الأمين العام المساعد للمؤتمر القومي العربي
الاتجاه المعاكس

التكتلات العربية إلى أين؟

لماذا يزداد العالم تكتلا بينما يزداد العرب تشرذما وتفتتا؟ أين العرب من التكتلات الدولية؟ ألا تحتم العولمة علينا إحياء النزعة القومية التي لم تعد مجرد حلم بل أصبحت ضرورة حتمية دفاعاً عن الوجود؟
مقدم الحلقة فيصل القاسم
ضيوف الحلقة – معن بشور، الأمين العام المساعد للمؤتمر القومي العربي
– د. رفيق روحانا، الكاتب والإعلامي
تاريخ الحلقة 01/08/2000

undefined
undefined
undefined

فيصل القاسم:

تحية طيبة مشاهدي الكرام على الهواء مباشرة من بيروت.

لماذا يزداد العالم تكتلا، بينما يزداد العرب تشرذما وانقساما وتفتتا؟ أين العرب من التكتلات الدولية؟ ألم تصبح التكتلات سمة العصر؟ ألا تحتم العولمة علينا إحياء النـزعة القومية التي لم تعد مجرد حلم بل أصبحت ضرورة حتمية دفاعا عن الوجود وترسيخا للهوية ووقاية من الذوبان؟

لماذا نلهث وراء اتفاقات مع الآخرين مثلا، ونسير الهوينى في التحالف فيما بيننا؟ لماذا تنضم مصر مثلا إلى منظومة الدول الفرانكوفونية، بينما يسعى اليمن إلى الكومونولث، ويحاول المغرب الالتحاق بالاتحاد الأوروبي؟

لماذا تعمل الجزائر وتونس على دخول تكتلات أو أحلاف على أساس القرب من أوروبا؟ لماذا لجأت ليبيا إلى التحالف مع إفريقيا؟ لماذا ترتبط دول الخليج بمعاهدات دفاع مع الدول الغربية وتوطد علاقاتها مع دول آسيا بعيدا عن العرب؟

هل تأتي حماية النظم الوطنية بالارتهان إلى الخارج أم من بناء التكتلات الاقتصادية والسياسية المتماسكة؟ لماذا هذا التخبط العربي الرهيب؟ ألم يتوصل نادي روما إلى نتيجة مفادها أن أي تجمع يقل عدد سكانه عن مائة وخمسين مليونا لا مكان له في النظام الدولي الجديد؟

لماذا لا يعمل العرب على إحياء المشروع القومي؟ ألا تعرف إسرائيل تماما أن المشروع الصهيوني لا يبطله سوى المشروع القومي العربي؟

لماذا باتت الجامعة العربية إطارا قوميا مهترئا؟ لماذا تحولت إلى منبر خطابي عاجز عن مسايرة روح العصر والثورة العلمية والاقتصادية الهائلة التي يشهدها العالم؟

لماذا وصل الأمر بكتاب كبار إلى القول: إنهم لا يهتمون بالعروبة؟ هل تلاشت العروبة إلى غير رجعة ولم تعد عماد الوطن العربي؟ ألا يحق لنا نحن العرب أن نحلم ببناء أمة عربية كما فعلت الأمم الأخرى؟

لكن في المقابل ألم يحن الوقت لأن يتخلى العرب عن الخطاب القومي الذي فرقهم أكثر مما وحدهم؟ ألا يجب أن يفكر العرب بالتكتل على أسس جديدة بعيدا عن الشعارات القومية المهترئة والبالية؟ لماذا مازال التركيز منصبا على الخطاب العروبي، على الأمور العاطفية مثل اللغة والدين والتاريخ المشترك؟

ألم تصبح أمريكا -مثلا- أقوى تكتل سياسي واقتصادي وعسكري في العالم دون الاعتماد على مرجعية قومية؟ ألا يجب استبدال القومية الأيديولوجية بالمصالح الاقتصادية القابلة للصمود والاستمرار أكثر من الأيديولوجية الجوفاء؟

لماذا لم يحظ الجانب الاقتصادي بالكثير من الاهتمام في النظرية القومية العربية التقليدية؟

لماذا يركز القوميون على الكم وليس الكيف؟ ثم أليست الدولة الحديثة هي دولة مواطنيها ولا يجب إدخال القومية كمحور في سياستها؟ ألا يجب إعلاء شأن المواطنة والديمقراطية على أي انتماء قومي وإلغاء كافة الأبعاد العرقية من العمل السياسي؟ كيف نقدس الهوية القومية العروبية والمواطن العربي يشعر بأنه أجنبي غريب في وطنه؟

ألم تنـته العروبة كأساس للوحدة بين الدول العربية؟ هل يمكن أن يتكتل العرب اقتصاديا بعيدا عن مؤثرات السياسة أم أن معظم الزعماء العرب ما زلوا يتعاملون بالسياسة بعقلية بدائية أقرب ما تكون إلى عقلية الأطفال القاصرة؟

لماذا يرفع العرب شعارات قومية عريضة جدا، ثم يحكمون ويتصرفون على أسس ضيقة للغاية؟

أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة هنا في بيروت على السيد (معن بشور) الأمين العام المساعد للمؤتمر القومي العربي، رئيس المنـتدى القومي في لبنان، وعلى الكاتب والإعلامي الدكتور (رفيق روحانا).

للمشاركة في البرنامج يرجى الاتصال بالأرقام التالية، من داخل لبنان: 3620253 ومن خارج لبنان: 009613620254 ورقم الفاكس: 009611826581

[فاصل للإعلان]

فيصل القاسم:

سيد رفيق روحانا سؤال بسيط: العالم بأكمله يتكتل، نسمع بين الحين والآخر عن تكتلات جديدة تظهر هنا وهناك، إلا العرب يزدادون تشرذما وتفتـتا إلى ما هنالك من هذا الكلام، ألم يحن الوقت لإحياء المشروع القومي العروبي؟

د. رفيق روحانا:
قبل كل شيء سأعتذر ممن يسمعني بأنني سأتكلم معكم بالعربية.

فيصل القاسم:
ستعتذر عن استخدام اللغة العربية.

د. رفيق روحانا:
لأن واقع الكلام يكون بطبعه طبعيا لو تكلمنا كل باللغة التي يحلم بها، يغضب بها، يحب بها، أنا أغضب وأحب وأحلم باللبنانية لا بالفصحى.

فيصل القاسم:
لكنك تـتحدث العربية الفصحى بشكل..

د. رفيق روحانا:
إكراما لكم، ولك بالذات كي لا أخرج عن منهج البرنامج، بعد ذلك سأرد على سؤالك انطلاقا من تحديد كلمتين نحن الآن بصددهما: قومية وعرب. كلمة قومية هي كلمة غلط، كيف أتت؟ وكيف نشأت؟ هذه قصتها.. يوم كان الناس في العالم كله ملكيين، يعني: يتبعون الملك
Royalist يعني: أنت ملكي، جاء (ميرابو) يصرخ صرخته الكبرى في مجلس الشعب الفرنسي:Allons Enfants de la patrie [نحن أولاد الوطن].

