فلسطين تحت المجهر

الدروع البشرية

خاضت حلقة (8/7/2015) من برنامج “فلسطين تحت المجهر” في موضوع مسكوت عنه في الإعلام، يتعلق باستخدام إسرائيل -خلال عدوانها المتكرر على قطاع غزة- المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية.

بدأت البحث ربيع عام 2014 عن حلقة لبرنامج "فلسطين تحت المجهر" حول الأنفاق والحصار، وكان الترتيب أن أبدأ التصوير منتصف يوليو/تموز عام 2014، لكن العدوان الإسرائيلي على غزة بدأ في 8/7/2014.

في نفس اليوم تواصل معي فريق برنامج "فلسطين تحت المجهر" من الدوحة للاطمئنان علي وعلى الفريق، وكان النقاش واضحا، وقف كل شيء لإنتاج حلقة "أنفاق وحصار" والبدء في التفكير في تطوير الحلقة باتجاه تغطية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ونتائجه.

فبدأت التفكير في هذا الاتجاه، وخلال العدوان، لفت نظري أحد عناوين الصحف الإسرائيلية، الذي كان مضمونه "أن المسلحين الفلسطينيين يختبئون خلف المدنيين في غزة"، ثم تكرار هذا العنوان في الصحف الإسرائيلية في الأيام اللاحقة دون وجود صور أو دلائل من أرض الواقع، وبدأ الخطاب وكأنه يهدف إلى تعزيز وتكريس صورة معينة للرأي العام محورها أن كل المدنيين الفلسطينيين هم دروع بشرية للمقاومة للفلسطينية.

لم أستطع أن أفهم هذه العناوين، فأنا فلسطيني ولدت ونشأت في قطاع غزة، ومخرج مع فريقي، نحن على الأرض شهود عيان تغطي عدسات كاميراتنا قصفا هائلا جل ضحاياه من المدنيين العزل.

فخلال العدوان على غزة اعتدنا على تصوير وتوثيق ما يحدث بدقة وبحذر، وأن يصبح عملنا مكثفا أكثر فور حصول هدنة، حيث كنا نسارع إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها في وقت القصف المشدد لنصلها ونوثق ما حدث بها، حتى كانت الهدنة التي أعقبت اجتياح قرية خزاعة، حيث سارعنا بالذهاب إلى هناك لتوثيق ما حدث فكانت المفاجأة: أفراد من عائلة النجار وقديح وأبو ريدة، تم استخدامهم من قبل الجنود الإسرائيليين دروعا بشرية.

ولم يكن الأمر يقتصر على حالة أو اثنتين بل حالات عديدة استخدم فيها الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية لحماية جنوده خلال عملياته.

وهنا نبهنا شبكة الجزيرة إلى إمكانية أن تتطور الحلقة من داخل قطاع غزة باتجاه موضوع "الدروع البشرية" فكان الرد التحريري قاطعا وسريعا "توكلوا على الله"، فالموضوع لا يحتمل التأخير، وبدأنا العمل خلال العدوان وبعيده مباشرة.

بحثنا أكثر، لنجد المزيد من القصص المؤلمة، منها: مسنة فلسطينية تبلغ من العمر 75 عاما، تم استخدامها درعا بشريا ولم يشفع لها وهن جسدها وتقدم عمرها.

بدأنا بتجميع الشهادات، ومراجعة المنشورات الإسرائيلية، فوجدنا أنفسنا أمام كم هائل ومنظم من الدعاية الإسرائيلية في تقديم وتكريس مفهوم أن كل الفلسطينيين المدنيين في غزة هم رهائن وظيفتهم حماية المسلحين كما صورتها آلة الدعاية الإسرائيلية، بينما الأمر على أرض الواقع كان على النقيض تماما، فما وثقناه هو استخدام الجنود الإسرائيليين للمدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية.

بل تعدى الأمر ذلك، فاتخذت إسرائيل بجنودها كل التجمعات السكنية الفلسطينية دروعا بشرية تحمي سياستها العدوانية على الأرض وأمام الرأي العام.

كان نتاج أشهر من العمل المكثف على هذا الوثائقي هو أن تمكنا من جمع شهادات لنماذج متعددة ممن استخدمهم الجيش الإسرائيلي دروعاً بشرية، وتحليل هذه النماذج وفقاً للقانون الدولي، من خلال محللين من الصف الأول في هذه القضية فلسطينيين وإسرائيليين، لنخرج بما يثبت تهمة استخدام المدنيين دروعاً بشرية من قبل الجيش الإسرائيلي، وهذه جريمة حرب، بينما تتهم إسرائيل المقاومة الفلسطينية باستخدام المدنيين في غزة دروعاً بشرية.

هذه مساهمتنا كصناع للفلم الوثائقي بما يشكل وثيقة عبر شهود عيان تدين الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جريمة حرب، ونأمل أن تستخدمها المؤسسات الدولية للتحقيق والتعريف بما يرتكب من ظلم على أرض فلسطين.