الشريعة والحياة

الشريعة الإسلامية وملاءمتها للعصر

مفهوم الشريعة الإسلامية، أقسام الشريعة.. حيثيات وتفاصيل، شمولية الشريعة الإسلامية، المراد بأهل الحل والعقد، الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، هل أغلق باب الاجتهاد؟ وما شروطه؟ نظرة الشريعة الإسلامية إلى غير المسلمين.

مقدم الحلقة:

أحمد منصـور

ضيف الحلقة:

د. محمد سليم العوا: الكاتب والمفكر الإسلامي وأستاذ القانون

تاريخ الحلقة:

03/08/1997

– مفهوم الشريعة الإسلامية
– أقسام الشريعة الإسلامية.. حيثيات وتفاصيل

– شمولية الشريعة الإسلامية

– المراد بأهل الحل والعقد

– الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان

– هل أغلق باب الاجتهاد؟ وما شروطه؟

– نظرة الشريعة الإسلامية إلى غير المسلمين

– الجزية والذمة.. حيثيات وأحكام

– طبيعة المعاملات مع أهل الكتاب في الإسلام

– هل يمكن تعديل أحكام الشريعة الإسلامية وحدودها لمواكبة العصر؟

– حقيقة التناقضات الموجودة بين المسلمين في فهم أحكام الشريعة

undefined
undefined

أحمد منصور: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة). تساؤلات كثيرة تطرح الآن في المحافل المختلفة حول الشريعة الإسلامية ومدى ملاءمتها للعصر بعد مرور أربعة عشر قرنا على نزولها، بعض هذه التساؤلات يطرحها المغرضون أو المتشككون وبعضها الآخر يطرحها الراغبون في معرفة الحقيقة، فإذا كان علماء الإسلام يقررون بأن الشريعة الإسلامية تصلح لكل زمان ومكان، فما هي المقومات والخصائص التي تمكنها من ذلك؟ وكيف يتم تطبيق نصوص الشريعة المحددة على واقع الحياة المتطور والمتجدد وغير المحدود؟ وما هو وضع غير المسلمين في المجتمعات المسلمة؟ وما هي حقوقهم؟ وكيف سيتم التعامل مع قوانين ونظم المجتمع الدولي المختلفة؟ هذه التساؤلات وغيرها نطرحها على ضيف حلقة اليوم الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا (الكاتب والمفكر الإسلامي وأستاذ القانون) وقبل أن نبدأ حوارنا نذكر مشاهدينا الراغبين في المشاركة بأرقام هواتف البرنامج: داخل قطر 888840، خارج قطر 888841 أو 42، أما الفاكس فهو 885999، أهلاً وسهلاً يا دكتور في هذه الحلقة الجديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

د.محمد سليم العوا: أهلاً وسهلاً أهلاً بيك يا أستاذ أحمد.

أحمد منصور:برنامجنا هو الشريعة والشريعة هي محور حوارنا اليوم.

إعلان

د.محمد سليم العوا: نعم.

مفهوم الشريعة الإسلامية

أحمد منصور: فبداية ما هو مفهوم الشريعة؟

د.محمد سليم العوا: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، الشريعة الإسلامية هي الجزء القانوني من الرسالة الخاتمة التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- على محمد -صلى الله عليه وسلم- ليبلغها إلى الناس كافة بل إلى الثقلين، الجن والإنس جميعاً، هذه الرسالة احتوت على جوانب متعددة، أحدها هو ما يصطلح على تسميته بالشريعة الإسلامية.

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا: التي هي ذلك الجانب القانوني المتضمن للأوامر والنواهي الربانية والنبوية الموجهة إلى المؤمنين بهذه الشريعة لكي تدلهم على طريقة تعاملهم بعضهم مع بعض في هذه الحياة الدنيا في مختلف شئون الحياة، فالشريعة هي القانون الإسلامي متمثلاً في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية..

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا:ثم متمثلاً في الحلول التي يستنبطها الفقهاء بطريق الاجتهاد ووسائله المختلفة المعروفة لمشكلات ليس لها حل في نصوص القرآن والسنة.

أحمد منصور: هل معنى ذلك أن الشريعة هي نظام شامل لكل ما يتعلق بالإسلام من جوانب؟

د.محمد سليم العوا: الشريعة نظام قانوني يعرض ويتضمن حلول الإسلام للمسائل المتعلقة بحياة الناس العملية الشريعة الإسلامية..

أحمد منصور[مقاطعاً]: في جميع المجالات؟

د.محمد سليم العوا[مستأنفاً]: في جميع مجالات الحياة، الشريعة الإسلامية هي نظام الحياة..

أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني ليس مجال..؟

د.محمد سليم العوا[مستأنفاً]: نظام الحياة يعني نظام حياة الناس في مجتمعهم من ميلادهم إلى وفاتهم، بل من قبل الميلاد، لأن هناك أحكام للجنين، وأحكام الحمل وما إليه، وإلى ما بعد الوفاة لأن هناك أحكام للميراث وتوزيع التركة، فحياة الإنسان بين نقطتي وجوده وفناءه تحكمها الشريعة الإسلامية، ونحن نسميها الجانب القانوني، أو نقول الجانب القانوني لا لنحصرها -كما يظن بعض الناس- فيما تطبقه المحاكم..

أحمد منصور: نعم، نعم..

د.محمد سليم العوا: وإنما لكي نبين أنها أوامر ونواهٍ، القانون هو أمر أو نهي مرتبط بجزاء، وهو قاعدة عامة مجردة تتوجه إلى الخلق كافة..

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا:أو إلى الناس في المجتمع كافة، قانون الإسلام شريعة الإسلام تتوجه إلى الخلق كافة بأوامر ونواهٍ مرتبطة بجزاء إما دنيوي و أخروي، وإما دنيوي فقط، وإما أخروي فقط حسب نوع القاعدة القانونية أو الشرعية التي تخاطب المكلفين، فحين نقول: الشريعة نظام قانوني، لا نضيق من نطاقها وإنما نصفها بخصائصها التي تتميز بأنها افعل، ولا تفعل، افعل هو الأمر، لا تفعل هو النهي، ثم يترتب على امتثال الأمر ثواب من الله تبارك وتعالى، وعلى امتثال النهي كذلك وعلى مخالفة الأمر أو ..مخالفة النهي يترتب عقاب أو يترتب جزاء سلبي إذا سمينا الثواب جزاء إيجابي نسمي العقاب جزاء سلبي..

أحمد منصور: نعم، الذي شاع عند الناس في الفترة الماضية عن الشريعة أنها مجموعة الحدود التي تطبق ولذلك حضرتك حينما أشرت إلى أنها القانون يذهب كثير من الناس في فهمهم للشريعة على أنها قطع يد السارق ورجم الزاني وما يتعلق بجوانب الحدود، فهل الحدود هي جزء من الشريعة، أم أن الحدود لها وضع آخر أيضا في إطار الشريعة؟

إعلان

أقسام الشريعة الإسلامية.. حيثيات وتفاصيل

د.محمد سليم العوا: اسمح لي أقول لحضرتك الشريعة يقسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام، الشريعة يعني الأوامر والنواهي الإسلامية، يقسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام: قسم يتعلق بالعقائد، وقسم يتعلق بالأخلاق، وقسم يتعلق بالعبادات والمعاملات، هذه الأقسام الثلاثة تضم كل أوامر ونواهي الشرع، لما ننظر إلى القسم المتعلق بالمعاملات نجده ينقسم إلى فروع متعددة، فهناك معاملات مدنية، وهناك معاملات متعلقة بالأسرة، الزواج والطلاق وما إليه مدنية زي التجارة والبيع والشراء، وهناك معاملات اقتصادية وهناك معاملات جنائية.

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا: ومن بين المعاملات الجنائية تقرير ما يعتبر جريمة في شريعة الإسلام والعقوبة المحددة لهذه الجريمة.

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا: والجرائم في شريعة الإسلام على 3 أنواع..

أحمد منصور[مقاطعاً]: نعم.

د.محمد سليم العوا[مستأنفاً]: نوع منها اسمه الحدود جرائم الحدود، ونوع اسمه جرائم القصاص ونوع اسمه جرائم التعاذير، أما جرائم الحدود فهي محدودة العدد، 4 في أضيق الأقوال، و5 أو 7 في أوسعها وهي التي لها عقوبة مقررة بالنص في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، هذا معنى الحد، الحد عقوبة مقدرة تجب، بنص الشارع بنص القرآن الكريم أو السنة النبوية، وتجب حقاً لله تعالى، يعني لا يجوز التجاوز عنها أو العفو عن مرتكب الجريمة إذا ثبتت عليه، أو تخفيض العقوبة أو إضافة شيء إليها، دي خصائص عقوبات الحدود..

أحمد منصور: نعم. نعم.

د.محمد سليم العوا: الحدود جزء صغير جداً من النظام الجنائي في الشريعة الإسلامية النظام الجنائي أوسع من الحدود..

أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني حتى النظام الجنائي أوسع من نظام الحدود؟

د.محمد سليم العوا[مستأنفاً]: طبعاً النظام الجنائي يشمل القصاص،ويشمل التعاذير ويشمل الديات التي هي تعويضات عن الإصابات في الأنفس ويشمل أشياء كثيرة أخرى، جزء بسيط منه اسمه جرائم الحدود اللي هي عقوبات مقدرة لجرائم معينة منصوص على الجريمة والعقوبة بأركانها وأوصافها إما في القرآن الكريم وإما في السنة النبوية المطهرة.

شمولية الشريعة الإسلامية

أحمد منصور: دكتور، هل نفهم من هذا التعريف وهذا الطرح بأن الشريعة تدخل في كافة مراحل الإنسان وكافة مجالات الحياة التي يتعامل فيها الإنسان سواء كانت تتعلق بالأخلاق أو بالمعاملات أو بغيرها، معنى ذلك أن الشريعة مفهوم كبير جداً وواسع ويدخل تحته كل ما يتعلق بجوانب الحياة؟

د.محمد سليم العوا: نعم، الشريعة الإسلامية تحكم حياة الناس كما قلت لسيادتكم في أول الحديث منذ الميلاد إلى الوفاة، بل من قبل الميلاد إلى الوفاة، وهناك عبارة جميلة جداً حضرتني الآن للإمام الشافعي.

أحمد منصور:نعم.

