الخطاب الإسلامي في عصر العولمة
مقدم الحلقة: | ماهر عبد الله |
ضيف الحلقة: |
د. يوسف القرضاوي |
تاريخ الحلقة: | 19/10/2003 |
– رثاء الرئيس البوسني الأسبق علي عزت بيجوفيتش
– المقصود بالخطاب الديني الإسلامي
– طرق الاستجابة المثلى لدعوات تغيير الخطاب الديني
– أثر ثقافة صاحب الخطاب على مضمون الخطاب
– أهمية تزاوج الشكل والمضمون لإخراج خطاب ديني سليم
– الخطوط العريضة للخطاب الإسلامي من وحي الكتاب والسنة
– دور الخطاب الإسلامي في تصحيح صورة الإسلام في الغرب
– دور الهيمنة الأميركية في تشويه الخطاب الإسلامي
ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).
موضوعنا لهذا اليوم سيكون حول الخطاب الإسلامي والدعوات إلى تغييره ليصبح أكثر تواؤماً مع متطلبات العصر.
هناك أزمة تفاهم داخلية كثير منا لا يفهم خطاب الآخر، وكثير من الحركات تتنافس وتتصارع فيما بينها، هناك أزمة بين حركات إسلامية معارضة وبين حكام مسلمين، هناك أزمة تخاطب وتفاهم مع غير المسلمين، سواء من كان منهم يعيش بين ظهراني الأمة الإسلامية أو من هم خارجها ممن هم إما أصدقاء أو معاهدين أو حتى أعداء.
عندما تكون هناك أزمة للتفاهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُقبل بإلقاء اللائمة فقط على الطرف الآخر، في كل أزمة هناك طرفان، وبلا شك العبء يجب أن يقسم، قد لا يكون مناصفة بين الطرفين، ولكن ثمة جزء من المشكلة يجب أن يتعلق بنا، كيف نوصل ما نريد إلى الآخرين؟ كيف نضمن أنهم يفهموننا، هذا يتعلق قبل حديثنا عن إدراكهم، قبل حديثنا عن نواياهم عن مخططاتهم، يتعلق بنا أولاً وقبل كل شيء، كيف أوصلنا إليهم هذه الرسالة، كيف أوصلنا إليهم هذا الدين؟
لم نجد خيراً من فضيلة الدكتور العلاَّمة القرضاوي ليحدِّثنا حول هذا الموضوع، خصوصاً وأن له كتاب قيد الطبع أظنه حول الخطاب الإسلامي، أسماه "خطابنا الإسلامي في عصر العولمة".
سيدي، أهلاً وسهلاً بك مرة أخرى.
د.يوسف القرضاوي: أهلاً بك يا أخ ماهر.
رثاء الرئيس البوسنوي الأسبق علي عزت بيجوفيتش
ماهر عبد الله: يعني هنحاول قدر الإمكان الرفق بك على اعتبار أنك شوية صحتك مش كما يجب، نتمنى لك الشفاء.
بداية يعني اليوم أذاعت الأخبار -للأسف ليس عندي كثير من التفاصيل- موت رمز من رموز الفكر الإسلامي الذي اشتغل كثيراً -ولعلَّ الخبر يعني قد يكون جديداً عليك- عزت (علي عزت بيجوفيتش) الرئيس البوسنوي الأسبق كان من.. من أوائل من دعا.
د.يوسف القرضاوي: تُوفي؟
ماهر عبد الله: انتقل إلى رحمة الله هذا اليوم.
د.يوسف القرضاوي: نسأل الله أن يغفر له ويرحمه.
ماهر عبد الله: فأظن يعني كان لك رأي في الرجل ورأي في كتاباته، ورأي في جهوده، وكان هو جزء من هذه الأزمة، يعني عاش في دولة برزخية بين.. بين حضارتين، فهل لك أن.. أن تحدثنا عنه بداية قبل أن ندخل الحوار.
د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأزكى صلوات الله وتسليماته على المبعوث رحمة للعالمين هو حجَّة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد:
فلم أكن أعلم بوفاة العالم الداعية الرئيس علي عزت بيجوفيتش حتى قابلني سفير البوسنة والهرسك ونحن نفتتح المدينة التعليمية منذ أيام، وكلفته أن يبلِّغ يعني تحياتي إلى الرئيس علي عزت، ويبدو أنه لم يكن يعلم أنه يعني في مرضه الأخير، فرحم الله الرجل، كان الرجل من رجال السياسة، ورجال الجهاد، ورجال العلم والفكر، وله عدة كتب يعني قيِّمة أهداها إليَّ، منه كتابه "الإسلام بين الغرب والشرق"، وهو كتاب فكري فلسفي، يعني وله يعني كتب أخرى في الجانب الإسلامي الواقعي، وتُرجم أكثرها إلى اللغة العربية، فرحم الله هذا الرجل الذي كافح من أجل استقلال أمته، وقاد الجهاد والمقاومة بحكمة وكياسة، ونسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويتقبَّله في الدعاة الصادقين والعلماء العاملين، ويجزيه عن الدين والدعوة والأمة خير الجزاء، اللهمَّ آمين.
المقصود بالخطاب الديني الإسلامي
ماهر عبد الله: طب سيدي، عندما نتحدث عن.. عن الخطاب الديني، بدايةً يعني هنتجاوز موضوع العولمة، لأنه تحدثنا فيه من.. من قبل، هذه الدعوات التي نسمعها والمؤتمرات التي تعقد مُطالبة أو مُطالِبة إيانا بضرورة تغيير الخطاب الديني، أولاً: ما هو المقصود؟ كيف تفهم الخطاب الديني المقصود في هذه المؤتمرات وهذه الدعوات؟
د.يوسف القرضاوي: كلمة الخطاب الديني كلمة مجملة، وربما يفهم بعض الناس الخطاب الديني يعني خطبة الجمعة أو درس المسجد، ولكن الخطاب الديني مفهومه أوسع وأكبر من هذا بكثير، لأن كلمة الخطاب الديني أو الإسلامي تشمل كل بيان يوجَّه إلى الناس سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين باسم الإسلام للدعوة إلى الإسلام، أو لتعليم الإسلام لهم، الإسلام عقيدة أو عبادة أو معاملة، أو شريعة، أو أخلاقاً، أو حضارة، يعني فالإسلام معنى كبير، أمر يشمل الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة والعالم في جوانبه المختلفة، وبعدين هذا الخطاب مش بس مفهوم به الخطبة والخطبة، والمحاضرة، والدرس، والحديث العادي، والمقالة يكتبها كاتب أو.. أو صحفي، والبحث الميداني، والكتاب يؤلَّف، والتحقيق الصحفي، والبرنامج الإذاعي، والبرنامج التليفزيوني، والعمل الدرامي، يعني ممكن يكون هذا العمل في شكل تمثيلية أو فيلم أو مسلسل، كل دا ممكن يكون دعوة وخطاب.. وخطاب إسلامي، ممكن يكون في شكل شعر، أو نثر، أو قصة، أو مسرحية، فهذا كله يشمل، ويشمل الأدوات يعني كثير من الناس إنه الخطاب الديني المنبر. لأ، هذا.. الآن أصبح يشمل الكلمة المقروءة والكلمة المسموعة في الإذاعة والكلمة المرئية والمشاهدة في.. في التلفاز، ويعني يضم الوسائل والآليات الحديثة القنوات الفضائية والإذاعات الموجَّهة، وشبكة الإنترنت، هذا كله، يعني ولذلك لما نتكلم عن كلمة خطاب ديني أو خطاب إسلامي يُراد به يعني معنى واسع كبير، ويحتاج إلى يعني مجهودات وعمل علمي وفكري منظَّم حتى يعني نستطيع أن نجعل هذه الأشياء كلها تُستخدم الاستخدام الأمثل في خدمة الدعوة وبيان حقيقة الإسلام.
طرق الاستجابة المثلى لدعوات تغيير الخطاب الديني
ماهر عبد الله: طيب إحنا للإيضاح كوننا نتحدث عن تغيير أو ضرورة تغيير الخطاب، نحن نتحدث عن الوسائل والطرق التي يُعبَّر بها عن الدين، وليس عن الدين نفسه، فالتغيُّر سيمس..
