الشريعة والحياة

الخطاب الإسلامي في العصر الحالي

الخطاب الإسلامي ودور العلماء في تطوير وتدقيق هذا الخطاب، الحكمة والموعظة في الخطاب الإسلامي وكيفية مواءمته مع العصرالحالي،مساوئ الخطاب المتشددفي العصر الحالي.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:

د. يوسف القرضاوي

تاريخ الحلقة:

02/11/2003

– الحكمة والموعظة الحسنة في الخطاب الإسلامي
– مساوئ الخطاب التشددي في العصر الحالي

– كيفية مواءمة الخطاب الحسن مع الواقع الحالي

– الإيمان بالوحي وإعمال العقل في الخطاب الإسلامي

– دور العلماء في تطوير وتدقيق الخطاب الإسلامي

– ملامح النموذج الإسلامي الصحيح


undefined

ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة)، والتي تأتيكم في هذه.. في هذا الأسبوع الثاني من هذا الشهر الفضيل الذي نرجو الله -سبحانه وتعالى- أن يعمنا ببركاته وبفضله، وأن يجعلنا في نهايته من الناجين والمغفور لهم.

تحدثنا قبل أسبوعين عن كيف يجب أن يكون خطابنا الإسلامي وليس بالضرورة خطابنا الديني في عصر العولمة، تحدثنا عن أننا حتى في بيوتنا كلنا نمارس تنويعات مختلفة من الخطاب، نتحدث مع أطفالنا بغير اللهجة التي نتحدث بها مع زوجاتنا، بغير اللهجة التي نتحدث بها مع جيراننا، بغير اللهجة التي نتحدث بها مع من نتخاصم معهم، هذا لا يعني بالضرورة ازدواجية في الشخصية، ولا يعني بالضرورة أنها حالة مرضية، وإنما تعكس تنوعاً لابد منه تقتضيه ضرورات الحال وطبيعة المرحلة التي نعيش.

بالتالي طبيعي أن يكون هناك خطاب إسلامي متنوع، تحدثنا أيضاً عن أن الخطاب ليس بالضرورة هو الفكر الإسلامي، كما أن الفكر الإسلامي ليس بالضرورة أن يكون هو العقيدة الإسلامية، الفكر الإسلامي يستند إلى هذه العقيدة والخطاب هو أسلوبنا في التعبير عنه، والذي يجب أن يتغير من حال إلى حال.

فضيلة العلاَّمة الدكتور القرضاوي له كتاب سيصدر قريباً عن خطابنا الإسلامي في عصر العولمة، ولهذا هو أنسب من يحدِّثنا عن هذا الموضوع.

سيدي، أهلاً وسهلاً مجدداً بك.

د. يوسف القرضاوي: أهلاً بكم يا أخ ماهر.

الحكمة والموعظة الحسنة في الخطاب الإسلامي

ماهر عبد الله: إحنا في.. في المرة الماضية يعني وعدنا أن نعود إلى خصائص خطابنا الإسلامي، لكن باختصار الهواتف استهلكتنا الأسبوع الماضي، ما تحدثناش كثيراً عن الحكمة والموعظة الحسنة، تحدثنا قليلاً عن.. عن الحكمة ولم نتحدث عن الموعظة الحسنة، لو باختصار كانت مقدمتنا عن الحكمة والموعظة الحسنة كجزء أساسي من منهج الخطاب القرآني.

د. يوسف القرضاوي: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة السلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

وأبدأ هذه الحلقة بالتهنئة للإخوة المسلمين في قطر وفي بلاد الخليج وبلاد العرب وبلاد الإسلام، وفي مشارق الأرض ومغاربها، حيث يكون المسلمون، وحيث ترتفع المآذن بلا إله إلا الله محمد رسول الله، أنتهز هذه الفرصة لأهنئ المسلمين بشهر رمضان، حيث لم أكن في الحلقة الماضية، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعله شهر خير وبركة عليهم، وأن يخرجهم منه برحمة ومغفرة وعتق من النار.

كما أنتهز هذه الفرصة أيضاً لأزجي خالص التهنئة إلى الإخوة المسؤولين في هذه القناة.. قناة (الجزيرة) حيث أتمت سبع سنوات، ودخلت في الثامنة، وإتمام السنوات السبع يعني عليه مسؤوليات حتى الطفل عندما يبلغ سبع سنوات يؤمر بالصلاة، ويبلغ مرحلة التمييز، فتهنئتي للإخوة هنا بهذه السن، وأسأل الله -تعالى- أن يجعل يوم (الجزيرة) خيراً من أمسها، ويجعل غدها خيراً من يومها، وأن يحتفل بها أبناؤنا وأحفادنا في السبعين وبعد السبعين إن شاء الله، اللهم آمين.

تحدثنا طبعاً عن الخطاب الإسلامي في هذا العصر الذي يسمى عصر العولمة، وقلنا: إن هذا العصر ينبغي أن نراعي فيه التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، ولابد أن يتغير خطابنا، لا نغيِّر ديننا، ولكن نغيِّر يعني خطابنا كما تتغير الفتوى بتغيُّر الزمان والمكان، يتغير الخطاب الإسلامي بتغير الزمان والمكان، وليس معقولاً أن نجمد على خطابٍ واحد والعالم يتحرك من حولنا.

وقد ذكرنا أن القرآن الكريم بيَّن المعالم الأساسية لمنهج الدعوة في آية أو بعض آية من كتاب الله (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وقلنا إن أول هذه المعالم أن كل مسلم مطالب بالدعوة، مخاطب بهذه الآية، كل مسلم داعية إلى الله، أما المدعوون فكل العالم، المسلم يدعو كل العالم مسلمين وغير مسلمين، يدعو غير المسلمين للهداية إلى الإسلام، لأن المسلمين لا ينبغي أن يحتكروا هذه الهداية لأنفسهم، ولا ينغلقوا على ذواتهم، يمكن اليهود دين انغلاقي، ولكن الإسلام دين انتشاري، ينبغي أن يدعوا المسلمون العالم كله إلى الإسلام، ويبذلوا في ذلك جهوداً حتى يكون رحمة للعالمين حتى يوزعوا هذه الرحمة على أكبر قدر ممكن من الناس.

ماهر عبد الله: بس تسمح لي هنا أيش الفرق بين الانتشاري والتي يمكن أن تفهم على أنه توسعي بمعنى أن..

د. يوسف القرضاوي: على أنها أيه؟

ماهر عبد الله: توسعي، وهي التهمة التي نتهم بها الإمبراطوريات، نتهم بها..

د. يوسف القرضاوي: لأ، دا توسيع الدعوة، يعني إنه دعوة من انتشارية، فيه دين يعني لا.. لا يهتم بإدخال الناس فيه، وكأنه دين شعب معين، إنما ولذلك اليهودية كأنه دين بني إسرائيل حتى التوراة نفسها، يعني تقول: رب بني إسرائيل، رب الجنود، رب الشعب، الشعب المختار، وكل شيء وحتى التوارة كلها حديث عن بني إسرائيل ومُلك إسرائيل وأرض إسرائيل، إنما الإسلام يعني من أول آية فيه بسم الله الرحمن الرحيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) دين عالمي، آخر سورة في القرآن (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ)، مش ملك العرب، أو إله العرب، فبطبيعته فالدعوة.. الدعوة يعني فليس من الضروري أنك تنشر الدعوة بالسيف، انشرها باللسان، انشرها بالأخلاق، انشرها، كما فعل المسلمون بالفعل، فهي دعوة يعني عالمية بطبيعتها، فأنا أقول أن المدعوِّين هم المسلمون وغير.. وغير المسلمين أيضاً على اختلاف أديانهم وعلى اختلاف مذاهبهم، والمسلمون أيضاً، المسلمون مدعوون، يعني ندعوهم إلى.. ندعو العاصي لأن يتوب، وندعو الضال أن يهتدي، وندعو المنحرف أن يستقيم، وندعو المهتدي أن يزداد هدى، وأن يثبت على هداه، يعني الإنسان حتى المهتدي مُعرَّض أن ينقص.. تنقص هدايته، يتقاعس بعض.. بعض الشيء أو ينحرف تأتيه يعني أسباب غواية فيغوى، ولذلك إحنا بنقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ)، لماذا يقول المسلم في صلواته الخمس كل يوم سبع عشر مرة على الأقل (اهْدِنَا الصِّرَاطَ) يعني ما معنى اهدنا.. يعني ثبتنا يا رب على.. على الهداية اللي إحنا عليها، وزدنا هدى، فهذا هو شأن الدعوة، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ)، وقلنا إن (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) يعني إلى منهج الله، الدعوة الإسلامية ليست دعوة إلى شخص من الأشخاص أو إلى شعب من الشعوب يسود العالم يعني و..، لأ، دا هي دعوة إلى الله، فالله غايتها (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ)، يعني فهي دعوة ربانية.. ربانية المصدر والأساس، وربانية الغاية والوجهة، هذه معنى الربانية بشقيها.

