الشريعة والحياة

حقوق الشباب في الإسلام

رؤية الإسلام لمرحلة الشباب، كيفية التعامل مع مرحلة المراهقة، أسباب تحريم الإسلام لبس الذهب والحرير للذكور، طرق إشعار الشباب بأهمية مرحلة البلوغ الجنسي، تقييم دور مؤسسات المجتمع المدني في تكوين الشباب، كيفية تقديم الثقافة الجنسية للشباب.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: مفكر وداعية إسلامي

تاريخ الحلقة:

14/11/1999

– رؤية الإسلام لمرحلة الشباب
– كيفية التعامل مع مرحلة المراهقة

– أسباب تحريم الإسلام لبس الذهب والحرير للذكور

– طرق إشعار الشباب بأهمية مرحلة البلوغ الجنسي

– تقييم دور مؤسسات المجتمع المدني في تكوين الشباب

– كيفية تقديم الثقافة الجنسية للشباب

undefined
undefined

ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحبًا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج (الشريعة والحياة) سيكون موضوع هذه الحلقة هو الشباب، كنا قبل مدة قد تطرقنا إلى الحديث عن حقوق المسنِّين في الإسلام، وفي الأسبوع الماضي تحدثنا عن الطفولة ورعايتها وحقوق الأطفال علينا، ولهذا اخترنا اليوم أن نتحدث عن المرحلة الفاصلة الرابطة بين الطفولة وبين كبر السن، ويُسعدني كالعادة أن يكون معنا هنا في الأستديو فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، دكتور يوسف أهلاً وسهلاً بك مجدَّدًا .

د.يوسف القرضاوي: أهلاً بك يا أخ ماهر، وبارك الله فيك.


رؤية الإسلام لمرحلة الشباب

ماهر عبد الله: لو ابتدأت بسؤالك عن نبذة ما بين كبر السن وبين الطفولة، هناك الشباب باختصار شديـد، رؤيتك أنت الخاصة للشباب ما هي؟

د.يوسف القرضاوي : بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد: الشباب هو مرحلة الحيوية الدافقة في عمر الإنسان دائمًا، وسط الشيء يكون أقواه، الشمس أقوى ما تكون في وسط النهار، والشباب هو مرحلة القوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، وأشار إلى هذا القرآن الكريم حينما قال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) فهو مرحلة القوة بين ضـعف الطفولة وضعفالشيخوخة؛ ولذلك كانت المسؤولية عن هذه المرحلة مسؤولية مؤكدة.

والإنسان يُسأل يوم القيامة عن أربعة أسئلة أساسية رئيسة منها، السؤال عن الشباب، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- " لا تزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" فهو يُسأل عن العمر عامة وعن الشباب خاصة، أين أنفق هذا الشباب وأيام الشباب وسني الشباب، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم" اغتنم خمسًا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" فأول ما ينبغي أن يهتم الإنسان به الشباب قبل الهرم وقبل الكبر.

ولذلك نجد القرآن الكريم أعطى لنا نماذج من الشباب ، كلٌّ في موقع معين من المواقع، فأعطى لنا الشـاب الثائر على الباطل المحطم للطواغيت وللأصنام، وذلك هو إبراهيم – عليه السلام – الذي حطم الأصنام بفأسه ، وحلف (تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) كان إبراهيم في ذلك الوقت كما قال القوم (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) كان فتى.

ورأينا الفتى الذي يقدم عنقه طاعة لله وامتثالاً لأمره وذلك هو (إسماعيل ) الذبيح، حينما قال له أبوه يا بني بعد أن بلغ معه السعي أصبح يعمل ويُرجَى من ورائه الخير للأسرة جاءه هذا الامتحان، البلاء العظيم كما فهمنا ، هذا لهو البلاء العظيم الامتحان الكبير (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: نواصل مع الدكتور يوسف القرضاوي، وهو يستشهد بقصة الفتى إبراهيم – عليه السلام- عندما رأى في المنام بعد ذلك مع ابنه أنه يذبحه فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ).

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا هو الشاب إسماعيل الذبيح على القول الصحيح، فحينما عرض عليه أبوه هذه الرؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي وإشارة من الله (إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)لم يتردد هذا الشاب، ولم يتلكأ، وقال بثقة المؤمن وإيمان الواثق (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) وكأنما فني عن ذاته ونسي نفسه، فلم يقل: افعل بي ما تؤمر، لا، كأن الأمر لا يتعلق به، وأنت تنفذ الأوامر التي عندك افعل ما تؤمر، ثم لم يَّدعِ أن هذا نوع من البطولة أو الشجاعة، ولكن قال (سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) فهذا نموذج من الفتيان.

ذكر لنا القرآن نموذجًا آخر، نموذج الشاب الذي يستعصي على المعصية وعلى الفتنة، والفتنة أمامه تراوحه وتغاديه وتصاحبه وتماسيه، وتعرض عليه نفسها يوسف – عليه السلام- هذا الشاب وهو في ريعان شبابه ومقتبل عمره، وقد عرضت عليه امرأة العزيز "راودته عن نفسه " والقرآن يقول (وَرَاوَدَتْهُ الَتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) يعني هي مالكة أمره، وهي صاحبة البيت، وهي سيدته، وهو شاب، وشاب غريب، الإنسان في حال الغربة يفعل ما يستحيي منه في بلده، وشاب عزب، وكل عوامل الفتنة موجودة عند يوسف، ومع هذا يوسف قال (مَعَاذَ اللَّهِ) عندما قالت (هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

وحاولت المرأة أن تغريه عندما دعت النساء في بيتها وعملت لهم الوليمة وقالت اخرج عليهن (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) من الدهشة (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) يعني اعترفت بصراحة (َلَقَدْ رَاوَدتُّهُ..) وكل ما يقال في قصة يوسف إنه كذا ، واضح القرآن تمامًا (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ) الأول لجأت إلى سلاح الإغراء ففشل سلاح الإغراء ، لجأت الآن إلى سلاح التهديد (لَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ) وهي امرأة قادرة أن تقول وتفعل ، النساء في مثل هذه الأنظمة الحاكمة لهن نفوذ، فما تستطيع أن تقوله ينفذه زوجها(العزيز).

وفعلاً هذا ما حدث (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) المهم أن يوسف كان مخيَّرًا – هذا الشاب- بين محنتين: محنة الدنيا، ومحنة الدين، محنة الدنيا أن يسجن ويكون من الصاغرين، ومحنة الدين أن يزني ويكون من الفاسقين، ولكنه آثر محنة الدنيا على محنة الدين، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.

فهذا نموذج من نماذج الشباب، ولمَّا دخل السجن- أيضًا – ظل مستمسكًا بدعوته، يعني انتهز أن الله آتاه يعني تعليل الأحاديث وتأويل الأحاديث، تفسير الأحلام، فاتخذ من تفسير الأحلام وسيلة لدعوة الناس إلى الله، يفسر الحلم ويقول (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكـْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) إلى آخره (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ) شاب، ولكن ظل مستمسكًا بدعوته وهو داخل السجن.

القرآن ذكر لنا أيضًا شابـًّا آخر أتاه الله الحكمة منذ الصبى وأتاه العاطفة النبيلة وأتاه التقوى وهو يحيى –عليه السلام– ابن زكريا (يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِياًّ (12) وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِياًّ (13) وَبَراًّ بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِياًّ) هذه نماذج كلها، كل واحد يعطينا مثلاً في قضية من القضايا، أو في جانب من الجوانب..

ماهر عبد الله [مقاطعًا]: اسمح لي هنا بالمقاطعة، هذه نماذج -بلا شك- مشرقة ومتميزة وتمثل لنا قدوات، في علم التربية الحديثة هم يتحدثون عن الرموز، وأثرها في التربية، باعتقادك كيف يمكن أن نجعل من الفتى إبراهيم -عليه السلام- ومن يوسف الشاب، ومن يحيى نماذج يُتأسى بها عند الشباب.