هذه الكلمة خضّت أوروبا، Enfants de la patrie مش Enfants de Roi مش أولاد الملك بل أولاد الوطن، هنا فهم الناس أن الملك مهم، لكن الأهم من الملك هو الأرض.. الوطن. إذا مات لويس السابع عشر يأتي لويس الثامن عشر، ما المهم؟ بينما إذا خسرت فرنسا (الإلزاس واللورين) تحتاج إلى حرب لإعادتهما، هنا نشأت فكرة الوطن، بعد ذلك ترقت الشعوب فنشأت فكرة جديدة هي أرقى: المتر المربع من الأرض عظيم، أنا أحبه، أضحي بدمي في سبيله، لكن الأهم منه ابني الواقف على هذا المتر المربع، يعني الإنسان أهم من الأرض.. من هنا جاءت فكرة الوطن والإنسان يعني (وطن Patriot) (أمة Nation) عندما عربنا هذه الكلمات قلنا: ملك/ ملكي، وطن/ وطني، أمة/ أمي، فوجدنا كلمة أمي مشغولة في القاموس بمعنى الجاهل، فبكل استسهال وبكل بساطة وجدوا مرادفا شبيها بها هو كلمة قوم، مع أن كلمة قوم في القاموس معناها الرجال دون النساء من القبيلة، شاعر أراد هجاء آخر قاله له:
أقوم آل جفنة أم نساء؟!

بكل بساطة استسهل المعبرون والمعربون فقالوا: قومية، إذن كلمة قومية خطأ كان يفترض أن يكون مكانها كلمة (أمة) نشتق منها (أمّوي) كما اشتققنا من ثورة (ثوروي) فكلمة قومية هي كلمة خطأ، ومن كان اسمه خطأ بقية تفاصيله لا يمكن أن تكون صحيحة؛ بالإذن من أستاذ معن.

معن بشور:
ولو تفضل..

فيصل القاسم:
أنا سألت سؤالا عن ضرورة إحياء المشروع القومي العربي، آن الأوان لإحياء هذا المشروع؛ لإحياء العروبة.

د. رفيق روحانا:
هل نتفق أولا: إذا كانت كلمة (عروبة) كلمة صالحة لأن يـبنى عليها مشروع.

فيصل القاسم:
هي غير صالحة؟

د. رفيق روحانا:
أبدا.

فيصل القاسم:
كيف؟

د. رفيق روحانا:
هي مصيبة هذا الشرق.

فيصل القاسم:
العروبة مصيبة الشرق..

د. رفيق روحانا:
هذا العنوان أما التفاصيل فإذا كان لي من وقت قبل أن يتكلم الأستاذ معن احتاج إلى عشر دقائق.

فيصل القاسم:
باختصار: كيف مصيبة؟ أريد أن أعرف كيف مصيبة؟

د. رفيق روحانا:
يجب أن أشرحها بالتفصيل.

فيصل القاسم:
تفضل.

د. رفيق روحانا:
يوم اجتمع يهود العالم وصهاينـته في نهاية القرن الـ19 في سويسرا قرروا أن يكون لهم دولة، عرض عليهم في جنوب إفريقيا، عرض عليهم في أوروبا، رفضوا وقرروا أن تكون أرض فلسطين هي أرض إسرائيل. كان أمامهم عدة مشاكل:
أول مشكلة: أن يأتوا إلى إسرائيل، هذه مشكلة سهلة، جاءوا من كل أنحاء العالم. المشكلة الثانية: أن يطردوا من فلسطين أهلها، فطردوهم بوسيلتين: إما بالمال، اشتروا منهم الأرض، وإما بالإرهاب، دير ياسين مثلا. المشكلة الثالثة وهي الأهم: ألا يعيد ضمير العالم هؤلاء إلى أرضهم..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

كي لا نسهب كثيرا في..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

لا.. بدون أن أسهب لا أستطيع أن أشرح، يجب أن أسهب، عندها قرر الصهاينة في العالم تسمية الفلسطينيـين: العرب، واعتبروا أنفسهم: اليهود؛ يعني أخذوا اسم دين وأعطوا العرب اسم منطقة أو اسم عنصرية، وراحت صحفهم تكتب ما يلي: المعارك بين العرب واليهود، ثم طردوا الفلسطينيين إلى الخارج بعد أن دهنوا – عرفت شو دهنوا يعني – مسحوا هذه الأرض المحيطة بكلمة عرب فأصبح الفلسطيني عربيا مطرودا أو مُزَاحا في منـزله من غرفة إلى غرفة، خاصة أن الغرفة الثانية مساحتها 12 مليون كيلو متر مربع، بينما الغرفة التي سكن فيها اليهودي مساحتها ثلاثين ألف كيلو متر مربع، وهنا أصبح ضمير العالم يخجل من أن يقول لهذا الذي يدعي العودة إلى فلسطين: عد إلى الثلاثين ألف كيلو متر، أنت تطالب بها ولديك 12 مليون..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

نريد أن ندخل في لب الموضوع، أريد أن تجيـبني على هذا السؤال، لأنه إذا ظلينا على هذا الموضوع فسوف ينـتهي البرنامج دون أن ندخل في الموضوع الرئيسي.

رفيق روحانا: ما هو الموضوع الرئيسي؟

فيصل القاسم:

الموضوع الرئيسي ضرورة إحياء المشروع القومي العربي، العروبة.

د. رفيق روحانا:

أنا لا أؤمن بالعروبة أصلا فكيف أحيي لك مشروعا يقوم عليها؟ هي سبب خراب هذا الشرق، كيف انتظر منها أن تكون عنوانا لمشروع؟

فيصل القاسم:

إذن هي سبب خراب هذا الشرق، وليست عنوانا، ولا يمكن أن تكون.

د. رفيق روحانا:

بدون شك.

فيصل القاسم:

معن بشور.

معن بشور:

لا شك أن الأستاذ رفيق ضليع في اللغة العربية، وأعتقد أن هذا التمكن من اللغة العربية هو عنصر مشترك معه في هذا النقاش، فالعربية هي ركن أساسي من أركان العروبة التي يعتبرها مصيـبة من مصائب الشرق.

ثانيا: حاول أن يوحي بأن كلمة (عرب) لم تكن موجودة قبل المشروع الصهيوني علما أن كلمة (عرب) موجودة من زمن طويل جدا جدا، والجزيرة العربية التي خرجت منها موجات عديدة؛ فينيقيين وكنعانيين وإلى آخره، اسمها جزيرة عربية، وهي إشارة لوجود جماعة اسمهم (عرب).

