الشريعة والحياة

الطفولة وموقف الإسلام منها

بقدر ما أفرز القرن العشرون من رفاهية وارتفاع في مستوى المعيشة.. إلا أنه أفرز أيضا حالات شديدة من البؤس والفقر والشقاء، ولعل أسوأ هذه الإفرازات اضطرار الأطفال لدخول معترك الحياة في مجالات لا قبل لهم بها.

مقدم الحلقة

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، داعية إسلامي

تاريخ الحلقة

22/04/2001

undefined
undefined

ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

كما كان واضحاً لكم من الإعلان عن موضوع هذه الحلقة هو الطفولة، والطفولة نتحدث عنها بسبب التغيرات التي وقعت للعالم خلال القرن الماضي، والذي كنا نظن ونعتقد أنه قرن الرفاهية وارتفاع مستويات المعيشة، لنفاجأ بإحصائيات الأمم المتحدة عن العام المنصرم أن وضع الطفولة العالمي مازال سيئاً بكل المقاييس نسبة الذين دخلوا الحروب من الأطفال زادت عن كل ما عرفته البشرية سابقاً، الاعتداء الجنسي أو الاعتداء الجسدي على الطفل زاد أيضاً بطرق خرافية، الأمم المتحدة تقول أن هناك أكثر من 650 مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر.

لمعرفة رأي الإسلام في موضوع الطفولة عموماً وفي هذه الصعاب التي يواجهها أطفال العالم اسمحوا لي أن أرحب باسمكم بفضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أهلاً وسهلاً بك مرة أخرى يا سيدي.

د. يوسف القرضاوي: أهلاً بك يا أستاذ ماهر.

ماهر عبد الله: يعني أرقام تقشعر لها الأبدان مولانا، يعني باعتقادك.. هذا كيف انزرع في أذهاننا أننا نعيش قرن الرفاهية وقرن الراحة وكل هذه الأرقام وكأن هذه الأطفال لا تعني شيئاً في هذه البشرية؟

د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.. وبعد، فهذا القرن الذي نعيش فيه أو القرن الذي انصرم وبدأنا قرناً جديداً هو مليء بالتناقضات، هناك أناس يعيشون في الرفاهية وأكثر من الرفاهية، في الترف والنعيم، هناك أناس آخرون يعيشون تحت خط الفقر، هناك من يضع يده على بطنه يشكو من زحمة التخمة من كثرة ما أكل، وهناك آخرون يضعون أيديهم على بطونهم يشكون من عضة الجوع، هذا.. هو هناك أناس يعيشون في قصور لا يستطيع الإنسان أن يرى آخرها وربما لا يدخلها إلا في السنة مرة واحدة، وناس لهم قصور في بعض البلاد لا يدخلونها إلا كل عدة سنوات مرة، وناس يعيشون أسرة.. الأب والأم والأولاد وأحياناً تكون الجدة والجد كلهم في حجرة في بدروم، سرداب تحت الأرض، فهذه التناقضات موجودة.

إعلان

هناك أطفال يعيشون في الرفاهية.. أطفال الموسرين والأغنياء والقادرين، وهناك أطفال لا يجدون اللبن الذي يرضعونه، لا يجدون الدواء، أطفال العراق وأطفال أفغانستان، يعني أطفال أفغانستان يموت كل شهر 400 طفل أو لا أدري كل يوم حتى أظن 400 طفل، حينما ذهبنا إلى أفغانستان علمنا بذلك، لا يجدون القوت. فهذا القرن يعني ليس قرناً عادلاً في كل شيء، وإنما هو قرن التناقضات، وكما قال ابن المقفع قديماً: "ما رأيت إسرافاً إلا وبجانبه حق مُضَّيع"، فإذا كان هناك إسراف في بعض النواحي، وهناك أناس تعيش على الرفاهية والنعمة، فهناك آخرون لا يجدون ما يمسك الرمق أو ما يطفئ الحرق.

ماهر عبد الله: طب.. يعني عندما.. قبل أن نخش في موضوعنا وندخل في الموضوع بتفصيلاته، كعالم متخصص وأنت مهتم بالنواحي الاجتماعية اهتماماً كبيراً هل نتفق بداية على ما هي الحقوق التي أعطاها الإسلام للطفل؟ ما الذي يجب أن يتوفر للطفل بداية حتى تستقيم حياته؟

د. يوسف القرضاوي: أولاً الطفولة هي مرحلة من مراحل الضعف الإنساني، الإنساني يمر بثلاثة مراحل: مرحلة ضعف، ثم مرحلة قوة، ثم مرحلة ضعف، وكما قال القرآن الكريم (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبه) فالضعف الأول هو ضعف الطفولة، حيث لا يستطيع الطفل أن يفي بحاجات نفسه أو يقوم بما يعني يحتاج إليه، خصوصاً إن الطفولة البشرية هي أطول أنواع الطفولات، يعني الطفولات في الحيوانات الأخرى لا تحتاج إلى هذه المدة، بعض الطفولات.. بعض الطيور مجرد ما تفقس البيضة يستطيع أن يأكل ويشرب، والعجل حينما يعني يولد من بطن أمه يستطيع أن يتحرك و..، الإنسان هو الذي يحتاج إلى هذه الطفولة الطويلة، ودي حكمة من الله –سبحانه وتعالى- ليظل في قلب الأسرة ترعاه وتغذيه، لا تغذيه مادياً فقط، تغذيه مادياً، تغذيه عاطفياً، تغذيه اجتماعياً، تغذيه ثقافياً، فهو في حاجة إلى هذه الرعاية.. الطفولة.

ولذلك كان الإنسان منذ ولد له حقوق، ونحن إذا نظرنا إلى الفقه الإسلامي نجد هناك عدة أبواب في الفقه الإسلامي تتناول قضية الطفولة، فهناك باب العقيقة، العقيقة دي الذبيحة التي تذبح إعلاناً عن الفرحة بميلاد الطفل وإشراكاً للناس، وخصوصاً الفقراء في هذه الفرحة، هناك باب العقيقة، هناك باب الرضاع.. حقوق الرضاع، هناك باب الحضانة، من أحق بالطفل وخصوصاً إذا طلقت المرأة من زوجها من يكون أحق بحضانته؟ هناك باب النفقة.. النفقات، من الذي ينفق على الطفل ويرعاه ويقوم بما يحتاج إليه من أشياء مادية، من الطعام والشراب والكسوة وغير.. وغير ذلك، هناك أبواب أخرى مثل أبواب اللقيط، الطفل الذي ليس له أب ولا أم أو لا يعرف له، .. هو له أب وأم يقيناً إنما لا يعرف له أب وأم، من الذي يتولى هذا الطفل ويكفله ويرعاه؟ هناك أبواب عدة في الفقه الإسلامي كلها تهتم برعاية الطفولة والعناية بالطفل في حالة الصغر. فأول ما ينبغي على الأب والأسرة حينما يولد الطفل أن تظهر الفرحة بهذا الطفل، وأن تعتبره هبةً ونعمة من الله عز وجل، سواءٌ كان ذكراً أم أنثى، يعني من الأشياء التي جاء بها الإسلام إنه أبطل عادة سيئة في الجاهلية كانت تعتبر جريمة من أبشع الجرائم وهي وأد البنات، والقرآن يقول: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم).

إعلان

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: سيدي معذرة أولاً للمقاطعة، كونك ذكرت موضوع الإناث رغم 14 ونيف من القرون على.. على الإسلام مازال الموقف العربي من.. من الاستبشار بالمولودة الأنثى ليس كما يجب، أو ليس كما يريده الإسلام، هل تشاركني هذا الرأي، هل تعتقد إنه مازال موجود؟

د. يوسف القرضاوي: والله لازال يعني هناك ولكن ليس كما كان في الجاهلية، الجاهلية لم يكن فقط الضيق بالأنثى كما ذكر القرآن: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون) يعني يرضى بالواقع والذل دا ويسكت (أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون)، فالقرآن ذكر لأ إن الأنثى هبة من الله قال: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء أناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً) فاعتبرها هبة وبدأ بالإناث، (يهب لم يشاء).

ولذلك شاع بين المسلمين هذه المقولة، يقولون "خير النساء من بكرت بأنثى" يعني استدلالاً بالآية الكريمة إنها بدأت.. "خير النساء من بكرت بأنثى" و.. فهذه الفكرة هي التي غرسها الإسلام. وبعدين أول حق للطفل حماية حياته، أن تحمي حياته، إنه لا يجوز للأب ولا لغيره إنه يتصرف في حياة الطفل ويقتله من أجل إملاق يعني الفقر الواقع أو خشية الفقر المتوقع، فالقرآن حرم هذا وذاك (لا تقتلوا أولادكم من إملاق) (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)، (نحن نرزقكم وإياهم) و(نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً).

وبعدين وخصوصاً البنات، كان الأكثر أكثر ما يقع الوأد على البنات فقال القرآن الكريم (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت). فأول حق للطفولة، حماية الحياة، أن تحمى حياة الطفل.

ثاني حق: التغذية، ولذلك يعني عندنا باب طويل في الفقه اسمه باب الرضاع، ويكفينا قول الله –تعالى في القرآن الكريم (والوالدات يرضعن أولاهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها، ولا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك) إلى آخره، آية طويلة في تنظيم مسألة رضاع الطفل، وبعض الآية عامة والوالدات.. ولكن البعض قال إن المقصود بالذات الوالدات المطلقات، لأنها جاءت في سياق الطلاق، لأن المرأة إذا طلقت قد تكايد مطلقها بأنها تهمل إيه؟ إرضاع ولده، وقد تكون يعني متشوقة إلى الزواج فتريد أن ترضي زوجها بإهمال طفلها، فجاء القرآن: (يرضعن أولادهن) (وعلى المولود له) اللي هو الأب (رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، وإذا كان الأب متوفى على الوارث مثل ذلك وارث الأب.

كل هذا عناية بالطفل لأن من حق الطفل أن يغذى، ولذلك ينكر أشد الإنكار، يعني الأطفال الذين يموتون جوعاً في العراق وفي كوسوفو وفي أفغانستان وفي كثير من البلاد، هؤلاء الذين.. نراهم يتضورون جوعاً، هذه العظام.. يعني نرى كأنه الإنسان هيكل عظمي ليس فيه يعني لحم ولا..، فمن حق الطفل أن يغذى، في حالة الطفولة الأولى يغذى بالرضاع، بعد ذلك يغذى بالطعام والشراب وما يكفيه، فهذا حق التغذية.