د.محمد سليم العوا: الإمام الشافعي في الرسالة اللي هي كتابه العظيم في أصول الفقه الإسلامي، يقول: "ليست تنزل بأحد من أهل دين الله"يعني من الكون، من الإنسان في الدنيا لأن دول كلهم أهل دين الله أهل الدعوة، "ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة يعني واقعة أو حادثة إلا وفي كتاب الله" يعني في القرآن الكريم.. "دليل على سبيل الهدى فيها" يعني أيه؟

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا: يعني القرآن تضمن لنا نوعين من الأحكام: أنواع تفصيلية افعل كذا فإذا لم تفعله عوقبت بكذا، لا تفعل كذا فإن فعلته عوقبت بكذا، هذا تفصيل..

أحمد منصور:نعم، نعم..

د.محمد سليم العوا: وتضمن أحكاماً عامة تدلنا على سبل الهدى، تفتح باب المجتهد تجعله يعرف الطريق الذي به يصل إلى حكم الله في المسألة، فليس هناك في الدنيا شيء إلا وللشريعة الإسلامية حكم فيه، إما أن يكون حكماً منصوصاً عليه في القرآن والسنة وهذا قليل جداً، آيات الأحكام أكبر تعداد لها عند العلماء 500، وبعضهم ينزل بها إلى 200 آية، والباقي ليست آيات أحكام.

إعلان

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا: أحاديث الأحكام أقصى ما وصل إليه بها ابن القيم الجوزية1500 حديث، فهذه هي الآيات والأحاديث، والوقائع الإنسانية لا تتناهى يعني لا تقف عند حد، لإنه كل يوم يحدث للناس أشياء لم تكن موجودة في الماضي فماذا نفعل في هذه الأشياء الجديدة؟ دلنا الشافعي على ذلك وقال: "إن في القرآن الكريم سبيلاً يقود إلى الهدى"، دليلاً على سبيل الهدى في الوقائع الجديدة التي تنزل بالناس..

أحمد منصور[مقاطعاً]: نعم، نعم، إحنا هنعود للنقطة هذه ولكن أرى إن حضرتك حملتنا عبئاً كبيراً لأن برنامجنا وهو (الشريعة والحياة) ومعنى ذلك أنه يتوجب علينا أن نخوض في أمور وقضايا كثيرة أو كل ما يتعلق بحياة الناس..

د.محمد سليم العوا[مستأنفاً]: ربنا يعينكم إن شاء الله .. إن شاء الله.

أحمد منصور: وليس مجرد الأشياء التي فيها أحكام تتعلق بالعبادات..

د.محمد سليم العوا[مقاطعاً]: نحن نتمنى أن يكون هذا البرنامج مغطياً لحياة الناس كلها فعلاً، نعم.

أحمد منصور[مستأنفاً]: نعم، يعني حضرتك بهذه الطريقة فعلاً وضعتنا أمام مسؤولية ضخمة وكبيرة، وأمام موضوعات يجب أن نطرقها ونرى أو نرى واقع الناس فيها بالنسبة للإسلام.

د.محمد سليم العوا: إن شاء الله أنا أدعو لكم، وأنتم تعملون.

أحمد منصور: الله يبارك في حضرتك، معي مشاركة .. مشاركة الأخ محمد الحربي من فرنسا، أخ محمد.

محمد الحربي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

محمد الحربي: يا أخي العزيز، أنا في الحقيقة بداية أشكر دولة قطر على هذه الهدية العربية التي يستمتع من خلالها المواطن العربي والمسلم بسماع مثل هذه الآراء النيرة..

أحمد منصور[مقاطعاً]: الله يبارك في حضرتك.

محمد الحربي[مستأنفاً]: وأشكر.. أشكر الأستاذين الفاضلين هذه الندوة وأد أن أسأل.

المراد بأهل الحل والعقد؟

أحمد منصور[مقاطعاً]: شكراً، سؤالك يا أخي اتفضل.

محمد الحربي[مستأنفاً]: أستاذنا الفاضل، السؤال هو نسمع عن مصطلح أهل الحل والعقد في بعض الكتب الإسلامية فما هو المراد بأهل الحل والعقد في النظام الإسلامي، وكيف يتم اختيارهم؟ وما هي مسئولياتهم؟ وشكراً.

أحمد منصور: شكراً لك يا أخ محمد، نأخذ الأخ سليم شبيرة من بريطانيا، أخ سليم.

سليم شبيرة: آلو.

أحمد منصور: أيوة يا أفندم، اتفضل.

سليم شبيرة: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله.

سمير شبيرة: حياكم الله.

أحمد منصور: باركالله فيك.

سمير شبيرة: يا أخي يعني في الحقيقة ما عندي سؤال بالضبط، وإنما يعني حبيت نسألكم فقط عن عندنا مدة كثيرة يعني ما.. ما شفنا فيها الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ أحمد، يعني نتساءل عنهم كثير.

أحمد منصور: نعم، الله يبارك في حضرتك، الدكتور القرضاوي هو في إجازة وربما يعود بعد منتصف سبتمبر إن شاء الله.

سمير شبيرة: إن شاء الله، بارك الله فيك.

أحمد منصور: شكراً لك يا أخي، شكراً يا أخ سليم.

سمير شبيرة: الله يوفقكم إن شاء الله.

أحمد منصور:شكراً لكم يا أخي، دكتور سؤال الأخ محمد الحربي من فرنسا عن أهل الحل والعقد ومواصفاتهم ودروهم وكيفية اختيارهم في المجتمع المسلم، وأعتقد أنها جزء من الأشياء التي ربما كانوا لو اتسع الوقت لتناولناها، تفضل.

د.محمد سليم العوا: الحقيقة مصطلح أهل الحل والعقد وبعدين كيفية اختيارهم ودورهم ووظائفهم هذا يحتاج إلى حلقة أو أكثر من حلقة.

أحمد منصور: نعم، نعم..

د.محمد سليم العوا:لكنني أوجز أشد الإيجاز..

أحمد منصور: بإيجاز،نعم..

د.محمد سليم العوا: فأقول إن هذا المصطلح مصطلح تاريخي.

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا: نشأ في صدر الدولة الإسلامية للتعبير عن القوم الذين لا يبرم أمر إلا بالرجوع إليهم، الإسلام دين تقوم شؤون الناس فيه على الشورى.

أحمد منصور: نعم.

د.محمد سليم العوا:الله -تبارك وتعالى- مدح المؤمنين وهم لا يزالون في مكة بأن أمرهم شورى بينهم.

أحمد منصور[مقاطعاً]: نعم.

د.محمد سليم العوا: ولم تكن لهم دولة، ولا قانون، ولا تشريع، ولا جيش.

أحمد منصور: نعم..

د.محمد سليم العوا: وأمر نبيه في أعقاب غزوة أحد بعد كل الذي حدث بسبب الشورى والتزام النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، بأن يشاور الناس فقال:( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) كيف تكون الشورى؟ ومع من تكون؟ إذا قلنا أن الشورى مع كل الأمة، فهذا هو الأصل، لكن هذا الأصل قد يستحيل، وقد يكون في بعض الموضوعات لا يعني كل الأمة، ولا يمكن لها أن تبدي رأيها لأنها موضوعات تخصيصة.

إعلان

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: فأهل الحل والعقد صنفان.. صنف لا يجوز أن يبرم أمر أو يعقد إلا برأيهم، في الأمور العامة مثل السياسات العامة والحرب والسلام والمعاهدات وما إليه..

أحمد منصور: نعم..

د. محمد سليم العوا: وصنف هم أهل التخصص في موضوع من الموضوعات في: الهندسة، في الطب، في الموضوعات النووية، في موضوعات الأقمار الصناعية الآن اللي إحنا بنشتغل على أساسها، في كل التخصصات المختلفة الموجودة والتي تنشأ مستقبلاً، يوجد في كل تخصص أهل حل وعقد، هم من؟

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: هم الذين إذا اتُبع رأيهم بلغنا الرشد، وإذا تركنا رأيهم ضلت بنا السبل وزلت منا الأقدام.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: هذا هو معنى أهل الحل والعقد..

أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني هل ممكن أن يكون هناك أهل للحل وللعقد في مجال الطب..

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: طبعاً، طبعاً..

أحمد منصور: وفي مجال الهندسة وفي غيرها من مجالات الحياة المختلفة؟

د. محمد سليم العوا: طبعاً ،طبعاً، أهل الحل العقد متعددون، ثم ليس هناك وسيلة دائمة ولا معنية في التشريع لاختيارهم أو لتحديدهم، تحددهم الأمة برشدها وبمعرفتها بالمتخصصين وبمعرفتها بالقيادات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية التي تكون موجودة في كل مجتمع.

أحمد منصور: نعم، نعم.

د. محمد سليم العوا: فهذا هو مفهوم أهل الحل والعقد أصله مفهوم تاريخي، لكنه مفهوم يطبق عملياً إلى يوم القيامة بالتطور..

أحمد منصور[مقاطعاً]: ممكن الآن يحل محله مجلس الأمة أو مجلس الشورى غيرها من الأمور..

د. محمد سليم العوا [مستأنفاً]: يحل محله من لا يبرم الأمر إلا بهم.

أحمد منصور: في كل قضايا الحياة وقضايا الدين؟

د. محمد سليم العوا: في كل قضية قضايا الحياة.. نعم.

الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان

أحمد منصور: دكتور، فيما يتعلق بموضوعنا وهو موضوع (الشريعة) يقرر علماء الإسلام بأن الشريعة الإسلامية تصلح لكل زمان ومكان وأشرت حضرتك إلى ما أشار إليه الإمام الشافعي في هذا الجانب، فهل الشريعة الإسلامية تملك مقومات وخصائص خاصة تجعلها تستطيع أن تستوعب كل ما يمكن أن يحدث في الكون من تطورات ومن قضايا ومن مستحدثات في الأمور المختلفة؟

د. محمد سليم العوا: نعم، طبعاً الشريعة الإسلامية تملك المقومات التي تمكنها من أن تحكم حياة الناس إلى يوم القيامة.

أحمد منصور[مقاطعاً]: ما هي أهم هذه المقومات؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: أهم هذه المقومات قاعدة جليلة جداً، صاغها الفقهاء في سطر واحد، يقول: قام التشريع على إجمال مالا يتغير، وعلى على إجمال ما يتغير.. قام التشريع على إجمال ما يتغير، وتفصيل مالا يتغير، يعني أيه؟ يعني الأشياء التي تحتاج إلى أحكام متجددة اجتهادية أجملها الإسلام، أمر فيها بالعدل، أمر فيها بالقسط، أمر فيها بالشورى أمراً عاماً مجملاً، أمر فيها بعدم الظلم، نهي فيها عن أكل أموال الناس بالباطل ثم ترك التفاصيل للمجتهدين في كل زمان ومكان.