ثم الأسلوب الذي تدعو.. تكون به الدعوة، قلنا الدعوة بالحكمة والدعوة بالموعظة الحسنة، الدعوة بالحكمة، أي الدعوة التي يغلب عليها الجانب العقلي التي تخاطب العقول بالأدلة والبراهين، تحاول أن تقنع العقول، تزيح الشبهات من.. من عندها، تقوم بالمنطق السليم حتى لا يجد العقل مناصاً من أن يُسلِّم، هذا.. هذا خطاب الخواص، الخواص يحتاجون إلى أن تقنعهم بالحق الذي تدعو إليه، وهناك جمهور الناس وعوام الناس هؤلاء تحرك عواطفهم، هذا معنى الموعظة، الموعظة الحسنة، الإسلام والقرآن لم يكتفِ بمجرد الموعظة، ولكن أرادها أن تكون موعظة حسنة، وما معنى حسنة؟ قد تكون يكون حسنها في اختيار الأسلوب الجميل الذي تقدم به ليس، قد.. قد يُقدِّم بعض الناس -للأسف -الإسلام بصورة رديئة أو بطريقة يعني مشوِّهة أو منفرة، ولذلك جاء في الحديث "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"، لا يجوز للمسلم أن يعرض الدين والدعوة إليه بطريقة تُنفر الناس بأن يتخذ مثلاً الأسلوب الترهيبي باستمرار، الأسلوب التشددي في.. في كل شيء، التحريم يغلب عليه أكثر من التحليل، والتضييق أكثر من التوسيع.

لأ، بالعكس إحنا محتاجين وخصوصاً في هذا العصر محتاجون إلى التيسير على عباد الله والتخفيف عنهم، لأن هذا العصر كثرت فيه المعوقات عن الخير والمغريات بالشر، فالناس بحاجة إلى تخطيط، في حاجة إلى أن نحبب الله إليهم، ولذلك فنحن محتاجون إلى الأسلوب الحسن، هذا معنى الموعظة الحسنة، وقد يكون حسنها في اختيار المكان والزمان المناسب لها، لأن ليست كل موعظة مقبولة في.. في مكانها أو في زمانها، يعني.

[فاصل إعلاني]

مساوئ الخطاب التشددي في العصر الحالي

ماهر عبد الله: خلينا -سيدي- نكون عمليين، أعطيك مثال: قبل فترة كان وزير عربي يلقي محاضرة في.. في معهد أميركي ففوجئ في فترة الأسئلة بمجموعة من الخطب في.. في.. في دولته يُكثر فيها الخطباء -بمناسبة وبدون مناسبة- أدعية، على الزمان المناسب والمكان المناسب والخطاب المناسب، أدعية كثيرة، مثل يدعون على اليهود والنصارى: اللهم يَتِّم أطفالهم، رَمِّل نساءهم، هذا النوع من.. من الخطاب هل هذا الزمن الذي نعيشه مناسب له كونك تحدثت عن ضرورة أن يكون الزمن مناسباً والمكان مناسباً؟

د. يوسف القرضاوي: أنا أحب أن أقول لك إن مثل هذا النوع من الخطاب ليس مناسباً لا في هذا الزمن، ولا قبل ذلك ولا بعد ذلك، ولم يعرف المسلمون هذا النوع من الأدعية، يعني أن يدعو على اليهود والنصارى بإطلاق، هذا يعني كيف وهناك يهود ونصارى في بلاد المسلمين؟ يعني نسميهم في الفقه الإسلامي أهل الذمة، ونسميهم في عصرنا مواطنين، وكلمة مواطنين هذه ليست كلمة خارجة عن الشريعة، لأن الفقهاء جميعاً يقولون: أهل الذمة هم من أهل دار الإسلام، إذا كانوا ليسوا من أهل الملة، هم من أهل الدار، وكلمة من أهل الدار يعني أهل الوطن، أي.. أي بيعبر عنها مواطنون فكيف يدعو الإنسان على مواطنيه؟!

يعني اللهم أهلكهم، يعني نحن ندعو على اليهود المغتصبين الظالمين المعتدين المستكبرين في الأرض السفاكين للدماء، يعني هؤلاء ندعو عليهم، أما لا ندعو على النصارى بإطلاق، وحتى حينما ندعو لم.. لم أَرَ في التاريخ الإسلامي أو في التراث الإسلامي بالدعاء على الكفار اللهم يتم أطفالهم، اللهم رمل نساءهم، اللهم ما ورد هذا، وما ذنب الأطفال إنهم ييتموا أو النساء إنها ترمل أو كذا؟ الذي ورد في القرآن الكريم، خذ أدعية القرآن (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ) هذا الدعاء اغفر لنا.. (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا)، وهم في قلب.. قلب المعركة، والقرآن يقول: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ)، هذه أدعية.. الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعني يقول وهو في قلب المعركة: "اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم اهزمهم وزلزلهم"، هكذا كان.. وفي بعض الأحيان يقول: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم"، هذه هي الأدعية، الناس خذوا مثلاً في أحد الصحابة خبيب بن.. بن زيد أخذه بعض المشركين وصلبوه، وأرادوا أن يعذبوه ويقتلوه، فدعا على هذه الحفنة من الناس، وقال: اللهم أحصهم .. أحصهم عدداً، واقتلهم بددا، ولا تبقِ منهم أحداً، هكذا يعني لهذا الناس، بعض الناس يريد أن يدعو على الكفار جميعاً: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تبقِ منهم أحداً، هذا حتى ينافي القرآن، لأن القرآن يعني فيه (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ)، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً)، يعني (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى)، فلازم من وجود كفار، ولازم من وجود مؤمنين، ولازم من اختلاف الديانات، فهذا الدعاء يعني ضد المشيئة الإلهية لهذا الكون واختلاف الناس فيه.

ماهر عبد الله: الدكتور حسن الترابي يعني صدر له كتاب مؤخراً بيقيس فيه انحطاط الأمة من درجة الانحطاط في اللغة المستخدمة، يعني كمثال هذه الأدعية تنم عن.. عن الضعف فينا، يعني عندما نتقصد على تيتيم الأطفال وترميل النساء، يعني ما عادتش المسألة مسألة دعوة، صارت قصة شماتة، قصة انتقام، قصة يعني بحث عن ثأر أكثر منها الروح النبوية هذه الساعية، هل تتفق معه في إنه مثل هذه الأدعية برضو تنم عن ضعف فينا.

د.يوسف القرضاوي: نعم.. نعم أتفق معه في هذا، يعني دا يعني لغة الخطاب الإسلامي ينبغي أن تترفع عن هذه الأشياء، حتى أنا لا أقبل إنه يقال مثلاً عن اليهود أحفاد القردة والخنازير، لأنه هذا أولاً غير صحيح جاء في الحديث الصحيح مسلم رواه ابن مسعود إن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مسخ قوماً لن يجعل لهم عقباً ولا نسلاً" قال "وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك، يعني مش القردة والخنازير جم من نسل بني.. هي موجود قبل بني إسرائيل وقبل.. من أول الخليقة، فلا نُجِزْ هذا، أحفاد.. وبعدين هذا نوع من السب وإحنا نُهينا عن السب، حتى القرآن يقول (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) لا تسبوا الأصنام يقوموا يسبوا الله عز وجل، والسب ليس من شأن المسلم، حتى قال: "لا تسبوا الريح، لا تسبوا الحمى، لا تسبوا الدهر.." لا تسبوا كذا، لأن المسلم ليس سبَّاباً ولا لعَّاناً، وحتى لو كان آباؤهم قردة وخنازير هم لا يتحملون يعني وزرهم، لأن كل جيل يحمل وزر نفسه ما لم يتبن الجيل المتأخر يعني أفعال الجيل المتقدم.

