير". يعني ألا ترى معي أن هذا الصراع هو كان بداية الفصل بين النص والواقع؟ أخيراً: كيف العمل؟ يعني كيف نوفق بين النص والواقع؟ أنا أشوف أن هذه النقطة هي مكمن نهضة الإسلام من جديد. وما علهش سامحني سيدي ماهر على التطويل، شكراً لك.
ماهر عبد الله: مشكور.. مشكور جداً يا سيدي، لو عدنا لسؤال الأخ عبد الإله المحمود يعتقد أنه الصراع بين منظومتين هو سبب خلل الأمة، بين منظومة غربية تحاول أن تحل محل المنظومة الإسلامية. هل.. هل تتفق معه في ذلك؟
د. يوسف القرضاوي: هو الصراع قائم يعني، ودا من طبيعة الوجود الإنساني الكوني، ودا اللي بيسميه القرآن "سنة التدافع" (ولولا دفع الله الناس بعضهم لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين). فالله يدفع أناساً بأناس ويدفع مبادئ بمبادئ و..، فهذا التدافع أمر لابد منه، المهم العاقبة لمن؟ العاقبة للحق. يعني ممكن الباطل يجول فترة وينتصر فترة، ولكن العِبرة بالنهاية، يعني كما قالوا: "دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة" (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) القرآن يعبر عن الفلسفة التي يقولون عنها "البقاء للأصلح"، يقول: (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). إحنا نؤمن إن فيه صراع، فيه الرجل اللي صاحب "صدام الحضارات" أو "صراع الحضارات" هذا الأميركي اللي بيتكلم على إنه فيه حضارات موجودة في العالم 8 حضارات أو 7 حضارات، وهو عدد هذه الحضارات.. الحضارة الغربية والحضارة.. وبعدين قال الحضارة الكنفوشيوسية والحضارة الإسلامية، يقصد بالكنفوشيوسية الحضارة الصينية، وهو في الحقيقة يعني كل تركيزه على الحضارة الإسلامية، ومن وراء كلمة "الحضارة" يقصد "الدين الإسلامي" إنه هو صانع هذه الحضارة. فهذا الصراع موجود قائم، والله تعالى يقول: (ولن ترضى عن اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). ويقول: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) هذه قضايا يعني موجودة. ولكن إحنا يعني المهم في هذا الصراع أن نأخذ من غيرنا ما يتفق مع منظومتنا، كما قلنا، لا يضرنا هذا. نستفيد من الحضارة الغربية، نستفيد من مادياتها، نستفيد من تنظيماتها، نستفيد حتى من بعض أفكارها وأضمها إليَّ.. ولكن لا أفقد ذاتيتي، ولا أمشي وراء الآخرين بغير عقلي. فهذا الصراع قائم ولا.. ولابد منه، ولا نستطيع أن يعني نحذفه من الوجود، وهذا محرك للحياة ومحرك الناس أن يتفقوا ويتفوقوا.
ماهر عبد الله: طب، سؤال الأخ واصف عن سنن الله في التمكين والهزيمة سأحيله لاحقاً إلى عوامل نهضة الأمة. لكن سؤال الأخ نضال أبو أنس من السعودية أنا أعتقد إنه أثار يعني جدلية فلسفية جديرة بالانتباه وجديرة بالمتابعة قائمة على العلاقة بين النص وأضاف الإجماع كجزء من النص على أساس مصدر يعني من.. من مصادر ثقافتنا. كان يقول أنه في.. في العشرين سنة الأولى من عمر هذا الدين كان النص يأتي تدريجياً لخدمة الواقع، يعني كان منطلقات الدعوة النبوية واقعية صرفة وكان يأتي النص مقوماً أو معدلاً أو.. أو طالباً بالتغيير من الجذور. باعتقاده أنه سبب أزمة الأمة اليوم أن جزء كبير من علمائها.. يضعون الأولوية للنص والنص فقط، يعني بمعنى أنه هو المقدس.. أن كل حياة هذه البشرية هي فقط لخدمته، فلنحتفظ بشيكات نطبع مصاحف جميلة، نحفظ كتب الأحاديث، نضعها على C.D محترم مع إهمال تام للواقع. هل تتفق مع في أنه فصل الثقافة عن النص أو تقديم النص بهذا المعنى إنه شكليات –وهو الأساس- مع إهمال تام للواقع هو جزء من مشاكل هذه الأمة؟
د. يوسف القرضاوي: هو لا شك إنه يعني هناك خللاً في منظومتنا الثقافية، وفي فهمنا لمصادرنا، وفي تطبيقها على واقعنا، وهناك من يعني يريد أن يعيش في.. في الماضي وينسى الحاضر، وهناك من يريد أن يعيش في الحاضر ويغفل الماضي، وهناك "الظاهرية الجدد" –كما أسميهم- الذي يريد أن يعيش في النص وفي النص وحده بغض النظر عن المقاصد من وراء النص. يعني هناك مدرسة "الظاهرية" وهناك المدرسة "المقاصدية"، ماذا يُراد من النص؟ –كما قال الأخ- إن القرآن كان ينزل لـ.. يعني معالجاً للواقع، لماذا لم ينزل القرآن، في مرة واحدة أو في سنة؟ نزل في 23 سنة (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً)، (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مُكْث ونزلناه تنزيلاً). ينزل ليكون متصلاً بالواقع معالجاً له، أحياناً يُعدِّل، أحياناً يغيِّر أحياناً يحذف، أحياناً يثبت. يعني فلابد والنصوص جُعلت لهذا، بس هو المشكلة مشكلة في فهم النص، و..، فهي مشكلة.. هي علاقة ثلاثية: الإنسان والنص والواقع. فهناك مشكلة أحياناً في.. في الإنسان، إن الإنسان يريد أن يتلاعب بالنص أو يريد أن يجعل النص تحت الواقع، يعني هل نحن مفروض إننا نغير الواقع ليتبع النص، أم نغير النص ليتبع الواقع، دي يعني لابد أن.. أن نعرف هذا، أنا.. المفروض النصوص هي التي تحكم الواقع، ولكن بعض الناس يقولون.. يعني ولذلك أنا كنت أقول للذين يُطالبون الإسلام أن يتطور أقول لهم: لماذا لا تطالبون التطور أن يُسلم؟ فنحن من مشكلاتنا الآن إن بعض الناس تريد أن تبرر الواقع والواقع لم نصنعه نحن الآن، الواقع ده صُنع لنا أيام سطوة الاستعمار حينما دخل علينا غير واقعنا، ألغى شريعتنا ووضع قوانينه، ألغى أفكاره وضع فلسفته النظرية، ألغى قيمنا الاجتماعية ووضع تقاليده، فهذا نحن لم نصنع هذا الواقع، فكوننا نريد أن نفلسف الواقع ده ونبرره هذا خطأ، إحنا نريد أن نُعيد الأمر من.. من جديد إلى..، فأيضاً عملية الربط.. أي واقع؟ وما موقفنا من هذا الواقع المعيش، فنحن ندعو إلى التجديد، والرسول نفسه دعانا إلى التجديد "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". فالدين قابل للتجديد، ده مش معناها إن إحنا نطبع طبعة جديد من.. من القرآن، تجديد الدين تجديد الفهم له والإيمان به والعمل له والدعوة إليه. فمؤمنين بالثوابت يعني هناك أشياء يعني هذا أمر مهم جداً، يعني عندنا منطقتان: منطقة مغلقة لا يدخلها تجديد ولا تطوير ولا اجتهاد، اللي دي بتمثل الثوابت، اللي بتمثل الإجماع العقدي والشعوري والعملي والسلوكي للأمة، وبها تصبح الأمة أمة واحدة مش.. مش أمم داخل.. لا، هي أمة واحدة في أصولها وفي جوهرها. وبعدين هناك منطقة مفتوحة ودي المنطقة الأوسع، المنطقة المغلقة صغيرة جداً ومحدودة ولكنها مهمة جداً، وبعدين منطقة.. هي منطقة السياحة للأفكار وللعقول تعمل، ولكن المشكلة إن هناك من يجمدون العقول ومن يقفون ضد أي حركة تجديد أو اجتهاد، ويتهمونك بالكفر والزندقة والبدعة والفسق و.. فنحو ذلك أهم شيء هو ما قاله الأخ واصف هلال "الوسطية"، منهج الوسطية الذي ميَّز الله به هذه الأمة عندما قُلنا في أول هذه الحلقة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) فهي أمة وسط في الفكر والتصور، وأمة وسط في الاعتقاد، وأمة وسط في الشعور، وأمة وسط في السلوك، أمة وسط في كل شيء.
ماهر عبد الله: طيب معي الأخ عبد الله أبو محمد –من أسبانيا- أخ عبد الله تفضل.
عبد الله أبو محمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.
عبد الله أبو محمد: نحيي الأخ ماهر وشيخنا الفاضل السيد يوسف القرضاوي.
ماهر عبد الله: حياك الله، تفضل.
عبد الله أبو محمد: جاء على ذكر.. على لسان السيد القرضاوي أنه قال: نستطيع الأخذ من الحضارة الغربية ما يتماشى مع حضارتنا، إلا أن الشيخ لا يفرق بين الحضارة والمدنية، الحضارة التي هي كل فكر يتعلق بالعقيدة..
ماهر عبد الله: الصوت.. الصوت، تفضل.
عبد الله أبو محمد: قلنا أن شيخنا الفاضل لا.. لم يفرق بين الحضارة والمدنية، أي الحضارة التي هي كل فكر يتعلق بالعقيدة، وهذا يحُرم الأخذ منه، أما المدنية فيه أي شيء لا يتعلق بالعقيدة مثل العلوم التجريبية من طب ورياضيات على سبيل المثال، وهذا الذي نستطيع الأخذ منه، أما الحضارة فلا يجوز لنا الأخذ منها مطلقاً.
ماهر عبد الله: طيب أخ.. أخ.. أخ عبد الله عفواً يعني أولاً صوتك غير واضح، وهذه مسألة يعني تعريف، هذا تعريف تعاقدي حضارة و..
د. يوسف القرضاوي: هو يا أخي يعني لا مشاحّة في الاصطلاح، إذا جماعة التحرير عندهم الحضارة شيء والمدنية شيء والثقافة شيء.
ماهر عبد الله: مسألة تعريفات.
د. يوسف القرضاوي: هذه مسائل اصطلاحات ممكن يختلف الناس فيها، فكونك يعني عايز تفسر كلامي تفسير يعني إنه الـ.. هذا كلام يعني.
ماهر عبد الله: لا.. مسألة المصطلحات أعتقد أحسن أن لا نخوض فيها، معي الأخ عبد الله المكناسي، من أسبانيا.
عبد الله المكناسي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.
عبد الله المكناسي: نشكر.. نشكر شيخنا القرضاوي على ما يقدمه، ونشكر (الجزيرة)، ونشكر القائمون على هذا البرنامج.