هناك حق الحضانة أيضاً، الطفل مش بس بيحتاج إلى غذاء محتاج إلى حنان وإلى من يحضن الطفل، من يتولى حضانته وكفالته، وخصوصاً في حالة الانفصال بين الأب والأم، من أحق بالحضانة؟ هناك.. جاءت امرأة للنبي –صلى الله عليه وسلم- وتقول: يا رسول الله إني ابني كان بطني له وعاء وكان ثديي له سقاء وكان حجري له حواء والآن أبوه يريد أن يأخذه مني وينتزعه مني، فقال لها: "أنت أحق به ما لم تنكحي" يعني ما لم تتزوجي، وبعدين إذا تزوجت هناك في الشرع تفصيل من يكون بعد ذلك أحق، إذا كان أمها موجودة ويعني جدة الطفل من ناحية أمه وجدة الطفل من ناحية أبيه تقدم قرابة الأم في الحضانة على قرابة الأب، لأن قرابة الأم أحنى، فبهذا التفصيل.

إعلان

هناك حق اللعب للطفل "لاعب ابنك سبعاً"، يعني لابد أن يداعب الطفل ويلاعب، يعني النبي –عليه الصلاة والسلام- لما رآه بعض الأعراب.. رأى أنه يقبل الحسن أو الحسين فقال: أو تقبلون أولادكم؟! إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم" إذا كنت لا ترق على ولدك وفلذة كبدك. فلابد من المداعبة والملاعبة، ولذلك كان النبي –عليه الصلاة السلام- يوطئ ظهره لأحفاده، يعني مثل الحسن والحسين وأحياناً عبد الله بن جعفر خصوصاً بعد ما توفى.. استشهد أبوه في مؤتة، فكان يوطئ لهم ظهره ليركبوه، يعني زي ما نقول.. عامل لهم.. نقول إحنا جمل، ويعني ويمشي بهم في وسط البيت.

ودخل مرة أحد الصحابة فوجد يعني الطفلين يعني يركبان ظهر النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: نعم المركب ركبتما، فقال عليه الصلاة والسلام: ونعم الفارسان هما. وفي مرة من المرات يعني ركب الحسن أو الحسين ظهره وهو يصلي فأطال السجود، كان ساجد، وكما يفعل أحياناً الأولاد.. يركب ظهر أبوه وهو ساجد يعني، فأطال النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى ظن الصحابة الظنون، يعني يا ترى ما الذي حصل؟ أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وتوفي؟ وافاه الأجل؟ وبعدين بعد مرة طويلة قال: الله أكبر، وقام فسألوه بعد أن فرغوا من الصلاة: أطلت بنا السجود يا رسول الله. فقال لهم: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله. يعني اتخذني راحلة أو مطية لم يرد لعجله كان ممكن يرميه من على ظهره، إنما لم يرد أن يتحرك به هذه الحركة وترك له حتى شبع الطفل و.. فإلى هذا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الصبيان الأطفال، قال لابن أبي طلحة.. دخل على أم طلحة ووجد عندها ابنها الصغير فقال له: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ النغير طائر مثل العصفور كده، كان عنده طائر وبعدين مات الطائر، فبقى يسأله يقول له: يا أبا عمير.. وحتى تشوف بيسميه بيكنيه "يا أبا عمير" ما كأنه بيخاطبه بـ..

ماهر عبد الله: برجل.

د. يوسف القرضاوي: بكنية الرجل، يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ فهكذا، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسلم على الصبيان يعني فالطفل من حقه المداعبة والملاعبة ولذلك اشتهر عند المسلمين هذه يقول لك: "لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً، وآخه سبعاً، ثم ألق حبله على غاربه"، يعني السبعة الأولى دي للملاعبه والـ.. جات فطرة من فطر الله سبحانه وتعالى بالنسبة للطفل، إنه فطره على أن يلعب لإنه عنده طاقة وعنده قدرة، طب حيعمل بيها إيه؟ ماعندوش أهداف اقتصادية علشان يفرغ فيها الطاقة، فجعل اللعب هذا ليفرغ فيه يعني طاقته، ولذلك يعني مما يعني نعيب على أنظمتنا التعليمية أنها ترهن الأولاد بواجبات كثيرة ووظائف منزلية كثيرة، بحيث إن الطفل يحرم من اللعب، فيكره المدرسة، ويكره التعليم، وهذا سر ما نجده الآن. الأولاد يكرهون المدرسة، بعضهم يسميها "الزريبة"، وبعضهم يسميها "السجن"!!

والأولاد تجد من الظواهر المؤسفة والمؤلمة إن بعد الامتحانات الأولاد تمزق الكتب وترميها في الزبالة، هذه ظاهرة غير صحية، لماذا هذا؟ يعني ماذا.. أذكر كانت إحدى المدرسات تقول لبعض البنات عندي: اكتبي الموضوع ده 30 مرة!! إيه دا؟! هذا خبل!! يعني يمكن الواحدة تقول لها اكتبيه مرة طب اكتبه مرتين عشان تتقوى، إنما تقول لها تكتبيها 30.. يعني!! فلذلك الطفل من حقه أن يستمتع بالطفولة ويلعب و.. ويعني، ولذلك ينبغي أن يهيئ للطفل الألعاب المناسبة، الغربيين عملوا أنواعاً من الألعاب، حتى فيه ألعاب عقلية، يعني يشغل للطفل عقله، يركب يعني ويهد ويركب ويحلل ويعمل، وألعاب يشغل فيها عقله، وألعاب يشتغل فيها وحده، وألعاب يشتغل فيها مع يعني زميله، وإحنا كان عندنا زمان كثير من هذه الألعاب نلعبها ونحن صغار بعضنا مع بعض، لابد من.. فهذا من حقه الطفولة أن تستمتع باللعب وباللهو مدة طفولتها.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: سيدي هل لنا أن نختم هذه المقدمة النظرية بكلام عن التعليم والتربية في.. في الأسرة.

د. يوسف القرضاوي: نعم.. بسم الله الرحمن الرحيم، من حق الطفل أن ينال تربية متكاملة لشخصيته وهذه مسؤولية الأسرة من ناحية ومسؤولية المجتمع في التربية المنهجية المدرسية، الأسرة مسؤولة، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل في أهل بيته راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها". ويقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) وورد عن سيدنا علي تفسير هذا، قال: علموهم الخير فعلى الأسرة أن تعلم الطفل وتربيه تربية حسنة متكاملة، أعني متكاملة، يعني تربية تتعلق بجسمه بحيث ينشأ قوياً.

إعلان

ولذلك ورد عن سيدنا عمر قال: "علموا أولادكم السباحة الرماية وركوب الخيل"، وورد حديث ضعيف عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي". فمن الناحية الجسمية حتى ينشأ جسمه صحيحاً معافىً وقوياً قادراً على الحركة أيضاً، وخشناً بحيث يعني ما يكونش كما قال الشاعر قطرات النسيم تجرح خديه ولمس الحرير يدمي بنانه.

لأ.. ينشأه وخصوصاً الذكور، وبعدين من الناحية الدينية، "علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر" يلزم من هذه الناحية ويعلم الأخلاق والفضائل، يعني صلة الأرحام، الإحسان إلى الجيران، فعل الخير في الناس، اجتناب الكذب، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما يعني قالت إحدى النساء لطفلها: تعال أعطك، قال لها: ماذا أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمراً، قال: أما إنك لم تعطه لكتبت عليك كذبة". فحتى.. يعني.. لابد أن يمرن الطفل على الصدق من صغره، وخصوصاً يعني ما يُنشأ عليه الإنسان في صغره يظل يصحبه في كبره، "من شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه" فلابد من رعاية هذه الأشياء وكما قال الشاعر قديماً.

وينفع الأدب الأحداث في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخُشُب

فالغصن الطري تثنيه فينثني، إنما الخشب ما فيش إلا الكسر، فأنت لا تدع الطفل حتى يكبر، زي ما بيقولوا "بعد ما شاب ودوه الكتاب" لأ.. أنت تعلمه في الصغر، "فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر" فهذه مسؤولية، ومسؤولية الأسرة أن تعلم الطفل وتربيه تربية بين القسوة والتدليل، القسوة ممنوعة، طريقة الأعرابي.. إنه ما قبل أحداً من أطفاله، هذه قسوة لا تليق بالطفولة، الأب الخشن مع أولاده الذي يقهر أولاده قهراً، هذه لا تخرج.. هذا النوع من التربية لا يخرج إلا عبيداً، إنما.. أيضاً التدليل. بعض الآباء والأمهات لا يطلب الطفل شيئاً إلا أُعطي، طلباته مجابة، رغباته أوامر، هذا أيضاً يفسد الأطفال، لابد أن نعلمه أن هناك شيء يقبل وشيء يرد، شيء يجوز وشيء لا يجوز، شيء يليق وشيء لا يليق، حتى يتعلم الحياة في جو الأسرة، فلا قسوة ولا تدليل.

ماهر عبد الله: طب ذكرت في معرض كلامك الأول مولانا موضوع اللقيط واليتيم، اسمح لي أن نؤجل الحديث عنها، لأنه أعتقد لنا كمسلمين موقف مغاير، نخرج من هذا الإطار الذي يجب أن يكون، ما تحدثنا عنه من حقوق هو ما يجب أن يكون، لو تركنا العالم الثالث غير المسلم حيث هناك فظاعات كما في البرازيل والأرجنتين، حيث يقتل الأطفال يدفع لمن يقتلهم، في عالمنا لم نعد ندفن الأنثى صحيح عند مولدها، ولكنها نضطرها ونضطر الطفل للخروج من أجل العمل، ثمة ظاهرة تسول شنيعة في الشوارع المسلمة، وثمة ظاهرة الأطفال الذين يعملوان في الشوارع، وبعض هذا العمل يعني يمس الدولة، يمس المجتمع ككل، من الظواهر المنتشرة في الخليج مثلاً استحضار الأطفال لسباق الهجن وهم دون سن البلوغ، هذه الظاهرة سبق واتصل بي بعض الناس يسألوا عن حكم الشريعة، لو ابتدأنا بهذه كظاهرة، العمل مضطراً للطفل والعمل في هذه الرياضة تحديداً.

