الرئيس الإيراني سابقاً ومعارض مقيم في باريس حالياً
زيارة خاصة

الثورة الإيرانية وأميركا والعرب

ما علاقة أبي الحسن بني الصدر مع الخميني قبل وأثناء الثورة؟ وما دور الخميني فيها؟ وما حقيقة علاقة إيران بأميركا أثناء أزمة الرهائن الأميركيين؟ وما مخططات الخميني لإقامة سياج شيعي في الوطن العربي؟
undefined
undefined

سامي كليب:

كل هذه السواتر الحديدية، ومن خلفها من حراس ورجال أمن، يوحي في الواقع بأهمية الرجل الذي يقطن خلف المكان، إنه الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية أبو الحسن بني الصدر، الذي ذهب من هنا.. من فرنسا مع الإمام الخميني ليصنعا إحدى أهم ثورات آخر القرن، والذي عاد إلى هنا بعد أن بدأت الثورة الإيرانية تأكل أبناءها، وبالرغم من الفترة القصيرة التي عاشها بني الصدر رئيساً في إيران، إلا أنه يبقى شاهداً على ملفات كثيرة وكبيرة الأهمية من الثورة نفسها مروراً بالحرب العراقية الإيرانية وصولاً إلى الرهائن الأمريكيين، كل هذه الملفات سوف نستعرضها مع أبو الحسن بني الصدر في هذه الزيارة، ولكن لنرى أولاً إذا كنا نستطيع اجتياز الحواجز الأمنية.

من والده الذي كان إماماً تعلم أبو الحسن بني الصدر أصول الإسلام، لكنه خرق عادات العائلة، وفضل ارتداء الزي المدني ليدرس علوم الاجتماع والاقتصاد في طهران وباريس، انتخب عام 80 أول رئيساً للجمهورية، وخلفه الإمام الخميني في العام التالي، يقول لنا اليوم ما رفض البوح به سابقاً.

 سؤلي الأول -السيد الرئيس- هو أمني، حول وجودك هنا في فرنسا، ونجد رجال أمن كثيرين في الخارج، هل تخشى فعلاً على حياتك؟

إعلان

أبو الحسن بنى الصدر:

هل تودون معرفة إذا كنت خائفاً؟ لا أبداً فالخوف ليس من طبيعتي، لأني لا أستطيع أن أخفي الحقيقة، فأنا مهدد يومياً من قبل النظام الإيراني، هذا أمر أكيد، ودائماً هناك معلومات وإنذارات.

سامي كليب:

تقول أن لديك معلومات وأيضاً هناك تهديدات وصلت، ممن؟ ومتى بدأت هذه التهديدات؟ وهل هي مستمرة حتى اليوم أيضاً؟

أبو الحسن بنى الصدر:

إن النظام الإيراني يعمل لاغتيالي، واغتيال العديد من زعماء المعارضة في أوروبا، لقد أعدوا عدة فرق لذلك، قيل لنا أيضاً أن هناك أحد الملالي موجود في إسبانيا يقود هذه الفرق.

سامي كليب:

النظام الحالي؟

أبو الحسن بني الصدر:

نعم، نعم، النظام الحالي، قيل إن المنفذين سيأتون عبر لبنان بجوازات سفر مزورة إيرانية أو غير إيرانية.

سامي كليب:

طبعاً -السيد بني الصدر- نحن لن نتوقف طويلاً عند الواقع، ولكن سنعود إلى بداية التجربة لك في إيران، والتجربة كانت كبيرة جداً مع الإمام الخميني إذن سنبدأ -لو سمحت- بأولى معارفك مع الخميني، كيف تعرفت عليه؟ تعرفت عليه هنا في فرنسا أم في إيران؟ كيف كان أول اتصال بينك وبينه؟

أبو الحسن بني الصدر:

الخميني كان أحد الملالي في مدينة (قم)، و(قم) معروفة بطقسها الحار، خصوصاً في فترة الصيف، كان -كعادة بقية رجال الدين- يتركون مدنهم الحارة في الصيف، ويأتون إلى أماكن اصطيافية كمدنية (همدان) مدينتي، كنت ألتقي بـ(الخميني) يومها كما كنت ألتقي بالعديد من الملالي المصطافين.

سامي كليب:

كنت إبن إمام كبير في إيران، وكان يقال له أيضاً.. يقال عنه أيضاً أنه أحد كبار أئمة إيران في آنذاك، ولكن في نفس الوقت أن رفضت أن تصبح رجل دين، ودرست علوم ناقضت والدك فيها آنذاك.. علوم اجتماعية وغيرها، ثم عدت إلى رجل دين.. إلى الإمام الخميني، هل يعني ذلك أنك أعجبت بشخصه منذ اللقاء الأول أم بسياسته العامة في إيران؟ أود أن تحدثنا -في الواقع- عن اللقاء الأول معه شخصياً.