د. رفيق روحانا:

هل يسمح لي أستاذ بشور أن أقول له كيف كانت موجودة؟

معن بشور:

أنا ما قاطعتك، معلش بس خليني أكمل..
ثالثا: المشروع الصهيوني نفسه أعتقد الأستاذ روحانا لم يطلع على أن فكرة قيام كيان صهيوني في فلسطين هي فكرة بالأساس انطلقت من الإدارة البريطانية بعد نجاح (محمد علي) وابنه (إبراهيم باشا) في توحيد مصر وبلاد الشام، وجاءت رسالة شهيرة من وزير خارجية بريطانيا إلى القنصل، ومن رئيس الوزراء في ذلك الحين (بلمستون) قال: علينا أن نفكر في إنشاء حاجز بشري يمنع توحيد مصر وبلاد الشام، وفكروا بلبنان؛ إقامة دولة دينية في لبنان تختلف عن المنطقة، وفكروا في الكيان الصهيوني. طبعا المشروع استخدام المسيحيـين لإنشاء حاجز فشل لأن المسيحيـين هم أبناء هذه المنطقة، وهم عرب، ورفضوا أن يدخلوا في هذا المشروع، ونذكر أحداث 1840م و1860م كانت كلها تصب من أجل خلق مشكلة طائفية في لبنان، وأتينا إلى المشروع الصهيوني الذي كان هدفه منع تلاقي العرب، منع وحدة العرب، منع استخدام العرب.. وأعتقد أنه حتى هذه الساعة لا شيء يخيف الصهاينة، لا شيء يخيف الدولة الصهيونية من اجتماع كلمة العرب، ومن تلاقي كلمة العرب. أما أن يزاح الفلسطيني إلى المنطقة العربية، يستخدم اسم عربي لإزاحته من المنطقة العربية، أعتقد أن فكرة الحق فكرة لا مجال للمساومة بها، الحق يـبدأ بمتر وينـتهي بعشرات الملايين من الكيلومترات، إزاحة فلسطيني من أرضه حتى لو أزيح إلى جزء آخر من فلسطين هذا أمر مرفوض، هناك فلسطينيون انتقلوا من مناطق في فلسطين إلى مناطق أخرى وما زالوا يسمون حتى هذه الساعة بلاجئين أو بنازحين. إذن ربط فكرة العروبة بالمشروع الصهيوني هي قلب كامل للحقائق، وأعتقد أن المشروع الصهيوني روعي وغذي كل هذه التغذية من قبل أعداء هذه المنطقة من أجل ضرب وحدة هذه المنطقة، ومن أجل ضرب هوية هذه المنطقة العربية. وأعتقد أيضا أن المشروع الصهيوني يريد أن يقول: إنه ليس في هذه المنطقة انتماء لأمة واحدة، هذه المنطقة هي عبارة عن أديان وطوائف ومذاهب وأعراق.

فيصل القاسم:

يعني هل تريد أن تقول: إن السيد روحانا يردد مقولات صهيونية؟

معن بشور:
لا.. السيد روحانا رجل وطني وأنا لا أتهمه على الإطلاق في وطنيته، لكن أعتقد السيد روحانا هو نموذج لنوع من الشعراء الأدباء الذين تسحرهم الكلمة.

فيصل القاسم:

دون أن..؟

معن بشور [مكملاً]:

دون أن يدرسوا الجوانب السياسية والاجتماعية والتاريخية المحيطة بها، وأعتقد أنه لو راجع الوثائق البريطانية لاكتشف أن المشروع الصهيوني ولد لضرب الفكرة العربية، ولضرب الحقيقة العربية والهوية العربية للمنطقة.

د. رفيق روحانا:

عدة نقاط أريد أن أرد بها على الأستاذ معن، صحيح إنجلترا هي التي غذت وجود إسرائيل اليوم في أرض فلسطين، ليس هذا فقط بل هي التي أوجدت الجامعة العربية، وهي التي أرسلت المستشرقين، وهم كلهم يخدمون فكرة العروبة التي يوما ما كانت تنـتظر لها بريطانيا – ومن ورائها الصهاينة في العالم – أن تكون سبب خراب هذه المنطقة.. أما كلمة (عرب) قلت لي أن لها جذورا في التاريخ، اسمع جذور كلمة عرب في التاريخ؛ في القرآن الكريم الأعراب أشد الناس نفاقا.. في مقدمة ابن خلدون الذي يعتبره من يتباهون بأنهم عرب وأنا أشفق عليهم، يقول ابن خلدون: أينما حل العرب سارع الخراب.. مش ممكن أن يحدث الخراب، سارع.. وهناك صديق لي من بيت الزين يقول: عربت خربت.
أما جذرها في القاموس فاسمع ولا تسل: عرُبت معدته: فسدت.. المرأة العروب: التي تخون زوجها.. عرب الشيء: أزاحه جانبا ليستطيع سرقته.. عرّب: تكلم بوقاحة. كل جذر (ع ر ب) لا يشرّف، فأصل الكلمة لا في القرآن الكريم، ولا عند فيلسوف من يسمون أنفسهم عربا، ولا في القاموس؛ كلمة عرب موجودة بشكل مهم. أما وجودها بمضمون سياسي فهذا جاء مع تفكير الصهاينة ببناء إسرائيل، يومها وضعوا هذا اللغم على الأرض المشرقية هنا التي أحبها كأرضي، وضعوه ليتفجر كل يوم، لو لم أقل أنا عربي والفلسطيني لو لم يقل إنه عربي لما قال (أبو إياد) طريق القدس تمر بجوني، لماذا لم تمر بنيقوسيا؟ نيقوسيا أقرب إلى فلسطين، لأن نيقوسيا ما قالت نحن عرب. لماذا لم تمر بتركيا ومرت بالمغرب؟ لماذا لم تمر بإيران ومرت بالصومال؟ كل من لم يقل أنا عربي لم تدخل عليه قضية فلسطين ومشاكلها، أما نحن الذين ادعينا – عن غير وعي – رحنا في دوامة من أرادوا لنا أن نروح في الدوامة، فنحن الآن نتحمل كل هذه المصائب والمشاكل، وسنـتحمل أكثر منها في الغد.

معن بشور:

أنا بحترم المعلومات اللغوية الهامة اللي ذكرها، لكن أنا أعتقد أن القرآن الكريم ذكر الأعراب ليميزهم عن العرب، وأعتقد أن في القرآن الكريم كما في الحديث النبوي الشريف كما في كل التراث الإسلامي إشارة مستمرة إلى العرب وإلى اللسان العربي، وإلى عدم التميـيز بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى مما يدل على إنسانية الإسلام، وعلى اعتبار أن هناك قوم اسمهم عرب وغير عرب. وأعتقد أن المشكلة ليست كذلك، إسرائيل.. المشروع الصهيوني مشروع يستهدف السيطرة على المنطقة كلها، وهو من أجل أن يسيطر على المنطقة كلها يركز تركيزا شديدا على ضرب الهوية الجامعة للمنطقة، وإذا كان الأستاذ روحانا يعتبر أن العروبة هي التي أوجدت مشاكل، فأنا من الذين يعتقدون أنه في غياب العروبة ستبـرز في هذه المنطقة – كما هو الحال اليوم مع انحسار المشروع العربي – برزت في المنطقة العربية كل أنواع العصبيات الـ ماقبل الانتماء القومي والانتماء الوطني؛ برزت الطوائف وبرزت المذاهب وبرزت كل هذه العصبيات التي تدخلنا في حروب نعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي. أعتقد أن العروبة بهذا المعنى هي إخراجنا من هذه العصبيات، هي إخراجنا من هذه النعرات، وهي إيجاد رابط مشترك ليس فقط يحمينا من هذه الحروب وإنما أيضا يضعنا على طريق المستقبل.

[فاصل لموجز الأنباء]

فيصل القاسم:

معن بشور كنت تتحدث.. رد على هجوم قوي إلى حد كبير من السيد روحانا، كما شاهدت ألصق كلمة عرب أو عروبة بكل الصفات السيئة، كنت ترد على هذا الكلام.

