الشريعة والحياة

التربية والتجديد وتنمية فاعلية الشخصية المسلمة

أسباب اهتزاز وعدم فاعلية الشخصية المسلمة، أهمية اللغة والتعليم في تحريك الشخصية المسلمة، علاقة نظم التعليم الإسلامي بالتخلف والإرهاب، تطوير اللغة ومحاولة تعميمها لتتناسب مع الواقع المعاصر، التعليم بين الأخذ من الغرب والقيم الإسلامية.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:

د. أكرم ضياء العمري: كلية الشريعة – جامعة قطر

تاريخ الحلقة:

24/03/2002

– أسباب اهتزاز وعدم فاعلية الشخصية المسلمة
– أهمية اللغة والتعليم في تحريك الشخصية المسلمة

– علاقة نظم التعليم الإسلامي بالتخلف والإرهاب

– تطوير اللغة ومحاولة تعميمها لتتناسب مع الواقع المعاصر

– التعليم بين الأخذ من الغرب والقيم الإسلامية

undefined
undefined

ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

موضوعنا لهذه الحلقة هو كيفية بناء الشخصية المسلمة، نحن أمة نعاني –منذ ما يزيد على قرن من الزمان- من شخصية مهزوزة لا تستطيع أن تحدد بالضبط أصدقاءها وأعداءها.. لا تستطيع، ثمة جدل كبير وعلى مدار القرن الماضي حول هوية هذه الأمة من نحن؟ ومن نكون؟ وماذا نريد؟ ويكاد يكون هذا خصيصاً إذا استطعنا أن نعتبر هذا خاصية أو ميزة لهذه الأمة فهي ميزة سلبية قطعاً، الأمة الوحيدة التي لم تستطع أن تتفق على تعريف لنفسها، وفي المركز من هذه الحيرة هو السؤال الجوهري حول علاقاتنا بالإسلام ودوره في بناء هذه الشخصية وبالتحديد هذه الهوية.

لمناقشة هذا الموضوع كيف ننتقل بالشخصية المسلمة سواء كانت شخصية فردية بالمعنى الحرفي للكلمة أو شخصية اعتبارية باعتبارها سؤال عن أمة.. عن هوية أمة وشخصية هذه الأمة، يسعدني أن يكون ضيفي الدكتور أكرم ضياء أحمد العمري (وهو أستاذ في قسم أصول الدين في كلية الشريعة في جامعة قطر)، وقد حاز قبل سنوات على جائزة الملك فيصل في خدمة العلوم الإسلامية، وإن شاء الله سيتوالى التعريف به مع استمرار هذه الحلقة.

قبل أن ندخل في الحوار.. في موضوع حلقة اليوم اسمحوا لي أن أذكركم بأنه بإمكانكم أن تشاركوا معنا عبر الهواء مباشرة في هذه الحلقة إما عبر الهاتف الذي تجدونه على الشاشة أمامكم الآن والذي هو: 4888873، أو على الفاكس على الرقم التالي: 4885999، وهو ما تشاهدونه على الشاشة الآن أيضاً.

كما بإمكانكم المشاركة عبر الموقع الرئيسي (للجزيرة نت) على الشبكة العالمية على العنوان التالي: www.aljazeera.net

إعلان

سيدي، دكتور أكرم، نحن نعاني كأمة من غياب الشخصية، احترنا فترة طويلة جداً من الزمن في.. في تعريف أنفسنا.. في تعريف علاقاتنا بالإسلام ومكانته في حياتنا وفي حياة هذه الأمة، لعل جزء كبير من النقاش سيتركز لاحقاً على العملية التعليمية باعتبارها الحاضن الأكبر لصناعة الشخصية، لكن بداية، هل تتفق معي في التشخيص بأننا نعاني من شخصية مهزوزة غير فاعلة وبالتالي لابد من تفعيلها؟

د. أكرم ضياء العمري: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.


أسباب اهتزاز وعدم فاعلية الشخصية المسلمة

الشخصية المسلمة في القرن العشرين استيقظت بعد سبات طويل، ربما يمتد إلى سبعة قرون، يعني ربما مع سقوط بغداد 656هـ، السبات الذي حل بالأمة من حيث الفعالية كان عميقاً والحقيقة أنها استيقظت بصورة متأخرة جداً مع أن الذين حولها تحركوا بقوة سواء العالم الغربي أو اليابان بالتالي فينبغي أن نحاول استشراف الواقع من خلال التاريخ المعاصر، يعني ما الذي أصاب الأمة؟ لماذا لم تتمكن من تحديد هويتها بصورة دقيقة؟ مع أن هذه الأمة أمة عريقة في التاريخ وهي تشكل سدس البشرية وتراثها ممتد منذ ظهور الإسلام إلى القرن السابع والثامن، توجد كتابات وتأليفات وتوجد مكتبة ضخمة تزود عقود المسلمين بأفكار كثيرة وهذه الأفكار مرتبطة بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية وهذان المصدران يعطيان ملامح لشخصية إيجابية فعالة تحرص على صلتها بالله عز وجل، تحرص على صلتها بالحياة، تحرص على أن تكون فاعلة اجتماعياً، فاعلة اقتصادياً، فاعلة سياسياً، فاعلة عسكرياً، بمعنى أنها أمة متحضرة وقوية فما الذي جعلها تفتقر إلى تحديد هويتها عندما استيقظت في القرن العشرين أو أواخر القرن التاسع عشر.

ماهر عبد الله: هذا.. نعم..

د. أكرم ضياء العمري: وهو عصر النهضة بالنسبة للعرب.

ماهر عبد الله: هذا أيضاً إذا اتفقنا إنها استيقظت أساساً، لكن قبل أن.. أن نعود إلى هذا يعني لفت نظري أنك عدت بالأمر إلى القرن السابع وبالتالي يبدو أنك لست ممن يلقون بالجزء الأغلب من الأزمة على القوى الخارجية التي بدأت بالاعتداء علينا على الأقل الاستعمار الغربي بشكله الحديث عبر القرن.. القرن ونصف القرن الماضيين، يبدو أنك لا تميل -وأنت ما زال تخصصك على الأقل الدراسي والأكاديمي الأساسي هو في التاريخ.. التاريخ الإسلامي- لا تمثل إلى إلقاء اللوم كثيراً على القوى الخارجية على اعتبار إنه المشروع الغربي كآخر تأثير لم يكن قد ظهر في القرن السابع.

د. أكرم ضياء العمري: لا.. لا.. لا يمكن أن نعزو كل عوامل الضعف ونلقي التبعة على القوى الخارجية، هناك عامل داخلي، هناك استعداد في الأمة بدأ هذا الاستعداد للانهيار والتحول بعد أن توقفت الحركة الفكرية على الأقل في جوانبها الإبداعية، وظهرت عمليات تجميع التراث لمواجهة احتمالات ضياع الأصول التي تكون الشخصية الإسلامية، هناك في العصر المملوكي ما يشير إلى أن العلماء فطنوا إلى أن الإبداع لم يعد قائماً، والإبداع أساس في تحريك الأمة، في تقدمها، في تطورها، والإبداع استمر طيلة القرون الست الأولى، من هنا نلمس ظهور الموسوعات التي تعبر عن جهد علمي في محاولة الحفاظ على التراث الإسلامي وإفادة الأمة منه، في الوقت الذي أصبحت فيه الأمة ممزقة سياسياً ولم تعد بالقوة التي كانت عليها في القرون الأولى من حيث التماسك الاجتماعي، من حيث القدرات على إكساب الأجيال الصاعدة قيم التراث الإسلامي، من حيث القدرة على المحافظة على روحية الأمة من ناحية.. على فاعليتها الحضارية من ناحية ثانية، حصل شيء كبير من الانكسار منذ وقت مبكر، لكن طبعاً الوضع الأسوأ هو ما حل بالأمة بعد السيطرة الاستعمارية المباشرة، لكن هذه السيطرة ما كانت لتتم لولا التوقف والانكسار التاريخي خاصة من بعد سقوط بغداد من حيث توقف الإبداع، ثم بعد العصر المملوكي من حيث توقف الجهود العلمية بصورة واسعة بحيث الآن ثمة جهد فكري في تحليل الواقع أو في إعادة صياغة التراث حتى الجهد التجميعي توقف، معاجيم اللغة العربية توقفت عند "لسان العرب" لابن منظور ومن بعده عند الزبيدي في "تاج العروس" وكان الزبيدي آخر محاولة لتجميع اللغة، ولاشك إن تجميع اللغة عامل مهم، لأن اللغة هي أساس التواصل فالقدرة التعبيرية والقدرة على فهم الأشياء وتوصيفها والإفادة منها سواء أن كانت أشياء مادية أم كانت أفكاراً وطاقات معنوية وروحية، فإنه في كل الأحوال سنحتاج إلى اللغة، وتجميع اللغة وجذور اللغة سوف يتوقف عند الزبيدي ولا تكرر محاولة جادة إلا في القرن العشرين مع المجامع العلمية العربية.

