الشريعة والحياة

الشفاعة وموقف الرافضين لها

ما المفهوم الاصطلاحي واللغوي للشفاعة؟ ومَنْ يقوم بها؟ هل تتنافى الشفاعة مع قانون العدل الإلهي؟ كيف يمكن التوفيق بين الآيات التي تثبت الشفاعة والآيات التي تنفيها؟ ما دواعي رفض د. مصطفى محمود للقبول بفكرة الشفاعة؟

مقدم الحلقة

د. حامد الأنصاري

ضيف الحلقة

د. يوسف القرضاوي – داعية إسلامي كبير

تاريخ الحلقة

20/06/1999

undefined
undefined

د. حامد الأنصاري: بسم الله الرحمن الرحيم، أعزائي المشاهدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في لقاء جديد مع (الشريعة والحياة)، مشاهدينا الكرام، من خلال حلقات البرنامج، وتناوله لأمور الشريعة والحياة، تمكنا سوياً معكم من إيجاد رابطة من الثقة والفهم المتبادل لطبيعة لبرنامج، ومسؤولية الكلمة المذاعة مباشرة على الهواء.

وكما عودتكم قناة (الجزيرة) فإنها تحترم جميع آرائكم، وتقوم بإذاعتها غير منقوصة في برامجها التي تبث بثاً مباشراً، ولكننا نناشد مشاهدينا الكرام أن تقابل هذه الثقة باحترام تقاليد قناة (الجزيرة)، كما أكدنا على ذلك مراراً، ونود في هذا السياق الإشارة إلى أن هذه التقاليد تقوم على احترام الآراء، والأديان والمدارس السياسية والاجتماعية المختلفة مع السماح بمناقشتها بموضوعية وحرية، وفي الإطار نفسه فإن قناة الجزيرة لا تسمح طبقاً لتقاليدها ومبادئها بالإساءة المتعمدة، أو غير المتعمدة إلى الأشخاص، سواء أكانوا مواطنين عاديين، أم رموزاً دينية، أم سياسية.

ونحن إذ نضع ثقتنا في مشاهدينا الكرام وقدرتهم على الحوار الموضوعي نأمل أيضاً أن نحوز على ثقتهم بمنهج القناة الموضوعي الذي اعتمدته مقياساً لما يبث على شاشتها.

أعزائي المشاهدين، من كرم الله –تعالى- على عباده أنه أعلى جانب الرحمة على جانب العدل، فجعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف أو يزيد، وجعل السيئة بمثلها أو يعفو، وجعل للسيئة مكفرات عدة من الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان، وقيامه، والصدقات، والحج، والعمرة، والتسبيح والتهليل، والتكبير، والتحميد، وغيرها من الأذكار والدعوات، وجعل الله دعاء المؤمنين بعضهم لبعض مما يغفر الذنوب سواء في الحياة أو في الممات.

وزاد كرم الله -عز وجل- على عباده فاختص أناساً من خلقة يشفعون في إخوانهم المؤمنين، كما في الشهيد الذي يشفعه الله في سبعين من أهله جزاء أن قدم روحه في سبيل الله، ثم كانت المنة الكبرى على الأمة الإسلامية، فامتن الله عليها بتشفيع نبيها محمد -صلى الله عليه وسلم- في العصاة من الأمة.

إعلان

يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "لكل نبي دعوة دعا بها فاستجيب له، فجعلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم

القيامة" لكن هذا الحديث يتعارض في ظاهره مع قول الله -عز وجل- (وما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) وقوله تعالى (أفأنت تنقذ من في النار) وهذا التعارض الظاهري دفع بالدكتور مصطفى محمود إلى تبني مفهوم آخر للشفاعة من جهة، وإلى التشكيك في مثل هذه الأحاديث من جهة أخرى.

فما المفهوم الصحيح للشفاعة؟ وكيف يكون الموقف الصحيح من السنة عندما تتعارض مع القرآن؟ وهل أخطأ الدكتور مصطفى محمود من الأصل بالخوض في مثل هذه القضايا، وإبداء الرأي فيها، هذه الأسئلة وغيرها نناقشها في هذه الحلقة مع فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، مرحباً فضيلة الشيخ.

د. يوسف القرضاوي: مرحباً بكم يا أخ حامد.

د. حامد الأنصاري: فضيلة الشيخ، فجع العالم الإسلامي بالأمس بوفاة فضيلة الشيخ علي الطنطاوي، فهل لكم من كلمة تأبينية في هذا السياق؟

د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد، فقد قُدر علينا في هذه السنوات أن نودع الأعلام، ونفقد العمالقة واحداً بعد الآخر، ودعنا العلامة الداعية الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله- وودعنا العلامة المفسر الشيخ محمد متولي الشعراوي، وودعنا العلامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبا غدة، وودعنا العلامة الفقيه الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، وودعنا العلامة الذي جمع بين الفقه والحديث الشيخ عبد العزيز بن باز، ونودع هؤلاء واحداً بعد الآخر، واليوم نودع هذا العلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي.

والمحزن أن الذين نودعهم قلما نجد من يملأ مكانهم، ويسد فراغهم، وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه "إذا مات العالم انثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا عالم أو إلا خلف مثله"، وقلما يوجد الخلف، وإن كان فضل الله لا يحجر

عليه، وننتظر الخير الكثير في هذه الأمة إلى يوم القيامة.

الشيخ علي الطنطاوي كان أحد الأعلام الذين نذروا حياتهم، وفكرهم

وقلمهم، ولسانهم للدفاع عن الإسلام، وعن الثقافة الإسلامية وعن اللغة العربية منذ شبابه، وقف ضد الاحتلال الفرنسي، وكان يحرك الجماهير، ويحرض الطلاب، ويسيل المظاهرات، واعتقل وأودع السجن في أيام الفرنسيين، وبعد ذلك حمل قلمه، وكان أحد الأدباء المرموقين.

الحقيقة أني أول ما عرفت الشيخ علي الطنطاوي عرفته أديباً، كان أحد كتاب مجلة الرسالة التي كانت المجلة الأدبية الأولى في العالم العربي، التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات ويكتب فيها عمالقة الأدب، أمثال مصطفى صادق الرافعي والعقاد والمازني وغيرهم.

كان هو من الكتاب المحببين إلي، لأنه كان سلساً عذباً بارعاً في الوصف إذا وصف وما كنت أعرف أنه عالم شرعي حتى وقع على مقاله يوماً إنه علي الطنطاوي القاضي الشرعي بدمشق، فعرفت أنه من الذين جمعوا بين العلم والفقه، والأدب، وهذا ما نلحظه في كتاباته، وفي محاضراته، وفي دروسه.

يعني كنا نتابعه في برنامجه (نور وهداية) في التليفزيون السعودي، وفي برنامجه (على مائدة الإفطار) يعني تجده يجمع فوائد العلم، فوائد من العلم، وملح من الأدب، وطرائف من الحياة، ويعني يعايشك كأنما يعني تسمع إلى شيء لطيف ظريف محبب، فهو يجمع بين الإقناع والإمتاع، إقناع العقل، وإمتاع القلب، كان هذا من خصائص الشيخ الطنطاوي.

إعلان

وقد ترك عشرات الآلاف من الصفحات مكتوبة لم تجمع، وترك عشرات من الكتب، وترك مذكراته، أو ذكرياته كما سماها في ثمانية أجزاء، وترك مئات أو آلاف من الأشرطة المسموعة، ترك هذا التراث كله للأمة، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وهو أهل لهذا –من غير شك- فكان أحد أعلام الأمة، ومن ممثلي المنهج الوسطي المعتدل في فهم الدين، وفي التيسير على الناس.. عاش تسعين سنة، يعني عاش منها حوالي سبعين سنة يدعو بلسانه..

د. حامد الأنصاري: وبقلمه..

د. يوسف القرضاوي: وبقلمه، فقدته الأمة ففقدت به نجماً من نجومها الهادية، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكتبه في الصالحين، وأن يتقبله في العلماء العاملين وأن يجزيه عن دينه، وعن أمته خير ما يجزي به أئمة الهدى الربانيين الذين يعلمون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، وعوض الأمة فيه خيراً، اللهم آمين.