إعلان

أبو الحسن بني الصدر:

فهمت ما تقصدون.. التقيت الخميني لأول مرة في النجف.. في إيران عرفت أنه كان من المعارضين، ولقد كان لقاؤنا في النجف يوم دفن والدي هناك، التقيته أمام ضريح الإمام علي، وذهبت بعدها لزيارته في بيته، وكانت لنا مداولات عن الوضع في إيران.. عن السياسة، وعن رجال الدين ودورهم، وعن مواضيع أخرى، هذا كل شيء.

سامي كليب:

وكيف وجدته في المرة الأولى؟ هل وجدت إنسان ذكياً مثلاً له نظرة سياسية ثاقبة، وأنه مدرك لكل ما يجري في العالم وفي إيران؟

أبو الحسن بني الصدر:

لقد وجدت نفسي أمام شخص غريب، كان يجلس أرضاً وأمامه طاولة صغيرة هكذا، كان متجهم الوجه، هكذا وجدته، كان غالباً ما يلتزم الصمت، ولا يعطي أبداً رأيه، وعندما تكلمه يومئ بالإيجاب أو النفي، ويقول: نعم هكذا، أو لا هكذا..

سامي كليب:

تقول في كتابك أن أو في إحدى مقابلاتك أن الإمام الخميني قد جاء إلى الثورة متأخراً، لا، بل أنه لم يكن مشجعاً لها إلا بعد أن حصلت أحداث قم، هل فعلاً جاءت ثورة الخميني بالصدفة؟

أبو الحسن بني الصدر:

إيران كانت يومها في غليان، وهو لم يصدق ذلك، فقد أرسلنا له عدة رسائل واتصلنا به حتى هاتفياً نحثه على اتخاذ موقف من التطورات، كان متردداً دائمًا وينتظر، ولما تأكد أن الشعب الإيراني قد هب للثورة تحرك عندها، إذًا لم يأت أبداً قرار الثورة من الخميني بل أتى من الشعب، هو لم يكن طوال حياته صاحب مبادرات ولكنه كان رجل ردود فعل، بعدها استوعبت ما حصل معنا في النجف، وفهمت معنى صمته.

سامي حداد:

حين تقول أنه تأخر جداً على الثورة، وأنه ليس هو صانع الثورة –إذا صح التعبير- لماذا تمسكتم به كرجل؟ هل لأنه يمثل طبقه وشريحة اجتماعية كبيرة في إيران؟ أو أنه بدأ يمثل رغبة الشارع الإيراني آنذاك؟ الرغبة الدينية إذا صح التعبير.

أبو الحسن بني الصدر:

إعلان

كنا بحاجة إلى الخميني لسببين بسيطين: أولاً لأنه رجل دين له تأثيره الكبير في إيران. وثانياً لأن حركة الشعب الإيراني كانت بدون عنف يومها، كانت قد ظهرت في مواجهة البندقية، إذن الخميني كان يمثل القيادة الروحية لإيصال الشعب الإيراني إلى الانتصار.

سامي كليب:

إذن أنتم في البداية حاولتم استخدام الخميني ثم عاد الخميني واستخدمكم كمثقفين إيرانيين.

أبو الحسن بني الصدر:

لا، أبداً نحن لم نستخدم الخميني، ولم يكن هو يستخدمنا، كنا بصدد بلورة وجهات نظرة جديدة للإسلام، هذا هو المهم.

سامي كليب:

معه؟

أبو الحسن بني الصدر:

نعم معه، وهنا تكمن أهمية عملنا، إن المسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي لا يثقون بالمثقفين، ويعتبرون أنهم أي شيء، كانت ثقتهم عمياء في رجال الدين، هذا ما عملناه مع الخميني، وهذا الذي قلب الأوضاع في إيران.

إن كل هذه الديكتاتوريات الحاصلة اليوم هي إلى زوال، والباقي هو الإسلام يسمح للإنسان بالتطور، إسلام يحث المسلمين على التغيير، واليوم في إيران لا أحد يخاف من التغيير، إذن لم نستغل الخميني، وهو لم يقم باستغلالنا، وكل ما في الأمر هو أنه هنا في إيران كان الخميني تواقاً للسلطة، وسعى للوصول إليها مع أولئك العاملين لأجلها.

