فلسطين تحت المجهر

"اهدم بيتك بيدك"

تناولت حلقة 5/11/2014 من البرنامج معاناة أسر فلسطينية في القدس أجبرها الاحتلال الإسرائيلي على هدم بيوتها بأيديها، في خطوة تهدف إلى تهجير وطرد العرب من بيوت وحارات القدس.

جذبني تقرير إخباري مصور عن عائلة كانت تجلس أمام بيت مهدّم، ينظرون بصمت إلى بيتهم بكل حزن وألم: امرأة شاحبة الوجه عيناها تدمعان حرقةً وهي تعود بذكرياتها إلى الوراء، وزوج طاعن في العمر بوجه متجهم، كأن على رأسه الطير، ينظر إلى بيته الذي بناه بعد طول عناء ومشقة، وشابٌ يجلس عاجزا لا يحرك ساكنا، كجسد استنفذت قواه، وكأني أراه ينظر إلى صورة مستقبل قد ضاع بدءا من هذه اللحظة.

 صور ومآسي جرحت شعوري وأثارت شجوني وأفكاري، وبدأت أفكّر بأن أعدّ فيلما عن هذه العائلات التي تصرخ من أعماقها ألما وقهراً من هذا الواقع الجديد الذي حل بهم. لقد أمرهم الاحتلال الإسرائيلي أن يهدموا بيوتهم بأيديهم، والهدف أن يهدموا انتماءهم وتمسكهم بمدينتهم.

زاد اهتمامي بهذا الموضوع لمعرفتي واطلاعي على عمل بلدية القدس التي تكيل بمكيالين مع سكان المدينة نفسها. ففي شرق المدينة، حيث السكان العرب، هدم وحرمان وتشديد ومنع للبناء، وفي غربها، حيث السكان اليهود، نشاهد بناء  متواصلاً وعطاء مزهراً  وازدهارا عمرانيا.

ولأن القصة قصة صراع ومواجهة مباشرة تجمع هذه العائلات بالمحتل في قلب مدينتهم، قررنا إنتاج فيلم وثائقي يروي حكاية عائلات لم يسمع صوتها بشكل كافٍ في القرن الحادي والعشرين. بدأت رحلتنا بالبحث عن حالات مناسبة قابلة للتعاون معنا في سبيل إنتاج فيلم نتمكن من خلاله إيصال المعاناة والرسالة بصدق.

واجهتنا بعض الصعوبات الإنتاجية باعتبار مدينة القدس مدينة محاصرة لا يدخلها، تقريبا، سوى الأجانب من خارج فلسطين أو حملة الهوية المقدسية، وكذا صعوبة التنسيق مع الحالات (العائلات المختارة) كونها تعيش في ظروف صعبة للغاية، وفي حالة انهيار وضغط نفسيين،  نتيجة لما حلّ ببيوتها.

بدأنا التصوير وعايشنا العائلات وآلام أفرادها من استلام أوامر الهدم، ثم متابعة إجراء العملية نفسها  وما بعدها في معايشة متواصلة لمآل العائلات بعد انتهاء عملية هدم البيوت. استغرق فترة التصوير ما يقارب نصف العام، أعقبتها مرحلة بناء القصة والمونتاج لنكمل الفيلم بعد عام كامل من العمل.

كطاقم إنتاج، نعتبر هذا الفيلم تحديا كبيرا وفخرا لنا ، كونه يجسد رسالة صغيرة مرسلة من قلوب أطفال ونساء وشيوخ يموتون في اليوم ألف مرة معاناة من ظلم وجور جلادهم.

في النهاية، فيلم: "اهدم بيتك بيدك" ليس شعاراً عادياً أو كلاماً على الورق بل هو حروف كتبت تستعرض بالصورة والكلمة ألم وقهر وظلم تعيشه عائلات أجبرها المحتل الإسرائيلي على هدم بيوتها وأحلامها بأيديها.

 المخرج: رأفت أبو زيد