الشريعة والحياة

الإسلام والديمقراطية

مفهوم الديمقراطية، موقف الإسلام من الديمقراطية، نماذج لتحرك الأمة ضد الظلم وعدم السكوت عليه، الشروط الشرعية للخروج على الحاكم.

مقدم الحلقة:

د. حامد الأنصاري

ضيوف الحلقة:

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: داعية إسلامي
راشد الغنوشي: زعيم حركة النهضة التونسية

تاريخ الحلقة:

16/02/1997

– مفهوم الديمقراطية
– موقف الإسلام من الديمقراطية

– نماذج لتحرك الأمة ضد الظلم وعدم السكوت عليه

– الشروط الشرعية للخروج على الحاكم

undefined
undefined
undefined

د. حامد الأنصاري: بسم الله الرحمن الرحيم، مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة.

سنخصص حلقة اليوم -بمشيئة الله تعالى- لمناقشة موضوع الإسلام والديمقراطية، أود أن أستهل حلقة الليلة بعبارة أقتبسها من مقال عن الإسلام والديمقراطية للأستاذ فهمي هويدي، حيث يقول: "يظلم الإسلام مرتين: مرة عندما يقارن بالديمقراطية ومرة عندما يقال إنه ضد الديمقراطية، إذ المقارنة بين الاثنين خاطئة وادعاء التنافي خطيئة، الأمر الذي يحتاج إلى تحرير أولاً واستجلاء ثانياً". وهذا ما سنقوم به في هذه الحلقة بمشيئة الله مع ضيفيِّ البرنامج في الاستوديو فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، وعبر الهاتف من بريطانيا الأستاذ راشد الغنوشي، الأستاذ راشد، في بداية هذه الحلقة نرحب بك ونتمنى أن تعطينا -بإيجاز- فكرة عن مفهوم.. مفهوم الديمقراطية، ما هي الديمقراطية؟

راشد الغنوشي: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، السلام عليكم.

مفهوم الديمقراطية

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

راشد الغنوشي: مفهوم الديمقراطية مفهوم واسع يتسع لمعاني كثيرة، ولكنها قد تلتقي عند معنى أنها نظام سياسي يجعل السلطة للشعب، ويُمكِّن المحكومين من القدرة على التأثير في حكامهم، بل قبل ذلك يعطيهم الحق في اختيار حكامهم وفي التأثير فيهم والضغط عليهم، وعند الاقتضاء إلى تغييرهم عبر آليات قد تختلف من نظام ديمقراطي إلى آخر، ولكنها تلتقي أيضاً عند آلية الانتخاب أي الاقتراع الحر عبر خط.. خطوات كثيرة وأشكال، وبالتالي يحقق هذا النظام التداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع، ويمكن الناس، أي المحكومين، من حريات كالتعبير، وتكوين الأحزاب واستقلال القضاء، وبالتالي فالديمقراطية يمكن -باختصار أن أقول- هي شكل يعلن عن أن هذا النظام السياسي يقوم على سيادة الشعب، ومن جهة أخرى جملة من المضامين والقيم تقر بكرامة الناس وبمساواتهم لبعضهم، ويقر لهم بجملة من الحقوق وجملة من الحريات تجعلهم قادرين على اختيار حكامهم والضغط عليهم وتغييرهم بالوسائل السلمية، تعطيهم الحق في المشاركة في السلطة، وتجعلهم آمنين، وهذا مهم، من الجور أو من الاستبداد.

د. حامد الأنصاري: نعم جزاك الله خيراً.

معنا في الاستوديو فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، فضيلة الشيخ.. المسلمون في مواجهة القومية فئات، نجد هناك من يعني يقول إن الإسلام والديمقراطية لا تناقض بينهما إطلاقاً، وهناك من يقول بأن الديمقراطية تناقض الإسلام، بل وجدنا من المسلمين من يتهم الديمقراطية بأنها كفر، فما موقف الإسلام من الديمقراطية؟