د.يوسف القرضاوي: هو الخطاب، هو الخطاب.. هو الخطاب مش هو الدين، الخطاب هو التعبير عن الدين، يعني أما.. أما قضية التغيير هذه فيعني في الحقيقة يعني نحن لا.. لا ينبغي إن يكون عملنا هو استجابة لهذه المطالبات بالتدريج، لأنه إذا أردنا أن نغيِّر نحن، فينبغي أن يكون انطلاقنا من ذاتنا لا بالإملاء من غيرنا، لأن إذا فعلنا ذلك يبقى بعد شوية عاوزين نغيِّر هذا الخطاب لأنه خطاب لم يعبر عن حقيقة ما.. ما نريد، ونحن قبل أن يعني يقول لنا هؤلاء، نحن منذ يعني أنا إذا تحدثت عن.. عن نفسي يعني، فأنا منذ يعني دخلت ميدان الدعوة، وخصوصاً ميدان الكتابة والتأليف تبنيت الخطاب الذي نريده الآن، والذي يطالب الناس به الآن، يعني ما كنا نقوله من أربعين سنة وبعض الناس كانوا بيعيبوا علينا هذا الخطاب، ويعتبرون إن إحنا ناس متساهلين في الدين أو في كذا، الآن الكثيرون ينادون بهذا الخطاب خطاب التيار الوسطي، منهج الوسطية، منهج التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة، والتجديد في.. في الفقه، والتسامح مع المخالف، والحوار مع.. مع.. مع الآخر، والسلام مع العالم، دي كلها أشياء كنا بنطالب بها، أصبحوا الآن يعني.. يعني يدعوننا إليها، فنحن هذا خطابنا، يعني إحنا نريد إن الخطاب الديني يتبنَّى هذه المنهجية الوسطية وينفتح على.. على الناس ويتميز بالملاءمة والمواءمة والموازنة والمعاصرة، وهذا ما نريده لخطابنا الديني الإسلامي.
ماهر عبد الله: طيب سيدي اسمح لي بالتوقف قليلاً ثم نعود لمواصلة الحوار.
نذكِّركم قبل الانتقال إلى الفاصل بأنه بإمكانكم المشاركة معنا في هذه الحلقة بعد قليل إما على رقم الهاتف: 4888873 بعد المفتاح الدولي لدولة قطر (00974)، أو على رقم الفاكس: 4890865، أو على الصفحة الرئيسية للجزيرة نت على العنوان التالي:
www.aljazeera.net
[فاصل إعلاني]
ماهر عبد الله: سيدي، يعني من.. من خلال الكلام نفهم أن المسألة طبيعية أن يكون هذا الخطاب متنوِّعاً، يعني أي نظرة سريعة للخطاب النبوي كان الطريقة التي يُحدِّث بها البدوي غير تلك التي يحدِّث بها المدني، من يحدِّث بها العربي غير تلك التي، لأنه ثقافة المرسل وثقافة المتلقي داخلة في الموضوع، بعض الناس يستغرب..
د.يوسف القرضاوي[مقاطعاً]: النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسأل عن سؤال واحد، يعني واحد يقول له مثلاً: ما أفضل الأعمال؟ فيجيب عن هذا السؤال إجابات متعددة، يعني واحد يقول له: أفضل الأعمال إطعام الطعام، وإفشاء السلام وكذا، وواحد يقول له: مثلاً الصلاة لوقتها، والجهاد في سبيل الله، وواحد يقول له: ألا تغضب، يراعي حالة -الأية- المخاطب، ويعطيه ما يناسبه، مثل الطبيب ما بيعطيش دواء واحد لكل مريض. لأ، كل مرض له دواء، فيغيِّر دواءه بحسب مريضه، فهكذا يعني الداعية، إذا كانوا الفقهاء قالوا: الفتوى تتغير بتغيُّر الزمان والمكان والحال والعرف إلى آخره، مع إن الفتوى تتعلق بأحكام شرعية، فأولى إن يتغيَّر الخطاب بتغيُّر الزمان والمكان، لا.. لا يلزم الإنسان يعني حالة واحدة، ويحفظ يعني كلمات يقولها لكل الناس، لأن رأيت بعض الناس فعلاً زي Recorder حافظ مجموعة من الآيات والأحاديث والدروس بيروح يقولها لكله، وليس من الضروري أنها تلائم هؤلاء القوم، يعني أنت تكلِّم، القرآن يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، وأنا يعني دائماً أقول كلمة اللسان هنا ليست معناها فقط اللغة يعني إنه يعني يكلم الإنجليز بالإنجليزية، والروس بالروسية، والصينيين بالصينية. لأ، ولكن أيضاً يكلِّم العوام بلسان العوام، والخواص بلسان الخواص، يكلِّم أهل القرية بلسان أهل القرية، وأهل المدينة بلسان، أهل الشرق لهم لسان، وأهل الغرب لهم لسان، أهل القرون الماضية لهم لسان، والقرن الحادي والعشرين لهم لسان، فلابد أن يراعي لسان القوم يعني عقلية القوم، يعني يدخل من مدخل الذي يؤثر فيهم والذي يُعنى بحل مشكلاتهم والإجابة عن تساؤلاتهم، والرد على شبهاتهم، وتصحيح مفاهيمهم، يعني فكل.. ولذلك الداعية يجب يكون متحرر، ما يكونش جامد، الداعية اللي قائم على حفظ أشياء يقولها لكل الناس هذا لا.. لا.. لا يصلح يعني قائماً بالخطاب الديني في هذا العصر.
أثر ثقافة صاحب الخطاب على مضمون الخطاب
ماهر عبد الله: فيه.. فيه.. فيه جانب آخر للأزمة اللي تفضلت بالحديث عنها، وهي أنه قد لا يكون يعني آلة تسجيل تحفظ وتكرر، قد يكون أسير خلفية ثقافية معينة، قد يعني يكون مشربه صوفي، مشربه سلفي، مشربه من أهل الحديث، وبالتالي هو يتصوَّر إنه هذا هو الإسلام وينطلق في خطابه مع الآخرين، هل لهذا أثر ثقافة صاحب الخطاب؟
د.يوسف القرضاوي: طبعاً.. قطعاً، ثقافة الإنسان لابد أن تفرض عليه نفسها، يعني حتى إحنا لما نقرأ مثلاً كتب التفسير تجد كتب التفسير تتأثر بثقافة المفسِّر، ففيه واحد مثلاً زي الزمخشري ثقافته لغوية وأدبية، فيظهر جانب اللغوي والأدبي، واحد مثل القرطبي مثلاً ثقافته فقهية، فيظهر الجانب الفقهي والأحكام، حتى هو سمى كتابه "الجامع لأحكام القرآن"، واحد زي الفخر الرازي هو متكلم وفيلسوف فيظهر الجانب العقلي والفلسفي والكلامي في.. في.. في كتابه، وواحد زي ابن كثير هو محدِّث وحافظ، فيظهر جانب الحديث في.. وهكذا الإنسان برضو نفس الشيء الداعية، سواء كان خطيباً أو كاتباً أو يعني متحدثاً، ستظهر ثقافته في الـ…
ولذلك يأتي بقى دور إعداد الداعية، إذا كنا نريد داعية يخاطب الناس بلسان قومه أو بلسانهم وبلسان عصرهم وبلسان قومهم، فلابد أن نعد هذا الداعية الإعداد العلمي والثقافي الذي لا يجعله أسير مدرسة واحدة أو أسير اتجاه واحد، وهذا ما أنا يعني ألفت كتاب منذ يعني مدة حوالي 30 سنة يعني اسمه "ثقافة الداعية"، الداعية الناجح الموفَّق يجب أن يتسلَّح بعدة ثقافات، أولها: الثقافة الدينية، ونعني بالثقافة الدينية أيضاً أنواع الثقافة ما.. ما ينحصرش في..، يعني يكون عنده ثقافة في القرآن وعلومه، في الحديث وعلومه، في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، في.. في الفقه وأصوله، في العقيدة والنظرة الكلية ويعني ويأخذ، ويقرأ في كل المدارس، ما.. ما يكونش ما يقرأش لأ، يحاول إنه يستفيد من كل إنسان أفضل ما عنده، هذه.. هذه هي..
ماهر عبد الله: التعددية..
د.يوسف القرضاوي: أول يعني نوع من أنواع الثقافة، الثقافة الدينية بأنواعها وألوانها، وبعدين فيه الثقافة اللغوية والأدبية، يعني لابد أن يتعلم العربية ويتقنها، لأن هي دي أداة فهم القرآن والسنة، وأداة فهم الإسلام.