د. حامد الأنصاري: اللهم آمين، فضيلة الشيخ، ندخل في موضع الشفاعة التي أو الذي أثير هذه الأيام، قبل أن ندخل في الموضوع أود أن أسأل سؤالاً: نجد بين الحين والآخر يحتدم الجدل بين العلماء والمفكرين في قضية من القضايا سواء قضية من قضايا العقيدة، أو من القضايا الفقهية أو الفكرية، ويحتار العوام في ذلك مع من يقفون؟ أو من يصدقون؟ فهؤلاء علماء لهم وزنهم، أولئك علماء لهم وزنهم، والآراء مختلفة، وهنا يجد المغرضون فرصة للطعن في الإسلام، والتشكيك فيه من خلال هذه الآراء التي تثار بين فترة وأخرى، فقبل أن نخوض في موضوع الشفاعة نريد أن نسأل ما.. كيف يكون التعامل مع مثل هذا الجدل أو الخلاف؟ وماذا يكون.. ما الموقف الذي ينبغي أن يتخذه عامة الناس في حالة حدوث مثل هذه الأشياء؟

د. يوسف القرضاوي: من أجل هذا وضع المسلمون علماً لضبط الاستدلال يعتبر من مفاخر التراث الإسلامي اسمه علم أصول الفقه.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: كيف نستنبط الأحكام والقواعد فيما لا نص فيه، أو فيما فيه نص سواء كان النص قطعي الدلالة أم ظني الدلالة، أو قطعي الثبوت أو ظني الثبوت، أو قطعيهما، أو ظنيهما، يعني هناك قواعد -يعني- الأمر ليس سائباً في الحقيقة.

هو المشكل حينما يدخل في هذا الموضوع من لم يملك أدواته كلها، فلابد أن نرجع إلى الخبراء، الله -تعالى- يقول (فاسأل به خبيرا) (ولا ينبئك مثل خبير) (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ولو رجعنا إلى القواعد التي وضعها العلماء: إننا نرد المتشابه إلى المحكم، والظني إلى القطعي، والمجمل، نفسره بالمفصل، والعام نقيده بالخاص، والمطلق نضيف إليه المقيد، وهكذا فلابد أن نعمل هذه القواعد الأمر ليس سائباً..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعني إذن هناك قواعد وضوابط، لكن السؤال من الذي يدخل في مثل هذه الضوابط والقواعد، هل يحق لأي إنسان أن..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: لابد أن يكون من..

د. حامد الأنصاري [مستأنفاً]: أم أن هناك أناس من أهل الاجتهاد وما إلى ذلك؟

د. يوسف القرضاوي: لا، لا نحجر على أي إنسان إنه يفكر ويقول رأياً، ولكن رأيه قابل للنقاش، يعني لابد أن يوضع على مشرحة البحث والتحليل، ويناقشه الناس المختصون في ضوء المحكمات، إنه اللي بيحدث في هذا الحقيقة إن الإنسان بيأخذ بعض النصوص المتشابهة ويدع النصوص الإيه.. المحكمة، وهذه القضية

–يعني قضية الشفاعة الحقيقة- هي هذه القضية هي أول قضية ثارت في الفكر الإسلامي، أول قضية اختلف فيها المسلمون منذ عصر الصحابة، هي قضية ما يسمونه مرتكب الكبيرة، مرتكب الكبيرة ما حكمه؟

هذا ثار عند الخوارج في أيام سيدنا علي، وقالوا: إنه مرتكب الكبيرة يخلد في النار، هو كافر، ويخلد في النار، ولا يخرج منها، والعجيب إنهم جعلوا علي بن أبي طالب ممن ارتكبوا الكبيرة، لأنه قبل التحكيم وكذا، فهذه قضية خطيرة.

إعلان

وبعدين جاء بعد ذلك المعتزلة، وخرجوا على الحسن البصري، إما أنهم خرجوا عليه نفسه كما قيل: إنه سئل في حلقة من حلقاته عمن ارتكب الكبيرة، ما حكمه؟ فأحد تلاميذه –هو واصل بن عطاء- سارع بالجواب، وقال: هذا ليس بكافر ولا مؤمن، وإنما هو في منزلة بين المنزلتين، وهو مخلد في النار، قيل: إن هذا حدث في عهد الإمام الحسن البصري، وقيل: إنه حدث بعد الحسن مع أصحاب

الحسن، وعمرو بن عبيد وغيره، فأياً كان سواء كان حصل مع الحسن نفسه، أو مع أصحابه وتلاميذه، معنى هذا إنه هذا حدث يعني في القرن الأول، ولذلك وقف المسلمون ضد هذا، ما كان الصحابة ولا التابعون يكفرون من ارتكب الكبيرة ولا يخلدونه في النار، ولكن يعتبرونه إنساناً عصى، وفسق فيعامل بالحسنات والسيئات، هناك موازين لهذا.

د. حامد الأنصاري: لكن في هذه الحالة، في حالة يعني مخالفة أحد العلماء أو المفكرين لآراء الجمهور، أو الخروج برأي قد يبدو شاذاً عن هذه الآراء، هل يعد هذا الأمر يعني مؤشر إيجابي من باب إثراء الفكر، أم إنه يعتبر أو يعد انحرافاً سلبياً، ومدخلاً شيطانياً، وربما البعض يوصله إلى درجة الزندقة..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: التكفير والزندقة، أولاً: يعني موضوع التكفير هذا يجب استبعاده تماماً -في الحقيقة- لأننا نعلم أن الخوارج أنفسهم، وهم الذي جاءت الأحاديث في التحذير منهم من عشرة أوجه كما قال الإمام أحمد وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يدَعون أهل الأوثان، ويقتلون أهل الإسلام" إلى آخره..

مع هذا العلماء لم يكفروهم، والصحابة لم يكفروهم، وكذلك المعتزلة، المعتزلة وقفوا مسألة الشفاعة، ورفضوا الشفاعة، وأولوا الآيات والنصوص التي جاءت في الشفاعة، وقالوا: المقصود بها إنها زيادة المثوبات، ورفع الدرجات، وإن الشفاعة للمطيعين، والتائبين، وليست للمذنبين وأصحاب الكبائر.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: هكذا قال المعتزلة..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: طيب شيخنا، قبل أن ندخل في قول، نريد أن نبدأ في البداية نعرف الإخوة المشاهدين ما هي الشفاعة؟ ما مفهوم الشفاعة سواء في اللغة، أو الاصطلاح؟ ما هي هذه الشفاعة؟

د. يوسف القرضاوي: الشفاعة هي -يعني- هي كلمة مأخوذة..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعني التي ثارت حولها هذه..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: الشفاعة كلمة مأخوذة من الشفع.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: يعني إن الواحد يشفع نفسه، يعني هو وتر.. الإنسان وتر، ومفرد، فبيجيب له شافع علشان يبقى معاه يضم إليه شخصاً آخر ليجلب لنفسه نفعاً أو يدفع عن نفسه..

د. حامد الأنصاري: ضراً.

د. يوسف القرضاوي: ضراً، ربما لا يستحقه من باب العدل، ولكن يرجوه من باب الفضل، فالواحد مثلاً جايز واحد يجيب له شفيع يريد أن.. عليه دين لواحد، وممكن ياخده يدخله السجن، فيقول له: والله.. يجيب له شفيع، يعني أرجوك يعني..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعني شخصاً مقبولاً عند الدائن.

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: مقبول عند هذا الشخص، يعني تعطيني فرصة، تؤخرني.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى.. ) إيه..

د. حامد الأنصاري: (ميسرة)..

د. يوسف القرضاوي: ( إلى ميسرة) أو تسقط عني بعض هذا، أو تجدول الدين -كما يقولون- أو واحد مثلاً يريد أن يتزوج امرأة وهو ليس كفئاً من عايلة ضعيفة أو حاجة، ولكنه رجل طيب وكذا، فجاء بواحد له فضل عند الناس، ومحبوب ومقبول وقال له تعال اشفع لي عند أهل العروس، يعني هذا هو الشفاعة يعني..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: لكن في المفهوم الاصطلاحي الآن الشفاعة.. بالمعنى الذي ثارت حوله المشكلة.

د. يوسف القرضاوي: الشفاعة بالكلام اللي (…) الشفاعة لأهل الكبائر، وذلك لأن أهل الصغائر لا يحتاجون إلى شفاعة، لأن الله –تعالى- يقول (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) .

فالمشكل في أهل الكبائر إذا ارتكب الإنسان كبيرة ولم يتب منها، المعتزلة -كما قلت- قالوا: الشفاعة للتائبين أو للمطيعين الذين لم يرتكبوا، ولكن هؤلاء ما حاجتهم إلى الشفاعة، الشخص الذي أطاع الله ولم يرتكب الكبيرة أو ارتكب كبيرة وتاب منها، هذا لا يحتاج إلى الشفاعة، لأن التوبة مقبولة حسب سنن الله -عز وجل- (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون).

إعلان

فالتوبة حسب السنن كما شرحها الإمام الغزالي في "الإحياء" إن حسب سنن الله التوبة لابد إنها تقبل عند الله -عز وجل- لأثرها في النفس لأنها التائب يغسل دموعه بذنوبه، وتضيق الأرض عليه بما رحبت، وتضيق عليه نفسه، ويظن ألا ملجأ من الله إلا.. فهذه الحالة النفسية بتؤثر، ولذلك الكلام في أصحاب الكبائر..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعني الذين.. الذين ارتكبوا الكبائر وماتوا دون أن يتوبوا.