د.يوسف القرضاوي: حينما تكون هذه هي الأشياء المعروضة على الشباب، إنما المشكلة حينما نجد أن الشباب يجهل هذه الرموز، ويجهل سير هؤلاء الناس ولا يعرف إلا الرجل الذي يغني هذا المهبول "اللي بيقول مش عارف إيه والهيبز والخنافس" كل هذه الرموز مغيبة تضيع القدوة، ولا يجد الشاب من يقتدي به، ولذلك في المهم الثقافة نحن تكلمنا في المرة السابقة عن ثقافة الطفل، عايزين ثقافة الشاب، الثقافة المغذية النافعة لا الثقافة الملغومة، ولا الثقافة المسمومة، ولا الثقافة الغازية للأفكار والعقول.

فنحن بحاجة إلى ثقافة إسلامية عربية تُقدَّم للشباب وسيد الشباب محمد – صلى الله عليه وسلم- الشاب الطاهر المستقيم المكافح حينما ننظر إلى سيرة النبي– صلى الله عليه وسلم– تجده في شبابه كان مثلاً يحتذى، هو من قريش ومن ذروة قريش، ومن بني هاشم وجده عبد المطلب سيد مكة، ومع هذا ..هذا الشاب يأبى إلا أن يكسب عيشه بكد يمينه وعرق جبينه، ويعمل راعيًا للغنم، وهو من أعظم قريش وأوسطهم ونسبًا حسبًا ، يشتغل راعيًا للغنم، ثم يشتغل بالتجارة وهكذا.

هذا الشاب ولم يشارك في لهو ولا باطل، رغم أن الحياة كل شيء فيها كل شيء فيها كلأ مباح، يعني الخمر مباحة، والنساء مباحة، واللهو، والباطل، والسهرات الماجنة، كل هذا كان موجودًا، وشباب مكة غارق في هذا، الله -سبحانه وتعالى- عصمه من هذا وحماه من أن يقع في لوثات الجاهلية ، هذا الشاب هو أيضًا نموذج.


كيفية التعامل مع مرحلة المراهقة

ماهر عبد الله: اسمح لي هنا بسؤال ، النماذج التي تحدثنا كلها للأنبياء اختارهم الله، يعني بالتعبير القرآني وصنعهم على عينه، هذا النموذج هذا الحد الأقصى فيما يمكن للشاب أن يعطي، لكن الحقيقة أن على؟؟ التالية بأنه هذا الشاب يترك طفولة، وبالتالي يكبر عن أقرانه في الصغر الذي هم أصغر منه سنًّا، وبالتالي يصبح مرفوضًا؛ لأن جسمه بدأ يتغير، وشنب، وبعض الشعر في بعض.. الكبار -أيضًا- لا يقبلونه بسهولة؛ لأنه اعتادوا عليه طفلاً، كيف نزاوج بين هذا النموذج الراقي الذي قدمه الأنبياء وبين هذه المرحلة الانتقالية من الطفولة العادية بكل الضعف البشري الذي فيها؟

د.يوسف القرضاوي: هذا أمرٌ عادي، وهو منطق الفطرة، ليس أمرًا غريبًا ولا خارقًا للعادة، إن الإنسان ينتقل من الطفولة إلى الشباب، هذا سُلَّم نمو طبيعي، الإنسان منذ كان جنينًا في بطن أمه، حتى وهو جنين كان نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم يخرجكم طفلاً، والطفل يبدأ رضيعًا ففطيمًا فصبيًّا فغلامًا فيافعًا فشابًّا فكهلاً، هذا كله ولا يوجد هنا فاصل محدد، أنت الآن في نمو طبيعي، فلابد أن يقبله الجميع، وهذا الأثر الذي ذكرناه في الحلقة الماضية يقول لك "لاعب ابنك سبعًا، وأدبه سبعًا، وآخيه سبعًا " الذي هو آخيه يعني عامله كأخ لك وصديق، يعني في سن الرابعة عشر الذي هو مرحلة المراهقة، مراهقة الشباب يدخل دخولاً في مرحلة الشباب، فلابد أن نوسع صدورنا، ونوسع آفاقنا لهذه المرحلة ونستغل الجوانب النفسية عند الشباب في هذه المرحلة إنه يحب أن يثبت ذاته، يحب أن يظهر رجلاً، عنده طموحات كذا، عنده عاطفة متأججة، نستغل هذه الأحوال البطولة وهذه الأشياء لنوظفها في الخير لا في الشر.

ولذلك كان أصحاب رسول الله شبابًا، معظم الصحابة كانوا شبابًا، بعضهم..كان علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام حينما جاء الإسلام كانوا في العاشرة أو دون العاشرة، والآخرون كانوا أكبر قليلاً، أكبر واحد من الصحابة كان أبو بكر وكان عمره سبعًا وثلاثين سنة؛ لأنه أصغر من النبي –صلى الله عليه وسلم- بما يقرب من ثلاث سنين والباقي عمر أصغر بعشر سنين، وهكذا، وعلي أصغر وأصغر.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- وظَّف هؤلاء الشباب في خدمة الدعوة الجديدة والرسالة الجديدة، ونجد أتباع الأنبياء هم كما قال الله تعالى عن أتباع موسى (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ) ذرية يعني نابتة جديدة، أصحاب الكهف هؤلاء أيضًا كما ذكرنا أصحاب الكهف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).

فبالعكس الشباب هم أقرب الناس إلى اتباع الحق، يعني تعرف الطفل عنده أنانية، الطفل ما يحبش أحدًا يأخذ حاجته حريص عليها ويقاتل دونها ويبكي ويصرخ، لا الشباب ليس عنده هذه الأنانية التي عند الطفل، يعني الشاب أحسن حالاً من الطفل، وعنده كما قلت لك طموحات وأحلام وآمال فالمهم من يوظف هذه القوة وهذه الجوانب المكنونة والمخزونة في نفسية الشاب للحق لا للباطل وللخير لا للشر، وهذا ما فعله الأنبياء – عليهم السلام- وهذا ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم- وهذا هو واجبنا أن نستغل هذه الأشياء لخدمة أوطاننا، لخدمة ديننا، لخدمة قيمنا.

ماهر عبد الله: فضيلتك ذكرت عمر بن الخطاب أيام كان شابًا، لكن عمر -رضي الله عنه- له مقولة لها علاقة بموضوعنا هذا، وذكرت في معرض كلام فضيلتك أنه الشاب يريد أن يستقل.. يريد أن يثبت نفسه، مقولة عمر أنه خلقوا لزمانٍ غير زمانكم، تمر لحظات اصطدام بين الشاب وبين ذويهم الذين درجوا في ثقافة أخرى، وتعودوا على عادات غير العادات ففيه نصائح تقدمها لهم؟

د.يوسف القرضاوي: هذه أولاً المقولة هي مقولة لعليٍّ –رضي الله عنه-وليست لعمر "لا تكرهوا أولادكم على عاداتكم وعلى أعرافكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم"، وهذه في الأطفال حقيقة مش في الشباب، الطفل وأنت تربيه وتنشئه لا تنشئه، لا تلزمه بأن يكون نسخة منك ومن عاداتك ومن كذا، لأن العادات والأعراف تتغير ودا حكمة بالغة وبصيرة نيرة من عليّ –رضي الله عنه- إنه عرف إن الناس تتغير بتغير الأزمان.

وإن الأزمان تتغير والأعراف تتغير، فلا تكره أولادك على الأشياء التي أنت..ودا اللي بنشوف اختلاف الأجيال بعضهم مع بعض، يعني أنا شيء وأبي وجدي كانا شيئًا آخر، أولادي غيري الآن، يعني رغم أنا اللي مربيهم إنما أصبحت لهم تطلعات، وأصبحت لهم مفاهيم وأصبحت لهم عادات غير ما نشأنا عليه.

ولا مانع من هذا ما دامت لا تصادم قيم الدين ولا أخلاق الدين ولانصوص الدين، لا مانع من تغير هذه الأشياء وديننا يتسع لهذا التغير وهذا التطور، فهذه القضية هي مقولة للأطفال، ويمكن أن تقال في الشباب أيضًا، إنه أيضًا الشباب، لابد أن نراعي أن الزمن تغير، ما في داعي أنني ألزم الشباب بمثل ما كنت ألتزم أنا به تمامًا؛ لأن الوضع تغير، فلابد أن يكون عندنا مرونة في هذه الأمور بحيث لا نضع الشباب في قوالب حديدية، يوجد بعض الناس يريد أن يضع أولاده كأنهم هو، إنما صُبوا في قالب لا يجوز الخروج عنه، ويضع لهم كده تعليمات، يعني واحد، اثنان، ثلاثة، لا، ليست الأمور بهذه الطريقة.