سامي كليب:

طيب، سيدي الرئيس تستخدم دائماً عبارة كان خائفاً، هل فعلاً كان الخميني يخاف؟ وهل لديك دلائل على أنه كان يخاف؟

أبو الحسن بني الصدر:

يومياً تقريباً كان يأتي ابنه أحمد الخميني يسألني: بتقديراتكم هل سيرحل الشاه؟ وهل أنتم واثقون من ذلك؟

سامي كليب:

كان يتردد في الذهاب إلى إيران وتلقف الثورة؟

أبو الحسن بني الصدر:

كان خائفاً من ذلك، افتراضاً لو توقف الشعب الإيراني عن الثورة، ماذا سيكون مصيره؟ لا شيء، نتيجةً لتردده هذا قمت بتحضير لائحة من الأسئلة والأجوبة، قلت له فيها: إن هذه اللائحة سوف تساعدك في حال بقيك في المنفى، أو عدت منتصراً إلى إيران، طلبت منه أن يقرأها جيداً، ويجيب عليها لنستطيع فهم مقصده..

إعلان

سامي كليب [مقاطعاً]:

ما هي أبرز هذه الأسئلة؟

أبو الحسن بني الصدر:

بعض الأسئلة كانت تتعلق بالإسلام والسلطة، الإسلام والعنصرية، خطر التطرف الديني، الأجوبة كانت لا تدخل لرجال الدين في عمل السلطة، وأن التعددية السياسية ضرورية، إن الدولة المنشودة ستكون ديمقراطية يحكمها الشعب، أي ولاية الجمهور، وهي تختلف عن مفهوم السيادة في الغرب، والسيادة هنا تعني الحاكمية، نعني السلطة، بينما الولاية تعني الصداقة، الصداقة تعني صداقة الشخص مع الآخر واستشارته.

سامي كليب:

بعد ذلك ذهبتم إلى إيران وترشحت للرئاسة، وطلبت من الإمام الخميني ألا يدعمك وأن يبقى محايداً في المعركة الرئاسية، ثم تحدثت عن انقلاب من طرف الخميني عليك وعلى كل الأفكار التي كان صاغها هنا في باريس، ما هي أسباب هذا الانقلاب؟ ولماذا طلبت منه أن يبقى على الحياد؟

أبو الحسن بني الصدر:

لقد طلبت منه أن يكون حيادياً بيني وبين الآخرين، ولكنه بعد تسلمه للسلطة مباشرة بدأ بخرق الدستور، أخذ قراراً بتعييني رئيس ومدعي عام لمحكمة التمييز العليا وللمجلس الأعلى للقضاء، هذا أول خرق للدستور، بعدها وفي خطب الجمعة شجع رجال الدين على تزوير الانتخابات للوصول إلى البرلمان، ذهبتت وقلت له إن هذا الأمر مرفوض.. أجابني: ألا كلمة للشعب، الكلمة لرجال الدين.

هذا للأشياء الظاهرية، لماذا إذن الاقتراع؟ عندها اعترضت على ذلك وقلت له: الوالي هو أنا، وبدأت المواجهات بيننا في مواضع عدة، في موضوع الرهائن، في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، في السياسة الداخلية والسياسة الخارجية وموضوع الحريات.

سامي كليب:

ولكنه لم يمنعك من أن تصبح رئيس.. رئيساً!

أبو الحسن بني الصدر:

بالنسبة للشعب لا.. لم يستطع غيري، ولم يستطع الإدعاء بأنني ضد الثورة، كان ذلك يتناقض مع كلامه بأنني كنت فكر الثورة، لم يستطع تكذيب نفسه أمام الرأي العام، كان هذا مستحيلاً عليه، ولم يكن بإمكان الخميني تبرير ذلك أو توضيحه للشعب.

إعلان

سامي كليب:

لذلك -السيد الرئيس- في البداية قلت لك أنه كان يستخدمك.

أبو الحسن بني الصدر:

لا، لا أبداً، كان يعلم أنني لا أحب الخضوع.

سامي كليب:

إذن هو كان يريدك رئيساً صورياً فقط في إيران؟

أبو الحسن بني الصدر:

نعم، كان ذلك في نيته، ولكنني لم أكن الرئيس الذي يريد.

سامي كليب:

سيدي الرئيس بمراحل معينة نلاحظ أنك كنت تتجابه في عنف مع الإمام الخميني، بالرغم أنه في بعض المرات منع اللقاء بك عملياً ورفض أن يلقاك.

أبو الحسن بني الصدر:

آخر مرة التقيته كان في بيته كان ذلك قبل ثلاثة أيام من الانقلاب ضدي، كان لائقاً باستقبالي يومها بدأنا التحدث بمواضيع الساعة، ودخل علينا ابنه أحمد فجأة، وقال: إن عندي سيئة، قلت: إن لكل إنسان سيئاته، وسألته: ماذا تقصدون؟ أجابني: أن خطأكم أنكم تلحون كثيراً ولا تتراجعون، إنكم تتكلمون كثيراً عن موضوع تعامل بعض المسؤوليين الإسلاميين في إيران مع الأمريكيين، وأنهم يعدون تسوية سرية معهم، وتكررونها دوماً.