معن بشور:

أنا أرجع لأقول أن العروبة هي حقيقة أو انتماء لقسم كبير من أبناء هذه المنطقة، يعتزون بها، وينـتسبون لها ثقافة ومصيرا وتاريخا ولغة، ولكن بشكل خاص هي الآن مشروع هذه الجماعة التي تقطن هذه المنطقة الواسعة، مشروعها لمواكبة العصر بل للدخول في العصر، بمعنى أننا أبناء منطقة عربية كل كيان منها اليوم مهدد بالانقراض إذا لم يجد صيغة تلاقي..

فيصل القاسم:

صيغة تكتل..

معن بشور:

أيوه.. العالم كله الآن يفتش عن مشترك فيه، يعني إذا بنلاحظ المشترك الثقافي يركَّز عليه، المشترك القارِّي يركز عليه، المشترك الأمني مجلس الأمن الأوروبي.. حلف الأطلسي؛ يركز عليه، حتى الاقتصادي بمعنى الدول النامية، مجموعة الثمانية..
هذه مشتركات لا علاقة لها لا بالتاريخ ولا بالثقافة ولا باللغة ولا بالمصير ولا بالمعاناة، يتم التركيز عليها. أعتقد أن الأمة العربية وأن العرب هم الآن في صدد التفتيش عن هذا المشترك وتعميقه وبلورته بمشروع مستقبلي، وأعتقد أن هذا هو السؤال الأساسي.

الآن اللبنانيون الذين يعتبر الأستاذ روحانا من شعرائهم ومن أدبائهم؛ اللبنانيون استطاعوا أن يلعبوا دورا كبيرا في بلدهم وفي المنطقة من خلال دورهم في النهضة العربية. أعتقد أننا منذ أوائل هذا القرن شاهدنا نوعين من الفكر: فكر نهضوي قاده لبنانيون من خلال تأكيد انتمائهم إلى هذه الأمة العربية. وفكر انحطاطي – مع الأسف أقول هذا الكلام – حاول أن يعزل اللبنانيين، فأوجد مشكلة بين اللبنانيـين، ثم أوجد مشكلة بين اللبنانيـين وغيرهم، وبالتالي أفسد هذه العلاقة.. لما بييجي قداسة البابا إلى لبنان ويرى شبابا يتحدثون أمامه أو يحيونه بلغات أجنبية؛ قداسة البابا يقول لهم: تكلموا بالعربية أنتم عرب، يقول: للبنان دور ورسالة في المنطقة العربية، دور ورسالة في الثقافة العربية.. أعتقد أن هذا الأمر هو تأكيد على وجود هذه الحقيقة العربية في المنطقة التي لا تلغي حقائق أخرى، هناك حقيقة وطنية، هناك حقيقة لبنانية ومصرية وعراقية وسورية، هناك حقيقة قبلية، وهناك حقيقة فردية، وأعتقد أنا أن العروبة في هذا المعنى، وهنا أستعين بالروائي اللبناني الكبير (أمين معلوف) الذي تحدث عن الهويات القاتلة. الهويات هي مراتب، هي دوائر، هي درجات، حين نضع هذه المراتب في وجه بعضها البعض تصبح الهويات قاتلة، وحين نرى هذه الدوائر في إطارها التسلسلي تصبح هذه الهويات هويات إغناء وهويات إثراء وهويات تكامل، وهنا أعتقد أنا أن العروبة بالنسبة للبناني هي فيض في لبنانيته وليست نقصا فيها.

د. رفيق روحانا:

هناك شيء أريد أن أشدد عليه: كبرى المصائب أن تـتحول مصيبة ما إلى ما يشبه حقيقة، يعني مصيبة العروبة أنها تحولت إلى ما يشبه حقيقة بنظر الكثيرين..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

وهي حقيقة.

د. رفيق روحانا [مكملاً]:

من هنا أصبح من يريد أن يقف ضدها ليبين أنها مشكلة يُعتبر أنه ضد كل الناس، تماما يذكرني هذا الموقف بموقف الخليفة عمر بن الخطاب، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعبد صنما قبل الإسلام، ويوم شرح الله صدره للإسلام جاء إلى هذا الصنم..

معن بشور [ضاحكاً]:

إن شاء الله يشرح صدرك للعروبة يا أستاذ رفيق.

د. رفيق روحانا:

شرح الصدر يكون للحقيقة الإلهية، لا لمصيبة.

معن بشور:

حقيقة..

د. رفيق روحانا:

عندما شرح الله صدره للإسلام جاء إلى صنمه وقال له: سأصلي لك الليلة كما ولا ليلة، سأسجد لك كما ولم أسجد في أي يوم، وهكذا فعل، ولكن في الصباح كسّر عمر الصنم، وذهب إلى محمد.. كثيرون اليوم يعتبرون أن العروبة – كما كان يعتبر عمر صنمه -هي الحقيقة، لكن قليلين الذين اهتدوا كعمر.. أنا في يوم من الأيام سجدت لصنمي هذا، صليت له، لكنني كسرته عند الصباح، وأنا أشفق على هذا الشرق إن لم يكسر صنمه الرابع، يوم كان عباد الأصنام مع اللات ومناة والعزى ربّعهم أو رابعهم هو العروبة، هي الصنم الرابع الذي سيهتدي كل من في هذا الشرق ويحطمه يوم يشرح الله صدرهم للحق. هذه أول نقطة أريد أن أقولها.

أما الثانية فهي العودة إلى القرآن الكريم، تكلمتم كثيرا حول التحالف والتجمع والتكتل، أوَتعتقدون أن التكتل مجرد عنوان، يعني الأفضل، من قال: إن الكثرة أفضل من القلة؟ لماذا كلمة تكتل لوحدها في نظر الناس تكفي لأن يكون ما بعدها صحيح؟ لا.. في سورة التكاثر {ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم… ثم لتُسألن يومئذٍ عن النعيم) هذه السورة لو كانت في بيت كل من يسكن في دول هذه المنطقة لما دخلت العروبة إليه، مشكلة العروبة أنها عملية تكاثر لا أكثر ولا أقل، ومن سار وراء التكاثر لَيَرى الجحيم، ثم ليسأل بعدئذ عن النعيم.

معن بشور:

تسمح لنا يا أستاذ.

أولا: الحقيقة..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

أعتقد هذا الكلام بحاجة إلى أكثر من الابتسام، بحاجة إلى رد.

معن بشور:

أولا: لو كانت العروبة صنما لما تجمعت كل هذه القوى الخارجية من أجل ضرب وحدة هذه المنطقة، (سايكس – بيكو) ما هو؟

فيصل القاسم:

تمزيق الجسم العربي.

معن بشور:

تمزيق الجسم العربي، لو كان هذا الجسم صنما لحافظوا عليه بدلا من أن يضعوا.. الكيان الصهيوني لماذا وجد؟ لتمزيق هذا الجسم العربي، الحروب المتعددة على هذه المنطقة من مغول وتـتار وفرنجة وغيرها جاءت كلها لتمزيق هذه المنطقة، ولم تكن المنطقة تستطيع أن تواجه كل هذه الهجمات إلا حين كانت تـتوحد. وفي القرآن الحديث عن التكاثر ليس مقصود فيه التكاثر بمعنى التكتل وبمعنى التجمع، على العكس في القرآن عشرات الآيات تدعو إلى التجمع وإلى التلاقي وإلى الاعتصام..

