زيارة خاصة - صورة عامة - سعيد المغربي - شاعر وملحن - 17/10/2009
زيارة خاصة

سعيد المغربي.. الفن في المغرب

يستضيف البرنامج الشاعر والملحن سعيد رباج المغربي الذي لقب من قبل الجمعيات العمالية المغربية في فرنسا بالمغربي، ولد في مراكش التي هرب منها صوب فرنسا تفاديا للقمع ووجدته هنا في المحمدية المجاورة للدار البيضاء.

– البدايات ودخول عالم الفن الملتزم في المغرب
– الغناء لفلسطين ومرافقة المقاومة في لبنان
– الوضع السياسي في المغرب بين الأمس واليوم
– عن الهروب والعودة والعلاقة بالموسيقى والسياسة

 

سامي كليب
سامي كليب

سعيد المغربي
سعيد المغربي

سعيد المغربي:

ارفعوا الأيادي وهللوا هللوا

ارفعوا الأيادي وزغردوا زغردوا

للوطن العربي.. للوطن العربي

فنحن نحن نحن نحن الساهرون

نحن نحن نحن نحن قادمون

يمنانا أمل يسرانا عمل

وعيوننا تحلم بالغد بالغد الآتي

البدايات ودخول عالم الفن الملتزم في المغرب


سامي كليب: يحلم بالغد الآتي، يبقى الحلم والغد لم يأت بعد ولكنه مستمر على حلمه. اسمه سعيد رباج ولقب بالمغربي من قبل الجمعيات العمالية المغربية في فرنسا، ولد في مراكش التي هرب منها صوب فرنسا تفاديا للقمع ووجدته هنا في المحمدية المجاورة للدار البيضاء حيث يمارس مهنة التعليم مذ عاد بعد عفو الملك الراحل الحسن الثاني عن المعارضين في الخارج قبل 15 عاما، والده العسكري نمى عنده حس الفن فصقله في المعهد الموسيقي وكاد يدخل الأوركسترا الملكية ولكنه فضل متابعة الدراسة، ولم يكن منتميا إلى أي حزب سياسي حتى ولو أنه دار لاحقا في فلك اليسار.


سعيد المغربي: كنت يساريا وآمنت بمجموعة من الأفكار في السابق اهترأ جزء منها ولا زال يقظا جزء آخر منها في ذاكرتي في أحاسيسي يعني.


سامي كليب: كنت أقرب إلى الاتحاد الاشتراكي مثلا؟


سعيد المغربي: لا، لم أكن أقرب إلى الاتحاد الاشتراكي أنا كنت أقرب إلى اليسار جيل اليسار يعني الماركسي اللينيني يعني.


سامي كليب: منظمة "إلى الأمام".


سعيد المغربي: "إلى الأمام"، 23 مارس، لنخدم الشعب يعني، هذا هو يعني أنا أحاسيسي السياسية آنذاك.


سامي كليب: طبعا كل هذه المنظمات تعرضت في مرحلة معينة -خصوصا بعد محاولتي اغتيال الملك الراحل الحسن الثاني- إلى قمع وبطش شديدين وزج الكثير من قادتها في السجون وهرب الجزء الآخر ودجن الجزء الثالث، حضرتك كنت في خياراتك السياسية مثلا تود أن يتغير النظام الملكي في أغانيك مثلا كنت تفكر بذلك؟


سعيد المغربي: أبدا، أبدا هذه هي المسألة التي ابتعدت عنها بدون أن أدرك، هي مسألة الملكية مسألة الصحراء ومسألة الدين الإسلامي قيم وثوابت..


سامي كليب (مقاطعا): بقيت مواليا للملك؟


سعيد المغربي: لا لم أدل برأيي في هذا الموضوع رغم شدة وقساوة مجموعة من الأغاني التي غنيت وتطرفها في كثير من الأحيان لم يعني أقترب من هذه القضايا.


سامي كليب: بقناعة أم بعامل الخوف؟


سعيد المغربي: لا لم يكن هناك خوف آنذاك ما كانش عامل الخوف يحد من التعبير عما كنت أحسه بل مسألة جد كما قلت لك بشكل لا إرادي يعني، وهذا أظنه إحساس كل المغاربة.


سامي كليب: لا مش الكل، في ناس كانوا ناويين يقلبوا النظام.