ماهر عبد الله: طب حتى.. حتى نكون إحنا منصفين ما هذه.. هذه الأدعية هذا الخطاب عندما ينتشر وهو منتشر يعني أعتقد لن نختلف على أنه منتشر، أليس في هذا عذر للذين يتهموننا بأننا عدائيين بطبعنا عندما يرون مثل هذا الدعاء؟

د.يوسف القرضاوي: لأ هذا يعني هو منتشر، ولكن الخطباء الوعاة والدعاة البصراء لا يقولون هذا، هذا يقوله عوام الخطباء، أما الخطباء المستنيرون والخطباء الذين على بصيرة وعلى وعي لا يفعلون هذا، فلا تؤخذ الأمة بجريرة بعض أفرادها، وأنا أقول إن نحن الذين نتبنى التيار الوسطى والمنهج الوسطى هو الذي يلزمنا، الإسلام كما نفهمه وكما يفهمه أهل هذا الوسط هو الذي يعبر عن حقيقة الإسلام وعن روح الإسلام كما فهمه الأولون خير قرون هذه الأمة.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: المخرج كالعادة نبهني إنه الشيخ يوسف ما كانش معنا الأسبوع الماضي، في البداية إحنا أشرنا على الحلقة الماضية، كان يجب أن نقول وليس الأسبوع الماضي، نذكركم مرة أخرى بأنه بإمكانكم بعد قليل المشاركة معنا -وأيضاً هذا بطلب منه- إما على رقم الهاتف: 4888873 بعد المفتاح الدولي طبعاً لدولة قطر اللي هو 00974

أو على رقم الفاكس: 4890865 أو على الصفحة الرئيسية للجزيرة نت على العنوان التالي:

كيفية مواءمة الخطاب الحسن مع الواقع الحالي

سيدي، في نهاية الآية فيه حديث عن (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) في الكتاب تتحدث تحديداً يعني كأنه المقصود بـ(وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لغير المسلمين، من أسميتهم بالمخالفين يعني هذا.. في زمننا هذا كون الاستقطاب هو الأساس، الحرب والمواجهة هي الأساس، قد يبدو هذا الأمر غريباً بعض الشيء، تتحدث عن ضرورة الرقة في العبارات مع المخالفين، تتحدث عن أخف الأساليب مع المخالفين، تتحدث عن التركيز على الجوامع المشتركة، يعني كيف نبرر هذا التشبث بالجدال بالتي هي أحسن ونحن نعيش هكذا، تبدو لنا الأمور نعيش حالة صدام حالة حرب حالة.. يعني فيه نزيف دائم في أفغانستان، نزيف يومي في.. في العراق، كيف نجمع بين ضرورة الحرص على الجدال بالتي هي أحسن في الخطاب وبين الواقع.. واقع الحال الذي نراه؟

د.يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا القرآن، يعني حل هذه الإشكالية التي تثيرها، حينما فَرَّق بين نوعين من الناس، قال (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فالذين ظلموا ليس بيننا وبينهم.. لذلك أنا يعني رفضت حوار اليهود وأنكرت على شيخ الأزهر إنه استقبل الحاخام الإسرائيلي في مكتبه وقال إحنا نتحاور دينياًّ، قلت هؤلاء ليس بيننا وبينهم حوار، الحرب قائمة والدماء تُسفك والأعراض تهتك والحرمات تُنتهك والمقدسات تداس والمساجد تُدمر والمنازل تُخرب، و.. يعني كل شيء يعني أهلكوا الحرث والنسل والزرع والضرع، ونيجي نتجادل معاهم، هؤلاء يعني (إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فلكل مقامٍ مقال، فالقرآن في هذه الآية التي وضع فيها أسس الجدال بالتي هي أحسن قال (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ) يعني اذكروا الجوامع المشتركة بينكم وبينهم.. وبينهم، ولا داعي لإثارة نقاط الخلاف والتمايز، لأن كل جماعة لابد أن تتمايز مع الأخرى، في أثناء الحوار بالحسنى نحاول أن نذكر ما يجمع، لا ما يفرق، فنقول (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ) فهؤلاء مستثنون، حالة الحرب على المسلمين والاعتداء على المسلمين، في هذه الحالة لا جدال بيننا وبينهم.

ماهر عبد الله: الأخ عبد العظيم فهمي المراغي يعني أسأل السؤال بصيغة أخرى -موظف إداري من مصر- يقول: إن هذه الآية (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ) يقول أن قتادة بتفسير ابن كثير قال أن هذه الآية نُسخت بآية السيف، الخطاب..

د.يوسف القرضاوي: هذه الكلام نُسخت بآية السيف، هذا كلام يعني لا يقبله منطق، وبعضهم قال آية السيف نسخت 114 آية وبعضهم قال 140 آية، وبعضهم أوصلها إلى مائتي آية، فكل الآيات التي تتعلق بالجانب الأخلاقي أو بتركيز مبادئ السلم كلها قالوا.. حتى قالوا (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ) نسختها آية السيف، (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) نسختها آية السيف (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ) التي جعلناها هي التي أرست دعائم الدعوة وبينت منهج الدعوة إلى الله نسختها آية السيف (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) نسختها آية السيف وهكذا، حتى مما قاله بعضهم إن فيه آية نُسخ أولها ونسخ آخرها وبقي وسطها محكماً، (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، (خُذِ العَفْوَ) نسختها آية السيف، (وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) نسختها آية السيف، بقي بس (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) يعني هل معقول إن ربنا ينزل آية يبقي ثلثها يعني في الوسط هو المحكم، والباقي..، كلام آية النسخ توسع فيه المفسرون كثيراً، وبعضهم له رأي يعني فيه معنى أقرب إلى القبول الإمام الزركشي، قال فيه شيء اسمه النسخ، فيه شيء اسمه الإنساء (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا)، (أَوْ نُنسِهَا)..

ماهر عبد الله: (أَوْ نُنسِهَا)

د.يوسف القرضاوي: الإنساء تأخير يعني النص ليعمل به في مرحلة معينة، يعني قال فيه نصوص يعمل بها في حالة التمكين ونصوص يعمل بها في حالة الاستضعاف، فالنصوص اللي بتأمر بالصبر وكذا يعمل بها في حينها والنصوص التي تأمر بالقتال يعمل بها في حينها هذا رأي، والإمام السيوطي يعني رد معظم الآيات وجعل حوالي عشرين آية، وبعض.. والبعض جاء يعني -الله يرحمه- الدكتور مصطفى زيد.. الأستاذ الدكتور مصطفى زيد كانت رسالة الدكتوراه عنده في النسخ في القرآن الكريم، وأخرج كتاب من مجلدين وعكف على دراسة آيات النسخ آية آية وعلى الموضوع من حيث المبدأ والتأصيل وخرج بأن فيه خمس آيات فقط، وكان الشيخ الغزالي -الله يرحمه- قال له وإن شاء الله بعد مدة سترى إن هذه الآيات نفسها يعني..

ماهر عبد الله: غير منسوخة..

د.يوسف القرضاوي: لا نسخ فيها، فالتوسع في قضية النسخ هذه يعني لا يجوز، وبعدين المتقدمون كانوا يطلقون النسخ على غير ما يطلقه المتأخرون، وهذه يعني قضية مهمة، إنه لا ينبغي في تفسير القرآن أن نأخذ المصطلحات القديمة ونحملها على المصطلحات الحديثة، هم كانوا يقولون نسخها كذا، يعني ما نقوله في علم الأصول إنه نسميه مثلاً تخصيص العام، أو.. أو تقييد المطلق أو تفسير المبهم أو تفصيل المجمل أو كذا، دا كانوا يعتبرونه نسخاً، ولكن ليس هو النسخ الأصولي الذي أصبح يعني مصطلحاً شائعاً وهو رفع الحكم المتقدم بدليل شرعي متأخر، لأ لم يكن هذا مقصود بالسلف في كل ما يقولونه عن النسخ.

الإيمان بالوحي وإعمال العقل في الخطاب الإسلامي

ماهر عبد الله: طيب، لو رجعنا لخصائص خطابنا الإسلامي تتحدث في الكتاب عن ضرورة أن يتمتع هذا الخطاب أن يكون مؤمناً بالوحي وفي نفس الوقت ألا يُغيِّب العقل، وهذه الجدلية على الأقل في القرن العشرين يعني بلغت.. وأحيت سجال كبير بين المعتزلة والفرق الأخرى، ما هو المقصود بأن نؤمن بالوحي، وهل يمكن أصلاً الجمع بالإيمان بالوحي والأخذ بالعقل أو العقلانية كما يشار إليها كثيراً هذه الأيام؟

