قريوت.. قرية فلسطينية تقاوم الاستيطان
بدأت فكرة حلقة برنامج "فلسطين تحت المجهر" وعنوانها "قريوت على خط التماس"، من أول تواصل لي مع أشخاص حقيقيين صار الاستيطان يشكل التهديد الأساسي لحياتهم ووجودهم وبقائهم، وصارت مقاومته شغلهم الشاغل وهمهم اليومي، بما يعنيه ذلك من معاناة واعتداءات تبدأ من عنف لفظي وجسدي لتصل أحياناً لسجنهم أو إصابتهم أو حتى استشهادهم دفاعا عن الأرض الفلسطينية التي تتقلص مساحتها يوما عن يوم.
الأفلام الفلسطينية التي تعاملت مع موضوع الاستيطان في فلسطين كثيرة. ولكن خصوصية فيلم "قريوت على خط التماس" تكمن في إبرازه الاستيطان بوصفه منهجا سياسيا يتبناه الاحتلال بهدف الحصول على الأرض باعتبارها عنوان الوجود العربي في فلسطين.
من أهم الدوافع التي قادتني للتعامل مع موضوع الاستيطان وفق ذلك المنظور، معرفتي بما يعنيه فقدان الأرض للإنسان الفلسطيني، وتأثير ذلك على حياته اليومية وثقافته المرتبطة بالأرض والمواسم والطقوس من ناحية، وما يعنيه فقدانه لمهنة الزراعة التي تشكل أساس دخله وقوته لإعالة أسرته من ناحية أخرى.
أما على الصعيد السياسي، فالاستيطان خطوة من خطوات يستعملها الاحتلال لإبعاد الإنسان الفلسطيني عن أرضه ومنعه من الوصول إليها تحقيقا للفكرة الصهيونية الجوهرية والقديمة التي تدعي بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
كان الفيلم بالنسبة لي أيضاً محاولة لترجمة وعرض الأساليب التي تستعملها دولة الاحتلال في السيطرة على الأرض، وإبراز العمل الممنهج والدؤوب من قبل المستوطنين وقياداتهم -منذ قيام دولة إسرائيل حتى يومنا هذا- باستعمال الوسائل كلها لإخراج الفلسطيني من أرضه والسيطرة عليها من خلال سنّ القوانين واستعمال الدين والأساطير والعنف المسلط على الفلسطينيين من مؤسسات الاحتلال وجنوده ومستوطنيه.
ويعد هذا العمل، وهو من إنتاج شبكة الجزيرة، من صلب اهتمامي المستمر بالتفاصيل الصغيرة لحياة الإنسان بشكل عام، والإنسان الفلسطيني بشكل خاص، طيلة مسيرتي السينمائية التي حاولت خلالها التطرق للأماكن المنكوبة والحريات المسلوبة ومناصرة الحق والعدل وتوظيف السينما لفضح الممارسات غير الإنسانية ضد البشر في فلسطين والعالم.
بوصفي إنسانا وبوصفي فلسطينيا ثم مخرجا، اعتبر الاستيطان أعنف الحروب والاعتداءات الموجهة ضد الأرض والشجر، وضد الحجر والبشر. تلك الحرب التي لم تعرف لحظة واحدة للهدنة منذ قيام دولة إسرائيل حتى اليوم.
المخرج: رشيد مشهراوي