اللغة والأدب لابد لأن إحنا لا نريد الواحد يجي يقول كلام عُجر، لأ، كلام يعني.. يعني حتى يكون البلاغ المبين، مش ربنا -سبحانه وتعالى- يقول على الرسول، قال (عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)، المبين الإبانة ديت، يعني أن يكون كلام بليغ، بل الكلام البليغ إنه يطابق مقتضى الحال، وأن يكون فصيحاً وعذباً وسلساً، فدا لا تأتي إلا من الثقافة الأدبية.
وبعدين فيه الثقافة التاريخية، لابد أن يرجع إلى التاريخ، خصوصاً تاريخنا الإسلامي، التاريخ العام تاريخ البشرية عنده فكرة عنه، وتاريخ الإسلام بالذات ابتداءً من عصر الرسول، فالخلفاء الراشدين، فالأمويين، فالعباسيين، فالعثمانيين، ويكون.. ويأخذ فكرة عن هذا التاريخ، وأنا نصحت من يقرأ التاريخ بنصائح لابد منها، لأنه التاريخ يحتاج في قراءته إلى منهج معيَّن وإلى رؤية معينة حتى لا تختلط عليه الأمور، وبعدين فيه الثقافة الإنسانية، يعني.. يعني لابد للداعية أو لمن يريد أن يخاطب الناس خطاباً دينياً أن يتعلَّم بعض العلوم الإنسانية، شيء يأخذ شيء من علم النفس وشيء من علم الاجتماع، وشيء من علم التربية، وشيء من هذه حتى يستطيع أن يعرف كيف يخاطب الناس، ويخاطب الجماهير، ويعرف نفسية الجماهير، وإن العقل الفردي غير العقل الجمعي، وكيف يؤثِّر في العقل الجماعي، وإن.. إلى آخره، وبعدين فيه..
[موجز الأخبار]
أهمية تزاوج الشكل والمضمون لإخراج خطاب ديني سليم
ماهر عبد الله: سيدي، ما تحدثت عنه وما قلناه حتى هذه اللحظة يدخل ضمن الحديث عن الشكل، قلنا هي طريقة للتعبير، يعني قد يقول لك قائل أن الأهم في.. في هذا الموضوع هو المضمون، نحن حملة رسالة إلهية مقدَّسة، فلماذا لا يقع التركيز على المضمون بدل هذا التركيز على الخطاب الذي هو شكل في المحصلة النهائية؟
د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم. هو لابد من رعاية الأمرين الشكل والمضمون أو الموضوع والأسلوب، لأنه من المهم أن تراعي الأسلوب التي [الذي] توصل به المضمون، قد يكون المضمون جيداً، ولكن أسلوب إيصاله رديء، كما إذا وضعت الشيء الطيب في وعاء قذر، فيعني لا يصلح في هذه الحالة، ولذلك أنا كنت قبل الفاصل كنا بنتكلم عن إعداد الداعية، إعداد الداعية هذا مهم لكي يعني يحسن يعني إعداد المضمون ويحسن اتخاذ الأسلوب، فكنا اتكلمنا عن أربع ثقافات يجب أن يتسلح بها، وبقي هناك نوعان من الثقافات المهمة والضرورية، الثقافة الخامسة بعد ما اتكلمنا الثقافة الدينية والثقافة الأدبية..
ماهر عبد الله: اللغوية.
د.يوسف القرضاوي: والثقافة التاريخية، والثقافة الإنسانية، هناك الثقافة العلمية، يعني لابد أن يكون عنده إلمام يعني بالعلوم الكونية الطبيعية والرياضية وهذه الأشياء حتى يستطيع أن يفهم العالم من حوله، ويفهم حتى القرآن، ويفهم أحكام الشريعة، لأن أحكام الشريعة لها صلة بهذه الأشياء، يعني وإلا سيضطرب فهمه في.. في شؤون الحياة، يعني أنا أضرب لك مثل أول ما يعني نشأت إذاعة قطر يعني هنا، وكان عندي برنامج في الإذاعة حتى قبل أن ينشأ التليفزيون اسمه (نور وهداية)، فبعض المشايخ هنا قال لي أنا سمعت منك كلام يعني غريب قوي، قلت له: أيه خير؟ قال لي أنت بتقول: إن الماء يعني بينزل من السحاب، قلت له: طبعاً، المطر بينزل من السحاب، قلت له: دي حقيقة، قال: بس ربنا بيقول إن الماء بينزل من السماء (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً).
ماهر عبد الله: مَاءً.
د.يوسف القرضاوي: قلت ما هو يعني بينزل من السماء، لأنه جاي من فوق من جهة السماء، حتى العرب بيسموا السحاب سماء، ويقولون: كل ما علاك فهو سماء، والقرآن يقول: (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ) السماء يعني السقف في هذه الآية (ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) قال لي: بس دا العلماء قالوا غير هذا وبتاع، قلت له: دي أصل حقيقة واقعة إنه الماء بيتبخر، ويطلع فوق ويكوِّن السحاب، وبعدين السحاب دا ينزل، وحتى القرآن يشير إلى إنه أصل الماء في.. في الأرض (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) والشاعر العربي قديماً يقول:
كالبحر يمطره السحاب وما له فضل عليه لأنه من مائه
جاي منه، فيعني إذا الشخص لم يكن عنده ثقافة علمية سيضطرب فهمه في كثير، وبعدين هناك ثقافة الواقع أن يكون على علم بالواقع المعيش، سواء واقع البيئة المحلية، أو واقع الإقليم، أو الواقع العالمي، واقع المسلمين وواقع غير المسلمين، مش بس يعرف أحوال المسلمين، لازم يعرف حتى أعداء المسلمين، ماذا عندهم؟ وماذا؟ ويعرفها بلا تهويل ولا تهوين، يعني معرفة على حقيقتها، لا يتحيز فيضخم ما عند المسلمين ويهون ما عند.. أو العكس، هذه كلها ثقافات لابد منها، لكي يستطيع أن يوصِّل الداعية خطابه الديني بمضمون صحيح وأسلوب قويم وجميل، يعني هذا..
الخطوط العريضة للخطاب الإسلامي من وحي الكتاب والسنة
ماهر عبد الله: هذا.. هذا المنهج الذي تتحدث عنه هذه الثقافات، يعني لابد ما كنت أستأنست بها بمنهج أساسي جوهري، في الأخير يستند إلى الكتاب والسنة، هل هناك معالم واضحة في الكتاب والسنة نستطيع أن نقول أنها تبيِّن -على الأقل- الخطوط العريضة للخطاب الإسلامي كما يجب أن يكون؟
د. يوسف القرضاوي: والله هذا.. هذه المعالم في الحقيقة نأخذها من القرآن الكريم نفسه، يعني معالم المنهج الأمثل للخطاب الديني، الخطاب الناجح والموفق، القرآن رسم هذا المنهج بإعجازه في كلمات مركزة، في قول الله -تعالى- في أواخر سورة النحل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، فهذه الكلمات القليلة ركَّزت لنا، وبينت لنا معالم هذا المنهج.
أول شيء قال (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ)، الداعي من هو الداعي؟ وهذا أيضاً شيء مهم جداً، الناس يظنون إنه الخطاب الديني مقصور على المشايخ، والعلماء خريجي الأزهر والكليات الشرعية، والجامعات الدينية لأ، هذا ليس يعني..، الخطاب الديني مطلوب من كل مسلم أن يحمل خطاباً دينياً على قدرٍ ما، يعني كلمة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ)، من المخاطب بهذا؟ الأصل الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن كل ما يخاطب به النبي -عليه الصلاة والسلام- في القرآن هو الأصل فيه إنه الخطاب للأمة كلها من بعده (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) هل هذا يعني الرسول فقط؟ لأ، خذ من كل من يأتي بعده مطلوب من..، ولذلك القرآن يقول (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)، أنا ومن.. فكل من اتبع الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو داعٍ إلى الله.