تدخلي: إن أسباب إخفاق الأمة بعد سقوط الخلافة عام 1924م والتي كانت ترفع راية الإسلام وتحمي أعراض المسلمين هي فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، حتى أصبح المسلمون لا يفقهون قوة دينهم، يعني لا يفقهون القرآن، الاستعمار العسكري، غزو العالم الإسلامي بالثقافة الغربية، وإرسال المبشرين وفتح مراكز لهم في وسط المسلمون لحرفهم عن مبدأهم ولازالوا يقومون بذلك من أجل شرذمة المسلمين أكثر من ما هُم مشرذمين. حتى علماءنا وخطباؤنا أصبحوا ينظرون إلى الإسلام كعقيدة روحية فقط.. فقط مثل النصرانية أو اليهودية، ونسوا أن الإسلام عقيدة ينبثق عنها نظام لمعالجة مشاكل الحياة في الدولة والمجتمع، وأن الإسلام الحق المطلق وما عداه فهو باطل، وذلك كما يقول "حزب التحرير"، وكما هو واقع هذا الدين.. وكما هو واقع هذا الدين أن المبدأ الإسلامي هو الحق، هو الذي يوافق فطرة هذا الإنسان ويقنع عقله، وما عداه من المبادئ ومن العقائد لا توافق فطرة هذا الإنسان ولا تقنع عقله..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب، أخ.. أخ عبد الله مشكور جداً على هذه المداخلة، معايا الأخ خالد أبو الأمين من الأردن، أخ خالد تفضل.
خالد أبو الأمين: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
خالد أبو الأمين: أريد أن أبدأ بمقيلة من مقالة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- حيث قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومن أراد العزة من غير الإسلام أذله الله". أي نحن قوم نُهضنا بالإسلام، أي سبيل النهضة عن طريق الإسلام، ولكن الإسلام كلمة عامة نريد أن نحدد ماذا هو في الإسلام الذي نريده في هذه المرحلة كي ننهض. وفي الوقت الحال –كما قال الشيخ القرضاوي- أن.. أن دولة الخلافة هي كانت التي توحد الأمة بأجمعها، وإن الخلافة هي لابد أن تعود، وهي ليست فقط فكرة، وليست فقط مقيلة أو شعائر، ولكن هي.. هي نص مأخوذ من السُنة لابد أن يعمل به ولابد أن.. أن نعيد.. لإقامة هذه الدولة. ولكن النقطة هنا والسؤال الذي يرد هنا هو: كيف أي.. كيف طريقة وأي طريقة.. ماذا هي الطريقة التي نعيد بها الخلافة؟ وهي..
ماهر عبد الله ]مقاطعاً:[ طيب، مشكور جداً يا أخ خالد، إن شاء الله ستسمع من الشيخ سؤال معايا. الأخ رجب السقا من قطر، تفضل أخ رجب.
رجب السقا: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام.
رجب السقا: نحييكم على هذه الحلقة وهي تأتي بتفعيل مع الانتفاضة الفلسطينية المباركة -إن شاء الله- اسمح لي يا شيخ أمة لا تأخذ بأسباب النهوض لا تستحق الوجود، فأين نحن في ميدان العلم، وفي ميدان الإنتاج وخاصة نحن نستورد ما يقرب من 35 مليار دولار أغذية سنوياً؟ حجم رؤوس الأموال العربية في البنوك الغربية تعدى 1500 مليار دولار، فهل من انتفاضة على أوضاعنا الاقتصادية والصناعية والزراعية حتى يكون لنا وجود؟ هل من محاولة للاستفادة من العقول المسلمة والتي تعيش خارج ديار المسلمين؟ جزاك الله خير، والسلام عليكم.
ماهر عبد الله: مشكور جداً يا سيدي، بالمناسبة على ذكر الخارج الأخ عبد اللطيف عبد الرحمن المُرّ –أستاذ جامعي من مصر- يقول لك: يوم الخميس القادم هو اليوم العالمي للتوقف عن التدخين، فهل يمكن دعوة المسلمين والعرب للتبرع بنفقة التدخين في ذلك اليوم للانتفاضة فقد تجمع الملايين؟ ماذا تقول بهذه الفكرة؟
د. يوسف القرضاوي: والله هذا كلام جيد يعني الحقيقة شكر الله للأخ الفاضل يعني، يعني المسلمون فعلاً يدفعون مليارات لهذا التدخين الذي يدمر يعني صحتهم ويفقدهم أموالهم، يعني الإنسان يشتري ضرره بُحر ماله، فحبذا لو يعني تبرع المدخنون من العرب والمسلمون في أنحاء العالم بيوم واحد.. يوم واحد، وليكن هذا اليوم بقيمة هذا اليوم يتبرعون به للانتفاضة حتى يعطوه لـ "ائتلاف الخير" هذا.. تجمع الجمعيات الخيرية الإسلامية والعربية والدولية لنصرة الانتفاضة، حبذا لو أن الذين ينفقون في التدخين يتبرعون بنفقة يوم واحد وستجمع مئات الملايين.
ماهر عبد الله: الأخ نبيل منصور، أستاذ جامعي، من سوريا، هذه المرة، يقول: يحضرني هذه اللحظة قول الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله- "الإسلام قضية عادلة بين يدي محامٍ فاشل" هناك أئمة نتمنى.. أتمنى على الله أن يخرس ألسنتهم". كيف لنا أن نعيد للإمامة والأئمة مضمون الدعوة الراشدة؟ وأنا.. أنا أتفق معه كثير من المسألة كنا نتحدث دائماً عن القيادة السياسية أنها فاشلة، لكن ثمة كثير من العلماء من هم أفسد!!
