النظام العسكري وتأثيره في المجتمعات
مقدم الحلقة: | فيصل القاسم |
ضيوف الحلقة: | محمد البدري: كاتب وباحث د. أنور عبد الملك: مفكر وباحث |
تاريخ الحلقة: | 02/11/1999 |
– أسباب الهجوم على أنظمة الحكم العسكرية.
– تقييم نماذج الحكم العسكرية في الوطن العربي.
– الفوارق الأساسية بين النظام العسكري والنظام الديمقراطي.
– معدلات التنمية المتكونة بفعل الأنظمة العسكرية.
![]() |
![]() |
![]() |
د.فيصل القاسم: تحية طيبة مشاهدينا الكرام.
لماذا انبرت وسائل الإعلام العربية والدولية تهاجم الأنظمة العسكرية على ضوء الانقلاب العسكري في باكستان؟
أليس من الإجحاف ربط العسكر دائمًا بالدكتاتورية والتخلف؟
من الذي قاد حركات التحرر الوطنية في العديد من دول العالم غير العسكر؟
أليس الجيش هو المؤسسة الوطنية الوحيدة الثابتة في العالم الثالث؟
ألا يعتبر الجيش القطاع الأكثر تنظيمًا في الدول المتخلفة؟
ألم يقل أحمد سيكوتوري: إن النظام العسكري هو الأفضل للبلدان التي تنعدم فيها الطبقات الاجتماعية اللازمة لقيام نظام ديمقراطي؟
هل الجيوش مجرد جماعات من العسكريين، أم أنها تلعب دورًا هائلاً في التنمية واختراق حواجز التخلف التكنولوجي؟
هل كان لباكستان مثلاً أن تحقق معجزة نووية، وصاروخية بمعزل عن الدور المميز للجيش؟ ألم يلعب الجيش فيها دور الحاضنة للطاقات المادية، والعلمية المتوافرة؟
ماذا كان سيحدث للسودان لو لم يتسلم الجيش مقاليد الحكم في البلاد قبل عشر سنوات؟
ألم تكن قوات المتمردين على وشك الوصول إلى أبواب الخرطوم؟
انظر إلى إندونيسيا عندما بدأت تتحول إلى النظام الديمقراطي، النتيجة ليست أكثر من تخبط وانهيار وتفكك الدولة، و –أيضًا- روسيا.
ماذا حققت الديمقراطية غير الفساد السياسي، والاقتصادي في باكستان وغيرها؟
ألم تحقق النظم العسكرية والأتوقراطية في جنوب شرق آسيا طفرة اقتصادية هائلة، ومعدلات نمو اقتصادية مذهلة؟
ألم تنجز الصين نموًّا اقتصاديًّا خارقًا في ظل نظام شمولي؟
ثم لماذا وصم بلدان العالم الثالث بأنها أنظمة عسكرية غير ديمقراطية؟
من قال إن الأنظمة الديمقراطية في الغرب نظيفة من تأثير العسكر؟ من الذي يدير السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية؟ أليست وزارة الدفاع الأميركية؟ ألا تلعب شركات صناعة الأسلحة دورًّا خفيًّا رهيبًا في السياستين: الداخلية والخارجية لأميركا؟ من قال إن الفساد محصور في الأنظمة العسكرية؟
ثم لماذا هذا الولع الزائد بالديمقراطية الغربية عند بعض العرب؟ أليست العبرة في المضمون، وليس في الشكل؟
لكن في المقابل ألم تصبح الدكتاتورية، والقمع، والتخلف ماركة مسجلة للأنظمة العسكرية والشمولية؟
أليست نار الحكم المدني أفضل من جنة الحكم العسكري؟
أليس الحذاء المدني أقل وطأة على رقاب العباد من البطار العسكري؟
ألم تتحول بعض المؤسسات العسكرية الحاكمة في العالم الثالث إلى بؤر للفساد والتخلف؟
ألم يكن الجيش في باكستان مثلاً يحكم من وراء الكواليس، وهو متورط –حتى أذنيه- في حالة الفساد والفوضى التي وصلت إليها البلاد؟
ألم يصبح العسكر الحاكمون في الكثير من البلدان مجرد ثلة من التجار والمنتفعين امفاسدين؟
ألم يقل كمال أتاتورك: إن الضابط الذي يعمل في الميدان العسكري والسياسي معًا يصبح جنديًّا غير صالح، وسياسيًّا فاسدًا؟
ثم لماذا تخلفت المؤسسات العسكرية في الوطن العربي –حتى- عن مثيلاتها في العالم الثالث، إذا ما قورنت بما حققته باكستان في المجال النووي، وكوريا الشمالية في مجال التكنولوجيا العسكرية؟
ألم تحول الأنظمة العربية الحاكمة المؤسسات العسكرية إلى مجرد أداة للقمع والبطش وحماية الحكم؟
لماذا باتت الجيوش العربية في معظمها ديكورات، لم تطور أسلحة، ولا صواريخ، ولا برامج نووية، وأصبحت تستورد –حتى- البطاريات من أميركا وبريطانيا وروسيا وتايوان؟
ثم لماذا المكابرة والتصفيق لحكم العسكر؟
ألم تصبح الديمقراطية الغربية أكثر النظم قبولاً للبشر من حيث الشكل، والمضمون؟
ألم تصبح الديمقراطية مرادفًا للتنمية والرخاء في العديد من البلدان؟
أليست الدول العشرون الأولى في ترتيب مؤشرات التنمية البشرية كلها ديمقراطية؟
أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة عبر الأقمار الصناعية من القاهرة على المفكر الدكتور أنور عبد الملك صاحب كتاب "مجتمع يبنيه العسكر"، وعلى الكاتب والباحث السيد محمد البدري.
للمشاركة في البرنامج يرجى الاتصال بالأرقام التالية 888840أو41أو42،ورقم الفاكس 311652.
[فاصل إعلاني]
أسباب الهجوم على أنظمة الحكم العسكرية
د.فيصل القاسم: سيد محمد البدري لنبدأ هنا في الاستوديو، هل تعتقد يعني سؤال بسيط، هل تعتقد أو هل يستحق أو تستحق الأنظمة العسكرية كل هذا الهجوم، وكل هذه الانتقادات؟ يعني ومقارنتها بالأنظمة الديمقراطية على ضوء –طبعًا- ما حصل في باكستان مؤخرًا حيث تعرض الانقلاب العسكري في باكستان لانتقادات كبيرة، وخاصة من الماكينة الإعلامية الغربية؟
محمد البدري: أولاً: لازم يبقى عندنا منهج في التفكير، بمعنى أنه هنأخذ منهجًا بسيطًا جدًّا، ونقيم به القضية من أولها لآخرها، هنأخذ منهجًا منهج براجماتي، وهو بيرى في المنتج النهائي لكل حالة، ونحكم منها، المنتج النهائي لجميع الأنظمة العسكرية أيه؟ نسأل أنفسنا ما هو المنتج النهائي لكل الأنظمة العسكرية في المنطقة العربية أولاً؟ وفي الغرب كمان.
يعني عندنا نظام عسكري في ألمانيا عمل صناعة آلة حرب كبيرة جدًّا، دمر بها العالم، ودمر بها نفسه، في العالم العربي عندنا.. عندنا عسكريات قامت بحجة أنها تقيم العدل الاجتماعي، ولم تقم شيئًا، وفي النهاية قالت للمواطن: سلم لي عقلك في مقابل رغيف الخبز، لا رجعت له عقله، ولا جابت له رغيف الخبز، وانتهى الأمر على هزائم دائمة، هذا هو المنتج النهائي، أرني قاعدة واحدة، يعني كل قاعدة لها شواذ، وبنصدق القواعد على أساس أنها شواذ؟ لكن أي شاذ من هذه القاعدة بحيث أن هذه أحق بالتصديق من القواعد اللي لها شواذ..
د.فيصل القاسم [مقاطعاً]: يا ترى هناك سؤال بسيط، يعني أليست الأنظمة العسكرية هي التي يعني كانت وراء حركات التحرر؟
يعني التحرر في المنطقة العربية، والعالم الثالث كانت وراءه أنظمة عسكرية بالدرجة الأولى، ولولا هذه الأنظمة لم نكن متحررين يعني حتى الآن؟
محمد البدري: هو الحرية بتيجي من صراع يومي بين المستعمر وبين المواطن، بين الفرد وبين مصلحته، هذه علاقة جدل، وصراع بين الأطراف العملية في الواقع، العسكري لما بيخش ويقول أنا جبت الشيء..
إحنا عندنا شهادات من العصر في.. لعسكريين بيفترض أن اللي جابه ملكه، اللي جابه هو حرية الوطن، أو حرية المواطن، لكن مش ملكه، المفروض يتداولها مع المواطن اللي كان -أصلاً- بينتجها، وأخيرًا هو جابها له، لكن جابها له من خلال أيه؟ من خلال -أو بمعنى أصح- العسكري أو المؤسسة العسكرية، هي نتاج لفائض التراكم التاريخي للمواطن الفرد المدني اللي بيسعى بالإنتاج بصراعاته: عامل، فلاح، أيًّا كان، هو جزء مقتطع من الدولة لحماية النظام، بعد كده هذا الجزء يحتكر الدولة، ويقول الدولة هي أنا، ويلغي كل الأفراد اللي أنتجوها، ويكاد.. يتحدث باسمهم، هذا الوضع –في النهاية- أفرز كل الفساد اللي إحنا فيه، وأفرز كل الضياع اللي إحنا فيه، وأضاع كمان..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ يعني الأنظمة العسكرية مسؤولة عن كل هذا التخبط والفوضى التي وصلت إليهما المنطقة العربية، والعالم الثالث بشكل عام؟
محمد البدري: من طبيعتها اللي هي إلغاء الآخر ونفيه، هي لما بتستولي.. سيكولوجيتها تقوم بنفس الدور.
د.فيصل القاسم: دكتور عبد الملك في القاهرة سمعت هذا الكلام، لا خير يأتي من الأنظمة العسكرية؟!
د.أنور عبد الملك: هو كلام كثير ليس لازمًا، أخي الكريم تفضل، تحدث بشكل منهجي وواسع، ولم يتحدث فقط.. لم ينطق بهذه العبارة -فقط لا غير- المسألة ليست بهذه البساطة، أولاً: أشكره لأنه ذكر أحد المفاهيم التي سقتها، وهي كلمة تاريخي، ونحن على اتفاق في هذا الموضوع، أود أن أصحح شيئًا –يا أخي العزيز- أنا لست مؤلف كتاب اسمه مصر مجتمع يصنعه عسكريين، أنا مؤلف أكثر من خمسة وعشرين مؤلفًا وأهم كتبي إعادة مصر ومشروع العدالة الاجتماعية، وتغيير العالم، والعديد من الكتب الأخرى التي تعلمها سيادتك بدقة، ولا تذكرها، ويجب أن تذكرها..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ نحن لسنا دكتور عبد الملك..
د.أنور عبد الملك]مقاطعاً:[ لو سمحت.. لو سمحت..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ طيب نحن نعلم أن لديك الكثير من الكتب، عشرات الكتب، وهذه حقيقة ثابتة، ولكن نريد أن نذكر الكتاب الذي له علاقة بالموضوع ..
د.أنور عبد الملك ]مقاطعاً:[ هذا الكتاب نزعة دينية، هي نيتك -أنت شخصيًّا- لا رجل مواجهات، ولا استفزازات لكن -بس- أضبط الأمور، لأن أهم الكتب.. هذا الكتاب مرحلي كان كتاب مرحلي هام، لكنه ليس هو الكتاب الأساسي، كلها كتب أمهات، غير هذا يجب أن تذكر، وإلا لا داعي -إطلاقًا- لا للحوار، ولا للحديث، الكلام اللي به تفضل الأخ الكريم، فيه نواح كثيرة تمت إلى منهج جدلي، أنا أعتنقه أيضًا، فيها إيجابيات، وفيها سلبيات، فيها ما أتفق معه ولا أتفق، الموضوع مختلف تمامًا، الموضوع هو أنني أسأل الأخ الكريم الذي تفضل.. هذا الموضوع قبل الأسئلة، ما معنى العالم الثالث؟ أين يقف العالم الثالث؟ وأين يبدأ –إن جاز التعبير- العالم الثاني أو الثاني من نصفه الأول؟ تفضل يا سيدي.
محمد البدري: العالم الثالث.. العالم الثالث.. صُك.. هذا المصطلح صُك.. من الذي صكه أولاً؟ يفترض كل مصطلح ينبع من ثقافة، وبالتالي أين هي الثقافة التي صكت العالم الثالث، أو العالم الثالث.. اتفضل.