كل ما في الأمر إنه هناك مستويات للدعوة، فيه هناك مستويات متخصصة، وفيه هناك مستويات عامة، فكل مسلم ينبغي أن يدعو إلى الله، فيه واحد بيدعو بتأليف كتاب، واحد بيدعو بإلقاء درس، وواحد يدعو بالكلمة الطيبة، بالأسوة الحسنة، بالخلق الكريم، المسلمين في.. في العصور الماضية بماذا نشروا الإسلام؟ في الواقع لم يعرف عند المسلمين طوال العصور الماضية إن عندهم احتراف في الدعوة، إن مؤسسات تقوم على التبشير بالإسلام كما عند المسيحيين مثلاً، المسلمون العاديون هم الذين نشروا الإسلام، يعني كيف انتشر الإسلام في ماليزيا، في إندونيسيا، في الفلبين، في هذه البلاد، وفي كثير من البلاد الإفريقية؟ نشرها المسلمون العاديون، تجار، يعني يذهبون لهذه البلاد ليشتروا ويبيعوا، ويتعاملوا مع الناس بالأسلوب الطيب وبالخلق الحسن، فيحبهم الناس، يسألوهم أنتم مين؟ يقولوا إحنا مسلمين، يعني أيه مسلمين؟ يعني ديننا الإسلام؟ أيه الإسلام؟ فيشرحوا لهم الإسلام شرح الإنسان غير المتخصص، يعني شرح مبسط سهل، فيدخل إلى قلوب الناس، ولذلك أنا.. فهناك مستويات في الخطاب، الأصل من.. الذي نأخذه من.. من هذه الآية، أن كل المسلمين دعاة إلى دينهم (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
طيب إِلامَ ما ندعو؟ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ)، يعني الدعوة إلى سبيل الله، إلى طريق الله، بتعبيرنا الحديث: إلى منهج الله، الله -سبحانه وتعالى- جعل لنا منهجاً ندعو إليه، منهج للحياة، ينظم لنا الحياة، يقوم على إصلاح النفس وإسعاد الأسرة وهداية المجتمع، وتنظيم الدولة، وتقريب العالم بعضه من بعض، يعني فهذا المنهج الإلهي الذي يقوم على التربية والتوجيه ويقوم على التشريع والقانون، ويجمع بين يعني وازع القرآن ووازع السلطان، أو الوازع الذاتي والوازع الخارجي، هذا هو النهج (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) منهج، منهج الله عز وجل، يعني الداعي ما بيدعوش لنفسه أو بيدعو إلى قومه، دعوة يعني أو يدعو إلى طائفته، لأ، دا دعوة إلى الله، يعني فالربانية هي في هذا المنهج.
ماهر عبد الله: اسمح لي يعني فيه الأخ محمد أمين يبدو يعني يحتج على كل الكلام الذي يدور، بيقول: يا سيدي أنت رجل قارئ، مؤكد أنك قرأت لشارلز.. (تشارلز داروين) عندما تحدث وقال: ليس الأقوى.. ليس الأقوى أو الأذكي هو الذي يعيش ويبقى، ولكن الذي يبقى هو القادر على التغيير، كنا مسلمين مخلصين في مصر في الخمسينات والستينات بدون حجاب وبدون لحية، الآن النساء محجبات ومع ذلك يتفشى الزواج العرفي، لماذا تريدون إرجاعنا إلى القرن الخامس، لم يكن هناك طائرات ولا مرئيات ولا هاتف محمول في القرن، أرجو أن تحدثنا (Liberal Islam) الإسلام كما يقول، أو الإسلام الذي تراه يلائم، عايز إسلام تحرري يلائم خروج المرأة إلى الجامعة والعمل والقيادة، هل هذا الكلام يتناقض مع ما تفضلت به من سبيل الله ومنهج الله؟ هل هو الذي منعنا؟ تفشي الحجاب وتفشي اللحية، هو الذي منعنا من أن نصنع الهاتف المحمول ونمتلك الطائرات؟
د. يوسف القرضاوي: ما دخل هذا، المرأة المحجبة ما هي بتتعلم، تدخل الجامعة، بتأخذ الماجستير، بتأخذ الدكتوراه، يعني الحجاب هذا التزام خلقي، لا.. لا يمنع من التفوق العلمي ولا التقدم التكنولوجي ولا..، يعني الأخ اختلطت عليه الأمور، وإذا كان واحد عنده لحية، هل اللحية تعوقه عن.. عن شيء؟ إذا كان الناس بدون لحية زمان وأيام ما كانوا بدون لحية ماذا عملوا؟ يعني الأمور اللي.. اللي بعض الناس.. لا أريد أن أركز يعني أنا على اللحية أو على.. هذه سنن، ولكن هي بتمثل عند كثير من الشباب نوعاً من التحدي، يعني فيها دلالة على تحدي الآخرين، الآخرين يريدون أن يأكلوا المسلمين، أو أن يعني لا يجعلوا لهم بقاءً، أو لا يقيموا لهم وزناً، فهو أنا بأتمسك بهذه الأشياء، المسلمة تتمسك بخمارها، المسلم يتمسك بلحيته، هذه نوع من رموز التحدي، ولكن لا ينبغي إننا نركِّز على هذه، هو إحنا حينما نقول عن خطابنا هذا، نحن بندعو الناس إلى العلم وإلى العمل، وإلى التقدم، وإلى التفوق في كل ناحية منه، وإلى القوة، لا.. لا.. لا ندعو إلى خنوع، ولا إلى خمول، ولا إلى كسل، ولا إلى دروشة، ولا إن الناس تقعد يعني في.. في الزوايا تذكر الله وتنسى.. وتنسى أعمالها، دا القرآن نفسه حينما يقول في يوم الجمعة، يعني (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ) يعني قبل الجمعة كانوا بيبيعوا ويشتروا، وبعد الجمعة (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) مافيش عندنا رهبانية، ولا فيش عندنا حتى يوم يحرم فيه العمل، العمل مشروع في كل وقت وفي كل الأيام وفي كل أنحاء الحياة.
ماهر عبد الله: طيب قبل ما نتحدث عن الحكمة، نسمع من الأخ صلاح عبد الحي من الأردن، أخ صلاح، تفضل.
صلاح عبد الحي: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.
صلاح عبد الحي: القضية هي قضية كيف وماذا ندعو من الإسلام ونحمله للمسلمين أولاً قبل أن نحمله للغرب، فالإسلام أصبح معروفاً لدى جميع الناس، فصدِّق بأن أعداءنا يعرفون الإسلام ربما أكثر من المسلمين، فنحن الآن نريد أن نحمل الإسلام للمسلمين، ولكن ماذا نريد أن نحمل؟ ما المضمون الذي يجب أن نحمله للمسلمين؟ ليست قضايا جزئية، بل القضايا الأساسية هي التي يجب أن نبينها للناس، وأهم قضية أساسية للناس، هي أن يكون للإسلام حامٍ، أن يكون للإسلام دولة، وهذا يحتاج إلى كتلة، إلى جماعة مؤمنة مخلصة تحمل هذه الدعوة بوعي.. بوعي كبير، بحيث إذا قرأه الكافر والمسلم يقتنع به، نريد أساسيات قبل الجزئيات، فالجزئيات منثورة في ملايين الكتب الفقهية، ولكن هذه.. هذا الأمر الأساسي الذي يجب أن نحمله للناس، فالفئة هذه يجب أن تتسلح…
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب أخ.. أخ صلاح الفكرة واضحة، وإن شاء الله تسمع من الشيخ تعليق عليها للقضايا الأساسية وليس الفرعية.
نسمع من الأخ أحمد التويجري من السعودية، أخ أحمد تفضل.
أحمد التويجري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام ورحمة الله.
د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.
أحمد التويجري: الحقيقة أنا عندي اقتراح في هذه المناسبة، الخطاب الدعوي، أتمنى من فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي -وفقه الله وسدد خطاه، وأعز الله به الإسلام والمسلمين- أن يقترحه على رابطة العالم الإسلامي وبمشاركة جمع من علماء العالم الإسلامي بوضع خطاب دعوي قائم على.. على الكتاب والسنة، وعلى منهج سلف الأمة، ثم وضع لجنة عليا تكون هي المكونة أيضاً من العلماء الكبار من جميع أطراف العالم الإسلامي، تكون هي المقررة، أو هي المقررة لما يقول.. يكون فيه.. في الخطاب الدعوي من.. من الحركات الإسلامية، سواء كانت سلفية أو إخوانية أو غير ذلك من.. من.. أو تبليغية أو تكفيرية أو غيرها من..، يجتمع علماء المسلمين لوضع….
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب أخ أحمد يعني فكرتك برضو واضحة -إن شاء الله- تسمع من الشيخ تعليق عليها.
نسمع من الأخ عبد الرحمن، أخ عبد الرحمن تفضل.
عبد الرحمن: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.
عبد الرحمن: نسأل الله إن يصلح حالك بس يا أخ ماهر أنا.. وثاني شيء: الله يسلمك أنا لي يعني بس ملاحظة بالنسبة للدكتور، يعني قال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ).
د. يوسف القرضاوي: مش سامع.