د. يوسف القرضاوي: هناك قيادات دينية أكثر فشلاً يعني للأسف، هناك أناس من الأئمة و الخطباء والوعاظ والمذكرين يشغلون الناس بقضايا تافهة، والأمة مشغولة بقضايا كُبرى وبمعارك كُبرى مع أعدائها وبعض الناس اشتغل بالمسائل الخلافية والمسائل الجدلية، والمسائل التي لا تسمن من شبع ولا تغني من جوع. هذا موجود للأسف، ولذلك نحتاج إلى توعية دائمة للأئمة والدعاة حتى يكون هناك القائد الديني والفكري الذي يقود الناس إلى الإسلام الصحيح وإلى أن يجمع الأمة على كلمة الله حقاً.
ماهر عبد الله: الأخ علاء عرفة –ولا يقول من أين- يعني يقول اعتدتم –مداخلته بالإنجليزية- اعتدتم دائماً على القول أننا نريد تحرير الأراضي المحتلة عام 67، ولكن ماذا عن أراضي 48؟ هل نسيناها وهل أن.. لأن غالبية سكانها من اليهود يمكننا أن ننساها أو نغض الطرف عنها؟
د. يوسف القرضاوي: لا، أنا ما نسيتها ودائماً أقول: إن هو الأرض كلها لنا، هذه أرض احتلت بالعدوان وبالدم وبالحديد وبالنار، وهي لنا وإن طال المدى، فيمكن السياسيين يفرطوا إنما علينا ألا نفرط أبداً.
ماهر عبد الله: ذكرت موضوع الوسطية في حديثك مع الأخ واصف هلال، الأخ عبد الله السويدي، موظف من الإمارات، يسأل: هل يُعتبر الفهم الخاطئ للإسلام والتشدد في هذا الفهم من أسباب تخلف الأمة؟
د. يوسف القرضاوي: لا شك أن يعني ازدياد مساحة التشدد والتنطع من أسباب ضياع الأمة، النبي عليه الصلاة والسلام اعتبر هذا من أسباب الهلاك، لأن سيدنا عبد الله بن مسعود ذكر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون". المتنطعون: المتشددون المتعمقون المبالغون في.. في فهم الدين وسلوكه، وسيدنا عبد الله بن عباس روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والغلوّ في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". الغلو هو: التنطع، هو التشدد، هو ما يسميه الناس التطرف. فهذا يعني موجود، ولكن يعني مسألة ظاهرة التطرف الديني والغلو في الدين لها أسباب ربما يعني نعقد حلقة لهذا الأمر الغلو في الدين والتطرف في الدين وما.. وما أسبابه؟ لأن أسبابه قد يكون.. الغلو ضد الدين، واحد.. الغلو العلماني أدى إلى الغلو الديني، فلابد أن نبحث القضية من جميع جوانبها.
ماهر عبد الله: الأخ علي سعيد البرعمي، من عُمان، يسأل: ألا ترون أن النداء بالقومية العربية يؤثر في نهضة الأمة الإسلامية بسبب إثارة موضوع القوميات لدى غير العرب من المسلمين؟
د. يوسف القرضاوي: هو يعني لابد أن نبحث ما معنى القومية العربية، لأنه نحن يعني العروبة بدون إسلام لا معنى لها، إذا كانوا يقولون إن المقوم الأول للقومية العربية هي اللغة والتاريخ، اللغة اللي هي لغة العرب وهي لغة القرآن، ولا معنى للغة بغير القرآن. والتاريخ هو تاريخ الإسلام، العرب لم يكن لهم تاريخ يذكر قبل الإسلام، الذي صنع لهم تاريخاً وجعل لهم ذكراً في العالمين هو الإسلام، ولذلك نحن الآن في هذا العصر في فترة من الفترات كان هناك صراع بين القومية العربية وبين الإسلام، وبين دعاة القومية ودُعاة الإسلام، الآن يعني بعد أن اشتدت بنا الوطأة واشتدت علينا الأزمة وطغى علينا الطاغون وتغلب علينا من لا يدفع عن نفسه، تعزز علينا الذليل وتجرأ علينا الجبان، الصهيونية اليهود أحرص الناس على حياة احتلوا أرضنا وفعلوا بنا ما فعلوا، هذا جعل إن القوى الفاعلة في الأمة تحاول أن تتجمع على الحد الأدنى على الأقل، ولذلك تداعى القوميون والإسلاميون إلى أن يلتقوا على نقاط مشتركة، قواسم مشتركة، والتقى المؤتمر القومي الإسلامي في بيروت يعني لعدة يعني مرات وعدة مؤتمرات، وأعتقد أن وراء هذا خيراً خصوصاً في مقاومة المشروع الصهيوني ومقاومة التطبيع الذي يدعو إليه أُناس من.. من قومنا. فلابد أن نجمع كل القوى التي تعمل لخير الأمة على النقاط المشتركة والقواسم الجامعة بين أبنائها.
ماهر عبد الله: الأخ أحمد محمد الساجي يسألك: كيف تستطيع أن نؤمن بنظرية الدسائس الخارجية وقد تعهد الله إلى نبيه الكريم في الحديث الصحيح أن لا يُسلط على أمته عدواً سوى أنفسهم؟
د. يوسف القرضاوي: كيف نؤمن بإيه؟
ماهر عبد الله: كيف نؤمن بأن هناك دسائس خارجية علماً بأن الله –سبحانه وتعالى- تعهد لنبيه –كما يقول- في الحديث الصحيح ألا يسلط على الأمة قوماً من الخارج.