د.أنور عبد الملك ]مقاطعاً:[ العالم الثالث مصطلح سيق في خمسة وستين في علم الاجتماع السياسي، في الدول الاستعمارية التقليدية آنذاك، وووفق عليه كعملية اصطلاحية، وكان العالم الثاني هو العالم الاشتراكي الغربي، يعني الكتلة السوفيتية، والأول كان العالم الديمقراطي الرأسمالي الغربي.. يعني مجموعة دول حلف الأطلنطي الآن، لا مانع، إنما الآن بعد أن انتهى الاتحاد السوفيتي لا أظن أن هناك واحدًا، واثنين، وثلاثة، إنما هناك دوائر حضارية، وثقافية، وقوميات، وأنظمة اجتماعية، واقتصادية.
إذا أردنا أن نتحدث -بشكل جدي- لا بد أن نستبعد شعارات فيها استفزازات مثلاً.. مثل بسيط جدًّا لو فرضنا جدلاً أن العالم الثالث يتميز بأن العسكر هم الذين قادوا حركة التحرير، ثم أخرجوها من طاقتها، وانقلبوا، وحطموا، وهم السبب في البلاء، كما كانوا السبب في التحرير، أنا لا أفهم هذا الموضوع إطلاقًا، حتى لو فرضنا جدلاً أنه صحيح، ما رأي الأخوة الأعزاء فيما تم في العالم الأول الذين يعتزون به؟ ماذا تم في إنجلترا دولة الديمقراطية؟ من الذي تحرك وفك كماشات الملكية الإقطاعية (كرومويل) رجل السلاح، ثم على أيديه وجه هذه المسيرة خارج البرلمان.
من الذي.. من الذي حرر أميركا بيت القصيد في تفكير العديد من إخواننا؟ ألم يكن (واشنطن) وزملاؤه الذين –بعد قهر الاستعمار الإنجليزي- أقاموا النظام الجديد مستقلين على أساس مبادئ استقلال الحقوق الذي أُعلن آن ذاك؟ من الذي.. في عصرنا سمعت الكلام عن أتاتورك بإعجاب شديد، لكن طبعًا لا يفوتني معناه، أتاتورك حرر تركيا من الحصار الغربي الديمقراطي.. الغربي الديمقراطي الفرنسي، الإنجليزي، الإيطالي.
الحلفاء المنتصرون حاصروا ما تبقى من الخلافة العثمانية بغية طرد الأتراك إلى آسيا، وقاد (مصطفى كمال) الغازي آن ذاك الجيوش المتطوعة من الطلاب لصيانة ما تبقى من تركيا، وكان له فضل عظيم في هذا، تحولت تركيا بعد هذا -لست أدري- إلى أوتوقراطية، إلى ديمقراطية، إلى مزيج من هذا وذاك، الآن هي من خلال هذه الحركة التحررية التي قادها مصطفى كمال دكتاتورية عسكرية في المقام الأول، وإن كان –طبعًا- ظاهر الأمر أن هناك أحزاب، وبرلمان، وما شابه ذلك مما يصطلح أن يسمى بالديمقراطية، الموضوع ليس إذن عالم ثان، أو ثالث، أو رابع، أو خامس، أو سادس، الموضوع..
[فاصل إعلاني]
د.فيصل القاسم: دكتور عبد الملك سأعود إليك بعد قليل، لكن طرحت الكثير من النقاط المهمة التي أريد أن أوجهها للسيد البدري هنا في الاستوديو سمعت هذا الكلام، سيد البدري؟! كلام.. كلام مفحم يعني.. وأعتقد صعب..
محمد البدري: طبعًا،ولكن لا يجوز التعميم، بمعنى أن كل حالة لها حالتها الخاصة، نحن في الشرق -مثلاً- نعادي العسكريات من قمبيز وحتى الآن، العقلية عقلية فاشية عسكرية بالأساس، لم تسمح للمجتمع المدني –في يوم واحد- أنه ينمو، في كل مرة يتم مسح فائض القيمة إلى الخارج، فائض التراكم التاريخي إلى الخارج، وبالتالي لا يوجد من الداخل ما يجعل البناء.. يعني مثلاً هأجيب المثال بتاع تركيا الدكتور عبد الملك في كتابه يذكر على سبيل المثال، وهو ما يؤكد العسكرية مرة ثانية، يقول: الفاتح سليم الأول.. الفاتح سليم الأول كيف تفتح مصر للمرة الثانية بشكل عسكري؟ ويتم قمع الشعب مرة ثانية بشكل عسكري بعد تسعمائة سنة، بعد ما أسلمت مصر، هناك صك.. المصطلح بيُصك من.. من الحاكم.
بمعنى أن تاريخنا كله مكتوب من الحاكم، وليس تاريخ الرسل والملوك للطبري للحاكم، وهكذا لحد اليوم، وبالتالي نحن لم نسمع ثقافة المواطن اللي تحت، الغرب كان يسمع من ثقافة المواطن اللي تحت، الثورة الفرنسية كان يسمعها المواطن اللي تحت، كرومويل وغير كرومويل كان أصلاً الصراع داخل بريطانيا كان من الناس اللي تحت.
أميركا كانت الثورة الأميركية الكبرى عبارة عن قوى إنتاج صناعية رأسمالية متحركة، ديناميكية لا تريد استاتيكية الأرض، وبالتالي كان عليها أنها خلال عسكرية من خلال الحرب، والحرب عبارة عن عسكرة، ولكن كان الوضع المدني، وقوى الإنتاج، وقوى العمل هي اللي تحقق نفسها في النهاية من خلال الشكل عسكري، لكن المضمون مدني.
الدكتور عبد الملك بيحاول يوريني أن الصورة -أصلاً- عسكرية، لا مش عسكرية؛ بدليل في كل.. ديجول -مثلاً- في النهاية يلجأ إلى صندوق الانتخابات، أيزنهاور صندوق الانتخاب.. العسكريات –أصلاً- بتخدم على المدني هي عبارة عن جزء يخدم عليه، لكن هنا بيقتطع الكل، وأنا أصبح في حوزته، يستعملني كما يرى، ويصكني بألفاظ، ويعيد صياغة عقلي ووعيي بطريقته هو، وبالتالي أنا فاقد الوعي، أنا بأتكلم من خلاله، وهنا فيه تزييف، هنا فيه درجة من التزييف..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ طيب، دكتور عبد الملك.
د.أنور عبد الملك: برضو مش هأختلف مع الكلام دا، إنما قد مع أختلف عبارة أنا لم أقلها، وقيل إنني قلتها، يعني أنا لم أزعم -أبدًا- ولا يمكن -أبدًا- لأي إنسان عاقل، أو متعلم -حتى في مستوى الروضة- أن يزعم أن هناك مجتمعًا لا وجود له، تتحرك فيه فئات العسكر وتهب أو لا تهب، المجتمع فيه -طبعًا- طبقاته وفئاته، وأظن كتاباتي كلها لو تكرم الأخ الكريم أن يطالعها هي كتابات منطلقة من منهج سسيولوجي دقيق جدًّا، ودائمًا دراسة القوى المتصارعة، والقوى الشعبية عنصر أساسي فيها، الموضوع لا خلاف عليه إطلاقًا، ما فيش أي حاجة، ولا أرى أي خلاف، لا داعي لأي تعليق، ما فيش خلاف..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ كيف ترد؟
محمد البدري: هو النقطة النهائية فيها المنتج النهائي على مستوى الوضع المدني ماذا حققت أنا في الوضع المدني، ماذا أنجزنا في الوضع المدني، هي دي النقطة، يعني العسكريات عندنا مازالت قاعدة، مازالت قائمة، ومازال بعضها بيدفع الوطن كله إلى الدمار، عندنا ليبيا المحاصرة، العراق، السودان، دول وشعوب وشعوب، إحنا بندمي لما يحدث لها يومياً، ومع ذلك الحكام العسكريين بتوعها لا يتحرك لهم جفن، هناك العسكر بتاعه بيتحرك له مليون جفن لما عسكري واحد منه يفقد، الله هو أيه عسكريته غير عسكريتي، أم هو مدنيته غير مدنيتي، أيه العلاقة بالضبط اللي بينهم وأيه الفارق بيننا، هناك فارق دون جدال اللي خلاه يسلك هذا المسلك، وأنا أسلك مسلك تاني، شيء.. شيء مش مفهوم مادامت المعادلة السيسيولوجية، فينا إحنا وفيه هو غير محلولة، ما اتعرفتش مفرداتها .. هناك كمان توازن بين قوى العمل في المجتمع الغربي، بمعنى أنه متوائم مع نفسه، ثقافته الفوقية هي ثقافته التحتية، إحنا عندنا لأ.. إحنا عندنا فيه ثقافة الحاكم، وثقافة المحكوم، إحنا عندنا وضع فيه شذوذ، فيه.. فيه فجوة بين الحاكم، والمحكوم، لما الحاكم يحب يعمل حاجه ما يلجأش لصندوق الانتخاب، يأخذ قرارًا، عبد الناصر –مثلاً، أنا هأديك مثال عبد الناصر شوف الخيانة اللي عملها لنا كلنا-يعمل اشتراكية، ونوابه كلهم من اليمين السياسي عبد الحكيم عامر، زكريا محي الدين، وحسين الشافعي والأربعة..
[موجز الأخبار]
تقييم نماذج الحكم العسكرية في الوطن العربي
د.فيصل القاسم: سيد البدري قاطعتك قبل الأخبار كنت تتحدث عن التجارب العربية العسكرية.
محمد البدري: بالنسبة للتجربة المصرية اللي هي النموذج الأمثل في المنطقة إحنا عندنا نموذجًا يحتذى به ويتخذ كدرس وعبرة، نكتشف إنه هل ما عمله عبد الناصر في البلد يناظره شيء في الواقع الغربي.
يعني مثلاً لما بدأت الثورة في ظل المناخ العلماني الليبرالي، كان الليبراليون كلهم في السجن، عقل الأمة.. الجامعة كلها في السجن، النقطة الثانية: أنه عندما يطبق الاشتراكية، الاشتراكيين في السجن، لما.. لما.. يأسلم المجتمع أو يُديِّن المجتمع، يعمل الأزهر وجامعات، ويعمل مجمع البحوث، ويعمل محطة القرآن.. الإخوان في السجن، كل القوى يحطها في السجن، وهو يقوم بالدور، كما لو كان الواحد اللي عنده مفاتيح الكون، يعني مفاتيح اللعبة السياسية، لما جاء في سبعة وستين، وسقط، سلم البلد لزكريا محيي الدين لأنه عقلها فقد، سلمها وهو يميني.. انظر إلى.. كيف يتعامل الحاكم؟
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ الحاكم العسكري؟
محمد البدري: والفاشية العسكرية بالذات كما لو كانت الأمة كلها شنطة سفر بيسلمها،خذها..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ هذا الكلام نوجهه للدكتور عبد الملك في القاهرة.. دكتور عبد الملك سمعت هذا الكلام، الأنظمة العسكرية تتعامل مع مجتمعاتها كما لو كانت شنطة سفر في بعض الأحيان؟
د.أنور عبد الملك: لا يا سيدي: أنا سمعت هذا الكلام، لكن ليس هذا لغاية الآن، لكن سيادتك بدأت بباكستان بشكل غريب جدًّا، وانتقلنا لعبد الناصر وقدامنا أمثلة ثانية، هناك أحمد عرابي ومحمد علي، وإبراهيم وأمامنا التاريخ المصري العظيم صلاح الدين وقبل هذا أيام الفراعنة أيام رمسيس مش فاهم أنا الموضوع، هو موضوع تصفية حسابات، لا أفهم القضية.
أنا في رأيي لو أردنا أن نفهم القضية -فعلاً- يجب أن نرى إلى جانب ما هو متخصص هنا وهناك، ما هو عام بين المجتمعات البشرية في تاريخ الإنسانية.
عندما تكونت المجتمعات القومية أي الأمم لا أتحدث عن تكوينات مرحلية، أنا أتكلم عن أمم لها تاريخ وحسابات، نشهد أن الأقاليم المختلفة، والطبقات، والفئات الاجتماعية المختلفة، ومصادر الإيراد المختلفة، والمدارس الفقهية المختلفة تجمعت حول مركز سلطة مجتمعية، اصطلح أن نسميه الدولة.. وقيام الدولة حسب كل ما.. كل ما نعلمه أن الدولة تتكون من دوائر مجتمعية حول مركز يمارس السلطة الديمقراطية، هي ديمقراطية سلطة الشعب، ليس الشعب بدون سلطة، ونيجي بعد هذا أن هذه مجتمعات، وكلها تتمركز حول الدولة، ومركز قوة اتخذت أساليب لممارسة هذه القوة هي في بداية الأمر، القوى المسلحة.. الجيش.. الأمن.
فيه مستوى متقدم بعد هذا، مجالس منتخبة محلية إقليمية، في نهاية الأمر يعني 1815م حتى 1912م -فقط لا غير- أحزاب سياسية وانتخابات برلمانية، كل هذه أساليب لممارسة السلطة المجتمعية، إذا كان هذا هو الموضوع، يصبح السؤال كالآتي:
الحملة الشعواء غير المفهومة، أنا مش فاهم -طبعًا- حقيقية رغم الواحد يعني يده في النار طبعًا، التركيز بشكل مفاجئ على الأنظمة، على الجيش، أنا شايف.. أشتم فيه رائحة، وهي التركيز على إزالة وإضعاف الدولة الوطنية، هذا هو جوهر الموضوع.
