تشيلي 3 – الوطن الآخر
عرب أمريكا اللاتينية

تشيلي.. حلم مخرج فلسطيني

تستضيف الحلقة المخرج السينمائي التشيلي ميغيل ليتين ليتناول بالحديث أفلامه السينمائية التي شاركت في العديد من المهرجانات وفازت بالعديد من الجوائز.

– حب السينما والتحرر من القيود
– ذئب نولتورو ونقل أحاسيس الفقراء

– دور المهاجرين في النهوض بتشيلي

undefined

المخرج السينمائي التشيلي ميغيل ليتين ولد في بلدة بالميا التشيلية في عام 1942، أجداده من ناحية الأب هاجروا من فلسطين إلى تشيلي في أوائل القرن الماضي، درس المسرح والآداب في جامعة تشيلي في عام 1968، عمل بالتليفزيون التشيلي القناة التاسعة في عام 1971، عينه الرئيس سلفادور آليندي رئيسا لمؤسسة السينما التشيلية وبعد الانقلاب العسكري على يد بينوشيه عام 1973 ترك البلاد وسافر ليعيش في المكسيك وأسبانيا، منحته فرنسا وسام الفنون والآداب عام 1986 وفي عام 2002 منحته المكسيك ميدالية النسر الذهبي تقديرا لمساهماته في مجال السينما، بعد انتهاء فترة الحكم الديكتاتوري لبينوشيه عاد إلى تشيلي وتولى منصب عمده بلدته بالميا لفترتين متعاقبتين، أفلامه السينمائية شاركت في العديد من المهرجانات وفازت بالعديد من الجوائز وتعد علامات بارزة في السينما التشيلية بشكل خاص وسينما أميركا اللاتينية بشكل عام.

حب السينما والتحرر من القيود

ميغيل ليتين – مخرج تشيلي من أصل فلسطيني: مثل شَعر المراهقين سأقرأ عن رام الله

فشعرهم الجاف الملتف المجعد

يُعد طريق للكف عن الرؤية

سأقرأ وستذكّرني القراءة بشجرة بيتي في الشتاء

من فوق المآذن تحمل الرياح صوت المؤذن

إنه صوت الله الذي ينساب عبر الحارات والطرقات

أبراج معدنية سجينة الأضواء التي تخترق الجسد والروح

لقد ضاعت القدس

القدس استعمرها العسكر بزيهم الرمادي وسياراتهم الجيب المتسخة بالتراب والدم

يسير الرجال المعممون

ينتشر في المدينة المقدسة ضباب النسيان

لقد ضاعت المدينة المقدسة إلى الأبد

إنها في النهاية تلك المشاعر التي استحضرها حيث أعيش لتتحول إلى قصيدة صغيرة، فأنا أسعى كي أترك على كل حجر رسالة، رسالة في كل مكان أذهب إليه، أثر أتركه حتى يمكن لكل من يأتي من بعدي أن يقرأ ويعرف ما حدث لي وإذا كنت أنا أعرف تلك الحقائق عن القدس وعن الشعب الفلسطيني فيمكنني إذاً أن أروى ذلك بالسينما أو بالشعر أو من خلال كتاب أو لوحة وهكذا أساهم بطريقتي المتواضعة في القضية الفلسطينية والتعريف بعدالتها وبرغبة الفلسطينيين في العيش بحرية ورغبتهم في أن تكون لهم حياة وعائلات وأحلام ومشاعر وهذا هو المغزى من عملي.

فؤاد: الرزنامة عليها صورة من تشيلي البلد الذي نعيش فيه ودكاننا اسمه آخر قمر وعندما زبائن كثير.

مشارك أول: نسجلها مرة أخرى.

فؤاد: لقد قلت حتى عندنا زبائن كثير.

مشارك أول: نعم.. نأخذها مرة أخرى للتأمين.

ميغيل ليتين: نعم من الممكن إلا نجدك فيما بعد وعند المونتاج يكون الله في عوننا.

مشارك أول: الرزنامة عليها صورة من تشيلي البلد الذي نعيش فيه ودكاننا اسمه آخر قمر وعندنا زبائن كثير.

ميغيل ليتين: جيد جدا، لديه صوت جميل.

تعليق صوتي: في هذه الرزنامة صورة من تشيلي، البلد التي نعيش فيها.

"
جنسية السينمائي ترتبط بالمكان الذي يصور فيه أفلامه، فالتكنولوجيا السينمائية متماثلة في كل مكان بالعالم، الفرق هو في وجهة النظر ومتى وأين ولماذا تضع الكاميرا في هذا المكان؟
"
         ميغيل ليتين