إعلان

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: يسعدني أن يكون ضيفي لهذه الحلقة الدكتور أكرم ضياء العمري، والدكتور ضياء العمري أشرف على أكثر من ستين بحث للدكتوراه والماجستير خلال ما يزيد على ربع القرن من الحياة الأكاديمية كأستاذ مساعد ثم كأستاذ في علوم الشريعة والتاريخ والتربية الإسلامية، كما له العديد من.. من المؤلفات في مواضيع لها علاقة بما نتحدث به اليوم، لعل من أبرزها كتابين عن المجتمع المدني في عهد النبوة، أحدهما تحدث عن خصائصه وتنظيماته الأولى، والآخر عن الطريقة التي تعاطى فيها مع جهاد المشركين.

سيدي، تحدثت عن.. عن موضوع اللغة، واللغة محور رئيسي في.. في هذا النقاش، الدكتور حسن الترابي له دراسة حديثة عن اللغة كمقياس على درجة الانحطاط التي تعيش بها الأمة، إذا تتحدث عن العصر المملوكي فنحن نتحدث على الأقل عن سبعمائة سنة.. عن سبعة قرون تقريباً عند آخر معجم قبل نشوء المجمعات اللغوية الحديثة، يعني هذا يجعل الموضع المأساوي أكثر مأساوية مما.. مما نعتقد، إذا كانت الأمة غير قادرة على تفعيل لغتها، إذا كانت الأمة عبر سبعة قرون لم تستشعر الحاجة إلى تطوير اللغة، واللغة هي أهم ما يُميز الثقافة، لأنها الحامل الوحيد لهذه الثقافة، ولا تقل قيمة اللغة عن قيمة العقل ذاته –على اعتبار هو محرك الثقافة الأول- ما الذي يمكن أن نفعله إذا كانت اللغة بهذا الموات؟


أهمية اللغة والتعليم في تحريك الشخصية المسلمة

د. أكرم ضياء العمري: الحقيقة بالنسبة للغة العربية في القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر بدأت تتحرك تنمو مفردات جديدة سواءً بسبب الحاجة لمصطلحات جديدة، مفاهيم جديدة، أو بسبب ظهور أشياء جديدة في الحياة، فالأشياء الجديدة تحتاج إلى أسماء، لكن الأمة لا تنتج هذه الأشياء، لذلك هي لا تسميها، وإنما تسعى خلف المسميات التي يُطلقها المُصنِّع، صاحب الحضارة المنتجة، وهكذا هي تقوم بأعمال التعريب، تقوم بأعمال اشتقاق، تقوم بأعمال نحت في محاولة لسد الثغرة، ولكن لاشك تبقى في هذه الحالة تجري خلف لغات أخرى هي لغات المنتجين، لغات العالم الصناعي والعالم التقني.

ماهر عبد الله: هناك البعض لو.. لو تركنا موضوع اللغة جانباً وسيعود بلا شك لاحقاً، هناك بعض الناقدين للنظام التربوي العربي- سواء في.. في مراحله الدراسية الأولى أو في مراحله الجامعية- يعتقدون أن المدرسة العربية بشكل عام شاملة بذلك الجامعة ما هي إلا فترة من الاعتقال العقل، ليس هناك أي محاولة لزرع الإبداع عند الطالب العربي في.. في المدارس، يعني في المراحل الابتدائية والإعدادية الطالب لا يكاد يحتاج إلى أي كتاب غير كتاب المنهج الوزاري المقرر، كيف سيكون مبدعاً إذا انحسر مصدره للعلم في كتاب مثلاً؟

هل تتفق في أن.. أن المدرسة مسؤولة بشكل أساسي عن هذه العقلية المغلقة وغير الخلَّاقة؟

د. أكرم ضياء العمري: طبعاً الثقافة واللغة لن تتشكل بعامل واحد، لا شك أن هناك الجهة التي تمارس عملية التعليم، هناك الطالب المتلقي، هناك المنهج، ونحن في الحقيقة في هذه الجوانب ينبغي أن نلاحظ نقاط الضعف، هناك مشكلات في التعليم الذي مُورس منذ مطالع القرن إلى الوقت الحاضر مع الاعتراف بوجود تقدُّم، ولكن هذا التقدُّم يتسم بالبطء، ولم يحقق الفعالية على مستوى الأمة، وإن كان قد نشرت قضية القراءة والكتابة والمستويات الدنيا وتعليم الإنسان على التعبير والنطق ولو بصورة ليست متقنة، ولكن تمت هذه المحاولة، تم تلقيح الفكر بأساليب الأدباء الجدد، والشعراء الجدد، والروائيين الجدد، وهؤلاء ينشرون الألفاظ والمفردات، وأساليب التعبير، وقضايا البيان، ينشرونها أكثر بكثير مما يقع من قبل المجامع العلمية، لأن هذه المؤلفات الأدبية تروج أكثر، مع العلم أن.. أن قراءنا يعني عددهم ليس كبيراً مثلما هو شأن أمم الغرب أو اليابان، في.. في اليابان مثلاً ينشر 37 ألف كتاب في السنة، بينما عندنا ربما يُنشر ثلاثة آلاف، أربعة آلاف كتاب، في.. في اليابان تنشر نسخ بالملايين، وكذلك في الغرب ملايين النسخ عن الكتاب الواحد، مما يجعل إمكانية التفرُّغ للتأليف والبحث العلمي والأدبي والكتابة الإبداعية، هذا.. هذا كله ممكن أن يتفرغ الإنسان ويعيش من موارد تأتيه من هذه المؤلفات، أما في العالم العربي فلا يمكنه أن يعيش من هذا المورد، وغالباً ما تكون أعماله الإبداعية مترابطة مع أعمال أخرى وظيفية، فهو يُعطي هذه الأعمال الفراغ والجهد المتبقي من طاقته اليومية، التي تذهب معظمها تنصرف إلى العمل الوظيفي أو العمل في التجارة والأسواق، وبالتالي، فهو يستنزف طاقته الحقيقية في تحصيل، رزقه.

إعلان

ماهر عبد الله: لكن هذا.. هذا الكلام على صعيد يعني الفرص المتاحة للمؤلف ليبدع ويؤلف، لكن السؤال هو هل يملك القابلية أصلاً؟ هل النظام التعليمي العربي والثقافة العربية الدارجة تُعطيك أو تُولِّد فيك القابلية للإبداع للتأليف أساساً، أم أنها يعني قائمة على ما.. ما يُسمى بنظم تعليم مصرفية صرف أن تودع مجموعة من المعلومات.. كم من المعلومات عند الطالب صغيرة ثم عند.. عند الفرد عندما يكبر، في حين أن الدول التي ذكرت سواء في العالم الغربي أو في اليابان قائمة على نوع من التعليم الحواري، حيث تبدأ الشخصية المستقلة للفرد بالتشكل في مراحل مبكرة، لا تعتمد فقط على تخزين المعلومة، وإنما على توظيف المعلومة.

