صورة عامة
الاتجاه المعاكس

الدكتاتورية أم الديمقراطية للبلدان المضطربة

تتناول الحلقة موضوع: الدكتاتورية أم الديمقراطية للبلدان المضطربة، لماذا يطالب البعض بالدكتاتورية كعلاج للبلدان التي تعاني من الاضطرابات والفوضى والصراعات؟

– الديكتاتورية والديمقراطية وخيارات الفوضى
– الليبراليون والصدَّاميون.. الوجه والقناع

– الشعوب العربية بين الاحتلال والاستبداد

undefined

فيصل القاسم: تحية طيبة مشاهدي الكرام، أليس من المخجل أن يُطالب البعض بالديكتاتورية كعلاج لأزمات العراق ولبنان والصومال وتكريس المستبدين الجاثمين على صدور الشعوب بحجة ضبط الفوضى؟ كيف حصل أن الديكتاتور العربي واحشنا وهو قصاد عنينا يسومنا سوء العذاب ليل نهار؟ أليس حري بنا أن نكنس الطواغيت كما فعلت كل الأمم التي تحترم نفسها بأي ثمن؟ إلى متى نضحي بحريتنا وكرامتنا وإنسانيتنا من أجل ما يُسمى بالأمن والاستقرار؟ ماذا حقق الطغاة العرب في ظل الأمن المزعوم سوى الفساد والفقر والجوع وتخريب البلاد والعباد؟ متى نتخلص من خرافة الرجل القوي؟ إلى متى نبقى مخيرين بين الاحتلال والاستبداد؟ ألا تستوي أجهزة القمع العربية مع المارينز الأميركي؟ هل يختلف سجن أبو غريب عن السجون العربية الغرَّاء؟ أليس الحنين إلى نظام ديكتاتوري نكوصا نفسيا ورجعية سياسية فاضحة؟ لكن في المقابل مَن الذي ثبت الطغاة والمستبدين في بلادنا سوى الغزو الأميركي للعراق؟ ألم يُزد بأس جنرالاتنا بدلا من أن تنكسر شوكتهم؟ مَن الذي أجبر الشعوب على القبول بالمُر سوى الأمرّ منه؟ ماذا جلبت الديمقراطية للعراق ولبنان سوى الفوضى والخراب والموت الزؤام؟ أليس الرمد أفضل من العمى؟ ألا يترحم الكثير من العراقيين على أيام الديكتاتور الرائع كما سماه معارض سابق؟ لماذا نناضل من أجل الديمقراطية إذا كانت قد بدأت تذوي في الغرب نفسه؟ أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة على المفكر السوري الدكتور عبد الرزاق عيد وعلى رئيس تحرير سلسلة الاستراتيجيات القاهرية طلعت رميح، نبدأ النقاش بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

الديكتاتورية والديمقراطية وخيارات الفوضى

فيصل القاسم: أهلا بكم مرة أخرى مشاهديّ الكرام نحن معكم على الهواء مباشرة في برنامج الاتجاه المعاكس، بإمكانكم التصويت على موضوع هذه الحلقة أليست أسوأ ديمقراطية أفضل من أحسن ديكتاتورية؟ 48.2 نعم، 51.8 لا، نتيجة متقاربة جدا دكتور عبد الرزاق عيد لو بدأت معك، ماذا تقول لأولئك الذين بدؤوا يحنون إلى الديكتاتورية كعلاج للتخبط والفوضى الذي تمر به أو تمر بها المنطقة في العراق، لبنان، الصومال، الحبل على الجرَّار، الديكتاتورية هي الحل، هل ما نحتاجه هي الديكتاتورية فعلا أم أنها سبب كل مصائبنا؟

عبد الرزاق عيد – مفكر سوري: إيش، على كل حال شكرا لهذه الفرصة لقناة الجزيرة لأن نلتقي ونتحاور مع بعض في هذا الموضوع، على كل حال أنا لا أرى إطلاقا بأن هناك انبعاث للحنين نحو الديكتاتورية سوى أولئك الذين عاشوا في يوم من الأيام في ظل الديكتاتورية وفي أروقتها من طغاة وجلادين ومخبرين وأتون فساد ولصوص وإلى آخره فهؤلاء هم حكما في السياق ذاته، فأنا لا أعتقد إطلاقا بأن ثمة انبعاثا لمسألة الحنين إلى الاستبداد، بل الحقيقة أن هناك انبعاث حقيقي للشرعية الدستورية الديمقراطية وقد بدأت منذ التسعينيات في الصيغ التي أخذت صيغ مجتمع مدني وصيغ جمعيات وصيغ أحزاب وصيغ.. وهذه الظاهرة نجدها على مستوى كل العالم العربي حيث لأول مرة يتفتح الوعي في كل الأوساط من حسن الحظ، اليسارية والقومية والإسلامية، العودة إلى مسار الشرعية الدستورية الذي أُسس أو حاولت أن أؤسس لها من خلال.. عبر وضع الإمام محمد عبده لمشروع الحزب الوطني برنامج الحزب الوطني، فوضع برنامجا دستوريا يصلح اليوم لأن يكون برنامجا لنا في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية، هذه المرحلة التي استمرت للخمسينات مع الأسف يعني دُمرت من خلال الانقلابات العسكرية والشعبوية وإلى آخره فطبعا لن نطيل وأن نقول بأنه كان استمرارا للخط الشعبوي الذي مثَّله مصطفى كامل ومثَّله التيار الشعبوي الشعاري إلى آخره فسقط التيار الدستوري المُمَثل بالإمام محمد عبده ومدرسته مع أحمد لطفي السيد مع.. لاحقا الليبراليين الراديكاليين أمثال طه حسين، علي عبد الرازق إلى آخره، هذا الموضوع أنا برأيي الانبعاث اليوم هو للحنين للشرعية الدستورية التي عاشت سبعين سنة ووُئدت وأدا فظا انقلابيا عسكريا فظا دمر..

فيصل القاسم [مقاطعاً]: وين.. أين؟

عبد الرزاق عيد [متابعاً]: في كل المجتمعات التي.. يعني بدءً.. طبعا نستطيع أن نقول بدأت في الثورة المصرية بالخمسينيات لأنه إحنا عمليا دائما نعتبر مصر تشكل الحلقة الأساسية في حركة التطور العربي وبالتالي بدأت بالخمسينيات وراحت الظاهرة الحركة الناصرية تشتق أو يشتقوا منها صورا كاريكاتيرية مشوهة، يعني أنا أستطيع أن أقول إنه ليس لدينا ديكتاتوريات، الديكتاتور الوحيد المحترم هو جمال عبد الناصر أما البقية قرصان لأنه الديكتاتور عادة يتماهى مع وطنه فلا يسرق من وطنه، ستالين ديكتاتور يحب الاتحاد السوفييتي، يعيش كان..