موقف الإسلام من الديمقراطية

د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أحب -أولاً- أن أشكر للأخ الكريم المفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي، وأحيي مشاركته معنا في هذا البرنامج، وأقول: إن ما قاله شيء مهم حتى حينما نتحدث عن الديمقراطية نتحدث على بصيرة، فكثير من المسلمين الذين حكيت عنهم، يا دكتور حامد، إنهم يقولون إن الديمقراطية منكر أو الديمقراطية كفر أو إنها ضد الإسلام، لم يعرفوا ما هي الديمقراطية، ما جوهر الديمقراطية، ماذا تهدف إليه الديمقراطية، ما القيم التي تقوم عليها الديمقراطية، وعلماؤنا من قديم يقولون: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" إذا لم تتصور الشيء فلا يجوز أن تحكم له ولا عليه، ومن هنا كان لابد أن نعرف ما هي الديمقراطية، فالديمقراطية بالمعنى الذي شرحه أخونا الشيخ راشد، وهو خبير بهذا الموضوع، وقد كتب فيه يعني أكثر من كتاب، وقد مارس هذا الموضوع عملاً كما بحثه نظراً وفكراً، أقول: الديمقراطية بجوهرها هذا لا تنافي الإسلام، لأنها تقوم على عدة أشياء، أولاً: أن يختار الناس من يحكمهم، لا يقود الناس من يكرهونه ولا يرضون عنه، ولا يفرض على الناس نظام يكرهونه ولا يرضون عنه، إذا كان الإسلام قال في الإمامة الصغرى "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبراً، أول هذه الثلاثة "رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون" يعني الذي يؤم الناس في الصلاة والناس يكرهونه، لا.. لا يحبون أن يكون إمامهم، هذا لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم يعني كناية عن رد هذه الصلاة، فما بالك بالإمامة الكبرى، بقيادة الحياة السياسية بقيادة الأمة؟ فلا يجوز أن يفرض على الناس حاكم لا.. لا يحبونه، وفي الحديث: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم" يعني تدعون لهم ويدعون لكم، "وشرار أئمتكم أو شرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"، فلابد أن يكون الحاكم مرضياً عنه من الناس، محبوباً عندهم، وإذا كان الإسلام لا يقبل إنه المرأة أو الفتاة تزوج بمن لا ترضى، يعني لا.. لم يرض أن يحكم الأب ولا الجد ولا الأخ في حياة الفتاة ويزوجها من يريد هو لا من تريد هي، وتعايش إنساناً لا.. لا تحبه ولا ترضى عنه، رفض ذلك الإسلام، واعتبر ذلك باطلاً، لابد أن ترضى المرأة إما بالصراحة أو على الأقل بالسكوت، والسكوت علامة الرضا، كما يقولون، فهذا الوضع يعني يقود الناس من يرضون عنه، هذا يقره الإسلام، أن يحاسب الناس هذا الشخص بعد اختياره أيضاً هذا أمر يقره الإسلام، لأن الإسلام لا يقول إن هناك معصوماً بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كل الناس يعني قابلون للصواب والخطأ، كل إنسان معرض أن يخطئ وأن يصيب، فلابد أن يقوَّم الخطأ وأن يعان على الصواب، وهذا ما أعلنه الراشدون من الخلفاء، سيدنا أبو بكر يقول: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة عليكم، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني"، وابن الخطاب يقول على المنبر: "رحم الله امرئ أهدى إلى عيوب نفسي، مرحباً بالناصح أبد الدهر، مرحباً بالناصح غدواً وعشياً، من رأى منكم فيَّ اعوجاجاً فليقومه"، وهكذا فمن حق الأمة أن تحاسب الحاكم ومحاسبة الحاكم يعبر عنها أحياناً بالنصيحة في الدين، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول فيما رواه مسلم: "الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" قال يعبر عنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من حق كل الأمة.. من حق أي واحد في الرعية يعني مهما صغر شأنه أن يقول للحاكم أخطأت، وأن هذا حلال وهذا حرام، وهذا معروف، صحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالرفق المطلوب، ولكن مساءلة الحاكم ومحاسبته، والنصيحة له، وأمره بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مقرر في الدين، الإسلام أيضاً رفض التألُّه في الأرض، الطغاة المتجبرون الذين يحكمون الناس رغم أنوفهم، ويكسرون أنوف الناس، الإسلام يرفض هذا، هذا نوع من التألُّه، ولذلك حمل القرآن حملة شعواء على المتأهلين في الأرض، نمروذ الذي قال لإبراهيم (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، فرعون الذي قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)، ومن مع فرعون؟ هامان وقارون، هامان السياسي الوصولي الذي يسند الطاغية المتجبر، والرأسمالي الإقطاعي الذي يسند هذا وذاك قارون، الإسلام حمل على هؤلاء يعني جميعاً، وحمل على الشعوب التي تتبع هؤلاء، ولذلك قال عن قوم فرعون: (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً) وقال عن عاد قوم هود: (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)، لا يجوز للأمة أن تتبع.. وقال عن فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) حمل الشعوب المسؤولية، لأن الشعوب يجب أن تتحمل تبعاتها في اختيار الحاكم ومساءلته، لا أن تكون قطيعاً يسوقه الحاكم بعصاه، رفض الإسلام هذا كله، الإسلام أوجب الشورى، الحاكم يجب أن يستشير الناس ولا يستبد بالرأي، والشورى كما قال الإمام ابن عطية في تفسيره: "من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين من الأمراء فعزله واجب، وهذا ما لا خلاف فيه"، طيب فالشورى يعني واجبة على الأمة الإسلامية، فكل المبادئ والقيم التي قامت عليها الديمقراطية ما أشار إليه الشيخ راشد القيم الحرية والكرامة ورعاية حقوق الإنسان، هذه كلها يعني مبادئ إسلامية، هي عندهم تسمى حقوقاً، عندنا تسمى فرائض، يعني ما يعتبر في الديمقراطية حقاً في الإسلام يعتبر فرضاً، والحق يجوز للإنسان أن يتنازل عنه، يعني إذا رأيت خطأ، إذا كان من حقي أن أُقوِّم الخطأ الإسلام يقول لك: لأ، فرض عليك أن تقوم الخطأ، فرض عليك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، وإلا دخلت في الذين لعنوا كما لعن بنو إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم.. لماذا؟ (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) هذه الأشياء كرامة الإنسان، كل إنسان له كرامة في الإسلام (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، لم يقل كرمنا المسلمين أو كرمنا العرب، كل إنسان له حق، كل إنسان له الحق في العدل، (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) بين الناس لا بين المسلمين ولا بين العرب، بين الناس، فكل إنسان له الحق في المساواة بغيره: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، هذه مبادئ مقررة.. مقررة نظرياً ومثبته عملياً، يعني الإسلام لم يقل بالمساواة لمجرد الكلام، لأ، الصلاة هي لتثبيت المساواة، الصيام لتثبيت المساواة بالمعنى الناس يجوعون معاً ويصومون معاً، ويفطرون معاً، كذلك الحج زيادة في تثبيت المساواة، إزالة لكل الفوارق بين الناس مثل الأزياء التي تختلف باختلاف الشعوب وباختلاف الطبقات كل هذا.. فكل المعاني التي قامت عليها الديمقراطية معاني يقرها الإسلام، فلذلك نحن.. نحن.. نحن في غنى أن نقول الديمقراطية، ونقول.. ولكن لأن الديمقراطية وصلت إلى صيغ وأساليب وضمانات لتحقيق هذه القيم السياسية التي جاء بها الإسلام، فنحن نقول البشرية في صراعها مع الطغاة والمستبدين طوال العصور استطاعت..

د. حامد الأنصاري[مقاطعاً]: أعتقد، فضيلة الشيخ، إنه يعني هنا مربط الفرس كما يقال، يعني لا أعتقد أن هناك يعني من يختلف أو اثنان يختلفان على مضمون الديمقراطية، الديمقراطية في مضمونها القائم على أساس كرامة الإنسان وعلى أساس إقامة العدل والمساواة وإتاحة الفرصة للناس لاختيار السلطة، القضية هذه يعني يتفق عليها الجميع، أتوقع الخلاف الذي يقع هنا في آليات الديمقراطية، الذين يرفضون القضية يرفضونها من خلال الآليات هذه التي..

د. يوسف القرضاوي: حتى.. حتى هذه القيم بعض الناس تنازع فيها، يعني أنا أذكر منذ يعني سنوات كنت أعددت مشروعاً، طلب مني في منظمة المؤتمر الإسلامي اللجنة الثقافية طلبت مني أن أعد مشروعاً لحقوق الإنسان في الإسلام بمناسبة قرب حلول القرن الخامس عشر الهجري، وأعددت هذا المشروع، وحينما جاءت لجنة من بعض الناس وجدتهم يناقشون في أشياء ما كنت أتوقع، مثل مثلاً قلت إن البشرية كلها أسرة واحدة، جمعتهم العبودية لله والبنوة لآدم، ولا.. والناس متساوون في الكرامة والحرية وأصل التكليف، قام ناس يقول لك: لأ، الناس ليسوا متساوين، كيف تسوي بين المسلم والكافر؟ هذا قلت إنه لا يجوز لأحد أن يجبر أحد على اختيار دينه أو تغيير دينه، قام بعض الناس يقول: لأ، كيف هذا؟ قلت له يا أخي ربنا يقول: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) يقول لي دي منسوخة، قلت له إن المرأة شقيقة الرجل وهي مساوية له في أصل.. في أصل التكليف وفي الكرامة، قام بعض الناس يقول لي لأ، إن المرأة ليست مساوية، أنت.. أنت الأشياء اللي أنت بتعتبرها إنه لا خلاف عليها، هناك خلاف كبير حتى في وسط البلاد الإسلامية للأسف، فنحن يعني نعاني من هذا، هذا كلامه هذا يعني التيار الوسطية الإسلامية، لا خلاف في تيار الوسطية على هذه القيم، إنما هناك تيارات -للأسف- لم تحسن فهم الإسلام، وهؤلاء هم اللي بيقولوا الديمقراطية كفر أو.. أو شيء من هذا، يعني هؤلاء ناس يقولون، هذا ناتج عن سوء فهم للإسلام وأصول الإسلام وقيم الإسلام.

