زيارة خاصة

ديغول أبو طاس

هو المسيحي الوحيد في صفوف حزب الله والمعتقل في سجن الخيام، اعتقل أول مرة عام 1976 حيث تمت الوشاية به من قبل جواسيس الكيان الغاصب، ينتمي للمقاومة الإسلامية وما يزال مسيحياً ويفتخر بديانته، يحلم بغد أفضل للبنان.

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

ديغول أبو طاس: العضو المسيحي في حزب الله

تاريخ الحلقة:

22/08/2003

– قصة قرية رميش مسقط رأس ديغول أبو طاس
– اعتقال ديغول أبو طاس للمرة الأولى عام 1976

– انضمامه إلى حزب الله

– أيام العذاب في معتقل الخيام


undefinedسامي كليب: لا شك أعزائي المشاهدين أنكم تذكرون يوم تحرير لبنان من العدو الإسرائيلي، نحن هنا في معتقل الخيام، الذي انطلق منه أيضاً المقاومون الذين قبعوا لسنوات طويلة خلف هذه الزنزانات، كانت هناك صورة طافت العالم أيضاً، صورة لمقاوم يرفع شارة النصر بقميصه الأحمر، ويمد يده للذين جاءوا من الجنوب، يفكون الطوق ويكسرون هذه الأبواب.

الفارق بينه وبين رفاقه، أنه كان المسيحي ربما الوحيد في صفوف حزب الله المعتقل هنا، ما الذي دفع ابن قرية الرميش في الجنوب اللبناني ابن العائلة المارونية للانضمام إلى حزب الله؟ أو ليس في ذلك ما يدفع عن الحزب الصفة التي يتهمه بها الغرب، بأنه حزب أصولي؟ أخبار المقاومة والتحرير، وعلاقة الدين بالأرض، وبالتحرير، نشرحها اليوم مع ضيفنا المقاوم ديغول أبو طاس.

صوت العصا يتكسر على جمجمته، وحشرجة الآه تدفعهم للمزيد من الجور، والدم يصبح هنا.. هنا في زنزنات معتقل الخيام كفناً لمن قضى تحت التعذيب، أو جسراً لحرية من طال عمره.

ديغول أبو طاس: كل رحلة من هذه التعذيب كانت تتجاوز الساعتين أو الثلاث ساعات، في أن الحدود، وفي كثير من الأحيان كانت تتم عملية التعذيب طيلة فترة الليل، حيث تمتد الساعات طويلة، بدءاً من المساء وحتى الساعات المتأخرة من الليل.


قصة قرية رميش مسقط رأس ديغول أبو طاس

سامي كليب: ومن ليل زنزانته إلى ضوء قريته رميش، ومن ظلام الخيام إلى بريق الأمل بالتحرير، رحلة دمٍ ودموع وعزيمة من فولاذ، ولكن بداية ما هي قصة رميش مسقط رأس ديغول أبو طاس؟

ديغول أبو طاس: تقع رميش في أقصى الجنوب اللبناني على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وهي عانت مثلها مثل باقي القرى اللبنانية من ظلم الاحتلال وتعسفه وطغيانه، وقد استفادت من التحرير عبر التعاطي الحضاري الذي قدمته المقاومة، وقد قامت في.. نعم.

سامي كليب [مقاطعاً]: يعني اسمح لي يعني سيد ديغول سنعود طبعاً إلى هذه التفاصيل، ولكن فقط جغرافيًّا، أين تقع رميش.. من المواقع الإسرائيلية في…؟

ديغول أبو طاس: تقع على الحدود اللبنانية.. نعم، تقع على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، تحيط فيها بعض القرى اللبنانية، ولكن من ناحية فلسطين تقع عند منطقة سعسع، منطقة جرانيت، حيث مقر القيادة الشمالية الذي كان تابعاً للاحتلال الإسرائيلي قبل التحرير، وتقع عند…

سامي كليب: يعني هو الموقع الذي نراه الآن مباشرة..

ديغول أبو طاس: هذا الموقع الذي أمامنا مباشرة هو موقع جرانيت، ومعروف إنه كان قبل التحرير مقر قيادة الشمال لقوات الاحتلال الإسرائيلي، كذلك توجد مواقع عديدة في منطقة تدعى تيارات قطامون، هناك عند منطقة تدعى كفر برعم الفلسطينية وكان يوجد أيضاً الجدار، وهو مركز العبور إلى فلسطين المحتلة إلى الأراضي اللبنانية، التي كانت تعبره قوات الاحتلال الإسرائيلي دخولاً وخروجاً إلى الأراضي.. من الأراضي اللبنانية، يدعى موقع جرانيت.

سامي كليب: الذي تغير بعد…

ديغول أبو طاس: الآن أقُفل هذا الخط بعد التحرير، وبعد اندحار العدو الإسرائيلي عن أرضنا.

سامي كليب: بعد تحديد الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل… الأمم المتحدة…

ديغول أبو طاس: بعد كمان نعم.. نعم بعد تحديد الخط الأزرق، هناك مواقع كثيرة للعدو الإسرائيلي منتشرة على طول الحدود مع قرية الرميش، كما ذكرت.

سامي كليب: طيب في خلال الاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة، هل كان الإسرائيليون موجودين في الرميش، في داخل الرميش؟ يعني كجنود؟

ديغول أبو طاس: كانت نقطة عبور لقوات الاحتلال الإسرائيلي باتجاه مركز يقال يدعى مركز الـ17، المقام كان في بنت جبيل، حيث مقر قيادة ما يسمى باللواء الغربي التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي ولميليشيات العملاء التابعين لها، وكانت الرميش باعتبارها قريبة من الحدود توجد بوابة رئيسية أقامها الاحتلال عند موقع جرانيت، كانت ممراً لعبور قوات الاحتلال منها وإلى ومن خلالها.