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: دون أن يتوبوا، هذا يعني أهل السنة هنا تجد ثلاثة طوائف: طائفة تقول هؤلاء لا تقبل فيهم شفاعة، ولابد أن يدخلوا النار، ولا يخرجون منها أبداً، تخليد.. يقولون بالتخليد في النار.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: سواء كانوا كفاراً كما يقول الخوارج أم كانوا فساقاً، أو في منزلة بين المنزلتين -كما يقول المعتزلة- ولكنهم مخلدون في النار غير خارجين منها أبداً.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: هذه طائفة، مقابل هؤلاء طائفة من الذين يسمونهم المرجئة، الذين قالوا "لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة".

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: ما دام الإنسان كان مؤمناً وموحداً بالله، ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومؤمناً بالعقائد الإسلامية، هذا لا يضره.. لا تضره المعاصي.

د. حامد الأنصاري: هذا طبعاً قول المرجئة.

د. يوسف القرضاوي: قول المرجئة.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: أهل السنة هم دائماً في الموقف الوسط مثل الأمة.. الأمة الإسلامية وسط بين أهل الأديان، أهل السنة وسط بين الفرق والاتجاهات المختلفة، فهم هنا لا يقولون: لأ.. هناك من ارتكب المعصية يعاقب عليها، وقد جاءت الأحاديث المتواترة بعقاب أهل المعاصي، وجاء القرآن (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً).

وجاء بعد آيات الميراث (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن يعصي الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) فدل القرآن ودلت الأحاديث المتواترة أن أهل الكبائر يستحقون النار، وإنه لابد أن يدخل ناس منهم النار، ويستوفون عقابهم، ولكنهم قالوا: إن هؤلاء أيضاً حتى ما داموا ماتوا غير تائبين يمكن أن.. طبعاً هناك الله -سبحانه وتعالى- جعل هناك مطهرات ومكفرات كثيرة كما أشرت أنت في المقدمة.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: يعني عشر أسباب ذكرها الإمام ابن تيمية وسماها تلميذه الإمام ابن القيم الأنهار اللي بتغسل الإنسان..

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: من التوبة، ومن الاستغفار، ومن عمل الصالحات، من الصلاة، والصيام.

[موجز الأخبار]

د. حامد الأنصاري: فضيلة الشيخ، ذكرت بأن الناس الذين هم محل الشفاعة هم المسلمون الذين ارتكبوا الكبائر، هل نفهم من هذا الكلام أن من.. أن من لم يرتكب الكبائر يدخل الجنة، لا يدخل النار من مفهوم الآية (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) يعني لا يدخل النار إلا مرتكب كبيرة إن لم يتب؟

د. يوسف القرضاوي: نعم، الإنسان إذا..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعني لو اجتنب..

د. يوسف القرضاوي: الإنسان إذا..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: الإنسان الكبائر، مهما ارتكب من معاصي، مهما زادت سيئاته يغفرها الله -عز وجل- له.

د. يوسف القرضاوي: نعم.

د. حامد الأنصاري: ولا يدخل النار إلا من ارتكب كبيرة فقط؟

د. يوسف القرضاوي: الكبائر نعم، هي الخلاف كله في مرتكب الكبيرة، إنما.. ونحن نقول إن مرتكب الكبيرة هو يعني واحد من هذه الأمة المصطفاة، يعني القرآن الكريم قال (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: مين هم الذين اصطفينا من عبادنا؟ (فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد..)..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: (ومنهم سابق..).

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) ثلاثة أصناف.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: زي ما تقول: واحد جيد جداً، واحد جيد، واحد مقبول.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فهؤلاء قد.. يعني (ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: يعني كل هؤلاء يدخلون الجنة، بس فيه واحد ممكن ياخد له جزاء في النار فترة ثم يخرج منها، إما أن يخرج بعد أن يستحق يعني يستوفي مدة العقاب، أو يخرج بشفاعة الشافعين: شفاعة الملائكة، شفاعة الأنبياء، شفاعة الصديقين، شفاعة الشهداء، أو بفضل الله -عز وجل- إنه يخرجه..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: هذا يقودنا إلى سؤال من.. يعني الدكتور مصطفى محمود، أشار بأن الشفاعة هي لله -عز وجل- وحده، أما شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الملائكة، وغيرهم، ففسرها تفسيراً آخر، وقال هي البشارة، واستدل على ذلك بآيات –مثلاً- في قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال: المقام المحمود هو ليس مقام الشفاعة بمعنى أن يخرج هؤلاء العصاة ومرتكبي الكبائر من النار، إنما الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقط يبشر هؤلاء بعفو الله- عز وجل- عنهم لأن الشفاعة تكون لله -عز وجل- يوم القيامة، واستدل عليه بقوله تعالى (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع).

د. يوسف القرضاوي: هو أخونا الدكتور مصطفى محمود، رجل أعتقد أنه مخلص.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: وهو رجل جند قلمه في السنوات التي هداه الله فيها للدفاع عن الإسلام، والوقوف في وجه أعداء الإسلام، والنزاعات المادية، والعلمانية والماركسية وهذه كلها يجب أن نعترف له بهذا.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: والذي دفعه إلى هذا الموقف الأوهام السائدة عند كثير من المسلمين، يعني تجد بعض المسلمين في الحقيقة، بعضهم يضيعون الصلوات، ويتبعون الشهوات، ويرتكبون الموبقات، ويتاجرون في المخدرات، ويفعلون ما يفعلون، وبعدين يقول لك: عندنا النبي حيشفع لنا، هذا الكلام مرفوض ، هذا أشبه بما كان عند الوثنيين، وبما كان عند أهل الكتاب المحرفين، الوثنيون كانوا يفعلون القبائح، ويتكلوا على أصنامهم (يعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)، والآخرون يتكلون على أحبارهم، ورهبانهم وقديسيهم، الإسلام أراد أن يبطل هذا، واكتسح هذه العقائد الباطلة، وجعل إن نجاة الإنسان بإيمانه وعمله، مش بالاتكال على غيره، لأ الأصل إن هو الذي يقرر مصيره بنفسه (كل نفس بما كسبت رهينة) (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).

فأنا مع الدكتور مصطفى محمود في تثبيت هذه القاعدة، ونفي الأوهام عند الناس، وإثبات قضية العدالة في اليوم الآخر، وأن الله لا يمكن أن يهضم إنسان عمل عملاً (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) ولا يحمل إنساناً وزر غيره، (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى).

وإن الأمر في يوم القيامة لله –عز وجل- يعني الشفاعة وغير الشفاعة، كل شيء في يد الله، لا يملك أحد من هذا الأمر شيئاً، حتى إحنا بنقرأ في سورة الفاتحة في كل يوم على الأقل سبع عشرة مرة (مالك يوم الدين) أو (ملك يوم الدين) على القراءتين.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: الله هو المالك، وهو الملك في هذا اليوم (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) معنى أن لله الشفاعة: إنه هو وحده الذي يملك أمر الشفاعة، ليس هناك أحد يؤثر عليه أو يغير يعني إرادته، ويجعله يعني يفسخ إرادته، لا، هو صاحب الأمر، ولذلك القرآن قال في هذه الآية (قل لله الشفاعة جميعاً) رداً على المشركين (أم اتخذوا من دون الله شفعاء).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: (قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعاً)، يعني أمر الشفاعة في يده هو، وليس معنى هذا إنه ليس هناك من يشفع، لأ، هناك شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة، فيه آيات من القرآن نفت الشفاعة، مثل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) (ولا يقبل منها شفاعة ولا هم ينصرون) إلى آخره، فهناك شفاعة منفية وهي الشفاعة الشركية كشفاعة المشركين، ولكن هناك شفاعة مثبتة، قال (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) ولكن قال في آية أخرى (ما من شفيع إلا من بعد إذنه)..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: هنا (من بعد إذنه) المقصود يعني أن يؤذن للشفاعة في فلان.

د. يوسف القرضاوي: آه.

د. حامد الأنصاري: وهو يعلم أنه يعني.. يعني بمعنى آخر إنه يعني عندما يريد

-مثلاً- الرسول يستأذن للشفاعة لفلان يأذن له بالشفاعة لله، أم أنه بعد أن يعفو الله -عز وجل- يأذن لرسوله كما..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: وإذا عفا يبقى ما حاجته للشفاعة؟!