هناك ثوابت لا يجوز الخروج عليها، وهناك متغيرات يجوز التسامح فيها، ومن المهم جدًّا أن نفرق بين الثوابت والمتغيرات وخصوصًا في التعليم والتربية.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: نتابع حديث الشيخ عن الثوابت والمتغيرات التي يجب على الآباء والأمهات مراعاتها وهم يوجهون أبناءهم في عمر الشباب، تفضل يا شيخ.

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، من المهم فعلاً أن نستغل طاقة الشباب، الشباب طاقة فلابد أن نجد لها تصريفًا، وإذا لم نصرفها في الحق سيصرفها في الباطل، فلابد أن نهييء للشباب ما يمكن أن يشغل به نفسه، ولذلك من أخطر الأشياء التي يواجهها الشباب الفراغ، فراغ الوقت من العمل إذا انضم إليه فراغ النفس من الطموحات والآمال الكبيرة، وفراغ القلب من التقوى، وفراغ الرأس من العلم والفكر، فيكون هناك خطر ولذلك أبو العتاهية في (..) الشهيرة يقول:

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

شباب وفراغ وجدة يعني معه فلوس، ولذلك الشباب في بلاد غنية مثل بلاد الخليج، آباؤهم دائمًا يعطونهم ما يطلبون من الأموال مع الشباب والفراغ هذا خطر كبير جدًّا، فلذلك لابد أن نملأ هذا الفراغ، الفراغ هو في الواقع ونعمة كالصحة، النبي-عليه الصلاة والسلام- يقول في الحديث الذي رواه البخاري "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" ولكن النعمة ممكن تنقلب نقمة إذا لم نستخدمها فيما خلقها الله لها، فلابد أن نحاول أن نوجد لهذا الفراغ ما يشغله، فكيف نشغل هذا الشباب؟ لابد أن نشغله بأشياء نافعة لنفسه، نافعة لأسرته، نافعة لمجتمعه الخاص، نافعة لمجتمعه العام، نافعة لدينه.

وهذا مهمة المربين، ومهمة المفكرين، ومهمة العلماء أن يهيؤوا هذا للشباب، وليس معنى هذا أن نُعيِّش الشبابَ كله في جد على طول، لا، لابد أن نهييء له أيضًا بعض اللهو:

النفس تسأم إن تطاول جدها فاكشف سآمة جدها بمزاح

وسيدنا الإمام علي -رضي الله عنه- يقول "إن القلوب لتمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة، إن القلب إذا أُكره عمي "ويقول أبو الدرداء" إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو ليكون أقوى لها على الحق؛ لأن النفس بحاجة أنها تستريح وتستمتع ببعض المباحات حتى تنشط وتقوى على السير الطويل فلابد أن نهييء ذلك لشبابنا وهذا لا تقوم به الأسرة وحدها كما قلنا.

ماهر عبد الله: في الحلقات السابقة .

د.يوسف القرضاوي: كما قلنا بالنسبة للطفل، الأسرة لا تستطيع أن تهييء ثقافة مناسبة للطفل، لابد أن يساعدها المجتمع على إنشاء مكتبة للطفل، ونادي للطفل، لابد أيضًا أن نهيئ مكتبة الشباب وأندية الشباب، يوجد عندنا ما يعرف الآن باسم مؤسسات رعاية الشباب، وهذا أمر مهم جدًّا، وفي كل بلد فيها هذه المؤسسة وفيه وزارات للشباب، وزارة للشباب، ولكن رأيت للأسف أكثر هذه المؤسسات والوزارات تُعنى بجسم الشاب قبل أن تُعنى بعقله، وتُعنى بروحه وتُعنى بخلقه، كأن الإنسان هو عضلات فقط، ويا ليتها تُعنى حتى بكل نواحي جسمه، يعني تُعنى بلعبة الكرة، كرة القدم، هل الإنسان هو البدن وحده؟وهل البدن حاجته الرياضة فقط، هل الرياضة تمثلت في الكرة فقط؟ لابد من التوازن، فلذلك التربية التي نريدها للشباب تربية متكاملة، أن نربي جسمه بالرياضة، ونربي عقله بالثقافة، ونربي روحه بالعبادة، ونربي خلقه بالفضيلة، ونربي الجانب السياسي فيه بالتوعية، ونربي الجانب العسكري فيه بالخشونة، حتى ينشأ إنسانًا قويًّا متوازنًا، لماذا الإسلام حرَّم على الشاب أن يلبس الحرير ويتحلى بالذهب؟

[فاصل إعلاني]


أسباب تحريم الإسلام لبس الذهب والحرير للذكور

ماهر عبد الله: فضيلة الشيخ، لماذا حرم الإسلام الحرير والذهب على الذكور؟

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول هذا، لأن الإسلام يريد أن يحتفظ للرجل برجولته، وللأنثى بأنوثتها، فلا تذوب الفوارق، الله خلق الزوجين الذكر والأنثى، ولا يجوز أن يؤنث الذكر، ويذكر الأنثى، ولا يجوز يتخنث الرجال أو تسترجل النساء، فمن أجل ذلك جاءت هذه، حرم على الشاب أن يتحلى بالذهب، وأن يلبس الحرير الخالص، وأجاز ذلك للأنثى لأن طبيعتها التجمل، إنما لابد أن

يبقى الشاب محتفظًا بهذه الخشونة، ولذلك نقول إحنا التربية لابد أن تستبقي هذه الخشونة.

وهناك قصيدة للشاعر العربي الكبير محمود غنيم عن الشباب، شباب العرب يقول فيها:

شباب العرب يا زين الشـ باب ويا أشبال آساد غضـاب

أرى منكم فريقًا حين يمشي يحك بأنفـه مـتن السحاب

كليث الغاب في صلف وكبر وليس لدى الكريهة ليث غاب

تفنن في محـاكاة العذارى وخالفهن في لبـس النقـاب

كان العذارى زمان يلبسن النقاب، دلوقتي حتى لا يلبسون نقابًا، ولا..!المهم من ضمن الكلام الذي يقوله، يتكلم عن هذا الشباب الطري الرخو هذا:

ولا يخشى على شيء ويخشى إذا ثار الغبار على الثياب

الأناقة لا مانع ،"إن الله جميل يحب الجمال." إنما لا يكون هذا هو الهدف، فنريد هذا الشاب الشاعر يقول:

قطرات النسيم تجرح خديه ولمس الحرير يدمي بنانه

دا الشباب يصلح لأي مهمة؟! هذا يصلح للدفاع عن أمة؟! يصلح للدفاع عن حرمة؟! لا يصلح، ولذلك نحن نريد التربية المتكاملة للشباب، ويجب أن يتعاون المجتمع مع الأسرة في هذا التكوين وفي هذه التربية، حتى يستطيع الشباب أن ينهض لأعداء الأمة.

الذي ينهض بآمال الأمة هو سواعد الشباب، وهمم الشباب، فإذا ضاع الشباب ضاعت الأمة، إذا أردت أن تعرف مستقبل الأمة، انظر ماذا يفعل شبابها، إذا كان شباب متسكعًا في الطرقات، مهمته يعاكس الغاديات والرائحات، إذن هذه الأمة ليس لها مستقبل، إنما إذا رأيت الشباب مهتمًّا يملأ رأسه بالعلم، ويملأ قلبه بالتقوى، يملأ حياته بالجد ويستفيد..هذا هو الشباب الذي يؤمل فيه الخير لنفسه ولأسرته ولأمته.