سامي كليب: ومنذ ولادته في الرميش، وقبل سفره ثم العودة ثم السفر، حيث كان أول اتصال بالمقاومة ترعرع ديغول أبو طاس على أجواء الحرب مع إسرائيل. في قريته الحدودية، وله قصة رمزية مع الفلسطينيين حين كان لا يزال فتىً يافعاً.

ديغول أبو طاس: كان عندي حوالي ثمان سنوات -حسب ما أذكر- في تلك الفترة، كان ذلك حوالي العام 1969، حين كنت عند حدود بلدة الرميش مع فلسطين المحتلة، وكانت تلك المنطقة منطقة عبور لبعض مجموعات الفدائيين، التي كانت تقوم بمهمات داخل فلسطين المحتلة.

سامي كليب: وكان يساعدهم أهل المنطقة آنذاك؟

ديغول أبو طاس: كان هناك بعض الأهالي ممن يساعدونهم في إطار التمويل وتقديم الغذاء و.. حينها التقيت من جهة الصدفة في أحد حقول القمح، كانت مجموعة عدد وهي حوالي الخمس أشخاص، ما هنا رسخاً في ذاكرتي ذاك المقاوم الفلسطيني الشهيد، الذي تعرفت عليه في تلك الفترة، واستشهد بعد عامين من لقائنا الأول، حينما شاهدته وهو قد سقط شهيداً عند التخوم الحدودية مع فلسطين المحتلة، عند أحد السواتر التابعة لأحد المواقع التي كانت للاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع فلسطين.

سامي كليب: وهي المجموعة نفسها التي ذهبت للمنزل، وجلبت لهم خبز.

ديغول أبو طاس: أحد.. أحد الأشخاص من تلك المجموعة، أحد الأشخاص.

سامي كليب: إذن ذهبت إلى المنزل، سرقت الخبز.

ديغول أبو طاس: نعم، سرقت الخبز والماء أيضاً، واتجهت به نحو الحدود لأجد شخص واحد من بين المجموعة، حيث ربما حسب ما تحليلي فيما بعد عندما أصبحت أكبر سنا، أن تلك المجموعة حاولت تغيير موقعها لهدف… أو عسكري معين، وبقي هذا الشخص الذي وجدته شهيداً فيما بعد ينتظرني هناك حيث سلمته الأشياء التي كان طلبها مني من خبز وماء.

سامي كليب: الخبز والماء.

ديغول أبو طاس: وودعني على أمل أن نلتقي به ثانياً.

سامي كليب: وهو نفسه الذي أهداك الرصاصة الخطاط.

ديغول أبو طاس: نعم.

سامي كليب: ولا تزال عندك الرصاصة.

ديغول أبو طاس: لقد افتقدتها منذ فترة.


اعتقال ديغول أبو طاس للمرة الأولى عام 1976

سامي كليب: طيب اعتقال الخيام طبعاً، اعتقالك في هذا المعتقل الرهيب حصل فيما بعد، ولكنك اعتقلت قبل ذلك، وأيضاً تروي في كتابك أنك صُفعت وضُربت من قِبَل الإسرائيليين، قبل أن نذهب إلى الخيام، متى اعتقلت للمرة الأولى؟

ديغول أبو طاس: في عام 1976، أثناء مهمة في صفوف المقاومة، حيث كنت أنتمي.

سامي كليب: 76 يعني كنت لا تزال في.

ديغول أبو طاس: كنت صغيراً في السن، لا تتجاوز عمري 17 عام.

سامي كليب: 17 عام.

ديغول أبو طاس: أنا كنت في مهمة إلى بلدة بنت جبيل، التي لم تكن بعد واقعة تحت الاحتلال في تلك الفترة، وكانت الرميش والقرى المحيطة بها محتلة، وعندما عدت من تلك المهمة ألقى العدو الإسرائيلي عليَّ القبض في اليوم التالي من عودتي.

سامي كليب: ما كان السبب في إلقاء القبض عليك المباشر؟ يعني من الذي أبلغهم أنك تقوم بشيء معين؟

ديغول أبو طاس: بالطبع كانت لهم الكثير من الجواسيس والعيون داخل.

سامي كليب: منذ عام 76.

ديغول أبو طاس: أيوه، حتى ما قبل عام 1976، الإسرائيليون يعتبرون أن شراء الجواسيس والعملاء هي مهمة أساسية أمنية بالنسبة للكيان الغاصب.


انضمامه إلى حزب الله

سامي كليب: تحت صنوبر حرج قريته الرميش ومن على التلال المتاخمة لفلسطين، كان ديغول أبو طاس يروي لي، كيف اقتلعت الآلة الإسرائيلية أحراجاً بكاملها؟ وكيف أن نيران قذائفها السامة قضت على محاصيل الزرع وعرق الجبين وجنا العمر، وهو اضطر للسفر يافعاً، ليحصل على لقمة العيش، ويبني منزلاً، ويقيم معملاً للخياطة، بينما كان في السر يثقف نفسه، ويقترب شيئاً فشيئاً من حزب الله، ولكن ديغول المسيحي الذي أسماه جده بهذا الاسم تيمناً بالجنرال (شارل ديجول) حين زار المنطقة، ألم يشعر بإحراج في الانتماء إلى حزب الله ذي الخلفية الشيعية؟

ديغول أبو طاس: حتى الآن لا أعتقد أنه طرح عندي مشكلة من نوع ما، أو مشكلة أساسية في هذا الجانب، خصوصاً بعد تجربتي في إطار عملي بالمقاومة مع حزب الله، هذه التجربة التي تشكلت من خلال لقاءاتي مع المقاومين والمجاهدين في صفوف الحزب، والتي أثمرت عن نتيجة إيجابية جداً، إن دلت على شيء فهي تدل على أنه لا يمكن لأي شخص ينتمي إلى صفوف المقاومة الإسلامية، وإلى أي مذهب كان ينتمي، فإنه لن يجد أي عقدة في هذا الموضوع، حين يجرب ويخوض غمار هذه المقاومة.