د.يوسف القرضاوي: آه، هو الإسلام هو الذي جاء بهذا التوازن أن نؤمن بوحي الله عز وجل، أن الله أنزل كتاباً وبَعث رسولاً وأمرنا عن طريق هذا الرسول بأوامر، ونهانا عن نواهي، وألزمنا بتكاليف، هذا ما نؤمن به ولا يتم إيمان الإنسان إلا بهذا، كما جاء في القرآن الكريم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فهذا مقتضى الإيمان بالوحي، ولكن الإيمان بالوحي ليس معناه أن نغيِّب العقل، العقل دا هو بماذا ثبت الوحي؟ بالعقل يعني الوحي لم يثبت لنا قضية وجود الله ولا قضية ثبوت النبوة لمحمد كيف عرفنا الله؟ هتقول عرفنا الله، لأنه قال -سبحانه وتعالى- (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لأ المفروض لو بتجادل واحد شيوعي أو مادي أو منكر لكل ما وراء الحس لا يقتنع إلا بأن تقيم له الدليل عقلياً على وجود الله، فهذا وقامت كتب كثيرة تبين وجود الله، ومنها كتاب "العلم يدعو للإيمان" وكتاب "الله يتجلى في عصر العلم" وكتاب "الله والعلم الحديث" وكتب كثيرة تدلل بالعقل والعلم على وجود خالق وراء هذا الكون، إذا أثبتنا أن هناك إلهاً وأن هذا الإله حكيم ورحيم ولا يمكن أن يدع خلقه سدى ولا أن يتركهم عبثاً، وإنه لابد أن يرسل لهم هداةً (مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) في ذلك الوقت نقول آه، من حكمة الإله أن يرسل رسلاً، طب ولكن الرسل كيف نثبت إن دا رسول جاء من عند الله؟ ربنا بيؤيده بالبينات بالمعجزات، العلماء قالوا المعجزة كأنه تقول.. كأن الله يقول: "صدق عبدي فيما يبلغ عني" ودلالة المعجزة دلالة عقلية، فهذا.. ولذلك الإمام الغزالي يقول: العقل هو اللي بيثبت الدين، وبعد أن يثبت.. أن يثبت الدين ويثبت رسالة الرسول ونبوة النبي يعزل العقل نفسه ليتلقى عن الوحي، هو اللي أثبت الوحي بالأدلة القاطعة، وبعدين خلاص يقول أنا ما عادش لي مكان، أنا مهمتي أن أتلقى، ومع هذا.. ولكن مع إنه مهمته أن يتلقى، هو الذي يفهم الوحي لأن الوحي ده كلام من الله -عز وجل- وفي حاجة إلى أن يُفهم، بماذا نفهمه؟ نفهمه بالعقل، لم ينص الله على كل شيء، هناك أشياء تُركت، منطقة بنسميها منطقة العفو، يعني فراغ تشريعي، ما فيش فيها أوامر ملزمة ولا نواهي ملزمة، كيف نفعل.. نملأ هذا الفراغ، نملأه عن طريق العقل بالقياس، قياس غير المنصوص على المنصوص عليه، بالاستصلاح، العمل بالمصالح المرسلة بضوابطها وشروطها، بالاستحسان، بمراعاة العُرف، بالاستصحاب، بكذا.. هذا يعني، وبعدين هذا فيما لا نص فيه، وما فيه نص طبعاً القرآن والسُنة لم ينصا على الأشياء بطريقة تفصيلية، فيه أشياء نُصَّ عليها بطريقة كلية وترك للعقل، مثلاً (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) طيب شورى طب من الذي يستشار؟ وفيمَ يستشار؟.. وإذا اختلف الناس الذين يشيرون فماذا نفعل؟ لم يذكر هذه التفاصيل لم يضع صورة معينة لهذا، لأنه لو فعل هذا لجمَّد أمر الشورى، صلح لعصر ولم يصلح لآخر ولبيئة ولم تصلح لأخرى، فهذا كله من عمل..؟ من عمل العقل، وبعدين ترك للعقل المجال الكوني، الكون يسبح فيه ويصول ويجول في العالم العلوي والعالم السفلي ويكتشف من قوانين الكون ومن الظواهر الكونية ما شاء الله له أن يكتشف، هذا أمر متروك تماماً للعقل، ولذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، أنتم أمر دنياكم صرِّفوه ودبروه يعني كما تشاءون، فلم يأتِ الدين ليحجر على عقل الإنسان، بالعكس جاء..، ولذلك التقليد عند المسلمين مذموم أشد الذم سواء التقليد في الأصول أو التقليد في الفروع، وعاب على الآخرين أنهم (إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) التقليد للآباء والأجداد أو التقليد للسادة والكبراء (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ) كل هذا يعني يذمه القرآن، القرآن يذم من اتبع الظن، قال (إِنَّ الظَّنَّ)، (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً) أو يتبع الهوى والعواطف (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ) ومعنى هذا إنه ينظر إلى الأمور نظرة موضوعية كما نقول نحن بغض النظر عن الذات والهوى، ولكن يتبع الدليل حيث وُجد الدليل.

ماهر عبد الله: طب اسمح لي نسمع من الإخوة المشاهدين، نسمع من الأخ خميس ناجي، معذرة على التأخر أخ خميس، اتفضل.

خميس ناجي: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله، اتفضل

خميس ناجي: حيا.. حيا الله شيخنا الأستاذ يوسف القرضاوي ونتمنى -إن شاء الله- يعني أن يزورنا في إيطاليا يعني في القريب -إن شاء الله- خصوصاً بعد زيارته اللي كانت في سنة 92.

الحقيقة أثير في الأيام القليلة الماضية موضوع هو إن فيه بعض الإخوة رفع قضية على أحد.. أحد المدارس ابنه يعني بيتعلم في المدرسة دي على أساس يشيلوا الصليب من داخل المدرسة، والقضية أخذت مجراها، والقاضي.. والقاضي حكم يعني.. يعني برفع الصليب من المدرسة، ولكن القضية أخذت أبعاد سياسية في إيطاليا، لا أعرف إنكم يعني كنتم تسمعون بهذا الموضوع أم لا، ولكن الحقيقة يعني في نظري أن هذه القضية قد أضرت بصورة الإسلام في إيطاليا، خصوصاً يعني أن وضع الصليب يعني في الأماكن العامة هنا في إيطاليا يعني شيء عادي جداً، خصوصاً في وجود يعني إحنا وجودنا هنا في دولة مسيحية، نريد يعني..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: أخ.. أخ خميس النقطة واضحة، عندك سؤال ثاني، أخ خميس.

خميس ناجي: الشيخ على.. على هذا الموضوع يعني وخصوصاً يعني نحن..

ماهر عبد الله: لأ، إن شاء الله إن شاء الله.. نسأله السؤال، وسؤالي عندك يعني نقطة الصليب هذه واضحة، فيه، فيه سؤال ثاني؟

خميس: هو.. هو لأ هو السؤال خاص، لا، جزاك الله خير يعني.

ماهر عبد الله: طيب شكراً أخ خميس، نسمع من الأخ مصدق من.. مصدق إبراهيم من فرنسا، أخ مصدق تفضل.

مصدق إبراهيم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.

مصدق إبراهيم: تحية مباركة لكم وللعلامة الدكتور القرضاوي، وكل عام وأنتم بخير، الحقيقة يا أخ ماهر، هي أنا لا أعرف إذا كان سؤالاً أم مداخلة، ولكن فقط أريد أن.. أن تحدد موضوع الحلقة، هل المقصود بالخطاب الديني، خطاب ديني إلى المجتمع الإسلامي أم إلى المجتمع الغربي بقصد إظهار حقيقة الإسلام، وأنه ليس الدين المتهم بالدعوة إلى التطرف والدعوة إلى العنف؟ الحقيقة لأن هذا الأمر في غاية الخطورة، لأننا إذا لا نملك نصاً إسلامياً هو.. هو الأفضل،ونحن نؤمن بذلك، لكننا نملك أسوأ تطبيق ليس.. لا يمكن بحال من الأحول أن نحيل الغربي إلى كتب الفقه أو أصول الفقه أو أصول الفقه ليتبين له حقيقة الإسلام، في حين أن واقع المسلمين يعبر عن أسوأ صورة لكل.. لأي مجتمع في هذه الدنيا، يعني المسلمون يتنافسون مع المجتمعات المتخلفة في تخلفهم، أنا لا أريد أن أزيد في هذا الأمر، ولكن بالنسبة لأستاذنا الدكتور القرضاوي، وهو إحدى العلامات البارزة أو إحدى الشموس التي تسطع في سماء الفقه الإسلامي في هذه.. في هذه الأيام، الحقيقة لابد للدكتور القرضاوي أن.. أن.. أن.. أن ينشغل بعض الشيء بتثقيف الدعاة الذين يقومون بتأسيس المجتمع الإسلامي الذي يقوم بدوره بتأسيس البنية الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية، حتى يظهر المجتمع الإسلامي أمام الآخرين، حين يرون الإسلام في مجتمعهم الغربيون يرون المسلمين في مجتمعاتهم متفوقون، حال كونهم متفوقين ناجحين متقدمين، هذه هي أفضل صورة اللي ممكن أن يعبر عنها الخطاب الإسلامي.

ماهر عبد الله: أخ مصدق، نقطة.. نقطة جميلة جداً، مشكور جداً عليها. إن شاء تسمع من الشيخ تعليق، نسمع من أول من الأخ حمد الهاجري من قطر، أخ حمد تفضل.

حمد الهاجري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.

حمد الهاجري: كيف الحال يا شيخ؟

د. يوسف القرضاوي: أهلاً وسهلاً، بارك الله فيك.