ميغيل ليتين: أنا تشيلي من أصل فلسطيني، أجدادي من فلسطين، أي أنهم عرب وأنا ولدت في تشيلي وارتبط كثيرا بالمحافظات التشيلية أكثر من سنتياغو وفيها شاركت الشعب التشيلي تجربته التاريخية، شاركت الشعب التشيلي في حرب لاوتيبيلي التحريرية وفي بحثه عن حرية الفقراء وعملت مع الرئيس سلفادور آليندي وطاردوني ونفوني وكافحت ضد الديكتاتورية والآن أبذل جهدي كي تصبح تشيلي أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا وكي يكون هناك عدل اجتماعي حقيقي، لذا فأنا بالطبع تشيلي، غير أنني أعتقد أن جنسية السينمائي ترتبط بالمكان الذي يصور فيه أفلامه، فالتكنولوجيا السينمائية متماثلة في كل مكان في العالم، الفرق هو في وجهة النظر ومتى وأين ولماذا تضع الكاميرا في هذا المكان؟ لأن طبيعة الناس هي التي تحدد ذلك وبدأت أجول في تلك المدينة الغريبة التي أحبها الطريق إلى سنتياغو، سنتياغو التشيلية كانت الغاية، في النهاية كان لدي هدف واضح أن أعثر على المكان الذي دُفن فيه أبي، لكن الأهم هو أن أجد أخي، فأنا لن أستطيع التصوير في فلسطين دون أن أنتبه إلى أن الورود تنمو بين الأحجار وأن لها أشواكا، لا يمكن ألا أضع في اعتباري رياح الصحراء وجفاف الأرض والعيون الشاخصة نحو الأفق ووجوم الفلسطينيين الذين يبدون وكأنهم يحلمون بعالم كانوا يمتلكونه منذ زمن بعيد وفقدوه إلى الأبد وحين أصوّر في منطقة شيان في تشيلي لا يمكن أن أغفل عن طبيعة أراضي الجنوب الممتدة والطرق التي تظللها الأشجار على الجانبين والأحجار الضخمة بجوار الأنهار والعلاقة بين الإنسان والأنهار المتعددة وسلاسل جبال الأنديز التي تشكل الواقع الذي يحدد ظروف هذا البلد، فالتشيلي يعيش بين البحر والجبال وينتشي من قوة الشمس ومن هنا يأتي الإلهام للعديد من الشعراء مثل بابلو نيرودا وبابلو دي روكا وبيثينتي، شعراء عظام عاشوا عاشقين للطبيعة لذلك فأنا تشيلي بحق.

مشارك ثاني: ميغيل ليتين هو أحد السينمائيين الذين مازالوا يحظون بالكثير من الاحترام على المستوى العالمي وعلى مستوى أميركا اللاتينية هو أحد من أكبر السينمائيين ليس فقط لقيمته الفنية في الوقت الحالي ولكن أيضا لما يعنيه بالنسبة للوعي الاجتماعي لكل القارة، فميغيل ليتين شخصية بارزة واسمه على نفس مستوى غارسيا ماركيز مثلا أو كاربنتيير، فهو جزء من سينما أميركا اللاتينية على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، أعتقد أنه اسم لا يمكن إغفاله والحكومة المكسيكية منحته ميدالية الاستحقاق الثقافي ومنذ فترة قصيرة في ديسمبر الماضي كان رئيسا للجنة التحكيم في مهرجان هافانا، فبالرغم من أنه يصور أفلاما قليلة بوجه عام وأفلامه الأخيرة لم تنل إشادة النقاد إلا أننا يجب أن نضع خطا بارزا تحت اسمه لأنه جزء من الصورة الثقافية العامة لأميركا اللاتينية، لكن من جانب آخر هناك أيضا شخصية ميغيل ليتين نفسها والتي أعتقد أنها في غاية الأهمية، لو فكرنا فيما يعنيه كشخص بعيدا عن أعماله فميغيل ليتين أيضا مثل راؤول رويث لكن ميغيل ليتين له تقدير خاص على اعتبار طريقة تطوره في مشواره والظروف المختلفة الخاصة بخروجه من البلد، فهو قبل الانقلاب العسكري كان رئيسا للأفلام التشيلية وهو منصب سياسي، فقد كان مسؤولا عن تطور السينما في هذا البلد، أي أنه كانت لديه منذ كان شابا سلطة سياسية وفنية مهمة وبعد الضربة العسكرية يرحل وينفي نفسه ويقوم بتصوير أفلام في المكسيك ونيكاراجوا، فهو بشكل ما هو تقريبا بطل أفلامه، هذا البطل التحريري الكبير الذي يقود شعبا مضطهدا كان أحد الموضوعات المستمرة في أفلامه، شخصية ميغيل ليتين كانت نوعا ما تشبه ذلك.

ميغيل ليتين: أنا أستمر بمقترحاتي، بأفكاري وبأشعاري، فلم أقم أبدا بتنفيذ فيلم لأن أحد كلفني به ولم أعمل فيلما قال لي أحد ما يجب أن أقوله فيه، دائما ما كنت أقول ما أريد قوله، لهذا كنت أقوم على الدوام بإنتاج أعمالي لكي أبدع سينما بنفس الحرية التي يكتب بها المؤلف قصة أو بحرية شاعر أو بحرية مَن يرسم لوحة وبالطبع كان هذا مرتبطا بالحياة دائما، فعندما تحققت الديموقراطية في هذا البلد أنتجت سينما مرتبطة بتلك الحياة الديموقراطية وعندما كانت هناك ديكتاتورية عملت ضد الديكتاتورية وقد كنت مُطارَدا وفي أحيان كثيرة كنت على وشك أن افقد حياتي، كنت أعمل بالسينما مُعرِضا حياتي نفسها للخطر، ليس هناك فرق كبير بين ما يحدث في الواقع وما يحكيه الفيلم، أذهب دائما إلى الأماكن التي أعتقد أنها تحتاج صوتا يتكلم بلسانها لكي يحكي ويقص الظلم والمعاناة التي يُعاني منها الآخرون وكنت دائما متمسكا بهذا في كل أفلامي، فليس هناك فيلم لي يخرج عن تلك المبادئ وهي الإنسانية، الإنسانية، الإنسانية.