سامي كليب: هل أنت أولاً أسلمت؟ هل تمارس شعائر دينية مسلمة؟ أم ما زلت على مسيحيتك؟

ديغول أبو طاس: طبعاً أنا مازلت على مسيحيتي، وأفتخر بمسيحيتي، وأعتز بها.

سامي كليب: لأني قرأت في كتابك أنك تقول: أنا المسيحي تعلمت مبادئ الإسلام أيضاً مبادئ مسيحيتي، يعني هل تعتقد أن هناك فعلاً تآلف بين هذين الجانبين؟

ديغول أبو طاس: وما هي المشكلة في ذلك؟ أنا لم أر أي تناقض من القيام بالمبادئ الإسلامية الحقة لا تتنافى أبداً مع القيم والمبادئ المسيحية، من أجل هذا كان انتمائي إلى حزب الله، ومن أجل هذا اكتشفت أن حزب الله لا يسعى إلى احتواء الناس في.. بإطار مفهومه المذهبي.

سامي كليب: هل طرح الانتماء لحزب الله لك مشكلة داخل عائلتك وجوارك المسيحي في الرميش؟

ديغول أبو طاس: ربما عند البعض يتفاجأون أو ويستغربون هذا الأمر، للأسف الشديد هناك في مجتمعاتنا مَنْ مازالت ثقافة الاستعمار تنخر في عقولهم، وفي ذاكراتهم ومفاهيمهم، وأنا أقدم جواباً على تساؤلات البعض حول هذا الموضوع، وأقول لماذا لم يستغرب بعض شرائح مجتمعنا الإسلامي والمسيحي حتى انتماء العميل المسلم والعميل المسيحي معاً من أجل التكاتف والتضامن مع العدو الإسرائيلي لضرب وذبح أبناء شعبهم.

سامي كليب: هذا ما قلته في خلال التحقيقات.

ديغول أبو طاس: نعم، لماذا.. لماذا يستغرب البعض هذا، لا يستغرب البعض هذا، ويستغرب في نفس الوقت انتماء مسيحي إلى.. إلى صفوف حزب الله؟

هناك كثر من الشرفاء في العالم يتباهون بالثورة الماركسية في كوبا.

سامي كليب: يعني الآن حزب الله طبعاً يواصل المقاومة، هو.. والمقاومة الإسلامية، والمقاومة اللبنانية بشكل عام، تحرير ما بقي من الأراضي اللبنانية، ونأمل أن يحرر الباقي من الجنوب.. مزارع شبعا وجوارها، ولكن في التجربة الداخلية اللبنانية نعلم أن للحزب نواب في البرلمان اللبناني، ويمارس اللعبة اللبنانية الداخلية، هل تعتقد أنك توافق سياسته اللبنانية بما فيها من طروحات هي أقرب للطروحات الإسلامية منها للطروحات العامة، بشكل عام يعني؟ هي ليست يسارية بجميع الأحوال، وليست علمانية؟ هي طروحات إسلامية 100%، أنت المسيحي هل ستوافقه على سياسته الداخلية اللبنانية؟

ديغول أبو طاس: إني أرى أن.. أن هذه الطروحات لا تتعارض مع طروحات بقية القوى التي تحمل أيديولوجيا يسارية أو قومية، أو أي أيديولوجيا فكرية أخرى، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أن ما يطرحه حزب الله في لبنان على مستوى العمل السياسي داخل مجلس النواب، وفي إطار كتلة الوفاء للمقاومة، لا توجد فيها نائب مسيحي، هذا الطرح الاجتماعي والاقتصادي، لا يتناقض أبداً مع مفهوم كثير من القوى الوطنية على الساحة اللبنانية، ومن هنا لا أرى أي تناقض في هذا الأمر.


أيام العذاب في معتقل الخيام

سامي كليب: الرحلة من المنزل إلى معتقل الخيام كانت هذه المرة بمحض إرادته، فقد شاء ديغول أبو طاس أن نستعيد وإياه نفس الطريق، ورحلة العذاب نفسها، التي قادته قبل سنوات إلى حيث الداخل مفقود والخارج مولود، معتقل الخيام.

ديغول أبو طاس: تمت عملية الانتقال بواسطة سيارة تابعة للعملاء، حيث اعتقلت من داخل بلدة الرميش، واتجهوا في بي بواسطة السيارة ليلاً، حيث كانت يداي مكبلتين من الخلف، وكانت عيناي معصوبتان، كانت السيارة أيضاً مقفلة بستائر من قماش من..من الداخل، استغرقت الرحلة حوالي ساعة ونصف إلى المعتقل، كان بجانبي أحد العملاء مشهراً سلاحه نحوي، وكنت ممدداً.. على المقعد الخلفي للسيارة، كان يوجه تهديداته كلما حاولت أن أقلب جسدي يميناً أو شمالاً، أو كلما حاولت (…) داخل السيارة كان هذا العميل يوجه الشتائم والتهديدات إليَّ.

سامي كليب: معتقل أنشأه الجيش الإسرائيلي المحتل عام 85، بديلاً لمعتقل أنصار في الجنوب، وهو كان سابقاً ثكنة فرنسية بنيت عام 1903، وقد احتجزت إسرائيل فيه ما يقارب الـ2000 مواطن لبناني شريف، بينهم حوالي خمسمائة امرأة وفتاة، وبينهم فتيان لم تتعدَّ أعمارهم الخمسة عشر عاماً، لا أحد حُوكم، أو سُمح له بتوكيل محام، استشهد في المعتقل حوالى 14 أسيراً، وهناك ما يقارب الخمسين أسيراً وأسيرة يعانون حتى اليوم، وبعد سنوات من تحريرهم من إعاقات جسدية ونفسية، وأما التعذيب فإليكم بعض الأمثلة.