حمد الهاجري: بداية مبارك عليكم الشهر، عندي سؤالين يا شيخ، فضيلتكم تقول أن لا يجوز الدعاء بإطلاق على اليهود والنصارى، لأنهم مواطنين، فكيف والله -تعالى- سماهم كفاراً بنص القرآن والسنة؟

السؤال الثاني: كيف نفهم في ضوء كلامكم مسألة الولاء والبراء التي هي أصل العقيدة؟

ماهر عبد الله: طيب مشكور جداً أخ حمد، بس إن شاء الله تسمع تعليق من الدكتور يوسف.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: سيدي، أنا عايز منك بس أجوبة مختصرة على أسئلة الإخوة، الأخ خميس أثار نقطة يعني ليست في صلب موضوعنا تماماً، لكن أعتقد يعني ذات صلة وذات دلالة، يقول إنه له أطفال في مدرسة حكومية في إيطاليا، وهي بلد مسيحي، وفي أغلب المؤسسات هناك صلبان تعلق في الدول المسيحية، بعض المسلمين طلبوا أن.. أن يرفع هذا الصليب وقد رُفِعَ، هو يعتقد إنه قد يكون هذا مكسب صغير عند البعض، ولكن مفاعيله على.. على المدى البعيد قد تكون مخيفة للمجتمع الإيطالي المسيحي، الذي أيضاً يريد أن يتمتع بحريته، وبالانتماء إلى دينه في بلده.

د. يوسف القرضاوي: لأ هو يعني لا شك أن النصارى في بلادهم أحرار في أن يرفعوا شعاراتهم، ولسنا مكلفين أن نزيل هذه الشعارات، كما نحن إننا في بلادنا نرفع شعارتنا الإسلامية، وليس من حقهم أن يطالبونا بأن نزيل هذه الشعارات، يعني هذا يعتبر الحقيقة يعني تسامح منهم أن.. أن قبلوا هذا، ولكن ليس من حقنا أن نتشدد في هذا الأمر ما دمنا نحن في.. الذي نعيش يعني أقلية في ديارهم، فهم أصحاب الدار وأهلها يعني من غير.. من غير شك.

ماهر عبد الله: طيب يعني هذا..

د. يوسف القرضاوي: إحنا بس نقول ما يجوش يرفعوا الصلبان في ديارنا نحن، أما إننا نطلب إنها يزيلوها في بلادهم يعني.

ماهر عبد الله: طب هذا الحقيقة كنا نتجاوز قليلاً عن سؤال الأخ مصدق، لسؤال الأخ حمد الهاجري يعني أين تضع الولاء والبراء في بيئاتنا؟ الله وصفهم..

د. يوسف القرضاوي: الأخ دا كأنه يقول إنه إحنا علينا أن ندعو على الكفار جميعاً أن ييتم الله أطفالهم، وأن يخرب ديارهم ويرمل نساءهم، أنا قلت إنه هذا لم يرد يعني قط، ولسنا يعني ليس كل الكفار على مستوىً واحد، هناك كفار مسالمون وكفار محاربون، والله -سبحانه وتعالى- وضع لنا دستور العلاقة بين الصنفين في سورة من كتابه وهي سورة الممتحنة، ودي نزلت في شأن المشركين، حتى مش في شأن أهل الكتاب، يقول الله تعالى: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ) دُولا اللي.. لا نتولاهم، عدم الولاء يكون لهؤلاء، وهو.. وهؤلاء هم الذين جاء فيهم قوله تعالى (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي حارب الله ورسوله، إنما ليس أي كافر، بدليل أن الله أجاز لنا أن نتزوج الكتابية، هل تتزوج الكتابية وأنت تعاديها؟ أَمَّال كيف يعني نفسر قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، لا نوالي المعادين والمحاربين للإسلام، أما المسالمون فلهم منا البر والقسط، ونعاملهم كما يعاملوننا، نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا، ونحارب من يحاربنا، هذا هو الإسلام.

ماهر عبد الله: يعني الأخ منهل عبد الرحمن -فني من سوريا- يتفق معك إنه لماذا يدعو خطباء المساجد على الكافرين عامة، بأن ييتم الله أبناءهم ويرمل نساءهم.

د. يوسف القرضاوي: لماذا يدعو أيه؟

ماهر عبد الله: لماذا ندعو على عامة الكفار بأن ييتم الله أبناءهم ويرمل نساءهم ويذلهم عنا، منهم من يعيش بيننا بسلام، فلماذا لا يدعون الله أن يهديهم إلى الإسلام بدلاً يعني؟

د. يوسف القرضاوي: هذا هو الأولى يعني أن ندعي الله لهم بالهداية.

ماهر عبد الله: طيب نسمع من الأخ جليل أحمد من إسبانيا.

د. يوسف القرضاوي: فيه الأخ ما..

ماهر عبد الله: لأ سؤاله جوهري وإن شاء الله بتعطيه وقت أكثر الأخ مصدق، نسمع من الأخ جليل أحمد من إسبانيا.

جليلة أحمد: والله الأخت جليلة أحمد هي (..)

ماهر عبد الله: عفواً يا سيدتي، تفضلي.

جليلة أحمد: السلام عليكم أخ ماهر، السلام عليكم يا شيخ.

د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

جليلة أحمد: والله…

ماهر عبد الله: كأن الأخت جليلة تحدثنا من جوال، يا ريت تحاولي تكلمينا من تليفون ثابت أو تعطي الشباب تليفون ممكن يكلموكِ.

جليلة أحمد: بس يعني سؤالي هو للشيخ هو إنه يعني ألا يرى.. ألا ترى يا شيخ إنه انحطاط الخطاب الإسلامي لدى الأمة، ثم انحطاط يعني الأمة راجع لأهل العلم والدين الذي تقاعسوا عن واجبهم الأساسي، ألا وهو تربية النشء وإصلاح ذات البين بين الأمة، خصوصاً يعني هاي الناس اللي ما عندها قدرة على مواجهة تحديات العصر، خصوصاً منها الأخلاقية وغياب دعاة في المستوى، وخصوصاً في بلاد الهجرة، وشكراً.

ماهر عبد الله: مشكورة جداً أخت جليلة ومعذرة على الخطأ، نسمع من الأخ فلتين السيد من سوريا.

فلتين السيد: آلو.

ماهر عبد الله: نعم تفضل يا سيدي.

فلتين السيد: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: وعليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

فلتين السيد: تحياتي إليك وإلى ضيفك الكريم، يا شيخنا الفاضل لو رجعنا إلى الدعاء على اليهود لكنا نجده إنه دعاء في الفترات الحديثة، لم يتعدَّ إلا بعد أن سقطت فلسطين، ودنسوا القدس، ودنسوا الأقصى وقتلوا الأبرياء والأطفال والحوامل، ويقتلون المسلمون من الفلبين إلى الشيشان إلى يوغوسلافيا، إلى العراق، وحتى يهددون سوريا والسعودية، فنحن ضحايا بلا سلاح ولا ذي قوة، لا ذي غذاء حتى، كيف تطلب منا أن نكف عن الدعاء عليهم؟ قتلوا أطفالنا..

د. يوسف القرضاوي: من قال هذا؟ من قال هذا يا أخي؟ أنا لم أقل كفوا عن الدعاء عليهم.

ماهر عبد الله: خليك معانا.. خليك معانا على الخط أخ فلتين.

د. يوسف القرضاوي: أنت تزايد عليَّ، أنا من أشد الناس مقاومة لهؤلاء، أنا أقول لا.. لا نقول اليهود بإطلاق ولا النصارى بإطلاق، نحن ندعو على اليهود المعتدين الظالمين المغتصبين الذين سفكوا دماءنا وشردوا أهلنا وفعلوا بنا الأفاعيل، إحنا ندعي دعاء معلل، وهذا من قال إنني لا.. إنني أطلب الكف عن الدعاء عليهم؟ أنا أطلب الدعاء عليهم والمقاومة لهم، وأدعو وأفتي بالعمليات الاستشهادية، والجهاد في سبيل، هذا كلام يعني..
فلتين السيد: لا.. لا.. لا يعني.. يا شيخنا الفاضل.

د. يوسف القرضاوي: يا أخي، يا شيخنا الفاضل الله يكرمك.. يا أخي..

فلتين السيد: جزاك الله خير، يا شيخنا الفاضل، إن إذاعة (الجزيرة) تستغلك لتنشر آرائها من خلالك.

ماهر عبد الله: طب أخ فلتين.. أخ فلتين مشكور جداً، يعني هذا حاول الشيخ يوضح لك للأسف الشديد، فنقلت الهجمة على (الجزيرة)، يا إخواننا الإسلام هذا كل جوهر هذه الحلقة أن.. أن نتفق على أن هناك تنوع في الخطاب، تعدد في الخطاب الإسلامي، إذا كان كل أخ سيصر إما أن نفهم الإسلام كما يفهمه، أو حتى يحرف الكلام الذي يقال ليفهمه كما يريد، ثم يتهمنا بعد ذلك بأننا نستغل الشيخ، أو إنه الشيخ يتساهل في الدين فيعني معذرة لذلك وأنا أعتقد بأنه..