سعيد المغربي: لا، أنا أقول لك من بعد يعني ما (كلمة فرنسية) يعني بصراحة هذيك الوقت اللي كان فيه النزوع الانقلابي داخل المغرب منتشرا كنت أنا صغيرا يعني..


سامي كليب (مقاطعا): لا في يعني بالعشرينات تقريبا، هيك بالعشرينات شاب في عز عمره يعني.


سعيد المغربي: ولكن عموما يعني كان.. فيه ما يقال.


سامي كليب: من الأغاني الأولى التي أنشدت ولاقت استحسانا كثيرا بعض الأغاني المتعلقة بالسجناء، ونؤرخ لأغنية في الواقع لسجينة توفيت في السجن أيضا سعيدة المنبَهي.


سعيد المغربي: المنبِهي.


سامي كليب: المنبِهي بحسب اللفظ المحلي، ما هي قصتها ولماذا تضامنت معها حضرتك بهذا الشكل؟


سعيد المغربي: أنا آنذاك كنت في أوج عطائي يعني في البدايات لي هي عبارة عن أوج في مساري أو بداية مساري الغنائي السياسي، والمغرب آنذاك كان يعرف حملة شرسة ضد اليسار اعتقالات سياسية محاكمات جائرة إلى غير ذلك اغتيالات إلى غير ذلك، مما دفع بهؤلاء المعتقلين السياسيين للقيام بحملات الإضرابات عن الطعام، وهي استشهدت في إضراب عن الطعام الذي تجاوز الأربعين يوما، أصبح حدث وطني الكل يتكلم عن هذا الحدث امرأة أستاذة تستشهد في السجن من جراء صمودها ويعني إضرابها عن الطعام وكتب عليها الكثير من الشعر. وصديقي الذي أحتفي به في هذا اليوم الجميل عبد الله زريقة كشاعر كبير للمغرب حاليا يعني كتب لي هذا النص، لحنته ولقي استحسانا وكان حدثا في تاريخ الأغنية المغربية لأنه لم يسبق للأغنية المغربية أن قاربت موضوعا يعني بهذه الحدة وبهذه الشراسة إلى غير ذلك ولهذا سميت الأغنية بـ"امرأة أحبت الضوء".


سامي كليب: دخل سعيد المغربي عالم الفن الملتزم صدفة حيث غنى أمام طلاب المدرسة المحمدية للمهندسين في الرباط وذلك للتعويض عن غياب ممثلين عن إحدى المسرحيات، فاستحسن الجمهور أغانيه واستبدلوا له الغيتار بالعود فاستحسن هو الغناء السياسي وراح يبلسم بالكلمة والنغم والصوت ذي الطبقة الوهابية جراح الفقراء والمقموعين والمناضلين والسجناء، وكاد يصبح سجينا مثلهم فقد عانى كما عانى من غنى لهم أو كاد.


سعيد المغربي: عانيت الحصار عانيت المتابعات عانيت من مضايقات عانيت من ضياع الفرص عانيت من هروبي من المغرب خوفا من الاعتقالات يعني هذا شكل من أشكال المعاناة، عانيت كذلك بتأخر أشياء كثيرة في حياتي.


سامي كليب: مثل؟


سعيد المغربي: يعني تعطلي في ممارسة المهنة تعطلي الدراسي، كنت مضطرا لإعادة دراسة الجامعة كلها في فرنسا، يعني كل هذا في تعب نفسي شديد لا يحتمل.


سامي كليب: حين كنت تغني -حسب ما قرأت وصحح لي إن كان خطأ- كنت في بعض المرات تضطر للهروب من على المسرح وتترك العود، صحيح؟


سعيد المغربي: صحيح يعني هربت كثيرا من المرات بالخصوص في بعض المدن الصغيرة التي يعني تعرف شدة وتسلط السلط أكثر من المدينة والمراكز..


سامي كليب (مقاطعا): بعيدا في مناطق الريف؟


سعيد المغربي: يعني مناطق الريف مثلا اللي كان فيها حدث كان هناك حصار لحفلة وفرض الجمهور أن أغني ما أحببت، في الخُميسات مثلا في وزان يعني وزان كذلك خليت فيها العود وهربت.


سامي كليب: ما هي الأغاني التي كانت تثير السلطة دون غيرها أكثر من غيرها آنذاك؟


سعيد المغربي: هو كل وجودي كل الحفلات يعني كل الأغاني لا يمكن أن نختار فيها الذي يليق والذي لا يليق لأنها كانت كلها أغاني تتكلم على الاستشهاد على الضياع على الفقر على يعني..