د. حامد الأنصاري: نعم أعتقد هؤلاء فضيلة الدكتور لا ينكرون إنه العدل واجب، لأنه العدل من الإسلام، ولا.. لكن سبب الخلاف نفسه يعني خلاف لماذا يرفضون الديمـ… الأستاذ راشد، لماذا في رأيك الناس أو تيار من الإسلاميين يرفض الديمقراطية؟ هل لمضمون الديمقراطية أم أن رفضهم لعدد الوسائل؟

راشد الغنوشي: يعني هنالك أسباب كثيرة من جملتها أن الديمقراطية باعتبار أنها مصطلح أجنبي، نحن نتوجس من كل شيء أتانا من الخارج، كل شيء أتانا من الغرب نتوجس منه لأن الغرب أتانا مستعمراً، فنحن لا نتوقع منه خيراً، مع أن ديننا لم.. ليس فيه ما يمنعنا من أن نأخذ بكل خير أقرته التجربة وأقره العقل، ومبدأ أساسي في ديننا كما يؤكد أستاذنا وشيخنا القرضاوي، حفظه الله -سبحانه وتعالى- وأكده العلماء من قديم أنه لا تناقض بين كل ما صح في الدين وكل ما صح في الشرع في.. في العقل وأقرته التجربة، من الأسباب أننا ورثنا زمناً طويلاً دهور طويلة ورثنا الاستبداد -للأسف- كابر عن كابر، أو صاغر عن صاغر، ورثنا هذا الاستبداد اللعين، في كل المستويات دولة الشورى غابت منذ القرن الأول وأصبحنا نورث في الحقيقة، وأيضاً ساد التقليد، وهو شكل من أشكال الاستبداد في مجال الفقر، وفي مجال التربية ساد التصوف أيضاً وهو يلغي إرادة الناس يلغي إرادة من يسمون المريدين لصالح الشيخ، فأصبحنا إذاً مجتمعنا ينتج الاستبداد ويتحرك في إطار الاستبداد، فلما انفتحت النوافذ وجاء الهواء لم نستطع أن نتعايش مع الفكر الحديث، وبادرنا برفضه، انظر ما يحصل في أفغانستان على سبيل المثال، خرب البلد على يد مجاهدين، لماذا؟ لأنه لو.. لو اتفقوا على الديمقراطية كآليات لحسم خلافاتهم لرجعوا للشعب الأفغاني واحتكموا له، ومن يرضى به الشعب يُقبل، ولكن هؤلاء كثير من مشايخهم يرفضون يقولون بأن الديمقراطية حرام وأن الشعب ليس محل ثقة، ويقولون بنظام يتخيلونه واضحاً، ولكنه مجرد أسماء يقولون نظام أهل الحل والعقد، ما هو أهل أحل والعقد؟ كيف نختارهم؟ هؤلاء كانوا واضحين في مجتمع صغير كمجتمع المدينة، كيف نتوصل إليهم اليوم دون ممارسة الآليات الحديثة، آليات الديمقراطية في الانتخاب؟ فخرب البلد إذاً نتيجة أن أهله رغم أنهم قد يكونوا صالحين ومجاهدين، لكنهم ورثوا هذا التخلف في فقهنا السياسي، فلم يتوفقوا إلى آليات لحسم خلافاتهم، إذاً في الحركة الإسلامية.. الحركة الإسلامية فيها جوانب كثيرة للتجديد الذي وصل إلى فقه الوسط الذي يبشر به أستاذنا القرضاوي، ولكن الحركة الإسلامية أيضاً هي جزء من حالة الأمة ومن تراث الأمة، فيجري في دمائها دم جديد دم الوسطية الإسلامية والتفكير الحديث ويجري.. ويجري في دمها أيضاً بقية من لوثات الماضي ماضي الاستبداد الذي كان السبب الأساسي في انهيار حضارتنا، أظن بأنه الإسلام الذي أقر مبدأ الشورى، وأمرهم.. القضايا الكبرى في حياتهم ينبغي ألا يقرر فيها الفرد والأفراد، وإنما الأمة تُشارك فكرة المشاركة هذه الفكرة الأساسية جاء بها الإسلام، أظن بأن غياب فكرة المشاركة وإقصاء الأمة عن شأنها واستبداد الأفراد بالمجموع الذي قال عنه الشيخ محمد عبده بأنه ممنوع أن يستبد الفرد بالمجموع، هذا هو الذي أنهك حضارتنا وأسلمها إلى الانهيار، على حين توفق الغرب في أن يحول شورانا هذه، مبدأ الشورى المبدأ العظيم، أن يجعل له آليات تجعل من الشورى نظاماً يحقق التداول على السلطة، ويحقق الأمن من الجور، ويعطي للناس للشعب وسائل الضغط على الحكام، ويعطي وسائل النصح والتغيير، وبالتالي أمِن الغرب من الاستبداد، وبقينا نحن لا أمل لنا في نصح حكامنا، فضلاً عن تغييرهم إلا أن ننتظر زيارة ملك الموت لمستبد أو..

د. حامد الأنصاري: شكراً..

راشد الغنوشي: أو إعلان دبابة في الهزيع الأخير من الليل، وهذه كارثة على الحاكم والمحكوم بصراحة.

د. حامد الأنصاري: شكراً جزيلاً أستاذ راشد الغنوشي على مشاركتكم في هذا البرنامج، نعود، فضيلة الشيخ، نكمل الحديث في الموضوع..

د. يوسف القرضاوي: أنا أقول نحن يعني لسنا هواة لاستيراد المصطلحات الأجنبية، وعندنا من ديننا وشريعتنا وتراثنا ما يغنينا، ولكن أيضاً مما تعلمناه من ديننا أن "الحكمة ضالة المؤمن أنىَّ وجدها فهو أحق الناس بها"، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعني استفاد من مكايد الفرس في الحروب، مسألة حفر الخندق حول المدينة، حينما رآه المشركون قالوا ما كانت هذه مكيدة تكيدها العرب، إنه هذا أخذه من تدابير الفرس في مسائل الحصار هذه، نجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخطب على جزع نخلة، بعدين بعض الصحابة قالوا له: نصنع لك منبراً رأوا في بلاد الروم مثل هذه المنابر، فجيء بنجار رومي وصنع له منبراً، الصحابة اقتبسوا أشياء من البلاد الأخرى، يعني مثل تدوين الدواوين، فالاقتباس من الغير ليس ممنوعاً بشرط أن نضفي عليه نحن من قيمنا ومن روحنا، ومن مبادئنا ما يفقده جنسيته الأولى ويدخله في المنظومة الإسلامية، يعني هذا يحتاج إلى يعني شرح وتفصيل لا أدري هل الوقت الآن يتسع لهذا أم نكمل هذا..

[موجز الأخبار]

د. حامد الأنصاري: معنا فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي اتفضل فضيلة الشيخ كمل النقطة التي ابتدأناها قبل الموجز.