أحمد منصور:نعم.

د. محمد سليم العوا: الأحكام التي لا تتغير بمرور الزمان فصلها الإسلام تفصيلاً دقيقاً، الأحكام..

أحمد منصور[مقاطعاً]: ما هي أهم هذه الأحكام؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: أحكام الزواج، أحكام الميراث أحكام النفقات، كل هذه الأحكام ثابتة..

أحمد منصور[مقاطعاً]: هذه ثابتة على مدار الزمان والمكان؟

د. محمد سليم العوا [مستأنفاً]: الحدود الأربعة أو الخمسة أو السبعة على اختلاف العدد ثابتة على اختلاف الزمان والمكان.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: الثابت فصَّله القرآن الكريم وفصلته السنة تفصيلاً لا يحتاج إلى مزيد بيان.

أحمد منصور: أما المتغير؟

د. محمد سليم العوا: أما المتغير فقد أجملته، ذكرت فيه المبادئ العامة..

أحمد منصور[مقاطعاً]: مثل؟

د. محمد سليم العوا: مثلاً أمر بالشورى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) كيف تكون الشورى؟ من الذي يستشار؟ ما عددهم؟ هل ينتخبون إلى مدة معينة؟ أم إلى غير مدة؟ هل يكون.. أمرهم بالميراث أم..؟

أحمد منصور[مقاطعاً]: كل هذه متروكة لظروف الزمان والمكان؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: متروكة للظروف نعم، مثل مدة الرئاسة، مثل الخلافة، مثل تنظيمها، مثل الوزراء، مثل التخصصات المختلفة في الحياة،هذا كله متروك، مثل التجارة، مثل العقود والبيع والشراء،( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) ما هي أنواع البيوع؟ ما هي أنواع المعاملات الربوية؟ هذا لا ينتهي إلى يوم القيامة، فأجمل القاعدة ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) فكل ما انتهى الاجتهاد إلى أنه بيع فهو حلال، وكل ما انتهى الاجتهاد وإلى أنه ربا فهو حرام..

أحمد منصور[مقاطعاً]: هذا يقتضي من علماء الإسلام النظر الدائم في نصوص الشريعة والاجتهاد…

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: الاجتهاد المتجدد، الاجتهاد والمتجدد، كلما وقعت واقعة اجتهدوا لها، كلما وقعت واقعة اجتهدوا لها نعم

أحمد منصور:لكن يعني كثير من معارضي تطبيق الشريعة يقولون أن الشريعة ليست سوى مجرد شعارات خاصة في واقع الحياة..

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: سوى؟؟

أحمد منصور[مستأنفاً]: ليست سوى شعارات (الإسلام هو الحل) ،(الإسلام حل لكل القضايا) ليست سوى شعار، وأن كثير من القضايا المستحدثة لا يوجد للإسلام أو لعلماء الإسلام فيها رأي أو حل حتى الآن فما هو ردكم على هذا؟

د. محمد سليم العوا: الحقيقة.. الحقيقة هذا ظلم بيِّن أو جهل بيِّن..

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: ظلم بين أن يقال أن الإسلام ليس له رأي في القضايا الجديدة لأن علماء الإسلام لا يكفون عن الاجتهاد في مقابلة القضايا الجديدة، والآن سألنا سائل عن الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، ومثل الدكتور يوسف القرضاوي عشرات على الأقل في كل بلد من بلدان الإسلام يجتهدون قدر وسعهم وقدر علمهم في مواجهة القضايا الجديدة، فإن كان القائل عالماً بهذا فإنه ظلم بيِّن، وإن كان القائل لا يتابع حركة الفكر الإسلامي وحركة الاجتهاد الإسلامي وحركة المجامع العلمية عندنا مجمع البحوث الإسلامية في مصر والمجمع الفقهي في جدة والمجمع الفقهي في الهند ومجمع علماء أميركا في الولايات المتحدة الأميركية.. كل هذه..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن لماذا لا يشعر عامة الناس بجهد هذه المجامع..؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: الآن .. لأن هناك تقصيراً فظيعاً من الإعلام، ونحن الآن على جهاز إعلامي، هناك تقصيراً فظيعاً من الإعلام في بث هذه الآراء وشرحها وتنوير الناس بها، ومن الصحافة ومن المجلات المكتوبة، هناك تقصير فظيع.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: الأمر الثاني: الذين يتابعون يعلمون، والذين لا يتابعون كيف يعلمون؟ فهل يجلس الإنسان في بيته ثم يقول علماء الإسلام لا يجتهدون؟! هذا ظلم.

أحمد منصور: نعم، نشرك معنا الأخ صالح أبو آدم من المغرب، أخ صالح أبو آدم الأخ عبد الرحمن من هولندا، أخ عبد الرحمن.

عبد الرحمن: آلو.

أحمد منصور: اتفضل يا عبد الرحمن.

عبد الرحمن: آلو.

أحمد منصور: اتفضل يا أخي.

عبد الرحمن: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله.

د.عبد الرحمن: معاك عبد الرحمن من هولندا.

أحمد منصور: اتفضل يا عبد الرحمن.

عبد الرحمن: عفواً أنا ما كان عندي سؤال لكن أشكركم على البرنامج هذا، وأنا أتكلم صراحة باسم شريحة كبيرة من المسلمين هنا في أوروبا..

أحمد منصور: نعم.

د. عبد الرحمن: إنه متعطشين جداً لهذه البرامج، وكنا نود لو أن البرنامج يمدد ساعة ونصف كما أسوة ببرنامج الاتجاه المعاكس.

أحمد منصور: نعم..

عبد الرحمن: فذلك رغبة الكثيرين هنا ونرجو أن .. أن تفكروا في الموضوع وجزاكم الله خيراً..

أحمد منصور: شكراً لك يا عبد الرحمن والطلب يحول مباشرة للإدارة على الهواء إن شاء الله، شكراً لك، دكتور أيضاً أنصار القانون الأوروبي على وجه الخصوص سواء من الأوروبيين أو العرب يقولون بأن القواعد القانونية الغربية مثل قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة بلا نص"، وقاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم، وقاعدة عدم سريان القانون على الماضي وغيرها من القواعد الأخرى، يقولون أن هذه القواعد ليس لها مقابل في الشريعة الإسلامية وأنها أعطت البشر جانب أو جانب أساسي من الرعاية أكثر من الشريعة الإسلامية، ما هو ردكم على هذا؟

د. محمد سليم العوا: أنا أقول قبل أن أدخل في القواعد أريد أن أكمل حديثنا عن فكرة صلاحية الشريعة والتي قلنا إنها مبنية على قاعدة الإجمال والتفصيل.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: معنى هذا أيه؟ معنى هذا أن الاجتهاد مستمر إلى يوم القيامة

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: والشريعة الإسلامية هي الشريعة الوحيدة في الدنيا التي تجعل المجتهد مأجوراً إذا أصاب وإذا أخطأ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمرو بن العاص لما اجتهد بحضرته أو أمره بالاجتهاد، قال أأحكم وأنت حاضر؟ قال: نعم، إن الحاكم إذا اجتهد فحكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فحكم فأخطأ فله أجر واحد وهو أجر طلب الحق.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: لو تُصورت هذه القاعدة تصوراً كاملاً وسليماً فهم الناس كيف تصلح الشريعة إلى حكم الدنيا إلى يوم القيامة.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: وهذا إيجاز شديد جداً لقاعدة سؤالك …

أحمد منصور[مقاطعاً]: دكتور، دي نقطة مهمة لأن حضرتك الآن بتدعوا إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه؟

هل أغلق باب الاجتهاد؟ وما شروطه؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: لا، أنا .. أنا أزعم أكثر من هذا، أن أزعم أن باب الاجتهاد ومفتوح لم يغلق أبداً على مدى التاريخ..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن هناك كلام يقال أن الاجتهاد أغلق.

د. محمد سليم العوا: الذين أغلقوه وهم غير مؤهلين لإغلاقه إذا كانوا مقلدين لأنه المقلد لا يستطيع أن يجتهد، فإذا كانوا مقلدين فهم غير مؤهلين لإغلاقه، إذا كانوا مجتهدين فلا يغلق باب الاجتهاد إذا وجد على الأرض مجتهد واحد.

أحمد منصور:نعم.

د. محمد سليم العوا: قال الشافعي في ..أي المسؤول هذا المجتهد الذي يملك الآلة التي بها الاجتهاد الشافعي سماها الآلة..

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: قالوا له يسأل؟ قال لا يسأل لا يسأل، مرتين، المجتهد يحكم بما اجتهد فيه، فإذا كانوا مجتهدين فالدعوى باطلة لأنه لا يجوز لهم التقليد، وإن كانوا مقلدين فهم لا يملكون هذه القضية. وأنا أقول باب الاجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة ولم يغلق، ومورس فعلاً، حتى خاتمة المحققين ابن عابدين بيسموه آخر المقلدين الأحناف كان يجتهد في حكم التأمين، وحكم التجارة البحرية، وحكم العقود الشراكة الجديدة…

أحمد منصور[مقاطعاً]: ألا يوجد في عصرنا الحاضر مجتهدون بارزون؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: طبعاً يوجد مجتهدون بارزين أبرزهم يوسف القرضاوي الذي نتحدث عنه قبل قليل، الشيخ الغزالي -رحمة الله عليه- كان يجتهد، وهنا الشيخ المحمود -رحمة الله عليه- الرئيس الأسبق أو السابق للمحاكم الشرعية له آراء واجتهادات نيرة جداً، في كل بلد من بلاد المسلمين يوجد مجتهدون، ولكن المشكلة أن هذه الاجتهادات -كما قلت لك- لا تصل إلى الناس أولا تتابع متابعة كافية..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لكنها مدونة وموجودة وممكن الوصول إليها.

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: مدونة وموجودة وأهل العلم يعرفونها، طلاب العلم وأهل العلم يعرفونها..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن عامة المسلمين بحاجة إلى فهم هذه الأشياء؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: نحن نحتاج إلى مرصد يا أستاذ، نحن نحتاج إلى مرصد إسلامي يرصد اجتهادات العلماء في العصر الحديث ويدونها وينشرها على الناس كافة، وأنا أدعو القادرين على أن ينشئوا هذا المرصد لكي يرصد اجتهادات المسلمين من العلماء في القرن العشرين فقط في القرن الأخير فقط، وسوف يجدون ثروة أنا زعيم أنه لا يوجد مثلها في الدنيا.