ديغول أبو طاس: لم أكن أعرف عمود التعذيب، نحن عرفناه فيما بعد، بعد خروجنا من المعتقل، كنا نشعر أننا معلقين على عمود معدني، ولكن لم نكن نعرف شكله، لأنه كان يؤتى بنا إلى هنا، ونحن مغمضي الأعين، حيث كان يوضع كيس من القماش السميك القذر والمتسخ وكانت له رائحة كريهة جداً، وفي نفس الوقت كانت يدانا مكبلة عبر سلاسل معدنية، حيث يتم تعليق المعتقل إلى هذا العمود لساعات طويلة.

سامي كليب: بأي شكل كان يعني اليدان يرفعوكم..

ديغول أبو طاس: كانت اليدان إلى الخلف، في البداية تبدأ عملية التعذيب على نمط الخطوة خطوة، الخطوة الأولى يتم تعليق المعتقل بيديه عبر القيد المعدني في.. على هذا العمود، ويتم وضع حجر تحت رجليه، ويقف لساعات طويلة ويكون في هذا الوقت الأسير معرى من ثيابه بالكامل إلا من سرواله الداخلي في بعض الأحيان، وبعد دقائق يبدأ صب المياه، عملية صب المياه تكون على الشكل الآتي دلواً من المياه الباردة يتبعه مباشرة دلواً من المياه الساخنة، وهذه الطريقة من رش الماء البارد والساخن مع بعض تعطي مفعول أشبه بمفعول الصدمة الكهربائية، ويبدأ الصراخ والشتم والسباب وبأصوات عالية في أذن المعتقل، ثم يهدءون قليلاً فيشعر المعتقل وكأنهم توقفوا عن عملية تعذيبه، ثم يعودون ويتابعون نفس النمط عملية التعذيب مرة ثانية وثالثة ورابعة إلى أن ينهار الأسير، وحين يرفض الاعتراف أو التكلم يتم سحب هذا الحجر من تحت قدميه، فيبقى الأسير في هذه الحالة معلقاً في الهواء، ثم يحضر بإحدى الكلاب الشرسة وتبدأ بعمليات النباح الطويلة، ويقومون.. يقوم أيضاً الجلادون المحيطين بالأسير المعلق على هذه العمود بالنباح مع الكلب.. في.. مع الكلب في عملية هيستيرية، كانوا يأملون من خلالها أن يضغطوا على المعتقل نفسياً أكثر منها جسدياً، في الساعات الأخيرة من عملية التعذيب يبدأ بقلب المعتقل رأساً على عقب فيصبح رأسه إلى أسفل، قدميه إلى أعلى.

سامي كليب: على نفس العمود.

ديغول أبو طاس: على نفس العمود، ثم يتم تعليقه أيضاً هنا إلى هذه الخشبة، ويتم جلده بالسياط، كان السوط أو الكرباج الذي يستعملونه هو.. هو عبارة عن حبل من الليف ملفوف عليه سلك معدني نحاسي أشبه بسلك الكهرباء المصنوع من النحاس، بحيث تتكون في جسد المعتقل في بعض الحالات دمامل وجروح تنتفخ وتأخذ شكل كنا نطلق عليه شكل الموزة، وهو شكل منحني ومنتفخ على ظهر المعتقل وأكتافه وفي كل أنحاء جسده.

سامي كليب: وهذه كانت تبقى بدون علاج طبعاً فيما بعد.

ديغول أبو طاس: تبقى بدون علاج، الزمن هو الذي كان يداوي مثل هذه الجروح، وخصوصاً عندما ننتقل إلى الزنازين الجماعية حيث يكون رفاقنا إلى جانبنا، فيبدءون بمسحها بالماء البارد وبعض القطن أو الثياب، كانت هذه العملية تتم عدة مرات في اليوم أو في الليل.

سامي كليب: لفترة طويلة.

ديغول أبو طاس: نعم، بعد ساعات من..

سامي كليب: حتى في الليل؟

ديغول أبو طاس: حتى في الليل نعم، عندما بعد ساعات طويلة من التعليق على هذا العمود وعمليات التعذيب يتم نقل المعتقل إلى الزنزانة التي تحدثت عنها وهي زنزانة العتم، ويوضع هناك داخل تلك الزنزانة القذرة والمتسخة، ويتم رش المياه إلى داخل الزنزانة، مما يضطر الأسير إلى أن يقف على قدميه لساعات طويلة دون أن يقدر أن يجلس على الأرض.

سامي كليب: في.. في هذه اللحظات بالضبط، يعني لحظات الصعوبة والقسوة والتعذيب الوحشي كما رأينا على هذا العمود، هل يبقى المعتقل خصوصاً أنه يدخل هذا التجربة للمرة الأولى؟ هل يبقى فعلاً صامداً وصامتاً ولا يبوح بشيء، أم يخطر على باله أن يقول كل شيء ويرتاح من العذاب..

ديغول أبو طاس: هو يتخير.. يتخير وجهة الصمود، ويحاول أن يتعالى على جراحه أو أن يعض على جرحه لفترة طويلة من الوقت.

سامي كليب: هل يخطر بباله مثلاً لو أنه مات أفضل من هذا العذاب، هل يخطر بباله الانتحار مثلاً داخل المعتقل؟

ديغول أبو طاس: راودت هذه الفكرة كثير من المعتقلين، ليس الانتحار لأنه فقد القدرة على.. والإيمان بقضيته، وليس هو من باب اليأس، إنما هو للتخلص ربما من.. من هذا العذاب الشديد وهذه الرحلة الأليمة التي كان يمر بها، وفي محاولة أخرى علَّه يجد في هذه المحاولة مجالاً للتهرب من الاعتراف والبوح.

سامي كليب: نشاهد هنا طبعاً كما ذكرنا اسمين على الأقل علي عبد الله حمزة وحسين علي فياض، وقد استشهدا في الواقع هنا على عمود التعذيب، هل عرفت فيما بعد كيف.. كيف قتلا هنا؟

ديغول أبو طاس: هذا العمود سقط عليه هذان الشهيدان، على أعمدة أخرى سقط شهداء آخرون، عدد الشهداء الذين سقطوا على أعمدة التعذيب أعتقد حوالي الستة عشر شهيداً، كنا نسمع من روايات بعض المعتقلين القدامى حين نكون في الزنازين الجماعية روايات كيف أنه كيف تم استشهادهم على هذه الأعمدة، أحد المعتقلين الشهداء علمنا أنه كان معلقاً على إحدى أعمدة التعذيب، وكان يوماً مثلجاً وماطراً وعاصفاً، حيث عُلِّق لساعات طويلة بعدها دخل السجانون إلى غرفهم، وبدءوا حفلاً غنائياً، وبدءوا يتناولون الطعام والشراب.