د. يوسف القرضاوي: آه، نعم بسم الله الرحمن الرحيم نقول: إن الإسلام أقام الحياة السياسية على مبدأ الشورى، وهو مقرر في القرآن الكريم بقوله تعالى في وصف مجتمع المؤمنين (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وهذا جعله بين إقامة الصلاة وبين الإنفاق مما رزقه الله.. مما رزق الله الناس (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) هذا في القرآن المكي، وفي القرآن المدني قال الله تعالى لرسوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وإذا كان الرسول مأموراً بالمشاورة فغيره أولى بأن يشاور يعني قطعاً، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس مشاورة، كما جاء في صحيح البخاري، أكثر الناس مشاورة لأصحابه، هو النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يعني معروف، شاور في غزوة بدر، وشاور في غزوة أحد، وشاور في غزوة الخندق، وكثيراً ما نزل عن رأيه إلى رأي أصحابه، في غزوة بدر شاور قبل الغزوة، وشاور في أثناء الغزوة، وشاور بعد الغزوة في مسألة الأسرى، في غزوة أحد شاور أيضاً الصحابة في الخروج إلى المشركين أم البقاء في المدينة، وكان رأيه ورأي كبار الصحابة أن يبقوا في المدينة، ولكن الشباب وهم جمهور الناس رفضوا ذلك، وقالوا: يعني ما دخل علينا فيها في الجاهلية.. أفي الإسلام يدخلون علينا؟! وأبوا إلا أن يخرجوا، فنزل على رأيهم، في غزوة الخندق أيضاً استشار السعود: سعد بن معاذ، وسعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود من الأنصار حينما عرض عليه قبيلة غطفان أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة أو نصف ثمار المدينة ويرجعوا وينفضوا عن قريش، وعرض الرسول عليهم هذا، وقال لهم: إن العرب رمتكم عن قوس واحدة، فلا مانع إن إحنا نقسم المهاجمين بأننا نصالح بعضهم وأن نتفرغ للبعض، ولكن هؤلاء السعود وهم يمثلون الأنصار رفضوا ذلك قالوا ما أخذوا منا تمرة في الجاهلية بعد أن أعزنا الله بالإسلام يأخذون منا؟ رفضوا ونزل النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأيهم، صحيح لم يكن هناك عدّ نشوف كم موافقين وكم.. إنما هو نظر في الجمهور كده في غزوة أحد فوجد الأكثرية بالنظرة لأول وهلة عرف أن الأكثرية ترفض، فنزل على رأيهم، فالقرآن والسنة كلاهما أكد الشورى وأكد مشاركة الأمة في هذه القضايا وفي هذه القرارات المهمة، ولكن ميزة ما نأخذه نحن من.. من الديمقراطية إن الديمقراطية وصلت إلى صيغ ووسائل وأساليب وآليات معينة استطاعت بها أن تقلم أظافر الطغاة المستبدين، الحكم الذي سماه الحديث المعروف حكم الملك العضود أو ملك الجبرية، ملك التجبر الإسلام يرفض هذا ويريد الملك الشوري، من فضائل الإسلام إنه لم يعط لنا أو يفرض علينا صورة معينة في كيفية الشورى، كيف نشاور، ومن نشاور، وكيف نختار الذين نشاورهم لم يفرض لأن.. هذا من فضل الله ورحمته ومن سعة هذا الإسلام إنه لو فرض علينا صورة لجمدنا عليها، وقلنا دية منصوص عليها ولا خروج لنا عنها، إنما لأ ككثير من الأمور ينص على المبادئ الكلية، ويدع التفصيلات لاجتهادات المسلمين ولعقولهم وهذه الاجتهادات تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال، فإذا وجدنا الناس الآن يقولون مثلاً إحنا عندنا أهل الحل والعقد المشاورة لأهل الحل والعقد، طيب كيف نختار أهل الحل والعقد؟ كما أشار الأخ الشيخ راشد: كان زمان في مجتمع المدينة معروفون ولهم في.. وجايز في مجتمع مثل المجتمع القطري أقدر أقول لك أهل الحل والعقد، يعني وقد أخطئ، ولكن في المجتمعات الكبيرة مجتمع مثل مصر أكثر من 60 مليون، مثل باكستان 120 مليون، وكذلك بنجلادش مثل إندونيسيا 190 مليون أو 200 مليون تقريباً كيف تختار أهل الحل والعقد في هذه المجتمعات الكبيرة؟ ليس هناك إلا طريقة الانتخاب وتقسيم البلاد إلى مناطق ودوائر، وكل جماعة يختارون، صحيح ممكن نُدخل هنا بعض القيم الإسلامية والتعاليم الإسلامية يعني أعتبر الناخب شاهداً، فينبغي أن يتوافر فيه ما يتوافر في الشاهد (أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) ممن ترضون من الشهداء، فأي ناخب سقطت شهادته لأنه ليس مأموناً لا في دينه ولا في دنياه ثبتت عليه جريمة شيء من هذا يحرم، فأنا أُدخل هذه التعاليم الإسلامية، فبذلك يعني.. يعني أغيِّر من المنظومة المستوردة، لأني أضع عليها من الشروط والمواصفات ما يجعلها إسلامية، فأنا أقول نحن نأخذ الأساليب والضمانات من الديمقراطية، المبادئ أصلها عندنا فنأخذ المبادئ ولكن الوسائل والأساليب ليست عندنا، لا مانع، لم يمنعنا الشرع إطلاقاً أن نأخذ بالأساليب والآليات من عند غيرنا لنحقق بها المبادئ والقيم الأساسية التي جاء بها الإسلام.

د. حامد الأنصاري: طيب، لدينا مكالمة الأخ أبو سارية من بلجيكا، اتفضل أخي

أبو سارية: السلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله.

أبو سارية: كل عام وأنتم بخير إن شاء الله.

د. يوسف القرضاوي: وأنتم بالصحة والسلامة.

د. حامد الأنصاري: وأنتم بالصحة والسلام.

أبو سارية: أستاذ دكتور حامد، إن شاء الله بارك الله فيك في هذا اللقاء، حقيقةً سعداء جداً، ونحن نشكر حتى قناة (الجزيرة) وخاصة نجم برنامجها دكتور الشيخ يوسف القرضاوي نسأل الله أن يمد في عمره.

د. يوسف القرضاوي: بارك الله فيك.. بارك الله فيك يا أخي.

أبو سارة: شيخي الكريم..

د. يوسف القرضاوي: اتفضل.

أبو سارية: عندي سؤال حقيقة من خلال ما عشناه في الواقع الأوربي، طبعاً نحن عشنا الواقع العربي وعشنا الواقع الأوروبي، فعندي إنه هل الديمقراطية الغربية هي الديمقراطية المثالية؟ وما الفرق بين.. يعني أقصد الشورى في الإسلام أو ديمقراطية الإسلام والديمقراطية الغربية؟ وهل بإمكاننا أن نتجاوز عن بعض النقاط الأساسية في الإسلام من أجل تحقيق الديمقراطية؟ وجزاكم الله خيراً.

د. حامد الأنصاري: شكراً.