سامي كليب: على العامل وسيد العمل.


سعيد المغربي: نعم مثلا إلى غير ذلك من القضايا وبالخصوص المواضيع التي قاربت موضوع الاعتقالات السياسية والاستشهاد إلى آخر ذلك.


سامي كليب: حتى بعض المواضيع التي تحدثت عن انتفاضات هنا مثلا انتفاضة الدار البيضاء في مطلع الثمانينيات.


سعيد المغربي: صحيح أن 20 يونيو 1981 عرف المغرب الانتفاضة اللي سميت من بعد انتفاضة الخبز والتي سقط فيها الكثير من الضحايا والشهداء..


سامي كليب: وهذه أغنية..


سعيد المغربي (متابعا): أنا غنيت عليها أغنية

عشرين يونيو جيتي مرة ثانية

مرحبا يا عروسة مارس

شبيهة الريف وبنت البيضا.


سامي كليب: صحيح، و"عروسة مارس" دائما كانت تطلب منك في معظم الحفلات ودائما تعمل لك مشاكل حسب ما فهمت.


سعيد المغربي: هذا هو يعني أنه كانت مجموعة من المعاناة اللي كانت دائمة لدرجة أنه أصبحت طبيعية في حياتي.

قطع أوصالنا

واسحق دماغنا

واقتل إحساسنا

سنبعث من جديد

سنحمل المشعل

من أجل الحرية

الغناء لفلسطين ومرافقة المقاومة في لبنان


سامي كليب: كان سعيد المغربي في خلال هذا الحوار معه يستعيد في بيته المتواضع جدا شيئا من تاريخه وتاريخ أغانيه الغني جدا فيتذكر محطات مضيئة أو ينسى، ولكن الحماسة تبقى نفسها رغم تعب الصمت بين حين وآخر. لم يتقصر غناء سعيد المغربي على الشأن المغربي الداخلي رغم أولوية وصعوبة القضايا الداخلية في مغرب الحسن الثاني فهو ذهب بالغناء صوب فلسطين وأنشد لمحمود درويش ومعين بسيسو، ويذكر اليوم أغنية اعتبرت الأولى لمحمود درويش تغنى آنذاك في المملكة المغربية في منتصف السبعينيات.


سعيد المغربي: أذكر وأذكر أنها هي تشكل أول محطة في تاريخي كمغني سياسي يعني أول أغنية غنيت غنيتها لمحمود درويش في أواسط سنة.. يعني أواخر 1975، 1976 يعني في هذه اللحظة درويش يعني شاعر وغنيت الأغنية سميتها "نشيد للرجال".


سامي كليب: تحديدا بالـ 1975 "نشيد للرجال".


سعيد المغربي: واللي فيها نوع من التسامح ومن السمو الذي ما أحوجنا إليه حاليا لحل المشكلة الفلسطينية.


سامي كليب: لسه حافظها "نشيد الرجال"؟


سعيد المغربي: شوية، إيه.


سامي كليب: نسمع منها شوي.

سعيد المغربي:

ألو، ألو، أريد يسوع

نعم، من أنت؟

أنا أحكي من إسرائيل

وفي قدمي مسامير

وأكليل من الأشواك أحمله

فأي سبيل أختار؟ أي سبيل؟

أأكفر بالخلاص الحلو

 أم أمشي ولو أمشي واحتضر؟

أقول لكم أماما أماما أيها البشر


سامي كليب: غنى سعيد المغربي لفلسطين فكان غناؤه جسرا نضاليا بين المشرق والمغرب ولكنه لم يكتف بالغناء من بعده وإنما حمل عوده وحماسة شعبه المغربي بالقضية الفلسطينية وسافر إلى الشرق الأوسط، غنى بين المقاتلين وعلى الجبهات وبين الرصاص والقصف، ذهب يغني ويحلم كما الذين يغني لهم يحلمون بالنصر فوصل إلى لبنان في مطلع الثمانينيات بينما كانت إسرائيل تعد لاجتياح وغزو بلاد الأرز.


سعيد المغربي: قبل الاجتياح يعني وقتها كان حصار كان حرب أهلية كبرى وكنت في بيروت حيث كنت مستقرا مع مقاتلي منظمات فلسطينية لبنانية..


سامي كليب (مقاطعا): بقيت ثلاثة أشهر.