د. أكرم ضياء العمري: أسلوب التعليم بالطبع سيرتبط بالمدرس بالدرجة الأولى وبتوجيهات القيادات التربوية والتعليمية، ولا نستطيع أن نُعمم الحكم على كل الجامعات ولا ما دونها من مدارس ثانوية ومتوسطة، ولكن بصورة عامة الملحوظة التي تذكرها هي صحيحة، وهناك حالات شاذة تتسم بالاهتمام، بالحوار مع الطالب، تهتم بتنميته، ترصد احتياجاته، فيُلاحظ النقص الموجود في كل طالب من الطلبة على مستوى فردي، ولكن هذا يعني نادراً ما يحصل في جامعاتنا، وهو من أسباب التخلف في مجالات الإبداع، لكن تبقى هناك إبداعات كثيرة بسبب الطاقات الفطرية الموجودة في الإنسان، فبعضهم يسعى بجهده الخاص ويتكون، ونظراً لوجود الملكة والموهبة عنده فإنه يتمكن من القيام بأعمال إبداعية رغم أن الوسط الاجتماعي والحركة الفكرة لا تساعد كثيراً على هذا الأمر.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: سيدي، لو انتقلنا إلى.. إلى محور آخر ذي صلة بالأمم الأخرى، بالثقافات الأخرى، في عصور الإسلام الأولى لم يكن هناك حساسية من التواصل مع الثقافات الأخرى لتحسين النظم الإدارية والتربوية، في القرن العشرين رغم الانفتاح الذي جرى إلا إنه كان هناك نوع من التردد، والتردد الكبير في الانفتاح على الثقافات الأخرى للاستفادة منها في هذا الجانب، وخصوصاً عند العلماء وعند الإسلاميين تحديداً، ما هو.. يعني لم تكن هذه الحساسية مبالغ فيها ولم تكن إلى حد ما مسؤولة عن تواصل حالة التخلف؟

د. أكرم ضياء العمري: الغرب حضارة متكاملة.. الجانب الفلسفي فيها جانب قوي وواضح والفلسفة فيها تتفاعل مع العلم، لأن الفلسفة ما عادت أرسطية، الفلسفة الحديثة فلسفة معاصرة تتقدم العلم تأخذ منه ثم ترسم مساراته، هذه الفلسفة اتسمت بطابعها المادي والعلماني، وبالتالي جعلت كثيراً من المسلمين ومن مفكريهم يأخذ موقفاً فيه الكثير من الحذر، لكن هذا الحذر لم يكن في الجوانب العلمية الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا، فهذه الجوانب الثلاثة هناك حث كبير على الإفادة من التجربة الغربية في ميادينها المختلفة وتدريسها بأعلى مستوى ممكن، ولكن فيما يبدو أن تعليم هذه المواد استمر في حالٍ أو مستوىً لا يرقى إلى المستوى الغربي لأسباب كثيرة، قسم منها يتصل بوسائلنا التعليمية، قسم منها يتصل بالأموال التي تنفق والتي هي بطبيعة الحال هي عبارة عن الفيوض المالية والفائض المالي قليل في معظم العالم الإسلامي ولا يتمكن من تلبية احتياجات تعليم معاصر قائم على تقنية معاصرة، قائم على دوائر تلفازية مغلقة، قائم على تلقف المعلومات وترجمتها إلى اللغة المحلية، تعليم الرياضيات وتعليم الفيزياء والكيمياء.. العلوم بصورة عامة والتقنية ما يزال إلى الآن هناك تنازع بين اللغة العربية واللغات الأخرى، واللغات الأخرى غالبة على هذه العلوم، ومحاولة الترجمة في الحقيقة ليست ناجحة، لأن مراكز الترجمة محددة والمترجمون أعدادهم قليلة والنتاج الغربي والياباني نتاج هائل، وهناك يعني عشرات الألوف من الكتب تصدر في العالم يترجم العرب ربما واحد بالألف منها، وبالتالي فمحاولة رفض الحركة العلمية في هذه المجالات المتطورة تطوراً سريعاً هذا.. هذا..

ماهر عبد الله: هل هناك ضرورة لحالة.. لحركة الترجمة؟ لماذا لا تبقى هذه العلوم بلغاتها الأم؟ وما هي الخطورة إذا كانت هناك خطورة إلى أن تبقى هذه المواد تدرس بلغاتها الأم؟

د. أكرم ضياء العمري: يعني عند الأمم التي تأهلت صناعياً وتقنياً مثل اليابان من سعت إلى جعل العلم سواء كان علماً طبيعياً أم رياضيات أو تكنولوجيا سعت إلى نقل ذلك إلى لغتها، وكذلك فعل الفرنسيون، كذلك فعل الألمان، ولاشك أن محاولة إشاعة العلم بصورة واسعة وعلى نطاق الجمهور بمعنى أن كل الطلبة القادرين على التعلم وكلهم قادر على التعلم إلا بعض الذين ابتلوا ببعض الأمراض وإلا الأصل أن الإنسان يمتلك القدرات العقلية اللازمة للتعلم، فإذا هيأت الأسباب أمكن نشر هذه العلوم على مستوى الجمهور، على مستوى كل.. كل الطلبة، كل القادرين على التعلم وهم الأكثرية الساحقة التي ربما تصل إلى 97% من الطلبة عندهم الاستعدادات العقلية، ولكن علينا أن نهيئ الظروف والأجواء المناسبة في المدارس لعدم تسربهم، لإتاحة فرصة لتعليم جيد يتسم بالغنى والوفرة والتقنية الحديثة ولا يتراجع إلى أساليب التدريس المعتمدة على الورق فقط، اليوم البصر ينال الحظ التعليمي الأوسع، الصورة تشكل المادة التعليمية الأولى، ولذلك ينبغي تهيئة هذه الجوانب التقنية لكل العلوم يعني بما في ذلك طبعاً العلوم الإسلامية يعني تعليم تجويد القرآن الذي نعلمه للأطفال والمرحلة الابتدائية يحتاج إلى أن نبرز له صورة مخارج الحروف وهي ملونة ومناطق إخراج كل حرف وأن نمثل له ذلك على الشاشة، هذا ييسر الفهم بدل أن يعيد الأستاذ ويكرر المحاضرة، تأتي الصورة وتوفر الوقت، تأتي الصورة توضح المطلوب، وأنا في تصوري أن هذا مهم جداً لمعالجة مختلف العلوم. فالقول بعدم الترجمة إلى اللغة العربية يبدو لي أنه يقضي على الفرص العريضة لنشر المعلومات، وأنه يجعل طالب المعلومات معتمداً اعتماداً أساسياً على إتقان لغة ثانية، ونحن في العالم العربي اللغة الإنجليزية تعتبر يعني لغة أجنبية Foreign Language ولا حتى لا نستخدمها كلغة ثانية (Second Language) وبالتالي يعني سوف تكون عملية الإعداد لتعلم اللغة، وهذا ما يحصل في أقسام اللغة الإنجليزية، عملية مجهدة ولسنوات عديدة جامعية وبعد المرحلة الجامعية ينبغي أن يواصل أيضاً..

إعلان

ماهر عبد الله: طيب، يعني أنت..

د. أكرم ضياء العمري: وقد لا يستوعب المعلومات بالشكل السريع اللازم فيما لو كانت القضية بلغته.