[فاصل للإعلان]

معن بشور:

أنا أريد أن أقول أن في القرآن دعوات عديدة إلى التكتل والتجمع والدفاع من خلال هذه الوحدة، والإسلام دعوة مستمرة إلى الوحدة، فلذلك أتمنى ألا تؤخذ بعض الآيات وتوضع بهذا الشكل غير الـ..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

طيب.. أريد جوابا سريعا عليه، كيف ترد؟

د. رفيق روحانا:

أنا أفهم بكلمته ألهاكم التكاثر هل تعني ألهاكم التفرق؟ التكاثر يعني الاعتماد على العدد، العرب الذين يسمون أنفسهم العرب هؤلاء همهم فقط أن يصبحوا ثلاثمائة مليون ضد أربعة ملايين يهودي، هذا هو همهم، والعروبة لأنها اهتمت بالعدد خلقت الجبان، بدل أن أجودن أنا نفسي لأقضي وحدي على إسرائيل وأنا قادر أتكل على غيري، مثلا أعطيك مثلا بسيطا، لو كنا أربعة أشخاص، وكنا ضمن موضوع ما لإنشاء مشروع، وأنا وأنت مشاركان معا بنسبة العمل الذي سنقوم به، إن أنت تأخرت قليلاً أنا أقول: فلان لم يفعل شيئا لماذا أنا وحدي سأفعل؟ ونتكل على بعضنا ولا أحد يفعل شيئا، أما لو كنت وحدي لفعلت.

معن بشور:

يا أستاذ، أنت عم تحكي عن الموضوع كأنه.. متى العرب استطاعوا أن يحققوا انتصارا على أعدائهم إلا حين توحدوا..؟

د. رفيق روحانا [مقاطعا]:

ولا مرة توحدوا.

معن بشور:

كيف ما توحدوا؟!

رفيق روحانا:

كانوا يكذبون على بعضهم.

معن بشور:

الفتح الإسلامي نفسه ألم يوحد هذه المنطقة؟ ألم يقهر إمبراطوريتين من خلال الوحدة..؟

رفيق روحانا [مقاطعا]:

التوحيد في الدين غير التوحيد في السياسة.

معن بشور:

التوحيد في الدين تحول إلى وحدة في المجتمع، ووحدة في الأمة، وهذه الأمة الموحدة بفضل الدين استطاعت أن تنـتصر على إمبراطوريتين.. صلاح الدين انتصر على الفرنجة بالوحدة، الظاهر بيـبرس انتصر بالوحدة، وكل انتصاراتنا تمت من خلال الوحدة..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

هناك دول إسلامية غير عربية، إيران وتركيا لم تـتحد معنا، ولا نطلب منها الاتحاد مع العرب، الإسلام وحد الناس في الله، لم يوحدهم في السياسة.

معن بشور:

تماما، وحدهم في الله، ومن خلال هذه الوحدة في الله وحدهم في الأرض واستطاعوا أن يقهروا..

د. رفيق روحانا [مقاطعا]:

لا.. لم يتوحد لا الإيراني ولا التركي مع العراقي والسوري.

معن بشور:

توحدوا لقهر إمبراطوريات كانت مسيطرة على المنطقة.

د. رفيق روحانا:

ابن ماليزيا لا يتوحد مع العربي لأنه مسلم..

معن بشور:

تماما.. هو مسلم وهناك عرب، والإسلام انتشر في بقاع العالم كله وجاء للعالمين جميعا، لكن العروبة استقرت في جزء من المنطقة الإسلامية..

د. رفيق روحانا [مقاطعا]:

صحيح، العروبة غير الإسلام، لا علاقة لها بالإسلام أبدا.

معن بشور:

طبعا، العروبة هوية تضم المسلم والمسيحي، وغير المسلم وغير المسيحي أيضا إذا كان عربيا.

رفيق روحانا:

إذن لماذا تدخل الإسلام في الأمر؟

معن بشور:

أنت أدخلته، قلت: الإسلام نهى عن التكاثر، أنا أقول لك: الإسلام وحد، الإسلام دعا إلى الوحدة، إلى التجمع..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

الوحدة في الله.

معن بشور:

إلى التجمع، دعا إلى تجمع الناس في الله، وإلى تجمع الناس على الأرض لحل مشاكلهم ولمواجهة أعدائهم..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

التجمع ليس بالضرورة أن يكون تجمعا كما تريده أنت، تجمعا في السياسة.

معن بشور:

أنت ما عرفت أنا كيف أريد التجمع، ما ناقشنا كيف نريد التجمع، لكن أنا أقول الآن: نحن نواجه في هذا العصر مشاكل اقتصادية، نواجه مشاكل إنسانية اجتماعية بيئية.. إلى آخره، هذه المشاكل العالم كله بدأ يدرك أنه من الصعب حتى على الدول الكبرى أن تحل هذه المشاكل بمفردها، فكيف بدول صغيرة مثلنا؟ لذلك لمواجهة هذه المشاكل.. اليوم في مشكلة اقتصادية في لبنان، أنا لا أرى حلا للمشكلة الاقتصادية في لبنان من خلال لبنان، أنا لا أرى حلا للمشكلة الاقتصادية في لبنان إلا من خلال سوق عربية مشتركة يأخذ فيها لبنان دوره ويأخذ لبنان فيها موقعة، ويأخذ وظيفته المحددة..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

دون أن يُذوّب هويته فيما سمته الصهيونية عرب، هل فرنسا تخلت عن فرنسيتها يوم دخلت في السوق الأوروبية المشتركة..؟

فيصل القاسم [مقاطعا]:

العروبة تسمية صهيونية؟

رفيق روحانا:

الصهيونية هي التي أوجدت العروبة..

معن بشور:

الصهيونية وجدت لضرب العروبة.

رفيق روحانا:

أنا أقولها، ويوما ما ستـتذكرون، يوما ما ستندمون، كل من يدعي العروبة يخدم الصهيونية بدون وعي منه، أو بوعي لا أعلم، أنا أحب هذا الشرق لذلك أقول لكم: لا تعربنوا، لأنكم تخدمون الصهيونية..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

وماذا تريد لهذه المنطقة أن تكون؟

د. رفيق روحانا:

لا شيء، أنا لبناني.

د. فيصل القاسم:

لا شيء.

رفيق روحانا:

لا شيء بالتسمية، أنا ليس بالضرورة أن أكون عربيا لتصبح المنطقة اقتصاديا منطقة ناجحة..

معن بشور [مقاطعا]:

هو اختار كلمة الشرق، جيد..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

كلمة الشرق كانت في الماضي كناية عن العروبة.

معن بشور:

الشرق هوية أوسع من.. اللي بدي أقوله أنا، أنا لم أدع إلى تذويب اللبنانية أو العراقية أو السورية، على العكس تماما، العروبة لا تدعو إلى تذويب الهويات الوطنية، بالعكس تماماً..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

هي التي تفسد كل عربي.