أحمد منصور: دكتور، هذه الاجتهادات مست بعض الأشياء التي استحدثت في حياة الناس وعرضت على لجان الاجتهاد أم أنهم سعوا من جانبهم إلى محاولة رؤية ما في واقع الناس من تطور وإدخاله أو؟

د. محمد سليم العوا: كلا.. كلا الأمرين حصل، هناك أمور عرضت على المجامع واجتهد فيها، وهناك أمور استفتي فيها العلماء فأجابوا عنها، عندك مجلدين فتاوى يوسف القرضاوي، وعندك مجلدات فتاوى الشيخ الغزالي، وعندك مجلدات فتاوى الشيخ ابن باز لو طبعت تطلع مجلدات كبيرة، كلها في أشياء حديثة وعصرية، عندك مجلدات تنشر، فتاوى دار الإفتاء في المملكة العربية السعودية كلها أسئلة وعندك علماء تصدوا للمشكلات وتبنوا آراء فقهية إما اجتهدوا فيها من أنفسهم وإما اختاروها من الفقه القديم ودللوا عليها، وكل هذا موجود ولكنه يحتاج إلى مرصد، اسمح لي أعود إلى القواعد..

[موجز الأنباء]

أحمد منصور: دكتور، قبل موجز الأنباء كنت ستحدثنا عن القواعد الموجودة في القانون الغربي وادعاء بعض أنصارها بأن الشريعة الإسلامية لا توفر مثل هذه القواعد للذين ينضوون تحتها.

د. محمد سليم العوا: الواقع هوده كان سؤال حضرتك الأخير وخرجنا منه إلى الاجتهاد، الواقع إن الشريعة الإسلامية أسبق من أي نظام في الدنيا في وضع القواعد الحاكمة لا.. بعشرات بل مئات بل ما لا يحصى من الوقائع من مثل هذه القواعد.

أحمد منصور[مقاطعاً]: كيف ذلك؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: الشريعة الإسلامية ناخد قاعدة، الشريعة الإسلامية
-أولاً- فيها نوعين من الفقه، فيها فقه الوقائع، الفقه الذي يقول: إذا فعل كذا جزاءه كذا، إذا فعل كذا فهو حلال، إذا فعل كذا فهو حرام.

أحمد منصور: نعم، نعم.

د. محمد سليم العوا: وفيها فقه يسمى فقه القواعد، له كتب اسمها الأشباه والنظائر اسمها القواعد الفقهية. كل مذهب من مذاهب الفقه الإسلامي فيه قواعد فقهية مكتوبة في مدونات، وعرَّفوا القاعدة بأنها ضابط شرعي يحكم ما لا يحصى من الوقائع، أقدم كتاب وصلنا في القواعد وصلنا -قد يكون هناك قبله – أقدم كتاب وصلنا هو كتاب أبو زيد الدبوسي من القرن الرابع الهجري 304 – 305 أبو زيد الدبوسي من الفقهاء الأحناف، سمي كتابه "تأسيس النظر في القواعد التي عليها مدار فروع الحنفية" يعني أيه؟ يعني الذي يريد أن يعرف كيف اجتهدوا الفقهاء الأحناف فتوصلوا إلى مسائل المذهب ينظر في هذه القواعد، ثم توالى التأليف في القواعد إلى عصرنا هذا.

أحمد منصور[مقاطعاً]: إحنا في العصر ده.

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: في العصر، نعم في العصر ده عندنا كتاب الشيخ أحمد الزرقا الذي شرحه وحققه ابنه الأستاذ العلامة مصطفى أحمد الزرقا في كتابه "القواعد الفقهية" وعندنا رسالة السيد "فلان الندوي"، نسيت اسمه الأول، في القواعد الفقهية أيضاً وهي رسالة ماجستير رائعة ممتازة، وهناك عدد من الكتب التي حُققت أخيراً منها كتاب "الأشباه والنظائر" لابن نجيم، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي، وكتاب "الفروق".

أحمد منصور[مقاطعاً]: هذه الرؤية الحديثة في النظر لهذه المصادر القديمة أو حتى الكتب الحديثة كتبت بمنظار العصر أم بالمنظار القديم الذي كتبت به؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: أنا أريد أن يعني أن أتحفظ على قصة منظار العصر والمنظار القديم

أحمد منصور: كيف؟

د. محمد سليم العوا: نحن ننظر إلى الشريعة الإسلامية في مصادرها الأساسية، القرآن والسنة واجتهادات المجتهدين وأفقنا التراثي.

أحمد منصور: نعم صحيح، صحيح.

د. محمد سليم العوا: ونستخرج من هذا ما يناسب العصر من أحكام، ليس هناك، ليس معنى التجديد..

أحمد منصور[مقاطعاً]: والذي ليس له وجود يكون فيه اجتهاد.

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: بس معنى التجديد إلغاء القديم.

أحمد منصور[مقاطعاً]: لأ، طبعاً.

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]:معنى التجديد الرد إلى الأصول والأصول عندنا هي القرآن والسنة، وحيث لا يوجد نص يوجد اجتهاد، قاعدة مثلاً "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" هذه موجودة عندنا في الشريعة الإسلامية من القديم، "لا تكليف قبل ورود الشرع"، فإذا لم يرد الشرع لا تكليف هذا هو النص، قاعدة الإنسان الأصل فيه البراءة عندنا، الأصل البراءة، عندنا قاعدة اسمها أصل البراءة، والإمام عز الدين عبد السلام قال: الأصل براءة الإنسان ماله ودمه ويده وعرضه من كل اثم، وعلى من يثبت .. من يدعي عكس الأصل أن يثبته"، قاعدة "الشك يفسر لمصلحة المتهم" قاعدة موجودة عندنا، "ما ثبت باليقين لا يزول بالشك" قاعدة عدم رجعية التشريع إلى الماضي (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً ) فهذه القواعد كلها إسلامية الأصل، بل إسلامية المصدر، وهي موجودة إلى اليوم في الفقه الإسلامي وتستخدم في الاجتهاد حتى اليوم.

أحمد منصور: هذه القواعد تثبت أن الإسلام حافظ على حق الفرد في المجتمع وعلى حق المجتمع كله.

د. محمد سليم العوا: طبعاً، طبعاً ووازن بين الحقين بحيث إنه لا يطغى أحدهما على الآخر.

أحمد منصور[مقاطعاً]:لكن أنصار القانون الأوروبي يقولون بأن القوانين الأوربية حققت مصالح الفرد والمجتمع أكثر مما حققته الشريعة.

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: هذا .. هذا كقول القائل "كل فتاة بأبيها معجبة" لأن كل فتاة لا ترى مثلاً أحسن من أبيها، أما إذا نظر الإنسان بعين الإنصاف فقد يجد أحسن من أبيه، نحن ننظر إلى تشريعات.. إلى النظم التشريعية في العالم وننظر إلى تشريعنا العبرة -يا سيدي- في أي نظام تشريعي بأن يحقق العدالة، فإذا لم يحقق العدالة فإنه ليس نظاماً تشريعياً محققاً لمصالح الناس، إذا حقق النظام الإسلامي العدالة فالعبرة بذلك، وقد حققها ولازال يحققها في كل مكان تطبق فيه الشريعة الإسلامية، إذا أخفق أي نظام في تحقيق العدالة غيَّره الناس واستبدلوا به غيره ممايحقق مصالحهم، البشر كل يوم يغيرون قوانينهم وكل يوم يطورونها وكل يوم يُعدلونها بالإلغاء والإضافة والحذف، أما الشريعة الإسلامية فأصلها ثابت وهو القرآن والسنة، وكل ما يستجد من وقائع يحكمه قاعدة الاجتهاد والتي حكيت لك عنها وبالتالي فقصة إنه أنا حافظت على حقوق الإنسان والتاني لم يحافظ هذه قصة باطلة، وإلا ما تحققت تلك الحضارة اسمح لي لا توجد حضارة في الدنيا تقوم بغير نظام تشريعي عادل، والحضارة الإسلامية اللي استمرت من يوم البعثة المحمدية إلى يوم الناس هذا قائمة على أصولها تعطي للإنسانية جديداً في كل يوم لا يمكن أن يكون قامت على نظام قانوني ظالم، وإلا ماكانشي تقوم..

أحمد منصور: لكن حضرتك في ظل هذه الأشياء لماذا هذه المخاوف من الشريعة الإسلامية لدى الناس؟

د. محمد سليم العوا: المخاوف لها مصادر متعددة بعضها مصدره عدم العلم بحقيقة الشريعة الإسلامية بعضها مصدره علو بعض الأصوات الخاطئة أو الغالية التي نسميها أصوات الغلاة، اللي الناس بيقولوا عليها الآن متطرفين، واسمها في الفقه الإسلامي الغلو والغلاة، علو بعض هذه الأصوات بما ليس صحيحاً في الفقه الإسلامي بعضها الوقيعة التي يوقعها الآخرين وأعني بالآخرين أصحاب الفكر الغربي من غزاتنا الذين يغزوننا ويستعمروننا بأفكارهم بين الإسلاميين وغير الإسلامين، أو بين الإسلاميين وغير المسلمين في المجتمعات العربية والإسلامية، بعضها ناتج عن تعود الناس لمدة مائة سنة الآن بالقانون الوضعي الأجنبي المستورد وإلف الناس له أثر كبير فيما يقبلون وما يرفضون، فهم ألِفوا هذه القوانين جيلين أو 3 أجيال أو 4أجيال الآن بدأت 1883 تثبت أقدامها في بلادنا في مصر ثم منها إلى العالم العربي كله، والآخرون خائفون من أن يستبدلوا بما يعرفون مالا يعرفون.

أحمد منصور: كيف نزيل ونبدد هذه المخاوف التي تملأ نفوس الناس من الشريعة؟

د. محمد سليم العوا: أن نبين .. نبين للناس مالم يبين حتى الآن ونزيد البيان ونعيده ونكرره ولا نيأس.

أحمد منصور: ما هو في رأي حضرتك وتصورك الأشياء الأساسية التي ينبغي أن تصحح في مفاهيم الناس عن الشريعة؟

د. محمد سليم العوا: أول شيء ينبغي أن يصحح في مفاهيم الناس عن الشريعة أنها ليست من العصور الخالية البائدة، أول شيء ينبغي أن يصحح أن هذه الشريعة شريعة كل عصر وكل زمان وكل أمة.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: تاني شيء ينبغي أن يصحح أن هذه الشريعة لا تفرض علينا حلولاً جامدة كثير من الناس وقد سمعت بعض الفقهاء يقولون كل ما يقع في الدنيا له حلول في الكتب، لا ليست هذه هي الشريعة إنما الشريعة، هي الاجتهاد والمستمر المتجدد الذي يلائم بين ثابت النص ومتغير الوقائع.