سعيد المغربي: ثلاثة أشهر فيها حفلات جولات مع مقاومين مقاتلين في الجنوب في البقاع العرقوب صيدا بعلبك الشياح غنيت فيها يعني أمام..


سامي كليب: على خطوط التماس؟


سعيد المغربي: على خطوط تماس.


سامي كليب: وكنت تخاف من القتال؟


سعيد المغربي: لا، لا ما أنا هديك كمتضامن أمثل الشعب المغربي في تضامني مع اللبنانيين والفلسطينيين لأنه بالنسبة لي لم يكن هناك فرق لأنه حتى المقاومة كانت مقاومة يعني موحدة.


سامي كليب: كيف كان استقبال الناس لك هناك يعني على المستوى الشخصي؟


سعيد المغربي: كان جميلا جدا، أنا تكلمت على هذا في مذكرات نشرت هنا في الجرائد المغربية وعندما وصلت لمذكراتي في علاقتي بلبنان يعني وصفتها بشكل جيد، كانت هناك محبة يعني دائمة كانت هناك روح يعني فيها أولا العزة وفيها نوع من الاندماج الإنساني مع العرب.


سامي كليب: كانوا يعرفون عنك شيئا هنا قبل أن تصل؟


سعيد المغربي: لا لم يكونوا، كانوا يعرفون المغنين ديالهم ولكن أنا لا، ولكن سرعان ما يعني أحبوا ما قدمت من أغاني.


سامي كليب: صحيح وكتبت عنك الصحف.


سعيد المغربي: كتبت الصحف أول الكتابات الصحفية عني لأنه كنت أنا في المغرب لم يشر إلي في الجرائد رغم الحفلات الكبرى التي كنت أقيمها.


سامي كليب: يعني لم يكن دارجا آنذاك أن يذهب مغني مغربي من هنا ليذهب ويغني مع الفلسطينيين واللبنانيين في لبنان.


سعيد المغربي: ولهذا فوجئوا وعن طريقي عرفوا المغرب.


سامي كليب: وحتى منظمة التحرير الفلسطينية في الواقع حاولت التلاعب ببعض مشاعرك، يعني قرأت لك بعض الأغاني مثلا كانت في مرحلة معينة ضد سوريا ومع لبنان.


سعيد المغربي: نعم هذيك القطعة اللي كانت جاءت في.. لأنه هو سجل لو بطريقة أخرى أن أغنيتي هي سجل لتاريخ طويل للمعاناة الفلسطينية وللقضية الفلسطينية..


سامي كليب (مقاطعا): ولكن فيما بعد أصبحت صديقا لسوريا.


سعيد المغربي (متابعا): من جديد وصلت، يعني أنا بالنسبة لي ما كنتش.. كنت عبرت على مشاعر، على مشاعر لإنسان عربي يحب القضية الفلسطينية ويتألم لعذاباتها ولمذابحها المذابح التي تعرضت لها حتى من الأنظمة.


سامي كليب: تألمت أيضا -حسب ما قرأت في بعض كلمات أغانيك- لاغتيال قائد الحركة الوطنية آنذاك اللبناني كمال جنبلاط.


سامي كليب: كنت غنيت عليه وأنا كنت لا زلت في المغرب،

غني يا شعبي للكرامة بالبارود

غني يا شعبي لكمال جنبلاط

للبطل أبو علي للبطل أبو داوود

من غير حرب الشعب ما فيك تقدر تعود.


سامي كليب: وماذا عنت لك فلسطين آنذاك؟


سعيد المغربي: رمز هي بؤرة، بؤرة وطموح وتطور وشكلت محطة أساسية في خلخلة الوعي السياسي العربي كله ليس فقط المغرب، يعني القضية الفلسطينية عبرها تمرر الخطاب السياسي الأيديولوجي الفني الثقافي الشعري الروائي الرسم كل هذه ما خلفته فلسطين للقضية العربية كان مهما جدا كان خلخلة للوعي.