سامي كليب: ونسوه..

ديغول أبو طاس: وقد نسي هذا المعتقل الشهيد على عمود التعذيب ليستيقظوا في اليوم التالي ويجدونه قد استشهد.

سامي كليب: كنتم تسمعون عمليات التعذيب هنا وأصوات الذين يعذبون داخل الزنزانة.

ديغول أبو طاس: كانت.. هنا إلى جانب هذه الساحة، حيث بقيت فيها من اليوم الأول وحتى يوم التحرير، كنا نعيش حالة من العذاب اليومي عبر سماعنا لصراخ الأسرى المعذبون على هذا العمود.

سامي كليب: شرحت لي عن عملية استشهاد أحد المقاومين على هذا العمود، الثاني كيف قُتل؟

ديغول أبو طاس: شهيداً آخر كانت تسمع صرخاته حوالي الساعة العاشرة ليلاً، وبدأ.. وبدأ صراخه يعلو على عمود التعذيب حتى ساعة متأخرة من الليل، حيث بدأ هذا الصراخ يخفت.. يخفت شيئاً فشيئاً حتى لم يعد يُسمع صوته أبداً، وفي اليوم التالي علم المعتقلون في الزنازين الجماعية أنه استشهد تحت التعذيب بسبب كسر في جمجمته من عصا استعملها أحد الجلادين حيث.. حيث تم ضربه على رأسه فتكسرت جمجمته واستشهد في تلك الليلة.

سامي كليب: الجلادون كانوا من العملاء أم من الإسرائيليين؟

ديغول أبو طاس: كانوا من العملاء، إنما بالطبع كانوا يأخذون أوامرهم من.. من العدو الإسرائيلي.

سامي كليب: يعني اليوم لا شك أنك ربما تشاهد بأم عينك بعض العملاء السابقين الذين خُفِّفت أحكامهم وخرجوا للهواء الطلق وهم يسيرون في هذه المناطق التي حُررت بفضل المقاومة، حين ترى أحد العملاء السابقين ما هو الشعور الذي ينتابك؟

ديغول أبو طاس: أنا أشعر بالأسى والمرارة بسبب هذه الأحكام.

سامي كليب: هل تفكر بالانتقام مثلاً؟

ديغول أبو طاس: لا.. لا نحمل في قلوبنا مشاعر الضغينة والحقد، ولكننا نطالب بضرورة محاكمتهم محاكمة عادلة من أجل كتابة تاريخ لهذا التاريخ التي.. الذي سوف تقرؤه الأجيال القادمة.

سامي كليب: وعلى ذكر التاريخ نذكر السيد حسن نصر الله زعيم المقاومة وحزب الله الذي قال إن معتقل الخيام يجب أن يصبح معلماً وطنياً تاريخياً لأنه من أبرز معالم التاريخ المعاصر في لبنان، وأن الأسرى المحررين لهم حق كبير في عنق الدولة، وفي الحد الأدنى المطلوب اعتبارهم جنوداً في الجيش اللبناني، مع الإشارة هنا إلى أن ديغول أبو طاس لم يكن المسيحي الوحيد في معتقل الخيام حتى ولو أنه أول مسيحي أُسر لانتمائه إلى حزب الله، وهنا في ممرات الموت وفي أقبية التعذيب لم تفرق إسرائيل بين امرأة ورجل، وبين طفل وشيخ، ولا بين مسيحي ومسلم.

هذه إذن إحدى غرف التعذيب أو التي كان..

ديغول أبو طاس: هذه معروفة بعش الدجاج أو (..)، وهي عبارة عن غرفة صغيرة كان يدفع إليها المعتقل ويقفل عليه هذا الباب الحديدي بعد عودته من..على عمود التعذيب، حيث يقضي فيها ليالي طويلة.

سامي كليب: دون أي سؤال ولا جواب دون اهتمام..

ديغول أبو طاس: دون أي سؤال كانت تتم عمليات الخبط والضرب على الباب بعد دخول المعتقل بـ.. في عمليات متكررة طيلة ساعات النهار والليل من أجل إبقائه متيقظاً وفي حالة نفسية وعصبية غير مستقرة.

سامي كليب: أنت كنت فيها أيضاً هذه الغرفة.

ديغول أبو وطاس: دخلت إليها عدة مرات هذه الغرفة كما كذلك دخلت إلى عدة غرف أخرى بالتي سُمِّيت غرف العتم أو الحواكير، وهذه هي إحدى غرف التعذيب، حيث كان يعلق المعتقل على هذا العمود الحديدي الذي يوجد قبالتنا لساعات طويلة حيث كان يكون مكبل اليدين ومعلقاً في الهواء لمدة ساعات طويلة كما قلت، حيث كان يجلس المحقق قبالته، وكان الأسير يوضع رأسه في كيس في نفس الوقت ويكون عارياً كذلك، وكانت تتم عمليات الشتم والإهانة والضرب والتعرض إليه بالسباب حيث كانت في كثير من الأحيان يتعرض الأسير إلى أن تشتم زوجته أو شقيقته أو والدته، كان هناك كثير من التطاول على الشرف والعرض والقضايا الأخرى التي تلحق بالجانب النفسي أو الناحية النفسية التي كان يضغط بها المحققون والجلادون على.. على المعتقل.

سامي كليب: وبالحديث عن العرض وشرف العائلة يعني نحن نعلم أننا في دولة شرقية وأن أبناء الجنوب.