ماهر عبد الله: تجربتك الأكاديمية امتدت على أكثر من بلد عربي، أنت عراقي ودرست المراحل الأولى في الجامعة في العراق، الدكتوراه حصلت عليها من.. من مصر من مركز تعليمي آخر، درَّست فترة طويلة جداً في المملكة العربية السعودية ولها تجربة متميزة في التعليم، وأنت منذ سنوات تقيم في قطر يعني من المشرق العربي إلى.. إلى المغرب العربي أو ما يشبه المغرب العربي على اعتبار إنه مصر جزء من المشرق، أين.. أين الخلل؟ لماذا مازالت وسائله التعليمية ضعيفة؟ لماذا لا يزال حجم الإنفاق.. يعني كل سياسي عربي تجلس معه وتستمع إليه يُصر على موضوع التعليم، وخطورة التعليم وأهمية التعليم، حتى حركة الترجمة -التي يمكن أن تكون عملية تجارية مربحة- فاشلة، ما هو المسؤول عن –باعتقادك- تخلف العملية التعليمية عندنا؟

د. أكرم ضياء العمري: طبعاً السياسات الحالية تتدخل، المنطقة التي فيها أموال يعني تسخر تقريباً خمس ميزانياتها للسلاح، إذا جئنا لليابان يعني 12% للتعليم مقابل 7% للسلاح، صحيح أن اليابان تتمتع بغطاء أميركي في.. في.. عندما كان الاتحاد السوفيتي خطراً.. يشكل خطراً عليها، وهي أفادت كثيراً من الغطاء الذي يحميها وهو غطاء خارجي وهو مفروض عليها، لأنها لن تستطيع أن تعيد بناء الآلة العسكرية، ربما لا تستطيع أن تعيد بناء الآلة العسكرية بالشكل الذي كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية بسبب القيود التي فرضت عليها، هذا بالطبع يعني أدى إلى تمكنها من الإنفاق على الجوانب التعليمية، أما الدول العربية تنفق أموال قليلة، ونحن أيضاً لا نستطيع أن نقول بأن هذه سياسات مالية خاطئة، لأن الأمر يتوقف على وجود الوفرة ووجود الفوائض المالية، ليس من المعقول أن نقول للإنسان تعلم بدل أن تأكل، ينبغي أن يشبع ثم يتعلم، وإلا هو لا يستطيع التعلم وهو جائع، فهناك.. هناك مشكلة الفقر.

[فاصل إعلاني]


علاقة نظم التعليم الإسلامي بالتخلف والإرهاب

ماهر عبد الله: ثمة قضية لها علاقة بموضوع التعليم أثيرت بعد الحادي عشر من.. من سبتمبر، يبدو أن البعض وعلى رأسهم الولايات المتحدة أو على الأقل بعض نخبها تلقي باللائمة على حال الفقر، حال البؤس، حال التخلف، التي نعيشها وبالتالي ما قد تولده هذه الحالات من إرهاب.. على نظم التعليم الإسلامي تحديداً، وعلى الجزء الإسلامي من مناهجنا التربوية والتعليمية، بإنصاف وبعيداً عن.. عن ردة الفعل، وخصوصاً أنه هناك ما يشبه الإجماع على أنه مناهجنا التعليمية لا تفي بالغرض إن.. إن لم نقل أنها ضعيفة جداً أو.. أو، هل ثمة علاقة بين الإسلام كما يدرس في بعض الأقطار العربية والمسلمة وفي بعض المدارس الإسلامية أو ذات الطابع الإسلامي وبين حالة التخلف وما قد تقود إليه من عنف وتطرف وإرهاب؟

د. أكرم ضياء العمري: يعني هذه القضية مرتبطة بالشخص الذي يُدرِّس، أما نفس المناهج فليست تؤدي بالضرورة إلى مثل هذه المشكلات ففهم القرآن بصورة صحيحة، فهم التفسير، فهم الأحاديث النبوية الصحيحة لاشك أنها تشكل رؤية صحيحة للعالم من حولنا في.. فيها توجيه نحو محبة الآخر ودعوته إلى الهداية وتعليمه القيم الإسلامية، وهذه القيم الإسلامية تتسم بطابع الرحمة، تتسم بطابع العدل، تتسم بطابع المساواة، وكل ذلك يشكل رؤية عند المسلم متوازنة ولا يجعله يعادي الآخرين، اللهم إلا إذا كانوا يمارسون العنف ضده فلاشك أنه في الحالة يعني سيكون هو من قبيل الدفاع عن النفس في حل لمواجهة العنف المقابل.

ماهر عبد الله: لكن في.. في بعض الثقافة المنتشرة في.. في بعض الأقطار تصر مثلاً أو تعطي مساحة واسعة وكبيرة جداً لمسألة العقيدة، الفرقة الناجية، الموحد وغير الموحد.. يعني التركيز على تعريف من هو الضال، في حين أن الأمة لا تعاني يعني كثير من الفرق.. الفرق التي تتم دراستها في بعض هذه المناهج ماتت وعفا عليها الزمن وإذا وجد لها آثار هذه الأيام فهي آثار بسيطة يعني.. مفكر أو مفكرين.. كاتباً أو كاتبين هذا التركيز على هذا الجانب العقائدي بتفصيلاته المملة في بعض الأحيان ألا يؤدي إلى خلق نوع من.. من حالة تكفيرية؟ يعني بعض.. بعض جوانب العقيدة تبرز في بعض الفترات أكثر من.. من غيرها، يعني التركيز على فرضاً أو مثلاً عقيدة الولاء والبراء في مرحلة من.. من المراحل –كما هو سائد حالياً- ألا يؤدي هذا إلى خلق حالة من العداء والاستعداء لمن لا تنطبق عليهم التعريفات النصية؟

د. أكرم ضياء العمري: يعني الجانب العقدي طبعاً مهم في الرسالة الإسلامية، لأن قضية التوحيد هي القضية الأولى في كل الأديان السماوية، والتوحيد والتنزيه الخالص للخالق –عز وجل- والتعرف على الخالق –عز وجل- من خلال صفاته ومحاولة تمثل هذه الصفات وهي صفات كمال ترقى بالكائن البشري إلى مستويات عالية.. في الرؤية، في المشاعر، في السلوكيات، وقضية الولاء والبراء أيضاً قضية موجودة وهي تتصل بالجانب العقدي ولكل الأديان عصبيات داخلية، بمعنى إنك إذا.. إذا تُميِّع القضايا لا يصبح هناك ثمة تكتل حول فكرة معينة، الناس تتكتل إما حول الجنس، تتكتل حول عقيدة سياسية، تتكتل حول أحزاب، لابد أن يكون هناك محور تتكتل حوله، فقضية الولاء والبراء لا تعني إيذاء الآخر، وإنما تعني أن هذه الكتلة التي تمتاز بقيم معينة وأخلاقيات معينة هي توجه نداءها وخطابها إلى الآخرين بصورة سلمية هادئة، ومن حق كل الأمم أن يتنافسوا في هذا المجال وأن تعطى الحرية الكاملة للحوار بين البشر.

ماهر عبد الله: طيب اسمح لي عند هذه النقطة أن نعود للإخوة المشاهدين، معي الأخ عبد الغفور المشهداني من النرويج.. أخ عبد الغفور تفضل.

عبد الغفور المشهداني: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

عبد الغفور المشهداني: وأنا الحقيقة عندي سؤال.. سؤال ومداخلة وبنفس الوقت أنا مناشدة، أن ضمون صوتكم إلينا لإنقاذ بعض الإخوة العراقيين، الموضوع كالآتي: أنتم تعرفون بأن حالياً مؤتمر القمة راح ينعقد وهناك ضربة موجهة..

ماهر عبد الله: أخ عبد الغفور.. أخ عبد الغفور..

عبد الغفور المشهداني: نعم.

ماهر عبد الله: يعني اسمح لي إذا المداخلات والأسئلة حول الموضوع سنتلقاها، إذا كانت خارج الموضوع اسمح لي..

عبد الغفور المشهداني: والله والله حول الموضوع يا أخي.. أنا أستحلفك بالله أن تسمعني كاملاً.

ماهر عبد الله: تفضل.