عبد الرحمن: طيب بالنسبة للدعوة فيه ناس هادولا أنت.. إذا كان سيدنا نوح -اللهم صلى وسلم عليه- دعا قومه وما استجابوا له، رغم إن منهم مرته وابنه، فكيف.. فكيف بالنسبة لهؤلاء الحكام الذين هم عابثين، مجزئين الأمة وعابثين بثرواتها تقعد تدعوهم إلى الهدى؟ هادولا الله يقول: (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا)، وفي آية فاطر (إِن تَدْعُوَهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ) يستجيبوا لأسيادهم في الصهاينة في.. في إدارة الشر، وهذا الأمر لا يخفى على العارفين، وبعدين لي ملاحظة برضو كذلك على الدكتور يعني، وأرجو أن يتسع صدره في هذه النقطة، يعني أنا أسمع بعض الكلام يعني في محرف من بعض الكلمات في أحاديث وما من هذا، يعني زي حين الآية تقول في القرآن: (مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى) نحن نقول اليهود حرفوا في هذا، محرفين، ولكن للأسف نحن اللي أصبحنا المحرفين في.. في الكلام، يعني في بعض الأحيان.
ماهر عبد الله: كيف يا أخ عبد الرحمن؟
عبد الرحمن: هأضرب لك مثال، زي ما إنك يعني عدة إطارات تطلع.. زي مثلاً كثير ينطقوها كسير. زي ما (وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) مثلاً زي ما في.. في سورة المائدة أو (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) يعني مش مع شو اسمه هذا؟ إذا.. إذا ينطقوها المسلمين يعني للأسف، استغرب من هذه الأمور، يعني نحن نقول صدق الله يعني في قوله، والحديث..
ماهر عبد الله: وين التحريف، وين.. وين التحريف يا سيدي؟
عبد الرحمن: يحرفون الكلام عن مواضعه.
ماهر عبد الله: ماشي.. ماشي أيش.. أيش وين التحريف في هذا؟
عبد الرحمن: التحريف -الله يسلمك- بالنسبة يعني لعبارة، الكلمات يعني حديث حديس، يعني الثائر أصبح سائر حقيقة..
د. يوسف القرضاوي: طب ودا أيه إحنا دخلنا أيه في هذا يا أخي؟
عبد الرحمن: لا.. لا بس أنا ملاحظة أنا قلت يعني ملاحظة.
ماهر عبد الله: طيب مشكور جداً يا أخ عبد الرحمن تسمع تعليقك لكن بعض الفاصل.
[فاصل إعلاني]
دور الخطاب الإسلامي في تصحيح صورة الإسلام في الغرب
ماهر عبد الله: سيدي، كان الأخ صلاح ذكر أنه جزء من أهمية هذا الخطاب التركيز على المضمون، أنه لابد وهذا كان من المحاور التي كان يعني سنتطرق إليها، أنه يجب حمل المسلمين أولاً في الخطاب مع المسلمين، حملهم على التفكير بالقضايا الأساسية لا بالفرعية.
د. يوسف القرضاوي: يعني اللي هي القضية الأساسية عندهم قضية الخليفة.
ماهر عبد الله: ثم هو.. ثم هو عرَّف.. نعم.
د. يوسف القرضاوي: آه.. آه، يعني الآن غرضه يعني إقامة الخليفة، هذه قضية إخواننا يعني في حزب التحرير هم في كل حلقة، لابد أن يعني يثيروها.
الأخ بيقول يعني في كلامه إنه الإسلام أصبح معروفاً ولا يوجد أحد في العالم لا يعرف الإسلام، هذا كلام غير صحيح بالمرة، أنا أقول: المسلمون مقصِّرون في تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم، العالم فيه الآن أكثر من ستة مليارات من البشر، فيه ثلاث مليارات على الأقل يعيشون ويموتون ولم يسمعوا عن الإسلام شيئاً، فيه آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وهذه الأشياء ما.. ما عرفوا شيء، والنصف الآخر يعرف عن الإسلام صورة مشوهة، يعني وهذه تناقلت إليهم على توالي العصور من أيام الحروب الصليبية وغيرها، ونحن حتى الآن لم نبذل جهداً لتصحيح هذه الصورة، لأن ليس عندنا من الوسائل ما يبلغ هؤلاء، نحن يعني إذا كان ترجمة معاني القرآن لا يوجد عندنا ترجمة نطمئن إليها، لدقة مضمونها وبلاغة أسلوبها بأي لغة، حتى اللغة الإنجليزية اللي بيتكلم بها يعني الملايين، عشرات الملايين، مئات الملايين من المسلمين أنفسهم، ليس عندنا لغة في ترجمة إنجليزية، فما بالك بالأخرى، الإنجليز تُرجم إلى آلاف اللغات.. الإنجيل إلى آلاف اللغات واللهجات، ماذا قدمنا نحن؟ نحن مطالبون، وأنا أرى أن المسلمين مسؤولون أمام الله -عز وجل- عن ضلال هذه الأمم، إن هذه الأمم ستقول لله عز وجل: يا رب نحن لم نعرف هذا الدين، لم يوصِّل إلينا أحد هذه الرسالة، وحتى تقوم عليهم الحجة، الله -تعالى- يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) والعلماء المحققون قالوا: لابد أن تبلغهم الدعوة بلوغاً يحمل على النظر والبحث، يعني لو بُلِّغت إليه الدعوة، إنه قام واحد بجزيرة العرب قعد يقتل الناس، والسيف بيد، ويأخذ النساء الجميلات يضمهن إلى حريمه، يعني هذه ليست مشوقة ليبحث عن هذا الدين فالأخ بيقول خلاص دا إحنا كل القضايا انتهت ما عادش بس غير الخليفة اللي هو يعني، إحنا والمسلمون محتاجون إننا نعلمهم ألف باء الإسلام، فيه ناس قبل ما نقول لهم الخليفة والكذا، عايزين نعلمهم أركان الإسلام، عايزين نعلمهم العقيدة الإسلامية الصحيحة، عايزين نعلمهم العبادات حتى يعبدوا الله وحده، كثير من المسلمين لا يصلون، كثير من المسلمين يرتكبون المنكرات والكبائر، فالإخوة الذين يريدون أن يجعلوا إنه هي القضية الوحيدة الأساسية والأصلية والكبرى هي قضية إنه دولة يعني ممثلة في خليفة يحمل رسالة الإسلام، إحنا من.. من أول من يدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية، ولكن كما قلنا غير مرة، إقامة الخلافة الإسلامية هذه تتويج لمراحل إسلامية قبلها، لابد أن يقوم الإسلام في عدد من الأقطار الإسلامية، وتحكم شريعة الإسلام، هؤلاء الناس نريد أن.. ينضم بعضنا إلى بعض لنقيم خلافة، إنما مازالت لكل بلد يعتبر نفسه لوحده وبتاع، إذا كان المؤتمر الإسلامي حتى الآن لم يعني يقم بدوره يعني كما ينبغي، ودا بس نوع من التقارب أو التضامن أو يعني سميه ما تسميه ما وصلش إلى وحدة وإلى كذا، هذه يعني..
ماهر عبد الله: بيان تاريخي.
د. يوسف القرضاوي: لابد من خطوات حتى نصل إلى المرحلة التي يريدها إخواننا.