فيصل القاسم: هتلر يحبه؟

عبد الرزاق عيد: وغادر العالم وهو لا يحمل شيئا، أما من خلَّف عبد الناصر فكلهم قراصنة يسرقون بلادهم، الديكتاتور متماهٍ مع وطنه لا يسرق وطنه، فلذلك من سوء الحظ بأن عبد الناصر يعني فرَّخ لنا لصوص وقراصنة صغار.

فيصل القاسم: طيب جميل جدا، لكن أنت متفائل جدا بهذا الانبعاث الديمقراطية لكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع نرى أن هذا الانبعاث لا وجود له في واقع الأمر بدليل أن الشعوب العربية في المنطقة باتت تحن إلى القبضة الحديدية، إلى الرجل القوي على ضوء ما يحدث في بلدان مثل العراق في لبنان في الصومال في كذا، نظروا حولهم فوجدوا أن المنطقة تنهار ولابد من شخص قوي، شخص.. حذاء ثقيل، كل ذلك ماذا تقول لهم؟

عبد الرزاق عيد: أقول لهم بأن ما يعيشونه اليوم ليس إلا ثمرة موضوعية لطغاتهم وأن المسؤول اليوم عن حالة الخراب الذي يعيشونه ليس إلا نتاجا موضوعيا وطبيعيا لهذه الأنظمة الديكتاتورية التي دمرت مجتمعاتها على المستوى السياسي وعلى المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الروحي والثقافي، هذه الأنظمة الديكتاتورية لم تستطع رغم كل أكاذيب شعارات الأيديولوجية الكبرى كانت في اليوم الذي يرتفع إيقاع الشعار القومي كان يواكبه ويزامنه حالة تآكل وتفتت على مستوى البنية الوطنية الداخلية، تفتت ينبعث في شكل أنظمة طائفية كريهة عصبوية، دموية، قربية، عائلية، جهوية إلى آخره، هذا هو النتاج الذي خلفه النظام الديكتاتوري في بالعراق وبالتالي الآن معاناة ومأساة الشعب العراقي هو الخروج من هذا الإرث الفظيع الذي..

فيصل القاسم [مقاطعاً]: بس يا دكتور هناك مَن يقول، باختصار هناك مَن يقول بأن هناك التفافا حول الطغاة في المنطقة العربية بعد ما رأوه من خراب ودمار في المنطقة، هل أنت مع هذا الرأي أم أنها عملية مرحلية وهؤلاء الطغاة لابد من كنسهم؟

عبد الرزاق عيد: هؤلاء الطغاة في كل الأيام وفي كل الأوقات يقولون إنهم 99% ومَن قال.. مَن يستطيع أصلا أن يسبر أصوات المجتمعات إلا عبر أقلية الطغاة، أصوات المجتمعات الشعبية موضوع آخر، مسألة الموقف الوطني والتضامن الوطني أمر وموضوع الدفاع عن الأنظمة الطغيانية أمر آخر..

فيصل القاسم: جميل جدا، طلعت رميح سمعت هذا الكلام، ماذا تحتاج المنطقة الآن، هناك يعني.. هل هناك يمكن الحديث عن انبعاث ديمقراطي كذا أم أن في واقع الأمر العكس يحدث؟

طلعت رميح – رئيس تحرير سلسلة استراتيجيات القاهرية: بسم الله الرحمن الرحيم، دعني أولا أحدد منهجا للحوار بيني وبين الدكتور وأرجو منه أن يكون حديثنا واضحا وصريحا بمعنى إنه حينما يكون رأي الدكتور أن أحمد عرابي خارج عن الشرعية وذو نزعة انقلابية وأنه سبب الاحتلال البريطاني لمصر وأنه محمود سامي البارودي شعبوي ومصطفى كامل.. رموز العمل الوطني المصري جميعهم هم شعبويون ويأخذ في طريقه وفي مساره كل القادة الرموز والمفكرين اللي قاموا بدور حقيقي في مقاومة الاستعمار أو الواقفين حاليا في المعركة ضد الاستعمار بدءً من الشيخ متولي الشعراوي وحتى الشيخ القرضاوي حتى إنه صلاح الدين نفسه درة تاج هذه الأمة في التوحد والقدرة والمقاومة يأخذه في هذا الطريق وحينما يرى أنه المجتمع السوري وليس القيادة السورية، المجتمع السوري هو مجتمع استبداد، المجتمع لا يقل في ثِقله وفظاظة أظلامه وأظافره شراسة عن لوثات استبداد القرون الوسطى نريد أن نتحدث بهذه اللغة من الوضوح..

عبد الرزاق عيد: هذا وين؟

طلعت رميح: هذا مقالك أهو، تفضل أقرأه على راحتك..

عبد الرزاق عيد: آه (OK) يعني مقال وين، مش عارف..

طلعت رميح: أهو..

فيصل القاسم: طيب..

"
كل القادمين مع أميركا سواء بالغزو الثقافي أو الفكري أو القادمين إلى العراق على ظهور الدبابات لعبوا دورا في تفكيك قدرات المجتمعات تحت زعم الحرية والديمقراطية، وهناك نُظم ديكتاتورية صنعتها أميركا ولا تزال تقف معها ومن يسايرها تُسقط عنه صفة الديكتاتورية
"
 طلعت رميح