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: فهذه هي المسألة الثانية التي تبين، المسألة الثالثة أن.. أن الشريعة تحافظ على حقوق الكافة، حقوق المؤمنين بها وغير المؤمنين بها على سواء، ولا يوجد نظام تشريعي في الدنيا يحافظ على حقوق غير المؤمنين به وبأصوله كما تحافظ عليها الشريعة الإسلامية.

أحمد منصور: هذا المحور الذي سأدخل معك فيه الآن

د. محمد سليم العوا: آه أتفضل، كويس.

نظرة الشريعة الإسلامية إلى غير المسلمين

أحمد منصور: وهو القضية المحورية، إذا كنا نتحدث عن مخاوف الناس فمخاوف غير المسلمين في المجتمعات المسلمة أكثر من مخاوف المسلمين العاديين أو عموم الناس بالنسبة لتطبيق الشريعة، حيث يرى هؤلاء أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في المجتمعات المسلمة وأنهم يعاملون كأهل ذمة في المجتمعات المسلمة، وأن تطبيق الشريعة سوف يحد من حقوقهم ويمنعهم من جوانب سواء إنسانية أو وظيفية أو غيرها في المجتمع المسلم، فما الضوابط؟ ولماذا يظلون موضوعين كما يقولون هم في هذه الأطر التي تصنفهم كذميين لا مواطنين في المجتمعات المسلمة؟

د. محمد سليم العوا: نعم، اسمح لي أنت مثلك مثل السائل الأول، هذا موضوع يحتاج إلى برنامجين مش برنامج واحد، لكن خليني ألخص لك الأمر، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي مواطنون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين إلا ما كان تكليفاً بحراسة دين الإسلام مما لا يجوز أن يشق عليهم به، كل ما يمنع منه غير المسلم من وظيفة قيادية في الدولة أو في الجيش أو حتى من الزواج من غير المسلم.. زواج المسلمة من غير المسلم، غير المسلم يمنع من زواج المسلمة، كل الذي يمنع منه غير المسلم في المجتمع الإسلامي من وظائف أو أوضاع اجتماعية سببه عدم جواز تكليفه مالا يطيق من حماية الإسلام وحراسته..

أحمد منصور[مقاطعاً]:لكن إذا هو عنده الاستعداد لذلك؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: لا، يستحيل أن يكون عنده الاستعداد خليني أشرح لك كيف يكون ذلك، أولاً مسألة الذمة، الذمة عقد وليست وضعاً دائماً، الذمة عقد بين الدولة الإسلامية التي دخلت البلد الفلاني وبين أهل هذا البلد الذين لم يسلموا، وهذه الذمة عقد ينتهي بما تنتهي به العقود..

أحمد منصور[مقاطعاً]: وضح لنا حضرتك هذه النقطة.

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: الذمة عقد بين طرفين، أنا أقول ..

أحمد منصور:[مقاطعاً]: محدود المدة والصلاحية و..؟

د. محمد سليم العوا [مستأنفاً]: لا، هو عقد كشأن جميع العقود، الأصل فيه أنه يكون بين طرفين يفسخانه إذا أرادا، أو ينتهي بانتهائهما أو بانتهاء أحدهما، إذا عقد عقد الذمة ثم أسلم أهل البلد جميعاً، أين عقد الذمة؟!

أحمد منصور: نعم.

د. محمد سليم العوا: إذا عقد عقد الذمة ثم خرج المسلمون من البلد كما حدث في الأندلس وفي قبرص في .. أيضاً في صقلية أين عقد الذمة؟! انتهت، فعقد الذمة عقد بين طرفيين أنا أعتقد وأقول في كل مجال إنه انتهى بانتهاء الدولة الإسلامية التي عقدته، والدولة الإسلامية القائمة الآن ليست خليفة للدولة الإسلامية الأولى التي عقدت عقود الذمة، انتهت بالاستعمار الغربي.

أحمد منصور[مقاطعاً]: فأصبح واقعنا الآن؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: وقاومنا، وقاومنا الاستعمار الغربي معاً، نحن وغير المسلمين، وروَّينا شجرة الاستقلال بدمائنا معاً.

أحمد منصور: نعم، نعم. صحيح.

د. محمد سليم العوا: وقامت الدولة الجديدة بعقد جديد بين بعضنا وبعض فيه الناس جميعاً مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، غاية الأمر أن الأغلبية في الدولة الإسلامية مسلمة، وهذه الأغلبية ملزمة بحماية الدين، وحماية الدين تكون بإقامة نظام يحميه، نظام حكم يحميه، وبإعداد جيش يحميه، وبتكليف المواطنين بأن يحفظوا حدوده ومحارمه وأوامره ونواهيه، وهذا كله لا يكلف به غير المسلم إشفاقاً عليه ورفقاً به، يرفع عنه هذا التكليف، فلا يكون رئيساً للدولة التي مهمتها حماية الدين، ولا يكون قائداً للجيش الذي مهمته حماية الدين..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن ممكن أن يكون فرداً في الجيش؟

د. محمد سليم العوا [مستأنفاً]: يكون جندياً وقائداً لجزء من الجيش لكن ليس له القيادة العامة القيادة العليا ليست له القيادة الثانية، قد يكون نائب القائد، قد يكون رئيس الأركان ،قد يكون ..

أحمد منصور [مقاطعاً ]: ثبت هذا في العصور السابقة للدولة الإسلامية ؟

د.محمد سليم العوا [مستأنفاً]: أي نعم، تمام سيدي، هذا ثابت من أول ..من أول عصر الخلفاء الراشدين الجراجمة وهم قبيلة من ..من الروم على الحدود التركية السورية طلبوا من أبي عبيده بن الجراح أن يكونوا مع المسلمين في جيشه فوضع عنهم الجزية وأسقط العقد الذي بينه وبينهم ،أهل أرمينية أبوا أن تفرض عليهم الجزية وقالوا نحن نكون عيوناً لكم ، ولا نساعد الرومان عليكم فوضعت عنهم الجزية ، أهل النوبة حاصرها عبد الله بن أبي السرح أربع سنوات فلم يفتحها فتعاقد معهم على ترك الجزية وعلى هدايا متبادلة بين الفريقين ، أهل قبرص صالحهم معاوية بن أبي سفيان، وهو صحابي جليل مؤسس الدولة الأموية، صالحهم على أن يدفعوا له ويدفع لهم دون جزية ،هناك أكثر من 20 حالة معدودة في التواريخ في تاريخ الطبري وفي "فتوح البلدان "حتى (آدم ميتسز) صاحب كتاب الحضارة الإسلامية وهو مستشرق غربي تقريباً قام بحصرها كاملة أكثر من 20 حالة من عهد الصحابة، لا أقول من العهود التالية ،من عهد الصحابة، وأهل حمص صولحوا على غير جزية، وهناك واقعتان مشهورتان مع أبي عبيده بن الجراح مع أهل حمص وأهل مدينة أرمينية، لما أخذ منهم الجزية ثم حشد الروم حشوداً خشي أبو عبيدة ألا يستطيع أن يقاومها رد إليهم الجزية مرة ثانية وقال قبضنا منكم الجزية على أن نحميكم من عدونا وعدوكم أما و نحن لا نستطيع، أمَا نحن لا نستطيع حمايتكم فهذه جزيتكم، ردها إليهم، وكانت قصة مشهورة في التاريخ، الجزية والذمة وضعان مؤقتان كانا قائمين وقت دخول الإسلام هذه البلاد، وهما ليسا دائمين إلى الأبد، كلمة واحدة قال الفقهاء: هذا عقد مؤبد يعني أيه؟ بحثت كثيراً حتى أنهم لماذا أبَّدوه فوجدت القرافي وابن حزم عللا هذا التأبيد فقالا: لئلا يأتي جائر من حكام المسلمين فيسلبهم حقوقهم، فهو مؤبد في حقنا، أن نحمي لهم حقوقهم.. لحفظ حقوقهم وليس لكي..

أحمد منصور[مقاطعاً]:هذا لحفظ حقوقهم هم، وليس لإجبارهم على؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: ليس لإجبارهم على شيء، فهذه مسائل أساسية في مسألة الذمة ينبغي أن توضع في الاعتبار، لا جزية إذا دخلوا في جيش المسلمين وهم الآن يدخلون، لا ذمة إذا انقضى المتعاقدان أحدهما وقد انقضى المتعاقدان، والوضع الآن نحن مواطنون لنا ما لهم، وعليهم ما علينا، إلا فيما يتعلق بحماية الدين فهم معفو عنهم منه .

أحمد منصور: هذه القواعد الذهبية أشرك معنا فيها في الحوار المستشار سالم البهنساوي (الكاتب المتخصص في قضايا التشريع الإسلامي) المستشار سالم معنا؟

سالم البهنساوي: نعم، اتفضل .

أحمد منصور: سمعت حضرتك ما طرحه الدكتور العوا حول هذه القضية، وهناك نقاش مختلف حول موضوع الجزية وأن عمر -رضي الله عنه- قد قبل الزكاة من غير المسلمين أن يقبلوا دفع الزكاة ولا يدفعوا الجزية..

د. محمد سليم العوا[مقاطعاً]: من نصارى العرب.

أحمد منصور[مستأنفاً]: من نصارى العرب، فهل هذا كان وضعاً مؤقتاً، أم أنه يمكن تطبيقه حسب كل عصر وزمان ومكان بما يحفظ حقوق المسلمين في المجتمع المسلم؟

الجزية والذمة .. حيثيات وأحكام

سالم البهنساوي: أولاً: نشكر تليفزيون (الجزيرة) على استضافة الفقيه العالمي الأخ الدكتور محمد سليم العوا، وتأكيداً لما ذكره أقول -وبالله التوفيق- أن الجزية ليست نظاماً وإنما هي عقد رضائي بين المسلمين وغير المسلمين ينهون به حالة الحرب بينهم، وقد رفض -كما ذكرت- نصارى تغلب اسم الجزية في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فطالبوا أن تطبق عليهم الزكاة فقبل ذلك منهم، فلم يكن هذا لهذه الحالة فقط فقد استقر هذا في العصور التالية فأصبح حكماً عاماً، ذلك أن الجزية ليست أصلاً من أصول الدين لا يجوز المساس بها، ففي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- رفضه بنو مجلس الدخول في الإسلام كما رفضوا دفع الجزية، وطلبوا أن يقبل منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- الوقوف على الحياد فنزل قول الله تبارك وتعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) لهذا النص أمر الله المسلمين بموادعة من واداعهم، لأن القاعدة الأساسية في ذلك قول الله تبارك وتعالى: ( فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ )

أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن حضرتك لازال بعض الناس في هذا العصر يقولون إن الجزية واجبة، وأنه لا .. لا بد أن تطبق، فيعني ما نفهمه مما طرحه الدكتور العوا وما تطرحه الآن أن هذه.. يعني هذا أمر يمكن الاتفاق عليه بصيغ أو أشكال مختلفة، كما أن هذا الأمر يمكن أن يسقط كجزء من التعاقد -أيضاً- داخل نظام الدولة المسلمة.