طرق إشعار الشباب بأهمية مرحلة البلوغ الجنسي

ماهر عبد الله: اسمح لي أردك إلى مرحلة فاصلة في بداية عمر الشباب، ذكرت أنت الذكور والإناث، ذكرت الطاقات التي يجب تصريفها في أوجه الخير وإلاّ قادت إلى الفساد، وأيضًا ذكرت التربية المتكاملة، يعني ما يميز دخول الإنسان في مرحلة الشباب هو البلوغ الجنسي، وبالتالي الشاب يلاحظ على نفسه والفتاة تلاحظ على نفسها..أنت كعالم زرت البلاد، فضيلتكم التقيتم بشباب، التقيتم بآباء والتقيتم بأمهات، خلاصة تجربتك في هذه الحياة، أحسن طريقة لإشعار الشباب بأهمية هذه المرحلة، مرحلة البلوغ الجنسي لدى الشباب؟

د.يوسف القرضاوي: أهم ما نستطيع أن نعالج به هذه المشكلة ألاَّ ندع الشاب وحده، لا ندعه يعيش هذا الأمر وحده، أو لأصدقاء السوء الذين قد يعطونه مفاهيم خاطئة أو مفاهيم منحرفة، فحاول أن توجد له البيئة الصالحة، ويعيش في هذه البيئة وهي تعاونه على الخير، عندما كنا شبابًا كنا مشغولين بالدعوة إلى الإسلام وبهموم الأمة وبتحرير الأوطان، وبقضايا كبرى، ما شعرناش بهذه الأزمة التي شعر بها الكثيرون، فإذا كان الشاب مشغولاً بهموم كبرى، فهذه تجعله يفكر في هذه الهموم وفي هذه القضايا، وينسى قضية البلوغ والشهوة والغريزة الجنسية، وهذه موجودة، إنما لا تملك عليه نفسه، ولذلك نجد النبي –عليه الصلاة والسلام- رأيناه يشغل الشباب ، وخصوصًا الشاب الذي يرى فيه نوعًا من التألق، فمن أول الأمر يصله بالجهاد، وكان الأمة لأنها أمة رسالة جديدة كان الشباب مشغولين بها حتى كان يتنافس بعضهم على بعض، أحدهم يمسك السيف ويقول له أنت قصير، يقول له أطيله بخطوة إلى الأعلى أو خطوة إلى الأمام، وسيدنا عبد الله بن عمر ييجي في إحدى الغزوات، ويقدم نفسه للرسول ويرجعه يقول له أنت ما زلت صغيرًا، وفي الغزوة التي تليها يقبله، يقبل رافع بن خديج فيذهب سمرة إلى أبيه أو زوج أمه ويشكو له إن النبي- صلى الله عليه وسلم- أجاز رافعًا وردني، وأنا أصرع رافعًا، قال له أنا عندي..فجاء إلى رسول الله وقال له يا رسول الله أنت أجزت رافعًا ورددت سمرة ، وسمرة يصرع رافعًا -أي قويًّا- فالنبي -عليه الصلاة والسلام- طب تعالوا قدامي كده وعمل لهم تجربة مصارعة، فصرع سمرة، قال له خلاص أجزتكما، شوف كيف أنهم يتنافسون على أي شيء، فلابد أننا نوجد طموحات للشباب نشغله عن هذه الأمور، ومع هذا عندنا أيضًا توجيه النبي، عليه الصلاة والسلام "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ولذلك كان المسلمون في الأزمنة الماضية يزوجون أبناءهم وبناتهم صغارًا تحصينًا لهم، الآن يعني لم يعد هذا ميسورًا لكل الناس خصوصًا مع التعليم، لأن الولد يتعلم والبنت تتعلم، فيقول لك أن هذا يشغلني، وبعدين المشكلة إنه يريد أن يتزوج، يكون له بيت خاص، فكيف يكون له بيت خاص، وهو ابن خمس عشرة سنة، أو سبع عشرة سنة، يعني عملية صعبة، كان زمان يتزوج ويكون في بيت العائلة، كل ما يحتاج إليه حجرة، وعايش مع أمه وأبيه، ومع إخوانه وأعمامه.

الحياة الحديثة ما عادت تسع، فلابد أن يؤخر الزواج قليلاً، ولكن لا يتأخر كثيرًا، يعني من العشرين أو اثنين وعشرين عندما يتخرج الشاب من الجامعة في سن الواحد والعشرين أو اثنين وعشرين نهيئ له فرص الزواج، ونيسر أمر الزواج، مشكلتنا أننا نضع العوائق والعقبات في طريق الحلال، على حين الحرام يعني كل شيء يعني ميسر فيه، طريق الحرام مفتوح، وطريق الحلال مغلق ومسدود، على عكس ما يريده الشرع منَّا، فلابد أن نيسر طريق الحلال، إذ يتزوج الشاب أو في أول فرصة تتيسر له لنعصمه ونبعده عن ما يسخط الله تبارك وتعالى.

ماهر عبد الله: تسمح لي هنا بأخذ رأي الدكتور عبد المجيد القطما من لندن، دكتور عبد المجيد، دكتور عبد المجيد معنا، يبدو أن الدكتور عبد المجيد..الخط ليس واصلاً معه، كما يجب أن يكون كان معنا على الخط ولكن انقطع، مشكلة الزواج .. حل الزواج حل الحلال مختصر مفيد إذا لم يتوفر، في البيئة العصرية التي..

د.يوسف القرضاوي :ليس هناك إلا الإعلاء، يسمونها العلماء … أنها الغريزة ونسموا بها على أننا نشبعها بأي طريقة ولو بالحرام، وهذا ميزة المجتمع المسلم عن المجتمع الغربي، ميزة الحضارة الإسلامية والأمة الإسلامية عن الحضارة الغربية، هناك الشهوات متاحة وأكثر من الشهوات للأسف، يعني حتى زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، والاستغناء بكل جنس عن الجنس الآخر، وهذا ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لأن الله خلق الرجل محتاجًا إلى المرأة، والمرأة محتاجة إلى الرجل (بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ) أي المرأة من الرجل والرجل من المرأة، هو يكملها وهي تكمله، فلا يستغني أحدهما..وبذلك تبقى الحياة البشرية، ويستمر النوع الإنساني، إنما لو اكتفى كل جنس بجنسه ما بقيت الحياة ولا استمر هذا النوع، فلابد..إننا نحاول، إننا نُعلي الغريزة عند الشاب، ونضع أمامه مُثلاً عليا، فيشغل نفسه بها، وآمالاً كبارًا، ليس هناك بديل غير هذا، كما قلت لك إن الشاب في الحياة الإسلامية الأولى، ما كان يفكر في هذا، لأن الشاب أسامة بن زيد عمره سبع عشرة سنة ويؤمره النبي –صلى الله عليه وسلم- على جيش محمد بن القاسم بن محمد الثقفي سبع عشرة سنة ويقود جيشًا يفتح بلاد الهند ويقول الشاعر فيه:

إن السماحة والمروءة والندى لمحمد بن القاسم بن محمـد

قاد جيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدد من مولد

محمد الفاتح كان عمره تسع عشرة سنة ويفكر في فتح القسطنطينية، لما آل إليه الأمر بعد أبيه فتحها وهو في الثالثة والعشرين من عمره، الإمام الشافعي أفتى وهو ابن السابعة عشر، بدأ يفتي الناس حسن البنا في عصرنا هذا، أقام دعوة إسلامية كبرى وهو ابن العشرين أو الحادية والعشرين، لما كان يمتحنه معلموه في دار العلوم الامتحان النهائي ويسألونه عمَّا يحفظ من شعر، فقال له الأستاذ أتحفظ معلقة طرفة بن العبد؟ قال:نعم، قال:ما البيت الذي أعجبك فيها؟ فقال له:

إذا القوم قالوا ما الفتى خِلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

فقالوا عن هذا سألناك، يعني إذا قالوا..قال: أنا..يعني نريد هذا الطموح في الشباب إذا الشاب شغل طرق لهذا، وشغل بهذا، لن تشغله القضية الجنسية.

ماهر عبد الله: طيب يبدو أن الدكتور عبد المجيد القطما عاد معنا على الخط، دكتور عبد المجيد، أهلاً بك.

د.عبد المجيد القمطا: السلام عليكم، يا مرحبًا كيف حالكم؟

ماهر عبد الله: الله يبارك فيك.

د.يوسف القرضاوي : بارك الله فيك يا دكتور.

د.عبد المجيد القمطا: الله يعطيكم العافية وأنا فاتني، فاتني سماع الحلقة، لأني في وضع لا أرى الجزيرة الآن.