طلعت رميح: لو سمحت لي، فنريد أن نتحدث بوضوح وبصراحة شديدة عشان ما نقولش ألفاظ مالهاش معنى وأصل ده شعبوي وده.. عايزين نقول حينما ترى أن العلمانية.. قل رأيك بوضوح، حينما ترى أن العلمانية هي الطريق تفضل قل للناس إن الدين غير صالح وإنه لا يصلح إلا للتواجد في البيوت وإنه لا يمكن للدين أن يبني هذه الأمة، نكون واضحين، الأمر الثاني دعني في هذه المناسبة أن أوجه تحية إلى القائد العربي صدام حسين ومن نكد الحياة في الدنيا وأنا الذي قاتلت من أجل الديمقراطية والحرية أن أقول هذا الآن لأن صدام حسين كشف كل دعاوي الذين قدِموا على ظهور الدبابات وكشف زيف الدعاوي الأميركية حول الحرية بصموده ووقفته البطولية وبما تعرض له من قتل أولاده بالديمقراطية الأميركية، دعني أحييه في هذه اللحظة التي يصدر فيها قرار أميركي بقتله، الأمر الثالث أنه يعني حينما.. يعني فيه حالة من النكد لابد أن تصيب أي مدافع عن الديمقراطية حقيقية الآن حينما يصبح كل القادمين مع الولايات المتحدة سواء بالغزو الثقافي أو الغزو الفكري أو القادمين في العراق على ظهور الدبابات أن يكون مثل هؤلاء الآن هم الذين يلعبون دورا في تفكيك قدرات المجتمعات تحت زعم الحرية والديمقراطية، يا سيدي العزيز مَن صنع الطغاة هم الغرب، مَن أوجد الطغاة هم الغرب، هو أشار إلى نقطة مهمة الدكتور العزيز قال إنه هناك ناس وطنيين، بالفعل هناك مراحل تاريخية، كان ستالين في الاتحاد السوفييتي وطنيا يبني وطنه ولذلك أصبح ديكتاتورا والصين حتى الآن لم تُخرجها الولايات المتحدة من سلك الديكتاتورية وحكم وهيمنة لأنها تبني وأصبحت قطب قوي وقطب عظيم في مواجهة الولايات المتحدة، لكن بينوشيه لم يكن ديكتاتورا، كاسترو ديكتاتور لأنه يبني وطنه وصدام حسين ديكتاتور لأنه يبني وطنه وبينوشيه ليس ديكتاتورا لأنه عميل للـ(CIA) ويأتي ليخرِّب بلده وليوقِّع لشركات النفط الأميركية وهكذا فهناك أمرين مختلفين، هناك نظم وطنية في مرحلة من المراحل تأخذ هذه الخطوات أو تسير بهذه الطريقة وهناك نُظم أخرى ديكتاتورية صنعتها الولايات المتحدة ولا تزال تقف معها تقاتل إلى جوارها ومَن يساير الولايات المتحدة تُسقط عنه صفة الديكتاتورية، هنا الأهم أخي الدكتور، الأهم بالنسبة لنا المواطن العادي الذي يريد أن يعيش، الناس زهقت من هذا الكلام العمومي وهذا حديث النخبة وأنا وأنت نتحدث فيه، الآن الناس تتعرض إلى القتل والدمار في العراق تحت عنوان الديمقراطية، الآن أكثر الناس رفعا للصوت والحديث من هؤلاء الليبراليين العرب الجدد أو المستخزين أو المارينز الجدد، هؤلاء الذين وقَّعوا على بيان والذين طالبوا بمحاكمة الشيخ القرضاوي بل حتى الشيخ الغزالي بعد أن توفي، هؤلاء هم الصناعة الأميركية الجديدة التي تأتي..

فيصل القاسم: طيب..

طلعت رميح: لو سمحت يا دكتور كفانا لعبا..

فيصل القاسم: بعواطف..

طلعت رميح: يا سيدي الديمقراطية.. الشعوب منذ مرحلة طويلة لأنه أنا ألحظ في كلام الدكتور وأرجو أن يوضح لي هذا أنه اللي بيقولوا أنه.. وكما كتب في كتابات نموذج باريس ونموذج لندن نموذجين للاحتلال، لم يرى في تربة هذه الأمة وفي ثقافة هذه الأمة ما يمكن أن يُحدث نهضة، أنا أفهم أنه أنتقد نظاما وطنيا يحافظ على ثروات الوطن كما كان يفعل عبد الناصر أو صدام حسين أنه لم يبعث من داخل الأمة فكرا للنهضة من عقيدتها وثوابتها لكي يبني عليه، لكن أن أرى أنه عشان ما عملش الديمقراطية الغربية وهي تعيش أسوأ مراحلها، متى أنتجت هذه الديمقراطية تحت الاحتلال تحريرا؟ لقد ظلت حكومة أقليات في مصر، ظلت تُبنى أحزاب تابعة للاحتلال حتى جاء الاستقلال والتحرير من غير هذا، هذه تجارب فالصو، هذه ليست تجارب ديمقراطية..

فيصل القاسم: مش هذا موضوعنا طيب.. مش هذا موضوعنا.. بس مش هذا موضوعنا، أنه.. أنا أريد أن تجيب.. أن تجيب على هذه النقطة تحديدا، أنه كفى.. أنت تقول كفى تلاعبا بعواطف الشعوب، كمان يمكن أن يقال لك أيضا كفى تلاعبا بعواطف الشعوب بهذه الشعارات الفضفاضة والكبيرة جدا وإلى ما هنالك بحجة الوطن وبحجة الأمن وبحجة الاستقرار ديست كرامات الشعوب وديست حرية الشعوب ولم نحصل حتى الآن إلا على الفساد والتخريب والدمار وهتك الأعراض وكل شيء، فإذاً كفانا شعارات أيضا بالاتجاه الآخر؟

الليبراليون والصدَّاميون.. الوجه والقناع

طلعت رميح: نعم، يا سيدي العزيز الحادث الآن الذي أشرت إليه..

فيصل القاسم: باختصار.

طلعت رميح: الذي أشرت إليه فيه نقطة أن الناس باتت تحن، مَن الذي يقول الآن أن صدام حسين كان أفضل لوضع العراق؟ كوفي أنان، كُتاب أنا سأريك كاتبا بريطانيا.. كاتب بريطاني يتحدث عن أنه نظام صدام حسين كان هو النظام الذي حقق للعراق أفضل ما يمكن تحقيقه ده كاتب كوريلي بارنت وكاتب في أسوأ جريدة.. في أسوأ مجلة..

فيصل القاسم: صحيفة يمينية..

طلعت رميح: بتناصر احتلال العراق، لما يخرج النهاردة ويقول إن صدام حكم العراق ثلاثين عاما حقق خلالها الاستقرار وحافظ على وحدة البلاد ووفر الوظائف للغالبية الساحقة من العراقيين من مختلف الطوائف والأعراق وقدَّم الخدمات الأساسية من تعليم وماء وكهرباء وأقام أفضل نظام صحي.. لما مجلة لانسيت تقول لي هكذا، حتى لو قلنا إنه صدام حسين تمكن من بناء العراق مرة أخرى بعد ست شهور من الحرب مع إيران، لكن القضية الأهم يا دكتور ما الذي نراه الآن تحت هذه الشعارات في العراق؟ 3%..

فيصل القاسم: في لبنان..

طلعت رميح: 3% من شعب العراق قُتل تحت شعارات هؤلاء الأوغاد، هؤلاء لصوص البترول، هؤلاء اللصوص المشاركين في نهب العراق وتفتيته وقتله وذبح الناس وذبح طوائفه واقتتال طائفي وتقسيم وجثث في الشوارع، جثث في الأنهار، هذا القتل تم تحت شعارات الديمقراطية، لا يمكن لأي كلمة في الديمقراطية إلا أن ترتبط بمشروع وطني، هل من الديمقراطية أن تتحول الطوائف في لبنان.. هل هناك في لبنان يا دكتور حزب اسمه حزب القوات، حزب اسمه حزب القوات اللبنانية، حزب إيه؟ حولت إلى حالة طائفية، هذه طريقة لاختراق المجتمعات العربية والإسلامية لا أكثر ولا أقل وسأكشف بكل الوقائع ماذا يجري في هذه المنطقة الآن.