سالم البهنساوي [مستأنفاً]:للأسف الشديد الذين يقولون ما ذكرت لا يجمعون نصوص هذا الموضوع كلها ويرتبونها الترتيب الصحيح.

أحمد منصور: نعم.

سالم البهنساوي: فهم يستندون إلى قول الله تبارك وتعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لا بد هنا من وضع النصوص متضامنة إلى جوار بعضها البعض لاستنباط الحكم وليس النظر إلى نص واحد؟

سالم البهنساوي [مستأنفاً]: هذا النص وهو في سورة التوبة إنما نزل في نصارى الروم الذين تظاهر زعيمهم هرقل بالإسلام ثم أعد الجيوش لحرب المسلمين،ولهذا أعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جيشاً بقيادة أسامة بن زيد لمحاربتهم، وقد أكمل ذلك أبو بكر الصديق حتى تصالحوا معه على الجزية..

أحمد منصور[مقاطعاً]: أستاذ سالم.

سالم البهنساوي[مستأنفاً]: فأخذها من القادرين وهذا معنى (حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ ) أي لا تجب على غير القادر.

أحمد منصور: نعم.

سالم البهنساوي: كما أن الصلح هذا انطوى على خضوعهم الشريعة الإسلام في المعاملات وفي الحدود، وهذا معنى (وَهُمْ صَاغِرُونَ)، ويقول الإمام الشافعي ( أُصغِروا بما قبلوه من الخضوع لتشريع الإسلام.. الجزية نظام لم يبتدعه المسلمون..

أحمد منصور[مقاطعاً]: حضرتك الآن والدكتور العوا تصححان .. أستاذ سالم حضرتك الآن والدكتور العوا ..

سالم البهنساوي[مستأنفاً]: أستاذ أحمد، لم يبتدعها المسلمون، نظام الجزية نظام غير إسلامي أدخله الرومان و الفرس واليونان، وجاء الإسلام وهذب من هذا النظام.

أحمد منصور: نعم.

سالم البهنساوي: فقد كان فوق طاقة الشعوب ولا تستفيد منه، جاء الإسلام جعل الجزية صلحاً أي عقداً رضائياً وليس نظاماً إجبارياً.

أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني أنتما الآن أستاذ سالم..

سالم البهنساوي[مستأنفاً]: خفض قيمتها إلى دينار للقادر.

أحمد منصور[مقاطعاً]: أستاذ سالم..

سالم البهنساوي[مستأنفاً]: وجعلها مقابل عدم الاشتراك في الجيوش.

أحمد منصور[مقاطعاً]: أستاذ سالم

سالم البهنساوي[مستأنفاً]: وقد ذكر الأخ الدكتور العوا عندما يشتركون في الجيوش فلا جزية عليهم، أيضاً جعلها مقابل الإعانة الاجتماعية أو التكافل الاجتماعي، والقانون الإسلامي الذي صدر في ذلك"أيَّما رجل من أهل الذمة ومن أهل الجزية عجز عن العمل يعال هو ومن كان يعوله من بيت مال المسلمين، وهذا طبق في جميع العصور الإسلامية..

أحمد منصور[مقاطعاً]: نعم، أستاذ سالم.. أنتما.. أنت والدكتور العوا الآن يعني تصححان أو تصوبان حقيقة أساسية التبست لدى كثير من الناس، وعندي مداخلة أو سؤال من أحد الإخوة من غير المسلمين الذين يتابعون البرنامج، الأخ شوقي حنا أبو عيسى من الأردن يقول أنه يعيش في العالم الإسلامي وخصوصاً الدول العربية عدد لا بأس به من غير المسلمين ويعني بذلك المسيحيين العرب، ومع أن الإسلام -كما نعرفه- في أصوله وجوهره منح هؤلاء كامل حقوقهم في المواطنة والعيش، إلا أن الممارسات اليومية تشير إلى عكس ذلك، ويشعر كثير من المسيحيين العرب بأنهم مظلومون في أوطانهم وأن حقوقهم مهدورة، وخصوصاً عندما يقرءون بعض أدبيات الجماعات المتشددة، وطبعاً نعرف أن الإسلام متسامح مع أتباع الديانات الأخرى، ولكن ما نريده كمسيحيين عرب هو الاعتراف بحقنا كمواطنين وحقنا في اتباع العقيدة التي نحن عليها، وليس فقط التسامح معنا في في ممارسة شعائر دينية يمكن أن تمارس في أي مكان في العالم، أسمع تعليق الدكتور سليم العوا على هذه المداخلة من المشاهد شوقي حنا أبو عيسى من الأردن.

د. محمد سليم العوا: هذا السؤال مهم جداً، لأن الممارسة اليومية في المجتمعات العربية والإسلامية لا تتفق دائماً مع المثل العظيم الذي قررته شريعة الإسلام، لأن الناس لا يلتزمون دائماً في كل معاملاتهم بالأمثلة الأساسية والعليا والسامية التي قررتها الشريعة، هذا عيب الناس وليس عيب الشريعة، ثانياً: مسألة حرية العقيدة والشعائر، والواقع أن الإسلام يقول: "اتركوهم وما يدينون" وعهد عمر -رضي الله عنه- إلى أهل إيلياء وهي القدس المحتلة الآن فيه "وألا يغير راهب من راهبانيته" ولا أسقف من أسقفيته يعني رئيس كنيسة أو رئيس دير لا ينزع، يبقى وأهل الدير وأهل الكنيسة يختارون رئيسها، ويجب على كل دولة عربية أو إسلامية يعيش فيها ولو فرض واحد من غير المسلمين أن تمكنه من أن يعتقد اعتقاده وأن يقيم شعائر دينه بالطريقة التي تريح ضميره الديني.

أحمد منصور[مقاطعاً]: وحقوقه الأخرى وظيفته وحياته وحقوقه في المجتمع؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: أما حقوقه الأخرى .. أما حقوقه في الوظائف وفي التملك وفي التجارة وفي الاجتماع -الوضع الاجتماعي- وفي التوظف في الدولة فهذه -أنا باتكلم فقط على قدر السؤال-السؤال بيتكلم عن الشعائر والعبادات، أما الباقي فواجب كفالته أيضاً لكل من يقيم على أرض الدولة.

أحمد منصور: نعم، عندي سؤال من الأخ أبو محمد من السويد، وهذا جانب مهم أيضاً من الجوانب التي تتعلق يغير المسلمين، هل يجوز التهنئة لغير المسلمين وتهنئهم في أعيادهم، ومواساتهم في أحزانهم وفي .. تهنئتهم في أفراحهم؟

طبيعة المعاملات مع أهل الكتاب في الإسلام

د. محمد سليم العوا: الثابت أن الإسلام أجاز لغير المسلمين أن يكونوا أجداداً لأبناء المسلم.. المسلمين وأخوالاً لهم، فأنا يجوز لي أن أتزوج مسيحية أو يهودية فيكون أهلها أخوال أبنائي، وأمها وأبوها أجداد أبنائي، والإسلام هو الذي أمر بصلة الرحم أمراً قاطعاً في الحديث القدسي "الرحم مني من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته"، وليس في الحديث ولا في غيره من الأدلة الشرعية أن دي الرحم المسلمة فقط، دي الرحم على وجه العموم، حتى الأم المشركة حين جاءت إلى أسماء.. لما جاءت إلى الصحابية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: إن أمي جاءتني وهي مشركة تطمع أن أصلها، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- أأصلها؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- صليها، فوصلتها، فالرحم مطلقاً واجب وصلها، كيف يجب وصل الرحم ثم لا أهنئ خال أبنائي بعيده، ولا أهنئ جدتهم أو أطلب منهم أن يهنئوها بعيدهم؟!، إن القول بعدم جواز التهنئة خطأ، وبعدم البدء بالسلام خطأ، وبعدم ملاقاتهم في الطرقات خطأ، بعض العلماء يقول كلاماً متحفظاً يقول :لا نبدأ بقولنا (السلام عليكم ورحمة الله) وإنما نبدأ بـ (صباح الخير) و(مساء الخير) وكيف حالك؟

أحمد منصور[مقاطعاً]: ما هي المرجعية الشرعية يا دكتور لهذا؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: بحديث "لا تبدءوهم بالسلام" فأنا على..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لأ، المرجعية الشرعية لما طرحته من ضرورة..

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: الذي.. مرجعيته هي القرآن الذي يقول والمحصنات من (الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ) فإذا كانت المحصنة حل لي، وأبنائي منها أخوالهم وأجدادهم من النصارى أو اليهود، كيف لا أعاملهم معاملة أهل الأرحام؟ وثابت كما قال عدد من إخواننا في مناسبات متعددة منها كتب أو بعض كتب الدكتور يوسف القرضاوي وأظن الإمام الشافعي -نقل هذا الكلام، بس لست متأكداً من موضوع النقل، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعود أهل الكتاب، وكان يمشي في جنائزهم، أو على الأقل يقف لها، وفي جنازة اليهودي المشهورة التي قالوا له يا رسول الله،" إنها جنازة يهودي، قال أليست نفساً؟ قوموا للجنازة"، وجنازة اليهودي، فإذا كان هذا في الجنازة وقد مات صاحبها فكيف في الحياة ونحن نلتقي كل يوم وجهاً لوجه؟! أنا أرى أنه لا يجوز للمسلم أَلاَّ يحييهم، والا يهنئهم بأعيادهم، وألا يواسيهم في أحزانهم..

أحمد منصور[مقاطعاً]: لا بد أن يفعل ذلك؟

د. محمد سليم العوا[مستأنفاً]: لا بد أن يفعل ذلك وإلا كان مخطئاً في حقهم جيراناً أو شركاء وطن أو إخوان عمل أو زملاء وظيفة، والتقصير في حق هؤلاء كله غير جائز.

أحمد منصور: عندي الأخ أحمد فروانة من سويسرا، أخ أحمد.