د. يوسف القرضاوي: أولاً: أقول للأخ لا نستطيع أن نتنازل عن أي نقاط أساسية ولا عن أي مبادئ ولا عن أي أحكام شرعية ثابتة في الإسلام من أجل الديمقراطية، نحن نعض على إسلامنا بالنواجذ، ولا نبيع ديننا بملك المشرق والمغرب لا ديمقراطية ولا اشتراكية ولا أي مبدأ من المبادئ، نحن، يعني مسلمون ومتمسكون بإسلامنا وبالعروة الوثقى لا انفصام لها، إنما نحن نقول نأخذ من الديمقراطية أفضل ما فيها، والديمقراطية تختلف، كما أشار الأخ الشيخ راشد، من بلد إلى بلد ومن نظام إلى نظام، وحتى فلاسفة الديمقراطية يقولون إن تحقيق الديمقراطية المثالية صعب، لأن هناك قوى بتؤثر في الديمقراطية فيه قوى رأسمالية وقوى إعلامية، وقوى جماعات ضاغطة فقلما يعني تحدث الديمقراطية الحقيقية، أنك تصل إلى رأي الناس الحقيقيين، لأنه هذا صعب إنما هناك شيء أفضل من شيء، لا شك إنه الديمقراطية في الغرب تختلف من بلد إلى بلد، الجماعة الاشتراكيين كانوا بيسموا يعني حكوماتهم وأنظمتهم الديمقراطية الشعبية، يعني ديمقراطية وهم يحكمون الناس بالحديد والنار، ولا يسمحون لأحد حكم شمولي طاغي متجبر، ومع هذا كانوا يسمونه الديمقراطية، هناك أناس يقولون عن الديمقراطية في بلادنا الإسلامية والعربية، ولكنها للأسف في معظم البلاد ديمقراطية زائفة، هناك بعض الديمقراطيات أقرب إلى..، ولكن هناك ديمقراطيات مثل ديمقراطيات لا تمثل الشعب حقيقة، مثل ديمقراطيات التسعات الأربع 99.99%، لا أي.. أي ديمقراطية هذه؟ من الذي يستطيع أن يصل إلى.. إلى هذا؟ إنما للأسف يوجد عندنا هذا، حينما توجد الديمقراطية توجد الحرية، للناس أن يقولوا رأيهم، وتتيح الحرية للناس هذا، لا شك يعني أفضل من أنه يضغط على الناس ويفرض عليهم مالا.. مالا يحبون، هناك مثلاً في إنجلترا يعني حزبان كبيران يتعاوران الحكم، وأحياناً يعلو هذا وأحياناً يهبط هذا، بحكم مؤثرات كثيرة، وكذلك في أميركا، يعني وهناك قوى مؤثرة من غير شك، إنما هذا أفضل من إنه يفرض على الناس حكم يكرهونه، فيه الديمقراطية طبعاً فيها يعني إنه تستطيع بالديمقراطية أن تغير كل شيء، حتى قالوا تستطيع تغير الديمقراطية بأغلبية معينة لو رضوا الناس أنهم يلغوا الديمقراطية يلغوها، وقالوا إن البرلمان الإنجليزي يستطيع أن يغير كل شيء ويعدل كل شيء إلا أن يحول الرجل إلى امرأة أو المرأة إلى رجل، يعني لأ، نحن عندنا ديمقراطية مقيدة بأصول الإسلام، ولذلك نحن نقول الديمقراطية في المجتمع المسلم بعض الإخوة بيقولون إن الديمقراطية حكم الشعب والإسلام حكم الله، فالديمقراطية ضد حكم الله، لأ، هو لا.. لا أعتقد أن الذين يقولون الديمقراطية حكم الشعب يعارضون حكم الله إنما يعارضون حكم الفرد المطلق، فحكم الشعب ضد حكم الفرد المتسلط، لا نريد أن يحكم الأمة فرد متسلط يفرض عليها إرادته ويقودها رغم أنوفها، هذا هو الذي نرفضه، نحن نقول ديمقراطية في مجتمع مسلم، بمعنى إنه الدستور بيقر إن دين الدولة الإسلام، وإن الإسلام هو المصدر الأساسي للحكم أو المصدر الوحيد للقوانين، هذا.. فلذلك ليست.. لا نأخذ الديمقراطية بعجرها وبجرها، وخيرها وشرها وحلوها ومرها كما يقول بعض الناس، لأ، نحن نأخذها على أن تكون مقيدة بالأصول الإسلامية القطعية، ولذلك يمكن أننا نكتفي بأن الإسلام مصدر أو الشريعة الإسلامية مصدر القوانين أو نقول بصراحة ننص عليها إن أي قانون أو نظام أو وضع يخالف قطعيات الإسلام فهو باطل ومردود، وهذا في الحقيقة تأكيد لا تأسيس، يكفي أن تقول إن دين الدولة الإسلام والشريعة مصدر ا لقوانين يكفي هذا، إنما ممكن يعني يطمئن إخواننا الذين يخافون إن الديمقراطية ستلغي الإسلام بأننا نقول مثل هذا، إنه أي شيء يرفض القواطع أو ينافي القواطع الإسلامية فهو مرفوض ومردود عندنا بلا شك.

د. حامد الأنصاري: جزاكم الله خير. فيه عندنا مكالمة أخرى الأخ عبد الله مبروك من هولندا، أخ عبد الله، تفضل.

عبد الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد الله: عيدكم مبارك يا شيخنا، وكل عام وأنتم وبخير.

د. يوسف القرضاوي: وبارك الله فيكم وعليكم، وأعاده علينا وعليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام إن شاء الله.

عبد الله: الله يجزيك خير، إحنا في شوق إليك إلى زيارتك إن شاء الله والجلوس معاك في ها الديار ديار الغربة.

د. يوسف القرضاوي: نسأل الله أن ييسر لنا ذلك إن شاء الله، أدع الله لنا بالصحة والبركة في الوقت والتوفيق.

عبد الله: آمين يا رب العالمين، كما يعني لا يفوتني هنا باسم الخاص وباسم رابطة الجاليات المسلمة التي يمثلها التي تعمل على نشر الإسلام في أوروبا أن نحيي كل العاملين في هذه القناة، والسيد حامد الأنصاري بصفة خاصة، ونهنئه على نجاح هذا البرنامج الذي يسعدنا أن نشارك فيه بهذا السؤال المتواضع.

د. حامد الأنصاري: حياك الله، اتفضل أخي.

عبد الله: طيب، دكتور يوسف القرضاوي.

د. يوسف القرضاوي: اتفضل.

عبد الله: أنا بأحب نرجع للتاريخ شوية، إذا كان عهد الخلفاء الراشدين يشار إليه على أنه النظام السياسي النموذجي في التاريخ الإسلامي، ثم تم الانقلاب عليه في العهد الأموي، فلماذا لم تقم الأمة الإسلامية بالسعي باستعادة هذا النظام المتميز والتضحية من أجله؟ يعني وهنا أقصد يعني مقصود عموم الأمة وليس الاستثناء يعني، وجزاكم الله خيراً.

د. حامد الأنصاري: شكراً أخ عبد الله.

نماذج لتحرك الأمة ضد الظلم وعدم السكوت عليه

د. يوسف القرضاوي: أولاً: يعني أحب قبل كل شيء أن ظلمت الأمويين ونسبت إليهم ما لم يكن من شأنهم وضخمت في مساوئهم وعيوبهم ولكي نكون منصفين لحوادث التاريخ، أيها الأخوة، يجب أن نضع الحدث التاريخي في زمانه ومكانه وعصره وبيئته، بعض الناس يحكمون على الأشياء بمنطق عصرنا نحن، وكأنه يريد أن يكون الأمويين مثل أوضاعنا نحن الآن، لأ، لازم تلاحظ ما كان عليه الحال، وما كان عليه العالم كله في ذلك الوقت، وأن حكام المسلمين على ما كان بهم كانوا أفضل من غيرهم بكثير وكثير، وليس معنى هذا إني أقر ما كان في العهد الأموي من مظالم، ولكن أريد أن أنصف تاريخنا ممن شوهوه ومن ظلموه، وأقول، إن الأمة الإسلامية لم تسكت على الظلم، الإمام الحسن بن علي -رضي الله عنه- بويع بإمارة المؤمنين بعد مقتل أبيه الإمام علي -رضي الله عنه وكرم الله وجهه- وكان معه جنود وأتباع ومستعدين أن يقاتلوا معه، ولكنه رأى أن يحقن دماء المسلمين وأن يتنازل عن الخلافة لمعاوية، وهذا جاء في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ومشى معاوية يعني -إلى حدٍ ما- معقولاً وبسياسة ترضي الناس، ولو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت لأنهم إذا شدوا أرخيت، وإذا أرخوا شددت، ولكن خرج عن سنن الراشدين حينما أوصى لابنه يزيد بولاية العهد، وهنا المسلمون لم يرضوا، خصوصاً الصحابة الذين لهم شأن، وانتقض عليه الحسين -رضي الله عنه- أبو الشهداء، وكانت موقعة كربلاء، إلى آخره.. هذا.. هذا ثورة من الأمة، الأمة معناها لم تستسلم، كذلك بعد ذلك جاء عبد الله بن الزبير أول مولود في الإسلام، هذا الفارس العالم أحد العبادلة الأربعة، عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وهو رجل هو صحابي وأبوه صحابي، وأمه.. أمه صحابية، وجده صحابي، وأبو جده صحابي عبد الله بن الزبير، هذا وكان من دهاة المسلمين ومن كبرائهم، أيضاً قام على الدولة الأموية، وبويع بإمارة المؤمنين، كان أمير المؤمنين لتسع سنوات، وكان معاه الحجاز والعراق وعدد من البلدان، وكان يستتب له الأمر، ولكن لم يقدر له في النهاية، فلا يجوز أن نقول إن الأمة الإسلامية سكتت على هذا الأمر، في.. بعد ذلك جاءت ثورة العلماء بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث الذي ثار على الدولة الأموية في.. في العراق، وكان معه يعني ناس من العلماء، ومنهم سعيد بن جبير والشعبي وغيرهم، فالأمة لم تسكت، إن كنا نقول الأمة سكتت نظلم الأمة، ولكن كما نشاهد في عصرنا في بلاد كثيرة يحكمها الطغاة والجبابرة والمستبدون، والشعوب غير راضية، ماذا صنعت الشعوب؟ السلطة التي تملك القوة، ما.. يعني تستطيع أن يعني تسكت كل صوت وتخرس كل لسان وتنتصر القوة على الحق، هذا ما نشاهده في عصرنا، فلا عجب أن يكون ذلك فيما مضى من التاريخ.