جوهر الموضوع وراء الكلام الجميل هو ضرب وجود وشرعية الدولة الوطنية المستقلة، أيًّا كانت أنواعها.. أتوقراطية، ديمقراطية،شعبية، هناك أنواع كثيرة جدًّا، الحملة على قدم وساق منذ سنوات طويلة، وإحنا عارفين الكلام دا كلنا، ولا داعي للف والدوران، إذا كان هذا هو الموضوع فلنناقش هذا الموضوع.
د.فيصل القاسم: ليس هذا هو الموضوع، يعني الموضوع على ضوء ما حدث، دكتور ذكرت -في البداية- ذكرت كرومويل ذكرت واشنطن، ذكرت أتاتورك إلى ما هنالك من هذا الكلام، إذا نظرنا إلى آخر انقلاب عسكري في.. على الساحة الدولية ألا وهو انقلاب باكستان يا ترى ألا تعتقد أن زمن الانقلابات قد ولى، وأن الديمقراطية ضربت، وأن هذه خطوة لم تعد ملائمة -باختصار- لهذا الوقت الذي نعيشه الذي قام به الجنرال مشرف مثلاً؟
د.أنور عبد الملك: أخي العزيز، أنت أعلم مني بأمور كثيرة في هذه الدنيا، ألا تذكر معي أن الديمقراطية عادت، والاستقلال، والسيادة الوطنية عادت إلى فرنسا بفضل الجنرال ديجول وضربه للانقلابيين، وقيامه بما شبه أو بما يطلق عليه أنه انقلاب الأقلية ضد الحكم الشرعي (..)، الموضوع كبير ومتسع، ويجب أن يتناول بشيء من الحرص والحصافة بدون التنديد والإيجابية والتصفيق.. هناك عملية جدلية مركبة جدًّا، ثم –يا أخي العزيز- أنا معك أنه لا داعي للانقلابات، ماحدش مع الانقلابات إنما إذا كان هناك عصابات من المجرمين، والمستغلين، والعملاء يستغلون الشعب وقطاع من الشعب مدنيًّا مدنيًّا، أو مدنيًّا عسكريًّا، أو عسكري يتحرك، فلنترك الشعب يُقيِّم هذا ويقول كلمته، أنا لا أرى إن إحنا نؤيد أو نعارض مسبقًا..
[فاصل إعلاني]
د.فيصل القاسم: دكتور عبد الملك –قاطعتك قبل الفاصل- كنت تتحدث عن وجود عصابة من المجرمين، وإلى ما هنا لك من هذا الكلام في بلد مثل باكستان ولا بد من إعطاء الكلمة للشعب، تفضل.
د.أنور عبد الملك: لم أذكر باكستان يا عزيزي، أنا كنت بأتكلم عن ديجول أساسًا، عندما تولى السلطة بطريقة غير شرعية، بانقلاب ضد الحكومة التي كانت قائمة آنذاك، وقيل عنه أنه دخيل وأنه متآمر وهكذا، ثم ديجول أعاد الحرية والاستقلال لفرنسا والنظام الديمقراطي والدستور الجمهورية الخامسة، ولم نعد نتذكر أنه كان هذا الانقلاب المتمرد العميل الذي ثار ضد الحكم الشرعي في البلاد، المسألة.. باكستان ما اتكلمتش عنها، أنا قلت عن باكستان نترك الأمر للشعب يأخذ نفسه ويقول كلمته، وعندئذ هذه الكلمة هي الفيصل، أنا ليس لي رأي في الموضوع إيجابًا أو سلبًا، لست متخصصًا في باكستان؟
أنا أرى فرنسا بالذات لأن موضوع ديجول يكون مدروسًا بعناية، وأمامنا طرح تاريخي طويل وتاريخ يمكن نقيمه، حكاية باكستان يعني هذا الولع بباكستان –طبعًا- مسألة سلبية طبعاً مفاجأة من الكومنولث بالذات لأنه أحد لم يشجب (..)الكومنولث حتى الاتحاد الأوروبي لم يشجب، وإنما أرسل وفدًا للنقاش والحوار واستقصاء الحقائق لا أكثر ولا أقل، فلنصبر حتى الشعب يفهمنا الشعب أيه الحكاية وهو رأيه أيه، وهو مش إحنا، هو مش الكومنولث، هو مش أصحاب المصالح؛ لأنه هو صاحب المصلحة، وهو صاحب الأرض وهو صاحب الوطن، أنا لا أؤيد ولا أشجب بأقول ننتظر، وندرس.
د.فيصل القاسم: فلنصبر.
محمد البدري: بالنسبة لديجول هو ديجول في ثمانية وستين -متهيأ لي- تخلى عن عسكريته الفاشية، ومظاهرات الطلبة طواعية، تنازل، ومشى..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ الحي اللاتيني؟
محمد البدري: أه يعني دي مسألة.. وبالتالي ما نقدرش نضعه في مقارنة، أو في نوع من التشابه بين الأنظمة، زي صدام عندنا أو الأنظمة بتاعتنا ما نقدرش.. لأنه واحد التجأ إلى الشارع، التجأ إلى.. ولكن باكستان بالذات هنكتشف أن فيه حاجه غريبة فيها، أنه..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ كيف ترد على أنه فلنصبر؟ يعني لماذا الاستعجال؟
محمد البدري: لماذا الاستعجال؟! وسيادتك عاوز تحتكم إلى الشعب، طب ما تسيبه ليه تقطع عليه الطريق؟ وفيه واحد يتبنى موقفه، يتبنى موقف الشعب، ويلعب هو كل الأدوار، هأقول لسيادتك حاجة بعد سبعة وستين بعد 67 نرجع -ثانيًا- للنموذج بتاعنا الأمثل، بعد سبعة وستين لما حصل إنه عبد الناصر قال لا صوت يعلو فوق صوت المعركة..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ كي لا يكون موضوعنا عبد الناصر.. كي لا يكون موضوعنا عبد الناصر، هناك الكثير من الأمثلة، كيف ترد على كلام الدكتور عبد الملك؟
محمد البدري: ما هو النموذج الديجولي اللي هو ساقه ومعجب به لا يمثله عندنا شيئًا، نحن ما عندناش نموذج له، ما عندناش واحد اتجه للشارع في النهاية، أدي النموذج الباكستاني، عايز يعمل انتخابات –النهاردة- لمن؟ مش عايز يحتكم للشعب، دا رايح لمجموعة في مجلس الأمن القومي، أو بتوعه، وبالتالي هو مازال لا يحتاج إلى الشعب، النموذج الشرقي غير النموذج الغربي، لا في الرأسمالية، ولا في قوى الشعب ولا في العسكرية اللي تقوم بحل النظام، المقارنة صعبة، وبالتالي الديمقراطية عندهم غير الديمقراطية عندنا، الديمقراطية عندهم نابعة فعلاً من تحت، لكن إحنا عندنا يا معطاة من فوق يا مافيش خالص، ودي مفارقة، وحل معادلتها صعبة.. أنا معاك معادلتها صعبة..
هناك المثقف ما دخلش السجن.. فترة (..) في أميركا مثلاً، لكن هنا المثقف طول عمره في السجن وممتهن.. ومن ضمنهم الدكتور عبد الملك برضو امتهن وطورد في يوم من الأيام. نحن أحوج ما يكون للفكر.. لأن الفكر إحنا ما نشأش عندنا، الفكر نشأ في الغرب، الثقافة كلها ومناهج المعرفة، ونظرية المعرفة كلها نشأت في الغرب، إحنا عندنا.. إحنا عندنا أساليب أخرى للمعرفة، العقل الأسطوري والحكم الشمولي..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ دكتور عبد الملك سمعت هذا الكلام؟
د.أنور عبد الملك: طبعًا.. طبعاً بكل.. تحبني أقول أيه بالضبط؟ مش عارف أقول أيه؟!
د.فيصل القاسم: السؤال المطروح -يا دكتور عبد الملك أنت صاحب نظرية أن العبرة في المضمون وليس في الشكل، أنت تركز –دائمًا- على هذا الموضوع، العبرة بالمضمون وليس بالشكل، إذا نظرنا إلى الشكل والمضمون نرى أن الأنظمة العسكرية أنظمة -يعني كما هناك كثير من الوقائع- أنظمة ارتبطت بالتخلف والدكتاتورية، وليس هناك أي مثل يشذ عن هذه القاعدة، كما قال السيد البدري كيف ترد؟ سؤال بسيط.
د.أنور عبد الملك: لا أبدًا، المسألة.. شوف ازاي -يا أستاذ- ما تحرجنيش في أسود وأبيض، المسألة مش بالشكل دا، أنظمة عسكرية كثيرة حققت أشياءً عظيمةً جدًّا، بداية من الثورة المكسيكية، فنزويلا اليوم، جيش تحرير شعب فلسطين، عمليات كثيرة، المسألة ليست بهذه البساطة، المضمون.. المضمون هو الذي يحدد مدى الإفادة ونوعية الحكم، أنا في تقديري الديمقراطية ليست عبارة عن تعددية وأحزاب وما شابه ذلك –كما قلت وأكرر الآن- البرلمان الأول أو البرلمانيات الأولى في إنجلترا سنة خمسة وثمانين 1911-1928 قبل كده السؤال هو كالآتي:
كيف كان يدار المجتمع دون أحزاب ودون انتخابات؟ ألم يكن هناك هيئات مجالس شورى، مشاركة، وظائف ومجتمعات، (..) ليس فقط قوميات، إنما حضارات عظمى، كان هناك الكثير، وبالتالي يجب أن نتريث قبل أن نصادر، وكأن هناك شيء لعنة على الشرق وبركة على الغرب، إذا كان الغرب بركة، هذا شيء جميل جدًّا، الغرب أباد سكان هيروشيما و نجازاكي بالقنابل الذرية، وكانوا شرقاً، وكاد الغرب أن يبيد أكثر من ثلاثة ملايين فيتنامي، وكان الغرب ديمقراطي وديمقراطي، أمثلة أخرى مثل الجزائر، مثل ما تم في مصر وليبيا والسودان.. و.. و
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ لكن دكتور، نحن لا نتحدث عن الديمقراطية في العلاقات الخارجية، الديمقراطية في العلاقات الخارجية مختلفة تمامًا، نحن نتحدث عن فن حكم المجتمعات.
د.أنور عبد الملك: سليم.. سليم كلام سليم، أنا معك تمامًا، اللي عايز أقوله كما يلي: الديمقراطية ليست في شكل الحكم، إنما في مضمون وناتج الحكم.. في تقديري الديمقراطية هي ثلاث مراتب، وليس الأحزاب، ولا التعددية، ولا الانتخابات، الديمقراطية هي أن يشترك الشعب.. جماهير الشعب العامل.. العنصر في اتخاذ القرار.. في تحديد القرار.
نمرة اثنين: أن تشارك هذه الجماهير على أوسع نطاق في مراقبة تنفيذ القرار.
وثالثًا: أن تستفيد هذه الجماهير على أوسع نطاق من ثمار تطبيق هذا القرار..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ ولكن كل ذلك لا يحدث في كل الأنظمة العسكرية.. كل ذلك لا يحدث في ظل الأنظمة العسكرية؟!
د.أنور عبد الملك: والله دا رأيك، الموضوع طويل جدًّا..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ أريد جوابًا على ذلك.
د.أنور عبد الملك: أنا قلت لك المكسيك وفنزويلا والصين، وسيادتك ما سمعتش الكلام دا كله، عايز تركز على أشخاص معينين دا موضوع طبعًا من شأنك، إنما اللي أنا عايز أقوله.. اللي عايز أقوله أن تحرير مضموني هو الذي يمكن.. أنا دخلت خطوة في فهم الأمور، وقد نصل إلى بعض مناهج مشتركة، إنما إحنا نركز على الشكل فقط دون المضمون، يخيل إلىًّ دا منهج ومدخل، هنسميه إزاي.. إشكالي، ولن يؤدي إلا إلى فراغ، يعني هندور في لفة، ولا شيء..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ ممتاز ، سيد بدري
محمد البدري: يا أستاذي الفاضل مشكلتنا مش المكسيك ولا شيلي، إحنا مشكلتنا في الشرق هنا، إحنا أبناء هنا، خلينا نركز على هنا، وبالتالي الهم بتاعنا هو هنا، لا يمكن التصفيق للمكسيك حتى ولو كانت تجربة ناجحة، ماذا فعلنا؟ ما هو المضمون؟ أين هي قوى الشعب العامل اللي ساهمت في بناء الديمقراطية عندنا؟ لا يوجد،لم يحدث.