ماهر عبد الله: يا سيدي أنا كنت بأسألك فقط أنت طبيب نفسي، وتتعامل مع الشباب ومع حالات في أعمار حساسة قليلاً، يعني دور المتغيرات الجسدية التي يعاني منها الشاب أو الفتاة في الوصول إلى الاستقرار أو في الوصول إلى ما يتحدث عنه فضيلة الدكتور القرضاوي من طموحات عالية، يجب أن نسمو بالشباب إليها، هل لهذه التغيرات أثر في نفسية الشباب؟

د. عبد المجيد القطما: والله موضوع الشباب نشكركم عليه، يعني الشباب مستقبل الأمة –كما تعلمون-، هذا موضوع حيوي وطيب، وكما ذكرت فاتني سماع ما ذكر سابقًا، ولكني أقول بشكل عام يعني عند الشباب والمراهقة وخاصة عند اندفاق الهرمونات الجنسية كما تعلمون بعد المراهقة والشباب، فهناك يعني طاقة قوية وحركة عند هذا الشاب، وحسب الخلفية، وحسب التربية السابقة –كما ربما أشار الدكتور العلامة يوسف القرضاوي – حسب التعليم السابق والخلفية والجو الإسلامي ممكن هذه الطاقة والنفسية القوية المتحركة في..في السنوات الأولى من الشباب أن تتجه اتجاهًا إسلاميًّا سليمًا، وإلا –والعياذ بالله- كما نرى في الشباب في الغرب عندنا في بريطانيا، والشباب وللأسف في كثير من بعض الدول العربية والإسلامية حرمان وفقدان التحصين الديني الإيماني الإسلامي يعطينا..يعطينا آلاف ومئات الآلاف من المرضى النفسيين من الشباب، الذين يغرقون بالمخدرات أولاً، وبالكحول ثانيًا، وبالانحرافات الجنسية العجيبة عندنا منتشرة الآن، طبعًا الشباب ممكن..

ماهر عبد الله[مقاطعًا]: دكتور عبد المجيد، دكتور عبد المجيد، لو سألتك سؤالاً طبيًّا آخر إنه في بعض العلماء الذين يدرسون هذه المرحلة يتحدثون عن فقدان ما يسمونه بالتآزر الحركي، نتيجة اختلال الهرمونات يفقد الشاب السيطرة على أعضاء جسمه، وبالتالي مثلاً الفتاة في أيام دورتها الأولى قد تكثر من تكسير الصحون وإيقاع الأشياء من يديها مما يسبب لها التقريع واللوم، لو فهم الآباء أن هذا الأمر طبيعي ربما كان اللوم والحرج أقل على الفتاة.

د.عبد المجيد القمطا: والله إذا أنتم تشيرون إلى الشابات الآن هذا موضوع مرافق لموضوع الشباب، لا شك هو في الغرب كشف ما يسمى (بري ماتوروا تنشن) Prematuratension الضغط العصبي والنفسي قبل العادة ربما بداية العادة، لا شك فيه عندنا أوصاف حوالي مائة عارض ما نسميه (Symptom) من قلق من اضطراب من عنف، من غضب، وما شابه ذلك هناك، هذه تحصل مش لكل الفتيات عادة، لبعض الفتيات وكثير من الفتيات كما وجدت في الغرب، يحصل أشياء عجيبة تضطرب فيها الفتاة أو المرأة قبل العادة الشهرية أو مع العادة الشهرية.

بس بالنسبة لموضوع الشباب، الرجال بالذات خلينا نركز عليه كمان، أعتقد هذا هو الهوجان الجنسي، لأننا نعيش في مجتمع إباحي، في الغرب وللأسف ينتشر في بلاد العرب والمسلمين، فالإثارة الجنسية قوية، والزواج غير مسهل وصعب في كثير من البلدان، الرسول -صلى الله عليه وسلم-قال بصراحة "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" فأنا أرى من أهم النقاط الكبرى لتهدئة الشباب، لإعطائهم مستقبلاً رائعًا هي في إقصاء وإشباع هذه الغريزة الجنسية بالحلال طبعًا، وتسهيل ذلك من الحكومة ومن الدولة ومن الوزارات حتى تستقر وترتاح هذه النفوس وتكون قوة فاعلة في المستقبل..


تقييم دور مؤسسات المجتمع المدني في تكوين الشباب

ماهر عبد الله[مقاطعًا]: دكتور عبد المجيد، أتقدم لك بجزيل الشكر على هذه المداخلة القيمة، فضيلة الدكتور القرضاوي، كنت أنت ذكرت مؤسسات رعاية الشباب، وذكرت أن العائلة وحدها – أيضا – لا تكفي في معرض السياق الأول، تصورك الرديف للأسرة كيف يبنى، عندنا وزارات تربية يفترض أن نسلمها أبناءنا، تقييمك أنت لما جمع وسائد في العالم العربي من تربية للشباب هل تخدم، أم فيها نقاط ضعف؟

د.يوسف القرضاوي: نقاط الضعف في تربية الشباب وتكوينهم ورعايتهم تتمثل في عدة أشياء أولاً: كما ذكرت أن بعض المؤسسات أو أكثر مؤسسات رعاية الشباب لا تهتم إلاَّ بجانب واحد، هو الجانب الجسدي، أنا حقيقة أشكر رعاية الشباب في قطر أنهم اهتموا بالجوانب الأخرى غير الجوانب البدنية، اهتموا بجانب الثقافة، واهتموا بجانب الدين والرعاية الدينية، وهذا أمر مهم، إنما في كثير من بلادنا العربية ليس للدين ذكر، وليس للثقافة ذكر، ويشغلون الناس وكأن هذا أمر مقصود، يعني وخصوصًا البلاد التي لا يوجد فيها حرية، يريدون أن يشغلوا الناس بالاختلاف، وليس هنا.. لا يوجد اختلاف سياسي، فيبقى اختلاف الناس على الأندية، دا مع النادي الفلاني ودا مع النادي الفلاني، هذا قصور من هذه الناحية.

ومن ناحية أخرى المسؤولون عن الجانب الديني، أيضًا هذا التقصير يعني، وزارة الشؤون الدينية، أو الأوقاف، أو المساجد، أو الدعوة، أو المؤسسات العلمية الدينية، لا تقوم بواجبها أيضًا في تعليم الدين الصحيح، وفي إيقاظ عقل الإنسان المسلم على الإسلام كما أنزله الله، وكما دعا إليه رسوله، وكما فهمه الصحابة، الفهم المتوازن المتكامل.

أيضًا هناك شيء ثالث، إنه لا يوجد تناسق بين هذه المؤسسات بعضها وبعض، يمكن أنا أخطب خطبة في المسجد في موضوع، ثم يأتي التليفزيون بمسلسل أو بفيلم أو بمسرحية تهدم هذا الأمر، المطلوب إن مؤسسات المجتمع أو مؤسسات الدولة يكمل بعضها بعضًا، بحيث لا يبني هذا ويهدم ذاك، وإلا لا يمكن أن نصل إلى نتيجة، الشاعر العربي يقول:

متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم!

لا يمكن الواحد يبني والثاني..وخصوصًا أن الهدم أسهل من البناء، أيضًا الشاعر يقول:

ولو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم

يعني ألف واحد يبني وواحد يهدم يقدر يهدم ما يبنيه الألف، كيف كذا إذا كان الأمر بالعكس، وخصوصًا في عصرنا الهدم ليس بالفؤوس والمعاول، الهدم بالألغام، وهذا في الماديات وفي المعنويات، لأن إحنا الهدم الآن سهل جدًّا وبآلات جبارة، تستطيع أن تنقل الشر بسرعة، وأن تشعل النار في الآفاق، فلابد أن يكون عندنا مقاومة على مستوى هذا الهدم، فهذه الجهات المختلفة، التربية والتعليم، التي تأخذ الطفل من الحضانة إلى الجامعة، الإعلام الذي يدخل على الناس بيوتهم ومخادعهم -أيضًا- عليه مسؤولية.

ماهر عبد الله: أنا سأسألك عنه هذا لاحقًا، لأنه عندي سؤال اسمح لي بمكالمة من الأخ لطفي الزيتوني أخ لطفي الزيتوني، تفضل.

لطفي الزيتوني: مرحبًا.

ماهر عبد الله: تفضل.

لطفي الزيتوني: حيّا الله الأخ ماهر، السلام عليكم فضيلة الشيخ.

د.يوسف القرضاوي: عليكم السلام -يا أخي- ورحمة الله.