إن المسألة قد انتهت الآن وعاد الرهائن إلى بلادهم، فعليكم أن تتعاملوا مع هؤلاء المسؤولين، إن الإمام يطلب منكم ذلك، عندها وجهت حديثي إلى الإمام الخميني، وقلت له: أذاك صحيحاً؟ ألستم القائلين إن أمريكا هي الشيطان الأكبر؟ وأن الاستقلال هو الأساس للنظام الجديد؟ فكيف تطلبون مني التعامل مع هؤلاء الناس الذين تآمروا وعملوا مع الشيطان الأكبر؟ عندها خرجت من بيته دون أن أسمع منه كلمة واحدة، ولا كلمة، كان ينظر ولا يتكلم، ليعطيني الحق أو لا، تحدثت في وجهه وقلت لنفسي: هذا هو الذي أمامي، لا مجال أبداً للشك.

سامي كليب:

إذن تقول في كتاباتك السابقة أن الخميني وضع ما يقارب التسعة أشهر قبل أن يتخذ موقفاً حاسماً من الأمريكيين، هل كان يعلق أهمية على علاقة مقبلة مع الأمريكيين، أم أنه كانت هناك اتصالات شبه سرية بين الولايات المتحدة والخميني؟

إعلان

أبو الحسن بني الصدر:

لم تكن هناك علاقات متينة، بل مجرد اتفاقات.

سامي كليب:

كيف؟

أبو الحسن بني الصدر:

جاء موفدون من البيت الأبيض للقاء الخميني في (مافلي شاتو) منفاه في فرنسا، واستقبلهم آنذاك إبراهيم يزدي، الذي كان وزيراً للخارجية في حكومة مهدى بازاكان، في طهران عقد اجتماع ضم السفير الأمريكي في طهران من جهة، ومهدى بازاكان الذي أصبح رئيساً للوزراء، و(موسوي أردافيلى) أحد الملالي الذي أصبح بدوره رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، خرج المجتمعون باتفاق يقضي أن يتحالف رجال الدين والجيش من أجل إقامة نظام سياسي مستقر في طهران.

سامي كليب:

قبل أن نكمل الحديث نتوقف قليلاً مع بعض الأشرطة التي صورت في إيران خلال توليك الرئاسة، وأول مؤتمر صحافي، وبعض هذه الأفلام لم تعرض في إيران لأن الإمام الخميني منعها لكي.. لأسباب ستشرحها لنا، ولكن تقول في مذكراتك: لكي لا تظهر كثيراً على شاشة التلفزة هل هذا صحيح.

أبو الحسن بني الصدر [مقاطعًا]:

صحيح، أولها كانت مراسيم تكليفي بالرئاسة فمنعوها من العرض، كان هذا من أعمال الرقابة. 

هنا كنت ألقي خطاباً في ذكرى مصدق، والمعروف أن الخميني لم يكن يحب مصدق، أقمنا لمصدق احتفالاً تكريمياً كبيراً في جامعة طهران، وألقيت فيه كلمة، [يشير إلى صور في يده] هنا تشاهدون مهرجان تأليف البرلمان الإيراني، كان السيد (بهاشتي) بجانبي، كان هذا أول مؤتمر صحفي عقدته بعد انتخابي رئيساً للجمهورية، للأسف هناك في هذه المشاهد بعض من الناس من الذين فارقونا، انظروا إلى هذا الشاب الواقف.

سامي كليب:

الشاب الطويل من اليمين [الجهة اليمنى].

أبو الحسن بني الصدر:

نعم، كان أحد مستشاري في السياسة، لقد اغتيل، كان يعرف كثيراً عن أسرار العلاقة بين رجال الدين والمخابرات الأمريكية.

سامي كليب:

كانت هناك محادثات كثيرة بين الملالي والأمريكيين سرياً؟

إعلان

أبو الحسن بني الصدر:

نعم، نعم، كانت هناك لقاءات كثيرة أشهرها لقاء أكتوبر المفاجئ، والذي جرى هنا في باريس، ووقعت اتفاقات بين جماعة (ريغان) و(بوش) وجماعة الخميني.

سامي كليب:

هل لديك وثائق حول هذا الموضوع؟

أبو الحسن بني الصدر:

إذن لماذا أنا هنا؟! أنا هنا لأنني رفضت هذه الاتفاقات، الخميني حاول كثيراً إقناعي بجدوى هذه التسويات مع الأمريكيين ولكنني رفضت ذلك.