سامي كليب: صحيح وجئت في مرحلة، سيد سعيد المغربي، في مرحلة كانت بدأت الأغنية السياسية تنتشر يعني إن كان في الشرق على أيدي مثلا مارسيل خليفة وأحمد قعبور وخالد الهبر أو في مصر فيما بعد طبعا الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، ولكن حين ذهبت إلى الشرق والتحمت بالقضية الفلسطينية عن قرب وذهبت للقتال على الجبهات هل غيرت رأيك مثلا خصوصا أنه من بعيد تكون القضية مثالية جدا؟


سامي كليب: لم أغير رأيي يمكن كانت هناك فرصة لأن فلسطين عرفناها من المغرب عشنا معها في الجامعة لبنان اكتشفت فيه بلدا جميلا جدا وأحب كيف يقولون المشارقة وجميل من الناحية الجغرافية، شعب راقي متحضر، يعني مستوى العيش الذي اكتشفته عند اللبنانيين في الحرب الأهلية كان جد جدا متقدم على ما كنا نعيشه نحن هنا في المغرب.


سامي كليب: هل عشتم، هل عشت تجارب صعبة مثلا مع الفلسطينيين حين كنت تذهب إلى جبهات القتال؟ هل تعرضت للموت مثلا هناك؟


سعيد المغربي: لا، مرة كنت أغني فمرت الطائرات الحربية قنبلت مجموعة من المناطق وأنا كنت آنذاك أغني مع المقاتلين وأصبحوا يعني..


سامي كليب: يطلقون النار.


سعيد المغربي: يطلقون النار في الهواء كشكل من أشكال التحدي وهم يرددون معي "نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا".

نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا

نعم لن نموت ولكننا سنقتلع القمع من أرضنا

هناك هناك بعيدا بعيد

سيحملني يا رفيقي الجنود

سيلقون بي في الظلام الرهيب

سيلقون بي في جحيم القيود

لقد فتشوا غرفتي يا رفيق

فما وجدوا غير بعض الكتب

وأكوام عظم هم إخوتي

يئنون ما بين أم وأب

لقد أيقظوهم بركلاتهم

لقد أشعلوا في العيون الغضب

نعم لن نموت نعم لن نموت

[فاصل إعلاني]

الوضع السياسي في المغرب بين الأمس واليوم


سامي كليب: رغم عدم تسجيل أغنيات سعيد المغربي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بتقنيات جديدة وجيدة ورغم منعها من الظهور على وسائل الإعلام المحلية إلا أنها انتشرت على نحو لافت، وها هو اليوم يشاهد بعضها عبر الإنترنت، تلك الأغاني التي يتم تسجيلها وتناقلها لتحفظ تاريخ جيل وسنوات من الصدام السياسي الصعب في المملكة المغربية.

سعيد المغربي:

هذي عيون الشهداء هذي عيون الشهداء

مفتوحة على ليلنا هذي عيون الشهداء

مفتوحة على ليلنا ككتاب مشتعل بالأسئلة

فاقرأوا واعلموا أن عيون الشهداء شاهدة على ليلنا


سامي كليب: حين عاد الفنان المغربي الملتزم سعيد المغربي من الشرق الأوسط بعد غنائه إلى جانب الفدائيين ومناضلي اليسار شعرت السلطات المغربية بأن أغانيه قد تصبح عامل قلق فلم تكتف بمنعها وإنما صار سعيد المغربي عرضة للقمع والملاحقات التي نجا منها بصعوبة عبر الهرب إلى فرنسا.


سعيد المغربي: ممكن أحس بأن التجربة أصبحت تكبر وأصبحت يعني تؤخذ مأخذ جد، زيادة على ذلك وجودي بالجامعة كمناضل كطالب والوضع العام الذي لم يكن يعني كان متأججا كانت تهيأ فيه مجموعة من المحاكمات والاعتقالات.


سامي كليب: رغم أنك لم تكن تمر على وسائل الإعلام فهمت أنك كنت ممنوعا.


سعيد المغربي: كنت ممنوعا يعني ممنوع والمنع هو نتيجة لعمل مخبري المتابعات.


سامي كليب: وأيضا أثرت السلطات بأغاني عن منطقة الريف عن انتفاضات الريف، والمعروف بتاريخ المغرب أن الريف له خصوصية في العلاقة مع العرش يعني أن الملك الحسن الثاني لم يكن يذهب إلى الريف.


سعيد المغربي: صحيح أنني غنيت أغنية على البطل والشهيد عبد الكريم الخطابي الأغنية التي لا زالت مشهورة حاليا منذ ذلك الزمان ومن خلالها أحبني شباب الريف آنذاك، وأن الغناء على عبد الكريم الخطابي آنذاك في (كلمة فرنسية) الأغنية عموما كانت كذلك حالة خاصة متميزة يعني كل..