عبد الغفور المشهداني: لأن.. لأن الموضوع جداً مهم لأن عندكم إخوة مسلمين، إحنا 5 ملايين عراقي مغترب، أنا أناشد الأخ الدكتور وأناشدك إلك شخصياً وأناشد ها البرنامج أن تضمون صوتكم إلنا، ولما بتسمع القصة راح.. يعني أعتقد يمكن شعر جسمك راح يقشعر.. يا أخي إحنا عندنا إخوة مسلمين في العراق 13 واحد حاولوا غلق محل لبيع الخمور أمام مسجد في بغداد، 4 منهم أعدموا في يوم 6/1 في هذه السنة..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طب، أخ عبد الغفور يعني اسمح لي.. اسمح لي مع تقديري لأنه قد يكون كلامك صحيح، إلا أنه هذا الموضوع للأسف الشديد خارج جداً عن موضوع هذه الحلقة، ولهذا نتمنى على الأخ عبد الباسط أبو كامل من الإمارات أن يحصر نقاشه في موضوع هذه الحلقة، نحن لن نتردد عن النقاش والحوار في أية قضية طالما أنها متخصصة بموضوع الحلقة، أخ عبد الباسط تفضل.


تطوير اللغة ومحاولة تعميمها لتتناسب مع الواقع المعاصر

عبد الباسط أبو كامل: السلام عليكم، أنا أحييكم على هذه الحلقة وأشكر الدكتور، في نفس الموضوع الذي تتحدثون عنه لا يغيب على أي باحث في اللغة تراجع استعمال الفصحى السهلة السليمة في التعامل على شتى صوره وأشكاله، باعتبارها أنها لغة التواصل والتخاطب بين جميع أفراد الأمة كذلك أن أهداف التربية في الوطن العربي عامة تعتمد اللغة العربية هي لغة التخاطب في جميع مراحل التربية والتعليم منذ البدايات الأولى إلى المرحلة الجامعية، والفضائيات الآن في عصرنا انتشرت في هذا الوقت، من فضيلة الدكتور أطلب، ما هي الخطط المنهجية والتوصيات العملية التي يراها فضيلة الدكتور للعودة بالنهوض بالفصحى وخاصة أن الطالب منذ بدايته إلى نهاية المرحلة الجامعية يدرس اللغة العربية وكأنها أصبحت حبيسة للدراسات الجامعية والأكاديمية، ولا يستطيع الطالب بعد تخرجه أن يتحدث عن أي موضوع بالفصحى السليمة التي هي لغة الأمة، علماً أن اللغة هي وسيلة للعلوم، فاللغة وسيلة والعلوم غاية، وهي كما يعبر عنها أهل اللغة، اللغة هي الآلة للدخول إلى العلوم، كذلك ما هو دور المجامع اللغوية وتفعيلها في هذا الصدد؟ وشكراً لكم.

ماهر عبد الله: مشكور يا أخ عبد الباسط. تحب ترد على كلام الأخ عبد الباسط على موضوع اللغة الفصحى وأهميتها، أليست معزولة عندما تكون محصورة في الإطار الأكاديمي عملياً، لكنها ليست لغة التخاطب اليومي ولا لغة الثقافة اليومية بالعالم العربي؟

د. أكرم ضياء العمري: هو لا شك يعني أن هذه الإشارة إشارة في موضعها، إنه ماذا نفعل؟ هل يمكن الإبقاء على الفصحى وتعميمها لغة خطاب وتوصيل للجمهور وبنفس الوقت هي لغة ثقافة وعلوم في الجامعات؟ وهل المهمة هذه تعود إلى المجامع العلمية أم إلى المبدعين في شتى الجوانب الأدبية؟ كيف يمكن الحفاظ على اللغة، وبنفس الوقت محاولة إشاعتها نطقاً؟

المشكلة الآن في النطق طبعاً، الطفل المسلم قديماً كان يتعلم تجويد القرآن، كان يتعلم مخارج الحروف، وبالتالي يعني كان يتمكن من نطق الكلمات بصورة فصيحة، ففصاحته بعد طبعاً بعد الأجيال الإسلامية الأولى التي كانت العربية سليقة لها، ولكن ما أصاب العربية في خلال القرون المتباعدة خلال أربعة عشر قرناً، ما أصابها لا يمكن أن يُقارن بما أصاب لغات أخرى مثل اللاتينية التي كانت هي لغة أوروبا إلى أن ترجم (لوثر) الإنجيل إلى الألمانية، ظهرت الألمانية لغة أدبية تعبر عن معاني دينية وروحية عميقة، وهكذا أيضاً ظهرت الكتابات، بس كان باللغات المحلية.

ماهر عبد الله: كان.. كان.. كان عند الأخ عبد الباسط يعني سؤال محدد، هل –من خلال اطَّلاعك- هناك خطط معينة، منهجية، خطوات عملية، عند هذه المجامع وعند بعض الوزارات العربية.. ولو محاولة لإعادة تعميم الفصحى في.. في الحياة العامة؟

د. أكرم ضياء العمري: المجامع العربية تعمل في أُطرها، ولا شك أنها تحتاج إلى مساندة –كما ذكرت- من قبل المبدعين الذين يحملون الاصطلاحات الجديدة، ويشيعونها وسط الجمهور، لأن الجمهور لن يقرأ كلام المجامع إلا إذا نُقل إليه بالطرق الأدبية المعروفة، بحيث تصبح الكلمات شائعة في المجتمع في الوسط العام، أما بالنسبة للدعم المدرسي والتعليمي والحكومي لاشك أن هناك تيسير في قواعد اللغة العربية صرفاً ونحواً، وأن.. وأن أهل اللغة العربية قطعوا شوطاً في هذا المجال، لا شك إنه هناك تطور في الأسلوب من حيث البيان والوضوح وتجنُّب الوحشي في لغة الكتابة، هذا.. هذا كله لا يمكن إنكاره على مستوى الأدبيات المكتوبة، أما المدارس فالحقيقة أنها لا تستطيع أن تُخرِّج طلبةً يتسموا بالفصاحة أو يتسموا بأساليب تعبيرية عالية إلا إذا كانت لهم مؤهلات خاصة، وليس بسبب العناية المدرسية بهم، فهناك أعداد غفيرة من الطلاب وهذه القضايا تحتاج إلى المختبرات الصوتية، لأننا لا نعيش في..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: يا سيدي.. ألا.. ألا يؤثر هذا –وأنت رجل تربوي منذ فترة طويلة- عملياً ألا نتحدث نحن الآن عن لغتين مختلفتين قد تشتركان في.. في بعض الأصول، ولكن ما نتحدثه في المدرسة، ما نتعامل معه من لغة في الكتب، أليس..؟

د. أكرم ضياء العمري: نحن نتعامل مع ثلاث لغات: مع اللغة الكلاسيكية القديمة والمتمثلة في كتب التراث الأولى.

نتعامل مع لغة عامية مشتقة من العربية مع تحريفات صوتية، ونحوية، وصرفية.

ونتعامل مع لغة وسيطة هي اللغة العربية الحديثة التي يستعملها الأدباء والكتاب.

ماهر عبد الله: والصحافة.

د. أكرم ضياء العمري: والصحافة والفضائيات.

ماهر عبد الله: ألا.. ألا يُوجد هذا نوع من الازدواجية في الشخصية؟ بمعنى أنه..