د. يوسف القرضاوي: هذا كلام مرفوض، يعني تستغلني يعني أيه؟ أنا لست آلة ولا أداة تستغلني (الجزيرة) ولا حكومة ولا غيرها من الناس، أنا إنسان حر وأجهر بقولي على كل منبر، وفي كل.. على كل صعيد، وأقول الحق لا أخاف في الله لومة لائم، يعني ما..

ماهر عبد الله: لا هي مش قضية استغلال، هو يعني للأسف الشديد عندما نعجز عن مقارعة الحجة بالحجة نميل إلى الاتهام، للأسف هذا جزء من.. من ثقافتنا واضح هنرجع له في.. في كلام الأخت جليلة في الرد على سؤالها، نسمع من الأخ أبو مشاري عبد الله من قطر، أخ أبو مشاري تفضل.

أبو مشاري عبد الله: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: وعليكم السلام.

أبو مشاري عبد الله: مساء الخير أخ ماهر.

ماهر عبد الله: حياك الله.

أبو مشاري عبد الله: كيف الحال أخ ماهر؟

ماهر عبد الله: أهلا بك يا سيدي.

أبو مشاري عبد الله: وكيف حال الشيخ يوسف إن شاء الله طيبين.

د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.

أبو مشاري عبد الله: كل عام وأنتم طيبين.

د. يوسف القرضاوي: بارك الله فيك.

أبو مشاري عبد الله: أنا أطلب من المشاهدين يعني رويدكم على الشيخ يوسف، يعني الشيخ يوسف يقبل النقد والانتقادات والملاحظات، لكن لابد أن نكون أيضاً يعني نفهم في كلام الشيخ يوسف يعني فهما دقيقاً وصحيحاً، الشيخ يوسف كان واضح أكثر ما أتوقع، لي مداخلتي نقطتين يا أخ ماهر.

ماهر عبد الله: تفضل.. تفضل.

أبو مشاري عبد الله: كان الشيخ يوسف واضح يعني في كلامه هو المعتدين المغتصبين، وهذا نتفق معاه، وحتى الأخ حمد الهاجري هو أخويا حمد الهاجري كان يقصد إن المعتدين والمغتصبين، الذين يحاربونا، ليس الذين لا يحاربونا لا يعتدون علينا هؤلاء لا ندعو عليهم، بل نسأل الله يهديهم ويصلحهم. أما المحاربين بلا شك هذا متفق ندعو عليهم.
النقطتين اللي عندي باستعجال -إن شاء الله- على السريع، عن موضوع الخطاب، الخطاب لابد أن يكون دائماً في تطور حسب مقتضيات العصر، لأنه هذا أمر يعني طبيعي، لا حرج في ذلك ولكن الإشكال في صنع الخطاب وما بعده، هل يُبنى الخطاب على قاعدة راسخة فعلاً، وفهم متحرر حقيقة غير منغلقاً؟ أم مجرد شعارات فقط سوف تسقط عند النقاشات والحوارات الجريئة والصريحة؟ ويظهر عند الملاحظات والانتقادات الحرة والمستقلة، وهل سوف نلتزم بهذا الخطاب كما هو؟ أو عند كل ضغط داخلي أو خارجي سوف نغير الخطاب، ونقول وضع والعصر يتطلب تغييره؟ ولكن أي تغيير هذا بين عشية وضحاها؟ وهل عند الشدائد كما هو الحال الآن سوف نُغيِّر الخطاب حتى نرضي جهات معينة؟ قد يكون الله -عز وجل- راضي عنها، وقد يكون الله -عز وجل- غير راض عنها، فلننتبه لذلك.

أما النقطة الثانية يا أخ ماهر، أرجو أيضاً الشيخ يتسع صدره، وإحنا نتكلم بشكل أخوي ودي، هذا هو الأصل عند المسلمين هذا البرنامج للمشاهدين، ويا أخ ماهر كثير من الناس صراحة يعني الذين يشاهدون هذا البرنامج يعني يرفضون يعني استضافة فقط تيار معين، يعني أكثر شو أقول لك هذا البرنامج أكثر الاتصال تيار معين، وترك التيارات والأفكار الأخرى، وينتقدون هذا التيار ويسمح لي الشيخ يوسف، الشيخ الكبير جداً، وكما تعلموا ليس الدين محصور لفكر معين أو تيار معين، وشكراً.

ماهر عبد الله: طيب تسمح لي بس أنا يعني أرد على سؤالك الأخير هذا، يعني هل.. وهذه يمكن اللي استفز الشيخ قبل قليل في كلام الأخ فلتين، يا إخواننا نرجو أن.. أن تحاسب (الجزيرة) وأن يحاسب الشيخ على ما يقول، لا على ما تفهمون من كلامه، يعني المغالطة الكبيرة في استضافة تيار معين، أنا يعني أود أن أسأل الأخ أبو مشاري أين هو التيار الإسلامي الذي لم يُستضف في هذا البرنامج؟

أبو مشاري عبد الله: أخ ماهر.

ماهر عبد الله: أي اسمح لي استضفت في هذا البرنامج، اسمح لي يا أخ أبو مشاري أنا، خليك معاي على الخط، خليك.. خليك..خليك معايا على الخط، أنا يعني اتهمنا أكثر من مرة بأننا نستضيف الشيعة، أنا استضفت 6 أو 7 من كبار علماء الشيعة على رأسهم محمد حسين فضل الله، الذي أعتقد إنه.. إنه من أكبر مفكري الأمة في.. في هذا الزمن، واستضفت شيعة من إيران، استضفت شيعة من.. من العراق، استضفنا من حزب التحرير، إذا كان قصدك بالتيارات السياسية، على الأقل 4 أو 5 ضيوف في ذهني الآن ثلاثة حاضرين ممكن أذكر لك الأسماء من حزب التحرير كتيار، وأنت تعرف أنه لا يتفق مع الشيخ في.. في كثير من الطروحات السياسية، والشيخ لا يتفق معه في الكثير من الطروحات السياسية، التيار السلفي وأنا مستعد أذكر لك يعني أسماء بالاسم من أسبوعين فقط كان معانا الشيخ الدكتور سلمان العودة، فالشيخ عبد الرحمن، الدكتور عبد الرحمن عبد الخالق، وآخرون يعني القائمة طويلة، استضفنا إباضية مفتي سلطنة عمان الشيخ الكبير والجليل الشيخ الخليلي أُستضيف في هذا البرنامج، فإطلاقها هيك على عواهنها تيار يعني لا أدري هل الشيخ الخليلي والشيخ القرضاوي ومجمد حسين فضل الله وعلماء الشيعة الآن، إذا كان هو هذا تيار فنعم التيار يا أخي، وأنا مصر في هذه الحالة على أن نحصره في.. في هذا التيار، لكن أنا أعتقد إنه هذا طيف واسع.

أبو مشاري عبد الله: بارك الله فيك، أنا مع استضافة رجال يعني الشيعة و.. الـ إلى آخره، والنقاش، فتح مجال المشاهدين للنقاش والحوار، هذا طيب، وهذا المطلوب من المسلمين، لكي نتطور بفكرنا، ما ننغلق أو ننعزل، ولكن أخ ماهر.. أخ ماهر.. أخ ماهر نقطة أخيرة نقطة أخيرة أنا.. نقطة أخيرة…

دور العلماء في تطوير وتدقيق الخطاب الإسلامي

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طيب مشكور جداً أخ أبو مشاري، بس.. بس للإيضاح حتى نكون دقيقين، مشكور جداً يا سيدي على مشاركتك، وإن شاء الله تسمع أيضاً تعليق على الجزء الأول من كلامك.. من كلامك على قصة تغيير الخطاب عند كل شاردة وواردة، يعني أيضاً أنا أعتقد هي يا أخ أبو مشاري من باب التعميم أيضاً.

سيدي، الأخت جليلة من إسبانيا أعادت بقصة الانحطاط، وأنا أعتقد الآن يعني كبر في عيني أكثر كتاب الدكتور حسن، وضرورة أن ينشر هذا الكتاب لكم، على قصة إنه فعلاً حال الأمة ينعكس من خلال ما نتحدث به، هذا الإصرار على أن يفهم القرضاوي كما أريد أنا أن أفهمه، ليس بالضرورة كما تقوله أنت، هذا مؤشر على حالة من الوعي، الألفاظ التي استخدمها أنا في.. في نقد ما تقول مؤشر على حالة من الوعي، الأخت جليلة تقول أنتم معاشر العلماء مسؤولون في المقام الأول عن هذه الحالة، لأنكم لم -ليس أنت بالضرورة- لكن العلماء هم الذين لم يقوموا بواجبهم لينقلونا من هذا الخطاب الذي يعكس حالة تخلفنا، حالة انحطاطنا، إلى خطاب قد يكون أكثر قدرة على..