سامي كليب: يعني كنت تغني للريف لتثير السلطة أكثر؟


سعيد المغربي: لا، غنيت للريف فقط للتعبير عن أن عبد الكريم الخطابي مغربي طموح، أول حركة تحرير مغربية كبرى.

يا أيها الوطن الحزين

يا أيها المبعثر في الخيام

اغضب اغضب اغضب


سامي كليب: الملك حسن الثاني تعرض لمحاولتي اغتيال معروفتين ربما أكثر ولكن في الصخيرات وفي الطائرة، في بداية السبعينيات حين كنت تسمع مثل هذه العمليات كمعارض آنذاك ومغني سياسي ملتزم هل كنت تفرح مثلا؟


سعيد المغربي: لا، كما قلت جوابا على هذا السؤال في السابق أنني كنت صغيرا يعني لا زال الوعي السياسي بهذه القضايا لم يمتلكني لأتخذ إحساسا ما يعني، بمعنى أن المسألة كانت تتجاوزني بكثير لاتخاذ موقف منها في الوعي الذي كان آنذاك عندي.


سامي كليب: طيب اليوم أين موقفك من السلطة من العرش؟


سعيد المغربي: آه موقفي إيجابي يعني العرش ضامن للاستقرار السياسي والديني في المغرب والملك الجديد محمد السادس يعني نعتبره خطوة وهبة من الله لهذا البلد، أنه رجل اجتماعي رجل يحاول أن يخلق توازنات جديدة ونتمنى له التوفيق.


سامي كليب: ربما لو قررنا أن نجري هذا اللقاء معك في عهد الملك الراحل الحسن الثاني لم ننجح، لما كنا نجحنا، شو رأيك؟ تغير الوضع كثيرا؟ رغم أنك حصلت على العفو في عهد الحسن الثاني؟


سعيد المغربي: لا، يعني كان من المفروض أن يكون تعابير ومقال سياسي آخر لتسيير اللحظة السياسية والزمن السياسي المغربي، الزمن السياسي المغربي حاليا زمن متقدم ومتطور، فيه لبنات مهمة جدا المستوى الاقتصادي الاجتماعي السياسي إلى غير ذلك، فقط يجب يعني التعامل مع الأطر التي يمكن أن تساعد على يعني تحقيق هذا المبتغى الجميل.


سامي كليب: طيب لو عدنا قليلا إلى مغادرة المغرب سبب النفي الطوعي إذا صح التعبير، قلت كان هناك سببان سبب موسيقي وسبب سياسي، ما الذي دفعك للرحيل؟ ضغط السلطات؟


سعيد المغربي: ضغط السلطات والسبب السياسي كذلك هو بالأحرى موسيقي لاستمراري في أداء يعني مهمتي كفنان تقدمي ولكن كذلك للحفاظ على الاستمرار يعني بمعنى أن المسألة متداخلة يعني ما فيهاش جانب على جانب.


سامي كليب: كنت ستنتهي إلى السجن؟


سعيد المغربي: بدون شك لأن البيت الذي كنت أسكنه في فاس مباشرة من بعد ثلاثة أشهر أخذوا كل أصدقائي منه.

احملني على جناحيك

يا مغرب وابعثني ألوانا أنوار

هيا يا وطن الشعب

هيا يا أمل الروح

هيا يا دم القلب يا بلد الأحرار

سنبعث من جديد

سنحمل المشعل

من أجل الحرية


سامي كليب: هل مع مرور السنوات تشعر بالندم على أو تشعر بأنها كانت على حق تلك المنظمات التي ناضلت في صفوف الطلاب ضد السلطة مثلا منظمة "إلى الأمام" وغيرها؟


سعيد المغربي: نعم هي بالأحرى حركات وجدانية هي أنا بالنسبة لي الحركات اليسارية في المغرب كانت حركات ثقافية ولم تكن بالأحرى حركات سياسية إلا انطلاقا من شعاراتها.


سامي كليب: يعني لم تنضج تجربتك قصدك؟

عن الهروب والعودة والعلاقة بالموسيقى والسياسة


سعيد المغربي: يعني كانت هي حركة ثقافية ويعود لها الفضل في التحريك، يعني دور المجتمع المدني الثقافي في المغرب لأن أغلب المثقفين والشعراء والفنانين أخذوا يعني عندهم من نتيجة لمعارك اليسار الثقافية في المغرب، من الناحية السياسية لم يكن هناك المشروع السياسي الواضح وبقي كذلك وهذه مشكلة اليسار عموما العربي ليس فقط المغربي.