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: هو ما فسره الدكتور مصطفى محمود بأن..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: هو ربنا سبب الأسباب فجعل شفاعة هذا الشفيع سواء كان من الملائكة، أم من الأنبياء، أم من الصالحين، جعل شفاعته يعني من.. من أسباب العفو عن هذا الشخص، يعني هي الشفاعة عبارة عن إيه؟ إكرام للشافع ورحمة بالمشفوع.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فهذه هي الشفاعة، ففيه آيات نفت الشفاعة، وفيه آيات أثبتتها.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: الشفاعة ثابتة في القرآن بشرطين: أن تكون بإذن الله.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: لا شفاعة إلا.. (من ذا الذي..) إحنا بنقرأ في آية الكرسي (من ذا الذي يشفع عنده..)..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: (إلا بإذنه)..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: (إلا بإذنه) لازم بإذن الله، مش فيه حد بيفرض عليه شيء.. لأ، يشفع عنده ولكن بإذنه (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً) (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً) فهناك شرط أولي: وهو أن تكون الشفاعة بعد إذن الله سبحانه تعالى (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فهذا قيد الآيات اللي نفت، لكي نفهم القرآن فهماً صحيحاً لابد أن نجمع القرآن بعضه إلى بعض، لا نضرب القرآن بعضه ببعض، القرآن كتاب يفسر بعضه بعضاً، ويصدق بعضه بعضاً، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) فلا يجوز أن نضرب آيات القرآن بعضها ببعض ولا نضرب الآيات بالسنن، لأن السنن جاءت تبين القرآن، الموقف الصحيح إنك تحاول أن تضع كل آية في موضعها، فهناك شفاعة منفية: الشفاعة التي يتوهمها المشركون وغيرهم مثل الخُلة، و(لا خلة) القرآن نفى الخلة، بينما قال في آية أخرى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فمعنى المتقين تنفع خلتهم، فلازم أن أجمع الآيتين.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: أقول لأ المقصود خلة أهل الدنيا هي المنفية، إنما خلة أهل التقوى مثبتة، فلابد أن أجمع، فهناك الآيات القرآنية التي أثبتت الشفاعة، أثبتتها بشرط الإذن من الله -عز وجل-، وأثبتتها لمن ارتضى الله، أي لأهل التوحيد، بعض الناس يقول لك: لأ، من ارتضى الله هم الصالحون، طب هم الصالحين محتاجون إلى شفاعة؟! ارتضاهم لأنهم ماتوا على لا إله إلا الله، ماتوا على التوحيد، وحتى لا نسوي بين المشرك وغير المشرك.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: الله –تعالى- يقول (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فلو قلنا: إن الاتنين سواء، لأ، القرآن قال: الشرك يقصد الشرك الأكبر هذا لا يغفر، والباقي تحت..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: لكن جاءت الآية بعدها (قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً).

د. يوسف القرضاوي: هي دي التوبة، يعني يغفر كل الذنوب بالتوبة، حتى الشرك، فالشرك إذا تاب الإنسان (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفَر لهم ما قد سلف).. فالآية دي في التائبين، فلذلك نحن نرد على المعتزلة الذين نفوا الشفاعة، بأننا نجمع الآيات بعضها.

د. حامد الأنصاري: إلى بعض..

د. يوسف القرضاوي: إلى بعض، هم قالوا: لا، المقصود الشفاعة للطائعين والتائبين، والمقصود زيادة المثوبات ورفع الدرجات، ولكن الطائعين والتائبين -خلاص- ما هم في حاجة إلى.. إلى شفاعة.

مشكلة هؤلاء، ومشكلة أيضاً الأخ الدكتور مصطفى محمود أنهم غلبوا العقل علىالنقل، وغلبوا قانون العدل على قانون الرحمة.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: يعني لماذا نظروا إلى الأمر نظرة عدل فقط؟ يا أخي، فيه حاجة اسمها الفضل والرحمة من الله، وفي الحديث الصحيح القدسي "إن رحمتي سبقت غضبي"، فلماذا أخذتم جانب العدل؟ وإنه ربنا –سبحانه وتعالى- يقول (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة) إذا كانت الذرة.. إذا كانت سيئة يجازيها بمثلها (وإن تك حسنة يضاعفها) يعني العشرة إلى سبعمائة ضعف، وبعدين (ويؤتي من لدنه أجراً عظيماً).

د. حامد الأنصاري: سنناقش فضيلة الشيخ قضية التوفيق بين الرحمة والعدالة.

د. يوسف القرضاوي: نعم.

د. حامد الأنصاري: لكن نستقبل مكالمة، ثم نعود بعد ذلك -إن شاء الله- لمتابعة الموضوع.

د. يوسف القرضاوي: نعم.

د. حامد الأنصاري: معنا الأخ أبو عمر من السعودية.

أبو عمر: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله.

أبو عمر: أولاً أحيي شيخنا فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي -حفظه الله- والشيخ الدكتور حامد.

د. حامد الأنصاري: حياك الله يا أخي.

د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.

أبو عمر: كما أحيي رئيس قناة (الجزيرة)، وإدارة قناة (الجزيرة) لسرعة استجابتها للنداء الذي وجهه فضيلة الشيخ القرضاوي، حول قبول المذيعات المحجبات، فجزى الله القائمين على هذه القناة خير الجزاء وأحسن العطاء..

د. حامد الأنصاري: حياك الله يا أخي.

د. يوسف القرضاوي: شكراً الله لك.

أبو عمر: كما أرجو من فضيلة الشيخ أن يوجه نداءً مماثلاً لفخامة الرئيس التونسي -حفظه الله- للسماح لأخواتنا المسلمات لمن يرغبن منهن بالحجاب في هذا البلد العربي المسلم أن يتحجبن، وأيضاً نداءً آخر للأخوات الفاضلات المسلمات المذيعات في قناة (الجزيرة)، ونزولاً على رغبة أغلب المشاهدين في قناة (الجزيرة)..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: أخ أبو عمر، أنت.. أنت خرجت عن موضوع حلقة اليوم، يعني لو اتصلت الأسبوع الماضي كانت مداخلتك بتكون ممتازة، لكن الآن هل عندك شيء يتعلق بموضوع حلقة اليوم؟

أبو عمر: لا، بس كنا حبينا نشكر قناة (الجزيرة)، ونوجه نداءً لأن الله –سبحانه

وتعالى- يقول (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: شكراً يا أخ..

أبو عمر [مستأنفاً]: ولعل ربنا -سبحانه وتعالى- يتقبل من الشيخ، وتحل مشكلة أخواتنا المسلمات في كثير من البلاد العربية.

د. حامد الأنصاري: جزاك الله خيراً يا أخ أبو عمر.

د. يوسف القرضاوي: جزاك الله خيراً يا أخي، ونحن معك ونوجه النداء إلى كافة المسؤولين في البلاد الإسلامية، وفي تونس، وفي غيرها أن يستجيبوا لرغبات المؤمنين والمؤمنات -إن شاء الله- وأعتقد أن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة- إن شاء الله.

د. حامد الأنصاري: طيب، الأخ مساعد عبد الله من الكويت .

مساعد عبد الله: السلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

مساعد عبد الله: دكتور حامد، إحنا نشكرك على هذا البرنامج.

د. حامد الأنصاري: حياك الله يا أخي…

مساعد عبد الله: لكن فيه عتب بخصوص الخنزير سعد الزبيدي اللي أساء إلى أمير دولة الكويت..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: أخي العزيز .. أخي العزيز، الموضوع هذا يعني انتهينا منه، وأرجو إن ما ندخل فيه مرة أخرى، شكراً جزيلاً لك.

فضيلة الشيخ، نرجع مرة ثانية إلى كيف نوفق بين الحديث الذي ذكرناه في المقدمة: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ادخر دعوته لكي يشفع لأمته يوم القيامة، وبين الآية القرآنية التي تقول أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشكو أمته يوم القيامة، ويقول (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) فالله.. الرسول –صلى الله عله وسلم- يشكو أمته بأنهم هجروا القرآن، وفي الوقت نفسه الحديث يقول: بأن الرسول يريد أن يشفع لأمته يوم القيامة.. بالإضافة إلى آية أخرى تقول للرسول (أفأنت تنقذ من في النار).

د. يوسف القرضاوي: أولاً: أنا أحب أن أقول إن الآية هذه نزلت في قوم من المشركين، هذه آية مكية نزلت في سورة الفرقان -وهي مكية- حينما كانوا الناس يعرضون عن هذا القرآن، قومه اللي هم قريش، كما قال تعالى (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل) فهؤلاء هم الذين اتخذوا القرآن مهجوراً، وليست الأمة التي تؤمن بالقرآن، وتجعله مرجعاً لها في أمورها، إنما أحب أن أقول بالنسبة لشفاعة الرسول في الآخرة هناك نوعان من الشفاعة: شفاعة لم ينكرها المعتزلة أنفسهم، وهي الشفاعة العظمى، وهذه ليست لأمة محمد، هذه شفاعة للناس أجمعين للعالمين، شفاعة لإراحة الناس من هول الموقف، الموقف طال على الناس (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) وألجمهم العرق، والشمس دنت، وكذا، ويتمنى قوم الانصراف ولو إلى النار..