لطفي الزيتوني: أنا باسمي وإخواني من كثير من إخواني التونسيين أودُّ أن أعتذر عما صدر عن بعض الذين اتصلوا من تونس وأساءوا الأدب ، ونريد أن نؤكد لفضيلة الشيخ أن هؤلاء لا يعدون أن يكونوا شواذًّا يحفظون ولا يقاس عليهم، ولا أدل على مكانة الشيخ في قلوب التونسيين من الإقبال الشديد على هذا البرنامج ، الذي يشغل حديث الناس صباح الاثنين في كل النوادي والإدارات والمعاهد، عندي سؤال.

ماهر عبد الله: تفضل.

لطفي الزيتوني: يتعلق بأهمية الرمز في تربية الشباب، وفي هذا الإطار لا يخفى على فضيلتكم الدور الذي تلعبه الصورة في صياغة الرأي العام وصناعة الرموز خاصة في الغرب، وحتى وصل الأمر حتى إلى صناعة الحكام، والملاحظ رغم هذا أن الاجتياز الإسلامي ما زال قاصًرا في هذا المجال، فالسينما والتليفزيون ما زال يُنظر إليهم وبحذر شديد، ولم تتحول بعد في الأدبيات الإسلامية إلى وسيلة لنشر الدعوة.

ثم من ناحية أخرى يمنع تصوير الرموز الإسلامية كالصحابة فضلاً عن الأنبياء مما يسبب فقرًا كبيرًا في المادة الإسلامية ويقصرها على دروس ومواعظ لا تشد الشباب رغم أهميتها، فما رأيكم فضيلة الشيخ في ذلك ؟

ماهر عبد الله: مشكور يا أخ لطفي، تسمح لي بس يوجد هنا عندي فاكس من الأخت أميرة أسعد من بوخارست في نفس الموضوع، يبدو لي أنها فنانة ومهتمة بجانب الرسم، وهي باختصار تقدم ما قدمه الأخ، إنه نعم نحن نريد أن نقدم هذه النماذج وذكرت نفس الأسماء التي ذكرت من الأنبياء إبراهيم وإسماعيل ومحمد –صلى الله عليه وسلم- لكن هناك حرجًا شرعيًّا كبيرًا من استخدام الآلات السمعية والبصرية، ونحن الآن نعيش في عصر السمع والبصر –كما تقول- لم تعد الشفاه، أو الحديث الشفهي هو الأساس، كيف نخرج من إطار الحساسية في تقديم هذه الرموز في الأُطُر الصورية الجديدة لصناعة رموز تقدم للشباب؟

د.يوسف القرضاوي: كل حضارة لها خصائص معينة، الحضارة الغربية حضارة تقوم على الحس والتجسيد الحسي، ولذلك عندها التماثيل، وهذا موجود حتى عند المسيحيين، يعني اليهود ليس عندهم التصوير والتماثيل، المسيحية هي التي عندها هذه، فالمسيحية والرومان من قبيل، لأن الحضارة الغربية تعرف أنها وارثة الحضارة الرومانية والحضارة اليونانية، وهذه حضارات وثنية، والوثنية تقوم أساسًا على التجسيد، يعني لأن الوثنية عبارة عن أنك تأخذ الإله وتجسده وتنحته وتعمل منه شيئًا.

لأ إحنا حضارتنا العربية الإسلامية، تقوم على غير ذلك، يعني إحنا نعرف حاتم الطائي، شفت أنت حاتم الطائي؟ هل عملوا له تمثال؟ لم يعملوا له العرب تمثالاً إنما تحدثوا عن كرم حاتم الطائي، تحدثوا عن شجاعة عنترة وشهامة عنترة، ما عملوش له تمثالاً إنما حكوا شعره:

هلاّ سألتِ الخيلَ يا ابنةَ مالكِ إنْ كنتِ جاهلةً بما لم تعلـمي

يخبركِ مِنْ شهدَ الوقيعةَ أنني أغشى الوغى وأعِفُّ عندَ المغنمِ

أنا أحضر المعركة، أما ساعة الغنيمة أتركها، ويقول:

وأغضُّ طرفي إنْ بدتْ لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها

بهذا خلدنا عنترة، عرفنا أن عليّ بن أبي طالب من شجعان الأمة وفرسانها وحكمائها، لم نعمل له تمثالاً، ولا لعمر بن الخطاب، ولا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- نحن نستطيع أن نحيي هذه الرموز بغير التمثيل، الغرب عندهم أنه لا يمكن يعمل الذي..لا.

وما الفائدة في أن تحضر رجلاً شكله بدويًّا وعربيًّا وتعمله عمر بن الخطاب، لا، الصورة التي أرسمها في ذهني لعمر بن الخطاب أعظم من ذلك بكثير، تأتى لي بواحد من الممثلين يمثل لي فيلمًا سيئًا، ثم يأتي ليمثل لي عمر بن الخطاب، ولذلك أنا لا أوافق على تمثيل الأنبياء، ولا تمثيل كبار الصحابة.

أنا سمعت أن ناسًا من الأزهر الآن أباحوا، أنا لا أبيح هذا ورغم تيسيري، إنما أنا أرى أن نبقي الصورة الذهنية العالية المرسومة في مخيلتنا لأبي بكر، وعمر وعثمان وعلي وخديجة -رضي الله عنها- وعائشة وأم سلمة، أمهات المؤمنين الذين أفتى العلماء الكبار، هؤلاء أفتوا أن الصحابة الذين أقل من هؤلاء لا يوجد مانع، إنما الرسول -عليه الصلاة والسلام- والأنبياء وأمهات المؤمنين وكبار الصحابة مثل الخلفاء الأربعة هؤلاء لا، فأنا مع هذا، مع هذه الفتوى.

ماهر عبد الله: سؤال واحد فقط، حسب الأخ غير واضح غير أنه..إنه في ضيق، له علاقة بالموضوع كونه أن السائل شاب، لكنه مش في صميم الموضوع، إنه شاب في المرحلة الثانوية، إذا اعترف بجريمة قتل لم يقترفها، وإنما لإنقاذ أحد أبويه، فهل يؤجر على ما فعله؟ رغم أنه سيسجن رأفة، يبدو أن أحد أبويه رأفة بحاله في دخول السجن، هل يثاب على ما فعل، أم أنه يأثم؟

د. يوسف القرضاوي : هل الأب قتل عمدًا؟

ماهر عبد الله: في الغالب.

د. يوسف القرضاوي : إذا كان قتل عمدًا يجب أن يأخذ جزاءه، أمَّا أن ينسب إلى نفسه ذنبًا كبيرًا مثل جريمة القتل، وقد يضر هذا بمستقبله وإلى آخره،يعني إذا كان ارتكب الأب جريمة القتل، فالجريمة ضخمة، وأنه (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) فيجب من فعلها أن يأخذ جزاءه (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وليس المطلوب من الإبن أن يحمل وزر أبيه بالكذب يعني.

ماهر عبد الله: الأخت أم أسعد من الدوحة، تسأل أنه يعني في هذا الجو الذي نعيشه، الشباب المسلم الملتزم يشعر بضيق شديد، حيثما التفت، فهل هذا الشعور طبيعي وهو ما يجب أن نشعر به، أو يشعر به المسلم في مثل هذه الأجواء التي يعيشها الإنسان اليوم؟

د. يوسف القرضاوي: الشعور الطبيعي إذا كان لا يجد الدين يأخذ حقه في الحياة،بعض البلاد –مثلاً- المسلمة التي تُمنع من الحجاب، لازم الإنسان يشعر بضيق، الذي يُضيِّق عليه في إقامة شعائر دينه، الذي يُضيق عليه في دعوته إلى الله، لا يرضي حينما يرى بلدًا مثل الشيشان يضرب بالطائرات من فوق، وبالصواريخ من تحت، وبالدبابات، ولا يجد من يحتج على ذلك، يجد صمتًا من بلاد الإسلام عامة.

لا يجد من يصرخ في وجه هؤلاء ويقول: عيب يا جماعة، حرام، لا يجوز لهؤلاء الناس المستضعفين ، المسلم لابد أن يتضايق، هذا هو الطبيعي، مَن لم يشعر بهذا الضيق فلابد أن يكون عنده خلل فيه مرض عنده.

الطبيعي أن الإنسان يشعر بالهموم والضيق، وكما جاء أنه "يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء ، وذلك لما يرى من المنكر ولا يستطيع تغييره"شايف أشياءً وهو مش قادر على أن يعمل شيئًا، لابد أن يشعر، هذه ظاهرة صحية وليست مرضية.