ماهر عبد الله: ينتهي المؤتمر.. المؤتمر الإسلامي اليوم سيدي، الأخ عمر، يوسف عمر السايس رجل أعمال من.. من اليمن فيما يتعلق بالجزء الأول من ردك على كلام الأخ صلاح، يقول: إن منظرو الحضارة الغربية، نعدِّل الصياغة بعض منظري الحضارة الغربية، (فوكوياما)، في "نهاية التاريخ"، (وهنتنجتون) في.. الحضارات، في "صدام الحضارات" كلهم وضعوا الإسلام كدين وليس منظمات متطرفة في موضع العدو لحضارتهم، فأي خطاب ينفع معهم؟
د. يوسف القرضاوي: أنا يعني اللي أولاً: أريد أن أقول شيء، نحن مأمورون أن نحاور الآخرين، يعني القرآن يقول (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) جادلهم أمر، مثل ما قال (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ) هذا مفروض إنه يكون للمسلمين، (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) للمخالفين للمسلمين، نحن يعني هذا مش تكتيك استراتيجية لنحاورهم، نحن أعتقد إننا إذا حاورنا بالتي هي أحسن كما أمرنا القرآن، نستطيع أن نتغلب عليهم، لأن منطقنا أقوى من.. من منطقهم لأنه يعني لماذا وُضع الإسلام باعتباره ديناً عدواً؟ لماذا رشحوه العدو البديل للاتحاد السوفيتي؟ يعني على أي أساس؟ لماذا اعتبروه الخطر القادم؟
هذا ينبغي أن نحاورهم، أنا دعوت إلى حوار هؤلاء، العقلاء منهم على الأقل، يعني لا نستطيع أن نقول إن الغرب كله يحمل هذا الفكر، الغرب ليس شيئاً واحداً، الغرب ليس اليمين المسيحي المتطرف في أميركا، الذي يمثله (بوش) وجماعته، والتي يقول جنرال كبير فيهم: إن المسلمين يعبدون وثناً، ويقول: إن ليس الشعب الأميركي ولا المنتخبون هم الذين انتخبوا بوش، الله هو الذي.. جاء ببوش، هو اللي عمله رئيس، الله، يعني ويعني فهذا اليمين المسيحي مش هو كل الغرب، فعندنا ناس نستطيع أن نخاطبهم، وأن نقاوم الحجة بالحجة، وحجتنا والحمد لله قوية، فنحن يعني لا.. لا نيأس أبداً من خطاب الآخرين، إحنا نقول دايماً الإسلام دعوة عالمية، وهو فعلاً دعوة عالمية، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)،(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)، ولكن في ناحية التطبيق لا نفعل هذا، لا نبلِّغ رسالة الإسلام إلى العالم، وهذا لا يقوم به أي واحد، يعني هناك أناس لا يصلحون أن يكونوا دعاة عالميين، حسبه إنه يكون يعني واعظ في قرية، أو خطيب في.. في المسجد في ناحية، إنما لكي يكون داعية عالمياً، هذا يحتاج لإعداد لم نعد له، وليس عندنا إلا القليلون جداً من هذا النوع الذي يصلح لمخاطبة العالم.
ماهر عبد الله: طيب نسمع من قبل ما نجاوب الأخ أحمد والأخ عبد الرحمن، نسمع من الأخ كمال شكري من ألمانيا، أخ كمال تفضل.
كمال شكري: تحية لك يا أخ ماهر وتحية للأستاذ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، الحقيقة أنا لي مداخلتين يعني بمحورين سريعين، المحور الأول بالنسبة للخطاب الإسلامي، أو ما.. مع حوار هذا أساساً، وهو في وجهة نظري منذ أكثر من.. من مئات السنين ويتم عن طريق التدخل اليهودي والصهيونية العالمية في موضوع غسيل الدماغ واللعب في الدماغ حتى يعني يتم سيطرة على ما.. ما نحصده حالياً وهو المنهج التعليمي، إلغاء مثلاً دراسة الدين، السيطرة على جامعات عظيمة لها شأن من مئات السنين لتضييق رسالة الإسلام، اللعب في الدماغ وغسيل المخ دي نقطة أساسية في وجهة نظري يعني بيقع فيها الكثير من العلماء ومن.. ومن يعني أو الناس المختصين بهذا الشأن.
النقطة الثانية سريعاً يا أخ ماهر: وهو ما رأيته في الخطاب الختامي للمؤتمر الإسلامي في ماليزيا والشجاعة الأدبية العظيمة-في وجهة نظري- للسيد رئيس الوزراء (مهاتير محمد) ووزير خارجيته بإنهم قالوا أو ضربوا بالشاكوش على المسمار تماماً وصابوه تماماً في وجهة نظري، وقالوا للعالم: نحن المسلمين ليس لنا أي عداء مع اليهودية إطلاقاً، المشكلة هي فلسطين، المشكلة هي الدماء التي.. التي تسيل في فلسطين، المشكلة هي السيطرة والهيمنة الأميركية الصهيونية في العراق، هي دي مشكلة المسلمين، المسلمين هم الناس اللي فتحوا أذرعتهم لليهود الذين كانوا يذبحوا في أوروبا في العصور الوسطى وأتوا إلى شمال إفريقيا واحتضنهم المسلمين، هو دا الرسالة الإسلامية اللي في وجهة نظري لازم تتم..
ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طب أخ.. أخ كمال..
كمال شكري: ولم نسمع بهذا -يا أخ ماهر- في جميع الإذاعات أو في معظم الإذاعات والفضائيات للأسف، وشكراً. وأرجو إن الدكتور يوسف يعلق على الكلام دا.
ماهر عبد الله: إن شاء الله، كونه سمعه منك، نسمع من الأخ عامر العراقي من بريطانيا، أخ عامر اتفضل.
عامر العراقي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
عامر العراقي: تحية طيبة لك يا أخ ماهر ولضيفك الكريم، الحقيقة يعني أحببت إثارة نقطتين.
النقطة الأولى: فيما يتعلق بالدعوة إلى دين الله -سبحانه وتعالى- فيعني قد يفهم من الكلام اليوم إنه الدعوة إلى دين الله هي دعوة فردية، حيث تم التركيز على مسألة الداعية وصفات الداعية، مع أن هذا الشيء هو مستحب ومطلوب من المسلم، لكن الدعوة إلى دين الله -سبحانه وتعالى- في أساسها هي دعوة جماعية وليست دعوة فردية، والحقيقة نحن لا نتوقع من الأفراد في أمة المسلمين الملاحقين اليوم في بلاد المسلمين أنفسها أن ينهضوا بالدعوة الإسلامية وبأعبائها وهم غير آمنين لا على أموالهم ولا على أعراضهم، ولا على أنفسهم، ولا على أديانهم، فهذه المسألة الحقيقة نحمِّل هؤلاء أكثر من طاقتهم عندما نقول أنهم سيحاسبون على تقصيرهم وتفريطهم، فهذه الدعوة لا ينهض بأعبائها إلا جماعة، هذه المسألة الأولى.
المسألة الثانية: فضيلة الشيخ تحدث عن أن نصف سكان الكرة الأرضية يعيشون ويموتون وهم لا يعلمون شيئاً عن الإسلام، وقال هذا من تقصيرنا وأنا يعني أشدد على هذا الكلام، وأقول: نعم هذا من تقصيرنا، ولكن هذا ليس من تقصير الأفراد، ولكن هذا بسبب غياب النموذج الإسلامي، بسبب غياب الكيان والنظام الذي يحكِّم شرع الله، والذي يُري العالم أن الإسلام نظام شامل لجميع نواحي الحياة، قادر على أن ينهض ويحل لهذه البشرية مشاكلها ويخرجها من الظلمات إلى النور، وهذا لا يتم -يا سيدي الفاضل- إلا من خلال دولة، العالم لم يعرف دولة الإسلام ولم يبايع..
ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طيب أخ.. أخ عامر أخ عامر يعني الفكرة.. الفكرة واضحة وأعتقد تكون وصلت، وأتوقع وقد أطلب من الشيخ ألا يعلق عليها موضوع الدولة هذا. نسمع من الأخ أبو مشاري من قطر.
أبو مشاري عبد الله: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.
أبو مشاري عبد الله: مساء الخير.
ماهر عبد الله: مساء النور. اتفضل.
أبو مشاري عبد الله: أخ ماهر زعلان عليك أنا.
ماهر عبد الله: اتفضل، عاتبني يا سيدي
أبو مشاري عبد الله: لأنك تقاطع دائماً..
ماهر عبد الله: نقاطع فقط الذي يخرج عن موضوع الحلقة.
أبو مشاري عبد الله: ما نخرج عن الموضوع إحنا عندنا انتقادات وملاحظات نبينها بشكل أخوي ودِّي مؤدَّب، المهم يا أخ ماهر، وأحيي أيضاً الشيخ يوسف القرضاوي.
د.يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.
أبو مشاري عبد الله: وعندي ملاحظات على بعض كلامه، وأيضاً نقطة في موضوع (..) إن شاء الله، على الخطاب الديني، في البداية يوسف القرضاوي.. الشيخ يوسف يعني أثنى على علي عزت بيجوفيتش وقال إنه قاسى من أجل استقلال أمته، علي عزت بيجوفيتش أثناء القتال الشرس في البوسنة في 93-94 كانت له تصريحات في وسائل الإعلام قال: نريد تطبيق الديمقراطية الغربية، أي العلمانية، وقد طبقها فعلاً بحذافيرها بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية، ولا عجب من شيخنا يوسف إنه يقول مثل هذا الكلام، فالشيخ يوسف -أرجو أن يتسع صدرك يا شيخ يوسف- فقد حيَّا الطيارين الإسرائيليين من على منبر الجمعة الذين رفضوا ضرب المواقع المدنية الفلسطينية، طيب لو كانت هذه المواقع غير مدنية أي عسكرية أفلا يحييهم؟ هؤلاء الطيارون اغتصبوا الأرض وعاثوا في الأرض فساداً فلابد أن يطردوا منها..
ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طيب النقطة الثانية أخ مشاري هذه واضحة، النقطة اللي وراها.
أبو مشاري عبد الله: النقطة.. تجديد الخطاب الديني، مع.. مع التحفظ على كلمة الديني، هناك لاشك يعني المتابع للساحة يرى التيارات كثيرة، سلفية وإخوانية وغيرها الكثير، حتى هذه التيارات قد تفرعت وتحزبت وتشتت وضاعت، إلا ما رحم ربي، وللأسف الشديد إن كثير من العلماء متناقضون في جمودهم، في تحجُّرهم، يشترون دينهم بعرض من الدنيا، ويشحتون عند أبواب السلاطين والبلاط الملكي، وهل بعد ذلك ننظر منهم تجديد؟
إن المجددين -للأسف الشديد- أكثرهم في السجون السياسية أو مطاردون في شتى بقاع الأرض أو لاجئين سياسيين، وشكراً.
ماهر عبد الله: طيب مشكور جداً أخ أبو مشاري. سيدي، الأخ أحمد التويجري كان سأل هل هناك معنى لتشكيل لجنة للخطاب الدعوي قائم على الكتاب والسنة تجمع علماء الإسلام في.. في تصوُّر مشترك لما يجب أن تكون عليه الدعوة؟
د.يوسف القرضاوي: والله هو لا بأس يعني بشيء من ذلك، والمجمع الفقهي الدولي الإسلامي يعني جعل هذا الموضوع من الموضوعات التي ستُطرق في.. يعني مؤتمره القادم أو في دورته القادمة في عُمان بعد عدة أشهر، ولعله يخرج بتوصية، كل ما يستطيع مثل هذه المجامع أو.. في رابطة العالم الإسلامي كما يقول الأخ أو كذا إنها تصدر بتوصيات، هل هذه التوصيات مُلزمة؟ لأ، نحن كل ما نريد أن نفعله نحن إننا يعني نحدث نوعاً من الوعي بما يجب أن نقوله للناس، الدعوة يعني لمن تكون وبماذا تكون، وأنت سألتني في أول الأمر عن معالم المنهج الدعوي، واتكلمنا عن الداعي والمدعوين والمنهج (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) ولم نتحدث عن الحكمة وعن الموعظة الحسنة، والحكمة هذه أن تعطي الشيء لمن يستحقه وتضع الأمور في موضعها، تضع الشدة في موضع الشدة واللين في موضع اللين، كما يقول أبو الطيب:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
الحكمة.. الحكمة هي خطاب العقول بحيث تقتنع، والموعظة خطاب القلوب بحيث تتحرك، ولابد.. وهذا مطلوب في بعض الأوقات، وهذا مطلوب في بعض الأوقات، وهذا مطلوب لبعض الناس.. لبعض الفئات، وهذا مطلوب لبعض الفئات الأخرى، يعني الحكمة للخواص والموعظة للعوام، وقد يحتاج إن يمزج هذا بذاك، الحكمة أن يتدرج ويأخذ الناس بنوع من التدرج، الأمور ما تقدرش تريد إنك تعلم الناس كل الإسلام..، ربنا فرض الفرائض وحرَّم المحرمات بهذا المنهج التدرُّجي، الحكمة إنك تعطي الأمور يعني حقها، تسعيرتها الشرعية، كل عمل له تسعيرة، لا.. لا تؤخر ما حقُّه التقديم ولا تقدِّم ما حقُّه التأخير، إلى آخر هذه..، فهذه يعني الأمور ممكن إنه توضع يعني منهج جيد وتضعه لجنة وكذا، ولكن من الذي يُلزم الناس؟ سيظل الناس في حاجة إلى أن يعوا بأنفسهم، الدعاة والمخاطبون في كل مكان هو.. هم الذين يجب أن يفهموا ويستنيروا، مهمتنا التفقيه والتثقيف.. يعني.
ماهر عبد الله: طب كلامك للأخ عبد الرحمن شنو، لما قال الحكام تحديداً، عاتبك على الاستبشار والتفاؤل بالحديث معهم قال (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً)؟
د.يوسف القرضاوي: لا يعني.. يعني (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) هذا في.. في قوم معينين، اللي ربنا مثلاً قال فيهم (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) ومع هذا ظل الرسول إلى آخر لحظة يدعوهم ويبشِّرهم وينذرهم، لم يترك هذا لحظة واحدة، وخصوصاً إن إحنا لا نعرف من ختم الله على قلبه وخُتم له بالكفر وإنه سيموت على الكفر ومن سيهتدي، فنحن مطلوبون أن.. أن نخاطب الناس ولا نكف أبداً عن الدعوة أبداً، لا ييأس الإنسان، وبعدين المسلم هو ليس مسؤولاً عن النتائج، الداعية ليس مسؤولاً عن أن يهتدي الإنسان أو لا يهتدي، أنت ابذر الحب وأرجو الثمار من الرب (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ)، عليك الدعوة وليس عليك الهداية، عليك البلاغ وعلى الله الحساب (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ)، فعلى المسلم أن يفعل هذا و(فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) يعني.
ماهر عبد الله: الأخ أبو مشاري عندك تعليق على كلامه على علي عزت بيجوفيتش إنه طالب بالديمقراطية.
د.يوسف القرضاوي: نعم؟
ماهر عبد الله: اتهم علي عزت بيجوفيتش بأنه كان في تاريخه يدعو إلى الديمقراطية، ولم يدعُ إلى إقامة دولة إسلامية، فكيف تعزِّي فيه مفكراً إسلامياً؟
د.يوسف القرضاوي: والله يعني أنا يعني مخالف هؤلاء الإخوة الذين يظنون أن الديمقراطية ضد الإسلام، الديمقراطية في المجتمع المسلم هي الشورى بما يحيط بها، شورى المسلمين، يعني بيقول لك لأ، الديمقراطية هو إن الشعب هو اللي بيحكم، مادام شعب مسلم فهيحكِّم الإسلام، إنما إحنا بنأخد من الديمقراطية ضماناتها وأساليبها، يعني بناخد الانتخاب بدال ما.. كيف نختار أهل الحل والعقد؟ خصوصاً في المجتمعات الكبيرة زي مصر أو باكستان أو إندونيسيا؟ نعرفهم إزاي؟ عن طريق الانتخاب، كيف في الأمور المباحة والأمور ذات الوجهات المتعددة، كيف نعرف الراجح من المرجوح والصواب من الخطأ؟ ما يعني تقول الأغلبية، ما تراه الأغلبية في هذه الأمور هو الصواب، زي يعني سيدنا عمر ما قال: إذا خمسة -في.. في عملية ستة أصحاب الشورى- إذا خمسة رضوا واحد وواحد قال لأ، يبقى يا إما يسير معاهم وينضم إليهم أو تُضرب عنقه، أربعة واثنين كذا.. يعني حكَّم الأغلبية، فالديمقراطية ليست كفراً وليس ضد الإسلام، وبعدين علي بيجوفيتش أصله يعني ما كانش في مجتمع مسلم تمام الإسلام، دا مجتمع عاش في.. تحت ظل الشيوعية يعني نصف قرن من الزمان ويحتاج إلى أن يتعلم ألف باء الإسلام من.. من جديد، فاتهام يعني علي بيجوفيتش يعني والنظر إلى مساوئه فقط دون النظر إلى يعني كفاحه وإلى صبره، وإنه قعد في.. في السجن مدد طويلة، الأخ بيقول يعني الدعاة هم الذين في.. (السجون) هو قعد في السجون، وإذا كان هو بيزايد علينا يعني، يعني فالحمد لله أخذنا حظنا يعني من هذا، وليس من الضروري أن يظل الداعية طول حياته في السجن يعني، وأنا معه في قولة الخطاب الديني، أنا.. أنا.. أنا يعني الكتاب اللي يعني كتبته في هذا ويعني ربما يصل إلى المطبعة يعني قريباً، اسمه "خطابنا الإسلامي في عصر العولمة"، أنا دائماً أحب كلمة الإسلامي وليست كلمة الديني يعني.