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: والناس يعني ذهبوا إلى الأنبياء واستغاثوا بهم، واستشفعوا بهم، فكل واحد اعتذر، وجاؤوا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربنا خصه بهذا، ما المانع من هذا؟! أنا هل هذا أمر يخالف العقل إنه ربنا يخص بعض يعني عباده بأشياء..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعني هل هو يشفع لبدء الحساب؟

د. يوسف القرضاوي: يشفع للبشر، إنه يريد أن يحاكمهم، ويحاسبهم، وكل واحد ياخد جزاءه، أهل الجنة يذهبون إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، وده اللي فسر به المقام المحمود.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: إنما آجي أفسره أنا بعقلي بالبشارة، أولاً: هذا ليس تفسيراً لغوياً، ولا تفسيراً نقلياً، فمن أين لنا بهذا؟ لو كل واحد فسر القرآن على هواه، وهو الدكتور مصطفى محمود قال: أنا ده اجتهاد مني ولا أدري إن كان صواباً أو.. هو مأجور-إن شاء الله- على اجتهاده، ولكن هذا الاجتهاد ليس صائباً، فهذا النوع من الشفاعة العظمى، الشفاعة العامة لأهل الموقف غير الشفاعة الأخرى لأهل الإيه..

د. حامد الأنصاري: أهل النار.

د. يوسف القرضاوي: أهل الكبائر.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: الآية الأخرى أنت بتقول مثلاً قال: (أفأنت تنقذ مَنْ في النار).

د. حامد الأنصاري: (.. من في النار) نعم.

د. يوسف القرضاوي: المقصود بهؤلاء أهل النار اللي هم الذين.. يعني المشركون الذين استحقوا الخلود الأبدي في النار، وهو الدكتور مصطفى محمود ذكر آيات في القرآن، مثل قوله تعالى (وما هم بخارجين من النار) (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين ولهم عذاب مقيم).

وقال: إنه كيف يشفع النبي في هؤلاء، والآيات تقول.. أولاً هذا مردود عليه من عدة وجوه، أولاً: ليس كل الشفاعة في إخراج أهل النار من النار، فيه هناك شفاعة في ألا يدخلون النار أصلاً، ودي الأكثر إن ربنا يعفي هؤلاء الناس يعني عملاً بقانون الرحمة والفضل الذي ذكرناه، فلا يدخلون النار أصلاً، لا تنطبق هذه الآية.

الأمر الآخر: إنه هناك آيات أخرى غير هذه الآيات يعني ممكن أقول لك هذا في المشركين، وأقول حتى في هذا هناك ثلاث آيات في كتاب الله يعني قررت خروج أهل النار من النار بمشيئة الله -عز وجل- مثل قوله تعالى في سورة الأنعام (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: وفي سورة هود يعني (لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض).. (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) فعلق بالمشيئة.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: وفي آية في سورة النبأ قال (إن للطاغين…) (إن جهنم كانت مرصاداً للطاغين مآبا لابثين فيها أحقاباً) والأحقاب مهما يطل أمدها لابد أن تنتهي.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: وعلى هذه الآيات اعتمد الإمام ابن القيم في قوله بأن النار تفنى ويفنى أهلها، وهو رأي انفرد به.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: ويعني حققه في كتابه "شفاء العليل في مسائل القدر والحكمة والتعليل" وفي كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" ذكر عشرين وجهاً بأن النار ستفنى يرجح فيها إن النار ستفنى، وفي كتاب "شفاء العليل" انتهى قال الأمر موكول إلى مشيئة الله. طبعاً جمهور العلماء يقولون في هذه الآيات هذه، وما جاء من أحاديث وآثار عن الصحابة إن جهنم حيأتي يوم أبوابها تصفق، مافيش فيها حد، قال: هذا في أهل التوحيد، إنما المشركون خالدون فيها أبداً، فالموضوع يعني ليس كما… فلابد أن نأخذ الآيات كلها.

د. حامد الأنصاري: نستقبل بعض المكالمات، ثم نعود مرة أخرى لمتابعة النقاش، الأخ صالح الشريف من السعودية.

صالح الشريف: آلو، السلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

صالح الشريف: بالله بس بغيت أسأل الشيخ اللي يعني هو مسلم بس مقصر في الصلوات، وفي الصيام، يعني عنده معاصي كثيرة، فلو مات وهو مسلم، بس عنده المعاصي هل يحاسب على الشيء هذا؟

السؤال الثاني: أنا لي زميل..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يعتمد إيش نوع المعاصي اللي يرتكبها يعني؟

صالح الشريف: لأ، ما هي بكبائر، يعني مثلا ما أؤمن بالسحر ولا أتعامل معاه..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: لكن التقصير في الصلاة أو ترك الصلاة ما تعتبر.. ما تعتبر كبيرة؟!

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: هذه من أكبر الكبائر: ترك الصلاة والصيام، هذه الأشياء من أكبر الكبائر.

صالح الشريف [مستأنفا]: لو مت وأنا مسلم، يعني بس عندي هذا التقصير مثلا سب ولعن وهذا هل يحاسب عليه؟ السؤال الثاني: لي زميل يعني يسب الأنبياء وهذا إيش أقول معاه وكيف أتصرف معه؟ طيب شكراً.

د. حامد الأنصاري: شكراً يا أخ صالح، يقول: يعني إذا إنسان مسلم مقصر في الصلاة يصلي مرة ويترك مرتين أو ما إلى ذلك، ومات يعني، هو يقول: هولم يرتكب كبائر، لكن يعني ترك الصلاة!!

د. يوسف القرضاوي: لأ، من الكبائر طبعاً، لأن بعض الناس بيفتكر إن المعاصي هي فعل المحذور فقط، المعاصي: إما فعل المحذور، أو ترك المأمور، بل العلماء يعتبرون ترك المأمور أشد خطراً من فعل المحظور، لأن الله خلقنا لعبادته ولطاعته، فإذا تركنا عبادته وطاعته، فيبقى تركنا الأمر الأساسي الذي خلقنا الله من أجله، ولذلك هنا ترك الصلاة العلماء اختلفوا فيه هل يكون تارك الصلاة مسلماً أم كافراً؟ ونعرف أن هناك المشهور في مذهب أحمد إن تارك الصلاة عمداً كسلاً كافر، يعني هذا عملية خطيرة.

والآخرون يقولون: هو فاسق، ولكن هل يستحق؟ ماذا يستحق؟ يعني العلماء هنا أشبه ما لو واحد مثلاً موظف أخل بواجباته الجوهرية في عمله، فبتجتمع لجنة شؤون الموظفين وتبحث في أمره هل هو يعني يفصل فصلاً نهائياً أو يفصل مدة من الزمن، أو يلفت نظره، أو يأخذ إنذاراً، أو كذا…

ولذلك تجد الأئمة اختلفوا في تارك الصلاة، إنما لاشك أن هذا من أكبر الكبائر، إذا مات .. أهل السنة عندهم كما كنا نحفظ قديماً في "جوهرة التوحيد" يقولون: ومن يمت ولم يتب من ذنبه

فأمره مفوض لربه

فإن يثبه فبمحض الفضل

وإن يعذب فبمحض العدل.

يعني متروك، وجاء في قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به..)..

د. حامد الأنصاري: (ويغفر ما دون ذلك..).

د. يوسف القرضاوي: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ولذلك من المهم هنا، حتى إذا أثبتنا الشفاعة، إنما ما يدريك أن هناك من يشفع لك؟ وما يدريك أنه إذا شفع لك شافع ستقبل شفاعته؟ فهذا أمر .. ولذلك يجب أن يظل الإنسان بين الخوف والرجاء.

د. حامد الأنصاري: زميله أو صديقه بذيء اللسان، سريع الشتم، قد يصل يعني به الأمر إلى شتم الأنبياء، فما حكمه؟

د. يوسف القرضاوي: لا، شتم الأنبياء دا كفر –والعياذ بالله- إذا شتم الأنبياء، وكان يعني واعياً لما يقول فشتم الأنبياء هذا كفر، إذا شتم.. يعني حتى ليس مش ضروري أن يشتم نبي الإسلام، لو شتم موسى، أو عيسى، أو أي نبي ثبتت نبوته، أو إبراهيم عليه السلام، أو نوحاً، أو نحو ذلك، فهذا كفر مخرج من الملة، ويجب أن يستتاب، ويعود إلى الإيمان من جديد.

د. حامد الأنصاري: الأخ عادل أبو رية من النمسا.

عادل أبو رية: آلو، السلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله.

عادل أبو رية: تحياتي إلى فضيلة الشيخ، أطال الله في عمره.

د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.

عادل أبو رية: فيه لينا رجاء بالنسبة لقناة (الجزيرة)، ياريت لو إنه تبث خطبة وصلاة الجمعة من المسجد اللي بيخطب فيه فضيلة الشيخ، على اعتبار إنه إحنا في حاجة إلى كل كلمة يقولها فضيلة الشيخ..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يا أخي خطبة الجمعة تبث على الهواء مباشرة من خلال قناة قطر الفضائية (القناة الأولى) فلو تتابع القناة الأولى في تليفزيون قطر بإمكانك أن تشاهد هذه الخطبة، تبث على الهواء مباشرة يوم الجمعة.

د. يوسف القرضاوي: كثير من الناس في العالم يشاهدونها.