د. يوسف القرضاوي: "لا يسلط عليها عدواً يستبيح بيضتها"، يستأصلها، يعني لا يمكن أن يُسلط عليها عدو يبيدها إبادة تامة، إنما أعداء.. الأعداء مسلطون، قال: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) فيعني إذا كان الرسول –عليه الصلاة والسلام- يعني هو وأصحابه حدث لهم غزوة أحد، فيعني فلا (قل هو من عند أنفسكم) فلهذا تسليط الناس بعضهم على بعض (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض). هذا من.. من سنن الله، ولكن لا يمكن هؤلاء من إبادة الأمة، إنما الذي يُخشى على الأمة فعلاً كما جاء في الحديث الذي أشار إليه الأخ هو: أن يكون بأس الأمة بينها، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- دعى الله بثلاثة أشياء أعطاه اثنتين ومنعه واحدة، قال: يا رب يعني لا تهلك هذه الأمة بالسنة يعني بالمجاعات والقحط والأشياء الطبيعية، فاستجاب له. الشيء الآخر أن لا يسلط عليها عدواً يستبيح بيضتها ويبيض خضراءها، فاستجاب له. وألا يكون بأسها بينها قال له: لا. دي تركها للسنن. فأخطر ما يصيب الأمة أن يكون بأسها بينها شديداً (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض). هذا من عقوبات الله، فخير.. فشر ما تُبتلى به الأمة أن تتفرق ويصبح بعضها يجافي بعضه، بل يعادي بعضها بعضاً، بل يقاتل بعضها بعضاً وهذا ما حدث –للأسف- فهذا شر ما تُبتلى به الأمة.
ماهر عبد الله: لا.. يعني على ذكر هذا موضوع الأخ محمد يسأل: هل ترى من أمل في أن تتوحد الأمة العربية في القريب المنظور؟ وهل تحرير الأرض المقدسة مناط بأن تكون هذه الأمة.
د. يوسف القرضاوي: هل إيه؟
ماهر عبد الله: هل تحرير الأرض المقدسة مناط بأن تكون الأمة موحدة؟ وهل من علامات تسبق التحرير الشامل للأراضي المقدسة؟ هل ثمة مؤشرات؟ هل الوحدة ضرورية للتحرير؟ هل ترى هذه الوحدة قائمة أو ممكن القيام؟ وهل ثمة علاقة؟
د. يوسف القرضاوي: هي ممكنة ليه.. لماذا كل الأسباب يعني موجودة يعني، ولكن هناك يعني أشياء طارئة تمنع من وحدة الأمة، ولكن لا مانع أن يهيئ الله أسباباً تلتقي فيها الأمة، وقد حدث في بعض الأوقات، يعني في سنة يعني 73، 6 أكتوبر 73، 10 رمضان 93هـ، كانت الأمة كلها يعني في خندق واحد وتقف موقفاً واحداً، واستطاعوا أن يقطعوا النفط عن الغرب و.. يعني، فممكن تأتي أسباب من هذا تجمع الأمة، على أنه ليس من الضروري أن تتحد كل الأمة لتحرير فلسطين، يكفي أن يوجد يعني.. يعني الذي فعله صلاح الدين أيه؟ إنه يعني جمع بين مصر والشام، يعني ما اجتمعش كل الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، ممكن منطقة يعني لو إنه حدثت منطقة تجمعت بعضها مع بعضها، يعني الآن لو مصر وسوريا والسعودية والأردن.. منطقة تتجمع ممكن تعمل شيئاً يعني كبيراً، إذا توحدت في أفكارها، وتوحدت في قيادتها، وتوحدت في مواقفها، ممكن أن تصنع الكثير. إنما التشرذم يعني والتمزق هذا خطر من غير شك.
ماهر عبد الله: الأخ عبد الرحمن -لا يقول من أين- ولكن يقول: مهاجمة موريتانيا حق أُريد.. أُريد به باطل لصرف النظر عن مصر والأردن والمغرب وتونس وقطر الكاذبة وما يمارسونه من علاقات آثمة مع العدو اللعين فلا تلوموا موريتانيا. هل تتفق معه في رأي مثل هذا؟
د. يوسف القرضاوي: أنا ألوم الجميع، ولكن نحن الآن في.. في هذا الوقت وشارون يفعل ما.. ما يفعل يعني شيء يعني.. يعني سخيف جداً إنه في هذا الوقت ويذهب إلى.. يعني كإنه نوع من الاستفزاز والتحدي، يعني فالناس يعني.. أنا نشأت في الريف المصري، الريف المصري في أوقات الأحزان الناس تجامل بعضها بعضاً، يعني لما يحصل ميت في.. في المنطقة الناس تمتنع لا يفتح أحد الراديو، لا يعمل كذا، لا يعمل كذا، يعني.. إحنا الآن فيه أحزان بنودع كل يوم شهداء وموتى تحت الأنقاض وجرحى إلى المستشفيات وبيوت تهدم ومساجد تحطم و.. وبعدين أروح أصافح شارون، هذا يعني ما هو معقول أبداً.