ماهر عبد الله: طيب أنا عندي سؤال بالفاكس، له علاقة بشيء بما تفضلت به في الإجابة على سؤال عن الصور ، صح قد نختلف ثقافيًّا عن الغرب في أنه نحن نعتمد على الصورة الذهنية ، وهم يعتمدون على المادي والحسي بحكم يمكن تاريخهم المسيحي الغربي، ومن ثم وجود في الثقافة المسيحية للتماثيل، لكن الحاصل أنه من فحوى الفاكس أننا نخسر الكثير من الشباب، أنت ذكرت الخليعين من المطربين في فيديو كليب اليوم شباب المسلمين في أغلبيتهم القاطعة والكبيرة يقبلون عليه، فيها صور متحركة سريعة، ولهذا تنجح نجاحًا لم يشهده المطربون، أيضًا يشهدهم الناس أمام التحدي هذا، ومن هذه الهجمة فنحن نخسر كثيرًا من الشباب عن طريق هذا، فسؤال الأخ كان تحفظ على ما أجبت في السؤال الأول، أنه نحن..صورة، لكن نخسر الشباب لو أصررنا على..

د.يوسف القرضاوي[مقاطعًا]: أيه أصررنا على؟!

ماهر عبدالله: على أن الصورة الذهنية، تقول لم نرَ حاتم الطائي، لكن ثمة صورة لحاتم الطائي، لم نر عنتر

د. يوسف القرضاوي: هل لو أتينا بعمر بن الخطاب وصورناه يرجع الشباب إلى الإسلام بهذا؟

ماهر عبد الله: لا، لا، لم نقل عمر بن الخطاب تحديدًا، لكن فيه الآن إقبال شديد، لماذا يقبل الناس على مايكل جاكسون؟

د.يوسف القرضاوي: هذا من سوء التوجيه، هذا لأن الشباب مسلط عليه أجهزة غسلت دماغه من الإسلام، وملأته بأشياء أخرى، فيه غزو فكري، غزو إعلامي، غزو ثقافي، غزو تربوي، نتيجة هذا هو الإقبال على هذا، فلابد أن نصلح هذه الأدوات من جديد.

الشاب حين..بالعكس الشاب إذا وجد الطريق أمامه أقبل على الإسلام، لأنه الفطرة أنت تدعوه، إذا دعوناه إلى الإسلام الصحيح، نحن لا نكلفه شططًا، ولا نرهقه عسرًا، إحنا ندعوه إلى الاستقامة، وندعوه إلى أن يستمتع بالحياة، لأن الإسلام ليس دين زهد مطلق، لا يحرم عليك الطيبات (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي..) هي الحياة الإسلامية، فنحن إذا دعونا إلى..لو أحسنا عَرْض هذا على الشباب لأقبل الشباب علينا، أما لا نتيح هذا للشباب.

كثيرة من الأدوات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية لا تتيح هذا للشباب، إنما تتيح الوجه الآخر فقط، لا يوجد توازن حتى، مع أن المفروض الإسلام يكون هو الغالب، الإسلام ماذا له؟ الإسلام يعني – للأسف – بياخذ ركن ضيق في الحياة، يأخذ الصفحة الدينية في الجريدة، وفي بعض الصفحة الدينية يوم في الأسبوع، يعني في يوم الجمعة، واسمها الصفحة الدينية حتى إنهم ما يرضوش أن يسموها الصفحة الإسلامية، لأنهم يريدون الدين فقط!!

ماهر عبد الله: أو صفحة التراث.

د.يوسف القرضاوي: أو التراث، أو القيم الروحانية حتى إنهم أحيانًا لا يسمون اسم الإسلام، فهل هذا من..وبعدين الحديث الديني في الإذاعة أو في التليفزيون، والأحوال الشخصية في القانون هذا للإسلام، وحتى بعض هذه سطا على القانون، في بعض البلاد حرموا على الناس الطلاق، وحرموا على الناس تعدد الزوجات، وفي بعض البلاد ساووا بين الذكر والأنثى في الميراث،يعني حتى الأشياء الأساسية جاروا عليها.

أين موقع الإسلام؟إذا كنا نريد أن نردَّ الشباب إلى دينهم ردًّا جميلاً، لابد أن نتيح للتوجيه الإسلامي الصحيح والمتوازن، نتيح لهم الفرصة في الصحيفة التي تُقرأ، في الإذاعة التي تُذيع، في البرامج العامة في التلفازات والقنوات الفضائية، فهذا لابد، وبعدين أنا شايف إن إحنا مركزين على الشباب الضائع، وهناك شباب ملتزم، ولكنه أيضًا في حاجة إلى توجيه، هؤلاء الشباب الغلاة الذين يسمونهم المتطرفين أو الإرهابيين أو دعاة العنف، ودي حقيقة موجودة، مشكلة أخرى تحتاج إلى حل، لأن ممكن الشاب أن يترك هذا الجانب وييجي يدخل في العنف، أو يدخل في الغلو، فيضيع من ناحية أخرى، إما يضيع بالتفريط أو يضيع بالإفراط، ونحن لا نريد من الشباب لا أن يضيع في هذا الجانب ولا في هذا، نحن نريد الوسط ولذلك نحذر أيضاً من.. الشباب هناك الصحوة الإسلامية –الحمد لله- ردت ملايين من الشباب إلى دينهم، ومن الشابات، نحن نركز على الشباب الذكور مع أن الشابة –أيضًا- لها يعني مكانها في حديثنا هذا، لأن الفتيات –أيضًا- مثل الفتيان تمامًا في نظري.

ماهر عبد الله: خلينا نأخذ مكالمة، الأخت أم محمود معذرة على هذا الانتظار على الهاتف، تفضلي.

أم محمود: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

أم محمود: كان عندي سؤال فقط، أنا أذكره في الشباب.

ماهر عبد الله: تفضلي.

أم محمود: هل ممكن أن يُثَقَّف الشباب جنسيًّا.

د.يوسف القرضاوي: علي الصوت قليلاً.

أم محمود: هل ممكن من الأم مثلاً، أو الأب أنه يثقف الولد جنسيًّا؟ وكيف يكون ذلك؟


كيفية تقديم الثقافة الجنسية للشباب

ماهر عبد الله: مشكورة يا أخت أم محمود هل ممكن الأب أو الأم أن يقدم الثقافة الجنسية لأبنائه؟ وكيف يمكن له أن يفعل ذلك؟

د.يوسف القرضاوي: هذا يحتاج إلى جو إيجابي، أنا أقول لك -مثلاً- زمان كان المشايخ في المساجد يدرسون الفقه ويدرسون الوضوء والغسل، ويأتي في هذا ما خرج من السبيلين، مسُّ الذكر، لمسُ المرأة، موجبات الغسل، خروج المني، ويشرح الشيخ هذا للناس الموجودين ومنهم الشباب، ويمكن أن تكون النساء موجودات، إنما في جو من الجدية، فليس فيه أي إثارة.

نحن جينا في وقت من الأوقات أحطنا هذا الموضوع بالغموض الكامل، ولا يستطيع أحد أن يكلم، حتى المرأة لا تكلم ابنتها أحيانًا في هذه الأمور، وتبلغ البنت ولا تعرف، تواجه بالحيض مثلاً ولا تعرف ماذا تفعل في هذا الأمر؛لأنها ما أخذتش الثقافة، فلابد أننا نعرِّف أن الإنسان في .. ربنا خلق الذكر والأنثى وجعل لكل منهما حاجة إلى الآخر، ولولا هذا لما استمرت الحياة، التزاوج هذا إن الواحد محتاج إلى امرأة، والمرأة محتاجة إلى رجل.

وممكن أن نبدأ ونوريهم ماذا يحدث مثلاً في عالم الطيور أو في عالم الحيوان، يرى الدجاجة والديك أوالنعجة والكبش، أو هذه الأشياء تحدث أمامهم ويرونها، ونبين لهم، هذا أمر أراده الله سبحانه وتعالى ليستمر أي جنس من الأجناس، أو أي نوع من الأنواع وهكذا، المهم أن يشرح هذا الأمر بجدية وإيجابية وبأسلوب مقبول وبلا تكلف وفى مناسبته حينما تأتي مناسبة، يعني يوم يذكر للأولاد.