سامي كليب: طيب وصلت إلى مرحلة من الانسداد السياسي -إذا صح التعبير- والقلق والتطويق ومحاولة اعتقالك فهربت، وحسبما قرأت عنك أنك لبست ثياب شيخ كان سيحيي زفافا وهربت، صحيح؟ عبر بعض المناطق المغربية قرب طنجة.


سعيد المغربي: يعني هذه من الطرائف المضحكة في كثير من الأحيان لأن أصدقائي في الريف هيؤوا لي طريقة من الطرق العادية البسيطة للخروج بطريقة غير شرعية.


سامي كليب: ماذا فعلت يعني؟


سعيد المغربي: يعني أنه تكلمنا مع بعض الحراس آنذاك الذين يحرسون منطقة ترابية وقالوا لهم بأنه لديهم عرس بمليلية ولذا استقدموني لأحيي العرس بالليلة ليلة الفرح.


سامي كليب: ولبست ثياب شيخ.


سعيد المغربي: ودزت، هم مشوا وأنا دزت من أمام الحراس بعودي وهذا باسم.. يعني كشيخ، كشيخ.


سامي كليب: كشيخ وحامل عود؟


سعيد المغربي: حامل عود.


سامي كليب: كيف؟


سعيد المغربي: شيخ نغني لإحياء عرس.


سامي كليب: آه شيخ مغني، مش شيخ دين يعني.


سعيد المغربي: لا، شيخ يعني بمعنى أنه مغني لإحياء حفلة عرس.


سامي كليب: لأن أنا بأعرف في المغرب في شيخات تغني وليس شيوخا.


سعيد المغربي: صحيح أنا قلتها فقط للتمييز، يعني بمعنى أنه كانت المسألة أخذت هذه الصيغة التي ساهمت في..


سامي كليب: وهكذا نجوت يعني.


سعيد المغربي: ونجحت ومريت..


سامي كليب: عبر إسبانيا.


سعيد المغربي: عبر إسبانيا والدخول إلى هديك الساعة ما كانش فيزا.


سامي كليب: ومن إسبانيا إلى فرنسا طبعا حيث تابعت الدراسة.


سعيد المغربي: إلى فرنسا إلى باريس حيث يعني أقمت.


سامي كليب: وعشت تجربة صعبة في فرنسا لأن.. في الواقع صقلت الموسيقى وحصلت على الدكتوراه في الموسيقى الأندلسية المغربية وأقمت حفلات كثيرة هناك، ولكن عشت صعوبة الغربة مثلا ولا كانت الحياة سهلة بالنسبة لك؟


سعيد المغربي: في الوقت الذي ذهبت فيه إلى باريس أو فرنسا عموما كان الوضع الطبيعي للهجرة العربية والمغربية متقدما ومتطورا فذاك الاحتضان وكأنك في تونس أو في الجزائر أو في الدار البيضاء في القاهرة يعني كان وجودا عربيا كبيرا وجودا سوريا مناضلين سوريين لبنانيين مصريين عراقيين مغاربة، كانت الهجرة العربية عموما منظمة وموحدة ويعني مما خلق شرطا لي للتعامل مع كل، بمعنى أنا من باريس عرفت وتعلمت أشياء كثيرة عن العرب من خلال باريس.


سامي كليب: في فرنسا أمضى سعيد المغربي سنوات طويلة وحصل على الدكتوراه في الموسيقى وغنى للوطن وللمهاجرين وللقضايا العربية، وحين جاء عفو الملك الراحل الحسن الثاني عن المعارضين في الخارج عام 1994 عبر خطاب ملكي شهير انتظر سعيد المغربي بعض الوقت قبل العودة وكأنه لا يصدق أنه عائد مع عوده فعلا ليغني يوما جديدا على أرض الوطن.


سعيد المغربي: انتظرت حتى عقدت الجمعيات الحقوقية في المغرب لقاء لاستقبال منفيين معتقلين ودخلت مباشرة بعودي من المطار إلى الحفلة، استقبلتني هذه الجمعيات في المطار بمحبة وبكل ما يمكن أن ننتظره في هذه الحالة..


سامي كليب (مقاطعا): ولكن لم تغن نفس الأغاني.


سعيد المغربي: غنيت.