مشارك ثاني: فكونه عاد إلى تشيلي متخفيا ليصور الوثيقة العامة لتشيلي وبعد هذا قام غارسيا ماركيز بكتابة الرواية القصيرة عنه، بشكل ما هذا يعطي فكرة بأن ميغيل ليتين يبني شخصية خاصة به هو نفسه، فميغيل ليتين شخصية أسطورية داخل السينما التشيلية وهو ما يرجع أساسا لأفلامه ولنجاحها الدولي ولكن أيضا لقيامه بسابقة سياسية ومخاطرته بحياته بعودته إلى تشيلي وكل ما حصل عليه بداية من فيلم ذئب نولتورو وهو فيلم مهم جدا وبالفعل لم نر مثله في تشيلي، أعتقد أن هناك اتفاق معين من الجمهور والنقاد في تشيلي على أنه الفيلم الأكثر أهمية في تاريخ السينما التشيلية، هناك بعض الآراء القليلة المعارضة والتي تفضل النمور الثلاثة لراؤل رويث ولكنني أنضم إلى الرأي الذي يقول بأن ذئب نولتورو هي الأفضل، نظرا لأهميتها التاريخية ولما تعنيه أيضا بالنسبة للاصطلاحات الجمالية الخاصة بأميركا اللاتينية، كما أنه من الممكن أن نعتبرها من ألمع الانطلاقات السينمائية هنا، فأنا أعتقد أن ميغيل ليتين قدم أفضل أفلامه في عمله الأول ولم يكن من الممكن أن تكون بدايته أفضل من ذلك.

ذئب نولتورو ونقل أحاسيس الفقراء

ميغيل ليتين: فيلمي الأول ذئب نولتورو، حسنا كان هذا عام 1968 وقد بدأت الفيلم نتيجة للرغبة في التعبير عن إحساس المرء بالظلم الشديد وهو ما كان عليه وضع الفقراء والمهمشين في بلد رأسمالي نامي مثل تشيلي، حيث تتركز الثروات وخاصة الأراضي في أيدي فئة قليلة، بحيث لا يملك الفلاح المهمش والذي يعمل في الأرض ليلا نهارا أي شيء وتلك هي حياة الفقراء المهمشين بداخل كل نظام اجتماعي، حيث كل الناس كما يقول أحد شعراء تلك الفترة يولدون موتى لا ينعمون بالحياة على الإطلاق وقد سرد الفيلم قصة هزت الرأي العام التشيلي، قصة رجل كان يعمل طيلة حياته تقريبا كالحيوان واستعاد آدميته بعد أن ارتكب جريمة ودخل السجن، حيث علموه كيف يصبح إنسانا وكيف يصبح مواطنا تشيليا صالحا للعيش في المجتمع وحين أصبح هكذا بالفعل قاموا بقتله، أي أنهم كانوا يعلمونه ليقتلوه وتلك استعارة رمزية لما تفعله الرأسمالية في الإنسان ولمَا تفعله ما يسمى اليوم باللبرالية الاقتصادية الجديدة.. ما تفعله بالإنسان، إنه نظام تعليمي كبير ليستغلوا الإنسان ثم يقتلوه، هذا هو ما كنت أريد أن أقوله وهو ما قلته فعلا.

مشارك ثاني: لا أعرف.. أعتقد أنه في كل مشواره الفني لم يحدث هذا عنده من جديد، لأنه ينتمي بوضوح إلى حقبة كانت فيها السينما الجديدة بأميركا اللاتينية وكانت تلك الرغبة الثورية في تغيير العالم تدخل مرحلتها التاريخية الأخيرة بداخل تشيلي وأميركا اللاتينية بشكل عام والسينما التشيلية الجديدة كما أطلق عليها في تلك الفترة كانت من الحركات القوية التي بزغت في الأعوام الأخيرة من الستينات على يد مجموعة من السينمائيين كانت تشغلهم هموم مجتمعاتهم أو لنقُل لديهم رؤية حزبية سياسية جدا للظروف الاجتماعية، ميغيل ليتين انطلق بفيلمه الذي ترك علامة واضحة جدا وكان كالشمس التي سطعت في الحال في لحظة ميلادها ومن هنا تأتي أهمية الفيلم.