د. حامد الأنصاري: جزاكم الله خيراً، فيه لدينا مكالمة أخرى، الحقيقة فيه مكالمات كثيرة تنتظرنا نبدأ بالأخ أبو يوسف من المجر، أخ أبو يوسف، تفضل.

أبو يوسف: ألو، السلام عليكم.

د. حامد الأنصاري: عليكم السلام ورحمة الله.

أبو يوسف: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.

أبو يوسف: بداية يا أخي، بأحب أن نشكر قناة (الجزيرة) على هذا البرنامج الطيب إن شاء الله اللي يعني.. ندعو الله عز وجل أن يستمر ونشكر أخونا حامد على هذا اللقاء الطيب وهاي الفرصة.

د. حامد الأنصاري: حياكم الله.

أبو يوسف: بالنسبة لشيخنا -إن شاء الله- يا أخي يعني بارك الله لكم جهودكم هذا، ونفع الإسلام والمسلمين به جميعاً، ندعو الله -عز وجل- أن يبقى لنا هذه الثمرة من تلك الشجرة الطيبة، آمين يا رب العالمين.

د. يوسف القرضاوي: حفظكم الله.

أبو يوسف: أما بعد يا أخي فالسؤال اللي هو حول نظرية ولاية المتغلب عمت الفقه الإسلامي السني خلال القرون، وأُعطي الحاكم المتغلب نفس الحقوق التي يعطى لها الحاكم المنتخب، فهل ساهم الفقه الإسلامي، بطريقة أو بأخرى، في إخضاع تلك الشعوب الإسلامية لمثل هذا الطغيان السياسي؟ أفيدونا أفادكم الله، وجزاكم الله خير يا أخي.

د. حامد الأنصاري: جزاك الله خير. شكراً الأخ أبو يوسف.

د. يوسف القرضاوي: أحب أن أقول للأخ ليس الفقه الإسلامي وحده هو الذي أقر ولاية المتغلب، في عصرنا في القانون الوضعي فقه بيسمونه في فقه القانون يسمى الفقه الثوري، الفقه الثوري هو الذي يقر الثورات التي تقوم والانقلابات العسكرية التي تقوم وتحكم الشعوب، ماذا تصنع؟ حينما قامت ثورة 23 يوليو في مصر قام هناك أناس من الفقهاء والقانونيين الكبار وحاولوا إنه يبرروا هذا وقال لك يعني.. فهناك، يعني، النظرة الواقعية لا تستطيع أن تترك الناس بغير حاكم، لأنه كما قالوا يعني "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم" لابد أن يكون للناس، كما قال الإمام علي: "لابد للناس من إمارة برَّة أو فاجرة" هكذا قال الإمام علي حينما قال الخوارج: لا حكم إلا لله فقال: "كلمة حق يراد بها باطل، ولابد للناس من إمارة برة أو فاجرة" يعني لازم للناس أمير قد يكون براً وقد يكون فاجراً" فهذا الذي تغلب على الناس في الحكم أصبح الأمر بيده، وزمام الأمور بيده، النظرة الواقعية تقول لابد أن نقر هذا الأمر، ولكن لا ندع له السلطة، التشريع ليس من حقه، القضاء ليس من حقه، التعليم ليس من حقه، كل هذه الأمور يجب أن تسير على تعاليم الإسلام وأحكام الإسلام، فمهما حكم هو هناك قضاء يرجع إليه ليحكم بين الناس، هناك إفتاء يرجع المسلمون إليه ليفتيهم في أمور دينهم وحياتهم، هناك التشريع ينبغي أن يرجع إلى الإسلام ولا يرجع إلى رأي الحاكم، فهذه أشياء قررها الفقه الإسلامي طوال عصوره، ولم يعط أي حاكم متغلب سلطة مطلقة يفعل ما يشاء، بل قالوا إنه يجب عليه أن يستشير، ما نقلته عن الإمام بن عطية هذا أيضاً في عصور التغلب، وقال: إن من لا يستشير، من الأمراء، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، وهذا.. ومن قرأ كتبنا الإسلامية وجد لعلمائنا الإنكارات الشديدة على الأمراء المتسلطين والحكام المتجبرين، وهناك من وقف أمامهم كما وقف العز بن عبد السلام أمام بعض أمراء المماليك حتى إنه عرضهم للبيع في السوق، قال: أنتوا أصلكم مماليك لازم أبيعكم وآخذ أموالكم أضعها أو أثمانكم وأضعها في بيت مال المسلمين، هناك مواقف فلا يجوز أن نظلم الفقه الإسلامي وننسب إليه ما لم يُقلْه.

د. حامد الأنصاري: لكن فضيلة الشيخ، لو رجعنا إلى الواقع الذي نعيشه اليوم نجد الفقه الإسلامي مليء بالفتاوى التي تدعو الأمة إلى الخضوع للحاكم بأي.. بأي شكل كان مهما فعل هذا الحاكم، فتاوى تشدد مثلاً على عدم جواز الخروج على الحاكم مهما يكن، كثرت مثل هذه الفتاوى وجدنا بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي من يغار على حقوق الحاكم ولا يغار على حق الأمة، كل همه بيان حقوق الحاكم، لكننا لم نجد أنه عندما جاء أمثال يعني هؤلاء الحكام عندما يجورون لا نجد مثل هؤلاء العلماء من تمعَّر وجهه لله عز وجل ضد أي منكر أو ضد أي انتزاع حق من حقوق الأمة، حكموا بغير ما أنزل الله، قالوا لا يجوز مثلاً الخروج، تصرفوا في أموال الأمة كما يشاءون أيضاً رفضوا الخروج، باعوا الأوطان لأعداء الأمة وبقي هناك من يفتي بعدم الخروج ما لم ما أقاموا فيكم الصلاة أو ما لم يضمروا كفراً بواحاً، بل إنني سمعت فتوى حديثة لأحد أهل العلم يقول إنه لا يجوز الخروج على الحاكم حتى وإن ارتد، هذه من الأمثال هذه الفتاوى في الفقه الإسلامي ألا تتحمل المسؤولية..؟