فيصل القاسم: دكتور.

عبد الرزاق عيد: يعني هو على كل حال بالنسبة لأخونا الأستاذ طلعت يعني.. يعني نحن الأطروحات كلها هذه يعني تبنيناها وحكينا بها كثيرا وصدحنا بها كما يصدح الآن بصوته الجميل..

فيصل القاسم: لكن..

عبد الرزاق عيد: لكن بدي أقول أنا..

طلعت رميح: ولو أن بيقولوا أن صوتي مش جميل زيك..

عبد الرزاق عيد: لا جميل.. جميل..

فيصل القاسم: طيب مش مشكلة..

طلعت رميح: السوريين أصواتهم أجمل..

"
صدام حسين عاش على أنقاض الشعب العراقي وعلى جماجمهم وعلى دمائهم وكأي ديكتاتور ترك العراق أشلاء مبعثرة، وهو غير وطني لأنه هرب من ساحة المعركة

"
   عبد الرزاق عيد

عبد الرزاق عيد: يا سيدي يعني أنا طبعا يعني يحزنني أن يعني يوجه تحية لصدام حسين في حين أنه السجون العربية مليئة بالضحايا والسجناء معتقلي الرأي وحريات التعبير وحريات التفكير فأنا أوجه تحيتي لكل معتقلي حرية التعبير وحرية التفكير، أوجه تحيتي إذا كنت لا أعرف أسماء كل المعتقلين في السجون العربية للمعتقلين السياسيين في بلدي سوريا في وطني، أوجه تحية في هذه المناسبة لصديقنا العزيز عارف دليلة الذي مرّ دكتور على خمس سنوات على اعتقاله ولم يفعل سوى يدفع ضريبة حرية التعبير، الدكتور عارف دليلة، الدكتور كمال لبواني، الأستاذ أنور البني، الأستاذ ميشيل كيلو كل هؤلاء معتقلي الرأي، أخيرا عضو الرابطة الأمانة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأستاذ فائق المير، زعيم الحزب الكردي محيي الدين شيخ آلي، كل هؤلاء رغم أنه يعني هذه الأحزاب كلها تتحدث عن سوريا كوطن نهائي وسوريا للجميع وسوريا.. لم يفعلوا شيئا سوى يدفعون ضريبة حقهم في حرية التعبير والتفكير، فأنا أندهش يعني كيف يمكن لضمير مثقف أن يكون مرتاحا وأن يوجه تحية لرجل يعني عاش على أنقاض الشعب العراقي وعلى جماجمهم وعلى دمائهم وأنا لو كنت محل الإخوان العراقيين الذين يحاكمون اليوم صدام حسين لكنت حاكمته.. لكنت حاكمته بالخيانة الوطنية العظمى، عندما قائد يترك الساحة ويفر كالجرذان ليختبئ في أحد.. لولا الإشكالية السياسية ولولا أن الأميركان لا يريدون أن يظهروا بمظهر أنهم يعني أنه انهزم لكان يجب أن يحاكَم يعني هذا الرجل لأنه لا يمكن الآن الحكومة العراقية أن تحاكمه من موقع وطني وهو غير وطني، لكن في الحقيقة هو غير وطني لأنه هرب أولا من ساحة المعركة، ثانيا خلينا نرجع للأعمق، هذا الرجل كأي ديكتاتور ترك العراق في أشلاء مبعثرة، حطم.. كسَّر الوطنية تعني أول ما تعني هي القيام بعملية الدمج الوطني، تجاوز حالة التكسير والتغرير بالمشروع التاريخي للمفهوم القومي مرتبط تاريخيا بمفهوم الديمقراطية الثورة القومية الديمقراطية، هكذا كل الأدبيات السياسية العالمية، في منظور اليساري ماركس كان يسمى في عصره بيسمونه الديمقراطيون الراديكاليين بسبب أن ماركس كان يطرح مسألة المساواة بالمساواة الاقتصادية في حين أن النظام الليبرالي البرجوازي يتحدث عن المساواة في القانون، فكل الصيغ فكرة الوطنية والقومية مرتبطة في السياق التاريخي، فكرة الديمقراطية، فكرة الدمج الوطني، فكرة تجاوز التشكيلات القروسطية والقرص الوسطوي وتجاوز أيضا الانتماءات ما قبل القومية والتشكيلات ما قبل الوطنية ومن ثم الارتقاء من مفهوم العلاقة القائمة على أسس الرابطة الدموية القرابية العائلية العشائرية باتجاه مجتمع مفهوم المواطنة، مفهوم الوطن، على هذا الأساس يحاكَم صدام حسين أيضا كخائن، خائن وطني لأنه صدَّع العراق حطَّم العراق كسَّر بنية.. هدَّد..

فيصل القاسم: طب بس هل هو الوحيد.. يعني أم أن المنطقة كلتها شبيهة به؟

عبد الرزاق عيد: أنا الآن أتحدث عن صدام حسين، طبعا ما هو كل واحد على طريقته الخاصة حسب الفسيفساء الطائفي عنده، فكل واحد يخرِّب وفق المعطيات التي يعني المعطيات الخاصة في مجتمعه طبعا هذه آلية مع الأسف أن الأيديولوجيا القومية في المنطقة بشكل عام ما نراه الآن بالسودان وما نراه بالعراق وما نراه عندنا في سوريا كلما ارتفعت درجة الشعار المناهض للخارج للغرب الإمبريالي تجد ما يقابلها مزيدا من التجزؤ مزيدا من التفتيت مزيدا من الهبوط في العلاقات العضوية القائمة على رابطة الدم والعشيرة والعائلة والطائفة، تدمير للمجتمع من الداخل باسم عدو خارجي قادر على.. فشيء عجيب يعني أنه لا يزال إخواننا القوميين كنا نفكر مثلهم ومتفقين معهم، لكن المسألة عندما نشاهد بغداد بيومين تسقط، جنين.. جنين صمدت شهرين مخيمات جنين أمام.. بيروت صمدت.. بيروت اللي تسمى الآن بيروت الطوائف صمدت ثلاثة شهور أمام الاحتلال الإسرائيلي وإسرائيل ليست أقل قوة وتقنية وشراسة من الولايات المتحدة الأميركية..

فيصل القاسم: بفضل ديمقراطيتها..

عبد الرزاق عيد: بفضل الديمقراطية بفضل استقلال المجتمع المدني بفضل وجود قوى الأحزاب السياسية المتصارعة والمتنافسة من أجل حماية وطن..