ميغيل ليتين: نعم بالطبع حرصت على ذلك، أردت أن يبدو الفيلم وكأنه فيلما وثائقيا، بل وصل بنا الأمر لدرجة خدش النيجاتيف كي يبدو حقيقيا في تعبيره عن الواقع المتدهور، لماذا؟ لأنني لم أكن أعتقد أن الفيلم من الممكن أن يعيش لأكثر من أربعين سنة، لقد كان عمري حين صورت هذا الفيلم 25 عاما وكان يبدو التصوير بالألوان على سبيل المثال.. كان يبدو في تلك الفترة نوعا من الرفاهية، شيئا سطحيا وغير ضروري، إذاً الأبيض والأسود كان يعطي هذه الإيحاء بأنه فيلما وثائقيا وكان هذا أيضا هو فكر كل جيل السينمائيين اللاتينيين الذين أسسوا سينما أميركا اللاتينية الجديدة، سينما ذات موقف اجتماعي وذات موقف سياسي، تعادي الإمبريالية عداءا صريحا وتسعى بوضوح إلى الثورة، الثورة التي قادها تشي جيفارا وفيدل كاسترو والتي قادها هنا في تشيلي سلفادور آليندي وهكذا كان الشكل والمحتوى للفيلم مرتبطان بهذا المفهوم الرئيسي، قبل أن نكون سينمائيين كنا ثوريين أو كنا نريد أن نصبح ثوريين.

مشارك ثاني: حسنا.. أسلوب الفيلم يشبه السينما السياسية الإيطالية الذي اشتهر به فرانشيسكو روسي في الستينات وهو من هؤلاء الناس الذين يمزجون بشكل واضح بين القصة الروائية والفيلم التسجيلي، فالقصة الروائية تكون مبنية بشكل شبيه جدا بالفيلم التسجيلي.

ميغيل ليتين: السينما هي مجموعة كبيرة من العناصر، نحن نعمل الدوبلاج وكما قال صديقنا المتخصص هنا فإن 80% من الصوت هو تسجيل مباشر ولكن يجب عليك تنقيته هنا، يجب أن تزال الشوائب والصوت المباشر مسجل في فلسطين ولكنك لا تستطيع العمل بتسجيلات مباشرة بنسبة مائة في المائة لأنه بعد ذلك يكون هناك مداخلات لأصوات أخرى، مثل الراوي أحيانا، تلك المداخلات لا نسجلها هناك، فلا معنى لذلك، كما أنني اكتشفت أنه يجب أن يكون هناك ثمة راو لهذا الفيلم بعد أن بدأنا التصوير وتنبهت في أحد المشاهد إلى أننا نصور الفيلم من وجهة نظر شخص يروي شيئا حدث هناك، حينئذ قلت لميغيل جيوفاني مدير التصوير وصديقي إن هذا الفيلم يجب أن يُروَي من قِبل شخص يتذكر وهذا الشخص هو أحد أعمامنا.. أجدادنا.. هو أنا نفسي وهكذا أضفنا شخصية الراوي وهو ما يحدث لاحقا في الأستوديو، فأطلب من فؤاد على سبيل المثال أن يعبر عن إحساس ما أشعر أنا به، فالمشاعر الإنسانية هي نفسها بكل اللغات سواء كانوا عربا أو يهودا أو بريطانيين أو تشيليين وتشيلي نفسها بلد فيها الكثير من الأعراق والسلالات من الجنوب إلى الشمال ولكن لديها حضارة إنسانية، فنحن بشر ومشاعر الحب والكراهية والعواطف هي نفسها والآن عند الاستماع هل يهم أن أفهم النصوص أم لا؟ لا.. لأنني كتبت بنفسي السيناريو وشاهدت كيف تمت ترجمته، إذاً فأنا أعرف ما يقال.

[فاصل إعلاني]

ميغيل ليتين: دائما هناك ميل لتصوير الأفلام باللغة الإنجليزية، حتى أنهم في فلسطين كانوا يسألونني لماذا لا أتكلم الإنجليزية؟ لأنني لا أريد التحدث بالإنجليزية وقد كان هذا شيئا لافتا، فأنا لا أريد أن أتحدث بلغة الإمبريالية، لأنه حين يتحدث الشخص بلغة السيد ينتهي به الحال بأن يصبح خادما وهكذا فإذا أردت أن أصور فيلما في اليابان فيجب تصويره باللغة اليابانية، يجب استخدام العربية، فاللغة العربية لغة جميلة ولهجة بيت ساحور التي أعرفها منذ صغري، لها وقع حسن على السمع لذا يجب الحفاظ عليها وإذا لم يحدث ذلك ستضيع تلك اللغات.