د.أنور عبد الملك: أنا همي همك يا صديقي العزيز، همي همك، وفاهم كلامك بدقة، آخذ مثلاً مصر بس يعني هأعوق شويه، هأخش جوه شويه، منذ محمد علي هو وإبراهيم هما اللذان يعني أقاما نهضة الدولة المصرية، ومنها النهضة الصناعية، والعلمية والفكرية، والثقافية والاقتصادية إلى درجة يعني جمّعت.. اجتمعت أوروبا كلها سنة 1840 لضرب محمد علي وإبراهيم، بعد هذا جاء تحرك الجيش أيام عرابي، وكان قبل عرابي الخديوي إسماعيل، وإسماعيل أقام نفس نظام محمد علي -إن جاز التعبير- مع إضافة مجلس الشورى.. أول مجلس نيابي منتخب في العالم العربي و الشرق الإسلامي، وضرب بالسلاح، وبعد هذا شاهدنا ما يلي:
الوفد التجربة العظمى في مصر من الناحية الديمقراطية الليبرالية، على ما أعتقد هي الوفد.. الوفد الذي أقامه ليس سعد زغلول في حد ذاته، وإنما التنظيم السري بقيادة العقيد عبد الوهاب فهمي سكرتير عام الوفد المصري، الذي أُبعد بطلب الإنجليز كي يقبلوا وصولاً لمصر إلى لندن، ثم جاء الوفد العظيم، وأنا من يعني أسرة من وفدية عريقة وفي قلب هذا التنظيم الذي ذكرته، الوفد جاء وهو الذي أعاد الجيش إلى قوته عندما تولى حمزة سيف النصر باشا وزارة الحربية سنة 1935م، 1936م فأعاد الجيش، وفتح الكلية الحربية لأبناء الشعب، ومنهم الضباط الأحرار فيما بعد.
العملية مركبة جدًّا ليست بالتفصيل الأسود وبالأبيض، وبالتالي التحليل المضموني لناتج العملية الاجتماعية هو الفيصل، ليس هل هو لابسًا بذلة أم قالع البذله، المسألة مش مطروحة خالص إلا من حيث الحساسيات، وهي مشروعة بأي شكل، ومن حيث أشكال ممارسة السلطة، وهو أيضًا باب قد يكون مؤلمًا -أحيانًا- أو رطبًا أحيانًا أخرى، أنا بأتفرج على نواحِ كثيرة في مختلف البلدان -نترك مصر نهائيًّا- العربية التي تشمئز من العسكر ماذا تسمى؟ هذه البلاد قواعد حربية إستراتيجية ونووية، الإمبريالية –اليوم- بأي حق تتحقق.. تتحدث عن أنظمة عسكرية لعبت دورًا في المعركة الرئيسية ضد الاستعمار رغم كل ما شابها من سلبيات.
ما معنى هذا الكلام؟ يوجه هذا الكلام إلى أصحاب الشأن مش لينا إحنا، يسألون أنفسهم هم: أنصار المدنية أم العسكر؟ لماذا تحولت بلادهم إلى قواعد حربية، وعمالة لاستعمار إمبريالي؟ ما معنى هذا؟
د.فيصل القاسم: سؤال وجيه.
محمد البدري: يعني النظام العسكري -بطبعه- لا بد أن ينحاز لأحد، دي مشكلة النظام العسكري، ما هياش.. ما هواش مبرأً تمامًا، أنا هأقول لسيادتك حاجة..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ لكن هناك كثير من النقاط..
محمد البدري]مقاطعاً:[ هناك كثير من النقاط
د.فيصل القاسم [مقاطعاً]: موضوع الوفد.. موضوع إعادة جدولة الجيش..
محمد البدري ]مقاطعاً:[ موضوع الوفد.. بالضبط أنا كنت لسة هأخش في الموضوع دا..
د.فيصل القاسم: يجب ألا نركز.. لابس بذلة عسكرية، أو لابس بذلة مدنية وإلى ما هنالك، العبرة.. ليست بهذه البساطة أسود وأبيض.
محمد البدري: بالضبط، في الوفد من 1919م إلى 1952م، هي منظومة القيم التي كانت في المجتمع أيه، كل القوى في المجتمع بتتحرك، وبتخلق ثقافتها، وبتخلق تشكيلاتها الاجتماعية، وهي اللي حاربت على فكرة، وهي اللي حاربت الإنجليز، وهي التي وقفت قصاده، والإنجليز النهاردة لما.. لما بيخرجوا يخرجون من الدافع الشعبي التحتي.
لكن هل بعد 1952م منظومة القيم كانت هي نفسها المنظومة -يعني مثلاً- في الجامعة عندنا، أنا هأدي لك مثالاً لمنظومة القيم، أنا يهمني لأنها المعين المعرفي اللي يمكن ينطلق منه المجتمع وقيمه الخلقية، النقطة أنه الجامعة في 1928م، لما ألف الدكتور طه حسين مثلاً كتابه في الشعر الجاهلي، وعمل منهج نقدي، ماذا حدث؟! يستقيل أستاذ جامعة.. يستقيل مدير الجامعة احتجاجًا على أن الجامعة تمتهن، إحنا عندنا –النهاردة- أستاذ جامعي يطرد، ويطلق من زوجته ولا يتحرك أحد، أين منظومة القيم؟ تآكلت، ومن المسؤول عن تآكلها؟ ومن المسؤول عن صناعة العقل اللي -في النهاية- يمتهن العلم والمعرفة؟ بدون علم أو معرفة، يعني مقولة فرويد الأساسية: من لديه علم وفن لديه دين، ومن ليس لديه علم ولا فن يدور له عن دين.. النقطة أنه ليس لدينا..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ ومن هو المسؤول عن.. يعني هذا هو السؤال
محمد البدري: الحاكم، نظام الحكم هو من؟ صناعة الحكم؟.. نحن نصنع تاريخنا بقى لنا منذ 2000 سنة، نصنع بشكل فوقي، لم نصنع بشكل تحتي، وهذا هو الفرق بيني وبين الدكتور عبد الملك، دكتور عبد الملك عايز نفس النسق القديم العسكري على أنه مبرأ ومنزه وبريء، لكن ما حدش ضامن دا، دا مش مضمون، الوحيد اللي المضمون.. هو الناس اللي تعمل تحت، وهذا ما تحاول مصر النهاردة في مصر.. بنحاول نعمل دا، نحاول نخلق كوادر مجتمعية تحتية من خلال عمل وإنتاج، تخلق كوادر جديدة تتغلب على الفساد القديم، ومش عارفين، لأن المعوق من التراث التاريخي.. ومن التراكم التاريخي صعب وثقيل..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ لنأخذ المفكر جورج الطرابيشي من باريس تفضل يا سيدي، يبدو أننا فقدنا الاتصال مع السيد جورج الطرابيشي، نأخذ السيد ضياء رشوان من القاهرة تفضل يا سيدي، السيد رشوان يبدو -أيضًا- ليس هناك.. فقدنا الاتصال، نعود إلى القاهرة الدكتور عبد الملك كيف ترد على السيد البدري؟
د.أنور عبد الملك: لا يا سيدي، أنا لا أرد، أنا لست في مجابهة، نحن في حوار، وحوار أخوي، أنا لا أفهم -إطلاقًا- كيف يقال أنني أعود إلى البداية، وأبرر (..) العسكرية لا علاقة لي -إطلاقًا- بهذا الموضوع، هناك مقولة، وهناك كتابات، وهناك أفكار، وإذا كان الموضوع سيستمر هكذا، فأنا نصيحتي إلى الأخوة الكرام الذين يرون هذا أن يطالعوا كتبي ويدرسوها بعناية، أنا لم أقل هذا –إطلاقًا- أنا بأتكلم عن مضمون نظام الحكم، لا أحد يتحدث عن بذلة، أو لا بذلة..
محمد البدري ]مقاطعاً:[ يا دكتور إحنا.. في كتاب حضرتك ذكرت، وحللت شكل قوى المجتمع اللي الموجودة، من يملك ماذا؟ ومن يعمل والتركيبة المجتمعية؟ وكان فيه عدد الفقراء.. كان مصر تعدادها في ذلك الوقت لحد 1952م حوالي 22 مليونًا، النهاردة إحنا لدينا 23 مليونًا تحت خط الفقر، يعني خلقنا مصر موازية، ومصر داخل مصر جديدة، كلها تحت خط الفقر، في50 سنة، تحت أي نسق، وتحت أي نظام، وتحت أي سيطرة، وتحت أي.. يعني مش إحنا اللي عملناها بقى، لا أنا ولا حضرتك، مشكلة..
د.أنور عبد الملك ]مقاطعاً:[ لو أذنت لي أعلق على، لأ دي ناحية مضمونية يمكن التعليق عليها بشكل إيجابي، لا.. تذكر أخي العزيز الهند بلد ديمقراطية محمودة في كل مكان في أروقة الكومنولث وغير الكومنولث، حسب الإحصائيات من حوالي شهر ونصف 58% من سكان الهند يعيش تحت مستوى الفقر وفي جهالة، ماذا نقول؟ أهي ديمقراطية؟ أم ديمقراطية صورية؟ وليست ديمقراطية، حيث نظام الفئات المتناثرة للكسب الذي لا مثيل له في العالم، يحول عشرات الملايين إلى عبيد ومنبوذين، المسألة مركبة جدًّا، و الخصوصيات لا بد أن تدرس، ولكن هناك نقطة مهمة: المضمون.
لو أخذنا المضمون، فأنا أقول: إن في حالة الهند العزيز علينا لا أرى أن هناك ما يسمى الديمقراطية بالمعنى الواسع، وإنما أرى هذا في الصين بشكل قاطع، وأنت تعلم هذا الموضوع طبعًا، وأرى هذا في اليابان، دا موضوع تاني خالص، إحنا لا نتكلم في الشكل غير المضمون، إحنا متفقون في المضمون، المسألة التي تكلمت بها، وهي مسألة أستاذ الجامعة الذي يطرد، وفرويد ولم أكن أعرف هذه المقولة لفرويد، إنما حكاية الجامعة أعرفها -طبعًا- بدقة.
أنا في رأيي أنه هذه الآراء التي أدت إلى هذه الإجراءات المؤسفة كان مصدرها تأثير النظرة السلفية الخارجة عن مصر الداخلة إليها بعد 1973م.. بعد 1975م، وليست مصرية، الإنسان المصري سَمِح، حضارتنا متفتحة، ودولتنا -رغم الأخطاء الكثيرة- في ظروف كثيرة كانت دايماً تأخذ وتدي، إنما -الآن- هذا التجريم ليس مصريًّا، وإنما هبَّ على مصر، ولا شك أنك تعلم كيف ولماذا ومن أين ومن؟ لا أحاول أن أبرئ الدولة، لا، وإنما أحاول أن أفسر -فقط- لماذا هذه الأمور المؤسفة حدثت؟ وليست -فقط- من ناحية واحدة، قد يكون هناك أمور مؤسفة من ناحيتين، قد نخطو، لماذا نخطو خطوة للأمام ونطور هذا الموضوع إلى جبهات.. جبهات مناقشة مضامين أخرى.. مواضيع أخرى.. وفيها تجربة ميدانية نعيشها..
[فاصل إعلاني]
الفوارق الأساسية بين النظام العسكري والنظام الديمقراطي
د.فيصل القاسم: السيد البدري هنا في الاستوديو يعني لنعد إلى المدخل الرئيسي، ألا وهو الانقلاب الأخير في باكستان، أنا أريد أن أسأل سؤالاً: يا ترى ألا تعتقد أنه من الأفضل ألف مرة بالنسبة لباكستان أن يحدث فيها مثل هذا الانقلاب، على أن تسير بنفس الطريقة الديمقراطية -بين قوسين- التي كانت تسير فيها، وأوصلتها إلى هذا الحد؟ انظر إلى الترحيب الجماهيري الكبير بالجنرال مشرف وهذه الإدانة الكبيرة لرئيس الوزراء المنتخب -أيضًا- بين قوسين؟!
محمد البدري: ما هي دي النقطة الجوهرية، إنه إحنا لم نترك المدنيين يكتسبوا ويكسبوا حريتهم بأيديهم، ويأخذون إيصالاً ولو لمرة واحدة، يعني الغرب لما عمل ثوراته كان بيأخذ الإيصال مرة واحدة، ويشهره في كل من يحاول يستلب منه السلطة، إحنا لحد النهاردة ما عملنهاش، دائمًا نقطع عليه الطريق، من اللي رحب بالجنرال الجديد جماعة (..) ما حدش رحب إلا كده وآلة الحرب الغربية.. على فكرة رغم أنه لا يصدق، لا، هو في خدمتها، العسكري عامة -النهاردة- يجب أنه –بحصافة- يبتعد عن مسألة الحكم، ويجعلها مدنية، ويقيم مؤسسة مدنية لسبب بسيط أن آلة الحرب الغربية لن تجد أفضل من العسكري لاستهلاك السلاح، ويستهلكها في الغالب ضد شعوب أخرى..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ لكن فيه مثل باكستان وبلدان نامية أخرى، العسكر هم القوة الأكثر تنظيمًا في كل هذه المجتمعات، وهي بالتالي الأكثر قدرة على حكم البلاد، هذا..