سامي كليب: بما فيها انتفاضة الدار البيضاء؟


سعيد المغربي: لا، غنيت بمشاركة بسيطة لأنه كان تعب وكان مشاركون كثر ويكفي أنك حضرت فيه وكانت واحة المحبة واحة الاستقبال كبير.


سامي كليب: قرأت لك في بعض المقابلات بعد عودتك أنه كانت فترة من تاريخك وانتهت وبدأت تفكر بشكل آخر فيما بعد يعني أن المرحلة السياسية التي كنت تناضل بالأغنية بالكلمة بالشعر بالعود أنه صارت خلفك وأنه لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية والآن تتوجه اتجاها موسيقيا نحو العلم الموسيقي أكثر، هل تخليت عن تلك التجربة السياسية إذا صح التعبير؟


سعيد المغربي: هو التجربة في العلاقة بالغناء هو لا زالت دائمة يعني أغنية إن صح هذا التعبير هي أغنية سياسية بالأحرى يمكن أنه اختلف الموضوع يعني فيصبح أكثر إنسانية أكثر تربوية أكثر تاريخية أكثر تعاملا مع القيم.


سامي كليب: ولكن لم ينته مثلا..


سعيد المغربي: لا لم ينته مسارها.


سامي كليب: لم ينته الفقر في..


سعيد المغربي: وباقي الفقر باللي نغنيه ونغني، يعني ما كانش هناك تعارض بيني وبين كل هذه القضايا..


سامي كليب (مقاطعا): انتهى الاستبداد؟


سعيد المغربي: آه؟


سامي كليب: انتهى الاستبداد؟ انتهى التسلط؟


سعيد المغربي: في شكل من أشكاله في المغرب في شكل من أشكاله انتهى، يجب الإقرار بهذا، وعلى المناضلين وكل الشرفاء أن يقروا عندما تكون هناك أشياء يجب قولها يجب قولها يعني بدون ارتباك ولا خجل، يعني بمعنى أنه كان هناك مجموعة من العلامات المهمة التي صنعها الشعب المغربي صنعتها القوى السياسية المعارضة التي ناضلت وكل ما لديها لتحقيقها بالمغرب الذي من الممكن أنك رأيته كما..


سامي كليب: صحيح أنا رأيته في كل أحواله المغرب، طيب هل لا زلت تعرف نفسك اليوم سعيد المغربي كمغني أو كفنان يساري حتى اليوم؟


سعيد المغربي: نعم أؤمن بالديمقراطية وبتغيير أشياء إلى غير ذلك اعتقادات ولو في شكلها الرمزي.


سامي كليب: هل تؤيد تجربة الأحزاب القائمة حاليا في المغرب، اليسارية على وجه الخصوص؟


سعيد المغربي: لا، لا اليمين ولا اليسار يعني كلهم في نظري يعني يجانبون الصواب.


سامي كليب: في سبب معين؟


سعيد المغربي: السبب هو ضيق الأفق والأنانية المفرطة.


سامي كليب: مع العمر ونضوج التجربة وتغير الأوضاع في المملكة المغربية هدأت أغاني سعيد المغربي وصارت أقل حدة وأكثر إنسانية، ورغم أن المنع والقمع قد ضيعا معظم تراثه إلا أن أغانيه تبقى محفورة خصوصا في قلوب وعقول جيل من مناضلي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وسألته في ختام هذا الحوار ماذا يعني له الغناء اليوم؟


سعيد المغربي: بالنسبة لي الغناء هو جزء مني يعني جزء من حياتي من وجودي من كياني يعني بمعنى أنه عشت به وأعيش له كذلك يعني رغم المعوقات فيعني الغناء بالنسبة لي هو كما قلت جزء من وجودي.


سامي كليب: هل تتصور حياتك بدون غناء؟


سعيد المغربي: لا، لا، أسيء بالطرق التي أنتجنا بها الأغنية السياسية لترجمة صوت المغنين السياسيين من ضمنهم أنا بحكم أننا لم نسجل في أستديوهات ولا أي شيء، سجلنا في البيوت مما يعني أثر على الجودة التقنية والفنية للتسجيلات التي استمع إليها الجمهور وأحبها رغم بساطتها وشكلها الطبيعي يعني.


سامي كليب: لو وددت أن أسألك في ختام هذا الحوار ما هي رسالتك من خلال ما تفعل؟ ماذا تقول؟


سعيد المغربي: رسالتي هي أن يخرج العرب من سباتهم. كافي.

نعم لن نموت ولكننا

سنقتلع الموت من أرضنا