تمارا – ممثلة تشيلية: أحد الأشياء التي أتذكرها كثيرا لميغيل والتي تؤثر في تأثيرا كبيرا أنه وقت تصوير هذا الفيلم وقد كانت إنتاجا مشتركا ضخما مع إيطاليا وأسبانيا وكان من أول أفلامي وكنت خائفة للغاية خاصة وأنا أقوم بدور أميرة من سكان البلاد الأصليين وكنت أتحدث بلغة لم يعد لها وجود، أي أنه كان عليّ دراسة تلك اللغة، فعندما تلقيت النص لم أستطع نطق الكلمات، فبكيت وقلت لنفسي إنني لن أستطيع أداء هذا الدور وحين جاء وقت التصوير وأثناء أداء أول مشهد لي بعد أن كنت قد تحدثت مع ميغيل عن الشخصية وما إلى ذلك أقترب مني ميغيل وأمسك بيدي وقام بتوجيهي بهدوء حتى هدأت واستعدت ثقتي في النهاية، أكثر ما نريده نحن الممثلين هو الحب، إلى جانب الدراسة والبحث في الشخصية نحتاج إلى نوع من الحنان وميغيل لديه تلك الميزة، فهو يُشركك في العمل ويهتم بك، الآن عليّ أن أتحدث بالعربية، حسنا.. أحاول أن أتحدث بأفضل صورة لأنه عليّ أن أراعي طريقة الإلقاء، لذلك أستمع طول الوقت إلى الأغنيات العربية في سيارتي.

ميغيل ليتين: نعم بهذه الطريقة يمكنها التقاط اللهجة.

تمارا: نعم هكذا تعلق اللهجة بأذني.

دور المهاجرين في النهوض بتشيلي

ميغيل ليتين: أهم ما في الأمر أن أحدا لم يساوره الشك أبدا من ناحية الشكل وهذا شيء أساسي في الممثل، لم يشكوا في أنها عربية أو فلسطينية، حتى الناس حين كنا نصور في بيت ساحور أو بيت جالا كانوا يصححون الملابس ويقولون مثلا إن هذا الرداء خاطئ، كما جاءت سيدة وأعطتها فستان جدتها وهذا يدل على أنهم كانوا يعتقدون أنها فلسطينية دون شك، أثناء التصوير استطاعت أن تبدو وكأنها امرأة فلسطينية وهو شيء خاص جدا لا أعلم كيف نجحت تمارا في هذا لكنها تتمتع بتلك القدرة، القدرة على منح حياة للشخصية، فاستطاعت في الفيلم أن تتحلى بالعذوبة مع شيء من الصرامة، لذلك فالصورة أحيانا ما تكون أشد قوة من اللغة نفسها، مَن الذي يهتم اليوم بتصوير فيلم عن فلسطين، إنني أعيش في البلد الذي توجد فيه أغنى جالية فلسطينية في العالم خارج فلسطين، فالفلسطينيون التشيليون هنا فاحشوا الثراء وحين أقول فاحشي الثراء فهذا يعني أنهم ضمن قائمة أغنى أغنياء العالم ومع ذلك قليل جدا منهم الذين يتعاونون ويُساهمون من أجل التعريف بالفن والثقافة الفلسطينية، من بالباريسو إلى تاركا في المنطقة الممتدة بينهما توجد تقريبا فلسطين ثانية، غير أنها لا تهتم بما يجري في شعب وأرض أجدادها، إنهم يمتلكون بنوكا ويسيطرون على حركة التجارة، يمتلكون المراكز التجارية الكبيرة، يمتلكون هذا البلد تقريبا، هم أثرياء جدا لدرجة أنهم يختارون الرؤساء ومنهم النواب في البرلمان، حسنا.. في كل العالم حين يهاجر أحد فإنه يبحث عن أشكال أخرى للحياة تسمح له بمواصلة العيش وعلى مدار تاريخ الهجرة الفلسطينية نظرا لكون فلسطين ظلت لمدة ثمانمائة عام تحت احتلال الإمبراطورية التركية العثمانية فالشعب الفلسطيني عانى من الاحتلال التركي العثماني وقبل ذلك كان الاحتلال الفارسي ومن قبله الاحتلال البيزنطي، أي أن فلسطين ظلت دائما محتلة ولكن حين أتوا إلى هنا وجدوا حياة أفضل وهو ما يبدو لي أمرا مشروعا تماما ولكن بعد مرور ثلاثة أجيال كونوا خلالها الثروة والسلطة الثقافية والسلطة السياسية يجب عندئذ أن يُديروا أعينهم إلى أرض أجدادهم وأن يجاهدوا سعيا لإنقاذ ما تبقى من فلسطين، لا توجد هنا جالية تعيش في غيتو معزول لأن الفلسطينيين التشيليين أو المنحدرين من أصول فلسطينية وصلوا لمنصب وزير الدولة، بل إن هناك وزيرا هو وزير التعليم ينحدر من أصل عربي، لذا يجب عليهم العمل في المجتمع التشيلي وفي المجتمع اللاتيني الذي يمارسون فيه نشاطاتهم من أجل حشد الوعي بشكل يحول دون اغتيال فلسطين، أنا أكن كل إعجاب وكل حب للسيد سيرخيو بيطار منذ أن عملنا معا في حكومة الرئيس سلفادور آليندي، الذي مثلت فترة رئاسته عهدا مشرقا في تاريخ بلادنا شعرنا خلالها بالفخر وأنا أعتز بمشاركتي فيها، كما شارك هو فيها كوزير وقد سُجن سيرخيو فيما بعد على يد اللجنة العسكرية ونفوه إلى جزيرة داتسو كسجين سياسي، حيث ألف كتابا مهما للغاية عن هذا العصر سجل فيه شهادته عما كانت عليه الحياة هناك وعنوانه جزيرة رقم عشرة وتلك هي الطبعة العاشرة منه بالإسبانية، نحن في بلد لا تُطبع الكتب فيه أكثر من طبعتين أو ثلاثة وهو ما يدل على أن الكتاب ترك أثرا عميقا في ضمير الشعب التشيلي وقد تُرجم إلى العربية أيضا وسيرخيو كان عضوا بارزا بمجلس الشيوخ عن منطقة بشمال تشيلي كانت تعاني مشاكل كثيرة وتراجعا اقتصاديا كبيرا وقد كافح بشفافية ووضوح من أجل استعادة الديمقراطية ليصبح من الممكن عودة الرخاء الاقتصادي إلى ذلك الجزء من الشمال التشيلي ومما يدعونا إلى الفخر أنه من أصل عربي ونظرا لمجهوداته كلفته الحكومة التشيلية بوزارة التعليم وهو مكان مهم وأساسي في أي بلد وأنا أيضا أعلم عن طرق أخرى أن أناسا كثيرين.. كثيرين جدا يعتقدون بأن سيرخيو يصلح لأن يكون رئيسا عظيما للبلاد، لذلك نحن نعتز به كثيرا، فهو إنسان لم يفقد كينونته، شخص بسيط وبشوش وأحد أعضاء الحكومة القلائل وأقول هذا الكلام على مسؤوليتي أنا الذي يُجيب على الهاتف بنفسه مباشرة ولديه استعداد للقاء الأصدقاء والناس، هذا ما تعرفه وتلمسه البلاد كلها وهو ما يملؤنا بالفخر والتقدير لشخصيته السياسية.