د. أكرم ضياء العمري: لا.. لا يبدو لي أن هذه القضية يعني مؤثرة تأثيراً كبيراً على الشخصية، نحن أمام قضية اللغة التي تُدرس في الجوانب الاجتماعية، تُدرس عند الفلاسفة، مع أنه اللغة لها خصائصها الذاتية وقدراتها على البقاء والتعايش

ماهر عبد الله: أنا.. أنا لا أقصد بالازدواجية يعني مثال: يعني شاب درس في مدرسة عربية حديثة مُعاصرة، تعوُّد على لغة.. في اللغة نزار قبَّاني وأشعار محمود درويش، يذهب إلى خطبة جمعة خطيبها يعني –باستشهاد بجزء مما قلت- آخر كتاب قرأه كان لأحد عظماء الإسلام في القرن الخامس أو السادس الهجري، هل ترى من قواسم مشتركة كثيرة بين لغة القرن الخامس أو السادس الفقهية المتينة وبين لغة محمود درويش، أو نزار قباني، أو حتى أحمد شوقي العصرية السهلة الممتنعة الأقل دسامة بكثير؟

د. أكرم ضياء العمري: أنا.. البلاغة هي في.. في البساطة وفي معرفة مُقتضى حال السامع، والجمهور الآن لا يمكن أن نخاطبه بلغة (ابن الجوزي) الوعظية، وإنما نخاطبه بلغة يفهمها، وهذا التيسير هي.. هذا التيسير هو من مهام الخطيب، أنه يُعيد نقل الأفكار الرئيسة بصياغةٍ مُبسطة يفهمها الحضور، وحتى لو أراد أن يستعلي قليلاً باللغة فينبغي ألا يمكث معها، وإنما يعني يشِّنف أسماع بعض الحضور من أصحاب الاهتمامات اللغوية ببعض الكلمات، ولكن الجمهور ينبغي أن يسمع لغة سهلة مبسطة تُوصل إليه الفهم، تحدد له شخصية..

ماهر عبد الله: طيب في حال.. في حال لم يسمع، يعني ألا.. ألا يكون.. ألا يحد- على الأقل لنترك كلمة ازدواجية- ألا يحد من.. من مقدرته على التفاعل مع هذه الخطب، وبالتالي..

د. أكرم ضياء العمري: يحد.. يحد كثيراً، يعني الإنسان الذي هو ليس من الوسط الأكاديمي لا يمكن أن تخاطبه بلغة تراث كُتبت قبل ألف أو ثمانمائة سنة، ينبغي أن تعيد الصياغة وتنقل له المفاهيم وتنقل له القيم الأخلاقية التي ستبني المنظومة القيمية للمجتمع، ولذلك أنا أعتقد أن الخطاب إذا لم يُوجه بصورة صحيحة قد يؤدي إلى ثغرات في نفس المنظومة القيمية، وهو ما نعاني منه حالياً، لأن المنظومة القيمية في الحقيقة ليست فاعلة بالقدر الكافي، في الوقت الذي نحتاج، ونحن أمة تحاول النهوض، تحاول القيام بمشروعات التنمية، نحتاج إلى المنظومة الأخلاقية التي تدعم قضايا "الثقة" في التعاملات، التي تدفع بالاقتصاد دفعاً قوياً، وهو يمكن مراجعة كتاب الثقة (لفوكوياما) لمعرفة المجتمعات الغربية ومستوياتها من حيث توافر الثقة في المجتمع الصناعي والمجتمع التقني، ليست طبعاً كل مجتمعات المتقدمة صناعياً على نفس الدرجة من حيث توافر الثقة، لأن هناك دراسات كثيرة في هذا المجال، ولكن نحن على مشارف التنمية، على مشارف التحضُّر، على مشارف الاستثمارات الناجحة، هذا.. هذا يعني كله سيحتاج إلى المنظومة القيمية الإسلامية، لأن هي الشيء الوحيد المتوافر في المجتمع الإسلامي، فإذا لم يتمكن الأساتذة الذين يدرسونها، والخطباء الذين ينشرونها على مستوى الجمهور لم يتمكنوا من التوصيل فمعنى ذلك تراجع المنظومة القيمية.

ماهر عبد الله: طيب اسمح لي نعود للأخوة المشاهدين مرة أخرى معايا الأخت فاطمة المصري من الأردن. اتفضلي أخت فاطمة.

فاطمة المصري: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

فاطمة المصري: أخي ماهر، لا نقاش في إنه.. ولا شك في أننا كنا أكثر الأمم تقدُماً في العلوم والتعليم والمخترعات والجامعات، وكانت جامعاتنا كإشبيلية وقرطبة هي تخرج العلماء والمفكرين، وكان أبناؤنا في ظل دولة الإسلام ينهون تعليمهم خلال مدة قصيرة واعين على دينهم وعقيدتهم، وملمين بأكثر العلوم المعروفة، وكان التعليم إلزامياً وفرضاً على كل مسلم ومسلمة من الدولة يجب أن تؤمِّنه للجميع، بعد ذلك كله نزلنا إلى القاع فها نحن اليوم عالة على العالم، علمياً نكتفي بفتات ما يلقونه إلينا من فضلاتهم التي ملوا منها أو أصبحت متخلفة عن مستوى عصرهم، ولماذا أصبحنا كذلك يا أخي ماهر؟ لأننا صرنا ندرس لا كما نريد نحن أو يريد لنا الإسلام، بل كما يريد الاستعمار وأذنابه، وبدل أن يحدد لنا إسلامنا مناهج تعليمنا، صار يُحدد لنا (دنلوب) البريطاني وأمثاله، فصرنا ندرس ما يخالف عقيدتنا، وصار طلابنا يعرفون عن (نابليون) و(هتلر) أكثر من معرفتهم صلاح الدين، وخالد، وطارق، فهل هذا.. فهل بعد هذا الانحطاط الذي وصلنا إليه انحطاط؟!

وهل بعد هذا التردي والسقوط سقوط؟!

نقطة أخيرة كي لا أُطيل: إن هذا الواقع الأسود الذي نسير فيه من سيئ إلى أسوأ، هنا تكمُن القضية أن نرتفع بهذه الأمة من المستنقع القذر التي تعيش فيه إلى قمة مكانها الطبيعي، خير أمةٍ أُخرجت للناس، وهذا كله لا يتحقق إلا بالتغيير من أجل نهضة هذه الأمة، وهذا لن يتحقق إلا بالعمل مع الحاثين لدعوة الإسلام من أجل نهضة هذه الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله.

ماهر عبد الله: مشكورة جدا أخت فاطمة. معايا الأخ علي محمد من الإمارات. الأخ علي، تفضل

علي محمد: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

علي محمد: يا أخي تعقيب بسيط فقط حول قضية الفرق والاهتمام بها وبعض الآثار. الحقيقة أن الفرق لم تعُد موجودة، ولكن فكر هذه الفرق أصبح منبثاً ضمن كتب العلماء وضمن أفكار أكثر المثقفين، ولنأخذ مثلاً بسيطاً على قضية اللي تفضل.. تفضل الأخ الشيخ أكرم على تناولها وهي قضية الوحدانية، فالوحدانية هي الإسلام بكل ما في الكلمة من معنى، ونحن قد درسنا في مدارسنا دراسة متأثرة تماماً بعلم الكلام، فعندما درسنا لم ندرس إلا قضية أن الله –عز وجل- قديم، بينما قضية الصفات لم ندرسها إطلاقاً ولم يعني.. إن نتمثلها في أنفسنا فالصفات.. صفات الرحمة وصفات الغضب وصفات الله عزيز حكيم،

وهذه الصفات هي التي تدفع الإنسان إلى العمل، والتي تنشئ علاقة بين الإنسان وبين ربه، لا يكون الإيمان إيماناً علمياً مجرداً عقلياً فقط، فالإيمان يجب أن يكون كما يعرضه القرآن الكريم يتناول جميع جوانب النفس الإنسانية، هذا من جانب، القضية الأخرى يعني هنالك بعض القضايا التي درسناها أثناء العقائد مثل قضية الأخذ بالأسباب، فدرسنا مثلاً قضية إنه:

"ومن يقل بالتبع أو بالعلة فذاك كفر عند أهل الملة،

ومن يقل بالقوة المدعو.. فذاك بدعي فلا تلتفت

فربما يكون سبب من أسباب تخلف الأمة أن.. أن الإنسان يدرس بأن السبب لا يؤدي إلى النتيجة بينما السبب هو شيء فاعل لا يمكن، يعني القدر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عالم الأسباب، فإذن القضية يعني تحييد هذه.. قضية الفرق وأثرها في فكر الأمة الآن وعدم دراسة هذا الجانب وخاصة في قضية التوحيد أتصور أن يكون إنه يعني يكرس السلبية التي تعيشها الأمة، أنا أقول أنه.. يجب إعادة النظر في ما هي الأسباب التي أدت إلى انحطاط الأمة وعدم فاعليتها، وربما تكون كثير من القضايا الموجودة من آثار الفرق هي التي أدت إلى أن العقل العربي قد استقال ولم يعد قادراً على العطاء، وربما تكون عدد من القضايا من.. من آثار تلك الفرق. والسلام عليكم ورحمة الله.