سامي كليب:

لماذا؟

أبو الحسن بني الصدر:

لأننا شاركنا بالثورة من أجل استقلالنا وليس للتبعية كما كان الحال في نظام الشاه، لقد شاركنا بالثورة من أجل حريتنا واستقلالنا وازدهار بلادنا.

سامي كليب:

سيدي الرئيس في موضوع الرهائن الإيرانيين في السفارة.. الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في إيران، تقول أن الخميني لم يأخذ الأمر بأخذ الرهائن، وأنك أنت أيضاً -طبعًا- كنت ضد هذه العمليات، من أخذ أمر اعتقال الرهائن؟ ومتى بالضبط تدخل الخميني في هذه القضية؟

أبو الحسن بني الصدر:

إن دراسات أمريكية حديثة تؤكد أن موضوع خطف الرهائن مسرحية أمريكية نفذت في إيران، ولم نكتشف بعد الشخص الذي من خلاله نفذت العملية، هذا ما نستطيع قوله، أيضاً بالنسبة للحرب العراقية الإيرانية من الذي شجع صدام على ضرب إيران؟!

سامي كليب:

يعني تعتقد أن خطف الرهائن الأمريكية في السفارة كان مؤامرة أمريكية؟

أبو الحسن بني الصدر:

نعم، نعم، إنه كان مشروعاً أمريكياً، وحتى أن الحرب كانت مخططاً أمريكياً، قلت يومها إن أمريكا شجعت صدام على ضرب إيران، وكشفت يومها أيضاً عن زيارة سفير السعودية في الأمم المتحدة إلى بغداد مع السفير الأمريكي لتشجيعه على ضربنا.

سامي كليب:

فقط نتوقف قليلاً عند مسألة الرهائن، تقول أنها كانت مؤامرة أمريكية، هل لديك بعض المعلومات الخاصة التي لم تنشر آنذاك عن هذه المؤامرة؟ وماذا حصل بينك وبين الخميني من أحاديث حول هذا الموضوع بالضبط؟

إعلان

أبو الحسن بني الصدر:

بيني وبين الخميني كانت تحصل أشياء كثيرة، بعد خطف الرهائن مباشرة ذهبت للقاء الخميني، وانتقدته على هذا التصرف السيء، قلت له: كيف باستطاعتكم القول إن أخذ بعض الأمريكيين كرهائن هو عمل أعمل أكبر من ثورة شعب؟ وقلت له أيضاً: ليس من الشجاعة احتلال سفارة في بلدكم وأخذ أمريكيين كرهائن؟ الحجة كانت يومها احتجازهم بضعة أيام، عندما تسلمونا شاه إيران نسلمكم الرهائن.

كان هذا الاتفاق مع الأمريكيين، قبلت ذلك يومها والتقيت بوزير الخارجية لذلك السبب، كانت هذه الحجة، وكان هناك الكثير من ردود الفعل، وبعدها أصبحت رئيساً، جاءني أحدهم لزيارتي، وأعطاني شريطاً مسجلاً كان السيد (باهشتي) الذي شاهدناه في الفيلم كان يتكلم مع مقربين له، والقصة أن عملية الرهائن كانت موجهة ضد الرئيس بني الصدر، وضد الرئيس (كارتر) ذهبت لإطلاع الخميني على ذلك وأخبرته عن قصة رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي عينه، وقد كان على حق بأن قضية الرهائن استخدمت لتقوية رجال الدين أكثر فأكثر، لهذا السبب استخدموا الرهائن.

سامي كليب:

من جهة تقول إن الأمريكيين هم وراء القضية، ومن جهة أخرى تقول أنها من أجل تعزز وضع الملالي في إيران!!

أبو الحسن بني الصدر:

نعم، حصل ذلك لخدمة مصالح الفريقين، لخدمة الملالي في إيران، وأيضاً خدمة الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين كانوا يريدون تغيير نفسية الأمريكيين الذين استكانوا إلى السلام بعد حرب الفيتنام، وحتى أنهم عادوا إلى عزلتهم المعروفة، لهذا كان يجب إيقاظ الروح العدائية عندهم باستغلال موضوع الرهائن والنتيجة كانت وصول الجمهوريين للسلطة، وقيل كثيراً إن الخطة كانت من إعداد (هنري كيسنجر) والسيد (روكشيلر) ولم يكن بالتأكيد من إعداد الطلبة الثوار، لم نجد طالباً واحداً يحدثنا عن مخطط العملية حتى الآن، لا نعرف في إيران حتى اليوم من الذي خطط لعملية الرهائن.

إعلان

سامي كليب:

تحليلك الشخصي؟

أبو الحسن بني الصدر:

تحليلي أن الخطة لم تكن خطة إيرانية، بل كانت خطة خارجية أمريكية.