"
ميغيل ليتين مخرج سينمائي عظيم وعلامة من علامات السينما والفن بالإضافة إلى التزامه السياسي الدائم بالديمقراطية وعمله في منصب العمدة
"
        سيرخيو بيطار

سيرخيو بيطار- وزير التعليم التشيلي: حسنا بعد ما قاله تستطيع أن ترى أنه تربطنا صداقة قوية، لأن الأصدقاء يتحدثون جيدا عن بعضهم البعض، لكنني أود أن أضيف شيئا وهو أني أكن له كل تقدير، فهو مخرج سينمائي عظيم وعلامة من علامات السينما والفن إضافة إلى عمله في منصب العمدة والتزامه السياسي الدائم بالديمقراطية ونحن متقاربان جدا، ففي الأوقات العصيبة يقترب المرء ممَن يشبهون شخصيته أثناء فترة كفاحنا السياسي وهي الفترة التي تقاربنا فيها أكثر، أيقظت معاناة الشعب الفلسطيني بداخلنا الهوية التي كنا قد نسيناها لسنوات طويلة، إنها بلد الآباء والأجداد الذين هاجروا بعيدا ولكن الجذور تحيا عندما يرى المرء أن هناك مَن يدوس على الروح التي تجري في دمه، حسنا.. يجب أن نقول وأعلم أن ميغيل يظن نفس الشيء.. أولا نحن أيضا تشيليون شديدو الارتباط بالبلاد وهذا لا يعني أنني لا أعترف بالمكان الذي أتيت منه، فنحن نشعر أننا نقيم هنا وطنا جديدا، وطنا منفتحا للغاية، ففي أميركا اللاتينية وفي تشيلي وصل المنحدرون من أصول عربية إلى مناصب سياسية مهمة، السياسية نشاط عسير للغاية، فكي تتبوأ المرء مكانة سياسية متميزة يجب أن يُعبّر عن المشاعر الأصيلة للبلاد وعن ثقافتها ولقد كنت دوما أسأل نفسي عن العامل المشترك بين تقاليد المهاجرين الذين أتوا من بلاد عربية وبين ثقافة أميركا اللاتينية، لأن ما يحدث فيها لا يحدث في مكان آخر ولا يحدث في أوروبا ولا في أفريقيا أو آسيا.

ميغيل ليتين: إنني أعتقد أن أحد أكبر إسهامات الحضارة العربية هي الأسرة بالتحديد، فالأسرة تُشعر الفرد بأنه متميز وتمنحه الحنان والقوة، العائلة.. الأب والأم والجدة يدفعوننا لنتفوق في المدرسة، ثم في عملنا وتلك القوة هي التي تمكننا اليوم من مواصلة النضال والكفاح والتمسك بمبادئنا، أنا أعتقد أنها تجربة مشتركة.