هنا الأستاذ عبد الحليم أبو شقة له كتاب معروف اسمه تحرير المرأة في عصر الرسالة وهذا من أعظم الكتب التي ألفت عن المرأة والأسرة في عصرنا، وهو من ستة أجزاء، الجزء السادس منه عن الثقافة الجنسية والتربية الجنسية أنصح يعني الأخت وأمثالها ممن يهتمون بهذا الجانب أن يقتنوا هذا الكتاب، وأن يقرءوا الجزء السادس من هذا الكتاب، لأنه خاص بهذا الموضوع ومفصل فيه، وجاء فيه بالآيات والأحاديث.

حتى القرآن لم يغفل هذا الأمر، القرآن قال (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ ) القرآن ذكر هذا مما يدل على أنه ما دام الأمر جاء في جو من الجد والوقار والأدب فلا حرج أن يتناول إطلاقًا.

ماهر عبد الله: معنا مكالمة أخرى من الأخ مهدي بن حميدة من سويسرا، أخ مهدي، تفضل.

مهدي بن حميدة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.

مهدي بن حميدة: يا شيخنا، يا شيخ يوسف القرضاوي، أنا عندي سؤال يتعلق بالبديل، عندنا الشباب بتاعنا في الغرب يعني نربي شبابنا في المساجد وفي المراكز الإسلامية والبيوت تربية إسلامية، ولكن عندما يخرجون إلى الشارع ويذهبون إلى المدرسة، بالضرورة يحتكون بالشباب الغربي ويختلطون معهم، فهذا البديل يعني هل هناك هادٍ سليم؟وهل هناك بديل آخر؟وهل يمكن أن نترك شبابنا، شبابنا يختلط بالشباب الغربي ويتعلمون ويأخذون منهم سلوكياتهم، ويؤثر ذلك حتى على لغتهم، هل هذا سليم؟ولا بديل يشغله، هل يوجد بديل إسلامي؟ماذا نفعل؟ يخالط، أو لا يخالط شبابنا شبابَ الغرب؟

ماهر عبد الله: مشكور يا أخ مهدي، سؤاله أنه –طبعًا- الأخ من سويسرا فيتكلم من أوروبا، يقول: إننا نقوم بالتربية في المنزل وفي المدارس الإسلامية وفي المراكز الإسلامية، لكن بعد ذلك يخرج الشاب فيحتك بالشباب الغربي، وبالتالي يتأثر منه حتى باللغة والثقافة، فهل هذا مباح؟ وإذا كان له محاذيره فما هو البديل عن الاحتكاك مع الأقران من الغربيين؟

د.يوسف القرضاوي: لا يمكن أن تمنع الشاب من أن يحتك بأقرانه وخصوصًا في المدرسة، وفي هذه الأشياء، ولكن لابد أن إحنا نكمل هذا بتحصين الشاب بالثقافة الإسلامية وبالتربية الإسلامية، وبالعيش في ظل مجتمع إسلامي، هذا ما قلته نحن نحاول أن نُنشئ مجتمعًا إسلاميًّا صغيرًا داخل المجتمع الآخر الكبير، وذكرت في الحلقة الماضية على ما أذكر حارة اليهود عايزين حارة المسلمين يكون لهم مجتمعهم بحيث الشاب يجد شابًّا مسلمًا يصادقه ويصاحبه، إنما إذا لم يجد أحدًا، لن يجد إلا الآخرين، لا مانع أن يصاحب الآخرين، ولكن يكون أصدقاؤه الأساسيين من أبناء الإسلام، فلابد أن نعينهم على هذا بإيجاد البيئة الإسلامية الصالحة التي ينشؤوا فيها هؤلاء ويتربون بعضهم مع بعض؛ لأن الطفل بيتعلم من الطفل، والشاب يتعلم من الشاب، والفضائل تُعدي، والرذائل تعدي:

واحذر مصاحبة اللئيم فإنها تُعدي كما يعدي السليم الأجرب

فنحن نحاذر هذا الجرب بإيجاد الأصدقاء الطيبين، والأصحاب الخيرين.

ماهر عبد الله:تسمح لي، سؤال في نفس الموضوع بالفاكس من أخت تبلغ من العمر السابعة عشر عامًا، ويبدو من شكل الكلام أنها هي-أيضًا- تعيش في العالم الغربي، السؤال بسيط ألا ترون أنه عندما نحرم الاختلاط بين الذكور والإناث، فإننا نحرم الشباب من الاختيار الحر في اختيار رفيق العمر زوجة أو زوج؟.

د.يوسف القرضاوي:ما فيش حاجه في الإسلام اسمها اختلاط، الاختلاط كلمة دخيلة على القاموس الإسلامي، لأن معنى الاختلاط المخلوط الذي يصنعه علماء الكيمياء مثل المخلوط الكيماوي، يعني زي ما تحط الملح في الماء أو السكر في الماء يذوب، هذا اسمه خلط، الاختلاط بهذا المعنى لا يخلط، إنما هناك لقاء بين الرجال والنساء، وهذا الإسلام شرعه في مناسبات شتى، ما دام له أسبابه ودواعيه مع ضوابطه وقيوده فلا حرج منه، وكان النساء يحضرن مع الرجال في المسجد، هل عرف في تاريخ الإسلام مسجد للنساء؟ فيه مسجد للنساء؟ لا يوجد مسجد للنساء، النساء مسجدهم مع مسجد الرجال، فكانوا يحضرن الصلاة مع النبي –صلى الله عليه وسلم- ولم يكن بين الرجال والنساء حاجز لا من خشب، ولا من بناء، ولا من قماش، ولا من أي شيء من هذا، وكن يحضرن مجلس العلم وحلقات العلم مع النبي –صلي الله عليه وسلم- ولكنهن لم يكتفين بهذا وطلبن من النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يخصص لهن يومًا، لأنه لهن أسئلة خاصة مع الحضور المشترك أيضًا، أيضًا المرأة تحضر في الحج وتطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة مع الرجال وفي العمرة كذلك، لا مانع من هذا الاشتراك أو اللقاء بين..الممنوع ثلاثة أشياء:-

الخلوة، فلا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما محرم.

التبرج، إن المرأة تطلع بقى بالأحمر والأخضر ومتعطرة وكذا، وتكشف رأسها وتبين نحرها وذراعيها وساقيها، وتروح تكلم الرجل.

التماس، إن واحدًا يقعد مع واحدة، ويلصق جسده بجسدها، هذا ممنوع.

إنما التقوا في مكان عام ما في مانع، وأنا حينما حضرت في أميركا وأوروبا وجدت بعض الشباب المتشددين يحولون بين الشباب والشابات أو بين الرجال والنساء..يعملون فندقًا للرجال وفندقًا للنساء، حتى أنا مرة كنت رايح ومعي زوجتي فأخذوا زوجتي إلى فندق النساء، قلت لهم أنت تفرقون بين المرء وزوجه، ما هذا؟ وبعدين أسانسيرات للرجال وأسانسيرات للنساء، المصعد، مصعد للرجال، المصعد الذي للنساء لا يركب فيه رجل مسلم، إنما الأميركاني يركب!!تركنا الأميركاني يطلع مع المسلمة والمسلم الملتزم!!وبعد ذلك يقول لك هذا!!في السوق وفي الجامعة وفي الطريق زائد المعسكر أو المخيم الإسلامي الذي فيه التزام، هذا تشدد.

فأنا لست مع هذا التشدد، وأنا قلت لهم يا أخي سيبوا الناس يتقابلون يمكن شاب يشوف فتاة فتعجبه ويشرح الله صدره لها فيسأل من هذه؟ هذه بنت فلان، فيربط الله رأسين في الحلال كما يقولون، فالممنوع كما قلنا "الخلوة والتماس والتبرج".

ماهر عبد الله: فضيلة الشيخ لم يبق لي إلا أن أشكرك شكرًا جزيلاً على هذه الحلقة، أعزائي المشاهدين باسمكم أتقدم بشكري الجزيل لفضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الحلقة التي نرجو أن تكونوا قد استمتعتم واستفدتم بها، إلى أن نلقاكم في حلقة أخرى لكم مني أجمل التحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.