د. يوسف القرضاوي: أولاً الأصل كما قلنا أن من حق الطفل أن يستمتع بطفولته، وأن يلعب ويتعلم أيضاً ما وسعه التعلم، خصوصاً لو كان طفلاً موهوباً، طفلاً ذكياً، طفلاً نابغة، من حق هذا أن يتعلم وتتاح له فرصته التعلم إلى آخر الحدود الممكنة، وحرام على.. يعني بعض المجتمعات أن لا يجد الطفل الفقير الوسيلة لـ.. يعني يبلغ حظه من التعلم، وهذا ما جعلنا نفكر في إنشاء "المؤسسة الإسلامية العالمية لرعاية الموهوبين" حتى نتيح الفرصة للأطفال وللأولاد الذين لا تستطيع.. أسرهم أن تهيئ لهم أسباب التعليم المنشود إننا نساعدهم على هذا، إنما هذا واجب الدولة وواجب المجتمع إذا عجزت الأسرة.

الطفل ليس من حقنا إننا يعني نرغمه على العمل في صغره ويحرم من الطفولة ولعب الطفولة وحرية الطفولة وحركة الطفولة، إلا في حالات الاضطرار، هناك أحياناً التعليم يعني كان كثير من المهنيين يعلمون أولادهم من الصغر، ليشربوا الصنعة، يقول لك يعني يشرب الصنعة من أبوه أو من أخوه الكبير، يروح الدكان، يتعلم إزاي.. أو يروح الورشة يتعلم كيف يعني يعمل هذه الأشياء، وأحياناً يروح الحقل في الزراعة يتعلم إذا كان أبوه فلاحاً أو.. فهذه أشياء طبيعية، إنما المشكل حينما يساق الأطفال ليعملوا بالأجرة عند الآخرين، وعملاً رتيباً ومنظماً بحيث يقوم من الصباح الباكر ويذهب إلى العمل كالكبار..

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: مولانا كنا قاطعناك وأنت يعني على وشك الإجابة على موضوع عمل الأطفال وخصوصاً في ظاهرة كما قلت لك أنا لست مغرماً بسياق الهجن، لكن تلقيت الكثير من الهواتف التي تسأل أنه فيها شيء من الإجحاف بالأطفال، ويبدو أنها ظاهرة متفشية في الخليج تحديداً.

د. يوسف القرضاوي: هذا كلام صحيح الحقيقة، يعني قضية سباق الهجن، ويعني الهجن وسباق الهجن هذه أصلاً رياضة عربية، ولكن كان العرب يسابقون على هجن يركبونها، يعني الواحد راكب يعني راحلته والتاني راكب راحلته وتعالى نتسابق وأيهما يسبق.. الآن أصبح هناك.. السباق مش بين ركاب الهجن، كل واحد راكب هجينه، لأ، واحد بيشتري هجين أو مطية بمليون.. بمليونين.. بثلاثة ما أعرفش مبالغ أحياناً أسمع مبالغ هائلة يعني في هذه القضية، ويتنافسون الأغنياء في شراء هذه الأشياء بهذه المبالغ الطائلة، ثم يأتون بأطفال.. يستأجرونهم من السودان، من باكستان، من اليمن، من بعض البلاد، وهؤلاء الأطفال يركبون هذه الهجن ويعني أحياناً الأولاد يعني بتكون حالتهم فظيعة وأحياناً أحدهم يعني يصاب في ظهره، يصاب في كذا، فيعني هذه الحقيقة يعني غير مقبولة يعني شرعاً، ويعني.. هناك يمكن أن يكون هناك بدائل لهذه الأشياء، يعني الآن فيه.. ممكن عمل يعني طفل آلي يركب الهجين ويعمل كذا.. إذا كان.. لأنه ما عادش الراكب له قيمة، يعني هذا بيستعمل كآلة فقط يعني.. يعني علشان يخلي الآلة، ممكن تستعمل آلات أي شيء من هذا، إنما هؤلاء الأطفال وأنا سمعت عن حوادث تحدث لكثير منهم، ولا يأخذون يعني بدل ما.. عندما يصابون، ولا يأخذون حتى الأجر الكافي، وهذا يشنع به علينا نحن العرب ونحن المسلمين إننا نستغل الأطفال، ونستغل فقر الفقراء، ونجحف بهؤلاء، ونستخدمه كأنهم أدوات، هذا لا يليق بنا، وأنا يعني أنادي يعني الإخوة العرب والخليجيين منهم خاصة الذين يهتمون بهذا النوع من الرياضات أن يفكروا في بديل لهؤلاء الأطفال، وإن كان ولابد فلابد أن يكون الأمر واضحاً بالنسبة لهؤلاء، وأن يكون أجرهم أجراً كافياً، وأن يعني من أصيب منهم يأخذ يعني حقه وديته، وإن كنت أنا لا أحبذ الحقيقة استخدام الأطفال الصغار في هذا النوع من الرياضات التي قد تكلف الطفل فيها حياته، أو تكلف فيها صحته، أو يفقد فيها يعني شيئاً عزيزاً من جسمه. فهذا لا يليق بنا كمسلمين.

ماهر عبد الله: طب.. قد يكون يعني وأد البنات انتهى من المجتمع العربي لكن ثمة بديل له وأد آخر هو الزواج المبكر، بعض الأحيان حتى دون سن البلوغ، وفي بعض الأحيان للخلوص.. يعني للخلاص من البنت، للفقر، للحاجة، للتقرب من رجل غني، وقد تكون الفلسفة الإسلامية عموماً تحب الزواج المبكر، تحض عليه بل.. لكن هل المطلوب أن.. أن يكون في هذا السن الصغير؟

د. يوسف القرضاوي: العالم الآن كله يتنادى بأن يكون هناك سن معينة للزواج، سواء كان من الذكور أم من الإناث، وخصوصاً في عصرنا، لأن الزواج مسؤولية، وهذه المسؤولية تقتضي نوعاً من الرشد والنضج، فلابد أن يبلغ الفتى سناً معينة والفتاة سناً معينة، ولذلك كان هنا حتى في قطر مناقشة لقانون الأحوال الشخصية الذي يراد يعني تعديله و.. فكان الفكرة: هل النبت تكون عمرها 18 سنة أم 16 سنة؟ أنا فضلت يكون 16 سنة، لأن المجتمع هنا يميل إلى التبكير فلاد مانع.. إنما، إنما ما يكونش 12 سنة أو كذا، ما عاد.. ما عاد يصلح وخصوصاً الآن، إنه الآن أصبح من حق كل فتاة كما إنه من حق كل فتى أن يتعلم، فلماذا تحرم الفتاة من التعلم وتزوجها وهي صغيرة؟ وبعدين هذه الصغيرة تحتاج إلى أن تحمل، وحوضها لا يتحمل، فهذه قد تضار من الحمل، ولذلك لابد أن ننتظر بها حتى تنضج جسمياً وتنضج عقلياً وتنضج اجتماعياً، وتكون أهلاً لأن تكون أماً، وأنه تؤسس أسرة، وأن تكون ربة بيت فأما الطفلة هذه.. كان زهان يعني..يمكن هذا بيقبل لأنه ما كان الإنسان يعيش وحده، كانت البنت تزوج إلى الفتى وبتروح تعيش ضمن عيلة، والمسؤولة هي أم زوجها يعني اللي هي حماتها، هي اللي بتشرف على كله، تقولها أنت عليكي بس هاتي لنا أولاد ومين اللي يربي؟ الجدة.كانت الحياة غير الآن.

ماهر عبد الله: الجدة والعم والعمة و..

د. يوسف القرضاوي: آه والبيت الكبير، بيت العيلة الكبير وعادة الجدة والجد هم اللي يعني بشرفوا على.. على البيت هذا، الآن تغير.. كل بيت.. كل واحدة بتبقى لها بيتها المستقل، كيف تكون بيتاً مستقلاً وتسوس أسرة وهي يعني صغيرة؟! صحيح هذا يعني شرعاً يعني جائز، إنما يجوز لضرورات معينة إن عشان نحتفظ بفلانه لفلانة نعقد عليهم، وإن لم يدخلوا، ودا اللي جاء فيه قوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) ممكن تتزوج إنما للاحتفاظ بشيء معين، أما لكي تدخل وتصبح زوجة فهذا..، ولذلك نحن نرى إنه هذه التحديدات تصبح ملزمة شرعاً وواجب طاعتها، لأنها طاعة في معروف: "يا أيها الذين آمنوا وأطعيوا الله وأطيعوا الرسول وأولي

الأمر منكم)، فإذا الأمر قانوناً في هذه الأشياء، سواءٌ قانون يتعلق بالتنظيم للبلدية أو للأمور الصحية أو للـ.. لتحديد الشروط والسن في الزواج، يجب طاعته شرعاً، لأنه طاعة في غير معصية وطاعة في معروف.

ماهر عبد الله: لو.. لو انتقلنا لموضوع آخر يعني أيضاً بعيد عن.. عم يجب أن يكون عليه الحال، منذ فترة وهذا يمثل يعني جزء من تصور موجود وأعتقد أنه حالة خاصة، موضوع قتال الأطفال.. مشاركتهم في الحرب أصبح أيضاً للأسف من معالم هذا القرن الذي انصرم، جزء من ضريبة الرفاهية التي وصلنا إليها في أواخر القرن الماضي، ثمة من يقول أن الإسلام لم يرغب في أن يشارك الأطفال في الحرب، أحدهم ذكر حديث في الصحيحين "عن ابن عمر رضي الله تعالى..: عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المقاتلة اليوم.

د. يوسف القرضاوي: عُرضت.

ماهر عبد الله: عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

د. يوسف القرضاوي: عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ماهر عبد الله: يوم أحد وأنا ابن أربعة عشر فلم يجزني في المقاتلة. ليصل بعد ذلك إلى أن ما يحصل فلسطين من مشاركة الأطفال.. أطفال الحجارة، الذين كنا نعتقد أنه يجب يكونوا فخر هذه الأمة، بأن كل ما يفعلونه غير جائز شرعاً على اعتبار أنهم أطفال قُصَّر غير مطالبين بهذا الجهاد.