ديغول أبو طاس: طبعاً نحن في مجتمعنا الشرقي..

سامي كليب: في مجتمع شرقي.

ديغول أبو طاس: تؤثر بنا كثيراً مثل هذه الحالات.

سامي كليب: وأنت شخصياً جيء بامرأة في الواقع وعلقت على العمود عارية، وقيل لك بأنها زوجتك.

ديغول أبو طاوس: ووهموني إنها كانت زوجتي نعم صحيح.

سامي كليب: وحين.. حين اعتقدت أنها زوجتك.. حين اعتقدت أنها زوجتك ماذا كانت ردة فعلك على هذا الأمر؟

ديغول أبو طاس: كانت أشد اللحظات.

سامي كليب: إيلاماً.

ديغول أبو طاس: ظلماً وظلاماً في حياتي، لم أستطع أن أتخيل أو أن أتصور على الإطلاق أن أصل.. أن أصل إلى لحظة كهذه، كنت أتوقع عمليات تعذيب جسدي كثير.. كثيرة، ولكن لم أتوقع أن يصل العذاب النفسي والضغط العصبي الذي كان يمارس عليَّ إلى هي الدرجة.

سامي كليب: وبعدها علمت أنها لم تكن هي؟

ديغول أبو طاس: فيما بعد علمت أنها لم تكن زوجتي.

سامي كليب: فيما بعد.. بعد كم من الوقت؟

ديغول أبو طاس: بعد فترة طويلة من الوقت حيث لم يعد يذكر اسمها أثناء التحقيق، ولم أعد أجدها على عمود التعذيب ولا أي في مكان أي مكان آخر.

أشعر أنني أجلس قبالة أحد المحققين -معاذ الله أن تكون كذلك- ولكن الكرسي هي التي تجبرني أن أشعر بذلك، هذه الكرسي كانت تستعمل في غرف التحقيق، حيث كان يجلس عليها المعتقل لساعات طويلة، أحياناً كثيرة لا يُسأل أي سؤال من قِبَل المحقق يكون عادة الكيس في الرأس ومكبل اليدين، اليدين تكون هكذا وراء الكرسي، وينتظر الأسير أن يطرح عليه أي سؤال، هذه إحدى عمليات التعذيب النفسي التي كانت تتم.

سامي كليب: كم ساعة أطول مدة قضيتها على مثل هذا الكرسي؟

ديغول أبو طاس: حوالي أربع ساعات بدون أن يحدثني المحقق أو يسألني أي سؤال أو يطرح أي سؤال.

سامي كليب: وكان جالساً أمامك؟

ديغول أبو طاس: كان جالساً.. في كثير من الأحيان كان بمجرد جلوسي على الكرسي يبدأ بالتحقيق وطرح الأسئلة، ولكن في بعض. بعض المرات يمتنع عن طرح أي سؤال.

سامي كليب: ولو سألته أنت مثلاً؟

ديغول أبو طاس: لا تستطيع.. يعني كنا نتصور أن.. أن نكون عرضة للعقاب الشديد.

سامي كليب: ولو حاولت الوقوف عن الكرسي.

ديغول أبو طاس: كذلك يعني لابد من أن يقوم بالعقاب، بعمليات العقاب.

سامي كليب: نحن هنا إذن في إحدى زنزانات معتقل الخيام أود أن أسألك يعني هذه ربما المرة الأولى التي تجري فيها مقابلة داخل الزنزانة التي قبعت فيها أو إحدى التي تشبهها، كيف تعود إليك الذكرى اليوم؟

ديغول أبوطاس: نحن هنا في إحدى بؤر الإرهاب الإسرائيلي المنظم حيث غرز الوحش الصهيوني إحدى أنيابه في لحمنا وفي أجساد كل الأسرى والمعتقلين، دخلنا إلى هنا دخولنا إلى الوطن الذي كنا نحلم أن نبني له مواقع العزة والكرامة، لا يفارقني أي إحساس في أي لحظة سواء كنت هنا أو خارج المعتقل عن حالات التعذيب والمرارة التي خضناها داخل هذا المعتقل أنا وبقية الإخوة الأسرى والمعتقلين.

سامي كليب: يعني أمس قلت لي.. أمس جئنا طبعاً إلى هنا وزرنا المعتقل قبل أن نجري اليوم هذه المقابلة وقلت لي أنك لم تنم حتى ساعة متأخرة من فجر اليوم نظراً لعودة الذكرى.

ديغول أبوطاس: أي نعم طبعاً، لابد أن تعود الذكرى إليَّ كلما زرت هذا المعتقل واسترجعت فيه بعض الذكريات الأليمة والمرة التي عشتها في داخله..

سامي كليب: طبعاً هذه الزنزانة وفق ما نراها الآن تحسنت شروطها قليلاً بعد أن دخل الصليب الأحمر الدولي وكانت شكلاً ومضموناً مخالفة تماماً ومغايرة تماماً أضيق وأوطى وأصغر، كيف كانت؟ يعني أود أن تشرح فقط للمشاهدين الأعزاء كيف كان واقع الزنزانة في معتقل الخيام؟

ديغول أبوطاس: بعد ضغوط دولية من قِبل دول كثيرة من المنظمات الإنسانية تم دخول الصليب الأحمر في.. بعد منتصف التسعينات إلى معتقل الخيام، قبل دخول الصليب الأحمر كانت هذه الغرفة التي نحن نقبع فيها الآن عبارة.. مقسمة إلى ثلاث غرف لا يتجاوز طول الغرفة الثلاثة أمتار وعرضها المتران، حيث كان يقبع فيها من أربع إلى ست معتقلين، بعد دخول الصليب الأحمر الدولي تم هدم هذه الجدران التي كانت تقطع الغرفة التي نحن فيها وتحولت إلى غرفة جماعية تضم ما بين العشر واثنى عشر معتقلاً، توجد أَسرَّة كما هو ظاهر فوق بعضها البعض حيث كنا.. كان ينام الأسرى هنا.