عادل أبو رية: إن شاء الله، بالنسبة.. سؤال، ذكر فضيلة الشيخ عن الكبائر، فيه قصاص على سبيل المثال الرجم للزاني، هل يوجد.. هل يوجد أيضاً في الآخرة عقاب؟ أم يعتبر هو العقاب الوحيد له في الدنيا؟

د. حامد الأنصاري: نعم، طيب شكراً يا.. فيه شيء آخر عندك؟ عندك سؤال آخر؟

عادل أبو رية: لأ، بارك الله فيك.

د. حامد الأنصاري: شكراً جزيلاً، مرتكب الزنا، والزنا من الكبائر.

د. يوسف القرضاوي: نعم.

د. حامد الأنصاري: فلو رجم أو اتخذ عليه.. يعني..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: جُلد.

د. حامد الأنصاري: رجم أو جلد، يعني بمعنى آخر..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: أقيم عليه الحد.

د. حامد الأنصاري [مستأنفاً]: أقيم عليه الحد، هل يعذب أيضاً -يعاقب- في الآخر، أم يعتبر هذا كفارة لما ارتكبه في الدنيا؟

د. يوسف القرضاوي: هو العلماء يعني مختلفون في هذه القضية، هل الحدود والعقوبات الشرعية، هذه يعني جوابر أو زواجر؟ الأحناف يقولون إنها زواجر (ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) والجمهور يقولون: إنها جوابر، تجبر، والحديث الصحيح المتفق عليه، حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين يقول: "ومن أصاب شيئاً من هذه القاذورات في الدنيا فعوقب به فهو كفارة له" ودي من المكفرات العشرة التي ذكرها ابن تيمية وابن القيم، أن الإنسان ممكن بالحسنات، وممكن بالمصائب المكفرة التي تنزل به "حتى الشوكة يشاكها يكفر الله بها من خطاياه".

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: ومنها العقوبات الشرعية، وقد جاء في الحديث عن الغامدية حينما كانت ترجم، رجمها سيدنا خالد، وبعدين أصابه رشاش من دمها، فسبها فقال "أتسبها يا خالد؟! والله لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين بيتاً من البيوت المدينة لوسعتهم" فهذه مطهرات، القول الصحيح أنها مطهرات.

د. حامد الأنصاري: طيب، لو أخذنا .. يعني هناك بعض الناس ومنهم الدكتور مصطفى محمود يرى بأن الشفاعة أصلاً منافية للعدل الإلهي، يعني هل يستوي إنسان مؤمن يطيع الله -عز وجل- لا يرتكب الكبائر يدخل الجنة، ثم يأتي إنسان فاسق يرتكب الكبائر، وما إلى ذلك، ويأتي أحد: الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الملائكة أو أحد الناس الذين يأذن الله لهم بالشفاعة، فيشفع له فيدخل الجنة مع هذا الشخص الذي يعني لم يرتكب مثل هذه الكبائر، فهل هذا عدل؟ ألا يتنافى هذا مع مفهوم العدل الإلهي؟

د. يوسف القرضاوي: لأ، يعني لا يتنافى مع مفهوم العدل الإلهي، ولكن يتفق مع مفهوم الفضل الإلهي.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: الله -سبحانه وتعالى- هو صاحب الفضل، وهو مالك الملك، وصاحب الأمر كله، من حقه -سبحانه وتعالى- أنه يرعى بعض عباده ليس هذا باب مفتوحاً للجميع.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فيه واحد يعني لا يستحق، إنسان ارتكب كل الموبقات، وانتهك كل الحرمات، وسفك كل الدماء، وهتك كل الأعراض، وفعل الأفاعيل، هذا يعني لا يأتي نبي يشفع له، ولا ملك في السماوات، ولا صديق من الصديقين يشفع له، إنما الذين يشفعون.. يشفعون في بعض الناس الذين زلت أقدامهم، فوقعوا في الكبائر فاستحقوا نوعاً من الرحمة والفضل.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فهنا يدخل كما قلنا قانون الفضل على قانون العدل.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فالله -سبحانه وتعالى- يعامل عباده يوم القيامة بالعدل والفضل، والعدل هو إيه؟ العدل إنك لا تضيع سعي إنسان، إنسان سعى لازم يأخذ حق سعيه وثمرة سعيه (لها ما كسبت).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) وأيضاً إنه يأخذ جزاء ما صنع لا ما صنعه غيره.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: يعني لا يحمل .. (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يُحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) إنما الله -سبحانه وتعالى- جعل الملائكة يستغفرون للمؤمنين (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) (ويستغفرون لمن في الأرض) طب لما.. (فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) طب هل الاستغفار ده نافع ولا مش نافع؟ الدعاء للإنسان بعد موته، بندعو (ربنا اغفر لنا ولإخواننا والذين سبقونا بالإيمان) هل ينفعهم هذا الدعاء؟ صلاة الجنازة، روح صلاة الجنازة هي أيه؟ الدعاء للميت، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزله، ووسع مدخله، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله.

وجاء في الأحاديث الصحاح إنه إذا صلى على الشخص أربعون أو مائة ودعوا له شفعُوا فيه، ولذلك ده يجعل الإنسان يجعل علاقته بالناس طيبة حتى يدعوا له بعد موته، ويطلبوا من الله أن يغفر له، فهذا لا يتنافى مع قانون العدل الإلهي، هو كما ضربت لك المثل في الأول، لو واحد جاي مع واحد عليه دين، ويجب إنه يدفع الدين، يطلب يقول له خفف عنه، هل ده ينافى العدل؟ يعني أجله، أمهله، أعطه نظرة إلى ميسرة، أو إذا أسقطت عنه بعض الدين، أو إذا كله كما قال القرآن (وأن تصدقوا) –يعني تتنازلوا عن الدين بالكلية- (خير لكم).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: إذا كان هذا مطلوباً في حق الناس، أليس مطلوباً في حق الله -عز وجل- فهذه هي الشفاعة لا تنافي قانون العدل، ولكنها تتفق مع قانون الفضل.

د. حامد الأنصاري: نعم، نستقبل مكالمة الأخ عبد اللطيف آل رضا من الإمارات.

عبد اللطيف آل رضا: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله.

عبد اللطيف آل رضا: يا دكتور، والله هذه الندوة يعني أنتم ما تركتم لنا شيء نذكره، كل اللي ما بغينا نذكره إنتو، ذكرتوه على كل حال.

د. يوسف القرضاوي: الحمد لله.

د. حامد الأنصاري: حياك الله.

عبد اللطيف آل رضا: إضافة إلى ذلك أنا أحترم الدكتور محمود احترام جليل، ولازلت إنما يعني من باب النصيحة على إنه هو يعني شوية يمكن يراجع نفسه، وفي نفس الوقت يسمع كلامك -إن شاء الله- يعني، هو إنسان صاحب عقل…

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: هو رجل خير -إن شاء الله- نرجو من وراءه الخير إن شاء الله.

عبد اللطيف آل رضا: وأرجو من الله، أنا أريد أضيف كلمة واحدة بالنسبة.. زيادة على ما قلتم يعني وعلى نطاق أوسع من الرحمة الإلهية، يقول فيما قاله بالنسبة عيسي بن مريم (يا عيسي ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) إلى آخر الآية.. تقول (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم) هنا بيت القصيد (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).

يعني حتى عيسي بن مريم (إلا من ارتضى من رسول) (وقال صوابا) يعني، فالله

-سبحانه وتعالى- ما جعل قول عيسي بن مريم (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) لأجل عمق يعني، عمق الكلام من الله -سبحانه وتعالى- أن يكون الإنسان عنده أمل كبير جداً في رحمة الله -سبحانه وتعالى- هذا ما أردت أن أقوله يعني، وأما الشفاعة فهي .. جزاك الله خير على كل حال يعني أنت ما تركت لنا شيء آخر.

د. يوسف القرضاوي: بارك الله فيك، أنا أضيف إلى ما قاله الأخ الحقيقة قول سيدنا إبراهيم أيضاً (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم).

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: إحنا آملون في رحمة الله –عز وجل- وفي مغفرته، وقد قال –سبحانه- (نبأ عبادي أي أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم) ولكن نلاحظ أنه جعل المغفرة والرحمة من أسمائه، يعني صفات ذاتية له، وجعل العذاب من أفعاله (وأن عذابي هو العذاب الأليم) فهو فرق بين التعبيرين، فرق كبير.

د. حامد الأنصاري: نعم، أخ عبد اللطيف، عندك شيء آخر؟

عبد اللطيف آل رضا: أضف إلى ذلك قول الله سبحانه وتعالى (والضحى والليل إذا سجي ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى) يعني الواحد يفكر الرسول شو اللي يحتاج إليه يعني؟! ما في الآخرة هو مع الأنبياء مع الأصفياء إلى آخره، لكن لأ..

