تحقيق خاص

الاغتيال الصعب.. أبو إياد

تفتح الجزيرة في هذا التحقيق الاستقصائي ملف اغتيال “صلاح خلف” المعروف بلقب أبو إياد، متسائلة: من يقف وراء اغتياله؟ ولمصلحة من غيّب عن المشهد؟ ومن هو القاتل؟

في حادثة هزت الثورة الفلسطينية، وقعت جريمة اغتيال صلاح خلف "أبو إياد". وقد تم اعتقال الجاني مباشرة في مسرح الجريمة، ونال حكما بالإعدام. إلا أن حقيقة الاغتيال ما زالت ناقصة، ولم يكتمل مشهد ملابسات القضية. فمن يقف وراء هذا الاغتيال؟ ولمصلحة من غيّب أبو إياد عن المشهد؟ من هو القاتل حمزة أبو زيد؟ وكيف تمكن من الوصول إلى موقع حساس جعله قريبا من هذه القيادات؟ وكيف خطط للجريمة؟

هذه التساؤلات وغيرها سعى لكشفها التحقيق الاستقصائي الذي بثته الجزيرة (2019/5/19) تحت عنوان "الاغتيال الأصعب"، حيث تابع التحقيق ملابسات اغتيال ثلاثة قيادات فلسطينية وهم أبو إياد وأبو الهول والعمري يوم 14 يناير/كانون الثاني 1991 في تونس. وفتح ملف القضية من جديد لدى السلطات التونسية والفلسطينية.

كيف جرى الاغتيال؟
بحسب الكاتب والصحفي الإسرائيلي يوسي ملمان، كان أبو إياد قائدا مؤثرا ورجل أفعال أكثر من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، فهو مؤسس وقيادي في اللجنة المركزية لحركة فتح، وتمكن من توطيد علاقاته مع الأجهزة الاستخبارية حول العالم.

ويقول رياض الحنوتي المسؤول المرافق لهايل عبد الحميد "أبو الهول" إن الأخير جلب قاتله بنفسه، لأنه هو من أمر بوضع اسمه في المطار شخصيا، بعد أن رفض مرافقه القيام بذلك.

وبحسب مرافق أبو الهول حكيم العطوط، فإنه بعد تمكن حمزة أبو زيد من التغلغل في الجهاز الأمني لأبو الهول، انتظر قدوم أبو إياد وطلب من الخادمة أن تسمح له بالدخول لإطفاء النور الخارجي، إلا أنه باغتها بإغلاق الباب واقتحام المنزل، واغتال كلا من أبو إياد وأبو محمد العمري وأبو الهول.

من هو القاتل؟
عرف حمزة أبو زيد كأحد العناصر الأمنية في حركة فتح، وأحد المسؤولين عن توفير الحراسة الأمنية لأبو الهول، قبل أن يجنده أحد عناصر فتح المجلس الثوري من الداخل ليكلف بمهمة اغتيال أبو إياد.

وفي مقارنة بين النسختين من التحقيق الفلسطيني والتونسي، كان الفارق الأكبر يتعلق بمسار حمزة أبو زيد، إلا أن المؤكد أنه تم تجنيده وكان مكلفا بالوصول إلى حراسة أبو الهول وإقناعه أثناء وجوده بمدينة طرابلس الليبية لينتقل معه إلى تونس.

قدم حمزة أبو زيد اعترافا كاملا في التحقيق التونسي أقر فيه بعملية الاغتيال مدفوعا من القيادي المنشق عن فتح "أبو نضال"، الذي كان بدأ سلسلة عمليات استهدف بها قادة الثورة الفلسطينية. وحسب اعترافاته فقد ظل حمزة ملتزما بتنفيذ خطة الاغتيال في منزل أبو الهول تحديدا.

وأقر أبو حمزة بأنه كان عليه الانتظار لأكثر من خمسة أشهر ليأتي أبو إياد ويغتاله في منزل أبو الهول كما تم الترتيب لذلك، ومن ثم الهرب عبر الحدود الجزائرية التونسية.

وأشار الرئيس السابق لجهاز الشرطة الفلسطينية غازي الجبالي الذي تابع القضية عن كثب، أن أبو زيد كان غير مكترث بالحكم عليه بالإعدام، وأنه اعترف بارتكاب جريمة الاغتيال بكل سهولة، وأخبره أن أبو نضال وعده بإخراجه حتى لو كان "إبرة في كومة قش".

وبعد اغتياله القادة الثلاثة، كان أبو زيد قد احتجز زوجة أبو الهول وابنته وطالب مقابلة عاطف أبو بكر  مقابل الإفراج عنهما. وبحسب ما ذكره الضابط التونسي الذي كان مسؤولا عن أمن القيادات الفلسطينية في تونس النوري بو شعالة في كتابه" قبس من الذاكرة" أن السبب الذي طلب من أجله حمزة مقابلة عاطف أبو بكر هو أن عملية الاغتيال كانت تستهدف أبو بكر أيضا.

إهمال فلسطيني
بعد خمس محاولات لاغتيال أبو إياد، نجح أبو زيد في قتله في المرة السادسة، وقد كان بإمكان الأمن الفلسطيني إحباط عملية الاغتيال لولا إهمال أبو إياد لثغرات أمنية وحوادث سبقت عملية الاغتيال، من ضمنها عدم التحقيق في اختفاء المسدس الذي نفذت به العملية.

كما أنه عند التحقيق في سيرة حمزة أبو زيد تبين أنه اشتهر بافتعاله للمشاكل، وقد تم نقله تأديبيا إلى أكثر من موقع، كما صدرت في حقه توصيات عديدة بالإبعاد عن جهاز الأمن المركزي دون أن تنفذ.

كما شاب التحقيق بعض الثغرات التي أغفلها الأمن الفلسطيني، أهمها أن حمزة أبو زيد ابن عمة عدنان ياسين الجاسوس المعروف.

هل أعدم أبو زيد حقا؟
أغلق ملف التحقيق التونسي على عجل، وجرى الاتفاق مع ياسر عرفات على أن يتم تسليم حمزة أبو زيد لمحاكمته خارج الأراضي التونسية.

وعلى وجه السرعة أتمت السلطات الفلسطينية تحقيقها مع حمزة وصدر في حقه حكم بالإعدام، وتم توثيق المحاكمة في شريط حصلت الجزيرة على نسخة منه.

وتم إعدامه رسميا وقانونيا بوضعه في قارب خارج المياه الإقليمية اليمنية، وتم تكبيله بالحديد وإطلاق 30 طلقة عليه، ثم رميه في البحر. إلا أن العملية لم يتم توثيقها ولا يوجد ما يثبت أنه جرى إعدامه سوى شهادة من رافقوه.

ظلت الحقيقة ناقصة ولم تكتمل كواليس جريمة الاغتيال حتى اليوم، ولم يتم الجزم بأي من الخيارات المحتملة بمن يقف وراء الجاني، في انتظار النتائج الجديدة للتحقيق الفلسطيني.