الشروط الشرعية للخروج على الحاكم

د. يوسف القرضاوي: والله أحب.. أنا أحب أن أقول لك سيظل في الناس الضعفاء المهازيل من العلماء الذين يخافون السلطان أو يطمعون في مغانم عنده، ويبررون أفعاله وخطاياه، ويصدرون الفتاوى ويفرقون الفتاوى لإرضاء سلاطين السوء وأمراء الجور، هذا النوع سيظل موجوداً، لا تستطيع أن تمنع هذا النوع، لكن هؤلاء ليسوا حجة على الدين، في كل عصر من العصور ستجد هؤلاء، وليس في العلماء وحدهم، ستجد في الصحفيين المنافقين الذين يحرقون البخور بين أيدي الحكام، ستجد في الكُتاب، ستجد في المفكرين، ستجد في السياسيين في كل فئة من الناس ستجد هؤلاء المنافقين الذين يسيرون في الركاب، والذين يدورون في فلك الحكام، والذين يبررون لهم أخطاءهم وخطاياهم، ولكن هؤلاء ليسوا حجة لا على الأمة ولا على الدين، إحنا يهمنا العلماء الأقوياء الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، ولكن هناك يعني شيء نحب أن نقوله: الخروج على الحكام ليس كلأً مباحاً، ليس باباً مفتوحاً يدخل فيه من يشاء، أي مجموعة من الناس شعرت عندها بشيء من القوة ياللا نخرج على الحاكم وفي عملية انتحارية! هذا أيضاً ليس معقولاً، لابد لكي تخرج على الحاكم أن يكون أولاً: لا يجوز.. الإسلام لم يُجز لك أن تطيع الحاكم في معصية، وهذا ما قرره الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه وفي جميع مدارسه وجميع عصوره، لأن الأمر واضح، الله تعالى يقول: (وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) حتى النبي لا يطاع إلا في المعروف، فما بالك بغير النبي صلى الله عليه وسلم؟ إنما الطاعة في المعروف، والحديث المتفق عليه يقول: "السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، لا يسمع ولا يطاع في المعصية، الخروج لابد أن يكون عند الإنسان قوة يستطيع أن يغير بها المنكر بلا دماء كثيرة ولا فتن، وإلا فتحنا على الأمة باب شر لا يسد، بعض الشباب أحياناً على أنهم اجتمعوا مجموعة مع بعض ومعاهم شوية سلاح يقول لك نقوم يعني، هذا ليس معقولاً، ليس من السهل أن تغير الحاكم بالسلاح الآن، تغيره لو كان معاك الجيش، يعني ما.. أو تغيره بواسطة البرلمانات الآن، مهمة الديمقراطية اللي هي بنقول أنك نستطيع بالقوة الأكثرية البرلمانية أنك تغير السلطة أو يكون الشعب معاك.. معاك كله، مثل ثورة إيران، ثورة الخميني، الشعب الإيراني كان مع الخميني، لا يستطيع الجيش إنه يقتل الشعب يقتل الشعب كله، فهنا.. فلذلك يعني لا نلوم العلماء إذا شددوا في هذا الأمر، لأنه فيه أحاديث في.. هم لم يقولوا هذا من عند أنفسهم، فيه أحاديث تمنع هذا وتأمر بالصبر عند الظلم، لأنه لا يمكن أن نفتح الباب لكل هاوي، بعض الناس يبقى مغرور بنفسه إذا ملك شيء من القوة لا يهمه ما.. ما يحدث بعد ذلك، لابد أن تقيد هذه الأمور، ولذلك بعض الأحاديث قالت: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان"، ولا أدري العالم اللي أنت بتقول عليه ده كيف يقول؟ يقول لك حتى لو ارتد، إزاي بقى؟! طب الحديث الصحيح المتفق عليه إن إذا رأيتم كفراً بواحاَ لابد أن تقاوموا الكفر، فهذه بعض الضوابط التي لابد منها للخروج المسلح، ولذلك اتفقوا العلماء على أنه يمكن السكوت على المنكر إلى حين مخافة منكر أكبر منه، هذه قاعدة متفق عليها.

د. حامد الأنصاري: جزاك الله خيراً، لدينا مكالمة أخرى دكتور خالد ياسين من بريطانيا، دكتور خالد، اتفضل.

د. خالد ياسين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نشكركم -أولاً- على هذا البرنامج القيم ونشكر جهود الأخ حامد وفضيلة الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي ونتمنى مزيد من التوفيق لقناة للقناة الفضائية (الجزيرة) سؤالي -مولانا الشيخ- يتعلق بآلية الحكم في الغرب، فسؤالي يقول: كثيراً ما نتحدث عن أن الإسلام هو الحل، ولكن برغم مرور أربعة عشر قرناً على نزول الإسلام نجد -خلافاً للغرب- أن المسلمين لم يتمكنوا -لغاية الآن- من إيجاد آلية أو وسيلة للتعامل بين الحاكم والمحكومين، بل إننا نجد الصور مختلفة في أقطار المسلمين المختلفة، فمثلاً الشعب في بلاد الغرب يحكم نفسه من خلال من ينتخب، وعندما يتحدث الناس عن من يمثلهم في البرلمان أو عن الحكومة يقولون هؤلاء يعملون عندنا، ونحن ندفع لهم رواتبهم، وعندما تتحدث الحكومة عن الناس تقول إن.. إن مهمتنا هي الحفاظ على أموال دافعي الضرائب وكيفية استغلالها في الصورة الأكمل، في رأيكم لماذا لم تتم إيجاد هذه الصيغة بالدول الإسلامية برغم كل هذا الوقت؟ هل الخلل في المسلمين أفراداً في من يحكمهم أم في علمائهم ومفكريهم؟ وطبعاً في تقديري.. لا نستطيع أن نضع اللوم على الغرب والآخرين دائماً، وجزاكم الله خيراً.

د. حامد الأنصاري: شكراً دكتور خالد.