أحمد فروانة: السلام عليكم ياحجي.

أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله.

أحمد فروانة: يا حجّي فيه سؤال يتعلق بالموضوع اللي بتحكوا عنه.

أحمد منصور: اتفضل يا أخي أتفضل.

أحمد فروانة: على أساس أنه مرتي أمها رومانية..

أحمد منصور[مقاطعاً]: أمها رومانية؟

أحمد فروانة[مستأنفاً]: من أهل الكتاب..

أحمد منصور: نعم.

أحمد فروانة: والمشكلة إنها عملت لي مشاكل كثير أنا ومرتي يعني. على سبيل المثال لا الحصر، كانت مرتي عمرها 3شهور .. بنتي كانت عمرها 3شهور وطردت مرتي من البيت من عندها..

أحمد منصور[مقاطعاً]: زوجتك مسلمة؟

أحمد فروانة[مستأنفاً]: زوجتي مسلمة، أسلمت طبعاً على أساس إن أنا أتزوجها.

أحمد منصور[مقاطعاً]: طب سؤال حضرتك إيش بالدقة سؤالك بالضبط؟

أحمد فروانة[مستأنفاً]: السؤال طبعاً بالضبط، يعني على الرغم من إنها أمها لِمرتي إنها هي كتابية من أهل الكتاب عملت لي مشاكل، مشاكل كثيرة، هل من حقي إني أساعدها ولا ما أساعدهاش؟

أحمد منصور: المساعدة مادية؟

أحمد فروانة: مساعدة مادية طبعاً.

أحمد منصور: نعم.

أحمد فروانة: لإنه في حالة أنا كنت عندي أزمة مادية زي ما حكيت لكم طردتني أنا وبنتي ومرتي، بنتي كان عمرها 3شهور.

أحمد منصور[مقاطعاً]: والآن تحسنت .. تحسنت أمورك المادية وساءت أمورها هي فهل يجوز لك أن تتبرع لها أو تساعدها من الناحية المادية؟

أحمد فروانة [مستأنفاً ]:بالضبط ،هل مشى ..هل يجوز ..هل ..المفروض عليّ..؟

أحمد منصور [مقاطعاً] :هل يتوجب عليك ذلك أم ؟

أحمد فروانة [مستأنفاً] :بالضبط .

أحمد منصور :شكراً لك .

أحمد فروانة :وجزاكم الله كل خير .

أحمد منصور :اتفضل يا دكتور .

د.محمد سليم العوا :يا أستاذ محمد ،يا أستاذ أحمد الفرواني ،هذا الذي سألت عنه من مكارم الأخلاق ،والإسلام أمر بمكارم الأخلاق أمراً عاماً، ونحن مأمورون أن نعامل الناس كما نحب أن يعاملونا ، لا كما عاملونا بالفعل ، فإن الصفح عند المقدرة والعفو بعد أن منَّ الله عليك بالرزق الوفير من الأخلاق الحميدة ،ولكنه ليس من الواجبات ، هذا مما يفعله المتقون والمحسنون والصادقون في إيمانهم ، والراجون عفو ربهم ، لكن لا يستطيع أحد أن يقول لك ، أنت ملزم بمساعدة حماتك غير المسلمة الرومانية التى أساءت إليك في الماضي ، نقول لك هذا من مكارم الأخلاق ،إن فعلته فحسن والله يجزيك الخير ، براً بزوجتك التي هي أمها ، وإن لم تفعله فنرجو ألا يكون عليك تثريب ، وأنا أدعوك إلى فعله إن شاء الله .

أحمد منصور :شكراً لك ،الأخ صالح أبو آدم من المغرب.

صالح أبو آدم :أهلاً وسهلاً .

أحمد منصور :أهلاً بك يا أخي تفضل .

هل يمكن تعديل بعض أحكام الشريعة الإسلامية وحدودها لمواكبة العصر؟

صالح أبو آدم :والله عندي سؤال موجه على أساس، مع وجهة نظر بطبيعة الحال، هذا السؤال يتمثل هل يمكن تغيير أو تعديل أو تكييف الحكم في الإسلام .. الحكم .. نقصد الحكم الإسلامي .. الحكم إما في المعاملات، أو في الحدود؟- مثلاً- في حد القصاص فيه حد القتل العمد هناك القصاص، وفي حد السرقة القطع، وفي حد الزنا المحصن والمحصنة الرجم، هل يمكن تعديل هذه الأحكام بما يلائم الزمان والمكان نظراً للتطور الحضاري البشري في الوقت الحاضر باعتبار أن الأساس في الإسلام هو المباديء الأساسية التي لا تغيير فيها..؟

أحمد منصور [مقاطعاً] :هذا من المبادئ الأساسية التي لا تغيير فيها يا أخي.

د.محمد سليم العوا :خلينا نشرح له ..

صالح أبو آدم [مستأنفاً] :اسمعني ..اسمعني يا أخي ..أنا لي وجهة نظر أبسطها ولرأي العلماء الكلمة المسموعة .

أحمد منصور :نعم ، ونحول سؤالك إلى الدكتور محمد سليم العوا،هل هناك إضافة ؟

صالح أبو آدم :لا..لا ، باقي وجهة نظر سأطرحها من فضلك .

أحمد منصور : تفضل يا أخي اطرحها بس بسرعة لغيرك من المشاركين .

صالح أبو آدم :نعم سيدي قلت.- مثلاً فكما- أن أغلبية الدول الإسلامية غيرت أو عدلت بعض الأحكام مثل الزكاة صارت تعرف بالضريبة أو الجباية ولأن العبرة كما قلت بالمباديء الأساسية وحدانية الله، الإيمان بالرسل، وما إلى ذلك، الإسلام يريد " المسلم من سلم الناس من يده ولسانه"، ويريد من في المعاملة ..الدين المعاملة، أما الأحكام اللي كان تبقى من أجل استتباب العدل والأمن يمكن تعديلها لماذا لا يمكن؟ هذا هو السؤال المطروح.

أحمد منصور :شكراً يا أخ صالح سؤالك ..

صالح أبو آدم [مقاطعاً] :وهي بس وجهة نظر .

أحمد منصور [مستأنفاً ]:سؤالك يجيب عليه الدكتور محمد سليم العوا بعد أن نأخذ الأخ محمد أبو يونس من فرنسا.

محمد أبو يونس : السلام عليكم ورحمة الله .

أحمد منصور :وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل يا أخي .

د.محمد سليم العوا :وعليكم السلام ورحمة الله .

محمد أبو يونس :أخي، هنا من يقول في الغرب يعني ، هنا من يقول أن الإسلام لا يصلح للعصر، لأن القرآن قابل لكل التفسيرات، ويجدون التناقضات بين المسلمين أفرداً ومجتمعات، فحين يحرم البعض منهم الحجاب يحلله آخرون .

أحمد منصور : نعم .

محمد أبو يونس: وكذلك فيما يخص العنف، وكذلك فيما يخص الأقليات، فما رأيكم في هذا الأمر ؟

أحمد منصور :نعم، شكراً يا أبو يونس .شكراً لك، دكتور، عندنا سؤالين الأن ، صالح أبو آدم من المغرب يسأل عن يعني ما يتعلق بالحدود ..

د.محمد سليم العوا [مقاطعاً] :نعم ،سمعته ،نعم .

أحمد منصور [مستأنفاً ] :نعم ،اتفضل .

د.محمد سليم العوا :الأخ صالح أبو آدم ينبغي أن نقول له عدداً من الأمور ،الأمر الأول أن القصاص ليس عقوبة ..ليس عقوبة واحدة ، اللي هو حكم القتل العمد القصاص ليس عقوبة واحدة ،هناك بديل وهو الدية ،الأمر الثاني :أن الزكاة ركن من أركان الإسلام لا تحل كله الضريبة فأركان الإسلام خمسة أحدها الزكاة، والزكاة واجبة على المسلم في كل مال بلغ نصاباً وحال عليه الحول كما يعرف الفقهاء وطلاب الفقه، والمسلمون يخرجونها من أموالهم حتى اليوم، في البلاد التي فيها مؤسسات زكاة يدفعونها إلى مؤسسات الزكاة ، وحيث لا توجد مؤسسة زكاة يخرجونها من أموالهم إلى الفقراء والمستحقين ومصارفها الشرعية لأنها ركن لا يكتمل إسلام. المرء -مش إيمانه لا يكتمل إسلام المرء إلا به ..

أحمد منصور [مقاطعاً] :لكن الضريبة لا تحل محلها ؟

د.محمد سليم العوا [مستأنفاً] :الزكاة ..الزكاة لا تحل محل الضريبة ،الضريبة حق للدولة لإنشاء الطرق ،لعمل المدارس ،لإنشاء المستشفيات، لتجييش الجيش ..

أحمد منصور [مقاطعاً] :ولها شأن في الشرع أيضاً ؟

د.محمد سليم العوا [مستأنفاً ]:ولها طبعاً شأن في الشرع لكن لا علاقة لها بالزكاة ، ولا يمكن تخفيض الزكاة بمقدار الضريبة ، أو يمكن ولا يمكن التهرب من الضريبة بمقدار الزكاة ، هذان أمران مختلفان ، الأمر الثالث الحدود يا أخ صالح ، الحدود زواجر وروادع ، الحدود زواجر لمن وقع في الجريمة لكي تزجره عن العودة أو لكي تأخذ للمجتمع حقه منه ، أو لكي تضعه في الموقف الذي يستحقه جزاء وفاقاً لما جنت يداه ، لا يمكن أن نسوي بين المحسن والمسيء ، أو نترك المسيء بدعاوى إنسانية أو دعاوى من هذا النوع، وهي روادع لمن لم يفعل لأن الناس إذا رأوا من قتل آخر ، أو سرق ماله ، أو قام بجريمة الحرابة وقد عوقب توقفوا عن ذلك إلى مدىً لا يعلمه إلا الله ، ولذلك كانت مرات التطبيق في التاريخ الإسلامي محدود جداً ، وبعض التطبيقات المعاصرة اللي أجرى فيها قطع يد بغير حساب أو قتل بغير حساب تحسب على أصحابها ويلقون الله بدماء الأبرياء ، أما الشريعة الإسلامية فهي بريئة من كل دم بغير حق ..

أحمد منصور [مقاطعاً] :بعض الناس يقولون أن تطبيق الشريعة أو تطبيق الحدود سيحول المجتمع إلى مجموعة من مقطعي الأيدي ؟..