طلعت رميح: ولاَّ بفضل..

عبد الرزاق عيد: فبيروت ليس الآن المنجَز الوطني.. المنجز الوطني الآن لـ2006 يعني هو يؤسَّس على تاريخ النضال الوطني الديمقراطي يعود إلى الخصوصية اللبنانية الممثلة في مسألة الديمقراطية وهو المجتمع الأكثر تقدما على هذا المجتمع..

فيصل القاسم: ومن العيب الدعوة للديكتاتورية كعلاج للبنان هذا في الوقت الذي يمثل فيه لبنان قمة الديمقراطية الحيوية في المنطقة.

عبد الرزاق عيد: ما هو بالأخير بالمحصلة لبنان أنا أعتقد أنه مستقبل.. يعني مستقبلنا كعرب هذا النموذج للنظام المتعايش على الأقل نظام إذا سمحت لي بس فقط..

فيصل القاسم: تفضل.

عبد الرزاق عيد: إذا كان نظام فيه هناك توازن الطوائف طيب من أين نخترع لبنان متجاوز لبنية المجتمعات؟ هذا هو واقع المجتمع العربي، فالفرق أن في لبنان يتحقق توازن طائفي بينما باسم القومية والوطنية تقوم بعض الطوائف الأقليات الطائفية بسحق الأكثرية الاجتماعية باسم الشعار القومي والأيديولوجي والوطنية ومعادلة الإمبريالية..

فيصل القاسم: طيب، طلعت رميح أنت تقول.. تتحدث عن الديكتاتور أو عن هذا الإنسان القوي الرجل القوي الذي يسمى ديكتاتورا زورا وبهتانا في العراق وفي المنطقة العربية بشكل عام وتضع اللوم على الخارج وعلى كذا طيب، نحن لماذا لا نقارن وضع العراق ووضع الدول العربية الأخرى المحكومة بالسبابيط والحديد والنار بوضع الاتحاد السوفيتي سابقا وضع يوغسلافيا، لا يمكن بأي حال من الأحوال للوحدة الوطنية أن تتحقق إلا في ظل حرية الشعوب وتواصل الشعوب، انظر ماذا حدث في يوغوسلافيا سقط الدكتور تفككت البلاد، في الاتحاد السوفيتي سقط الدكتور تفكك الاتحاد السوفيتي، في العراق سقط الديكتاتور تفكك العراق والحبل على الجرار، السبَّاط لا يحمي مجتمعات، هذا ما يقوله لك الدكتور ماذا تقول له؟

طلعت رميح: شوف سيدي الكريم، عايزين نفرق بين عدة أشياء، الشيء الأول أنه مَن قال إن الشعوب لا تُساق إلا بالكرباج؟ ما حدش بيقول كده، يعني كل تجارب التاريخ بتقول لكن نحن نتحدث عن حالة خاصة من الصراع في مواجهة أشرس إمبراطورية عدوانية على مر التاريخ، أنا سأخرج الآن من قضية العراق ولبنان وسأعود إليك، يا سيدي العزيز ما الذي يجري في السودان؟ حينما كان نظام الإنقاذ صامدا واقفا في مواجهة التدخل الأجنبي كان ديكتاتوريا وإرهابيا وشعبويا وإسلاميا وهباب الطين طول الوقت، ما الذي يجري هناك؟ باختصار شديد الولايات المتحدة وفقا لاستراتيجيتها محددة خط أنبوب نفط يمر..

فيصل القاسم: طيب.

طلعت رميح: لو سمحت يا دكتور ده هو ده الأساس، لو سمحت يا دكتور.. يا دكتور..

فيصل القاسم: بس طلعت لا أريد أن أخرج عن الموضوع لأن الوقت يداهمنا..

طلعت رميح: هذا هو الموضوع..

فيصل القاسم: بس دقيقة..

طلعت رميح: هذا هو الموضوع..

فيصل القاسم: لا، الوقت يداهمنا..

طلعت رميح: يا دكتور..

فيصل القاسم: أريد أن تُجبني..

طلعت رميح: يا دكتور..

فيصل القاسم: على أنه الشعوب يجب أن لا تخشى مما حدث في العراق في المنطقة العربية، على الشعوب أن لا..

طلعت رميح: سأصغي..

فيصل القاسم: أن لا.. يعني أنه الاستقرار والأمن مقابل الحرية مقابل الإنسانية مقابل الكرامة مقابل كل شيء، هذا هو المطروح في الساحة العربية الآن على ضوء ما يحدث في العراق، هذه الاسطوانة يجب أن تُكسر الآن، ماذا تقول في هذا الموضوع؟

طلعت رميح: نعم، أكمل فكرتي..

فيصل القاسم: لا، هذا الموضوع..

طلعت رميح: ماشي، ما هو ده علشان نبين هم بيعملوا إيه، عشان ما نحصرش نفسنا في قضية العراق لأن لبنان والعراق الأمة كلها متعرضة..

فيصل القاسم: الأمة، نحن نتحدث عن الأمة..

طلعت رميح: الأمة كلها متعرضة..

فيصل القاسم: بس جاوبني على السؤال.

طلعت رميح: لو سمحت سأجيب عليه، الحادث أن الاستراتيجية الأميركية كل ما تخطط له وكل ما ضغطت عليه على نظام الإنقاذ لأن هناك خط أنابيب بترول يمر يأخذ بترول دارفور واعتُمد الخط بستة مليار في تشاد وسيذهب إلى ميناء في الكاميرون على الأطلسي، كل ما نراه، لا ديمقراطية ولا حرية شعوب ولا هباب..

فيصل القاسم: جميل جدا، جاوبني على السؤال..

طلعت رميح: الشعوب الآن يا سيدي حينما ترى أن العراق تحت دعاوى الديمقراطية والكلام الفارغ الذي قالته الولايات المتحدة..

فيصل القاسم: يا أخي بس قال ليس العراق سببه الأنظمة السابقة، العراق وغيره..

طلعت رميح: يا دكتور الناس تخطت هذا الكلام..

فيصل القاسم: جاوبني هذا الكلام..

طلعت رميح: سأجيب، الآن يا سيدي حينما يرى الناس أنه فيه من ستة لثمانية مليار دولار يُسرقوا من الخزنة في عهد بريمر وحده..

فيصل القاسم: طيب، يا طلعت..

طلعت رميح: أيوة يا دكتور؟

الشعوب العربية بين الاحتلال والاستبداد

فيصل القاسم: طيب جميل، بس أرجوك لا أريد أن أدخل.. أنا فيه عندي نقاط محددة أنا أسألك سؤال (Ok) نتجاوز هذا، إلى متى نفاضل بين الاحتلال والاستبداد؟ إما احتلال أو استبداد، هناك مَن يقول في واقع الأمر إن الاحتلال أفضل من الاستبداد، على الأقل الاحتلال كالدُمَّل الموجود على اليد بإمكانك أن تستهدفه وتقتلعه، أما الاستبداد والديكتاتورية فهو كخلايا السرطانية تأكلك يوما بعد يوم دون أن تعرف كيف تقاومها.