د. يوسف القرضاوي: أولاً الجهاد نوعان: هناك جهاد الطلب، وهناك جهاد الدفع، جهاد الطلب يسميه الفقهاء فرض كفاية، يعني إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقيين، فهذا يجند له كل بالغ عاقل قادر عليه، وعل هذا الأساس كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الصبيان الكبار ويرد الصغار، وفي إحدى الغزوات قبل رافع بن خديج، وردَّ سمرة بن جندب، فسمرة ذهب إلى أبيه وقال له: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل رافعاً وردني وأنا أصرع رافعاً، قال له يعني أنا قوي بحيث لما.. حينما نتصارع أنا ورافع أصرعه. فذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يا رسول الله يعني قبلت رافعاً ورددت ابني، وابني يصرع رافعاً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بهما وأمرهما فاصطرعا يعني، فصرع سمرة رافعاً فأجاز الـ.. إيه؟ الاثنين هذا في جهاد الإيه؟ الطلب إنما جهاد الدفاع، ما معنى جهاد الدفع؟ حينما يدخل العدو بلداً ويحتلها هنا يجب على الكل أن ينفر للجهاد، كلٌ بما يقدر عليه، ولذلك قالوا في هذه الحالة.. حالة النفير العالم البلد بتقاوم كلها، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، والخادم بغير إذن سيده،والولد بغير إذن أبيه، والمرؤوس بغير إذن رئيسه، لأن حق الجماعة وحق الأمة مقدم على الحقوق الخاصة للأفراد، فهنا الأولاد بيخرجوا.. بيعمل يعني زي ما..، هنا الآباء ما فرضوش على الأولاد إنهم يروحوا يحاربوا، الأولاد من نفسهم، انطلاقاً من دوافع دينية ووطنية، رأي هذا العدو فبيرميه بالطوب، يعني زي ما بقول المثل: "حدف الطوب ولا الهروب"، يرمي بالطوب، بالحجارة، بالحصى، يعني يفعل ما يستطيع هذا يعني غير القضية اللي بيتكلم عنها بعض الإخوة إن حينما يكون الجهاد فرض كفاية ونختار بناخد، إنما بتقاوم قاوم ما استطعت، هذا لا شك إن أطفال الحجارة هم مفخرة لهذه الأمة، حتى يعني نزار قباني له قصيدة شهيرة أيام الانتفاضة الأولى، يعني قالها بعد شهر من انتفاضة غزة، نعرف إن الانتفاضة الأولى ما ظهرت ظهرت في غزة مساجد غزة، حتى كانت تسمى ثورة المساجد، وظهر هؤلاء الأطفال فكتب نزار قباني قصيدة، ونزار إذا كتب يعني قصائد في السياسية يبدع الحقيقة ويسمق على اختلاف قصائده الأخرى..

ماهر عبد الله: هو يبدع ولا يسمق!!

د. يوسف القرضاوي: آه.. فكان بيقول فيها:

يا تلاميذ غزة علمونا

بعض ما عندكم فنحن نسينا

علمونا كيف نكون رجالاً

فلدينا الرجال صاروا عجينا

علمونا كيف الحجارة تغدو

بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا

له القصيدة.. وفيها من ضمن يقول:

قد صغرنا أمامكم ألف قرن

وكبرتم خلال شهر قرونا

هذا الشهر اللي عملته. فالأمة كلها كانت تفخر بهؤلاء ولازالت تفخر بهم، ونحن نعتز بهؤلاء الأطفال الذين يعني يشاركون يعني أمتهم همومها هذه.. أبناء النكبة، أبناء المحنة "بقية السيف أندى"، كما يقول الشاعر، هؤلاء بقايا السيوف وبقايا الحروب وأبناء الشهداء، فلابد أن يكونوا غير الأبناء الآخرين، ولذلك نحن نباهي بهم ونغالي بمشاركتهم.

ماهر عبد الله: طب أنا سأعود لهذا الموضوع لأنه فيه تفريغه أخرى عليه، ولكن عندي بعض الإخوة منذ فترة طويلة على الهاتف ونعتذر لهم، الأخ عبد العزيز على من بريطانيا. الأخ عبد العزيز تفضل.

عبد العزيز علي حسن: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام.

ماهر عبد الله: معذرةً يا أخ عبد العزيز على التأخر.

عبد العزيز علي حسن: لا.. تحت أمرك.. الحقيقة أنا بأحيي أطفال الانتفاضة الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون، وبأشكركم على هذه الحلقة، وأنا بصراحة يعني موضوع الطفولة موضوع هام للغاية، ودليل أهميته إن..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: والله علَّي صوتك شوية يا أخي ما أنا مش سامع.

عبد العزيز علي حسن: دليل أهميته.. دليل أهمية موضوع الطفولة إنه ورد لفظ الطفل في القرآن في العديد من الآيات.

د. يوسف القرضاوي: نعم.

عبد العزيز علي حسن: في مجال الخلق وفي مجال التأدب، خاصة (وإذا بلغ منكم..) بسم الله الرحمن الرحيم (وإذا بلغ منكم الأطفال..).

د. يوسف القرضاوي: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم..).

عبد العزيز علي حسن: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم) سورة النور، الآية 59.

الأطفال هم المعيار الحقيقي لتقديم أي شعب أو حضارة أي شعب، وبيتوقف على مقدار الاهتمام بالأطفال، هنا أنا عملت دراسة لي ونشرتها في الأهرام الدولي تحت عنوان "ثقافة الطفل الإنجليزي وموقع الطفل العربي منها"، ومكثت 6 شهور في دراسة عملية في المدارس وعملت مقارنة بين مدارس.. ثقافة التعليم في المدارس البريطانية بالمقارنة مع ثقافة التعليم في المدارس العربية وتوصلت لـ 12 نقطة لقيت إنه فيه gap رهيبة ما بين ثقافة التعليم عندنا وثقافة التعليم عندهم، فيه مجالات عديدة جداً، في مجالات: الضرب والتربية وتنمية الإبداع والابتكار واستخدام الأساليب العلمية والتكنولوجية والترفيه عن النفس زي.. زي ما ذكر فضيلة الدكتور،والاهتمام باللغة، مسألة اللغة،هنا بيهتموا باللغة الإنجليزية بدرجة عالية جداً، عندنا بدأت تندثر اللغة العربية وأصبح نهمل الكُتَّاب والقرآن ونركز على اللغة الإنجليزية، برضو مسألة الضرب موجودة عندنا مش موجودة هنا، والعقاب بطريقة مختلفة، الترفيه عن النفس هنا بيودوا الأطفال حمامات سباحة من آن لآخر وبيعلموهم ألعاب رياضية عشان تنمية جسمهم الحركات السليمة و.. إلى آخره، المهم ما فيش داعي للاستفاضة هنا.

لكن أنا لي تساؤلين: السؤال الأولاني بأقول فيه.. فيه ورد تقرير حديث من وزارة الصحة البريطانية، التقرير دا بيقول إن 50% من الأطفال في المدارس في السن من 11-15 سنة بيتعاطوا الـ drugs أو المخدرات، ودا اللي خلينا بدأنا دلوقتي كعرب في الخارج نبدأ نهتم بإقامة تجمعات عربية واتحادات عربية عشان الأسرة العربية.. الأولاد المسلمين لما يبقوا مع بعض ما يخافوش على انحراف، وإنهم يروحوا ينجرفوا للمخدرات وللـ drugs والكلام دا زي الأطفال الإنجليز، ودي الحقيقة الميزة اللي بتميزنا بسبب تأدبنا بأخلاق القرآن، السؤال هنا: إيه هي الاستراتيجية اللي بيوجهها الشيخ اللي يجب على المدارس العربية والأسر الإسلامية اتباعها حتى لا ينجرف الأطفال إلى الرذيلة خاصة المخدرات؟ دا السؤال الأول.

السؤال التاني: الأطفال طبعاً لهم حقوق في الإسلام، عاوزين من فضيلة الشيخ يقول لنا حقوق الأطفال اليتامى والفقراء خاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان، وماهي الآلية العملية لتوصيل هذه الحقوق لهؤلاء الأطفال أو لأولياء أمورهم؟ وشكراً لكم وللسادة المشاهدين.

ماهر عبدا لله: مشكور جداً يا أخ عبد العزيز، معايا الأخ محمد عز الدين من السودان، أخ محمد اتفضل.

محمد عز الدين: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

محمد عز الدين: فعلاً الأطفال هم يعني محرومين من حاجات كتيرة هنا خاصة في الدول العربية الإسلامية، يعني الحكومات.. هم عايزين يعلموا الأطفال حاجات في غير مبتغى الإسلام، مثلاً -خاصة إن إحنا في عصر غريب- مثلاً تليفزيون الكويت قبل شوية جايبين في نفس.. في نفس الوقت بتاع البرنامج دا، جايبين عن ثقافات أميركا الـ song و الـ insider والأغاني وإيه، تليفزيون m.b.c بيجيبوا فيه برنامج.. في نفس الوقت بتاع (أكثر من رأي) والبرنامج بتاع فيصل القاسم بيجيبوا مثلاً.. بيجيبوا (نفسي أربح المليون)، بيحاربوا هم الحاجات الكويسة. مثلاً في تليفزيون مصر بيجيبوا أغاني وأفلام ومسلسلات في نفس الوقت ده، يعني هم عايزين يحاربوا الدين الإسلام، فأنا يعني سؤالي.. وبرضو عايزين الأطفال يحرموهم من الثقافات الإسلامية، بدل ما يشبوا، زي ما الدكتور ذكر قال الأطفال..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أخ محمد طب عندك سؤال في موضوع الحلقة؟

محمد عز الدين: سؤالي يعني سؤالي في نفس الوقت بتاع البرنامج إنه m.b.c جايبه (لرزان) المغربي كاسية عارية،وهل..، إحنا بنسأل أصحاب التليفزيونات.. أصحاب.. آلو.