محمد البدري]مقاطعاً:[ من قال أنها أكثر تنظيمًا، إحنا عندنا أنا هأديك مثالاً برضو، نموذج الأوحد في المنطقة هو 1967م أثبت أن الجيش أكثر تنظيمًا.. من قال كده؟ من يقول دي في 1967م ما حصلش..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ لكن في باكستان الجيش، وبلدان العالم الثالث.. هناك مقولة مشهورة لأحمد سيكوتوري: أنه عندما تنعدم الطبقات في أي مجتمع -وأنت تعلم- وأنت بحاجة للطبقات.. لوجود طبقات كي تبني نظامًا ديمقراطيًّا، في حال انعدام مثل هذه الطبقات يصبح الجيش وهو القوة الأكثر تنظيمًا، يعني الأكثر قدرة أيضاً على حكم هذه البلاد، وهو الأكثر قدرة على إدارتها..
محمد البدري]مقاطعاً:[ ما هي دي النقطة اللي أنا قلتها في الأول، الجيش هو إفراز للمجتمع، المجتمع ليس منضبطًا، وعشوائيًّا هيفرز جيشًا عشوائيًّا، وهو دا اللي عندنا، مثلاً.. أنا أقول لحضرتك حاجة الجيش فيما قبل 1952م، كان مجتمع طبقات، ومجتمع طبقات صارم ومحدد الملامح، وبكل قسوة، وكل طبقة بتحارب من أجل مصالحها، كان عندنا جيش بأسلحة فاسدة، اسأل الدكتور عبد الملك بأسلحة فاسدة حارب قد أيه في فلسطين؟ والجيش المنضبط بعد 1967م حارب قد أيه في سيناء 1967م، وفترة الحرب قد أيه؟ والأسلحة فاسدة، تتشرح إزاي؟!..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ كي لا يكون التركيز على مثال واحد، لنأخذ السيد ضياء رشوان من القاهرة، تفضل يا سيدي.
ضياء رشوان: مساء الخير.
د.فيصل القاسم:ميت هلا.
ضياء رشوان: في الحقيقة أنا مشفق للغاية على الأستاذ الدكتور أنور عبد الملك من هذه المواجهة، ولا يأتي إشفاقي إلا من تفرع المناقشة إلى نقاط كثيرة كنت لا أتوقع أن يتطرق إليها النقاش من الأخ البدري، في كل الأحوال ملاحظاتي الرئيسية هي على ما قاله الأخ البدري، الملاحظة المحورية فيما قاله هي أنه يركز على مقارنة.. مقابلة بين الجيش وبين المجتمعات الديمقراطية، وعندما أجرى تحليله -وخاصة في بلادنا العربية والشرق- كان هناك عنصر غائب لم ألمحه -إطلاقًا- في حديثه وهو العنصر الخارجي.
وهو هذا العنصر الذي بدا غائبًا للغاية في حديثه عن 1967م، تحدث عن 1967م وكأن الفاعل غائباً، لم نر فاعلاً حقيقيًّا في 1967م تناسى الأخ البدري أو نسي أن الفاعل في 1967م كان إسرائيل، ونسي أن السبب الرئيسي في وجود هذه النظم العسكرية في بلادنا هو أن هذه البلدان كانت دائماً إما محتلة بعسكر من الغرب، أو مهددة بعسكر آخرين مستوطنين في هذه الدولة الإسرائيلية، وأظن أن هذا السبب الأساسي -في هذه الحالة- لم يكن متواجدًّا في الدول الغربية التي يتيه بها، ويحبها إلى حد العشق، والتي يظن أنها النموذج، حتى لا نذهب بعيدًا..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ هل ينطبق ذلك على باكستان سيد رشوان؟
ضياء رشوان: أظن قبل أن نذهب إلى باكستان، لنذهب إلى إسرائيل، وليقل لنا السيد البدري وقد يكون هذا في صيغة سؤال: ما هو رأيه ليس في هذا النظام العسكري؟ بل ما هو رأيه في هذا المجتمع العسكري؟ هذا المجتمع الذي يتيه السيد البدري ورفاق له في نفس التيار بديمقراطية هذه الدولة، كيف يتأتى الحديث عن ديمقراطية إسرائيلية؟ رأينا الحديث المثير عنها في الانتخابات الأخيرة، ومجتمع كله عسكريين، ومجتمع ليست له وظيفة إلا الاحتلال العسكري، أظن أن هذا العنصر الخارجي عنصر مهم في أي تحليل للنظم العسكرية في هذه المنطقة، وأظن -أيضًا- أنه حتى في الغرب في الدول الديمقراطية في الأزمات الكبرى التي يلوح بها شبح المواجهات الخارجية لا يوجد إلا العسكر كي يحكموه.
وأظن أن الأخ البدري لو تابع -بدقة- ما حدث إبان حرب الخليج في دول الغرب جميعًا من الولايات المتحدة الأميركية حتى دول أوروبا الغربية، والتي لم تكن بلادًا محتلة، والتي كانت تدافع أو تزعم أنها تدافع عن الكويت، والتي كانت بمنأى عن نيران العراق كان الذي يحكم -حقيقة- في هذه البلدان في ذلك الوقت هم النخب العسكرية، وحتى دساتير من هذه البلدان في حالة مثل هذه الحروب تُلغي حالة الديمقراطية، فما بالك نحن وقد كنا طيلة هذا القرن -على الأقل أو القرن السابق- في حالة حرب مع مستعمر لا زال يستوطن بعض من بلادنا..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ أعتقد لا تستطيع أن ترد سيد بدري؟!
محمد البدري: ليه؟ مش صعبة، هي إسرائيل مش بتتداول فيها السلطة، وهي الديمقراطية تداول السلطة، أخذ الرأي الآخر، وضع كوابح حتى لا يجمح الحاكم، ما هي دي الديمقراطية، مش دا اللي يمارس في إسرائيل، دي عسكريات.. أنا عايز عسكري بس يديني ديمقراطية، عايزين عسكريات تتداول السلطة، ساعتها مش تبقى عسكرية بقى، مش تبقى الفاشية الأحادية.. الحاكم، إسرائيل تتداول السلطة، إسرائيل لما تحتل، ما هي النقطة إن إحنا خالطين بيننا وبين.. إسرائيل تحتل أرض الغير، لكن إحنا بنحتل أرضنا بمزاجنا.
الحاكم عندنا بيحتل المواطن، بيحتل عقله، إسرائيل ما تحتلش عقل المواطن، تتركه يتظاهر فترة، وتخليه يأخذ رأيه، وتعامله.. وتعامله بمنتهى الشفقة على فكرة داخل إسرائيل تأخذ بالاعتبار أن عندنا كان يصادر.. والفرق هناك معاملة في الخارج، وهناك معاملة في الداخل.. أميركا مثلاً هل نيكسون راح ضرب المجتمع الأميركي، وقال له لا أنا أقعد وأنا أغشك؟ لم يحصل، في حين أننا نُغش.. النظام الشرقي يغش، وبرضو قاعد، والفرق إحنا خالطين بين علاقات دولية، وهي أصلاً في صراع..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ وليس فيها ديمقراطية أصلاً العلاقات الدولية لا تقوم على الديمقراطية؟
محمد البدري: بالضبط.. بالضبط، وبالتالي أنا أبقى رحيمًا جدًّا مع العدو، وقاسيًا جدًّا مع مواطني في الداخل، في حين أن هناك رحيمًا جدًّا مع مواطنه بالداخل، وقاسيًا جدًّا مع الخارج، وبالتالي هي الديمقراطية، فيه خلط –يا أستاذي الفاضل- فيه خلط..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ إذن.. إذن مجرد وجود بلدان في حالة حصار، أو مهددة من الخارج، لا يسمح أو لا يبرر وجود أنظمة عسكرية؟
محمد البدري: النموذج ده أنا أرد عليه، إسرائيل محاصرة بخمس دول، وكانت تحارب في المعركة على خمس جبهات، كلاًّ من مصر أو سوريا أو الأردن أو فلسطين أو لبنان.. كان كل واحد يحارب جبهة واحدة، هي كانت ديمقراطية، ويتداول فيها السلطة، وإحنا مهزومين، وكل واحد يحارب في جهة واحدة، تحارب خمسة، ونحن نحارب كل واحد لوحده، وبالتالي دا فيه نقطة أخطر من كده بقى، في المواجهات الخارجية التي هي بنستدرج إليها ونبلع الطعم.
لا يوجد نظام ديمقراطي يتهزم من نظام فاشي، الأرجنتين وإنجلترا، والهند وباكستان، مصر وإسرائيل، حتى فيتنام وأميركا، فيتنام في اللحظة التي انتصرت فيها على أميركا كانت ديمقراطية، أنا في رأيي كده، كان هناك تساوي، ولم يكن هناك فرق بين المواطنين، ما كانش عندهم حاجة يمتلكوها، وبالتالي هزمت أميركا، النقطة أنه لا يمكن لنظام -وهي قاعدة ليس لها شواذ- أنه لا يوجد نظام فاشي يقدر يهزم نظامًا ديمقراطيًّا، وبالتالي القاعدة دي يطبقوها عليهم مرة واحدة..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ دكتور عبد الملك
د.أنور عبد الملك: والله أنا في حالة ذهول، مش عارف أقول أيه يعني؟ حالة ذهول بمعنى الكلمة، أذكر صلاح جاهين –الله يرحمه- صديقنا العزيز عجبي.. عجبي، يعني أن نجتمع في إطار عربي للإشادة بالديمقراطية الإسرائيلية.. التي تحن على مواطنيها، يا أخي بتحن على الفلسطينيين من متى الديمقراطية الإسرائيلية
محمد البدري: عدوها –يا دكتور- هذا عدوها.. نحن عاملنا المواطنين في الداخل بعداء. دا الفلسطينيين..
د.أنور عبد الملك: أرجوك ما تنفعلش.. أنا قلبي عليك، بس ما تنفعلش.. ما تنفعلش، خليك مع الله، أنا أحاول.. أنا أحاول أن أقول لك إزاي؟ أحاول أن أهدئ من روع المستمعين عندما يستمعوا لهذا الكلام، دا كلام يعني أنا مش عارف أقول أيه؟ أنا يعني مضطر أسكت يعني، أما بقى عن القضايا الأخرى، فيتنام دي حلوة جدًّا، فعلاً فيتنام بقيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي الحديدية هزمت الديمقراطيات أولاً –وخاصة الديمقراطية الأميركية التي تعجبون بها- هزيمة لم يقم لجيش أميركا قوام بعدها، الضرب من السماء شيء، والحرب النظامية شيء آخر، انتهى الموضوع في فيتنام.
حاجة تانية الصين ربع المعمورة، وهي أهم أربعمائة مرة من كل أوروبا مجتمعة والغرب كله مجتمع، وأنت تعلم هذا، مين اللي حرر الصين؟ الديمقراطيون اللي كانوا ملتفي حول شن شوشيكو حليف الأميركان والبنوك الغربية؟ أم جيش تحرير الشعب بقيادة الحزب الشيوعي الدكتاتوري الأتوقراطي الذي زود عليه وكأنه ليس ديمقراطيًّا، وكان ديمقراطيًّا، كان يوزع الأراضي، ويحكم الفلاحين، ويقيم جبهة وطنية متحدة، هذا هو تحليل مضموني، أنا معك إذا رأيت إنه هذا التحليل.. صحيح هي –فعلاً- فيتنام بقيادة الحزب الشيوعي كانت ديمقراطية، أنا رأيي كده، وكذلك الصين، لكن ليست البلاد التي تطلق القنابل الذرية، والجرثومية، وتدمر بالقنابل بشكل جبان، بلدان بحالها، دي مش ديمقراطية، دا إرهاب هي دي إرهاب دولة..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ لكن دكتور عبد الملك أنت -دائمًا- تعود إلى الجذور، عدت إلى كرومويل عدت إلى واشنطن عدت إلى أتاتورك عدت إلى الصين إلى ما هنالك، ألا تعتقد أن الأمر يختلف، لا شك أن الجيوش تلعب دورًا كبيرًا في معركة التحرير الوطني، وتحرير التراب إلى ما هنالك، لكن ينتهي دورها عند هذا الحد، وتأكيدًا على ذلك يقول مصطفى أتاتورك -كما ذكرت- إن الضابط الذي يعمل في الميدان السياسي والعسكري معًا يصبح جنديًّا غير صالح وسياسيًّا فاسدًا، (تشرشل) قال للأدميرال (فان جلون) عليك أن تهتم بالشؤون العسكرية، أما السياسة فهي لنا، كان ذلك في ظروف احتياج تشرشل للجنرالات عند احتدام الحرب العالمية الثانية.