سامي كليب:

حين تقول ذلك –سيدي الرئيس- هل .. هل لديك معطيات ثابتة؟

أبو الحسن بني الصدر:

بالتأكيد.

سامي كليب:

مثلاً.

أبو الحسن بني الصدر:

مثلاً، الأول: كان (رضا باسنديدي) ابن أخ الخميني، جاء إلى (مدريد) للقاء مسؤولين أمريكيين، ثم عاد إلى إيران وطلب مقابلتي، وقال لي إنه كان في (مدريد)، وطلب الأمريكيون لقاءه، وأعطوه اقتراحات مشروع جماعة (ريغان – بوش) وقال لي: إذا قبلتها سوف يلبي (ريجان) جميع طلبات إيران عندما يصلوا إلى السلطة، وهددني إذا رفضتها بالتعامل مع خصومي السياسيين، هل تتصورون أن ابن أخ الخميني يخرج من إيران دون إذن عمه؟! لم يقل لي أنه خرج من إيران للقائهم، قلت: ربما كان في زيارة إلى أوروبا، وبعدها قرأنا في الكتاب أنه كان مدعواً لذلك.

ثانياً: كان لدى أحد المعاونين في ألمانيا، اتصل به جماعة من حلف (ريجان – بوش)، وعرضت عليه نفس الاقتراحات.

ثالثاً: كان العراق قد بدأ حربه معنا وكنا بحاجة إلى ماذا؟ كنا بحاجة إلى قطع الغيار، إلى الذخيرة، وإلى السلاح، السيد (رافسنجاني) والسيد (رجائي) رئيس البرلمان يومها، عقدا اجتماعاً وأكدا أننا لسنا بحاجة إلى الأسلحة الأمريكية، هل من الممكن تصديق ذلك؟! كنا حينها بحاجة إلى كل شيء، إلا أن الرهائن بقوا في ضيافتنا حتى موعد الانتخابات الأمريكية.

كتبت حينها رسالة إلى الخميني لإطلاعه على هذه المعلومات، بعد هذه التصريحات عقد اجتماع بين جماعة (ريغان – بوش) وجماعة الخميني عقد ذلك في باريس، وكان هناك اتفاق، وفي مذكراتي اليومية أُدون ذلك ليكون الشعب على إطلاع، بعدها كتبت للخوميني لإطلاعه على هذه المعلومات، ولم أكن أصدق أنه كان على علم بذلك، كنت أظن أنه خارج اللعبة، إذن كيف تفسرون إطلاق الرهائن عشية أداء الرئيس (ريغان) اليمين الدستورية؟!

إعلان

سامي كليب:

تحدثت عن موضوع الحرب العراقية – الإيرانية، ومررت إلى إسرائيل، هل كنت على علم بوجود علاقات معينة مع إسرائيل -كما قيل– من أجل الحصول على السلاح خلال هذه الحرب؟

أبو الحسن بني الصدر:

في اجتماع المجلس العسكري أعلمنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء أسلحة من إسرائيل، عجباً كيف يعقل ذلك؟! سألته: من سمح لك بذلك؟ أجابني: الإمام الخميني. قلت: هذا مستحيل!! قال: إنني لا أجرؤ على عمل ذلك وحدي، سارعت للقاء الخميني، وسألته: هل سمحت بذلك؟ أجابني: نعم. إن الإسلام يسمح بذلك، وأضاف قائلاً: إن الحرب هي الحرب، صعقت لذلك صحيح أن الحرب هي الحرب ولكن أعتقد أن حربنا نظيفة، الجهاد وهو أن تقنع الآخرين بوقف الحرب، والتوق إلى السلام، نعم، هذا الذي يجب عمله هو ليس الذهاب.. ليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء سلاح منها لمحاربة العرب، لا، لن أرضي بذلك أبداً، حينها قال لي: إنك ضد الحرب وكان عليك أن تقودها لأنك في موقع الرئاسة.

سامي كليب:

سيدي الرئيس.. يعني سؤال -فعلاً- محير، كيف أن الخميني الذي قاد كل هذه الثورة الإسلامية، ووضع القدس في أولوياته، استعادة القدس وحماية فلسطين، كيف يمكن أن يشتري السلاح من إسرائيل؟ يعني حين نسمع هذا الكلام منك لا يمكن أن نصدق شيئاً مماثل، يعني!!

أبو الحسن بني الصدر:

حتى اليوم منذ أشهر كان الإسرائيليون يحاكمون بعض المواطنين المتورطين في بيع الأسلحة إلى إيران، حاولت منع ذلك خلال وجودي في السلطة، وبعدها كانت (إيران Gate)، ما معنى (إيران Gate) ؟ كان شراء الأسلحة الأمريكية عبر إسرائيل.