د. يوسف القرضاوي: أنا يعني أقول إن هذا يعني يدخل في ما أصاب المسلمين في القرون الأخيرة من تخلف وهذا التخلف كان في سائر نواحي الحياة، سواء كانت الحياة السياسة، أو الحياة الاقتصادية، أو الحياة الاجتماعية أو الحياة الفقهية والفكرية، يعني الجمود الذي حدث حتى في الفقه يعني أوجدوا التقليد والتعصب للمذاهب، ورفضوا الاجتهاد، وفي الحياة وفي الأدب حتى يعني المحسنات اللفظية وفي الصناعة يعني لم يعد هناك.. في العلوم، حصل موات عام في الأمة وللأسف كانت الأمة في القمة، كانت الحضارة الإسلامية هي الحضارة السائدة والرائدة في العالم، كنا نحن سادة العالم لعدة قرون، مش قرن واحد أو اثنين، وكان العالم يتعلم منا، كانت جامعتنا موئل الطلاب في البلاد الغربية والأوروبية، وكانت مراجعنا العلمية هي مراجع للعالم كله، ثم يعني بدأنا ننام وبدأوا هم يستيقظون، تخلفنا ونهضوا هم، يعني وحصل كلما يعني للأسف هم بدأوا في النهوض، ونحن بدأنا اتسعت الهوة، ولما جئنا في هذا العصر الحديث -للأسف- أدى ركودنا إلى إن البلاد الإسلامية استعمرت دخلها الاستعمار، والاستعمار حاول أن يغير من هوية الشخصية الإسلامية في.. في البلاد وأن يخضعها لقوانينه وتشريعاته، وثقافته، ومفاهيمه حاول يغير طبيعة الحياة عندنا، لو كان هناك يعني لولا.. لو كان دين غير الإسلام كانت الأمة ضاعت، ولكن القوة الذاتية في الإسلام قاومت، واستطاعت الأمة أن تقاوم وأن تطرد الاستعمار وأن تحرر بلادها، ولكن لازال إلى الآن لا يزال إحنا يحكمنا أناس يسيرون على خط الغرب وعلى خط الاستعمار القديم، خطه التشريعي، وخطه الثقافي، وخطه التعليمي، والتربوي والاجتماعي، فلازلنا محكومين بالغرب وبعدين من ناحية أخرى كلما ظهرت يعني حركة للإحياء الإسلامي، للتجديد، للبعث، للصحوة كما نسميها الآن، ضربت، يعني للأسف لم تمكن أن تصل إلى أن نقطف ثمرتها، الصحوة الإسلامية كانت ملء الأسماع والأبصار لعدة سنين قريبة، الآن تهاجم في كل مكان، لما يعني قالت صناديق الاقتراع عن إخواننا في.. في الجزائر إن الأغلبية للإسلاميين قالوا: لأ، الشعب غير واعي، الشعب غير ناضج، اختار من لا يستحقون، الله! يعني انتو دخلتوا يعني هذه اللعبة على أنه إذا نجح الإسلاميون يرفضون وإذا نجحتم أنتم تقبلون هذا؟! فهناك أسباب كثيرة لم تمكن الأمة من أن تمارس حقها في سيادتها وفي إقرار نظمها، نحن الآن نحاول أن نؤكد هذا الحق للأمة، وأول نجاح للأمة أن تتقرر هذه الحقوق بصراحة، وأن نجمع عليها، وألا نختلف فيها، ألا يأتي واحد ويقول: لأ، إحنا ما فيش فيه ديمقراطية.. أنا ما يهمنيش كلمة الديمقراطية أنا يهمني الحقوق والكرامة والحرية للإنسان، يهمني أن أقاوم الظلم والاستبداد والطغيان والتألُّه في الأرض، يهمني أن تكون الأمة هي سيدة نفسها وقرارها بيدها، وإذا قالت إن أنا أريد أن أحكم بالشريعة لابد أن تحكم فيها، كيف تقول الأمة أريد الشريعة ويأتي الحكام المستبدون ويقولون لها: لا، أنت لم تنضجي بعد؟! فهذا هو الذي نريده، ومن هنا نقول إنه لا مانع أن نأخذ من عند غيرنا، إذا كنا لم نستطع أن نفعل هذا خلال تاريخنا لظروف تاريخية وغيرنا وصل إلى هذا نأخذ من غيرنا " الحكمة ضالة المؤمن أنىَّ وجدها فهو أحق الناس بها".

د. حامد الأنصاري: جزاك الله خير الوقت يعني يكاد ينتهي، ومعنا مكالمة دكتورفؤاد العلوي من فرنسا، دكتور فؤاد، اتفضل.

د. فؤاد العلوي: السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

د. حامد الأنصاري: وعليكم السلام ورحمة الله.

د. فؤاد العلوي: مرحباً وسهلاً شيخنا الفاضل.

د. يوسف القرضاوي: حفظكم الله.

د. فؤاد العلوي: يعني سمعنا الحديث عن هذه المبادئ العظيمة للدين الإسلامي الحنيف، وخاصة موضوع الديمقراطية والإسلام، فنريد أن نعرف رأيكم في قاعدتين نراهما هامين في.. هامتين في.. في موضوع الديمقراطية والإسلام ألا وهي أولاً: قاعدة التعددية، التعددية، لأن هناك من يقول بأن لا تعددية في الإسلام، ألا ترون بأن التعددية الاجتهادية في قضية.. في داخل الإطار الإسلامي والدولة الإسلامية هو أمر من صميم هذا الدين؟ ثم مسألة التداول على السلطة ألا ترون بأن التداول على السلطة كذلك يعني في إطار يعني مبادئ يتفق عليها الجميع، هو من بين الأمور التي أتى بها ديننا الحنيف؟. ويعني نحن في.. في الأخير أقول بأن يعني يؤسفنا كثيراً عندما نرى من يقول بأن يعني لا يعني.. نحن نستعمل الديمقراطية أو أي اسم أردنا نطلقه عليها للوصول إلى السلطة، ثم نلغيها، ألا ترون بأن هذه ليست من أخلاق المسلم أولاً؟ ثانياً: أن هذا فعلاً يجعل مصداقية.. مصداقيتنا أمام الناس يعني قد تكون يعني ليست دون المستوى المطلوب؟ وجزاكم الله كل خير.

د. حامد الأنصاري: شيخنا عندنا أقل من دقيقة لنهاية البرنامج.

د. يوسف القرضاوي: والله أقل من دقيقة لا نستطيع فيها.

د. حامد الأنصاري: أعتقد..

د. يوسف القرضاوي: أن نجيب عن السؤال المهم، وأنا أرى إن الموضوع لم يستكمل عناصره بعد، هناك أشياء كثيرة منها من يقول إن الشورى معلمة وليست أيه.. ملزمة، هناك من يرفض رأي الأكثرية، ويقول إن هذا ليس من الإسلام في شيء، الإسلام الأكثرية بيعتبر الأكثرية ضالة (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) هناك أشياء في الموضوع أعتقد أنها تحتاج إلى تجلية، ومنها الرد على يعني سؤالي الأخ الكريم، فأعتقد إن أنا في حاجة إلى حلقة…

د. حامد الأنصاري: لدينا أسئلة يعني مكالمات كثيرة أيضاً تنتظر، ولدينا كم من الفاكسات، أيضاً كذلك.

د. يوسف القرضاوي: آه يعني نستطيع إننا نكمل في حلقة قادمة حتى نوفي الموضوع حقه، ولا حرج في ذلك.

د. حامد الأنصاري: نعم، أعتقد بهذه المناسبة، فضيلة الشيخ، يعني وجدت مقال في جريدة "الشرق" القطرية يعني في هذا اليوم طرح قضية الديمقراطية في العالم العربي، واستخدم مصطلح يعني الحقيقة يستخدم لأول مرة، وأراه.. سماه الديمقراطية الوقائية للباحث خالد الخاطر يلخص أوضاع الديمقراطية في العالم العربي، يعني يقول: هبت الديمقراطية على أوروبا الشرقية فتأمل الناس خيراً في العالم العربي أن رياح الديمقراطية قد تهب عليهم لكن يبدوا أنهم كانوا مخطئين فبالعكس في العالم العربي الديمقراطية رجعت إلى الوراء وأكثر من ذي قبل، والسبب في ذلك إن الديمقراطية في أوروبا كان الغرب يدعم الحركات الديمقراطية هناك، أو المطالبة بالديمقراطية بينما في العالم العربي وجدنا من مصلحة الغرب بقاء الأنظمة على ما هي عليه مع إلباسها نوعاً من الديمقراطية تكون ديمقراطية صورية تمارس المظاهر الديمقراطية، لكن تبقى سلطة الفرد باقية كما هي.

د. يوسف القرضاوي: يعني للأسف أنا أقول لك إن الغرب.. الغرب لا يؤيد قيام الديمقراطية لا في العالم العربي ولا في العالم الإسلامي، ولذلك في..

د. حامد الأنصاري: أعتقد فضيلة الشيخ نؤجل الموضوع للحلقة القادمة. انتهى الوقت الآن أيها الإخوة المشاهدون، نلتقي بكم -إن شاء الله- في حلقة الأسبوع القادم مع نفس الموضوع الإسلام والديمقراطية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.