[موجز الأخبار]
عوامل نهوض الأمة الإسلامية
ماهر عبد الله: تحدثنا فقط من عوامل الضعف والتشتت حتى هذه اللحظة ولكن نرجو أن نختم الحديث بالتطرق إلى عوامل نهضتها وعوامل قوتها. لو عدنا لسؤال الأخ خالد.. كان سؤاله يعني هناك اتفاق وتناغم على موضوع الخلافة كان سؤاله يعني هناك اتفاق وتناغم على موضوع الخلافة كان سؤاله: كيف الطريق إلى هذه الخلافة وقد ضاعت؟
د. يوسف القرضاوي: الطريق.. بسم الله الرحمن الرحيم، الطريق –في نظري- أن نقيم الإسلام في البلاد الإسلامية المختلفة، يعني بعض إخواننا في حزب التحرير يظنون إنه إذا رحنا وبايعنا واحد وقلنا له: أنت خليفة، أقيمت الخلافة. هذا ليس صحيحاً، يعني أنت ذكرت لي إن أحد الإخوة بيقول لي: لماذا لا.. عندك هنا في.. لماذا..
ماهر عبد الله: نعم نعم.. لماذا لا تعلن نفسك وأنا مستعد أبايعك؟!
د. يوسف القرضاوي: آه.. تدعو إن.. الخلافة وتكون أنت الخليفة ومستعد يبايعني!! هذا بقى يبقى إقامة الخلافة؟! يعني الخلافة دي شوكة، يعني فيه استجماع لشروط يعني معينة، مش أي واحد.. ولا ده يبقى الخليفة مش.. كنا ونحن صغار بنحتفل في طنطا بمولد اسمه مولد السيد البدوي، السيد البدوي ده أحد الأقطاب أو الأولياء المشهورين، وبعدين فيه يوم يقول لك رَكْبِة الخليفة واحد اسمه خليفة السيد يركب الحصان كده ومش عارف إيه ومسميينه الخليفة، هذا.. الخليفة اللي من هذا النوع ده سهل، أو الخليفة اللي كما قال الشاعر قديماً يعني أيام ما كان أصبحوا الخلفاء لعبة في يد الحكام والوزراء و.. فيقول لك:
خليفة في قفص بين وصيف وبغى.
يقول ما قيل له كما تقول الببغا!!
فهذا.. الخلافة لابد لها من شروط. ولذلك من الشروط أن تطبق الشريعة الإسلامية وتقوم الدولة الإسلامية في الأقطار الإسلامية المختلفة، يعني لأنه إحنا.. فيه صراع الآن، صراع فكري ثقافي حضاري.. سميه ما تسميه، فلابد أن يتغلب الإسلام في هذه المعركة ويقوم الإسلام في هذه الأرض. إذا حدث عدة بلاد أقيم فيها الإسلام وأصبح الإسلام هو الحاكم، هذه البلاد المفروض تتجمع بعضها مع بعض وتنشئ الخلافة الإسلامية، فهذا هو الطريق الصحيح لإنشاء الخلافة.
ماهر عبد الله: طيب معي الأخ حازم الشامي من الدنمارك، أخ حازم.. تفضل.
حازم الشامي: السلام عليكم.
ماهر عبد لله: عليكم السلام.
حازم الشامي: لقد أصبت عين الحقيقة أيها الشيخ عندما قلت بأن الخلافة هي التي تمثل وتجسد وحدة الأمة وهي القائدة للمسلمين والراعية لشؤونهم.. نعم إن الخلافة كل ذلك وفوق ذلك، إنها الطريقة الشرعية العملية لنقل الإسلام من النظرية إلى التطبيق فتجسده وتوجده في الحياة، وهي التي تحفظ أعراض المسلمين ومقدساتهم ودماءهم وثرواتهم، الخلافة هي تاج الفروض والحل الجذري لكل مشاكل المسلمين، ففيها العزة والنصر والكرامة والفخر، ولذلك فإن..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب.. أخ حازم أخ حازم، هذا جوهر كلام الشيخ.. عندك سؤال؟ يا سيدي.
حازم الشامي [مستأنفاً]: للعمل الذي به تقام الخلافة.. نعم.
ماهر عبد الله: يا أخ حازم، يا أخ حازم، هذا جوهر كلام الشيخ، هذا ما تفضل به للتو الدكتور القرضاوي، عندك سؤال في هذا الموضوع أو إضافة حول هذا المعنى؟
حازم الشامي: نعم يا أخي، أنا.. يعني يسرنا أن نسمع هذا الكلام من فضيلة الشيخ عن أهمية الخلافة وفرضيتها، ولكن هناك نقطة صغيرة ناقصة حول هذا الموضوع، وهي أن المسلمين اليوم يجب أن يعتبروا العمل لإقامة الخلافة قضيتهم المصيرية التي يتخذوا حيالها إجراء الحياة أو الموت، ليس مجرد أمنية، ليس مجرد..
د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: يا أخي، الخلافة مش يعني تطبيق الشريعة؟
حازم الشامي: نعم؟
د. يوسف القرضاوي: يعني مش المسلمين مدعوين إلى أن يقيموا الإسلام في أرضهم؟ أن يمكنوا لدين الله في كل أرض؟ إذا مُكِّن لدين الله في كل الأرض تقوم بعد ذلك الخلافة، يعني المسألة إحنا مش.. المعركة ليست على اسم، مش على مصطلح، المعركة على حقائق موضوعية كبيرة، إن الإسلام غائب عنا لسياسة، وغائب عن الاقتصاد، وغائب عن الثقافة، وغائب عن الحكم، فلابد أن يحكم الإسلام شعوب الإسلام وأرض الإسلام، هذا هو الذي ينبغي إن إحنا نركز عليه. إذا حكم هذا تقوم الخلافة، المسلمين يتفقون مع بعض ليكون هناك رئيس عليهم. الخليفة هو حاكم الأمة الإسلامية، حاكم الدولة الإسلامية الكبرى، لازم تقوم الإسلام في هذه الدول، ثم تتفق فيما بينها أن تقيم بينها.. تسمية حتى لو ما سمتوش الخليفة سمته رئيس الدولة الإسلامية الكبرى" تسميه.. المهم مش الاسم، المهم المضمون وليس العنوان.