د.أنور عبد الملك: أنا معك يا أخي، أنا مش فاهم، إحنا مختلفين على أيه؟ أنا معك كلمة كلمة، وما تفضلت به صحيح، أنا سآخذ مثلاً الصين نظرًا لأهمية الصين في العالم اليوم، وفي الآن القريب والجيل القادم، الآن هناك عملية هامة جدًّا ذكرتها في بعض مقالات الأهرام للانتقال من نظام الحزب الواحد؟ -سميه نظام أوتوقراطي إذا أردت، وقوامه طبعًا ليس –فقط- كحزب، لكن جيش تحرير الشعب- إلى نظام أكثر مرونة، سيؤدي بعد مرحلة في نظرهم إلى ما يسمى ديمقراطية ذات معالم اقتصادية.
من ضمن ما تم ما يلي: أن الجيش الآن مُنع من جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية، وكان له أنشطة واسعة جدًّا أيام حرب التحرير، والحقيقة دي عملية هامة جدًّا، راجعة من الجيش جيشًا مهنيًّا في خدمة -طبعًا- السلطة السياسية، ولكن ليس جيشً سلطوي من الناحية المجتمعية.. الناحية الثانية الانتخابات، إذا تمت انتخابات همنا الشاغل-كلنا إحنا كلنا نحب الانتخابات، وعايزين أن ننتخب، ونُنتخب، من أجل تعبئة الجماهير المقاطعات الداخلية في الصين كلها ساحلية حيث كان معدل 4% ضد 70% من المناطق الساحلية، الحزب الشيوعي الصيني -وليس غير الحزب- قرر إباحة إطلاق الحرية بدون قيود في انتخابات المجالس القروية، والمدن، والمراكز والمقاطعات، والولايات وكافة ولايات الصين إلا بكين العاصمة ثم فوجياي وعاصمتها شنغهاي، ووان دونج وعاصمتها كانتوج كانت النتيجة أن الحزب أبعد من السلطة، إذ أن 82 % من رؤساء المجالس وأعضائها المنتخبين، ليسوا من الحزب الشيوعي، ولكنهم يدينون للحزب الشيوعي الصيني والدولة الصينية، في إمكانية الوصول إلى ديمقراطية فعلية مضمونية، ومش شكلية، مش مجرد أغلبية، لأ، السيطرة على القرار، السيطرة على تنفيذ القرار، الإفادة من مضمون القرار، هذا هو النموذج..
د.فيصل القاسم]مقاطعاً:[ لنأخذ، تريد أن ترد، أو آخذ..
محمد البدري ]مقاطعاً:[ لا أنا متفق معه طبعا.
د.فيصل القاسم: إذن لنأخذ السيد عبد الله الأحمد من بيروت تفضل يا سيدي.
عبد الله الأحمد: أسعد الله مساءكم.
د.فيصل القاسم: يا أهلاً وسهلاً.
عبد الله الأحمد: تحياتي للدكتور عبد الملك على هذا الهدوء الراقي الذي أتابعه بدقة، وتحياتي لزميلي -أيضًا- الذي يريد أن يحول هذه الحلقة إلى مصارعة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر -رحمه الله- وأنا أوافق مع الأخ رشوان على كل ما قاله من القاهرة، وأريد أن أقول للمشاهد الكريم أن مؤرخي علم الاجتماع السياسي كانوا إخوان الصفا، وقد وصفوا الجيش بأنه هو الجلد بالنسبة لبدن الإنسان، وأن أجهزة الأمن هي حواسه الخمس، وقد سبقوا علماء الاجتماع في هذا المجال بشكل دقيق وجميل جدًّا.
الفرق بين الديمقراطيات القائمة الآن، والتي يعني تعطينا شيئًا من.. أن هناك الجيش يلبس ملابس فوق جلده، بمعنى أنه متمتع بالرفاهية والتقدم التقني والإنساني وغيره، وهناك حالات معينة يخلع الجيش هذه الملابس وينزل إلى ساحة الوغى، وهذا الذي نسميه الآن حالة الصراع مع إسرائيل، والتي لا يجوز -أبدًا- أن نقوم بأي عملية تحليل للوقائع دون أن نأخذ هذا العامل بعين الاعتبار، ليس هناك مسألة الدول الخمسة المحيطة بإسرائيل، وكيف هي وكيف إسرائيل، وبهذه الحالة يجب أن نكون يقظين جدًّا إلى أن أكبر دولة عسكرية، أو عسكرت شعبها هي إسرائيل، وهي دولة -حتى الآن- تعيش بلا دستور..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ الدولة الثكنة، نعم.
عبد الله الأحمد: وهذه حالة واضحة.. هذه حالة واضحة تمامًا، فالتماهي على إسرائيل هو دائمًا بمواجهتها، لأنها ما تزال تشكل الخطر الأول والأخير، ويمكن يعذرني دكتور عبد الملك أن القياس بين اليابان وبين الولايات المتحدة والصراع هو صراع إمبرياليات على اقتسام مناطق النفوذ والمستعمرات في العالم.
نحن هنا في الوطن العربي والدول المحيطة بإسرائيل على نحو مخصص، نحن تحت آلة القمع، عندما تصدى العسكريون في حالات محددة ومدروسة تاريخيًّا، ومنها ثورة عبد الناصر وثورة البعث وغيرها، وهذا للرد على حالات سابقة كانت غير قادرة على النهوض والوقوف في وجه إسرائيل.
لذلك الديمقراطية التي نريد أن نصل إليها سوف نصل إليها عندما تتصدى الرأسمالية العربية للقيام بالدور التنموي الذي تصدت له ثورة 23 يوليو 1952م، وثورة البعث، وعندما تقوم العملية التنموية على أساس الرأسمالية العربية التي ما زالت حتى الآن تمارس أهم أدوار السمسرة، والحصول على المال بغير تعب أو بغير جهد أو بغير تركيز على النواحي العلمية ونواحي المعرفة والإبداع في بلدانها، في ذلك الوقت يكون قد بدأ العصر الديمقراطي الذي يحلم به، والذي شخَّصه جيدًا الدكتور أنور عبد الملك.
أنا أريد ألاَّ نقع في مطب، إن هناك موسيقى مدنية وموسيقى عسكرية، وهذه حقيقة، وننحاز إلى.. وأحدنا ينحاز إلى الموسيقى العسكرية على حساب الموسيقى المدنية.
الموسيقى المدنية أجمل، الموسيقى العسكرية يمكن أن تستمع بشكل مؤقت، وفي حالات الطفرة التي يريد فيها الجيش أن يردم هوة بينه وبين الأزمة، المسألة الأكثر دقة والتي أضيفها إلى ما قاله أخي السيد رشوان من القاهرة.. أن كل قوة عسكرية تريد أن تحكم، وتزيل قوة سابقة لابد أن يكون لديها مشروع سياسي لكي تنهض بهذا المشروع، ويكون هو الذي يفيض فيما بعد على المجتمع، ويتحول إلى الحالة الديمقراطية، أي أن يكون وراءه حزب، وهذا الحزب هو المسؤول عن برنامجه، وتطبيقات هذا البرنامج هي التي تشكل الحدث التاريخي الذي يحاسب عليه فرد أو جماعة، وفي إطار معركة المواجهة والتنمية مع بعضهم البعض.. هذا هو رأيي، وتحياتي للأخ عبد الملك.
د.فيصل القاسم: شكراً جزيلاً، السيد سعيد جلال من القاهرة تفضل يا سيدي.
سعيد جلال: مساء الخير.
فيصل القاسم: يا أهلاً.
سعيد جلال: الأستاذ الكبير عبد الملك حينما يحدد أن جوهر الموضوع أن حرب ضد وجود الدولة الشرعية، فهذا نوع من الاختلال الشديد، لأن المسألة -ببساطة- أن جوهر الموضوع هو أين مكان الإنسان المواطن داخل الدولة التي تتسلح بالعنف في مواجهة مواطنيها؟ إذا نظرنا إلى كل الدول العسكرية الموجودة في عالمنا العربي، وشوفنا كمَّ الضحايا للعنف، والبطش، والاعتقال، واستخدام النساء كرهائن حتى الآن، فإننا سوف نجد أن الإنسان المواطن في أرضه يمارس عليه أبشع أنواع البطش الإنساني في هذا القرن.
هذه هي المسألة، لا يمكن أن نترك -على الإطلاق- لأي قوى عسكرية، أو فاشية، أو أيًّا كانت، أن نترك لها الحبل على الغارب في استخدام القانون للبطش بمواطنيها سواء كانت هذه الدولة.. الدولة الشرعية هي الدولة التي تحترم مواطنيها وتحترم حقوق الإنسان فيها، سوريا من 1981م إلى 1983م في مناطق في داخل سوريا قُتل بالبطش العسكري، واستخدام القوة العسكرية ما يقرب -كما ينشر في مراكز البحوث والأكاديميات- من 6 إلى 12 ألف مواطن سوري كانوا يكونوا الإخوان المسلمين..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ لكن –سيد سعيد جلال- سيد سعيد جلال السؤال المطروح هنا، ألا تعتقد أن الجيوش يجب أن تتدخل في الكثير من الحالات للحفاظ على الوحدة الوطنية عندما تكون هذه الوحدة الوطنية مهددة بأبشع صور الإرهاب الداخلي؟ أنت تريد يعني أن تطلق، أنت لا تنتقد الإرهاب الداخلي لكنك تنتقد عنف الدولة.. عنف الدولة مبرر في الكثير من الأحيان في هذه الحالة.
سعيد جلال: أكثر عنف الدولة غير مبرر، وإذا كان تبرير الوحدة الوطنية يمكن أن يقبله البعض -بسذاجة- فنحن لا نقبله، نحن لسنا سذجًا الآن، فالتبرير بالوحدة الوطنية ليس بالقوة، بل هو بفتح الحوار مع جميع المواطنين الذين يشكلوا كيانات سياسية مختلفة، أو هؤلاء المواطنين الذين يشكلون مختلف الطوائف، مختلف الملل، مختلف الأديان، ونحن لا بد أن نتكلم عن أن نفتح كل القنوات الموجودة في المجتمع لكي تتناقش وتتحاور، وليس هناك في الحكم العسكري مصلحة عُليا غير مصالح العسكر، هذه مجموعة المصالح هي التي تحكمهم، وهم لن يتخلّوا عن الحكم، لأن الحكم بالنسبة لهم هو مصالح اقتصادية، وسيطرة على الدولة، وعلى أعناق المواطنين.
د.فيصل القاسم: طيب دكتور عبد الملك.
د.أنور عبد الملك: الكلام اللي تفضل به الأستاذ سعيد يعني فيه إيجابيات كثيرة، فيه نواحٍ -طبعًا- أخرى لا أود أن أتطرق إليها بأنها يعني تنبع من تجارب قطاعية أو حزبية، ليست الآن موضع البحث، أنا معاه تماماً في نقطة معينة، وهي أن الدولة سواء كان لها طابع عسكري، أو مدني يجب أن تحترم حقوق الشعب، يجب أن تساعد بقدر الطاقة، هي لا تساعد، إنما يجب أن تساعد -بقدر الطاقة- جماهير الشعب، وهي تنتزع انتزاعًا عبر معاركها حق المشاركة، في صياغة القرار، وتنفيذ القرار، والإفادة من القرار، دا -طبعًا- كلام سليم.
يعني إذا كنا بندين بعض الأنظمة العسكرية لما قامت به، أو قيل أنها قامت به، وقد تكون هذه غير حقيقية، لماذا لا ندين ما تم في المرحلة الأولى من الثورة الإسلامية في إيران؟ لماذا لا ندين ما يتم –الآن- في الهند الديمقراطية بالنسبة لإخواننا المسلمين من قبل الحكومة الهندوسية، وما تقوم به هذه الحكومة وقبلها حكومة حزب المؤتمر الديمقراطي العلماني بالنسبة للطبقات المحرومة (الكاستا) اللي هي تمثل في حرمانها أكثر من نصف الشعب.
حريات.. حقوق على العين والرأس، وإنما المهم أن ندقق النظر في المضمون –كما قلت-وليس في البذلة التي يلبسها ذلك الذي يرفض منح الشعب حق ممارسة الحقوق سواء أكان مدنيًّا أو عسكريًا..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ طب يعني لم ترد على أنه يعني العسكر لديهم مصالح، يعني هم يحكمون من أجل مصالحهم بالدرجة الأولى، وكل العملية هي مجموعة من المصالح، والحكم بالنسبة لهم مصلحة، ليس إلا.
د.أنور عبد الملك: طب ما هو يعني يا صديقي العزيز، الكلام دا يمكن أن يقال عن أي حزب، عن أي دولة، عن أي نوع من السلطة، أنا لا أفهم أن العسكر يتصفون بصفة بيولوجية، أنهم غير المدنيين السلطويين السياسيين، كانوا -مثلاً- مثقفين ليسوا مواطنين، من قال كده؟ يعني ما معنى هذا الكلام؟ إحنا بندين مضمون ممارسة غير مقبول بالنسبة لحقوق الشعوب والإنسان سواء كان مدنيًّا، أو عسكريًّا، لا ندين بذلة، دا شيء غريب جدًّا..