معن بشور:

بالعكس.. هذه عروبة أنا لست منها ولا أنتمي إليها، العروبة التي أنتمي إليها والتي أدعو إليها لا تدعو إلى تذويب الهويات، بالعكس العروبة التي أنتمي إليها تدعو إلى تكامل الهويات..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

لا أحد غيرها يفسد العلاقة..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

يا جماعة.. طيب هي تفسد العلاقة سأعطيك المجال، (أسامة ياسين) من لبنان تفضل يا سيدي.. (رور أبو عافية) من السويد تفضل يا سيدي.. سيدأبو عافية.. يبدو أننا فقدنا الاتصال..

رفيق روحانا:

أنا أريد أن أوضح أمراً..

فيصل القاسم:

طيب كيف أفسدت؟ كي لا يكون الكلام عاما كيف أفسدت؟ أعطني أمثلة.

رفيق روحانا:

سأعطي مثل، العروبة خلقت الجبان.. هذا شرحته..

رفيق روحانا:

العروبة خلقت المشاكل، لم يتدخل أحد في شؤون أحد إلا باسم العروبة، كل مشاكل لبنان جاءت بسبب كونه – كما يقول سياسيوه وأنا لا أقول معهم هذا الكلام – بأنه عربي فتدخل من يقول أنا عربي بشؤون لبنان ووجدت مشاكل لبنان، كل مشاكل مصر دخلت من خلال العروبة..

معن بشور [مقاطعا]:

إسرائيل ما تدخلت بشؤون لبنان؟! وأميركا ما تدخلت بمشاكل لبنان؟!

رفيق روحانا:

كلهم دخلوا من خلال العروبة.

معن بشور:

إسرائيل دخلت من خلال العروبة؟!

رفيق روحانا:

يكفي أن تكون قد أوجدت العروبة وتجلس مرتاحة وهم يتقاتلون.

معن بشور:

إسرائيل ارتاحت بلبنان؟

رفيق روحانا:

هي التي خلقت مشاكل لبنان يوم خلقت العروبة.

معن بشور:

هذه هي نظريتك، لكن عمليا هل إسرائيل..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

هي التي خربت لبنان عن طريق العروبة.

معن بشور:

أنت تقول ذلك، أنا أقول: خربت لبنان عن طريق تنمية تيارات مولتها بالمال والسلاح لضرب العروبة ولضرب انتماء لبنان للعروبة، أنا بعتقد أننا لو كنا في سنة 75م حسمنا هويتنا العربية ما كنا دخلنا هذه الحرب، هذه الحرب.. مولت إسرائيل جهات لتقول إنها ضد العرب وضد العروبة، هذا الذي أوصل لبنان إلى هذا الأمر..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

لازلت يا أستاذ (معن) لم تتمعن بسورة التكاثر.

معن بشور:

يا أستاذ (روحانا) أعطنا روحك شوي، خلينا نقول ما يلي: لبنان وغير لبنان..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

كي لا يكون الحديث عن لبنان، ليست موضوعنا فقط.

معن بشور:

لا.. وغير لبنان، في مشاكل عديدة في المنطقة، العروبة ليست لها علاقة، بالعكس، إبعاد العروبة عن هذه المناطق هو إبعادها عن الهوية الجامعة، هناك هوية جامعة تجري محاولات مستمرة.. المستشرقون كتاباتهم لضرب..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

هؤلاء مادة صهيونية نجحت، يوم أنشأ المستشرقون فكرة العروبة وتكلموا حولها كانوا..

معن بشور [مقاطعا]:

المستشرقون أنشأوا فكرة العروبة؟!

رفيق روحانا:

نعم.. لا تستطيع اليوم أن تأتي بمستشرق تطلب منه أن يتخصص باللغة اللبنانية أو المصرية أو السورية، هؤلاء جاءوا لترسيخ كلمة العروبة مرسلين..

معن بشور [مقاطعا]:

المستشرقون تخصصوا في ضرب الفكرة العربية.

رفيق روحانا:

مرسلين لمخطط صهيوني لإيجاد العروبة في هذه المنطقة.

فيصل القاسم:

طيب، تيسير جابر من فلسطين تفضل يا سيدي.

تيسير جابر:

أول شيء أنا في نظري أن التفكك العربي كله كان سببه الرئيسي الابتعاد عن الدين، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي إذن أبدا كتاب الله عز وجل وسنتي.. الابتعاد عن الدين أول شيء أدى لموت الضمير وحب الذات وخلق الأنانية وأشياء كثيرة.. إحنا كعرب إذا أنا ما بديش أتنازل لأخي العربي، وبديش.. وأحب كل شيء بس لي، فهذه مشكلتنا نحن، ابتعدنا عن ديننا وابتعدنا عن كل شيء مما أدى إلى التفكك والضياع والشتات، احنا في الأرض المحتلة في فلسطين تمسكنا حوالي عشر سنوات كل الشعب مع بعضه والحمد لله أنجزنا شيء، المشكلة أن جميع الدول العربية مش قادرين يأخذوها عبرة، يعني لو رؤساءنا العرب وإخواننا العرب وزعماءنا جميعهم يأخذوا عبرة من أطفال فلسطين صدقوني إلا ينجحوا.

فيصل القاسم:

سيد تيسير جابر شكرا جزيلا، سيد (برنار) من لبنان تفضل يا سيدي.

برنار عيد:

نتمنى عليك يا مدير الندوة أن تكون مش منحاز..

فيصل القاسم:

هذا مش موضوعنا على كل حال، لو تكرمت ادخل في الموضوع الآن..

برنار عيد:

دعنا نمسِّي مؤسس ملكوت الشعر ونسأله سؤال: عم بيقول عن العرب أنه مشروع فاشل، ونحن من الممكن أن نؤيده، خليه يخبرنا شو راح يصير باللغة العربية اللي عم يحكوها. ثاني شيء السؤال الموجه للأستاذ معن بشور نتمنى عليه يدافع عن هذا المشروع اللي بيقول عليه؛ عن مشروع القومية العربية إذا صح، يدافع عنه بالفكرة والحجة، ما يدخلوا الإسلام الشريف، يتركوا الدين الإسلامي الكريم بعيد عن هذه الخزعبلات الله يخليهم.. ونشكركم، ونتمنى من الأستاذ (رفيق) يجاوبنا شو بده يصير باللغة العربية؟

فيصل القاسم:

طيب، سيد (برنار عيد) شكرا جزيلا، تريد أن ترد؟

رفيق روحانا:

هو يطرح المشكلة كما فهمت: ما دمت أنا أهاجم العروبة إذن أنا بالتالي أهاجم اللغة العربية، معناه أنني ضد -أيضا- اللغة العربية، وهذه جامعة كما يمكن أن يعتقد الأستاذ (معن) وغيره.. الرد على هذا الموضوع يحتاج إلى وقت طويل وشرح طويل خلاصته أن اللغة العربية لغة ما عادت محكية، وأنا الآن اعتذرت في بداية كلامي عن التكلم بها، وأشفقت على الذين سيتكلمون بها لأنهم سيخطئون في كلامهم وسيضيع وقتهم في التفكير إذا كانت هذه الكلمة منصوبة أو مفتوحة، وسيضيع معه كثير من المعاني، المهم اللغة التي لا تعود محكية تضر بالعقل أكانت عربية أم لاتينية أم يونانية، أية لغة في العالم لم تعد محكية هي لغة مضرة بالعقل، فلا يخاف السائل إذا أنا هاجمت العروبة كما نقول في لبنان (أن يصير له طرطوشي) على اللغة العربية، اللغة العربية أصلا لغة ماتت لأنها لم تعد محكية ومشكلتها منـتهية.