ماهر عبد الله: طب.. اسمح لي بأخذ المكالمة الأخيرة في هذه الحلقة من الأخ يحيى عبد العزيز من الإمارات، أخ يحيى اتفضل وأرجو أن تكون مختصراً.
يحيى عبد العزيز: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
يحيى عبد العزيز: ممكن توجيه.. المشاركة مع الشيخ القرضاوي؟.
ماهر عبد الله: تفضل.
يحيى عبد العزيز: نوجه الشكر له، للشيخ القرضاوي لمواقفه العديد والسريعة ومنها المواقف التي أدت إلى إغلاق "الإمارات كول" وغيرها، ونرجو أن يكون له مواقف ممتدة بحيث تواجه كل مشكلة أو مصيبة تواجهها الأمة الإسلامية. ومن موقعه نرجو أن يوجه النصح لقناة الجزيرة بالنسبة للإعلانات التي تظهر في بعض أجهزة التكييف وها الأشياء. ونشكر الشيخ على مواقفه.. حياكم الله.
ماهر عبد الله: طيب يا سيدي.. مشكور.. مشكور يا أخ يحيى، وستسمع إن شاء الله تعليق من الشيخ على هذا الموضوع.
[فاصل إعلاني]
ماهر عبد الله: سيدي، قبل السؤال عن إعلانات الجزيرة هناك اقتراح من أخ آخر، الأخ محمد سعيد، فني- من مصر- يقول أنه يتبرع لائتلاف الخير بألف جنيه مصري ويقترح على الجزيرة وغيرها لماذا لا تضع الفضائيات شعار القدس بجوار شعار القناة لمدة مائة يوم ويوم انسجاماً مع هذه الحملة، وتخصيص ساعة لشرح الانتفاضة للمشاهدين في الخارج؟ هل تعتقد هناك قيمة معنوية على الأقل في وضع شعار القدس بجوار شعارات المحطات؟
د. يوسف القرضاوي: وهذا شيء طيب بغير.. بغير شك الناس في حاجة إلى تذكير باستمرار، يعني الناس فيهم خير كثير وأنا لمست هذا، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين، التذكير دائماً فوضع مثل هذا يذكر الناس ويشعر بإننا مهتمون بهذا الأمر وينعكس هذا الاهتمام على المشاهدين، فهذا يعني اقتراح يعني لا شك أنه طيب، وشكر الله للإخوة الذين فكروا في عملية ائتلاف الخير يعني هذا هو حملة "مائة يوم ويوم" لجمع الأموال والتبرعات، أنا في الحقيقة يعني استحيي أن أسمي هذه "تبرعات" يعني ولنسمها ما نسميها إنما لابد أن نقف مع إخواننا هؤلاء ونشعرهم بأنهم جزء منا، أنهم منا ونحن منهم، ولا نتخلى عنهم في هذه المحنة التي تصابحهم وتماسيهم.
ماهر عبد الله: سؤال الأخ يحيى عبد العزيز هناك –يعني يردنا تقريباً- في كل حلقة سؤال شبيه وعندي بعضها على.. على الإنترنت يعني هذا الاحتجاج على الإعلانات، يعي هم مصرون على قطع أرزاقنا، يعني المحصلة النهائية (الجزيرة) أيضاً يعني!!
د. يوسف القرضاوي: هو يعني الإعلانات طبعاً لابد منها، يعني وهي مصدر من المصادر لتصرف "الجزيرة" على نفسها، الدولة كانت يعني متبرعة تعينها لمدة خمس سنين وأوشكت الخمس سنين أن تنتهي في نوفمبر القادم، فلابد أن يكون لها مورد والإعلانات مورد، نحن لا نريد أن نمنع الإعلانات، ولكن نريد أن تكون الإعلانات منضبطة يعني أنا أود ألا يكون هناك إعلان عن بضائع أميركية، أود ألا يكون هناك الصور الخليعة التي تظهر في الدعاية لبعض الأشياء. يعني أنا أرى في تليفزيون المملكة السعودية يعلن عن صابون أو كذا، في بعض القنوات والمحطات الأخرى هو نفس البنات بيعلنوا سافرات متبرجات في بعض القنوات ولما يعلنوا في السعودية تلبس الحجاب، وما شاء الله، وتظهر بمظهر جيد، الله!! حينما ألزمتهم قناة السعودية بلبس معين التزموه، يعني ما يضرها؟ فنحن لو اشترطنا إن إحنا لا نقبل الإعلانات المتبرجة وكذا وإننا نلتزم بهذا، والله يلتزمون المعلن المفروض أيضاً هو بصفته مسلماً يعلن أناس مسلمين يتحرجون من رؤية هذه المناظر وينكرونها المفروض إن هو باعتباره مسلماً يراعي هذا ما.. ما أمكنه، لو تعاون الجميع في هذا لا تكون هذه الشكوى الدائمة من الإعلانات وما فيها من خروج على الآداب وما فيها من خروج على الآداب والقيم الإسلامية.
ماهر عبد الله: ذكرت البضائع الأميركية الأخ صادق حسن –فلسطيني أستاذ جامعي- يستغرب يقول: إنه من العجيب حقاً أن نرى حكوماتنا العربية وخاصة السلطة الفلسطينية أن نرى على طاولاتها منتجات "البيبسي" و "الكوكا كولا" بدلاً من أن يكونوا..