وفي تراث مصر أنا أرجو.. أرجو أن أطرح بين قوسين لا نتحدث فيها عن مصر، في تراث مصر -من أيام الفراعنة، وحتى اليوم- جيش الوطن له مكانة، أنا أقول جيش الوطن له مكانة مركزية في قلوب المصريين، لأنه لعب -بوجه عام- رغم طبعاً السلبيات دور إيجابي عظيم من أيام معركة قادش حتى العبور، هذا واقع.. هذا واقع، صلاح الدين، محمد علي و..، يعني العملية يجب أن تقيَّم بهدوء، وأن تصنف الأمور بعيدًا عن البذلة، أو لا بذلة، مضمون الحكم من البداية..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ مضمون الحكم -من البداية- لماذا التمييز؟ يعني دكتور عبد الملك يركز منذ البداية، بأنه يجب ألا نُخدع بالشكل العام –إذا صح التعبير- بذلة عسكرية، أو بذلة مدنية، هل تعتقد أن الأمر كذلك؟ أم أنه يعني يجب أن نخدع، يجب أن..
محمد البدري]مقاطعاً:[ يجب أن ننظر إلى الأمور بعمق، ومن زوايا متعددة، الحقيقة متعددة الجوانب، ماهياش أحادية الجانب، وإلا ما كانش تعددت المناهج مناهج الرؤيا، النقطة أنه نحن نحمل إرث عسكري قمعي لأكثر من 2000 سنة، ودي نقطة يعني إحنا.. إحنا في مصر بالذات نموذج عامل ريكورد في كل حاجة يبني أكبر الأهرام، ويخش أسرى حرب، وكده يعني..
[موجز الأخبار]
د.فيصل القاسم: السيد البدري –قاطعتك قبل الأخبار- نريد أن ترد على بعض المكالمات أيضًا.
محمد البدري: أعتقد أن الأستاذ عبد الله الأحمد أثار نقطة متناقضة في ذاتها مع بعضها، يعني ما فيش رأسمالية، وعندنا مجموعة من التجار، جميل جدًّا، لكن كيف يريد حزبًا في النهاية؟ وفين الكوادر التحتية في المجتمع اللي تعمل حزبًا؟ يعني أين هي قوى الإنتاج بشكليها؟ بتوزيعها الطبقي؟ بين من هو فوق، ومن هو تحت؟ عشان يتصارعوا في عملية جدلية يومية، في عملية إنتاج لخلق نظرية معرفة تكوِّن حزبها، وتكوِّن أيديولوجيتها، وبالتالي تكوِّن حزبها، إذا كان ما فيش هل العسكري هو اللي يقدر يقوم بها؟ مش ممكن.
ما إحنا عندنا التجربة قائمة، ونتائجها نشهد عليها، كون أنه ما فيش رأسمالية أو رأسماليات بتقوم بالسمسرة، دي مشكلة الثقافة العربية، ما تصدرهاليش، أنا عندي كثير من الشكوك في الثقافة العربية، وكثير من النقد للثقافة العربية، هي بتكرس الاتجاه التجاري، ما بتكرسش الاتجاه العلمي المعرفي، ما بتكرسش العلم، وبالتالي اللي أنشأ علمًا و.. و.. هو الذي ساب تاريخيا بشكل يمكن.. بشكل درويني حتى، إحنا متأخرين جدًّا، وبعدين نطالب بعسكريات تيجي تقوم هي بالدور، طب ما هو قامت، يا سيدي الفاضل نحن نريد نظرية معرفة، نريد علمًا، نريد جامعات حقيقية، نريد متعلمًا، نريد مثقفًا على..
وأظن الدكتور عبد الملك يوافقني على كدة -على نسق درانشي المثقف الذي يوجه دفة الحكم، ويضبط إيقاع المجتمع، ويعمل له نوع من الدقة، ويزيد إنتاجيته، هذا المثقف كان في السجن، ولحد النهاردة ممتهن ومضطهد، ولا يوجد بديل له، وبعدين عايزين حزبًا، طبعًا مش ممكن هذه المناقضة.. الأخ الأحمد يحلها مع ذاته قبل ما يصدرها لنا.
لكن أنا فيه نقطة أساسية عندي، اللي هي ما هو الديمقراطيات والحريات المتاحة في ظل نظام عسكري؟ أين هو العدل الاجتماعي؟ أين هي الثقافة والمعرفة اللي اكتسبت؟ وأصبح المواطن التحتي ما بيبقاش عقله أسطوري غيبي، على فكرة كل المنطقة النهاردة عقلها أسطوري وغيبي، بسبب العسكريات الفاشية التي لم تكرس لا علمًا، ولا معرفة في عقل المواطن، هل فيه بديل ثان؟..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ لم تكرس لا علمًا ولا.. لكن هذا قد ينطبق على منطقة دون أخرى، انظر إلى الثورات التكنولوجية التي أقامها العسكر في العديد من البلدان، القنبلة النووية الباكستانية وراءها العسكر، القوة التكنولوجية الكبيرة من صواريخ وغير صواريخ في كوريا الشمالية وراءها العسكر، لا تستطيع أن تعمم في هذه الحالة.
محمد البدري: مش حكاية وراءها العسكر.. الحكاية أين هي.. أين هي القاعدة عند المواطن التحتي وأحزابه وتشكُّلاته الاجتماعية وثقافته عشان..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ هذه ليست مشكلة العسكر في هذه الحالة، هي مشكلة مجتمعات، العسكر استطاعوا أن يكونوا القوة الأكثر تنظيمًا، وبالتالي أن يكونوا قادرين على النهوض بالمجتمع علميًّا وتقنيًّا.. لدينا..
محمد البدري: ما قامش.. باكستان.. هل دا باكستان..
د.فيصل القاسم: طبعاً القنبلة النووية..
محمد البدري ]مقاطعاً:[ أنا ممكن أشتري قنبلة نووية، يمكن أن أهرب قنبلة نووية..
د.فيصل القاسم: لكن باكستان صنعتها بمباركة وبإشراف العسكر، وكذلك..
محمد البدري ]مقاطعاً:[ يا أستاذي الفاضل، أنت خلي بالك حضرتك بتدافع عن امتلاك قوة التدمير، وتعتبرها علم ومعرفة.. لأ علم ومعرفة، أن أعمل -في الواقع- وأنتج أولاً رغيف الخبز، لكن العسكريات كلها، كان فيه واحد كان عايز يشتريها، غرب مصر عايز يشتريها شراءً، هل تصدق مجتمعًا 2.5 مليون نامي، ورأسه الذي لا يكبحه أحد معه قنبلة نووية، تثق فيه دا؟ مش ممكن، يعني مسألة إن القنبلة النووية دي مسألة خطر خصوصًا في مجتمعات غير ديمقراطية لا يوجد كابح لها، ربما أميركا استعملتها لكن كان الثمن الذي يندفع من أجل أن يعرف العالم خطرها قد أيه، دي.. دي مشكلة أن تمتلك سلاحًا، ولا تملك قاعدة تحتية..
معدلات التنمية المتكونة بفعل الأنظمة العسكرية
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ لكن السؤال المطروح:إذا نظرنا إلى التنمية ومعدلات التنمية، يعني أنت تعتبر والذين يعني يسيرون على نهج.. على نفس هذا النهج الفكري يعتبرون الصين دولة شمولية دكتاتورية، ويعتبرون -أيضًا- دول جنوب شرق آسيا دكتاتوريات وأنظمة شمولية، انظر إلى النهضة الاقتصادية التي قامت بها تلك البلدان، يعني يعتبرون نمورًا، الصين حققت أكبر معدل نمو اقتصادي في العالم، وصلت إلى ثلاثة عشر في المائة في ظل نظام دكتاتوري وشمولي، إذن لا يمكن الربط -دائمًا- بين التخلف والأنظمة الشمولية، والعسكرية، والدكتاتورية، هذا خطأ شائع وخطأ كبير؟
محمد البدري: دا اللي أنا قلته في أول البرنامج إن كل حالة.. حالة خاصة، لما فصلت المكسيك وفصلت الشرق..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ أنت تقول.. أنت تقول أن هناك شواذ.
محمد البدري: أنا فصلت يا أستاذ، أنا فصلت.. أولاً حكاية مليون وربع، صعب قوي أنك تخترع لهم نظامًا على النسق الغربي الذي تطوره..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ مليار وربع.
محمد البدري [مستأنفاً]: sorry.. مليار وربع تخترع لهم نظامًا، صعب، وبالتالي هم بحكمة، وحتى في الصراع بين خروشوف وبين ماو تسي تونغ حينما كان الصراع قائمًا على الأيدلوجية وكيف يتم تطويرها، واضح أن روسيا فشلت وانهارت، هناك حالة خاصة بالصين وبالتالي يجب..
فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ وهل هناك حالة خاصة لجنوب شرق آسيا؟
محمد البدري: لكن تعالى بقى.. تعالى بقى لجنوب شرق آسيا، هناك تنميات، ولكن لا توجد ديمقراطيات، وبالتالي بلد زي إندونيسيا وقعت، كوريا فيها مشاكل، أيه معنى أن مجتمعًا ليل نهار..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ طيب لماذا نضع اللوم على إندونيسيا وعلى الدكتاتوريات الموجودة في جنوب شرق آسيا، ولا نضع اللوم على المؤامرات الغربية المالية، وعلى المضاربين بالعملة الذين أدوا إلى انهيار الاقتصاديات في جنوب شرق آسيا؟ لماذا؟ المسؤول عن هذه النهضة الاقتصادية هي القوات المسلحة والجيش والطبقة الحاكمة من هؤلاء، أما السقوط فلا يُعزى إلى الطبقة العسكرية، بل يُعزى إلى المؤامرة الغربية بالدرجة الأولى.
محمد البدري: أنا موافق معك، ولكن المؤامرة مش للدرجة دي.. بمعنى أنه عندما.. عندما يعتمد النظام العسكري الرأسمالية -كنظام- للتقدم عليه أن يقبل كل مواضعتها، كل مواضعتها الرأسمالية، الرأسمالية إنتاج معرفة، إنتاج ديمقراطيات.. إنتاج نقابات، نبص للنسق الغربي شكله أيه؟ صراعات في الداخل، ولكن هل المواضعات دي تمت بها التنمية في المجتمع الشرقي؟ أم قمع ماركوس، إندونيسيا، كوريا
د.فيصل القاسم: بورما وتايلاند..
محمد البدري [مستأنفاً]: وبالتالي هي عليهم علامة استفهام.. علامة استفهام لم يجب عليها أحد بعد، ولكن أنا هأرجع ثانيًا للنسق المصري عندما نقبل إحنا المشروع الأميركي في مبادرة..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ كي لا يكون الموضوع عن مصر أنا أريد أن أعطي الكلمة للدكتور عبد الملك في القاهرة، تفضل يا سيدي.
د.أنور عبد الملك: لو حتديني الكلمة لأتحدث عن غير مصر! على كل حال يعني الموضوع اتسع إلى درجة من الصعب لمّه يعني، لست أدري ما قبل، إنما ما تفضلت به عن الحديث عن آسيا الشرقية، والصين في غاية الأهمية..
أنا في تقديري إن تاريخ الإنسانية في القرون الحديثة لم يُتح أي مثال للتنمية الإستراتيجية القومية بعيدة المدى إلا على أيدي أنظمة دكتاتورية -إن أردت- أتوقراطية قوية مركزية تظاهرت ببعض الحريات الديمقراطية الليبرالية التعددية في الداخل على حساب.. وبدءًا من استنزاف دماء، وموارد المستعمرات فقط لا غير.
عندما انتهى الموضوع عدنا إلى السلاح، عدنا إلى القوة، ثم من قال إن المؤسسة العسكرية لا تدل على التنمية؟ انظر يا أخي إلى أميركا، مثل عظيم، التنمية العلمية، التكنولوجية الصناعية المتقدمة، الإلكترونية، كلها مصدرها الصناعات الحربية، لا أرى غضاضة في هذا اطلاقاً يعني، لا ألوم أحدًا على هذا.
د.فيصل القاسم: نعم شركات.. شركات يعني تصنيع الأسلحة في الولايات المتحدة الأميركية تلعب دورًا كبيرًا، ودورًا خفيًّا في تحريك السياستين الداخلية والخارجية..
د.أنور عبد الملك ]مقاطعاً:[ طبعًا.. طبعاً.. طبعاً.. طبعاً وأيضًا إلى جانب السلب فيه الإيجاب، والإيجاب هو التطور التكنولوجي والعلمي والإنتاجي و الاقتصادي، دا إيجابية السلب، السلب هو الإمبريالية، الهيمنة، السيطرة، لا يوجد عملية أسود وأبيض، العملية -دائمًا- جدلية، هناك صراعات بين تناقضات، يجب أن نتبين -دائمًا- أين يكمن جوهر المضمون؟ هل هو استغلالي؟ استبعاد لمصالح الشعب؟ أم في نهاية الأمر يفيد الشعب؟ هو دا الموضوع..
د.فيصل القاسم: طيب، السيد عبد الحليم قنديل من القاهرة تفضل يا سيدي.
عبد الحليم قنديل:مساء الخير.
فيصل القاسم: يا ميت هلا تفضل.