ماهر عبد الله: طيب يا أخ.. أخ محمد لأ أنا عايز سؤال في موضوع الحلقة، يعني وأرجو أنه..أن ننبه بأنه رأيك هذا هو رأيك الخاص في المحطات التي ذكرت وليس، يعني قطعاً ليس رأي البرنامج ولا رأي الجزيرة، هذا رأي خاص من الأخ محمد قد نتفق وقد نختلف معه، لكن قطعاً كجزيرة طبعاً نحن غير معنيين ببرامج المحطات الأخر، عندك سؤال في موضوع الحلقة أخ محمد؟ أخ محمد يبدو أنه فقدنا الاتصال بالأخ محمد، سيدي قبل أن أعود إلى موضوع الأخ عبد العزيز واستكمالاً لموضوعنا الأول، الحقيقة ثمة جدل متصل بهذه المسألة، يعني فيها نوع من الخروج على.. على موضوع الحلقة، لكن هو في صميم موضوع الانتفاضة التي تحدثنا عنه قبل أسبوعين. ثمة فتوى لمفتي المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، طبعاً لم أطلع على نصها، ولكن ما نشرته عنها بعض الصحف يقول: "أن هذه الطريقة -أي العمليات التي يسمونها انتحارية وفضليكم يصرون على تسميتها بالاستشهادية- أن هذه الطريقة لا أعلم لها وجهاً شرعياً، ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس" المفارقة أنه أحد أعضاء هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ عبد الله بن حمد.. عبد الله بن عبد الرحمن البسام ذكر أن هذه تدخل وأيضاً هذا لم.. لم نر الفتوى يعني، ولكن صحيفة "البلاد" السعودية نشرت جزء من كلامه أن هي ليست لا تدخل في عمليات الانتحار التي نُهينا عنها، ولكن لها مثيلات في الشرع الإسلام، الأغرب من هذا أنه يُنسب إلى سماحة الدكتور الإمام سيد طنطاوي بوصفه شيخ الأزهر مال رأيان في هذه المسألة، مرة حض على هذه العمليات، وقد نشر أيضاً في بعض الصحف واعتبرها عمليات استشهادية كما سميتموها، بل وسمى كل من يقتل بهذه الطريقة شهيداً، هل ثمة قول فصل فيما يسمى بالعمليات الانتحارية والتي تُصرِّون على تسميتها بالعمليات الاستشهادية؟

د. يوسف القرضاوي: والله أنا أقول قولي فيها قول فصل، يعني أصدرت فتوى فيها من سنين ونشرت على مستوى يعني عالي، وأيدني في ذلك كثيرون من يعني منهم الشيخ البسام حفظه الله، ومنهم مفتي مصر الحالي الدكتور نصر فريد واصل ومنهم في الكويت الشيخ عجيل النشمي.

ماهر عبد الله: النشمي.

د. يوسف القرضاوي: ومنهم عدد من إخواتنا من علماء فلسطين، ومنهم مسلمون علماء في شتى البلاد، وأنا يعني رغم ما أكنه من ود وتقدير واحترام لسماحة الأخ العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، أنا أخالفه في رأيه هذا، وأرجو أن يراجع نفسه، لأن عملية المجازفة في إلقاء النفس في الأعداء ورغم ما يخشى أن الإنسان يقتل، وهذا نص عليه محمد بن الحسن، ونص عليه عدد من العلماء، وقالوا: إذا كانت مجازفته بنفسه تلقي نكاية في العدو، أو ترعبهم، أو تزعجهم، أو نحو ذلك فهذا مشروع، إلا إذا كان سيهلك نفسه ولا يفيد شيء بالنسبة للعدو فهذا لا يجوز، فهذا يعني لا شك أن هذه العمليات الاستشهادية من أعظم الأعمال التي تفت في عضض العدو وتدخل عليهم الرعب حينما يقنبل المسلم نفسه، يجعل نفسه قنبلة بشرية، ويلقى بهؤلاء لا شك إن ده من أعظم أعمال الجهاد هو سيُقتل، ولكنه هذا ليس منتحراً قط ولا قاتلاً لنفسه، هو بيرمي نفسه، ممكن إن تحصل آيه من آيات الله ولا يقتلش تنفجر الحاجة ولا يموتش، ممكن، يعني فلماذا نقول: إنه قتل نفسه، هو لم يقتل نفسه، هو يريد ينكي في العدو، وأن يضرب في العدو، وأن يخسر العدو خسارة بشرية يعني كبيرة، فهو يدخل في قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رؤوف بالعباد) وليس هذا من الإلقاء باليد إلى التهلكة كما جاء في حديث سيدنا أبي أيوب الأنصاري، فلذلك أنا يعني استغرب أن يصدر هذا من سماحة الشيخ المفتي وإن كان هو يعني قال: أخشى أن يكون هذا، يعني لم يجزم، قال: أخشى أن يكون هذا من قتل النفس ونرجو أن يراجع في هذا الأمر مع إخوانه، ولعلهم يصلون إلى رأي حاسم –إن شاء الله- أما هذا شيء يعني نؤمن به ونغالي به ونباهي به، وهو الذي يزعج إسرائيل، إسرائيل حينما قامت عمليتين استشهاديتين من عدة، من سنتين هاجت الدنيا، وقامت الدنيا ولم تقعد: وسعوا إلى إقامة مؤتمر في شرم الشيخ لأجل مقاومة هذا الذي يسمونه الإرهاب وما هو.. هو إرهاب مشروع (ترهبون به عدو الله وعدوكم).

ماهر عبد الله: لو عدنا لسؤال الأخ عبد العزيز ثقافة الطفل الإنجليزي ودراسته المقارنة من.. من ملاحظاته موضوع المخدرات، هل تعتقد أن هناك ما يمكن فعله، وما يمكن عمله لتجنب أن تنتقل مثل هذه العدوى، والحقيقة هذه العدوى موجودة، هو ذكر 50% من أطفالنا، أعلم صديق لي في قسم الدراسات الإنسانية في أحد الجامعات العربية دون أن نذكر اسماً أنه تبين أن 50% أيضاً من طلبة الجامعة العربية المقصودة كانوا أيضاً يتعاطون المخدرات، هل فات الأوان وابتلينا بظاهرة المخدرات؟

د. يوسف القرضاوي: أنا أولاً أحب أن أقول للأخ عبد العزيز ذكر إن القرآن أهتم بالأطفال، وذكر الآية سورة النور. (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) أنا أقول له القرآن أهتم بالأطفال فيما هو أكثر من ذلك، وذكر لنا قصص طفولات عدد من الأنبياء لنأخذ منها العبرة، فذكر طفولة سيدنا إسماعيل، وذكر طفولة سيدنا يوسف، وذكر طفولة سيدنا موسى، وذكر طفولة السيدة مريم أم المسيح، وذكر طفولة المسيح، كل هذه الطفولات لنأخذ منها العبرة، أما الثقافة التي نوفرها للطفل فيجب أن نوفر له ثقافة صحية، وليست ثقافة مسمومة، ولا يجوز أن ننقل ثقافة الآخرين إلى أطفالنا، نريد ثقافة عربية إسلامية مستنيرة، مشرقة بحيث أننا نغذي عقل الطفل ونغذي روحه وإيمانه، ونغذي أخلاقه وسلوكه، ويجب علينا إننا نهيئ لأطفالنا من الأسباب ما يملأ فراغهم، هي المشكلة مشكلة الفراغ، يعني كما قال أبو العتاهية قديماً:

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

فلـ.. لا نترك الأطفال في فراغ لازم نهيئ لهم ما يملأ أنفسهم بالطموحات والمثل العليا نعطيهم بحيث يتعلق بأسامة بن زيد، أو محمد بن القاسم بن محمد، أو الإمام الشافعي، أو يعني، وبحيث نملأ أوقاتهم بالأشياء النافعة، وبالمرفهات الصالحة، فيه هناك أنواع من الترويح مقبولة، ولا ندعهم فرائس لغيرهم، أنا يعني ما أظن الإحصائية التي قالها هذا الأخ بالنسبة لمجتمعاتنا إن إحنا 50% يتعاطون المخدرات..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: لأ.. وفيه واحد في الجامعات هو كان يقول.

د. يوسف القرضاوي: هذا.. هذا ما أعتقده صحيحاً، وبعدين هذا لا يتعلق بالأطفال، هذا بالجامعات هذا مرحلة أخرى غير مرحلة الطفولة.

ماهر عبد الله: صحيح، صحيح.

د. يوسف القرضاوي: إنما هو اللي بيتكلم في.. في إنجلترا بيتكلم عن الأطفال، المشكلة مشكلة الأطفال، الأطفال يقعون ضحايا للجنس، ويقعون ضحايا للمخدرات، فهذه الخطورة.

ماهر عبد الله: طيب سأعود لسؤال الأخ عبد العزيز لاحقاً، سؤاله الثاني، معايا الأخ حسام الدين عابد –من ألمانيا- أخ حسام تفضل.

حسام الدين عابد: سلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

حسام الدين عابد: أخي الكريم إذا سمحت لي بمداخلة أرجو أن تكون قصيرة، والواقع أن الكلام عن وضع الأطفال في بلاد المسلمين هو كلام عن وضع المجتمعات هناك، وأنا استغرب الكلام عن الألعاب وعن الترفيه عن الأطفال وكأن الآباء يمنعون ذلك ويحاربونه وقد أتيح.. وقد أتيح لهم ذلك، بلاد المسلمين تطبق فيها أنظمة رأسمالية فاسدة بأبشع صورها، وتطبيقها هو الذي أدى إلى ما نحن عليه، وبالتالي إلى دفع الأطفال للعمل، والعمل الشاق.

ولذلك كان الأصل عند الحديث عن الرفق بالأطفال أن يكون الكلام عن الأسباب الحقيقية للأوضاع القائمة في البلاد الإسلامية، والتي تؤدي إلى اضطهاد الأطفال ودفعهم للعمل الشاق هذا، وانظر على سبيل المثال في الباكستان يدفع الأطفال لأعمل فيها يتعلق بصناعة السجاد وغيره وهذه الأعمال أعمال شاقة، وتباع هذه السجاجيد في بلاد الغرب وبأسعار مرتفعة، فلماذا يحدث ذلك؟ لأن الوضع العام في تلك البلاد وضع فقر وجوع فكيف نطلب من الأب أن يرفه عن ولده وهو لا يجد اللقمة لأولادة، ولا يجد الحليب لأطفاله.

فالأصل أن يكون العلاج لهذه المشاكل التي تواجه المسلمين أن يكون علاجاً أصيلاً، وأن يحل مشكلة المسلمين.

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب أخ.. أخ حسام مشكور جداً على هذه المداخلة وأعتقد أنها قيمة وفي الصميم، معايا الأخ علي سعدون من النرويج، أخ علي تفضل.

علي سعدون: آلو، السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

علي سعدون: الحمد لله والشكر إنه حصلت فضيلة الشيخ، لأنه أنا صار لي فترة طويلة أحاول أحصله، أخ هيثم العفو عندي موضوع جداً مهم مو بخصوص الأطفال.

ماهر عبد الله: تفضل.

علي سعدون: بس أتمنى إنه الموضوع يكون غير معلن الحقيقة، الموضوع جداً خطر، وأتمنى إنه ما يكون على الهواء، فأتمنى من فضيلة الشيخ إنه يوعدني يكلمني شخصياً.