د. يوسف القرضاوي: هو يعني لا شك أن على أهل العلم والفكر مسؤولية أكثر من غيرهم، ومسؤولية الإنسان على قدر ما أتاه الله من قدرة وموهبة ولكني يعني تحدثت عن هذا الأمر تحميل علماء الشرع وحدهم مسؤولية انحراف الأمة وتخلف الأمة، هذا ظلم كبير لأن العلماء لم يعد هم الفئة الواحدة القادرة على التأثير في المجتمع، بل هناك أصبح فئات أخرى كثيرة، تشاركها التأثير، أساتذة الجامعات، الصحفيون والإعلاميون، أهل التربية والثقافة، هؤلاء كلهم أصبحوا مسؤولون وأصبح عندهم قدرات أكثر من قدرات أهل العلم الشرعي، وأهل العلم الشرعي في كثير من البلاد لا يملكون أن.. أن يقولوا الكلمة، يعني هم محجور عليهم في كثير من البلاد، يجب أن نعرف هذه الحقيقة، والمسجد ليس حراً في كل البلاد، هناك أنا بحمد الله يمكن لا.. يعني أستطيع إلا أن أؤكد أن أحداً لم يحجر عليَّ في كلمة في هذا البلد، وهذا من فضل الله عليَّ وعلى.. وعلى أهله، أنا أخطب منذ جئت إلى قطر من ثلاثة وأربعين سنة، وأقول ما أريد أن أقول ولا أحد يقول.. وفي هذا البرنامج من سبع سنوات، هل ودي أنت اللي قدمت فيه عدة سنوات وقدمه قبلك الأخ أحمد منصور وقد.. هل أحد اتصل بك وقال لك خففوا أو قل للشيخ يخفف شوية، أو يعني..

ماهر عبد الله: بس، هو للإنصاف، يعني كما إنك فتحت هذا الموضوع الذي يقع هو بعض الإخوة من بعض التيارات، استضفت بعض المتصوفة في هذا البرنامج في غيابك، فيتصل بي سلفيون ليتهجموا كيف استضيف مبتدعة في دين الله، عندما تستضيف سلفي..

د.يوسف القرضاوي: لا أنا بأتكلم بالنسبة لي أنا يعني..

ماهر عبد الله: أبداً لا في.. بالنسبة لك ولغيرك.

د.يوسف القرضاوي: أنا أقول أتيحت لي من الفرص ما لم يتح يعني لغيري، إنما كثير من العلماء لم يتح لهم هذا، ولذلك لا ينبغي أن يعني نحمل العلماء..، هم عليهم مسؤولية من غير شك، ولازم يقاوموا، ولكن من كلام الأخت قالت يعني أيضاً إحنا في حاجة إلى الدعاة في كل مكان، والدعاة في بلاد الأقليات وهذا واجب، واجب على المسلمين داخل المجتمع الإسلامي وداخل دار الإسلام، وواجب على أهل العلم أن يهيئوا هؤلاء الدعاة، و.. وهذا أمر يعني متفق عليه.

ماهر عبد الله: طب نسمع آخر مكالمتين وأرجو أن يكونا مختصرتين جداً، لأن الوقت أدركنا، نسمع الأخ محمد نجيب من أميركا، أخ محمد تفضل.

محمد نجيب: السلام عليكم، وكل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.

د.يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

محمد نجيب: والله أنا لي سؤال للشيخ القرضاوي وأرجو يا أخ ماهر إنك تسمح له إنه يجاوب على السؤال ما يعدِّيهوش، هو سؤال ما لوش دعوة بموضوع الحلقة، السؤال بتاعي: ما هو حكم الإسلام في المسلمين المهاجرين اللي بيعيشوا في بلاد الغرب؟ أنا أعلم إن فيه حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بيقول إنه بريء من المسلمين الذين يعيشون بين ظهراني كفار أنا أرجو لأن السؤال دا محيرني جداً وخاصة لما يكون الواحد عنده بنات وعنده أهل عايشين في بلاد الغرب.

ماهر عبد الله: طب.

محمد نجيب: هو أيه الوضع الإسلامي، الفتوى المضبوطة بالنسبة للناس اللي عايشة في الغرب.
ماهر عبد الله: طب أخ محمد السؤال واضح، عندك سؤال غيره.

محمد نجيب: لا بس جزاك الله خير.

ماهر عبد الله: شكراً سيدي شكراً، نسمع الأخ حاتم الحكم أو الحكمي من السعودية.

حاتم الحكمي: الحكمي.

ماهر عبد الله: تفضل أخ حاتم.. تفضل سيدي.

حاتم الحكمي: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.

د.يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.

حاتم الحكمي: جزاك الله خير يا أستاذ ماهر أنت والشيخ الدكتور القرضاوي.

ماهر عبد الله: حياك الله.

د.يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.

حاتم الحكمي: كل عام وأنتم بخير.

د.يوسف القرضاوي: وأنتم بالصحة والسلامة.

حاتم الحكمي: أنا عندي طلب للأستاذ ماهر وعندي استفسار من الشيخ القرضاوي، بالنسبة للأستاذ ماهر أتمنى في الحلقة كده مع الدكتور القرضاوي تبين ما معنى الوسطية في الخطاب أو في أي شي تمر بيه، الوسطية، لأنه أناس كثير يستخدموا هذا.. هذا فيكون فيه هناك إفراط، بدل من وسطية إفراط، يستغل هذه الكلمة من العلماء الأفاضل، فيستغلها استغلال سيئ، أو.. ويذيعها في المجتمع، فنبغي حلقة تبين لنا ما هو الفرق.. ما معنى الوسطية بالضبط، إذا سمحتم لنا.

ماهر عبد الله: ماشي، الفكرة واضحة، تفضل بالكلام للشيخ يوسف.

حاتم الحكمي: أيوه، بالنسبة للشيخ يوسف هل يا شيخ يوسف الأفضل إنه نقول الوسطية هذا المصطلح هو مصطلح يعني إسلامي معروف أو بدل ما نقول الوسطية سنة، نقول ليش هذا نمشي على السنة، لأن السُنة هي أصلاً وسط، الرسول كان وسط في أموره كلها، الخطاب وغيره.

د.يوسف القرضاوي: ولكن، السُنة يا أخي هناك من يفهمها فهماً فيه نوع من الغلو، وفيه من يفهمها فهماً فيه نوع من التفريط، فالتيار الوسطي هو الذي يقف بين غلو الغلاة وتفريط المفرطين في فهمه.

حاتم الحكمي: طيب..

د.يوسف القرضاوي: وهذا يعني وكله على الكتاب والسُنة يعني.

حاتم الحكمي: فهمتك يا شيخ.. يا شيخ..

د.يوسف القرضاوي: نعم.

حاتم الحكمي: فهمتك، لكن طيب هل كلمة الوسطية هذه مصطلح إسلامي يعني

د.يوسف القرضاوي: نعم.. نعم.

حاتم الحكمي: هل نفهم مثلاً من قول تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) هل هذه الأمة الإسلامية..

د.يوسف القرضاوي: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وقال تعالى: (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيزَانَ).

ماهر عبد الله: طيب.

د.يوسف القرضاوي: فالوسطية يعني لا طغيان ولا إخسار، لا إفراط ولا تفريط.

ملامح النموذج الإسلامي الصحيح

ماهر عبد الله: طيب، أخ حاتم مشكور.. مشكور جداً على اقتراحيك، وعلى السؤال الثاني، سيدي نرجع لسؤال الأخ مصدق، كلام الأخ مصدق .. لأنه من الجميل أن نتحدث عن خصائص الخطاب الإسلامي، من الجميل أن نتحدث عن ما وصفه القرآن من حكمة، من موعظة حسنة، في المحصلة النهائية إذا كنا نتحدث عن خطاب مع غير المسلمين في المحصلة النهائية الإنسان.. فلسفة النبوة قائمة على النموذج على القدوة كان الله بهم قادر على أن يوزع مصاحف على الناس وينتهي الحال، لكن وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس محمداً وحده، أهميته وخطورته في مشروع الإسلام.. في مشروع كل الدعوات السابقة عليه، أنه جسَّد مثال عملي حي على قصة نجاح بشرية بضعفها كان.. كانا يأكلان الطعام، كان ينام، كان يشعر بالمرض، كان يشعر بالجوع، هذا المثال الذي نقدم، يعني عندما نقول خطاب نتحدث عن لسان، لكن لسان الحال أبلغ في التعبير، هل تعتقد أنه لسان حال المسلمين يعطي هذه الصورة الإيجابية التي تريد أن توصلها من خلال حديثك عن خصائص خطابنا الإسلامي؟

د.يوسف القرضاوي: أولاً: أنا أحب أن أقول إنه النموذج والأسوة هي لا تزال مجسدة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني حينما قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) لم يقصد بهذا أهل جيله فقط، يعني لم يكن أسوة للصحابة وليس لمن بعدهم، لأ هو أسوة للصحابة وللتابعين وللأتباع وللأمة إلى يوم القيامة، لأن الله -سبحانه وتعالى- لم يُرد للناس أن يعيشوا في فكرة مجردة غير ممثلة في شخصية يراها الناس، حتى لما الناس قالوا: (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ) لأ قالوا الملائكة ما.. ما ينفعوش لأن الملائكة لا.. لا يستطيعون أن يأكلوا ويشربوا ويبيعوا ويشتروا ويعملوا كما، أنتم بحاجة إلى بشر مثلكم، فكان الرسول هو النموذج البشري الذي يمثل الكمال البشري الممكن الارتقاء إليه، فهذا النموذج موجود يعني إلى يوم القيامة، فهذا لو.. الأمة تقترب وتبتعد من.. بقدر اقترابها من هذا النموذج العملي، بقدر فهمها للشخصية النبوية وللسيرة النبوية وللرسالة النبوية وبقدر إيمانها بهذه الرسالة، وبقدر التزامها بها وبقدر تطبيقها لها تقترب من هذا.