د. يوسف القرضاوي: حتى السلطة الفلسطينية يعني!!
ماهر عبد الله: كما يقول، لكن أنت عارف طاولات الاجتماعات تكون مليئة بعض الأحيان بالمشروبات، يعني هل لك تعليق على هذا فعلاً، لو كانت ملاحظة الأخ صادق صحيحة وأظنها كذلك يعني؟
د. يوسف القرضاوي: والله هو ملحوظ هذا يعني في كثير من الاجتماعات أجد –للأسف- هذا موجوداً، يعني حتى إني أذكر إني كنت في احتفال يعني من عدة أسابيع وقدم للناس هذه "البيبسي" وهذه.. أنا لا أشرب هذه الأشياء من زمن، ولكن يعني قلت لهم يعني ما.. ما وجدتوش غير البيبسي وهذه تقدمونها إلى الناس؟! فقالوا: والله إحنا نأسف إحنا يعني ما خدناش بالنا، يعني الناس مش منتبهين، الأمر مش شاغلهم، يعني نريد أن ينشغل الناس بهذه القضايا. وقضية المقاطعة قضية في غاية الأهمية ولابد أن نعيرها التفاتاً ونعيرها بالاً، وهي في أول الأمر، في أول الانتفاضة أحدثت يعني أثراً كبيراً وشكى هؤلاء الناس من عدم البيع، ويعني لابد أن يعود لهذا الأمر فاعليته وتأثيره من جديد.
ماهر عبد الله: الأخ فوز صبري –رجل أعمال فرنسي- يعني يعيدنا إلى موضوع أخلاقي شبيه بهذا، يقول:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لقد غابت الأمة وذهبت ريحها لأنها أضاعت أخلاقها، فهم.. فهاهم المسلمون يذبحون في فلسطين ومسلمون آخرون يسعون للتحالف مع الأعداء. فأين الأمة؟
د. يوسف القرضاوي: هذا كلام يعني صحيح، وكما يقول شوقي أيضاً:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
ماهر عبد الله: الأخ هشام الراوي –أستاذ جامعي عراقي- يعتقد أن أسباب تخلف الأمة ببساطة هي: غياب الحرية والديمقراطية. التشتت والفرقة، التسلط والقمع، رجال الدي المنافقون للسلاطين. هل.. هل تتفق معه؟
د. يوسف القرضاوي: أيضاً أنا متفق معاه في هذا، وهو الحرية والقمع هم سبب واحد.. غياب الحرية ووجود القمع، إذا غابت الحرية أصبح الناس يقمعون وبعدين علماء الدين –للأسف- الذين نسميهم "علماء السلطة" و "عملاء الشرطة" يعني يسيرون في ركاب الحكام ويصدرون لهم فتاوى يفرخون فتاوي تبرر هذا الظلم والجبروت والطغيان على الشعوب.
ماهر عبد الله: طيب سيدي في دقيقتين إحنا أجلنا لإتاحة الفرصة للإخوة للمشاركة، عوامل قوة الأمة، كيف يمكن أن ننتقل من هذا الحال إلى ما هو أحسن؟
د. يوسف القرضاوي: والله الأمة عندها مقومات للقوة، لو استفادت منها استطاعت أن تكون في الصدارة يعني القوة.. الأمة عندها القوة العددية، القوة البشرية ألف مليون و 300 مليون من البشر، وكما يقول الشاعر: "وإنما العزة للكاثر". والله تعالى يقول: (واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم) هذه الكثرة العديدة لو استفادت منها الأمة ما اعتبرتهاش مشكلة وجعلت كل همها في إنها تحدد النسل، لو وظفتها كما وظفت الصين قوتها البشرية والعددية.
هناك القوة الاقتصادية، الأمة تملك من مصادر القوة المذخورة والمنشورة أراضي زراعية وسهول، وثروات بحرية، وثروات معدنية، النفط معظمه في بلاد المسلمين، بهذه القوة الاقتصادية، ونحن للأسف مع هذا بنستورد –كما قال الأخ- بـ 35 مليار يعني أغذية وأشياء، أمة الزراعة بتستورد أقواتها، وأمة "سورة الحديد" لم تصنع الحديد.. الصناعات الثقيلة إلى الآن. عندما القوة الحضارية، يعني إحنا نرث حضارات العالم، الحضارة الفرعونية، والحضارة الفينيقية، والحضارة الأشورية والبابلية والفارسية والهندية، كلها في أرض الإسلام، نحن ورثة الحضارات وورثة الرسالات، كل الرسالات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام نبتت في أرضنا.
وبعدين نحن نملك، فوق ذلك كله وقبل ذلك كله، القوة الروحية، نحن وحدنا الذين نملك الرسالة التي تستطيع أن تهدي العالم وتستطيع أن تخرج الناس من الظلمات إلى النور.. رسالة الربانية والإنسانية والأخلاقية والعالمية والوسطية التي تصل الأرض بالسماء، والدين بالدنيا، والدنيا بالآخرة، والفرد بالمجتمع، وتقيم هذه الوسطية على نمط فريد، نحن وحدنا الذين نملك هذا. هذه المقومات لو استفدنا منها لأصبحنا في مقدمة القافلة ولسنا في ذيلها كما نحن اليوم.
ماهر عبد الله: يا سيدي ندعو الله أن يستمع وأن يجيب، جزاك الله خيراً، أعزائي المشاهدين شكراً لكم ولفضيلة العلامة القرضاوي، إلى أن نلقاكم في الأسبوع القادم تحية مني والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.