ماهر عبد الله: يا سيدي أترك تليفونك مع الإخوة اللي كلموك، وإذا استطاع الشيخ سيتصل بك، معايا الأخت جهينة الشافعي، أخت جهينة تفضلي.

جهينة الشافعي: نعم، السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

جهينة الشافعي: بلَّش عاوز بحديث الرسول –عليه الصلاة والسلام- اللي بيقول فيه: "من ترك مال فلورثته، ومن ترك دياراً فلنا" والرسول –صلى الله عليه وسلم- عندنا يقول ذلك، فإنه يقول بوصفه رئيس دولة، وهذا ما يفتقده المسلمون اليوم.. الحاكم الصالح الذي يحكم بالإسلام، وأما بالنسبة لأطفال الانتفاضة فإنه لا.. لا يليق بنا كأمة أن نقول بأن مواجهة اليهود تكون من خلال أطفال فلسطين فيقتلونهم اليهود والأصل أن تتحرك الأمة بجيوشها، هذا هو الواجب الشرعي كل على مسلم له نخوة، وعنده ضمير، السلام عليكم.

ماهر عبد الله: مشكورة جداً يا أخت جهينة، سيدي تبدأ بسؤال الأخت جهينة إلى أي مدى صلاح الحكم، وجود الحاكم الصالح يمكن أن يؤثر في اجتثاث كثير من.. من الأشكال، خصوصاً أنه هذا له علاقة بسؤال الأخ حسام أنه الأب لا.. عندما يحرم أطفاله من.. من اللعب والرفاهية لأنه مضطر بسبب الفقر لإخراجهم.

د. يوسف القرضاوي: أنا ذكرت في أول الحديث إن هذا العصر عصر التناقضات فنجد الناس الذين يملكون أدوات الرفاهية والنعيم إلى حد الترف.. إلى حد اللعب بالملايين، يعني هناك ناس يعلبون بالملايين وناس آخرون لا يجدون الملاليم –كما نقول- فهؤلاء الفقراء هُم الذين يضطرون إلى أن يذهبوا بأولادهم إلى العمل ويدفعوهم إلى العمل، هؤلاء يعني يعلمون وفق الضرورات، ولكن هذا ليس هو الوضع السليم، الوضع السليم أن يكون هناك تكافل اجتماعي بين الأغنياء والفقراء بين الأقوياء والضعفاء، والحديث التي أشارت إليه الأخت جهينة وهو الحديث صحيح النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (أنا أولى بكل مسلم من نفسه، من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلى وعلي) ديناً.. مديون، أو ضياع يعني أولاد صغاراً ضائعين لأنهم لا مال لهم ولا قدرة لهم، فهؤلاء إلى وعلي، وهذا قاله فعلاً بصفته إمام المسلمين ورئيس دولتهم، فهذا إليه وعليه ومعنى هذا إن ولي الأمر المسلم عليه أن يبحث عن هؤلاء وخصوصاً إذا كان البلد عندها قدرة وعندها موارد لا يجوز أن تترك هؤلاء الأطفال، سيدنا عمر كان يفرض لكل فطيم يعني رزقاً من بيت المال، مبلغاً معين يُدفع له، وبعدين في مرة كان بيصلي فطفل ظل يعني يبكي بكاءً مراً، وطويلاً، وبعد الصلاة أين أم هذا الطفل قالت له: يعني أو هو شاف هذا الطفل فقال لها: لماذا يبكي هذا الطفل؟ وماكانش تعرف قالت له: ماذا نفعل، عمر لا يفرض إلا لكل فطيم من بيت مال المسلمين، أي الطفل المفطوم، فهي فطمت الطفل قبل موعده عشان ياخد الرزق المدون له، فسيدنا عمر قال: بالله كم قتل عمر من أبناء المسلمين، وفرض لكل مولود في الإسلام، يعني بدال ما كان يفرض لمن بلغ حد الفطام فرض لكل مولود، فالمفروض إن الدولة ترعى كل مولود في كفالتها، فهذا يعني حق الأطفال على المجتمع عامة وعلى الدولة بصفة خاصة.

ماهر عبد الله: تعليقها الأخير إن يعني لا يليق بنا أن نطلب من أطفال فلسطين.

د. يوسف القرضاوي: لا.. لا يجوز طبعاً أن يحمل الأطفال.

ماهر عبد الله: ولكن الأصل هي تقول أن يكون جيوش الأمة تتحرك لتحرير.

د. يوسف القرضاوي: وهذا ما نادينا به من.. من زمن، ولكن إذا يعني للأسف.

ماهر عبد الله: إذ لم يتوفر هذا الخيار.

د. يوسف القرضاوي: الكبار وقفوا، يبقى الصغار يشتغلوا هؤلاء الحقيقة هم الصغار الكبار هؤلاء التلامذة الأساتذة، الأشبال الأسود حقيقة، وقد عرفت أنه قتل أكثر من مائة وخمسة من الأطفال منهم يعني أكثر من 95 في سن الثانية عشرة فما دونها، والإصابات في الرؤوس والصدور، يعني إصابات مقصودة، بيضرب في المقاتل فهذا ما تصنعه إسرائيل.

ماهر عبد الله: لا، هو ثمة.. ثمة جانب آخر إنه إذا لم تقاتل الجيوش العربية يعني هل.. هل يبقى الوضع عل حاله؟

د. يوسف القرضاوي: والله لازم يبقى الوضع على.. على حاله تستمر هذه الانتفاضة حتى تحقق أهدافها، ويقويها الآخرون، يقويها جماعة حماس وجماعة الجهاد، وجماعة فتح، والفصائل الفلسطينية كل يُدلي بدوله.. بدلوه، وعلينا أن ننادي الآخرين هذا.. أنا يعني باستغرب من هذا الهمود والخمود والاسترخاء الذي حدث مع هذه الانتفاضة، يعني الناس في أوائل الانتفاضة كانوا يعني في غاية من الحماس والقوة، ما الذي حدث؟ الانتفاضة تزداد حماساً وإسرائيل تزداد عنفاً وجبروتاً، ولم يتحقق شيء، لماذا سكت الناس؟ لماذا يتفرج العرب والمسلمون على إخوانهم وهم يذبحون ويقتلون؟ هذا أمر استغرب منه وأنادي المسلمين، نحن أصدرنا بيان من عدد من العلماء ونادينا الأمة إنها تعبر عن.. عن شعورها في يوم الجمعة الماضي، ويوم الجمعة القادم، تعبر عن هذا الشعور بالخروج والتظاهر والهتافات والبرقيات، ونداء الحكام أن يفعلوا شيئاً، لابد من هذا.

ماهر عبد الله: طيب معايا الأخ محمد المنور –من ألمانيا- أخ محمد تفضل.

محمد المنور: المنور سيادتك.

ماهر عبد الله: عفواً يا سيدي، تفضل.

محمد المنور: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

ماهر عبد الله: إن شاء الله دايماً منور يا أخ محمد.

محمد المنور: الله يبارك فيك، الحقيقة برنامج عظيم جداً، نحيي الشيخ، ونحيي سيادتك.

ماهر عبد الله: أهلاً بك.

محمد المنور: الجزء المهم اللي أنا بأفتكر بأتكلم عنه هو الجزء الأولاني في التربية لغاية سن السابعة، فأنا أتصور إنه ده شيء أساسي ومهم ومهما، كان الإنسان يعني فقير أو معدم يعني الحب مفروض يكون موجود في قلب الأب لأبنائه، وأتمنى إنه البرنامج ده يعاد، ويعاد عدة مرات وخصوصاً في بلدنا السودان، شكراً جزيلاً.

ماهر عبد الله: مشكور جداً يا أخ محمد، معايا الأخ خالد نصر الله من لبنان.. طالب نصر الله عفواً، تفضل يا أخ طالب.

طالب نصر الله: السلام عليكم.. السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

طالب نصر الله: لدي مداخله بسيطة بعد إذنك، الفقر الموجود في البلاد الإسلامية أسبابه معروفه لدى جميع المسلمين، ليس فقر الأطفال وحاجتهم للعمل، بل حاجة أهلهم وهو جزء رئيسي من هموم الأهل والأب والأم تلهث خلف لقمة العيش، والثروات تذهب من أيدي الحكام الموظفون إلى القطب الواحد الموجود في العالم وهو أميركا، ولا يمكن أن تحل مشكلة المسلمين إلا بالعودة إلى نظام يرعى كامل شؤون المسلمين نظام الدولة المسلمة الخلافي، وشكراً.

ماهر عبد الله: مشكور جداً يا أخ طالب من لبنان يعني الأخ محمد المنور، لماذا خص السودان في الحب في قلب الأب علمية..، أنت ذكرت أن الأم أحنى هذا اللمسة.. لمسة الحنان التي تعطيها الأم للطفل حقيقة أنها تضع الطفل في حضنها وهي ترضعه، إلى أي مدى تؤثر في شخصية الطفلة في قابل أيامه؟

د. يوسف القرضاوي: هو حاجة الطفل إلى الحنان والحب والعواطف أكثر من حاجته إلى الطعام والشراب، الطفل لو أكل وشرب، ولكن حرم هذا القلب الفياض بالمحبة، والقلب الفياض بالرحمة، والحنان ربما ظهر طفلاً رديئاً وربما ظهر طفلاً قاسياً على من حوله، لأنه حرم من الحب والحنان فيعني كان من أثر ذلك إنه المجتمع صنع منه هذا الشخص الذي ربما ينتقم من المجتمع، يعني يتحول إلى نقمة على المجتمع، والمجتمع هو الذي فعل فيه هذا، هو ابتداءً من الأسرة، فلذلك على الأب والأم، الأم أحنى، ولكن الأب يجب أن يكون حانياً أيضاً، كلاهما، لابد أن يشعر الطفل بهذا الحب وبهذا الحنان، يعني حتى كما قال الأخ: لو كان.. مهما كان فقيراً أو كذا، ممكن فقير، ولكن غني بهذه المشاعر، عنده هذه الثروة، كثير من الأطفال الذين نشأوا في أسر فقيرة ولكنهم في ظل المحبة الأسرية، وفي ظل هذا الينبوع الدافق بالمشاعر الإنسانية الحلوة نشأ هؤلاء الأطفال يعني نشأة سوية وكان لهم آثارهم في المجتمع من هذه الأبوة الراعية، والأمومة الحانية، والأخوة الراضية، والجو الإيجابي الصحي الذي أنشأ هؤلاء بالأطفال أعضاء صالحين في جسم المجتمع الحي.