سامي كليب:

قلت أن الخميني قال لك: إذا لم ترد أسلحة من إسرائيل فتش عن دول أخرى، من هي الدول الأخرى التي أعطتكم السلاح في بداية الحرب؟

أبو الحسن بني الصدر:

بالنسبة للخميني كان مسموحاً شراء الأسلحة من كل مكان، حتى من إسرائيل، شكلنا آنذاك لجاناً ذهبت إلى أوروبا، إلى المغرب، وإلى مصر، لأن هناك عقوداً بينهم وبين الشاه.

إعلان

سامي كليب:

اشتريتم سلاح من مصر ضد العراق؟!

أبوالحسن بنى الصدر:

نعم، نعم، من مصر ضد العراق.

سامي كليب:

سيدي الرئيس .. نتحدث قليلاً –لو سمحت– عن الحرب .. بداية الحرب العراقية الإيرانية، تقول في كتاباتك أنك كلفت في بعض المرات السيد ياسر عرفات بأن يقول للرئيس العراقي صدام حسين: لا تصنع الحرب ضد الثورة، أولاً: هل حصلت اتصالات بينكم وبين صدام حسين غير عبر ياسر عرفات، عبر مبعوثين آخرين، وكيف كانت تجري الاتصالات وأنت الدور الذي قمت فيه من أجل منع هذه الحرب فعلاً؟

أبو الحسن بني الصدر:

طلبت من السيد ياسر عرفات الذهاب إلى بغداد، وإفهام صدام حسين أن كل حرب تشن ضد أي ثورة مصيرها الفشل، وليستفيد من دروس التاريخ، حتى الدول العظمى لم تستطع القضاء على المجموعات الصغيرة الثائرة، لن تستطيعوا اليوم الانتصار على شعب إيران الثائر، وكان الفشل. للأسف بعد مكوث ياسر عرفات أربعة أيام عاد ليخبرنا أن صدام طاووس، مصمم على مواصلة الحرب، وأنه قادر على حسمها خلال ثلاثة أو أربعة أيام.

سامي كليب:

هل حصلت اتصالات أخرى مع صدام حسين؟ وهل..

أبو الحسن بني الصدر [مقاطعاً]:

بعد فشل مفاوضات ياسر عرفات وصدام حسين كانت هناك محاولات أخرى لوقف الحرب، منها ما قاوم به حفيد أحد رجال الدين المجاهدين في العراق وهو أبوالحسن الأصفهاني، أرسله صدام حسين للمفاوضات من أجل السلام، أعتقد أنه كان يريد السلام يومها، ولكن الخميني رفض.

سامي كليب:

كيف؟

أبو الحسن بني الصدر:

قال لنا يومها مبعوث صدام: ها قد انتصرت الثورة الإسلامية وتخلصتم من الشاه، دعونا نشيِّد السلام بين بلدينا، قلت للخميني: لنقبل اقتراحاته، أجاب: لا، إن نظام صدام حسين محكوم عليه بالسقوط وسيسقط خلال ستة أشهر على الأكثر، ولكي نعفو عنه أرسل لنا مبعوثه هذا، إذن رُفض ذلك.

سامي كليب:

إعلان

طيب، أنت كنت ضد الحرب، وأشرفت على الحرب لكونك رئيس الجمهورية؟

أبو الحسن بني الصدر:

لأن صدام فرض علينا هذه الحرب للأسف، لقد أصبت بمرض على جبهة القتال لأنني لم أتحمل هذه الحرب الغبية، حاولت كثيراً إيقاف هذه الحرب، والشاهد على ذلك أنه بعد مؤتمر لدول عدم الانحياز كانت الحرب ستتوقف، لأنني وافقت على مشروع لأربعة وزراء خارجية جاؤوا إلى إيران بعد موافقة صدام حسين على ذلك، ولكن رجال الدين في إيران كانوا يريدون استمرار الحرب.

سامي كليب:

هل كان الإمام الخميني يحدثك عن علاقة مع الجوار العربي، مع دول الخليج؟ وهل كانت لديه أطماع في التقدم عسكرياً تجاه هذه الدول من أجل تصدير الثورة مثلاً؟

أبو الحسن بني الصدر:

لم يحدثني بهذا الموضوع، ولكن كان هناك مشروع آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، كان الخميني مقتنعاً بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك، قلت له: إن الأمريكيين يخدعونك، ورغم نصائحي له ونصائح الرئيس عرفات -الذي جاء يحذره من نوايا الأمريكيين- فإنه لم يكن يريد الاقتناع.