عبد الحليم قنديل: الحقيقة أنا عندي عدد من الملاحظات المتداخلة، الملاحظة الأولى تخص طريقة الأخ محمد البدري في طرح الموضوع، هو أسير يعني تقابلات لا لقاء بينها، الشرق -الغرب، الطلاب-الأحزاب، الجيش-السياسة، القطاع الخاص-القطاع العام.. بينما في واقع الممارسة الاجتماعية والتاريخية هذه التقابلات ليست متواجهة، أو متضادة على هذا النحو، والكل مجتمع في إطار سياقه الثقافي، ولحظاته التاريخية أن يسلك.. المهم هو المضمون.. المهم أن ترتبط الديمقراطية بقضايا الاستقلال، والتنمية، والعادات، إذا فقدت هذا الارتباط تتحول إلى مجرد لعبة في سيرك، أو رقص على جثة الأوطان، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية: أنه في إطار تغييبه للبعد التاريخي، والاجتماعي، والثقافي، تعامل مع ثورة عبد الناصر على سبيل المثال مفصولة عن سياقها، وتصورها يعني حكماً عسكرياً، بينما تنظيم الضباط الأحرار الذي فجر ثورة يوليو 1952م كان جزءًا لا يتجزأ من السياق الاجتماعي، جزء من سياق اجتماعي لعب فيه الجيش دور باني النهضة، باني الدولة، في إطار التجديد الوطني العام، كرس حق المواطنة للجميع في إطار الجيش، أحمد عرابي قائد الجيش هو الذي طالب بالبرلمان والدستور في ثورة 1882.
أيضًا عبد الناصر في استطراد دور الجيش، وما بينهما عشرات وعشرات من العسكريين الذين لعبوا أدوارًا وطنية واجتماعية عامة في مواجهة الإنجليز أو في التحولات الاجتماعية.
من هنا كان تنظيم الضباط الأحرار بمثابة مجلس أركان حرب للقوة، والتيارات السياسية الجديدة على الساحة المصرية وقتها، التيارات التي نشأت بعد معاهدة 1936م التي مثلت حدًّا فاصلاً بين ما قبل وما بعد، ثم إن عبد الناصر لم يقم حكماً عسكرياً.. ما رأي الأخ البدري على سبيل المثال: أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قد رصد أن نسبة العسكريين المشاركين في هيئات الإدارة العليا طوال عهد عبد الناصر لم يزد عن 5% فقط، وتميز هؤلاء الـ5% بقدر عالٍ جدًّا من الكفاءة، نذكر (..) باني السد العالي، نذكر محمود يونس المسؤول عن تأميم قناة السويس أو التنفيذ، نذكر محمود رياض وزير الخارجية، ثم أمين جامعة الدول العربية فيما بعد، بنائون عظام خرجوا من المؤسسة العسكرية فليست سبة أن يرتدي فرد ما بذلة كاكي ثم يرتدي بذلة مدنية، أو العكس بالعكس، المهم هو ما فعله، وما فعله ما يسميه الحكم العسكري الناصري، وهو ليس كذلك من أوضاع..
واضح جدًّا في الفترة من 1952م لـ 1970م.. فيه من 1956م إلى 1966م زاد معدل التنمية، كان معدل التنمية السنوي -باعتراف البنك الدولي- وأعتقد الأخ البدري يصدق البنك الدولي، فهو مولع بالغربنة والصهينة.. كان معدل التنمية في المتوسط 7.6 % سنويًّا على نحو متصل، ووصل في بعض السنوات إلى 10%، بعد هزيمة 1967م، وإلى نصر 1973م، وفي ظل الإرهاق وتجنيد طاقات كثيرة جدًّا.. للمواجهة العسكرية، وإعادة بناء الجيش، كان معدل التنمية السنوي في المتوسط 5.14 %، الأمر يا سيدي أمر نهضة أو لا نهضة، نهضة يندرج فيها المجتمع ككل، هم أن موضوع الديمقراطية أو ما يسميه هو بالفاشية تسوي بين كافة العسكريين، تسوي بين عسكريين ثوريين وعسكريين عملاء وإلى آخره..
موضوع الديمقراطية وعلاقته بثورة يوليو.. ثورة يوليو (..) ثورة يوليو بعلاقتها الديمقراطية أكدت على بُعدين: أنه لا قيمة للديمقراطية السياسية معزولة عن الديمقراطية الاجتماعية، ثم أن ثورة يوليو بتحولاتها زادت الصلب الاجتماعي على الديمقراطية السياسية..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ طب سيد قنديل كي لا يكون الكلام مخصصًا فقط لثورة يوليو، يعني هي مجرد محور من المحاور.
عبد الحليم قنديل: ما جرى فيما بعد.. ما جرى فيما بعد يكشف -بالضبط- وحدة النهضة في التاريخ المصري، هذه نقطة ثانية.. النقطة الثالثة: فيما يتعلق بالديمقراطيات -عمومًا- يقال -عادة- أن الديمقراطيات حاجز مانع ضد الفساد، وأن الديمقراطية بما تستصحبه من شفافية، ومسائلة، ورقابة إلى آخره، هي تكون ضد الفساد..
هذه المقولة مقولة صحيحة، وغير صحيحة في نفس الوقت، صحيحة حين تنضبط.. حين ترتبط بالبعد الاجتماعي، بشبكة الضمانات الاجتماعية.
ولذا نجد أن دول اسكندنافيا على سبيل المثال هي تصنف في تقارير الفساد أو الشفافية الدولية على أنها مجموعة الدول النظيفة، أو الأقل فساد، في إطار المجموعات الأربعة التي رصدها آخر تقرير صدر عن منظمة الشفافية العالمية المجموعة الأولى الدول النظيفة، المجموعة الثانية دول متوسطة الفساد، الثالثة تحت المتوسطة، الرابعة الأقل نظافة والأكثر فسادًا، ظهرت الهند التي تسمى أكبر الديمقراطيات في العالم على أنها مجاورة يعني مع باكستان مرافقة مع باكستان ومع روسيا التي أنجزت التعددية السياسية وإلى آخره وإلى أخره، وفي نفس القائمة -كدول أقل نظافة، وأكثر فسادًا- من هنا فإن دعوى أن الفساد.. نتفق معًا، المهم أي ديمقراطية يتحدث عنها..
النقطة الثالثة: عن الجيش والسياسة، الجيش والسياسة نتفق -جميعًا- على أن الديمقراطية بمعنى التعددية الحزبية، والفكرية، والنقابية، وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، وضمانات كاملة لحقوق الإنسان، وفصل السلطات الثلاث عنصر هام جدًّا، وقيمة مكتسبة لأي تجربة، أو نظام حكم يريد أن يعيد تأسيس نفسه، لكن ليست الدروس المكتسبة.. لا يجب أن تؤدي الدروس المكتسبة -بالضرورة- إلى إهمال الدروس المكتسبة من مرحلة تحرر وطني، في إطارها الجيش لعب نفس الدور.
ثم إن متغيرات العالم -الآن- تلزم الجيش أو يعني ترشح الجيش لدور أكثر جوهرية، في بلدان كثيرة مما كنا نسميه العالم الثالث، ارتبط الجيش ببقاء الأوطان.. حالات كثيرة باكستان، تركيا، مصر، الجزائر، إندونيسيا، أيضًا ارتبط الجيش في هذه المرحلة -بالذات- التي يزداد فيها التفاوت بين المتقدمين والمتخلفين بكسر الاحتكار التكنولوجي، وهنا المثال ما فعله الجيش الباكستاني في بيئة يعني قد يسميها الأخ محمد البدري أنها غيبية وأسطورية، و.. و.. إلى آخره، لكن هذه البيئة نفسها حينما توفرت الإدارة السياسية، وحين توفرت المؤسسة الحافظة، قضت على الاحتكار ليس صناعة القنبلة الذرية -فقط- باكستان تستعد -الآن- لإطلاق صاروخ فضائي، وقمر صناعي باكستاني..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ طب سيد قنديل هناك الكثير، كلام في غاية الأهمية، وهناك الكثير من النقاط، لكن -للأسف الشديد- الوقت لم يسعفنا، لنأخذ السيد كريم الشيباني من سوريا الأمين العام الحزب الديمقراطي.. الوطني الديمقراطي.. تفضل يا سيدي.
كريم الشيباني: أولاً، هناك قضايا كثيرة أثيرت في هذه الحلقة، وأبدأ مباشرة بما ذكره المفكر الكبير أنور عبد الملك، لقد ذكرني بقولة لسعد زغلول زعيم حزب الوفد وقائد ثورة 1919م في مصر عندما قال، أو عندما وصف الشعب في مصر بأنه ينظر إلى قائده نظرة الطائر إلى صائده، وأعتقد -وهذا الكلام موجه إلى الأخ البدري- أنه لم يقصد على الإطلاق جمال عبد الناصر.
لا شك أننا بحاجة إلى معرفة دقيقة بأن الجندية العربية التي تأسست على يدي مثل الخليفة عمر بن الخطاب، والتي رأت على يدي عبد الرحمن الغافقي وطارق بن زياد الكثير من الإنجازات الهامة، ثم لن نتوغل -كثيرًا- في التاريخ سنقترب كثيرًا لنجد أن يوسف العظمة هو أول وزير دفاع على وجه الأرض يستشهد في سبيل الوطن، ثم أذكر الأخ البدري بأن عبد المنعم رياض من الشخصيات العسكرية الكبرى في العالم التي اُستشهدت على خطوط النار، وأنه حتى في الحرب العالمية الثانية لم يسبق أن اُستشهد مثل هاتين الشخصيتين..
محمد البدري ]مقاطعاً:[ المسلحين كثير وعمال يا أستاذي.. كلنا.. كلنا ضحينا.. كلنا دفعنا ثمن 1973م وعايزين نيني.
د.فيصل القاسم: دقيقة.. دقيقة
كريم الشيباني: اسمح لي، إذا أمرت سأقول لك مباشرة أن الوجود العسكري الإسرائيلي، أو حتى وجود إسرائيل هو الذي عسكر هذه المنطقة دفاعًا، وأنت الذي قلت بأننا نحن في 1967م خسرنا نعم، لأننا لم نحارب، وعندما الجندي العربي سواء كان مصريًّا أو سوريًّا أتيحت له فرصة التعبير عن كفاءته القتالية، وعن كفاءته الوطنية، والقومية، رأيناه يحقق معجزة العبور في مصر، ورأينا الجيش السوري خلال ست ساعات -تمامًا- يصل إلى مشارف طبرية، ولولا الولايات المتحدة الأميركية لكانت الجيوش العربية قد أعادت ما استلب من الأرض وحررت الأرض، الجندية العربية -لا أدري- لماذا ينظر إليها -كما قال الأخ قنديل- على أنها سبة؟
نحن لسنا مع أي جهة تخطئ في الوطن العربي سواء كانت عسكرية، أو دينية، أو حتى ليبرالية، أو يسارية، إذا ما كان اليسار موجودًا، حسب ما نصطلح عليه بالفهم التاريخي لهذه الكلمة، أنا أستغرب لماذا لم نستفد جميعًا من الدرس؟ العرب مشغولون بأنفسهم، وإسرائيل مشغولة بهم، لماذا لا تتم مراجعة من قبلنا جميعًا.. مراجعة للدرس؟ لماذا لا نبحث عن تعاطفية ما في حياتنا العربية؟
للأخ البدري أقول في حرب أكتوبر 1973م، جُندت الطاقات العربية لا أقول بأكملها، ولكن -لا بأس- كان تجنيدًا معقولاً، وكانت النتائج معقولة، إذن نحن -دائمًا- بحاجة إلى تعاون، ثم أُذكر الأستاذ البدري -كما ذكر الأستاذ قنديل- لقد خرجت من الجندية العربية قيادات هامة، يعني هذه المسألة نحن -كما قلت- بحاجة إلى إعادة نظر في المسائل من أجل الديمقراطية، أنا أعترف بأننا بحاجة إلى الديمقراطية، ولكن حاجتنا إلى الديمقراطية لا تُلغي، ولا تعمي أبصارنا –نهائيًّا- عن الخطر الذي يتهددنا في حياتنا، نعم نحن بحاجة..
د.فيصل القاسم ]مقاطعاً:[ طب.. سيد.. سيد شيباني..
كريم الشيباني: إلى المؤسسة وإلى الدمقرطة وإلى الشفافية وإلى المراكز التي..
د. فيصل القاسم: للأسف الشديد.. للأسف الشديد لم يبق لدي وقت -حتى- لإعطاء الكلمة للضيفين هنا في الاستوديو، وعبر الأقمار الصناعية، مشاهدينا الكرام، لم يبق إلا أن نشكر ضيفينا الكاتب والباحث السيد محمد البدري، والمفكر الدكتور أنور عبد الملك عبر الأقمار الصناعية من القاهرة، نلتقي مساء الثلاثاء المقبل وحتى ذلك الحين هاهو فيصل القاسم يحييكم من الدوحة، إلى اللقاء.