طلعت رميح: يا ريت يا دكتور.

فيصل القاسم: فإلى متى نعيش احتلال واستبداد.. يعني إلى متى هذه الثنائية؟

طلعت رميح: يا سيدي بالعكس كل الناس بتطالب بس بمشروع وطني، الديمقراطية المطروحة على المنطقة الآن ليست مشروعا وطنيا، ما فيش حد بيقول إنه غاوي حد ديكتاتور ييجي يركب على دماغه لكن القضية..

فيصل القاسم: يعني إذا كان استبداد، إذاً استبداد وديكتاتورية..

طلعت رميح: لكن القضية..

فيصل القاسم: إذاً استبداد..

طلعت رميح: نعم، القضية الأساسية يا دكتور هي إيه؟ هي أن المطروح الآن هو تنفيذ مشروع أميركي وليس إحلالا للديمقراطية، هنا الناس تختار النظام الوطني بكل ما فيه حينما..

فيصل القاسم: جميل جدا.

طلعت رميح: لو سمحت لي بس.. لو سمحت لي..

فيصل القاسم: جميل، أيوة..

طلعت رميح: حينما يفكك الدولة العراقية والمجتمع العراقي وتسرق المال والنفط، صدام حسين بيحاكَم الآن له كم سنة، ما الذي ظهر من ثروته؟ أريد واحد يقول مليم بس سرقه للخارج؟

فيصل القاسم: جميل جدا.

"
الاستعمار وفقا لمنظور الديمقراطية أفضل من الديكتاتورية، لعبة خبيثة ومشروع أميركي لتكسير المنطقة وتفتيتها وتفكيك الدول وتفكيك المجتمعات وإدخالها في حروب أهلية وإدخال المنطقة في حرب
"
          طلعت رميح

طلعت رميح: لو سمحت، فالقضية هنا أن المطروح هو يا مشروع أميركي لتكسير المنطقة وتفتيتها وتفكيك الدول وتفكيك المجتمعات وإدخالها في حروب أهلية وإدخال المنطقة في حرب، فتنة كاملة بين دول المنطقة أو أن الناس تحافظ.. بالعكس أنا أدعو الأمة جماهير الأمة كلها أن تنتبه إلى هذه اللعبة الخبيثة التي تروَّج الآن وهي أن الاستعمار وفقا لمنظور الديمقراطية أفضل من الديكتاتورية، لا أنا حينما يُعتدى على بلدي ورئيس الحكم أنا مختلف معه وأنا كنت في السجن سأقف مع رئيس الحكم..

فيصل القاسم: جميل جدا.

طلعت رميح: ضد أي غزو أجنبي.

فيصل القاسم: دكتور سمعت هذا الكلام، هذه هي الإشكالية التي تؤرق الشارع العربي الآن أنه يعني بحجة الغزو الخارجي وتهديد الأمن الوطني وتهديد الوحدة الوطنية في البلدان العربية فلابد أن نقف مع المستبدين والطغاة العرب لأنهم الأمل الوحيد لنا، ماذا تقول لهؤلاء؟

عبد الرزاق عيد: يا سيدي يعني هلا نحن الآن..

فيصل القاسم: باختصار.

عبد الرزاق عيد: أنا أعتقد أن الدرس الأساسي الذي خرجنا منه بعد المأساة العراقية بعد ما حدث في العراق أنه لا يمكن أن يكون هناك مشروع وطني تحرري بدون حريات سياسية داخلية فالحريات السياسية الداخلية هي التي تتيح لكُلية المجتمع، لكل الشرائح الاجتماعية، لكل القوى الاجتماعية لكي تستنفر للدفاع عن سيادتها وليس عن سيادة أنظمتها وسيادة طغاتها وسيادة لصوصها وسيادة قَتَلتها، الشعوب تدافع عن سيادتها تدافع عن أوطانها فهذه.. أنا..

فيصل القاسم: يجب أن نفرِّق بين النضال من أجل الأوطان والنضال من أجل الطغيان..

طلعت رميح: هذا مضبوط، لا خلاف عليه..

عبد الرزاق عيد: وبالتالي الاستعمار والاستبداد وجهان لعملة واحدة هم صنوان، هذه الحقيقة البديهية التي اكتشفها الإمام الكواكبي من بداية القرن العشرين عندما قال إن هؤلاء يعني هم صنوان واحد وبالتالي وجهان..

فيصل القاسم: الاستبداد والاستعمار.

عبد الرزاق عيد: والاستعمار هم وجهان، الاستبداد..

فيصل القاسم: يعني تريد أن تقول إن الطغاة العرب لا يختلفون عن المارينز.

عبد الرزاق عيد: الطغاة العرب هم الذين يمهدون الطرق أمام الاحتلال الأجنبي هم يمهدون الطرق هكذا، الصيغة.. أهم إحدى الصيغ التي صاغها الخطاب الديمقراطي الراهن العربي هو أن الطغاة هم الذين يُعبِّدون الطرق للغزاة وبالتالي الغزاة غير قادرين على أخذ المجتمعات من الداخل عندما ترتكز هذه الدول على أسس شعبية، على أسس ديمقراطية حيث مجتمع بكُليته منخرط في العملية السياسية يتنافس.. يتنافس في الدفاع عن وطنه ويتنافس في الدفاع، في سوريا في 1956 وُزِّعت مائة ألف بندقية على الشعب السوري مائة ألف بندقية ولم يشهد كل الدراسات التاريخية تشير على أن هذا السلاح لم يُستخدم من قِبل أي مواطن سوري ضد تجاه مواطن سوري آخر، لماذا؟ نحن الآن نطمح نحلم بهذه الأزمنة التي كانت تمثل الشرعية الدستورية، يا أخي.. (Ok) ليست هي النموذج السويسري لكن كان عندها انتخابات كان عندنا برلمان كان عندنا أحزاب، فيه تعددية كان فيه تعايش كان فيه اعتراف بالآخر كان فيه.. يعني إمكانية لأنه مجتمعنا الآن فيه حالة قتل للروح الاجتماعية قتل للروح السياسية، يعني الآن كل السوريين بيقولوا إنهم حفظوا أسماء أعضاء البرلمان اللبناني وأنهم لا يحفظون اسم عضو برلمان سوري لأنهم بالأخير ما بيسألني أحدهم..

طلعت رميح: ما حفظوا اسم وليد جنبلاط..