ماهر عبد الله: لو عدنا لسؤال الأخ عبد العزيز وهذا السؤال يعني طرح أكثر من مرة حتى على.. على الهوا لكن يبدو ثمة حاجة لطرحه من جديد، واجبنا تجاه الفقراء من أطفال المسلمين الذين يعيشون خارج أقطارنا، سبق أحد كبار رجال الأعمال في العالم العربي سأل يستفتي.. يستفتيكم شخصياً يجد بعض الحرج في أن يرسل بعض زكاوات أمواله خارج بلده، موضوع مثل فلسطين، موضوع الشيشان، موضوع مثل أفغانستان حيث يموت 400 طفل في اليوم، إحصاءات الأمم المتحدة التي تقول: إنه كل 4 ثوان يموت طفل في العالم بسبب الجوع، ما هو واجبنا تجاه الأطفال الذين يعيشون خارج الأقطار التي نعيش فيها؟

د. يوسف القرضاوي: هو واجبنا إنه أصحاب القدرة وأصحاب الثروة، وأصحاب المال يعني يدفعون شيئاً من أموالهم، يعني هناك الأغنياء في البلاد المختلفة يدفعون ويبذلون هذه الأشياء، هناك رجل مليونير بلجيكي من عدة سنوات احتضن ثلاثين ألف طفل أظن من الصومال لم يجدوا لهم آباءً ولم يجدوا لهم أسراً، خدهم، طيب بالله عليك هؤلاء الأطفال وهم من أبناء المسلمين علام ينشئهم هذا الثري البلجيكي؟ هل ينشئهم على دين الإسلام، وعلى أخلاق الإسلام، وعلى عقائد الإسلام؟ قطعاً ضاع هؤلاء من المسلمين، ألم يكن عند المسلمين من المليونيريين والمليارديريين والذين ينفقون الملايين هنا وهناك من يستطيع أن يقوم بهؤلاء، قطعاً ذنب هؤلاء الفقراء في أعناق الأغنياء والموسرين، وهذا ينبغي إن إحنا ننظم هذا الأمر، وتقوم الجمعيات الخيرية، وتقوم المؤسسات الإنسانية بعمل إيجابي حتى نستطيع أن ننقذ أطفال المسلمين من الضياع والهلاك.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: سيدي الأخ صلاح خوجلي _إعلامي سوداني- يدخل إلى الموضوع من باب آخر موضوع التربية الأسرية الذي تفضلتم بالحديث عنه، ألا توافقني الرأي -يقول الأخ صلاح- أن خروج المرأة للعمل تحرم أطفال جيل اليوم من أهم ما يحتاج إليه، وأن ما نشاهده اليوم من جيل مهزوز السبب هو خروج المرأة من بيتها وتركها تربية الأطفال للمربيات من غير المسلمات أو صاحبات الثقافات التي تعارض ديننا؟ يعني من ناحية نحن نقدر أن المرأة لابد أن تعمل لأنه هكذا صار حال الدنيا اليوم، والوضع الاقتصادي يستدعي مشاركتها، ألا يأتي هذا على حساب تربية الأطفال؟

د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، حينما أجزنا للمرأة أن تعمل لم نجزه بإطلاق بل بقيود، ولذلك قلنا إنه المرأة تعمل بشروط، من هذه الشروط أن يكون عملها مباحاً في نفسه، لا يكون العمل محرماً، مثل أن تعمل يعني راقصة أو تعمل بائعة خمور، أو تعمل سكرتيرة خاصة لواحد يقتضي عملها الخلوة به، ويعني هذه الأعمال.. الأمر الآخر أن تلتزم الآداب الإسلامية في الخروج إذا خرجت في اللبس والزي، في الحركة، في الكلام (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)، (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم مما يخفين من زنتهن) إلى آخره، الأمر الثالث ألا يكون ذلك على حساب يعني بيتها، زوجها وأولادها، بحيث إن لو تعارض عملها مع حق الأولاد في الرعاية، ومع حق الزوج يكون العمل غير جائز، فلذلك يعني أحياناً يكون الأمر يعني متاحاً لها، مثلاً يكون معاها أمها فتعمل هي والأم بترعى الأولاد، أو أم زوجها تكون معاها، أو كذا، أو معها خادمة مأمونة يعني مثلاً، فيجوز في هذه الحالة، إنما البعض حتى يعني للأسف، بعضهن لا يعملن، يعني في بلاد الخليج نساء لا يعملن، ومع هذا لا تكاد ترى أولادها، تاركة الأمر للخادمة الهندية أو الفلبينية، وكأن هذا الولد لم يولد لها، كأنها ليست أمه، فهذه المشكلة، المفروض الشعور بالمسؤولية، كلكم مسؤول عن رعيته هذا هو الواجب الأول.

ماهر عبد الله: الأخ حبيب ناصر من بلجيكا يعني من خلال معيشته في العالم الغربي يقترح: لماذا لا يكون في عالمنا الإسلامي شيء شبيه بما يحدث في.. من قضايا الضمان الاجتماعي مثل تخصيص مبلغ خاص لكل طفل شهرياً منذ ولادته حتى انتهاء دراسته، ذكرت موضوع -أنت فضيلتكم- قصة عمر بن الخطاب مع رعيته، الدول العربية والإسلامية لا تفعل أشياء مثل هذا.. هل.. هل ترى فيه.

د. يوسف القرضاوي: ممكن فعل هذا بس المشكلة مشكلة الناس الذين لا يكادون يجدون القوت، يعني الذين يدفعون أولادهم للعمل، يعني من أجل الضرورة، هؤلاء كيف يوفر لأولاده، ممكن الناس المقتدرين يدخر من يومه لغده هذا.

ماهر عبد الله: لا.. من الدولة.. لا هو الاقتراح من الدولة لأنه في أغلب الدول الأوروبية، كل الدول الأوروبية مجرد ما يولد الطفل مهما كان الوضع المالي لعائلته يدفع له بدل الحليب، بدل..، إضافة إلى مبلغ مالي مخصص للطفل وليس للعائلة.

د. يوسف القرضاوي: المفروض أن يكون هذا في بلادنا، نحن أولى برعاية الطفولة منهم.

ماهر عبد الله: الأخ حبيب أيضاً يقترح أن يكون تعليم وتربية الطفل أن يصل إليها عن طريق القلب أولاً للوصول إلى العقل، وليس العكس، هل المدخل العاطفي لتقديم الأشياء أفعل من المدخل العقلي المجرد؟

د. يوسف القرضاوي: هو إذا كان المقصود يعني نحببه.. يعني إلى التعليم.. يني لا نجعل الأمر من إنه عبء يحمله الطفل رغماً عنه، لأن مشكلة الأطفال إنه أحياناً بيبقى معتبر التعليم ده كأنه عقوبة، يعني بيذهب إلى المدرسة، لا نريد أن يذهب إلى المدرسة بحب وأن يترقى لأشياء، ولذلك المعلم المحبوب هذا نعمة من الله –سبحانه وتعالى- فيه بعض المعلمين يعني يحببون الأولاد إلى التعلم، فيحب المدرس، ويحب درسه، ويعتبر.. ويعتبر هذا إنه كأنه أب وهذا ما جعل بعض الناس القدامى لما قيل له: لماذا تحترم معلمك أكثر من أبيك، قال: إن أبي سبب حياتي الفانية، ومعلمي سبب حياتي الباقية لذا كما قال الشاعر:

فذاك مربي الروح والروح جوهر

وهذا مربي الجسم والجسم كالصدف

فإحنا محتاجون إلى هذا المعلم الذي يربي الروح ويحبب الطفل في العلم.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: سيدي ثمة يعني طواهر أيضاً كون إن سؤالنا الأخير كان عن الاقتداء ببعض الجوانب التي نشأت وازدهرت في العالم الغربي، ثمة جوانب سلبية أخرى، الاعتداء الجنسي، والاعتداء الجسدي على الأطفال، الضرب الشديد المبالغ فيه في بعض الأحيان، والذين ينم عن انتقام أكثر مما ينم عن موضوع تربوي، الاعتداء الجنسي كظاهرة، هل للإسلام موقف أغلظ في الجانب الجنسي عندما يكون داخل العائلة منه عندما يكون خارجها؟

يوسف القرضاوي: هو الإسلام بيعني يقوم بعلاج هذا الأمر عن طريق الوقاية قبل العلاج، إنه يمنع أسباب يعني هذه الصلات المحرمة، ولذلك النبي –عليه الصلاة والسلام- يقول يعني "علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" يعني ما تخليهمش يناموا في فراش واحد، لأن هذا الاحتكاك، وخصوصاً في فترة المراهقة أو كذا قد يؤدي إلى هذه التجاوزات الجنسية، فالحماية، وبعدين أن نعرِّف الطفل من أول الأمر إن فيه حلال، وفيه حرام، وفيه أمر يحبه الله، وأمر يكرهه الله، فنحميه بالتربية الدينية والتربية الخلقية من أول حياته منذ نعومة أظفاره.

ماهر عبد الله: طيب فيه سؤال له علاقة بالانتفاضة يبدو أنها ستفرض نفسها، لكن دعني آخذ بعض المكالمات لأنه أولاً … معي الأخت أم المهند -من ألمانيا- أخت أم المهند تفضلي.

أم المهند: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

ماهر عبد الله: ممكن أطلب منك بس الاختصار أختي لأنه شارف الموضوع على الانتهاء.

أم المهند: آه أكيد، لو سمحت لي سؤال.

ماهر عبد الله: تفضلي.

أم المهند: لماذا لا يقوم الشيخ ببيان السبب الحقيقي وراء استغلال الأطفال في بلاد المسلمين، وهو وجود الأنظمة الكافرة المطبقة في بلادنا، والتي جعلت المسلمين يعيشون في فقر وجوع ويتسولون حتى لقمة العيش، يقول تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) لماذا لا تجهرون بكلمة الحق لا تخشون في الله لومة لائم وشكراً.

ماهر عبد الله: طيب أعتقد السؤال واضح يا أختي، الأخ سالم عبد الله من بريطانيا، الأخ سالم اتفضل وباختصار الله يخليك.