التعليم بين الأخذ من الغرب والقيم الإسلامية

ماهر عبد الله: مشكور جداً يا أخ علي، الأخت فاطمة تقول: أن جزء من الأسباب، أو أحد الأسباب أننا لا ندرس ولا نتعلم ما نحتاجه، إنما ندرس ونتعلم ما يراد لنا، أن حتى ولو اقتضى الأمر في بعض الأحيان أن يكون مخالفاً لعقيدتنا، هل تعتقد أنه في مناهجنا العربية ما يشير بأننا ندرس ما يخالف عقيدتنا، وعلى الأقل ليس ما نحتاجه من.. من علوم في هذه الفترة أو تلك، وإنما ما يراد لنا أن نتعلمه في هذه المرحلة؟

د. أكرم ضياء العمري: هو طبعاً ينبغي أن ننظر إلى القضية من زاوية الواقع، نحن بحاجة إلى مجموعة العلوم الطبيعية والرياضية والتقنية وأن نأخذها من الغرب ونحن نفعل ذلك الآن، ولكن المشكل هو أن الغرب عندما يُعلِّم فإنه يُصنِّع، ولذلك الذين يدرسون الكيمياء والصيدلة يخرجون إلى مصانع تؤدي إلى تحويل العلم إلى أموال، فعملية التعليم هي أيضاً عملية استثمارية، وبالتعليم هذا الجانب لابد أن نتابع فيه الذي سبقنا، ولا نبدأ من نقطة الصفر، وأما الدراسة للجانب الروحي والإسلامي فهو لا شك ضروري في النهضة، وهذا ما أغفلته المناهج في بدايات القرن وربما تبعاً للتوجه الغربي العام ضد الدين في القرن التاسع عشر وهو عصر العقل، ثم في القرن العشرين بدأت تحولات في الغرب، وكان ينبغي أن نلاحظ هذه التحولات، ظهرت توجهات جديدة المادية نفسها تعرضت لهزات، القول بالتطور، نظرية التطور الدروانية بعد اكتشاف DNA، لم يعد لها مكان في العمل، وإن كان الدارويني يحاول أن يقول بالطفرة الوراثية التي جعلت DNA يغير من ذاته، لكن هذه يعني محاولة ومن الواضح أنها ليست تعليلات علمية، وإنما هي إيديولوجية، وأن هناك من يخجل من إظهار إيمانه بالله، ولذلك هو يريد الطبيعة، الطبيعة لا تطلب منه أخلاقيات، ولا تطلب منه عبادة، وليست متصفة بصفات كمال ترشحها له في الجانب المشترك من الصفات، وبالتالي فهناك توجه نحو القول بالطبيعة ذكية قادرة على تخطيط الكون وقادرة على إدارته، وماذا يبقى إذن بعد ذلك للاعتراف بالألوهية؟ الحقيقة أن نظرية الخلق أصبحت الآن بعد الكشف عن الجينات والمورثات والـDNA يعني منذ ثلاثة عقود إلى الآن هذه.. هذه البحوث أظهرت أن كل مجموعة من الأجناس الموجودة على الأرض هي في أصولها كما هي الآن وليست متطورة عن بعضها، فإذن الهرب من الدين في الغرب لم يستمر، وعلى المسلمين أن يتابعوا التطورات الجديدة ولا حاجة للتقليد في مجال بدأ ينحسر، وهل كلما ظهرت موضة جديدة في الفكر والفلسفة تبعناها إلى نهاية الشوط في الوقت الذي صاحبها يكون قد تركها؟!

ماهر عبد الله: هذه.. هذه يعني سلاح ذو حدين، من ناحية نحن لا نريد أن.. أن نكون في موضوع الفكر والفلسفة والثقافة عموماً حمالين موضات وجاريين خلفها، لكن من ناحية أخرى ثمة جوانب إيجابية يمكن الاستفادة، يعني الخط الفاصل بين أن نعرف ما الذي يمكن تقليده، لأن كل الصراعات التعليمية، كل الإبداعات في بدايتها تكون مرفوضة، يعني يبدو أن طبيعة النفس البشرية تأبى التغيير في.. في البداية، ثم عندما يثبت نجاحه كيف نعرف؟ ما الذي يمكن أن نقلده؟ يعني في.. في الناحية التعليمية تحديداً الانتقال من الأسلوب التلقيني الصرف الدارج إلى الأسلوب الحواري الذي قد يكون دارجاً في بعض الدول الغربية سيجد ممانعة في.. في أول الأمر فقط لأنه جديد، إذن كيف نرسم الخط الفاصل بين..؟

د. أكرم ضياء العمري [مقاطعاً]: الخط الفاصل هو أن نحكم قيمنا ومنظورنا لهذه العلوم المتنوعة الإنسانية بالذات، لأن بقية العلوم محايدة ليست لها هوية، لا يمكن أن نقول أن الكيمياء لها هوية، ولا يمكن أن نقول بأن الفيزياء لها هوية، نعم هناك مقولات فلسفية مبنية على أصول فيزيائية، ولكن هذه ليست من العلم وإنما هي من الإيديولوجية وبالتالي نحن ينبغي –بما أننا نمتلك منظومة قيمية- ينبغي أن نحكم هذه المنظومة القيمية التي ينبغي أن تتضح أولاً عندنا، ثم نقوم بتحكيمها في الأشياء لفرز الأشياء، ثم التخلي عن الفكرة التي تقول إما أن نأخذ الغرب كاملاً أو ندعه، هذه الأفكار التي أثرت كثيراً على الأمة وعلى نهضتها وأدت إلى صراعات في المنطقة، كان ينبغي أن تحشد الطاقات للتنمية والنهضة الحضارية بدل الدخول في صراعات مع قيم قادمة وقيم أصيلة، وينبغي أن يكون الجانب الروحي عاملاً قوياً في النهضة، حتى الغرب يعني مؤرخ مثل (توينبي) الذي يرى ضرورة القيمة الروحية لتحريك الإنسان، ونحن بحاجة لتحريك الإنسان لأن عندنا فعالية الإنسان ضعيفة، والجانب الروحي سوف يؤدي إلى تفجير هذه الطاقات، سوف يؤدي إلى لُحمة داخل البناء الاجتماعي، وسوف يؤدي إلى التجاوز، ولكن بالطبع مع التخطيط اللازم، مع الأخذ بالأسباب، كما ذكر الأستاذ الذي قام بالمداخلة.

ماهر عبد الله: يعني أن سؤال، نعم سؤال الأخ علي أنا سأؤجله إلى ما بعد هذه الهواتف لو سمحت لي، لأنه سؤال جوهري، معايا الأخ أسعد منصور من ألمانيا، أخ أسعد تفضل.

أسعد منصور: السلام عليكم ورحمة الله.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

أسعد منصور: إن موضوعكم متعلق ببناء الشخصية عند المسلم، فلنعرف.. فلنعرِّف أولاً الشخصية الإسلامية ولنعرف عناصر تقويتها، الشخصية مكونة من عقلية الإنسان ونفسيته، فالعقلية الإسلامية هي كيفية ربط المعلومات بالواقع وإسنادها إلى العقيدة الإسلامية، والنفسية الإسلامية هي ربط المفاهيم المستندة إلى العقيدة الإسلامية مع دوافع إشباع الغرائز والحاجات العضوية، وعناصر تقوية هذه العقلية الإسلامية: هو.. هي التزود بالثقافة الإسلامية مع التزود بالمعلومات التي تتعلق بكافة نواحي الحياة وربطها بالعقيدة.