الأمة للأسف الآن يعني وإن كانت تحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعني وكلما ذكر تقول: صلى الله عليه وسلم، وتزور يعني قبره وتصلي في مسجده وكذا، ولكن ليست الأمة المحمدية القرآنية الإسلامية كما ينبغي، ليست خير أمة أخرجت للناس، فهذا هو الواجب علينا أن نقرب الأمة من النموذج الإسلامي الحقيقي في الناحية العقلية، الناحية الأدبية، في الناحية السلوكية، مش بس في الناحية اللي ركَّز عليها الأخ، ناحية التقدم والتخلف، يعني هذا جزء بلا شك، الأمة الإسلامية صنعت الحضارة الأولى، يعني ظلت عشر سنوات هي الأمة الأولى والعالم الأول، وتعلَّم الغرب منها وكانت جامعاتها موئل طلاب الغرب، وكانت مراجعها العلمية هي مراجع الغرب لعدة قرون، وتُرجمت كتبها إلى اللاتينية وإلى غيرها، هذه أمة صنعت بالإسلام، علينا.. وبعدين اقتنص الغرب هذا ونمنا إحنا وتخلفنا، استيقظوا ونمنا، وتقدموا وتخلفنا، وتحركوا وسكنا، نريد أن نحرك الأمة من جديد ونوقظ الأمة من جديد بالإسلام.

فيه شيء بس فقط أريد أن أقوله يعني لا أريد أن نبخس أمتنا حقها يعني الغرب فيه متقدم من الناحية المادية ولكنه للأسف مفلس من الناحية الروحية، مفلس من الناحية الأخلاقية، خرج على كل قوانين الأنبياء وعلى كل الأخلاق النبوات جميعاً، حتى أنهم أصبحوا يزوِّجون الرجال بالرجال والنساء بالنساء وأصبح هناك للعراة أندية عري كامل، أباحوا الزنا والشذوذ وكل هذه الأشياء، وغرقوا في المادية إلى أذقانهم، فالغرب مادي والغرب نفعي والغرب إباحي، هذه أشياء هي مهلكات في الحقيقة.

أمتنا لازالت تتمتع بكثير من الأخلاق وكثير من الإيمان، أنا جئت من العمرة، زرت مكة والمدينة يعني لا توجد أمة تتعبد لله -تعالى- كما تتعبد الأمة الإسلامية، الإحصاءات التي أُحصيت على بلاد الغرب، أكثر بلاد الغرب 5% يذهبون إلى الكنيسة يوم الأحد، وبعض البلاد 7%، وأقصى البلاد المتدينة جداً 10%، انظر إلى المسلمين الآن في أنحاء العالم وهم يقفون صفوفاً صفوفاً في صلاة التراويح في كل مساجد الدنيا، وفي الحرمين أكثر وأكثر يعني هذه زحام شديد من أول رمضان، هذه أمة، في أوائل هذا القرن أسلم أحد اللوردات الإنجليز اسمه اللورد (هيدلي)، اللورد هيدلي أَلَّف كتاباً "إيقاظ الغرب للإسلام" ذكر فيه إن مما حفزه على الدخول في الإسلام أنه لم يجد ديناً يربط الله تعالى.. يربط العبد بربه كما يفعل الإسلام، لأن المسلم في كل يوم يصلي خمس صلوات منذ الفجر إلى العشاء غير النوافل التي تقرب المسلم، "لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه.." إلى آخره.. قال.. الإسلام هو الدين الوحيد، فهذه الأمة المتعبدة في 27 رمضان فيه أكثر من 2 مليون في..، لازم نذكر أمتنا إنها مهما كانت لا يوجد في الأمة الإيدز المنتشر كما يوجد عندهم، لا يوجد انتشار الخمر كما يوجد عند الغرب، فيه عندنا من يشرب، ولكن ليس بالنسبة التي عند هؤلاء، عندنا بعض المنحلين ولكن نسبتهم قليلة والحمد لله، فلابد أن نعرف أن.. هذا التماسك الأُسري بر الوالدين، بر الأمهات والآباء، حب الإخوة والأخوات، الذي نراه أقصى يعني أظهر ما يكون في شهر رمضان حينما تجتمع الأسر بعضها مع بعض في.. على مائدة الإفطار، هذا لا يوجد الغرب الآن لا يكاد يعرف الابن أباه ولا البنت أمها، وإنه مجرد الولد ما يبلغ أو البنت تبلغ.. بيذهب على.. على حل شعره كما يقولون، البنت تبحث لها عن الـBoy friend، والولد يبحث له عن girl friend و.. وهكذا.

أين هذا من أمة الإسلام؟ فلا ينبغي أن نبخس أمتنا حقها، نحن ننقد الأمة على تخلفها، وننقد الأمة على تمزقها وعلى تفرقها، وننقد الأمة على تقاعسها عن واجباتها، ولكن يجب أن نقدر أمتنا حق قدرها، فالإسلام لا يزال له -بحمد الله- أثرٌ في هذه الأمة يظهر في بعض البلاد أكثر، ويقوى في بعض البلاد أكثر ولكن لا تزال الأمة بخير -إن شاء الله- والله تعالى يقول (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)

ماهر عبد الله: يعني يبدو سيدي إحنا مضطرين يبدو للعودة لنفس الموضوع، للحديث عن خصائص خطابنا الإسلامي، لكن خلينا نختم بآخر بأقل من دقيقتين الحقيقة بكلام الأخ أبو مشاري لما قال هو مع أن يكون الخطاب متطوراً، لكن متى نضع الضابط الصحيح لننتقل من حال إلى حال، هو يخشى أن نرتبط..

د.يوسف القرضاوي[مقاطعاً]: أنا.. أنا ذكرت في كتابي التي.. الذي أشرت إليه، إنه من أخطر الأشياء أن يكون تطوير الخطاب الديني بناء على توجيهات تأتينا من الخارج، لأن هؤلاء يريدون إسلاماً غير الإسلام الذي أنزله الله على محمد وغير الذي دعا إليه الرسول وقام به الصحابة، يريدون إسلاماً آخر، يريدونه سلاماً بلا جهاد، زواجاً بلا طلاق، ديناً بلا دنيا، دعوة بلا دولة، حقاً بلا.. بلا قوة، عبادة بلا معاملة، هذا إسلامٌ آخر، نحن هؤلاء يريدون أن نحذف من إسلامنا نحذف آيات الجهاد من القرآن، ونحذف غزوات الرسول -عليه الصلاة السلام- من السيرة النبوية، ونحذف من تاريخنا أبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وعمر المختار وعز الدين القسام، يعني يريد أن نفرِّغ تاريخنا من معاني القوة، فهل هذا هو الإسلام الذي نريده؟

لا، نحن نريد إسلاماً على ما يريده الله ويحبه، وهذا الذي أقوله ليس ابن اليوم، أنا أدعو إلى هذا الإسلام من خمسين عاماً والحمد لله، ليس.. ليس هذا وليد اليوم ولا ابن الأمس، والحمد لله رب العالمين.

ماهر عبد الله: طب سيدي، شكراً جزيلاً لك، وشكراًِ جزيلاً لكم مني ومن منصور الطلافيح (مخرج البرنامج) والفريق الكبير الذي يعمل معه ويساعده، يعني سنعود -إن شاء الله- إلى هذا الموضوع، لا أدري إذا كان في الأسبوع القادم أو الذي يليه، لكن كل الذي نتمناه ستبقى لكم الفرصة لتعلقوا، لتنتقدوا الشيخ قبل أن تنتقدوا (الجزيرة)، ولتنتقدوا (الجزيرة) بأشد مما تنتقدون الشيخ.

كل الذي نطلبه ونتمناه أن نُنتقد على ما قلنا، أن ننتقد على ما نتفوه به لا على ما تحسبون أننا تفوهنا به، وأنا أتحدث عن الأقلية التي تصر على أن تحاسبنا على ما تفهم من كلامنا لا على ما نقول.

إلى أن نلقاكم الأسبوع القادم تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

المصدر : الجزيرة