سيرخيو بيطار: فيما يتعلق بهذا الذي قاله ميغيل بالنسبة للأسرة، فكرت كثيرا فيما يجعل أميركا اللاتينية تتشابه مع الدول العربية، أنا أعتقد من الناحية الثقافية أن الأسرة والمحبة والمودة تظهر في الاهتمام بالآخر والحدب عليه، فالعائلات العربية كبيرة يقوم الواحد فيها بحماية الآخر والعائلة اللاتينية يحدث فيها أيضا نفس الشيء، يوجد تقارب ثقافي من ناحية الود المتبادل بين أفراد الأسرة، الأمر الذي جعل المهاجرين الذين أتوا من هناك يندمجون بسرعة، كما حدث وكما فعل أبناء المهاجرين، يجب أن نضع في الاعتبار أنهم مهاجرون والمهاجر بوجه خاص يأتي ممتلئا بالقوة والعزيمة على المضي للأمام حتى لو شعر بأنه مختلف ومهمش، فالمهاجرون الأوائل الذين جاؤوا إلى هنا وكانوا يلقبونهم بالأتراك في تحقير واضح لهم جاؤوا بمستوى تعليمي متواضع للغاية ولم يكونوا يتحدثون اللغة لكنهم تغلبوا على ذلك كله ونقلوا لأبنائهم وأحفادهم هذه العزيمة على تخطي الصعاب وعلى التعلم وعلى العمل والتطلع لوضع أفضل.

ميغيل ليتين: وثمة مفهوم آخر شديد الأهمية وهو المفهوم الاجتماعي السياسي، أي المصلحة العامة، البحث والعمل للمصلحة العامة، أن تتفاعل مع ما هو أبعد منك، فالمرء يشعر أنه جزء من عائلة ويشعر بالفخر لانتمائه لأمة ولحضارة ويريد أن ينشر هذا التاريخ وقد حدث هذا كما يقول سيرخيو على مستوى الجالية بأكملها التي انخرطت في البلاد واندمجت في ثقافتها وشاركت في الشعر بشعراء كبار سواء في الوقت الحالي مثل تاركي أو في الماضي مثل محفوظ نصيف ونجيب تورشواكي، فلم يبرع أحد مثله في تصوير الشمال التشيلي وأندريا ثابالا وبآخرين كثيرين دون أن يفارقهم أبدا هذا الإحساس بكونهم عرب، الإحساس الفلسطيني بالاعتزاز ولكنهم في الوقت نفسه تشيليون، حين كنت في فلسطين شرحت هذا وسأحاول أن أوضحه مرة أخرى، أنظر.. أنا تشيلي ولن أصبح غير هذا أبدا، فقد شاركت في صنع تاريخ هذا البلد ورجل مثل سيرخيو بيطار أمضى سنوات من حياته في المنفى كما حدث معي غير أنه إضافة إلى ذلك عانى من الاضطهاد نتيجة لموقف سياسي تاريخي اتخذه إلى جانب مَن كان برأيي أعظم رئيس عرفته تشيلي وهو الرئيس سلفادور آليندي الذي يمثل أيضا جزءا من تاريخ هذا البلد، إذاً فقد نبتت جذورنا في هذا البلد، غير أننا لم نَقتلع أبدا أحاسيسنا وقلوبنا من العالم العربي، من سوريا، من لبنان ولا من فلسطين الآن على وجه الخصوص.

مشارك أول: هذه صالة المؤثرات الصوتية، حيث يقوم هنا مثلا بتقليد خطوات السير بينما يقوم الفني بتسجيل ما يفعل.

– هل من الممكن أن تقوم بعمل مثال سريع لنا؟

مشارك أول: هذا الصوت لمشهد من فيلم القمر الأخير الذي كنت تراه الآن وروبرتو يصنع بعض الأصوات بخطواته، ها هو، أترى؟ إنه يريد عمل أصوات منفصلة لمزجهم معا لاحقا، فيسجل شريط لصوت الخطوات وشريط آخر لصوت المحادثات وشريط لصوت الأماكن، شكرا جزيلا.