قول الرسول كذلك إن يعني يأتون الناس كل واحد منهم يقول: يارب.. يا رب نفسي نفسي، وأقول يارب أمتي أمتي، فيعني من باب الأمل على أساس أن قول الله سبحانه تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) رضاء الرسول، ما هو رضاء الرسول؟ أكثر من أن يكون يشوف أمته هذه اللي (..) تعب عليها عاوز يخشون الجنة على كل حال.

د. حامد الأنصاري: نعم.

عبد اللطيف آل رضا: فجزاكم الله خير، والسلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: شكراً يا أخ عبد اللطيف، فضيلة الشيخ، الدكتور مصطفى محمود وصف الأحاديث التي يعني تقول بالشفاعة، وتثبت شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها تخرصات، وأكاذيب وأقوال مغلوطة، فما قولكم في ذلك؟ هل يجوز إطلاق مثل هذه الألفاظ على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟

د. يوسف القرضاوي: لا، لاشك إن الأخ الدكتور مصطفى محمود أخطأ التعبير حول هذه القضية، ويبدو أن بُعْده عن دراسة السنة النبوية، وما بُذل فيها من جهود جبارة جعله يقول ما يقول، الكلام الذي قاله هو إن السنة لم تدون إلا بعد 100 سنة أو 200 سنة، أو كذا، هذا كلام غير صحيح.

يعني السنة بُدأ تدوينها في العهد النبوي، وهو للأسف اعتمد على حديث، وقال هذا الحديث المتواتر "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه" هذا ليس حديثاً متواتراً، حديث رواه مسلم، ورفضه البخاري، البخاري قال هو حديث موقوف على أبي سعيد الخدري وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: وحتى لو أخذنا به، هذا الحديث كان في فترة معينة، لأنه كان يريد أن يوفر الجهود كلها لحفظ القرآن، لأن تعرف إنه حتى أدوات الكتابة لم تكن متوفرة، كانوا بيكتبون على العظام، وعلى سعف النخل، وعلى اللقف، وعلى هذه الأشياء، فعايزين نوفر جهود الكتاب، ومواد الكتابة للقرآن الكريم، إنما في عصر الرسول كتبَ، أشياء كثيرة كتبت، الدكتور محمد حميد الله الحيدرأبادي المعروف الذي عاش في فرنسا سنين طويلة، له كتاب اسمه "مجموعة الوثائق السياسية في عهد الرسول -صلي الله عليه وسلم- وعهد الخلفاء الراشدين" وذكر وثائق عدة من.. أولها وثيقة المدينة (الدستور) يعني مكتوب هذا .. وكتب الزكاة والصدقات إن في كذا كذا، وكتابه إلى عمرو بن حزم ورسائله إلى الملوك إلى كسرى وقيصر، كل دي الأشياء كانت مكتوبة، واحد لما سمع خطبته يوم الفتح، قال: أريد أن أكتب يا رسول الله كنيته أبو شاه قال: "اكتبوا لأبي شاه" وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يعني سيدنا أبو هريرة يقول..

د. حامد الأنصاري: عند الصحيفة (الصادقة)..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: "ما كان أحد أكثر مني من الصحابة إلا أن عبد الله بن عمرو كان يكتب، وأنا لا أكتب" وكان له صحيفة اسمها الصادقة، وحتى بعد الرسول بدأ الصحابة يكتبون، جابر بن عبد الله كتب المنسك

الحج، حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكر العلامة سليمان الندوي في كتابه "الرسالة المحمدية" أطوار التدوين، وذكر هذه الأطوار، وإنها ليست كما يقول الناس إنها بعد 100 سنة أو نحو ذلك، وهذه قضية أصبحت معروفة الآن عند المؤرخين والمحدثين والذين اهتموا بالسنة، فليس هذا الأمر يعني..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: لكن هناك بعض من كتبوا في الحديث أو في علم الحديث، بالذات في علم الدراية أن.. يعني أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى في بداية الأمر عن تدوين الحديث، أو نهى الصحابة عن كتابة..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: .. حديث "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن".

د. حامد الأنصاري: نعم، وأيضاً كذلك حتى بعد أبو بكر الصديق –رضى الله عنه- عمر بن الخطاب، عمر بن الخطاب أحرق حسب ما يقولون، بعض..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: هذا ليس صحيحاً، ابن حزم رد هذه الأقاويل وقال: هذا ليس.. ليس صحيحاً.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: فللأسف إنه بنرد الصحيح ونرد المتفق عليه، ونرد الأحاديث المتواترة، أحاديث الشفاعة هذه بلغت درجة التواتر التي يسميها العلماء التواتر المعنوي.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: يعني معنوي أيه؟ زى يقول لك مثلاً إن وردت عدة وقائع تدل على كرم حاتم، أو على شجاعة علي بن أبي طالب، من مجموعة هذه الأشياء استفاض الأمر وتواتر وأصبح يكون يقيناً تاريخياً، فعندنا يقين تاريخي بأحاديث الشفاعة، سواء الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول.. وهو عبارة عن دعاء لأنه كان يجلس تحت العرش، ويدعو الله يعني بأدعية لم يدعها به.. لم يدع بها أحد قبله، أثنى على الله بمحامد ألهمها، فربنا يقول له "أرفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع" فهذا يعني للأسف أنا وجدت الأخ الدكتور مصطفى محمود يرد الأحاديث الصحاح ويقبل مثل "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن" ويرد أحاديث، مثل إن الرسول –صلى الله عليه وسلم- "مات ودرعه مرهونة عند يهودي في نقطة.." يقول لك: هذه أكاذيب، الرسول مات وهو سيد الجزيرة، وأفاض الله عليه من الغنائم والفتوح، صحيح هذا، ولكن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو كان عندي مثل أحد ذهباً ما أحب أن يمر على ثلاثة أيام، وعندي منه شيء إلا شيئاً أرصده لدين"، فكان ينفق ولا يخشى من ذي العرش إقلالاً، لا يخاف كما قالوا: "إن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وبعدين هذا المجتمع هو كان مجتمع معتمد على النخيل والتمور لم تكن فيه الزراعة والقمح والشعير، وهذه الأشياء.

فلا عجب إنه يجي في وقت من الأوقات لا يجدون الشعير الذي يأكلونه، ولكن اليهود لأنهم هم ناس واعيين وبيخزنوا هذه الأشياء، حتى يبيعوها في وقت حاجة الناس إليها، لم يجد الأوسق، هو خد رهن درعه في ثلاثين وسقاً من شعير، استلفه منه وقال له طب يا محمد مامعكش فلوس، طب اديني حاجة تضمن لي حقي، فقال له خد درعي عندك، وكان هذا في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم.

وهذا حديث العلماء استنبطوا منه، في كل الفقهاء والأئمة استنبطوا منه أشياء كثيرة: إن الرهن يجوز في حالة الحضر لأن القرآن يقول (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة) فقيد الرهن بالسفر، قال لأ هو الحديث دل على إنه الرهن ممكن في الحضر، ودل على التعامل مع غير المسلمين، ودل على إن اليهود.. كان هناك يهود موجودين في المدينة بعد خيبر وبعد غيرها، ودل.. استنبطوا منه أشياء كثيرة، فنيجي نحن نرد هذه الأشياء اعتباطاً وجزافاً، هذا يعني لا يليق.

أنا أعتقد إن لو الأخ الدكتور مصطفى محمود راجع نفسه في هذه

القضايا، وراجعها مع بعض العلماء، وقد رأيت في بعض ما كتبه إنه أثنى على رد أخونا الدكتور عبد العظيم المطعمي يعني أنه رد مهذب ورد علمي، أثنى عليه، مما يدل على إنه رجل عنده قابلية، هو عنده أشياء رآها عند الناس يجد إنها لا تتفق مع العدالة الإلهية، ولا تتفق مع ما يريده المسلم من السعي، والعمل، والكسب لا الاتكال على الآخرين.

فأرجو يعني من الأخ الدكتور مصطفى محمود، وقد قيل إنه دخل المستشفى لعمل عملية، ونسأل الله أن يتم عليه العافية، ويعجل له الشفاء، أرجو أن يراجع هذا الأمر مع بعض المختصين، وأعتقد إنه -إن شاء الله- أنه رجل رجاع إلى الحق.

د. حامد الأنصاري: إن شاء الله، ناخد الأخ أبو مودة من ألمانيا.

أبو مودة: السلام عليكم ورحمة الله.

د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله.

أبو مودة: تحياتي إليك يا دكتور حامد، وتحياتي إلى فضيلة العلامة الشيخ القرضاوي.

د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.

د. حامد الأنصاري: حياك الله يا أخي.

أبو مودة: لي سؤال واقتراح.

د. حامد الأنصاري: اتفضل.