سامي كليب: يعني المناخ كان حين.. طبعاً نحن في منطقة مرتفعة عن البحر هنا في أعالي منطقة الخيام كما نشاهد في.. في صور المعتقل، ولاشك أن البرد يكون شديداً جداً في الشتاء، هل كان من تدفئة داخل الزنزانة؟

ديغول أبوطاس: لم يكن هناك أي تدفئة داخل الزنزانة، وكانت كثير من أعراض الأنفلونزا تصيب المعتقلين داخل الغرف، أذكر في إحدى المرات أننا كنا اثنى عشر معتقلاً داخل غرفة كهذه وقد أُصبنا جميعاً باعتبار إن هذا فيروس ينتقل بواسطة العدوى، وقد استلقينا في فراشنا أكثر من ثلاثة أسابيع ونحن في حالة.. حالة من المرض الشديد، وكنا في كثير من الأحيان نصرخ إلى شرطة المعتقل بأعلى أصواتنا فيستجيبون بعد عناء طويل ويقدمون لنا بعض الأدوية التي لا تغني ولا تسمن عن جوع، هي عبارة عن أدوية مسكنة كحبة أسبرين كانت تعطى للأطفال مثلاً أو بعض حبات الدواء التي انتهى تاريخ مفعولها، كذلك لم تكن توجد وسائل تدفئة نضطر إلى أن.. أن نبقى مستلقيين نياماً على فراشنا طيلة فترات النهار والليل، هذه إحدى رحلات العذاب الطويلة التي كنا نعيشها داخل المعتقل هنا.

سامي كليب: هذا بالإضافة طبعاً إلى الزنزانات الصغيرة جداً الزنزانات الانفرادية التي لا تتسع في الواقع لا وقوفاً ولا نوماً للمعتقل، كم أمضيت في هذا النوع من الزنزانات؟

ديغول أبو طاس: قضيت فترة طويلة منها حوالي سبعة وعشرون يوماً داخل هذه الزنزانة متتالية، وعدة مرات في كل مرة كنت أقضي فيها ما بين ثلاث، أربع أيام أو خمس أيام داخل تلك الزنزانة، هي الزنزانة لا يتجاوز طولها المتر أو المتر والربع وعرضها أقل من المتر تقريباً، عبارة عن زنزانة فارغة تماماً كان يُلقى بفراش رقيق ومتسخ في أرض الزنزانة وهي معروفة بزنزانة العتم أو الحواكير كما كانت تسمى..

سامي كليب: لماذا كانت معتمة جداً ولا نفس فيها ولا..؟

ديغول أبو طاس: كان بابها الحديدي مقفل طيلة الليل والنهار، جدرانها رطبة، لا يمكن الذهاب منها إلى المرحاض، كان المرحاض عبارة عن سطل بلاستيكي يُودع بجانب المعتقل داخل هذه الزنزانة، كذلك كانوا في بعض الأحيان يدفعون بالمياه إلى داخل الزنزانة حتى يضطر الأسير أو المعتقل أن يقف على رجليه فيمنع من الجلوس والراحة، هذه العمليات كانت تتم بعد العودة من ساحة التعذيب في إطار عملية ضغط نفسي كانت تمارس إلى جانب عملية الضغط الجسدي.

سامي كليب: حين كان رفاقك في حزب الله تحديداً يقرءون القرآن طبعاً وكل ما يتعلق بالدين الإسلامي من أجل الصبر أكثر داخل السجن وتحمل العذاب أنت هل كنت تشاركهم القراءة أم تقرأ الإنجيل؟

ديغول أبو طاس: كان عندي إنجيل تم إدخاله عبر الصليب الأحمر الدولي، كنا نتبادل قراءة الإنجيل والقرآن فيما بيننا، ونحاول أن نتحدث عن أوجه الشبه العديدة والكثيرة التي تجمع بين هذين الكتابين السماويين، ولم نكن نلحظ وجود أي فارق في هذا الأمر، خصوصاً أن الأشخاص الذين كانوا موجودين معي هؤلاء الأسرى هم كانوا أصحاب قضية وأصحاب هدف، وصاحب القضية عادة هؤلاء الطبيعي أن لا يكون متعصباً أو متزمتاً ولا ينظر إلى الأمور السطحية يعني نظرة مختلفة أو متطرفة.

سامي كليب: باختصار يعني كيف كان يوم المعتقل والمعتقلين داخل الزنزانة؟ ماذا كنتم تفعلون من الصباح حتى المساء أو.. وهل كنتم تعلمون أن الآن الصباح وجاء المساء، خصوصاً أن عتمة يعني الآن نحن وضعنا إضاءة اصطناعية من أجل إجراء المقابلة، ولكن كيف كنتم تشعرون بمرور النهار، وماذا كنتم تفعلون؟

ديغول أبو طاس: لم تكن طبعاً لدينا ساعات لنعرف الوقت بحيث كانوا ينتزعون الساعات منَّا أثناء دخولنا إلى المعتقل، أثناء عمليات الاعتقال، كانت تمر الطائرة تابعة لقوات الأمم المتحدة تنقل المواد الغذائية لقوات الطوارئ المتواجدين في.. على جبل الشيخ، هذه الطائرة كنا نعلم أنها تمر في.. في الساعة الحادية عشر والربع صباحاً، فكنا نعرف أن هذا الوقت أصبح هكذا، عند المساء أو المغرب أو ساعات العشاء كنا نستمع أو ننصت إلى صوت آذان المؤذن في مسجد الخيام الذي كان يصل صوته إلى هنا ولو خافتاً في بعض الأحيان بسبب بُعد المسافة إلى حدٍ ما، فكنا نعرف الوقت أن هذا الآذان هو آذان المغرب، أصبح الوقت وقت مغرب أو وقت عشاء أو وقت فجرأ أو هكذا.