عبد الرزاق عيد: عم بيسألني أحدهم فقلت له طبعا الربيع الديمقراطي اللي كنا مشتركين نحن وياهم بالخمسينات قُتل عندنا في الستينات وهم لا يزالون يعيشون يعني مناخ هذا الربيع فالعقول تتفتح والآفاق تتفتح وكلهم أصحاب فكر، فصار يعني أنا أتساءل إذا كان بتروح بتعمل استفتاء في سوريا إذا فيه حدا بيقدر يعد لك أسماء ثلاث وزراء لأنه لم يعد الوزير لا يمثل شيء النائب هو بالأخير كما سميناه من قبل يعني نواب الدُمى هذا كلهم مثل بعضهم وزراء كلهم بيشتغلوا موظفين عند القوى العليا المتسلطة والتُهم المالية و..و إلى آخره، فإذاً نحن.. أنا بتقديري الاستعمار لا يستطيع أن يخترق المجتمعات التي تتأسس دولها على قاعدة اجتماعية ديمقراطية والاستعمار غير قادر على اختراق إلا عبر أنظمة طغيانية وهذا المثال العراقي يا أخي أنا صدِّقني حتى سقوط بغداد كان موقفي..

طلعت رميح: احتلالها يعني مش سقوطها..

عبد الرزاق عيد: يعني لا هي الحقيقية سقطت بطريقة مرعبة يعني سقطت بطريقة أكثر من سقوط كارثي، فأنا حتى هذه اللحظة كنت يعني أحمل نفس خطابك، ما أرعبني هذا الحدث أنه يعقل هذا الرجل حكى عن الجيش المليون وعنده جيش القدس السبع ملايين وعنده كذا، بالأخير أنه لا تصمد بغداد أيام قليلة يعني أنا أعرف..

فيصل القاسم: جميل جدا، كي لا.. على ذِكر نفس.. يعني أنت تتحدث عن مجتمع الطوائف ومجتمع كذا وأنه هذه الطوائف لا يمكن حكمها إلا بالقبضة، عم بيقول لك يعني كما قال الدكتور رغم هشاشة استقرار لبنان وسابق معاناته من حرب أهلية مديدة يتمتع اللبنانيون بحريات يحسدها عليهم مواطنو الدول العربية كافة والأرجح أنه لو نعِم لبنان بالديكتاتورية لما استعاد أرضه المحتلة عام 2000 دون قيد أو شرط ولا ما تمتع اللبنانيون رغم كل ما لحق ببلدهم وما ألحقوه هم به وببعضهم من كوارث بدخل يتجاوز أربعة أضعاف جيرانهم العرب بالمنطقة، ماذا تقول له؟ يعني لماذا إذا تستشهد بلبنان؟ لماذا؟

طلعت رميح: وأربعين مليار دولار ديون واثنين رؤساء الجمهوريات مقتولين واثنين رؤساء وزراء مقتولين ووليد جنبلاط لا يسعى فقط لدخول قوات الاحتلال إلى لبنان بل يسعى حتى لدخول قوات الاحتلال إلى سوريا، يا دكتور الفكرة الجوهرية ليست خلاف حول أن الديمقراطية أفضل في المجتمعات أم لا، الفكرة هي الرؤية الوطنية سواء عن طريق التمازج والتفاعل الداخلي لكن الفكرة..

فيصل القاسم: أو عن طريق الديكتاتور، حتى عن طريق الديكتاتور..

طلعت رميح: النظام الشمولي أنا في مثل هذه اللحظة..

فيصل القاسم: مع النظام الشمولي؟

طلعت رميح: نعم.

فيصل القاسم: مع النظام الشمولي.

طلعت رميح: نعم، في بعض الحالات، هو فرانكو كان إيه؟ مش كان ديكتاتور؟ رفع مرتبة أسبانيا، يجب أن نقيِّم كل ظرف بلحظته، بلاش فرانكو، يا سيدي العزيز مَن الذي وحَّد ألمانيا؟ وحَّدها بالديمقراطية بسمارك.. بسمارك وحَّد ألمانيا، الصين الآن ما مدى الحريات والديمقراطية التي فيها؟ وأنا أقول لك وأنا متألم لأنه لا يمكن لي أن أدافع عن منع حريات بس حينما تكون دولة فيها 18 طائفة، لها 18 سفير بره وكل طائفة لها سفير وكل طائفة يا دكتور..

فيصل القاسم: بس دقيقة يا طلعت.. بس يا طلعت..

عبد الرزاق عيد: الطائفي تتحكم في مسار الجميع..

فيصل القاسم: إلى متى يريدنا.. السؤال المطروح، إلى متى يريد الحكام العرب من شعوبهم أن يعيشوا في الدَرَك الأسفل من مثلث ماسلو، آمنوا بس.. آمنوا بس، طيب، ماذا أنجز هذا الأمن والاستقرار المزعوم في الدول العربية على مدى أكثر من خمسين عاما سوى الفساد والنهب ودوس الكرامات وتخريب البلاد والعباد؟ هذا هو السؤال المطروح، يعني بحجة الأمن.. أعيد السؤال، بحجة الأمل وبحجة مواجهة الخارج الشعوب ماذا أنجزت المنطقة؟ ماذا أنجزت؟ شو.. شو أنجزت؟ البلدان تنهار.

طلعت رميح: يا دكتور لا أحد يقول إنه الديكتاتورية هي الأسلوب الأمثل لحكم الشعوب، ده خلط بين المسألتين لو تكرمت لي، المشكلة ليست في الحالة الداخلية للبلدان، المشكلة أنك أمام خلط للأوراق، أمام تحت شعارات الديمقراطية يجري تكسير الدول، يا أخي أنت يعني بتتناقش في الزاوية دي وسايب أنه لما دخلوا العراق كسَّروا كل شيء وهدموا كل شيء حتى المتحف ما سابوهوش وطلَّعوا الشعب العراقي زي ما أنت شايف فتقول لي بقى الحفاظ على الأمن، النهادرة كل مواطن عراقي مطلوب منه يدوَّر على أمنه وصحته وكهربته وجهاز دولته وأول شيء عملوه هو.. لا نريد للشعارات الديمقراطية التي يطرحها الغرب هذه هي الفكرة الجوهرية مش فكرة أنه فيه حد جوَّه بيحافظ على الأمن أو فيه حد بيحافظ على معيشة الناس، أين يعيش العراقيون الآن؟ ثلاث أربع مليون بره ثلاث أربع مليون مهجَّرين، النهاردة ثمانية مليار مسروقين من الميزانية، وزارة بيتسرق منها ثمانمائة مليون دولار نهب وسلب وتيجي وتقول لي..