أبو مودة: أما السؤال فهو لا يزال كثير من الناس لا يتصور تماماً ما هي صورة الثواب والعقاب في الآخرة، هل المسألة مثلاً مثل نتائج المدرسة في نهاية الامتحانات، هل يؤتى مثلاً بالحسنات وترقم بأرقام، ثم تؤتى بالسيئات وترقم بأرقام، ويعطى مجموعة في النهاية فإذا كثرت الحسنات يدخل الإنسان الجنة، وإذا كثرت السيئات يدخل الإنسان النار، هل هذه هي الصورة على وجه التقريب، هذا هو السؤال.

د. حامد الأنصاري: طيب.

أبو مودة: أما الاقتراح فهو بالنسبة لنا -نحن المقيمين في الغرب- جميل أن تطرحوا دائماً مواضيع ويتحدث عنها الشيخ القرضاوي بعلمه الغزير، وهو الذي أدخل الآن الثورة الفقهية، كما كانت هناك الثورة المعلوماتية إلى آخر الثورات، لماذا لا تضعون في كل أحد من أول الشهر جلسة مفتوحة للأسئلة؟ لأن هناك قضايا لا تنتظر الوقت، ويريد الإنسان أن يستفسر منها، خاصة بالنسبة لنا إحنا المقيمين في الغرب لا يوجد علماء، وأرجو أن تكون هذه الجلسة مفتوحة بحيث يطرح الإنسان سؤال، يستطيع أن يسأل مباشرة، وأن تعطوا الأولوية للناس المقيمين في الغرب، لأن بقية إخوانا في العالم الإسلامي يجدون من يسألوه، وجزاكم الله خيراً.

د. حامد الأنصاري: شكراً جزيلاً يا أخ أبو مودة، الأخ واصف هلال من الإمارات.

واصف هلال: السلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

واصف هلال: السؤال الأول: كيف يتحصل المسلم على الشفاعة؟ السؤال الثاني: هل يمكن أن يتصادم العقل مع النص الثابت من الكتاب والسنة، وإذا حصل هذا التصادم فهل يجوز إعمال العقل في النص ولي عنق النص حتى يتوافق مع العقل كما هو حال بعض العقلانيين في أيامنا هذه؟ السؤال الثالث: هل تعني الشفاعة الواسطة، وإذا كانت.. وإذا كان ذلك يقول البعض: حتى الجنة بدها واسطة! فما هو الجواب؟

د. يوسف القرضاوي: حتى إيه؟

د. حامد الأنصاري: حتى الجنة يعني محتاجة واسطة، يعني مثل.. كما في.. الأخ طالب القطان من السويد.

طالب القطان: سلامٌ عليكم.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

طالب القطان: اسمحوا لي أن أقف بإجلال أمام العلامة علي الطنطاوي حيث عاش ماجداً ومات ماجداً، وأنا سمعته من (الجزيرة)..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: يا أخ طالب..

طالب القطان [مستأنفاً]: اسمح لي أرجوك أشفع في الطنطاوي، أشفع في الطنطاوي في هذا البرنامج..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: طب، بس باقي خمس دقايق على نهاية البرنامج، فأرجو أن تختصر.

طالب القطان: نعم، نعم، لا يسعني إلا أن أقول:

جاء الفضاء بقرطاس يحس به

فأوجس القلب من قرطاسه فزعاً

قلنا لك الويل ماذا في صحائفكم

قال الشيخ علي الطنطاوي أضحى مدنساً وجعا

فاهتزت الأرض أو كادت تميد بنا

كأن سهلان من أركانها خلعا

ولكوني بدوي شمري أريد أن أرثي الشيخ بلغة مسقط رأسي، أقول له: شعداً من عمام سباع مفقودة، شعداً من عمام سباع مفقودة، شعداً والمضي والراح شي يعوده، أحايل من شيعكم تُركينا..

تُركينا نوع من السلاح استخدمته قبائل شمر، وأمامي كتاب طبع للشيخ الطنطاوي سنة 54 في القاهرة يصف به بغداد يقول له يقول الشيخ الطنطاوي لبغداد أثناء.. عندما كان معلماً في دار المعلمين..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: أخ طالب..

طالب القطان [مستأنفاً]: أرجوك.. أرجوك..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: أخي العزيز، ما عندي وقت، الوقت أزف، وعندي أسئلة تحتاج للمناقشة..

طالب القطان: أرجوك، أرجوك.. أرجوك دكتور..

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: أرجو المعذرة أخ طالب، شكراً جزيلاً لك، فضيلة الشيخ، بالنسبة للأخ أبو مودة من ألمانيا يقول: ما هو تصور الثواب والعقاب؟ هل في الجنة يوم القيامة رب العالمين.. يضع درجات للأعمال الصالحة ودرجات للأعمال السيئة ثم يجمع هذه الدرجات مثل المدارس يعني؟

د. يوسف القرضاوي: هو فيه شيء شبيه بهذا هو الميزان (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) ميزان الإنسان الحسنات والسيئات، فإذا رجحت كفة الحسنات فهو من أهل الجنة وإذا رجحت كفة السيئات فهو من أهل النار، وهو الشفاعة دي أشبه بموضوع الامتحان بما يسمى لجان الرأفة.

د. حامد الأنصاري: نعم.

د. يوسف القرضاوي: مش فيه في الامتحان.. لجنة الرأفة، ولجنة الرأفة ما بيخدهاش أي طالب، ده يكون مثلاً على الحافة يعني ينقصه درجة درجتين أو كذا، يقول لك يالله مشيه، فأيضاً الشفاعة هي لأمثال هؤلاء.

د. حامد الأنصاري: ناخد الأخ عماد الفرج من الكويت.

عماد الفرج: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

عماد الفرج: فيه عندي أنا بعض الآيات الله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه (أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً) أي لا يجوز الرجوع أو الحكم لغير كتاب الله، والله يقول سبحانه وتعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) لم نترك شيء إلا ودوناه في القرآن (أنزل إليكم الكتاب مفصلاً).. كيف..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: طب، أنا حأسألك يا أخي.

عماد الفرج: نعم.

د. يوسف القرضاوي: هل في القرآن إن فيه خمس صلوات؟ هل في القرآن الأذان اللي إحنا بنؤذنه هذا؟ السنة هي المبينة للقرآن، وهي بنص القرآن أيضاً..

عماد الفرج [مقاطعاً]: ممكن بس..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: اسمع بس، اسمعني.

عماد الفرج: نعم.

د. يوسف القرضاوي: الله تعالى هو الذي قال (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً) هو نفسه الذي قال (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) وهو الذي قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فإن كنت تريد إنك تأخذ القرآن، وترفض السنة المبينة للقرآن، فهذا ضد القرآن، وأين.. ولا يمكن أي.. يعني حتى أي قانون في الدنيا أو دستور بيبقى فيه مذكرات تفسيرية وإيضاحية له لتبين كيف نفهم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) إذا لم نعرف صلح الحديبية، وما جاء، وما وراءه؟ لا يمكن يا أخي أن نفهم القرآن إلا في ضوء السنة.

كل ما نريده أن تكون السنة صحيحة وليست من المدخول، أو الموضوع، أو المكذوب، أو المنكر، أو الضعيف، وهذا هو عمل العلماء، إنما دخول العوام في هذه القضية يضيعها، هذا أمر متروك لأهل العلم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

د. حامد الأنصاري: عندنا أقل من ثلاثين ثانية يا أخ عماد على نهاية البرنامج.

عماد الفرج: ok، أهل .. أهل.. أهل الذكر هم أهل التوراة، أهل الإنجيل، والذكر يخص فيه القرآن، فإذا الله قال -سبحانه وتعالى- (هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً).. (وما فرطنا في الكتاب من شيء)..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: أهل الذكر –يا أخي- هم أهل الخبرة، كما قال تعالى (ولا ينبئك مثل خبير) (فاسأل به خبيراً) (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أهل العلم والقدرة على الاستنباط هم الذين يرجع إليهم في هذا، وليس العوام ولا المتكلفين (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)..

عماد الفرج [مقاطعاً]: في السابع.. في سابع سنة من الهجرة، وصاحب الرسول وكتب في أقل من سنتين.

[حوار متداخل غير مفهوم]

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: دعك يا أخي من هذا الكلام تريدون أن نرمي بالسنة، ودواوين الأحاديث التي عمل فيها المسلمون قروناً، تريد أن نرميها في سلة المهملات!

د. حامد الأنصاري [مقاطعاً]: عموماً، عموماً عموماً الأخ عماد، معذرة الوقت انتهى، فضيلة الشيخ، شكراً جزيلاً..

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: لأ، بس أنا أريد هذا الكلام، هذا الكلام ليس من كلام أهل العلم، ولا يجوز قبول مثل هذا.

د. حامد الأنصاري: طيب، شكراً جزيلاً فضيلة الشيخ..

د. يوسف القرضاوي: العفو.

د. حامد الأنصاري: أعزائي المشاهدين في ختام هذه الحلقة نشكركم على حسن المتابعة، وإلى أن نلتقي في الأسبوع القادم بإذن الله لكم أطيب المنى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: الجزيرة