خارج النص

خليل حاوي.. أدب الهزائم

كان اجتياح الدبابات الإسرائيلية العاصمة اللبنانية بيروت في التاسع من يونيو/حزيران 1982 سببا في إنهاء صمت الشاعر اللبناني خليل حاوي، إثر توالي الهزائم والنكبات التي لحقت بالشعوب العربية.

وقد ولد خليل حاوي في سوريا عام 1919، ونشأ في لبنان، وكان مناضلا من أجل فلسطين وقضايا الأمة، وجعل أدبه نذرا لذلك، واتخذ من الانتكاسات العربية المتتالية ساحة لشعره، وطغت التجربة الحياتية الذاتية على فكره، حيث يبدو مستسلما لها في استخدامه أسطورة يرسم ملامحها وفقا لما تمليه عليه رؤيته للوجود.

وتتوارد مشاهد العقم والموت في كتابات حاوي، حتى يصبح السندباد رمز المغامرة والاستكشاف والإبحار قزما لا حول له ولا قوة، كما دعا إلى التجديد الديني لينتصر العقل، مستشهدا على ذلك بكلام الفلاسفة، معتبرا أن تحقيق ذلك سيكون رفعا لنهوض الأمة، وهو الأمر الذي تجلى في كتابه العقل والإيمان بين الغزالي وابن رشد.

واستند في كتابه إلى التوفيق بين مذهبي الغزالي وابن رشد، لكن دعوته هذه اصطدمت بطبيعة إيمانه وصعوبة المواءمة مع الغرب، وتركت التجربة السياسية أثرا كبير في حياة حاوي، الذي تأرجح في انتمائه بين القوميتين السورية والعربية.

وكانت شخصيته حرة، حيث تمرد على الأحزاب التي انتمى إليها، وكانت له نقاشات وجدليات عكست تمسكه الشديد بقوميته، ليقول عنه نزال قباني إنه يهدر بحنجرة نسر، ويعيب بعض النقاد على حاوي قلة إنتاجه، في حين يصفه آخرون بشاعر كثيف المعاني والدلالات.

قالوا عنه

ويتحدث الكاتب الصحفي يوسف بزي عن تعرض خليل حاوي لكآبة نفسية حادة منذ نهاية الستينيات؛ الأمر الذي انعكس على شخصيته وسلوكه، ومجمل كتاباته وسمعته، وهو عامل حاسم في رسم شخصيته، ودائما كانت لغته غاضبة وتحريضية.

ويرى الشاعر ياسر الأطرش أن تبني القضايا الكبرى لا تجعل الشخص شاعرا أو أديبا كبيرا، حيث إن مشكلة خليل حاوي أنه قيّد نفسه بقضايا الأمة وفي زاوية ضيقة، لذا غاب عن شعره ما يخلد الشاعر مثل القضايا الإنسانية والوجدانية وشعر المرأة، كما أنه لم يستطع أن يخلق لغة خاصة به.

بدوره، اعتبر الناقد عبد القادر الرباعي أن الرؤية الحضارية لحاوي كانت متأثرة برؤية جبران خليل جبران، كما أن تجربة خليل عميقة تنم عن إنسان فيه كثير من الإنسانية التي ضغطت عليه بشكل كبير في كل مرة يحاول أن يجسدها من خلال شعره، لكنه كان يصطدم بالواقع في كل مرة.

وأكد الشاعر والإعلامي جوزيف عيساوي أن وفاة شقيقة خليل حاوي أثرت عليه بشكل كبير، لأنه انتظر أن تعود، كما أنه لم يقصد بالإيمان الدين، وكان يرى في ضرورة دمج رؤية كل من الغزالي وابن رشد والفيلسوف إيمانويل سببا مهما لتحقيق النهضة العربية.

في حين يقال الكاتب صقر أبو فخر إن كتابات خليل مليئة بالتناقضات، وكان يكثر من استخدام الرموز رغم أنه لم يكن شاعرا رمزيا، كما أنه لم يكن مؤمنا، ورفض الكتاب المقدس واعتبره نقيضا للإله المسيحي، كما أنه كان يرى أن المسيح دعوة للانطلاق وليس كنيسة.

وتساءل الكاتب طوني عيسى عن شبيه خليل حاوي في الشعر العربي الحديث ويمتلك القدرة على تطويع اللغة، حيث إنه كان يستخدمها بطريقة مزاجية تخالف القواعد، وكان يجعل كل القواعد والحروف لخدمة الهدف الذي يريده، وكان يعتقد أنه نبي قائد للأمة وهنا تكمن مشكلته.