د.محمد سليم العوا [مستأنفاً]:هذا كلام ..هذا الكلام ليس له أساس لأنه يعني بعض مشايخنا – رحمة الله عليهم – كانوا يقولون :يد واحدة تقطع تمنع السرقة 40سنة، ونحن لا نريد أن تقطع أي يد لأن هذه الحدود أصلاً لردع الناس ، لإرهابهم ، لتخويفهم عن أن يقعوا في هذه الجرائم ،ثم هناك شروط شرعية كثيرة لتطبيق الحدود من أهمها أن يكون هذا السارق مثالا بـ.. أكثر الجرائم شيوعاً الآن ،أن يكون قد وجد حد الكفاية ، فابحثوا عن هذا السارق ووفروا له حد الكفاية ، ثم أقيموا عليه الحد ، أما القول بتغيير الأحكام الشرعية خصوصاً ما ثبت بنص قطعي الورود والدلالة مثل القصاص والحدود والزكاة فهو أمر لا يقبل في الشرع .

حقيقة التناقضات الموجودة بين المسلمين في فهم أحكام الشريعة

أحمد منصور : دكتور محمد أبو يونس من فرنسا يسأل عما يحدث من أن بعض الناس يحللون الحجاب وبعضهم يحرمونه والتناقضات الموجودة بين المسلمين في الغرب حول بعض الأحكام الشرعية .

د. محمد سليم العوا :هذا ..هذا ليس في الغرب فقط ،هذا اختلاف الناس في الأحكام الشرعية قائم منذ وجد الصحابة ، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه ألا يصلوا العصر بعد غزوة الأحزاب إلا في بني قريظة ،قال :"من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يصلينَّ العصر إلا في بني قريظة " فقال قوم أراد الإسراع وصلوا العصر في الطريق ،وقال قوم :أمرنا ألا نصلي إلا في بني قريظة فصلوا هناك ، يقول الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري وهو من كبار أئمة الدنيا مش أئمة الإسلام بس يقول :"علم الله لو كنت هناك ما صليت العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام " يعني يستنى 5 ،6 أيام يصلي الصلوات كلها وينتظر عصر ذلك ذلك اليوم ليصليه في بني قريظه ليه ؟لأن هذا لفرط الطاعة عنده، واختلاف الصحابة وقع في التيمم في السفر ، ووقع في الغسل أو التيمم بالماء في البرودة والنبي أقر ذلك كله ،لماذا أقره ؟لأن الاختلاف من طبيعة العقول..

أحمد منصور [مقاطعاً] :لكن هنا نص يا دكتور ،الحجاب فيه نص ؟

د.محمد سليم العوا [مستأنفاً]:لأ، الحجاب فيه نص ، لكن اختلاف الناس ليس في الحجاب اختلاف الناس في النقاب ، إذا اختلف أحد ..أو اختلف الناس .. أنا فهمت من سؤال الأخ إنه يسأل عن النقاب ..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هو قال الحجاب وليس ..

د.محمد سليم العوا [مستأنفاً]: أنا.. إذاً سمعته خطأ، إذا كان يقصد الحجاب بمعنى أن تغطي المرأة كل جسدها فيما عدا وجهها وكفيها ، فهذا الاختلاف فيه ، وهو واجب شرعي على كل امرأة مسلمة من فعلته فقد أتت بالواجب ، ومن لم تفعله مقصرة ، لا كافرة ولا مجرمة، ولا خارجة عن الدين ، مقصرة عليها أن تقوم باستكمال الواجب.

أحمد منصور : ما يتعلق بغير المسلمين في المجتمع المسلم ،كأني فهمت من طرحك وطرح الدكتور .. المستشار البهنساوي أنه واجب وحق على المسلمين العاديين في المجتمع أن يؤدوا هذا الحق يعني أكثر من حق الدولة نفسها في أدائه ، وهنا الأخ أبو محمد من السويد يقول : بحكم إقامته هناك للدراسة ، هناك أصدقاء له من غير المسلمين يدعونه أحياناً إلى الزيارات وغيرها ويقول نحن لا نذهب لأنهم أحياناً يقدمون لنا طعام وشراب وهم يتعاملون مع البنوك الربوية ونحن نخشى أن نأكل من حرام وغير ذلك .

د.محمد سليم العوا :هو الله -تبارك تعالى- يقول في محكم كتابه (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ).

أحمد منصور :نعم .

د.محمد سليم العوا :وطعامهم الله يعلم من أين يأتون به ويعلم مصادره، محرم علينا أن نأكل الخنزير وأن نشرب الخمر ، أما ما عدا ذلك فطعامهم حلال ، وأكلهم حلال وشربهم حلال ، ونحن ندعوهم إلى بيوتنا ويأكلون عندنا بكل رحابة صدر ، ونقبل دعوتهم ونأكل عندهم بكل رحابة صدر .

أحمد منصور :المستشار البهنساوي معنا ؟

سالم البهنساوي : اتفضل ، نعم .

أحمد منصور : سؤالنا الأخير لك في دقيقة لو سمحت ، هل غير المسلمين يتساوون مع المسلمين في العقوبة ؟ وما مدى تطابق ذلك مع قول الرسول -صلى الله عليه وسلم – "لا يقتل مؤمن بكافر "؟

سالم البهنساوي :طيب ،هل ممكن بس ولو في نصف دقيقة تعليق بسيط على الأخ الفاضل اللي أتكلم من الأردن عن إن النصارى في البلاد العربية ..

أحمد منصور [مقاطعاً] : تفضل نحن نعطيك دقيقة ونصف لأن الوقت أزف بنا.

سالم البهنساوي [مستأنفاً ]: يعني أحب أن أوضح أنه منذ وضع النبي -صلى الله عليه وسلم – دستوراً للمسلمين وغير المسلمين في المدينة المنورة وعرف بالوثيقة فهذا الدستور ينص على أن غير المسلمين أمة مع المؤمنين ، وأن لهم ما للمؤمنين وعليهم ما عليهم ، منذ هذا التاريخ حتى اليوم لا يوجد في الجانب العملي مثل ما ذكره الأخ إلا بعض أقوال من أشخاص لا يعتد بقولهم ، والنادر لا حكم له ..

د.محمد سليم العوا [مقاطعاً]: لا، ويوجد في التطبيق وهو خطأ ، ويوجد في التطبيق وهو خطأ، لا نقره ونعترض عليه وندعو إلى تغييره ..

سالم البهنساوي [مستأنفاً] : ولكن نادر والنادر لا حكم له ، ومنذ دخول هذه البلاد في .. تحت قيادة المسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وقد جعل لهم من محاكم خاصة تحكم بينهم، فعمرو بن العاص في مصر جعل لرؤساء النصارى مهمة القضاء فيما بين النصارى، فإذا كان النزاع بين قبطي ومسلم تشكل محكمة من مسلمين ومسيحيين والإمام الماوردي ذكر في كتاب "الأحكام السلطانية "أنه ..

أحمد منصور [مقاطعاً] :بقى لك نصف دقيقة يا أستاذ سالم .

سالم البهنساو [مستأنفاً ]:طيب ، عموماً بصفة عامة هذا الفهم الخاطئ ليس حجة ونادر ، والنادر لا حكم له ، والأصول العامة كما أوضحها الأخ الدكتور العوا وكما ذكرناها .

فيما يتعلق بحديث "لا يقتل مسلم بكافر " والذي يفهمه البعض خطأ ، هذا الحديث له بقية في كتب السنة نصها في مسند الإمام أحمد "لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهدٍ في عهده" وأيضاً نص آخر "لا يقتل مسلم بكافر ولا معاهد بكافر".

أحمد منصور [مقاطعاً] :شكراً يا أستاذ سالم، شكراً يا أفندم ، نعود للدكتور محمد سليم العوا ،لم يعد لدينا من الوقت سوى أن توجز لنا أهم ما تناولناه وما نخرج به من هذا الحوار، ويبدو أن القضية في حاجة إلى لقاءات عديدة ولكن في دقيقة أو دقيقتي، تفضل ، توجز لنا أهم ما نخرج به في هذا الحوار من نقاط ذهبية للمشاهدين في هذا البرنامج؟

د.محمد سليم العوا :يا سيدي ، على ..على صعوبة المهمة في الدقيقة أو اثنين اللي فاضلين، أولاً الشريعة الإسلامية جزء من الإسلام نفسه ،قبولها من قبول الإسلام، ورفضها من رفض الإسلام .

ثانياً الشريعة الإسلامية بوجود مبدأ الاجتهاد فيها مع قلة الأحكام التشريعية النصية هذا سر خلودها وصلاحها إلى مالا نهاية .

ثالثاً: الشريعة نظام شامل يشمل حياة المسلم من قبل ميلاده منذ حمل أمه به إلى ما بعد وفاته لتوزيع ميراثه بين أقاربه وأهله .

رابعاً: غير المسلمين في المجتمع الإسلامي مواطنون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين .

خامساً: الشريعة الإسلامية سبقت النظم القانونية التي تعرفها الدنيا كلها بتقعيد القواعد الكلية التي يتفرع عنها ما لا يُحصى من الجزئيات.

سادساً: لا يجوز لأحد أن يُحمِّل الشريعة أخطاء الناس ،فإذا أخطأ الحكام أو المحكومون وهذا يقع -كما في سؤال الأخ من الأردن وأنا أعلم أنه يقع ولا يجوز إنكاره- وهو إذا كان نادراً في بعض البلاد فهو كثير في بعض البلاد الأخرى ، لكن هذا لا يُحمَّل على الإسلام ، هذا يحمل على أخطاء المسلمين، حكاماً كانوا أم محكومون، والأمر يحتاج إلى مناقشة أطول من ذلك بكثير حتى نستوفِ بقية نقاطك كلها إن شاء الله .

أحمد منصور :إن شاء الله ،وإحنا الحقيقة هناك محاور أساسية أيضاً لم يسع الوقت لتناولها، ونأمل أن تعدنا -إن شاء الله- بأن تكون هناك حلقة أخرى نتم بها هذا الجانب الهام .

د.محمد سليم العوا :بإذن الله .

أحمد منصور :مشاهدينا الكرام ، لم يبق لنا سوى أن نتوجه بالشكر الجزيل إلى ضيفنا الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا (أستاذ القانون والكاتب والمفكر الإسلامي) كما نشكركم، على حسن متابعتكم، في الأسبوع القادم -إن شاء الله- نتناول موضوعاً هاماً آخر هو "أطوار الجنين وحقوقه وموقف الإسلام من الإجهاض وأطفال الأنابيب والتلقيح الصناعي" حتى ذلك الحين أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: الجزيرة