سامي كليب:

رجال الخميني الذين كان يتأثر بهم، تقول أن (رافسنجاني) كان يضحكه، وأن أحمد ابنه كان له تأثير كبير عليه، من الذي دفع أكثر باتجاه الحرب؟ وهل كنتم تخشون فعلاً أن تفقدوا الحرب مع العراق؟

أبو الحسن بني الصدر:

الخسارة في أول المعركة كانت ممكنة، ولكن بعد احتدامها استطعنا إيقاف تقدم القوات العراقية، وكنا نعرف أن الوقت كان إلى جانبنا، ولكن ليس لأمد طويل، بعد الانقلاب ضدي، وبعد وصولي إلى باريس قلت: إنه إذا استمر الملالي في الحرب فإنهم سيخسرونها حتماً، وهذا ما حصل، (رافسنجاني) كان له تأثير كبير في البلاد، وكان يدير شؤون هذه الحرب بالتعاون الوثيق مع أحمد الخميني في إدارة شؤون هذه المعركة، ولأنه كان يدير هذه الحرب فقد كان (رافسنجاني) يخيفني، لأنه أراد مواصلة الحرب لاحتلال البصرة، وباحتلالها يَسقط صدام حسين، كان هذا مشروعه، وكل قادة الجيش كانوا يعارضون ذلك، وقالوا: إن احتلال البصرة سيطيل أمد الحرب.

إعلان

سامي كليب:

التفكير في تأسيس حزب الله في لبنان، طبعاً كنت أنت تركت السلطة في ذاك الوقت، ولكن هل كنت تحدثت مع الإمام الخميني أو مع محيطه في تأسيس حزب فعلاً شيعي في لبنان من أجل مقاتلة إسرائيل أو لأهداف أخرى؟

أبو الحسن بني الصدر:

بالنسبة لموضوع لبنان كنت مع دعم الشعب اللبناني، وليس مع دعم منظمة على حساب الشعب، عندما كنت في السلطة لم يكن هناك وجود لحزب الله في لبنان، بعد تنفيذ الانقلاب ضدي وَجد السفير الإيراني في سوريا الفرصة سانحة لتأسيس هذا الحزب.

سامي كليب:

هل بعد الانقلاب الذي حصل ضدك حاول العراق الاتصال بك؟

أبو الحسن بني الصدر:

بالطبع عدة مرات، آخرها كان بعد عاصفة الصحراء الأخيرة، حتى إنهم دعوني إلى زيارة العراق.

سامي كليب:

كيف .. كيف حصل الاقتراح؟

أبو الحسن بني الصدر:

جاء شخصان لزيارتي.

سامي كليب :

من؟

أبو الحسن بني الصدر:

أحدهما لبناني والآخر فرنسي.

سامي كليب:

هل.. هل يمكن أن نعرف أسماء؟

أبو الحسن بني الصدر:

لا، لا يريدون الكشف عن أسمائهم عرضوا على هذه الدعوة ولكنني رفضتها، عرضوا عليَّ استقبال نواب عراقيين من قبل صدام، أجبتهم بوضوح: يريد صدام استخدام اسمي لتخليصه من الورطة التي وقع بها مع الأمريكيين، بالطبع كنت ضد ضرب العراق، وكنت أيضاً ضد هذا الحصار الاقتصادي عليهم، ولكن لا يجب أن يُفهم من هذا أنني أؤيد نظامكم الديكتاتوري، أقترح عليكم إذا نفذتم ما أريد فأنا مستعد لمساعدتكم، قوموا بإلغاء الديكتاتورية السائدة، واخلقوا نظاماً ديمقراطياً.

سامي كليب:

سيدي الرئيس في نهاية هذا الحديث أود أن أسألك: هل تعتقد أن لك حظ في العودة بعد إلى إيران وممارسة السلطة، وأن تعود، ربما يوماً ما رئيساً في إيران؟

أبو الحسن بني الصدر:

رئيس في إيران.. لا، لا أحب ذلك، أحب أن أبقى إنساناً حراً، العودة إلى إيران نعم، بالتأكيد هذا ما أحضر له دائماً.

إعلان

سامي كليب:

شكراً جزيلاً سيدي الرئيس، ولنشاهد سوياً –لو سمحت– ما بقي لك من ذكريات في ألبوم الصور، صور تتوقف عند الشباب وكأنما أبو الحسن بني الصدر يعيد قراءة التاريخ من صفحة كان لا يزال فيها قادراً على الحلم، قال لنا إنه في تلك الفترة من عمره كان يعرف أنه سيصبح رئيساً، لكن هل كان يعرف أن رئاسته ستموت في المهد؟ ربما هذا ما سيقوله في كتابه المقبل الذي يدفئه في ضواحي باريس الباردة التي قتل فيها معارضون آخرون غيره.

المصدر : الجزيرة