فيصل القاسم:

(معن بشور).

معن بشور:

أول شيء أنا بستغرب من السائل الكريم يقول: أنا دخلت الإسلام بالحديث عن العروبة، أنا – الحقيقة – اللي دخل الآيات الكريمة هو الأستاذ (روحانا) وأنا حاولت أن أوضح في هذا المجال، أنا بعتقد أن العروبة هي هوية هذه الأمة، والإسلام هو عقيدة أغلبية أبناء هذه الأمة، كما أن المسيحيـين العرب هم شركاء أساسيون في حضارة هذه الأمة وفي هوية هذه الأمة، وهم مصدر إثراء وتنوع فيها، المشروع القومي اللي أنا بدعي له هو المشروع اللي بخلي بلد مثل لبنان، وأي بلد عربي آخر يأخذ الدور الذي يستحقه في هذا العالم، هو يعطيه المدى الاقتصادي، ويعطيه الموقع الثقافي، ويعطيه المجال الحضاري، المشروع القومي الذي أنا أنادي إليه هو مشروع ديمقراطي بالدرجة الأولى..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

أي ديمقراطي وكل الأنظمة التي اتبعت الخط القومي – كما يقول أحد الفلاسفة – أنظمة مستبدة ديكتاتورية.

معن بشور:

وهذا أحد أسباب تراجع المشروع القومي، تراجع المشروع القومي لأن الأنظمة القومية أغفلت الجانب الديمقراطي، اعتقدت أنها يمكن أن تغيب الديمقراطية لمصلحة الوحدة أو الاشتراكية أو التحرير أو غيرها، فخسرنا الديمقراطية ولم نربح الوحدة ولم نربح الاشتراكية.. أعتقد أن المشروع القومي الذي ينبثق من جديد على ضوء دراسة تجربة العمل القومي والأنظمة القومية والحركات القومية هو مشروع الألف باء فيه هو المسألة الديمقراطية.

فيصل القاسم:

لكن هناك من يقول: إن الوحدة على أساس قومي لم تعد مناسبة بأي حال من الأحوال، لماذا لا ننظر إلى تجارب الدول الأخرى وهو مثال سقته في المقدمة؟ لماذا لا ننظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ ليس هناك مرجعية قومية في الولايات المتحدة الأمريكية، هي عبارة عن شركة تجارية مساهمة، عبارة عن شراذم، بالرغم من ذلك أصبحت الولايات المتحدة أقوى قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في العالم دون مرجعية قومية، لماذا نحن العرب نتمسك دائما بأهداب العروبة والقومية؟ يعني لغة، دين.. إلى ما هنالك من هذا الكلام وهي أمور عاطفية كما يقول البعض.

معن بشور:

في الولايات المتحدة التقى مهاجرون من انتماءات مختلفة على أرض معينة وصاغوا بينهم عقد مشترك من أجل أن يستفيدوا من خيرات هذه الأرض، ومن طاقات هذه الأرض، ومن إمكانيات كبرى تزخر بها هذه الأرض، واستطاع هؤلاء أن يوجدوا هذا النظام الاتحادي الديمقراطي الذي مكنهم من أن تـتحول الولايات المتحدة إلى دولة كبرى في العالم. لكن علينا أن نـتذكر أن في الولايات المتحدة حتى هذه الساعة الانتماءات القومية مازالت موجودة، وهناك من يعامل الأمريكي الآخر ليس على أساس أنه مواطن مثله بل على أساس انتمائه الأصلي أو العرقي، هناك تميـيز ضد السود كما تعلم وهناك أشكال مختلفة من التميـيزات، وكما كتبت مرة؛ هذا الرجل الأمريكي الذي خرج من بيته وقتل خمسة: قتل الأسود والأصفر والهندي واليهودي إلى آخره مما يؤكد أنه لا يعتبر أن هؤلاء ينـتمون إلى دولته أو إلى بلاده، المجتمع الأمريكي الآن على ما أظن فيه العناصر القومية الأساسية قوية مازالت مغطاة بهذا الرخاء الاقتصادي، لكن كما تعلم وكما هو واضح في الصحف أن ولايات كبرى ككاليفورنيا تدعو اليوم إلى الانفصال، هناك في كندا الاستفتاء يجري بين الفينة والأخرى من أجل أن تقر إذا كانت كويبك تبقى في كندا أو لا تبقى، والنـتيجة تكون نصف بنصف تقريبا، مما يدل على أن هذا النوع من المجتمعات الذي لم يرتكز على انتماء قومي واحد ما زال مهددا في وحدته، وهذا ما واجهه الاتحاد السوفييتي نفسه حين انهار النظام الحديدي الذي..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

لأنه كان فوق قومي، وتجاهل الحقيقة القومية.

معن بشور:

لأنه كان فوق قومي، وتجاهل الحقيقة القومية، وأنا أعتقد أن القومية العربية كما أفهمها أنا التي تـتجاهل أيضا الخصوصيات القطرية أو الخصوصيات الوطنية أيضا لا تنجح، أنا لا أدعو إلى قومية عربية تلغي المصرية أو تلغي اللبنانية أو تلغي المغربية، أدعو إلى قومية عربية يتكامل فيها كل هؤلاء، أنا أرفض قومية عربية يهيمن فيها بلد عربي على بلد آخر، أعتقد أن هذه ليست قومية عربية، هذا تسلط وهذا استبداد، وأعتقد أن من أسباب فشل المشروع القومي سابقا أنه لم يعط لهذه القضايا ما تستحقه من اهتمام، ركز على العناصر التي تجمع ولم يدرس العناصر التي تميز في داخل هذا الجسم الواحد، هناك جسم عربي واحد، لكن في هذا الجسم هناك خصائص لكل جزء منه.

فيصل القاسم:

وهذا يقودنا لسؤال للسيد (روحانا)؛ هناك من يقول بأن الشعوب تـتصرف في كثير من الأحيان على أساس فكرها وانتمائها القومي أكثر مما تسلك على أساس مصالحها، هذا من جهة، من جهة أخرى أنت تقول أن العروبة هي سبب مأساة العرب إذا صح التعبير..

د. رفيق روحانا [مقاطعا]:

مصيـبة..

فيصل القاسم:

أو مصيبة، أنا أريد أن أقول لك كما كتب هنا.. العروبة – هناك من يقول – هي التي اختارت (فيصلاً) الحجازي ملكا على سوريا، ثم ملكا على العراق، وهي التي اختارت (عبد الله) الحجازي أميرا لشرق الأردن، ثم ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية، وهي التي دفعت (عزيز علي) المصري لأن يشكل أول وأقوى حزب عربي في اسطنبول يدعو إلى فرز هوية الأمة العربية عن الدولة العثمانية، وإلى تجسيد هذه الهوية في دولة مستقلة، وهي التي دفعت (عبد القادر) الجزائري إلى أن يسكن بغداد أولا ثم دمشق لتكون منطلقا لدعوته في مقارعة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهي التي شكلت الإطار العام والقاعدة الأساسية لواحدة من أعظم ثورات القرن العشرين وهي ثورة الجزائر.. كل هذا الكلام..