فيصل القاسم: كلام جميل وصلت الفكرة، دكتور يجب أن نأخذ الأمور أو نأخذ.. يعني نأخذ الأمور حسب ظروفها بالدرجة الأولى، الآن المنطقة العربية على ضوء ما يحدث لا ينفع معها إلا حُماة الأمن، إلا القبضة الحديدية سمِّها ما شئت، هذه قبضة حديدية لكنها قبضة وطنية..

طلعت رميح: تجاه الخونة وتجاه العملاء مش..

فيصل القاسم: قبضة وطنية، النظام الشمولي مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى على ضوء الأحداث وليس بالمطلق، ماذا تقول؟

عبد الرزاق عيد: طيب ما شبه إخواننا العروبيين وليس من الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، ما هذه.. مَن يحكمنا من خمسين سنة يا أخي؟

فيصل القاسم: يعني نحن مثل أغنية أم كلثوم يعني.. وحشتني وأنت قصاد عينيّ..

عبد الرزاق عيد: يعني، طيب الآن نحن من خمسين سنة حتى الآن على الأقل بيحكي عن المشرق العربي باعتبار هو المستهدف بسؤال الصراع العالمي مع الاستعمار، متى.. من خمسين سنة حتى الآن ماذا قدمت لنا هذه الأنظمة سوى هزيمة تتلو الهزيمة وبالتالي يعني أنا مندهش..

طلعت رميح: قدمت لك حرب أكتوبر.

عبد الرزاق عيد: أنا مندهش أنه هذه الأنظمة التي يعني قادتنا إلى كل هذه الهزائم ومع ذلك يعني هناك مَن يراهن عليها..

فيصل القاسم: مَن يتشبث بها..

عبد الرزاق عيد: ويريد أن تنبعث من عظامها وهي رميم يعني شيء مدهش، طيب يعني ألم يئن الأوان لنثق بشعوبنا ونتخلى عن فكرة هذا الأب الحامي الطاغي، هذا المفهوم بالمناسبة يعني لا يمتّ فقط للعصور الوسطى بصلة فقط وإنما حتى للفكر الأسطوري ما قبل الدين يا أخي، هذه فكرة الأب الإله يعني الحامي هذا.. الموضوع يعني آن الأوان للعقل الحديث أن يتجاوز هذه المسألة، فإذا سمحت لي فقط وأنا بدي أقول هذه أيضا هذه اللعبة السيئة التي يستخدمها إخواننا وعم بيتموا تضليل فيها شعوبنا أنه عم بيعتبروا الديمقراطية وكأنه هي مشروع غربي وأميركي، يا أخي إذا كان نحن الديمقراطية والليبرالية في العالم العربي عمرها قرن في مصر على الأقل وهو ابن مصر العزيزة من قرن من الزمن عاشت التجربة وأرقى وأعظم ما أنتجته مصر على المستوى الفكري والثقافي والأدبي والفني هو يعود إلى فضل.. وحتى كبار كتاب الستينيات عظمتهم في مصر تعود إلى تكويناتهم الثقافية في المرحلة الديمقراطية، أنا لا أريد أن أعتبرها كلها جنة الخلد كانت، لكن هذه الحالة أرقى وهي التي تفتح الآفاق فعلا لمواجهة.. لتأسيس مشروع وطني ديمقراطي ولا يمكن أن يكون هناك مشروع وطني دون أن يكون مشروعا ديمقراطيا.

فيصل القاسم: أشكرك جزيل الشكر، طلعت رميح أنت ذكرت قبل قليل ألمانيا وغير ألمانيا وضرورة الرجل القوي، يقولون لك انظر لِما وقع لشعوب متقدمة مثل الشعب الألماني والشعب الإيطالي والياباني عندما سلموا مصيرهم لرجل قوي من نوع توجو أو هتلر أو موسوليني قادوهم إلى حافة الهلاك، إن هذه الشعوب لم تستعد عافيتها إلا عندما تخلصت من وهم وإغراء الرجل القوي ليعودوا للمبادئ التي مكنت الشعب الفرنسي والبريطاني من الانتصار، لننتهي إذاً من خرافة الرجل القوي لنستبدلها بمشروع المجتمع القوي والدولة القوية والنظام القومي، ثمة قاعدة تقول.. أثبتها التاريخ أنه بقدر ما يكون الشعب ضعيفا بقدر ما تسلط عليه مَن يدَّعون أنهم الرجال الأقوياء وقد يكونون أحيانا من السفلة ومن مجرمي الحرب العام وإلى ما هنالك من هذا الكلام، ماذا تقول لهم؟

طلعت رميح: هذا كلام بديهي لأنه لا أحد..

فيصل القاسم: باختصار.

طلعت رميح: لم سمحت يا دكتور، أنا كل ما أتكلم تقول لي..

فيصل القاسم: الكلمة الأخيرة لك.

طلعت رميح: لو سمحت، هذا كلام بديهي ولا أحد يدعو أي قمع داخلي هو يقلل درجة حتى الانتماء الوطني، لكن هناك فارق بين المشروع الأميركي بالغزو عن طريق الليبراليين عن طريق الديمقراطية المزيفة التي هي تكريس لديكتاتورية أكثر ويجب أن نفرق باستمرار وهذا خطاب للأمة كلها بين فكرة أن الشعوب يجب أن تقاتل وتناضل وتتمرد وتتحرك من أجل بناء ديمقراطية داخلية حقيقية وبين فكرة الغزو الخارجي، في حالة الغزو الخارجي يجب على الجميع أن يقف ضد المحتل، الحادث الآن أمامنا واقع محدد أمامنا نظم محددة، الذي يحدث الآن أنه هناك محاولة تحت زعم أن هذه النظم مخطئة وخطيرة إن نحن نمكِّن الغزو الخارجي ده اللي حصل في العراق بالضبط أيا كان ما حدث من صدام حسين بس الحادث الآن..

عبد الرزاق عيد: انهزم الطاغية وليس الشعب العراقي.

طلعت رميح: لو سمحت، الشعب العراقي لم يُهزم ولا يوجد شعب يُهزم، لكن الفكرة الجوهرية أنه تحت هذه الشعارات البراقة يتم استقدام الاحتلال، تحت هذه الشعارات يتم ضرب الدين يتم حصار المقاومة يتم وضع الناس بين اختيارين يا المقاومة يا الديمقراطية، تلك هي الفكرة.

فيصل القاسم: أشكرك طلعت انتهى الوقت، أشكرك جزيل الشكر، مشاهدينا الكرام لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيفينا السيد طلعت رميح والدكتور عبد الرزاق عيد، نلتقي مساء الثلاثاء المقبل فحتى ذلك الحين ها هو فيصل القاسم يحييكم من الدوحة، إلى اللقاء.

المصدر : الجزيرة