ماهر عبد الله: وكنت أعرف طبيب سوداني اعتُقل مع علي عزت بيجوفيتش المرة الأولى..
د.يوسف القرضاوي: نعم؟
ماهر عبد الله: طبيب سوداني اعتُقل مع علي عزت بيجوفيتش في المرة الأولى أيام (تيتو)،كان الرجل كلما تذكر، كان يعطي محاضرات عن تجربة المسلمين في يوغسلافيا، كلما تذكر دخوله على الزنزانة اللي فيها علي عزت بيجوفيتش كان يبكي من شدة سوء الحالة اللي كان فيها علي عزت بيجوفيتش من شدة التعذيب، من شدة الضرب.
نسمع للمكالمات الأخيرة في هذه الحلقة من الأخ عمر جميل من فرنسا أولاً. أخ عمر.
عمر جميل: أيوه، السلام عليكم.
ماهر عبد الله: اتفضل عليكم السلام.
عمر جميل: نسلم عليك وأسلم على.. على السيد القرضاوي.
بداية الحديث بأحب أفضل إني أبلش بحديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- بيقول "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" بما إنه الإسلام كحديث للعامة مش لخصوصي يعني لعامة الناس، فمعناته إنه ما فيه طبقية، الاختلاف.. الاختلاف بالفكر الإسلامي والاختلاف بالفهم الإسلامي هو مشروع ليش؟ لأنه الخطاب كان للعامة بمختلف طبقاتهم الفكرية، ولكن المفروض كتوحيد الكلمة واللي قال فيها الرسول -عليه الصلاة والسلام- من بعد نشر الدعوة أو خلال نشر الدعوة هو اللي أمره فيه رب العالمين هي البيعة، إنه يكون مُبايع من قبل المسلمين لأخذ قرار باسم المسلمين، وهذا سيد.. هذا سيد المرسلين، عارف كيف؟ فاليوم.. اليوم نحنا مشكلتنا مش بالفهم أو بالحديث أو بالمنطق، المشكلة اللي عندنا إياها نحنا إنه من بعد هدم الدولة العثمانية وخلال بعد سنة الـ1924 صار فيه عندنا مصادرة قرار، مصادرة قرار سياسي ومصادرة قرار ديني لاهوتي.
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب سيدي.. سيدي ماشي، يعني نقطتك واضحة يا إخواننا يعني ها الموضوع إلى أن يأتي الخليفة، يا إخواننا في الله إلى أن يأتي الخليفة لابد لنا أن نتعامل مع هذه الحياة، ما نتحدث به الليلة هو جزء من هذه التفاصيل التي لابد من القيام بها إلى أن يأتي الخليفة، قد يتأخر قرن آخر، نحن نطالب بهذا الخليفة منذ قرن من الزمن، لا يمكن لنا أن نعطل الفكر الإسلامي، والخطاب الإسلامي، والفقه الإسلامي والحياة الإسلامية إلى أن يأتي الخليفة، لابد من.. من ملئ الفراغ، فأرجوكم أن تضعوا هذا في الاعتبار، من حق الناس أن تؤمن بأن قضية الإسلام الأولى هي الخلافة لكن القضية طُرحت أربع خمس مرات في.. في هذه الحلقة، ناس كثيرة لا ترى غير هذا الطرح، وهي قد تكون مصيبة في ألا ترى هذا الطرح، وهذا ليس تقليلاً من قيمة هذه الدعوة.
نسمع المكالمة الأخيرة من الأخ سلطان فارس من السعودية. أخ سلطان اتفضل.
سلطان بن فارس: آلو، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة والإكرام، اتفضل يا سيدي.
سلطان بن فارس: تحياتي لك أخ ماهر، وتحياتي لفضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، اسمح لي دقيقة.. دقيقتين بس أعبر عن بعض وجهة نظري، فضيلة الحبر العلامة والعالم الفهامة الدكتور يوسف القرضاو، سلمه الله وأبقاه ذخراً وفخراً للأمة العربية والإسلامية ومن ناحية سلامي لكم متربين على كتبكم منذ 27 عاماً، وجدنا فيها متنفساً روحياً ونفسياً ومنهجاً يراعي متطلبات الجسد والروح وأسلوباً يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وطريقاً تحقق الإنسانية فيها إنسانيتها وكرامتها، في ظل الوسطية والاعتدال والمرونة التي ينتهجها فضيلتكم والتي لا نتأثر باتجاه السلطات ومقتضيات المصلحة.
لي تعليقين متعلقة بالخطاب الديني اسمح لي بها، أولاً: الدعوة الأحادية قبل الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية والتي دعا إليها فضيلتكم على اعتبار أن الشريعة جزء لا يتجزء من الدين، ومن خلال آيات قرآنية صريحة وواضحة في.. في قصة سيدنا موسى -عليه السلام- وفي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: هناك أشخاص يتصلون على (الشريعة والحياة) دائماً ينادون بالتشدد والخلافة الإسلامية وما إلى ذلك بدون وعي، وبدون إدراك، وبدون علم، فلا.. فلا تعبأ بهم يا شيخ يوسف ولا تتأثر بأسلوبهم الذي.. اللي يخرج في كثير من الأحيان عن اللباقة في الحديث وفي أصول الحوار، وَضَعْ في اعتبارك..
دور الهيمنة الأميركية في تشويه الخطاب الإسلامي
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب أخ.. أخ سلطان إحنا خلينا إحنا نرد عليهم، يعني الشيخ صدره أوسع من.. من هيك وأوسع.. وسمع أشد من هذا الكلام، يعني يوصيك بألا تعبأ بمن ينتقد أسلوب الدكتور القرضاوي في تقديم بعض قضايا الإسلام، وأؤكد لك إنه الشيخ صدره أوسع من هذا ولن يستفزه أحد يعني في هذه الاتجاه أو في.. في غيره.
كان الأخ كمال شكري طلب رأيك في.. في.. في موضوع الخطاب النهائي اللي ألقاه مهاتير محمد وزير الخارجية في مؤتمر القمة الإسلامي.. رئيس وزراء ماليزيا في نهاية المؤتمر.. الكلمة الختامية للمؤتمر القمة الإسلامي المعقود في كوالالمبور أشار إلى أن هو أسماها إنه ضرب المسمار.. ضرب الشاكوش على المسمار مباشرة عندما قال أن الأزمة في.. في موضوع الحوار هذا الذي نشكو من غيابه في الهيمنة الأميركية.. الهيمنة الأميركية على الدنيا هي الأزمة وليست أزمة خطاب إسلامي المشكلة ليست في المسلمين، ليس في خطاب الإسلام ليس في خطاب المسلمين المشكلة في الهيمنة الأميركية، هل.. هل لك تعليق على هذا في آخر دقيقتين؟
د. يوسف القرضاوي: هو كلامه طبعاً يعني صحيح، هذا الذي أسميه التألُّه الأميركي، المشكلة التي نعانيها ويعانيها الكثيرون معنا في العالم هو هذا التأله الأميركي، معنى التأله أيه؟ التألُّه هو أن يرى الإنسان أنه وحده صاحب الحق، من حقه أن يفعل ما يشاء، وأن يقول ما يشاء، وأن يتصرف كما يشاء، وعلى الناس جميعاً أن يذعنوا، إحنا عندنا في القرآن وصف لله تعالى (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) فأميركا لا تُسأل عما تفعل، يعني القانون الذي.. الذي صدر يعني منذ أيام في الكونجرس الأميركي بمحاسبة سوريا ومعاقبة سوريا، مَنْ أقام أميركا وصياً على العالم تعاقب من تشاء وتحاسب من تشاء؟ ولما ضُربت سوريا في عقر دارها لم تلُم الضاربين، لامت المضروبين وحاسبتهم وعاقبتهم، هذا.. أميركا هي عاد الأولى (أَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) هذه هي مشكلة أميركا، ولكن ليست كل أميركا، هو يعني أميركا التي يعني قُدِّر لها أن تسير الآن في ركاب اليمين المسيحي المتطرف، وكثير من الأميركان لا يوافقون على هذا.
ماهر عبد الله: طيب سيدي، أنا متيقن إنه هناك الكثير مما يقال في هذا على الأقل في موضوع الحلقة، قد نعود إليه بعد أسبوع أو أسبوعين.
إلى أن نلقاكم، لم يبقَ لي إلا أن أشكركم وأشكر باسمكم فضيلة العلامة الدكتور القرضاوي، تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله -تعالى- وبركاته.