ميغيل ليتين: أنا أنهي الآن فيلم القمر الأخير الذي صورناه العام الماضي في فلسطين ويجب أن أقوم بعمل النسخ المطلوبة كي أبدأ عرضها على العالم وبهذه الطريقة أعتقد أنني سأساهم في خلق وعي عام بفلسطين وبحقوق الفلسطينيين، فأنا إنسان يعيش في العالم وتُحركه أفكار.. ليست معتقدات ولكن أفكار وأعترف بأن ما يحدث في فلسطين يُعد من أكثر الفظاعات ظلما في تاريخ الإنسانية، لذا فمن واجبي أن أخلق وعيا يُوقف هذه الحماقة وهذا يمكن أن يقوم به شخص تشيلي أو بولندي أو أوروبي ويمكن أن يقوم به أيضا شخص منحدر من أصل فلسطيني أو آت من أي بلد آخر، فتلك الأمور لا يجب أن تمر هكذا، فنحن بشر متساوون، نولد ولنا جميعا نفس الحقوق، لذلك أعمل جاهدا كي يكون الفيلم في أفضل صورة ممكنة وله أكبر تأثير ممكن وليكون حقيقيا بدرجة كبيرة حتى تكون له جدوى وخاصة لهذا السبب الأخير، فكل وسائل الإعلام كما قلنا من قبل في أيدي أصحاب المصالح القومية العبرية وكل فترة يقومون بإنتاج أفلام ضخمة ليذكّروا العالم بالمذبحة التي نستنكرها جميعا والتي حدثت لليهود على أيدي النازيين ولكنهم لا ينتجون أي أفلام تفضح ما يجري الآن على أيديهم واليوم رأيت الجدار العازل حين انتهيت من الفيلم كنا في شهر يوليو تموز ولم يكن الجدار موجودا في ذلك القطاع واليوم هناك جدار بارتفاع أحد عشر مترا، المنازل وكل الأماكن التي صورناها كانت على الجانب الآخر من الجدار، أي أنهم اقتلعوا الأشجار ومزارع الزيتون، اقتلعوا الأشجار من جذورها وهو ما لا يمثل اعتداء على العرب فقط بل على الإنسانية جمعاء، على ثقافة الإنسان، على الحياة البشرية، فهؤلاء الناس يقضون على الأخضر واليابس وما هو رد فعلنا؟ من وجهة نظري هناك رد فعل ولكنه محدود جدا، ما صورته في فيلمي القمر الأخير الذي ترى هناك مشروع اللوحة الدعائية له لن يراه أحد مرة أخرى، فكل شيء تم تدميره، كل شيء دُمّر في شهرين وأنا أتساءل إذا ما كان بوسعهم في شهرين فقط عزل ثلاث قرى قمت بالتصوير فيها واقتلاع الأشجار التي يصل عمر بعضها إلى مئات الأعوام فكم من الوقت سيستغرقهم تدمير فلسطين بأكملها؟ لقد وقفت بجانب الجدار وهناك لا تستطيع أن تسمع ما إذا كانت هناك حياة على الجانب الآخر أم لا، لا تستطيع أن تسمع ولا حتى أصوات الطيور ولا ضحكة طفل أو بكاء صبي، إنه إسمنت وحجارة لا تسمع عبرها أي شيء، لذلك أريد أن أصور فيلما يُدين هذا الوضع الذي يجب أن يعرفه العالم كله، فحين أتحدث عن الجدار لا يعلم أناس كثيرون ماذا أعني ولا أنه حائط إسمنتي يرتفع أحد عشر مترا ويمضي مخترقا البلاد قرية قرية وضيعة ضيعة، أعتقد أنني عندما رأيت الجدار قلت لنفسي إنه أبشع شيء رأيته في حياتي، أفظع شيء رأيته، لم أتخيل أبدا أن الإنسان على مر الحضارات يمكن أن يصل به الأمر لأن يقيم جدارا ليحبس خلفه بقية الناس، أي أنه يقيم سجنا ضخما.. سجنا للناس العاديين، للناس الذين لم يرتكبوا ذنبا وحتى لو كانت الأيدي التي تبني الجدار هي من الفلسطينيين أيضا، فإنهم يقومون بذلك مُرغمين تحت قوة الاحتلال وتحت تهديد البنادق ليبنوا سجونا لأنفسهم، إنها العبودية الحديثة، إن هذا هو ما يحدث والعام لا يعلم به ومن ثم يجب أن نُعرّف به ،علينا أن نشرح ذلك ولو لألف مرة وهو ما ينبغي أن تدركه أيضا الدول العربية المجاورة لفلسطين والتي يبدو أنها غير مبالية، لأن أحدا لا يقوم باحتجاج حقيقي، إن ما يحدث هناك الآن هو عملية إبادة عرقية، فخلال خمس سنوات أخرى قد يُقتل كل الفلسطينيين الذين يقارب عددهم أربعة ملايين ونصف المليون إنسان، أما الباقون وهم أربعة ملايين لاجئ، فهم موجودون في مخيمات اللاجئين التي تُعد بمثابة معسكرات تعذيب، حيث يُعانون الجوع والفقر والحاجة ولكن ما من أحد يقول شيئا إن العالم يقف عاجزا مكتوف اليدين وهو يشاهد اغتيال شعب والقضاء عليه، لذلك أردت أن أضع شخصية في الفيلم شخصية امرأة تتنقل من مكان إلى آخر بطول الجدار، شخصية أم وتتداخل معها قصص أخرى قصيرة، هذه الأم تحمل طفلها لتريه البحر وحين تصل إلى البحر يكون الطفل قد مات، هذا هو الواقع الفلسطيني، لذلك الفن مفيدا جدا للروح الإنسانية ولكنه لا يحل المشكلات التي يخلقها السياسيون والعسكريون ولا أطماع الشعوب الإمبريالية في الشعوب الأخرى، السينما هي الذاكرة، هي استعراض الذاكرة على الشاشة، فكل البشر يعملون أفلاما كل يوم، في كل مرة يتذكرون فيها واقعة ما، هم يعملون أفلاما، أنا أعشق السينما كثيرا، فهي بالنسبة لي تعني الحياة، أنا لا أفهم الحياة دون السينما لذلك لم أستطع هجرها ولن أستطيع حتى لو عرضوا عليّ غدا أن أصبح في أي منصب أيا كان، فأكثر ما أحبه هو أن أكون مع الكاميرا بفكرة في رأسي وكاميرا في يدي، أفعل شيئا، أبحث، أتأمل في النفس الإنسانية، في المشاعر وأحكي حكاياتي، هذا ما يجعلني سعيدا جدا ويعطي معنى لحياتي.