سامي كليب: وكيف كنتم تنظمون اليوم، يعني ماذا كنتم تفعلون؟

ديغول أبو طاس: كنا نتوزع المهام داخل هذه الغرفة، المهام الصغيرة والبسيطة فيما يُسمى بكلفة الزنازين داخل المعتقل حيث كان أحد المعتقلين يقوم بغسل الثياب، معتقل آخر مثلاً يقوم بتنظيف أرض الغرفة، ومعتقل يقوم بتطريز بعض الأشياء البسيطة داخل هذه الغرفة، كذلك نجلس ونتحدث عن روايات المعتقلين القدامى الذين دخلوا قبلنا وتجاربهم التي مروا فيها خصوصاً ما قبل دخول الصليب الأحمر، روايات عن الشهداء الذين سقطوا على أعمدة التعذيب، هذه كلها.. كلها كانت تثير فينا يعني الأسى والشجن وفي نفس الوقت تزيدنا عزماً وإصراراً على أساس أننا مازلنا على قيد الحياة.

سامي كليب: ممنوعات كثيرة والمسموح قليل والسجناء مقطوعون عن العالم الخارجي وسجانوهم يتلذذون بممارسة كل صنوف التعذيب عليهم.

ديغول أبو طاس: لم يكن مسموح التجمع داخل تلك الساحة، كانت الساحة تضم في كل مرة حوالي ما بين 35 إلى 40 معتقل داخل تلك الساحة الصغيرة، لم يكن مسموحاً التجمع.

سامي كليب: هل كان الضرب والإهانات والتعذيب مادة يومية للسجانين هنا؟

ديغول أبو طاس: كان أكثر عمليات التعذيب وأقسى مراحلها كانت في مراحل التحقيق..

سامي كليب: في البداية..

ديغول أبو طاس: التي تدوم شهراً ونصف، شهرين أو ثلاثة أشهر، بعد ذلك يبدأ التعذيب النفسي.

سامي كليب: كيف؟

ديغول أبو طاس: آليات ما يُسمى بالعقاب، منها العقاب الجماعي والعقاب الفردي، العقاب الجماعي كان يشتمل على منع المعتقلين من التحدث مثلاً داخل زنازينهم أو غرفهم بصوت عال، منعهم من القيام بأي حركات أو.. أو مطالب معينة أو استدعاء شرطة المعتقل من أجل مطلب غذائي أو صحي، هذه عمليات تعذيب نفسي كانت تتم بصورة يومية.

سامي كليب: من يخالف التعليمات ما.. ماذا كان عقابه؟

ديغول أبو طاس: كان عقابه الذهاب إلى ما يسمى بالحواكير أو زنزانة العتم التي تحدثنا عنها سابقاً، حيث كان يقضي فيها الأسير أو المعتقل ما بين خمس أو سبعة أيام، في بعض.. في كثير من الأحيان يقضي أكثر من ذلك.

لا تساوم

حتى لو وعدوك بأن يفرغوا من فمي الدماء والتراب

وقالوا سوف نعيد لأرضك

الحياة بعد اليباب

على أن تقطع الخيط الذي

يربط الكرامة بالعنفوان

ويصل الحق بالصواب

ليتك تعلم من شدة ما أنا مهان

زاد تمسكي بالرهان

فوقفت بين شروع الخناجر والرقاب

هي الأرض صارت حاملاً في عامها الرابع والعشرين

من أربعة وعشرين ألفاً من الذئاب

لم تثمر لسماد الذل والهوان

فهل ترضى المساومة؟

سامي كليب: منذ.. منذ وصولنا إلى لبنان في الواقع ونحن نسمع بعض الشائعات وربما أيضاً المعلومات على أن بعض السجانين الذين كانوا هنا كانوا يعودون إلى هذا المعتقل منذ فترة وأخرى، حتى بعد عملية التحرير وأن بعضهم ربما وجد وظائف في الدولة بينما عدد من المقاومين يعاني من قلة الاهتمام به وعدم إيجاد وظيفة بعد التحرير، ما هي صحة ما يُقال بهذا الشأن؟

ديغول أبو طاس: في الحقيقة لا أعتقد أن الدولة تتساهل في الشأن الوظيفي مع العملاء على حساب الأسرى أو بقية المواطنين، ولكن مع.. مع العلم أن هناك بعض التساهل في قضية الأحكام التي تصدر بحق العملاء وخصوصاً بحق الجلادين الذين كانوا في هذا المعتقل، ونحن نطالب دوماً بوجوب محاكمتهم محاكمة عادلة ليأخذ.. لكي يأخذوا قسطهم ونصيبهم من جراء عملهم الفظيع وارتكاباتهم اللاإنسانية التي كانت.. كانوا يقومون بها داخل هذا المعتقل.

سامي كليب: ولكن هل المقاوم السابق يُلاقي مثلاً بعض الاهتمام الآن؟ هل من تعويضات دُفعت للمقاومين السابقين؟

ديغول أبو طاس: بعضهم مطالبات وعمليات اعتصام عديدة قام بها الأسرى قامت الدولة بـ.. أو بدأت الدولة بدفع التعويضات للأسرى، وهي تعويضات يعني لا يجوز أن نسميها تعويضات لأنه لا يوجد هناك أي شيء يعوض عن الإنسان المناضل عذاباته وجراحاته.

سامي كليب: تعويضات بسيطة دُفعت ومهرجانات تقوم بين الوقت والآخر هنا وهناك ولكن الأسرى المحررين وجدوا أنفسهم بعد حين مضطرين للاعتصام والمطالبة بحقوقهم، بينما بعض جلاديهم السابقين كانوا أمام أعينهم يسرحون ويمرحون، وحزب الله الذي انتمى إليه ديغول أبو طاس يعيش اليوم ساعاتٍ صعبةً وسط التجاذبات حوله فوق الطاولة وتحت الطاولة وفي الكواليس، لقد تحرر لبنان أو معظمه، ولكن لا شك أن ديغول أبو طاس ورفاقه في المقاومة كانوا وربما لا يزالون يحلمون بغدٍ أفضل وبألا تضيع دماؤهم في مقامرات السياسة.