وتقوية النفسية الإسلامية تتم بتقوية الصلة بالله عن طريق الإكثار من العبادات والطاعات وقراءة القرآن، فميول الإنسان نابعة من نفسيته، فسياسة التعليم يجب أن تستهدف بناء هذه الشخصية وتقويتها، ولكن سياسات التعليم لدى الأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي لا تستهدف بناء الشخصية الإسلامية، بل هي مبنية على سياسة تعليم غربية مستوردة تفصل الدين عن الحياة وعن الفكر وعن الميول، ولهذا فالحل هو في تغيير سياسة التعليم لدى الدول، وليس فقط الاهتمام بالأفراد بعيدين عن سياسة التعليم، لأن الذي يوجه الأفراد ويوجه المجتمع هو الدولة، ولهذا وجب إقامة دولة إسلامية توجب سياسة تعليم إسلامية تستهدف بناء هذه الشخصيات المبدعة القوية التي تقود الدولة وتقود المجتمع، فالشخصيات الإسلامية الآن نادرة، وكثير من المسلمين لا يتميزون بشخصية معينة، بل شخصيتهم غير مميزة، لا هم بالمسلمين، ولا هم بالكفار، أي ليست ميولهم إسلامية خالصة، وليست ميولهم كافرة، فهم في حالة يُحسدون عليها بحيث أنهم لا يتمتعون بشخصية مميزة، ولهذا لا توجد الشخصيات المبدعة في الأمة، بل الشخصيات التي تنبت في الأمة وتريد أن تنهض في الأمة تُلقى في السجون، وتحارب من قبل الحكام ومن قبل الأنظمة، فالمسألة تكمن في تغيير هذه الأنظمة وإقامة دولة الإسلام التي تبني سياسة تعليم جيدة حتى تبني الشخصيات الإسلامية، والسلام عليكم.

ماهر عبد الله: طيب أخ أسعد، طيب مشكور.. مشكور يا أخ أسعد، معايا الأخ سالم عبد القادر من بريطانيا، أخ سالم تفضل.

سالم عبد القادر: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

سالم عبد القادر: يعني أنا مع الشيخ الجليل بقوله أن منذ العهد المملوكي عندما قرروا بغلق باب الاجتهاد والأمة الإسلامية تعيش الجمود في التشريع والأفكار، حتى أن المعاهد الدينية اللي تدرس بها أحكام الإسلام كانت على مدى قرون عديدة تُدرِّس.. تُدرِّس نفس المواد رغم تجدد الحياة، لكن المسلمين مع هذا كانوا أقوى الأمم، لأن أعداءهم كانوا ضعاف، إلى حد القرن الخامس الهجري وظهور الثورة الفرنسية وحصول الانقلاب الفكري في أوروبا، وظهرت فكرة فصل الدين عن الحياة و.. وفكرة الحريات والتعددية الحزبية، تجسدت هذه الأفكار عندما سيطر الغرب الكافر على بلاد المسلمين وحكموهم حكم فعلي، فهم الذين جعلوا سياسة التعليم على أساس حضارتهم اللي تدعي إلى فصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، ثم أنشأوا أحزاب علمانية هي اللي تحكم بلاد المسلمين واستحكموا ما أراد الغرب عندما ترك البلاد لأهلها أن تنفذ خططه ومفاهيمه حتى في درس الدين في كل بلاد المسلمين من حيث التأكيد على الأحكام الفردية والأخلاق والعبادات، بل حتى أن الفضائيات اليوم اللي تغطي جانب كبير من برامجها على الجانب الديني ثبتت هذه النقطة، وتثبت فكرة عدم بحث أحكام الخلافة وأحكام الإسلام وأحكام الجهاد والأحكام المتعلقة بالإسلام كنظام حياة للدولة والمجتمع وتريد من الناس أن يسألوهم ويفتوهم عن القضايا المتعلقة بحياتهم الفردية، فما بالك لو أريد فعلاً بحث النهضة بشكل حقيقي من قبل الأمة؟ سوف لن يُسمح لهم هذا، عندما يكون الفساد والنتن في الجذور والفروع هل كان عمل الأنبياء والرسل أن يكون لها حلاً واحداً ألا يكون الحل حل ترقيعي، بل لابد أن يكون حلاً إنقلابياً بقلع هذه البذور وهذه الشجرة ووضع شجرة الإسلام شجرة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ماهر عبد الله: طيب أخ سالم.. أخ سالم مشكور جداً على هذه المداخلة، وأنا.. وعلى يقين أنك ستسمع من الشيخ إذا سمح لنا الوقت بذلك.

سيدي يعني سمعت تعليق الأخ أسعد وتعليق الأخ سالم، إذا كانت الدولة ليست مبنية على أساس سوي من الإسلام بالتالي هو يشكك في أنها ستكون قادرة على بناء الشخصية الإسلامية في أهدافها العامة، على اعتبار إنه يعني محشورين في الوقت اسمح لي أن أجمع بين.. بين السؤالين، هل.. هل لهذا الكلام كبيرَ وزن؟

د. أكرم ضياء العمري: طبعاً لاشك أن توجه الدولة له أثر كبير في صياغة السياسة التعليمية، فإذا كانت منتبهة إلى أهمية الجوانب الروحية وفي صياغة الشخصية.. شخصية المواطن فلاشك أنها ستعطي هذا الجانب بُعده بشكل أو بآخر، ومدى وعي الدولة للسنن الحضارية، وأنه لا يمكن كما يقول حتى مفكروا الغرب، يقولون لا يمكن إنشاء حضارة بدون جانب روحي، مجتمعاتنا يعني أصبحت الروح فيها هزيلة، حتى أن الكثيرين أصبحوا يقولون نصلي بدون خشوع، بل بعض أهل العلم أيضاً يرددون ذلك، وهذا شيء مؤسف، لأن ظاهرة الخشوع معناها الخوف من الله تعالى، معناها التقوى، معناها الحس الروحي، وبالتالي ينبغي أن لا نقول بكل هذه البساطة مع أنني أعتقد بأنه ربما يتواضعون وأنهم يؤدون صلواتهم وتعبداتهم بخشوع، ولكن لماذا هذه المجاهرة بعدم وجود الخشوع أمام الجمهور الذي يريد من الصفوة أن تكون مواضع قدوة؟!

ماهر عبد الله: طيب، يعني لو عدنا لسؤال الأخ علي وأعتقد عندك يمكن دقيقة بس للإجابة على اعتبار إنه انتهى الوقت، بعض الفرق الإسلامية أو التيار الفكري الدارج اليوم في الأمة الإسلامية وإن يتحدث عن الأخذ بالأسباب إلا أنه يعتبر ما.. ما يخل بالعقيدة التعويل المطلق على السبب والسببية، ألا يؤثر هذا في خلق حالة من الخمول ورفض للأخذ بالأسباب؟

د. أكرم ضياء العمري: هو طبعاً كثير من التعليلات اتجهت إلى القول بهذا الذي تفضل به، وهو أن عدم مراعاة الأسباب وفهم التوكل على أنه تواكل، وأنه لا حاجة للأخذ بالسبب، فإذا أردنا بناء مجتمع غني، قوي، أخلاقي، عنده القدرات المختلفة في المجالات المختلفة فيكفي أننا نهتم بالأدعية والأذكار حتى ينشأ هذا المجتمع، لكن الله تعالى ربطنا بالأسباب، ووضح لنا سننه في القرآن وبالتالي عدم الأخذ بالأسباب هو عدم طاعة لله –عز وجل- في الأخذ بقوانينه التي تؤدي للارتقاء والتحضر.

ماهر عبد الله: دكتور أكرم، شكراً جزيلاً لك على هذه المشاركة معنا، لم يبق لي إلا أن أشكركم أنتم أيضاً على حسن استماعكم ومتابعتكم.

نعتذر للإخوة الذين لم نجد من الوقت ما يرد على أسئلتهم واستلام هواتفهم.

إلى أن نلقاكم في الأسبوع القادم تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

المصدر: الجزيرة