سالم عبد الله: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

سالم عبد الله: يعني بس أحب أذكر بعض الأعمال اللي قام بها عمر رضوان الله عليه، عندما قال: "إذا غاب أبو العيال فأنا أبو العيال" وهو اللي فرض للمنفوس مائة درهم فإذا بلغ زاده، وكان يوصي عمر بهم خيراً، وعمر حلف قائلاً: "والله لإن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه"، ولما سمع بكاء صبي فطمته أمه لأن عمر لا يفرض إلا للفطم قال: يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر منادي فنادى ألا لا تعجلوا صبياكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وهو قال:والله لأزيدن الناس ما زاد المال، لأعدن لهم عداً فإن أعياني كثرته لأحثون لهم حثواً بغير حساب هو مالهم يأخذونه، أقول ما يصيب الأطفال هو مصداق لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- الإسلام والسلطان تؤمان لا ينفصلان لا يرتفع أحدهما إلا بصاحبه، فالإسلام.. والسلطان.

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أخ سالم.. أخ سالم النقطة واضحة جداً ومشكور وإن -شاء الله- ستسمح من الشيخ تعليق عليها، معي الأخ أحمد بهنسي وأرجو أن تكون هذه المكالمة الأخيرة والمختصرة أيضاً، اتفضل يا أخ أحمد.

أحمد بهنسي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: وعليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام.

أحمد بهنسي: الشيخ القرضاوي جزاه الله عنا خيراً لو يتزعم أو يقود حملة لتوحيد التعليم حتى في البلاد الإسلامية لتوحيد تعليم الأطفال، بدل ما كل أطفال المسلمين يعانوا لو انتقل مسلم من مكان إلى مكان لا يجد تعليم يناسب تعليم بلده الأصلي، مبني على شريعتنا.

والنقطة الأخرى المؤتمرات واللقاءات العربية والإسلامية والقمم لماذا لا تتبنى فكرة مثل مسرح الطفل وسينما الطفل وأغنية الطفل الفاسقة والفاجرة والماجنة؟ لماذا لا يتبنى بدائل من هذا النوع إسلامية تهتدي المسلمين أطفالاً وحتى كباراً بدل أن يغرقوا فيما هو ليس إسلامي، وجزاكم الله عنا خيراً.

ماهر عبد الله: طيب مشكور جداً يا سيدي، هل تتفق الرأي مع الأخت أم مهند وأعتقد جوهر سؤال الأخ سالم عبد الله، أنا أبو العيال، كزعيم دولة، عمر بن الخطاب، إلى أي مدى أن نحصل أو أن نحرص على الوصول إلى الدولة الإسلامية سيساعد في حل هذه المشاكل التفصيلية؟

د. يوسف القرضاوي: والله لو وجدنا فعلاً الدولة الإسلامية الحقيقية، ووجد الراعي الذي يحمل روح عمر، وعقل عمر، وإرادة عمر تنحل كثير من المشاكل، فنفقد هذا الإمام الذي كان يرى نفسه أباً للصغير، وأخاً للكبير، وهذا ما نفقده، الإمام العادل الذي جاء في الأحاديث وصفه الذي كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز يقول له عن الإمام العادل فهو يعني الذي ينقاد إلى الله ويقود الرعية ويسمع من الله ويسمعهم، ويأخذ من الله ويعطيهم، هذا ما نفتقده ونحاول أن نعمل بقدر الإمكان إذا لم نجد مثل عمر، يعني نبقى بس في الطريق إلى عمر، لا نجد مثل عمر، عمر عملة نادرة إنما نقتدي بهؤلاء، "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".

ماهر عبد الله: طب كون يعني انتهينا من موضوع المكالمات أنا قطعت السؤال الذي كان قد فاتني وهو من ملحقات الأسئلة عن الانتفاضة، بعض العلميات الاستشهادية يروح ضحيتها بعض الأطفال الإسرائيليين، وأيضاً هذه مصدر لشبهة لكثير من المسلمين، الدعوة إلى تحريمها والوقوف منها موقف سلبي، إلى أي مدى يمكن أن يؤثر..

د. يوسف القرضاوي[مقاطعاً]: أولاً أحب أن أقول الإسلام يحرص على رعاية الأطفال سواء كانوا من المسلمين أم غير المسلمين بل يوجب القتال لإنقاذ الأطفال، القرآن يقول (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) فالقتال من أجل الولدان، وحينما أمر المسلمين أن يقاتلوا أعداءهم كان من الوصايا النبوية: لا تقتلوا وليداً، ولا تقتلوا امرأة، ولا تقطعوا شجراً، ولا تهدموا بناءً، إنما يقتل من يقاتل، الذين لا يقاتلون ولا يحملون السلاح لا يدخلون في الحرب ولا يتعرضون للخطر، ولكن هناك أشياء تقضيها، الضرورات الحربية، وهذا ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما حاصر بني النضير وتحصنوا في نخيلهم وظلوا مدة طويلة، فاضطر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحرق بعض النخيل حتى اضطرهم إلى التسليم، وقالوا له: يا محمد كنت من قبل تنهي عن الفساد وتعيب من يفعله والآن أنت ترتكبه، فنزل قول الله تعالى (ما قطعتم من لينة) أي نخلة (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين).

ولذلك فالأصل عندنا نحن المسلمين ألا نقتل طفلاً ولا نقتل امرأة ولا نقتل شيخاً لا صلة له بالحرب، ولكن أحياناً تقتضي.. يعني إخوانا حينما يفخخون سيارة أو كذا. لا يقصد.. لا يقصدون قتل طفل، إنما يقتل في غير مقصود يعني ما قصدوا أن يقتل الطفل، إنما أحياناً يوجد طفل بالصدفة في هذا المكان فيقتل، فهذا غير التعمد لقتل طفل، يعني في الانتفاضة الأطفال ضربوا بالرصاص في رؤوسهم وفي صدورهم، هذا تعمد لقتل الأطفال، حينما فيه الأعمال اللي تعملها إخواتنا في حماس أو في الجهاد أو في فتح أو في غيرها لا يقصدون قتل الأطفال، إنما يقتل الطفل تبعاً وليس قصداً.

ماهر عبد الله: لو عدنا إلى الجانب النظري الصرف ثمة في فلسفتنا الإسلامية المبنية على فكرنا المتجذر في عقيدة التوحيد ثمة موقف من موضوع اليتم، نحن نتحدث عن الحرب، والحرب أول ضحايا الإنسان، والضحية الكبرى، من نتائج ذلك تيتم الكثيرين، الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مجموعة من الأحاديث يعني حض على رعاية اليتيم، واعتبر نفسه هو وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، الأسوأ من وضع اليتيم وضع اللقيط..

د. يوسف القرضاوي: اللقيط.

ماهر عبد الله: كيف.. كيف في تراثنا الإسلامي عالجنا مشكلة اليتيم؟

د. يوسف القرضاوي: الإسلام يعني لا نجد ديناً عني باليتامى ورعاية اليتامى كما عُني به هذا الإسلام والقرآن الكريم، خاصة، عُني باليتيم من ناحيتين، من ناحية شخصيته، بناء شخصيته الإنسانية، بحيث لا ينشأ إنساناً مقهوراً يشعر بالذلة، فلذلك الله تعالى قال لرسوله (فأما اليتيم فلا تقهر) وقال (أرأيت الذي يكذب بالدين فلذلك الذي يدع اليتيم) يعني يدفعه بعنف حتى لا يُذل شخصيته، ومن ناحية أخرى مال اليتيم (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) وجاء الحديث النبوي الشهير "أنا وكافل اليتم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه"، ولذلك من الأشياء التي للجمعيات الخيرية الإسلامية في عصرنا كفالة اليتيم، موضوع كفالة اليتيم، إن هناك أناس يكلفون يتيماً أو يتيمين أو أكثر ويظل معه حتى يتخرج، وهذا من أعظم الأعمال عند الله تبارك وتعالى.

الأهم من اليتيم والأحوج إلى الرعاية اللقيط، الذي جاء -في الغالب- يكون نتيجة يعني ثمرة جريمة زنا أو نحو ذلك، وتحمل المرأة ويرمى به عند المسجد أو في السوق أو في الطريق ولا يجد له أسرة ولا أهلاً، فهذا الإسلام يعني أمر إن الدولة نفسها ترعاه أو تكلف من يرعاه لحساب الدولة يعني سيدنا عمر جاب لواحد قال له: خد وعلينا رزقه وعليك تربيته. الدولة تدفع له، فهو في الرعاية هذا بعض العلماء بيقول دا يدخل في ابن السبيل، ابن الطريق، وجد في الطريق، والقرآن تكلم عن اليتامى وأبناء السبيل، وجعل لهم حقاً في الغنيمة (وأعلموا ما غنمتم فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين) وفي الفيء (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كي لا يكون دولة بين الأغنياء) فجعله في خزانة الدولة نفسها، غير ما على الأغنياء نحو هؤلاء، فالأغنياء من ناحية، والدولة من ناحية أخرى عليها أن ترعى هؤلاء الضعفاء حتى لا يضيعوا في مجتمع مسلم.

ماهر عبد الله: هل جزء من هذا اهتمام الدولة بالأطفال ما ذكره الأخ أحمد بهنسي من ضرورة السعي لإيجاد مسرح للأطفال، سينما للأطفال، تشجيعهم على ما ينمي ذائقة الجمال فيهم، ذائقة الخيال فيهم.

د. يوسف القرضاوي: نعم.. هذا يعني ذكرنا إنه لابد يكون عندما عناية بالطفل من حيث التعليم العام، ومن حيث تهيئة الأسباب التي تنمي شخصيته السوية دون أن يعني يكون هناك عقد في حياته أو يشعر بالنقمة على المجتمع، فنهيئ له الأشياء المناسبة له، نهيئ له الأفلام التي تناسب عقليته وترضي يعني شخصيته ونفسيته، ونهيئ له هذه الأشياء المناسبة، نهيئ له الرحلات مناسبة، نهيئ له الأناشيد الدينية التي يعني ينشدها، نهيئ له الحياة الملائمة لعقليته ولمرحلته العمرية حتى ينشأ نشأة سلمية سوية صالحة ويكون عضواً نافعاً في المجتمع في مستقبله إن شاء الله.

ماهر عبد الله: سيدي شكر الله لك، فقط نعتذر للإخوة الذين حاولوا المشاركة معنا عن طريق الإنترنت لهذه الأمسية لسبب فني خارج عن طاقة الجزيرة وطاقمها، لم نستطع للأسف الشديد استقبال مشاركاتكم، إلى أن نلقاكم الأسبوع القادم، تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: الجزيرة