معن بشور [مقاطعا]:

وهي التي جعلت فارس الخوري اللبناني المسيحي رئيسا لوزراء سوريا ورئيس مجلس النواب فيها، وهي التي جعلت (شوكت شقير) اللبناني من (أرسون) رئيسا لأركان سوريا، وهي التي جعلت (يوسف كرم) ابن (زغارتا) وسيف لبنان وسيف النصارى كما كان يقال عنه؛ جعلت (يوسف كرم) يدعو إلى إمارة عربية على رأسها الأمير (عبد القادر الجزائري) في بلاد الشام.

رفيق روحانا:

وهي التي جعلت (أبو إياد) يقول: طريق فلسطين تمر بجوني، وهي التي جعلت العراق يبتلع الكويت، وهي التي جعلت مصر أيام عبد الناصر تـتدخل في شؤون اليمن وتخسر خمسين ألفا من جنودها، وتخترب اليمن، وهي التي جعلت عبد الناصر يتدخل في العراق أيام عبد الكريم قاسم، وهي التي جعلت عبد الناصر يتدخل في لبنان سنة 58م، وكل تدخل بين دولة ودولة أدى إلى حرب أو إلى خراب كانت هي السبب، هنا أريد أن أعود قليلا إلى الوراء، ذكرنا أشياء كثيرة خاصة بالاقتصاد، إن التكتل يؤدي إلى اقتصاد أفضل والكثرة والتجمع.. إلى آخره، أنا أعطيكم شاهدَين على أن الكثرة لا علاقة لها بالاقتصاد، والتكتل لا يؤدي إلى اقتصاد ناجح..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

لكن كيف ترد على إحصائيات نادي روما التي تقول: إن أي تكتل دولي الآن يقل عدد سكانه عن مائة وخمسين مليونا لا مستقبل له في النظام العالمي الجديد.

رفيق روحانا:

من قال أن نادي روما هو عبقري العالم؟

فيصل القاسم:

نادي روما لديه إحصائيات ويعتمد..

معن بشور:

خليه يعطينا دليل..

رفيق روحانا:

سأعطيك دليلين، الأول: هناك دولة هي أكثر من لبنان بقليل بعدد سكانها؛ سويسرا دخل الفرد فيها خمسة وثلاثون ألفا من الدولارات، ولكسمبورغ التي لا يتجاوز عدد سكانها نصف مليون.. أقل من نصف مليون؛ تملك أكبر دخل فردي في العالم، بينما الصين التي تـترحرح على خريطة العالم دخل الفرد فيها لا يصل إلى المائتي دولار، هل كثرة الصين جعلت الاقتصاد أقوى؟ هل قلة لكسمبورغ جعلت الاقتصاد أقل؟ لا زلتم ممروضين بمرض التكاثر فاقرءوا سورة التكاثر.

فيصل القاسم:

الشيخ حميدي دهام الجربا من دمشق، تفضل يا سيدي.

حميدي دهام الجربا:

أنا أتكلم كقبلي وعربي أصيل برأيي، أنا راح [كلمة غير واضحة] على الدكتور (رفيق) أصحح معلومة له: بين العرب والأعراب فرق، يعني ابن بشور اللي قاعد معك هذا عربي من قبيلة طي، أنت إذا ما تعرف أنت من أين هذا الأعرابي، الأعرابي من جهل نسبه وليس العرب، والعرب لا يستاهلون هذا الكلام الذي تفضلت به، بغض النظر عن المشروع العربي الذي قد نعتبره جميعا أنه فاشل، لكن هذا الكراهية أو هذا الدافع أو هذه الدوافع الغريبة العجيبة على العرب اللي العالم اعتبرهم نبلاء وأصلاء ورجال تاريخ ورجال حكم ومفكرين ولهم في الحياة دور مهم.. ألم تقرأ عن (شمرينعش) يا أخي، قبل الإسلام بألف سنة، ألم تقرأ عن تاريخ (التـتابعة) الذين حكموا الأرض؛ هذا قبل (شمرينعش) في التبت في الصين.. ماذا تقول في هذه الحضارة التي عمرها يزيد على ثلاثة آلاف سنة، مع ذلك كي لا نقطع على الأخ فيصل الحديث حول طرحه أنتقل الآن، وإذا بدك تجاوب بعده لا يمنع، قال – عليه الصلاة والسلام – محمد: لا أخشى على الإسلام من أعدائه ولكن أخشى عليه من أدعيائه. نحن لا نخشى على العرب من الأصائل، لكن الحقيقة نخشى على أدعياء العروبة، وأدعياء العروبة هم الذين خلوك تكره العرب وخلونا -أيضا- نحن العرب لنا مآخذ على هؤلاء العرب، لكن كل الذي نأمله أنه.. قد يكون هذه الكراهية التي وجدت عندك أسبابها هم، ليست من أصالتك على ما أعتقد، لكن أيضا هناك كلمة اسمها عرب لها إجلال، ولها تقدير، واللي قاموا بالمشروع العربي هم أقرب لك مننا، هم (قسطنطين زريق) و(ميشيل عفلق) وهذول روم أرثوذكس.

رفيق روحانا:

أنا ما بهتم إذا كانوا روم أرثوذكس أو مارونيـين أو شيء.. ما لي علاقة فيهم، ما بتفرق معي، إذا بيي [أبي] كان هيك أنا ضد بيي.

حميدي الجربا:

أنا بعرف ما تقول، لكن قصدي هم.. يعني أنت تقول العروبة أو المشروع العربي هو صهيوني.. قد يجوز، وكراهيتك اللي أنا لاحظتها أيضا كأنما دافعها غريـب، والله لا أرغب أتهمك لأن ثقافتك العالية أنا أحترمها جدا، واحترم رأيك وحتى وإن قسيت علينا وأزعجتنا كثيرا بالنسبة للعرب، إحنا شو ذنبنا كعرب أصائل نسبّ لخاطر [من أجل] حكام غلطوا في حقبة من الزمن؛ أثروا على مجريات الأحداث بطريقة غلط، فالعرب -حقيقة- أنت منهم لا شك، وأعتبرهم من أشرف القوميات.

فيصل القاسم:

هذا الكلام مهم جدا، يؤشر السيد (روحانا) يريد أن يرد عليه، كيف ترد سيد (روحانا).

د. رفيق روحانا:

لا أعلم من هو المتكلم، إنما أنا أحبه، تضايقت من كلمة قالها رددها مرتين: الكراهية.. أنا ابن المحبة، والمحبة تعني أن أي إنسان يترك واحدا من البشرية جمعاء خارج محبته لا يكون محبا، أنا أحب كل الناس حتى من يهاجمني، وأنا لا أؤمن إلا بالمحبة. ما الكلام على أن الأعراب غير العرب، الأعراب هم سكان الصحراء المسماة عرباًوتحديدها في القاموس هي إلى شرق البحر الأحمر.. هؤلاء هل نتركهم بلا هوية؟ هم عرب، وهناك فئة من البشر اسمهم العرب، هذا أمر أنا لا أنكره، هؤلاء سكان الصحراء، أنا أتوجه ضد العروبة بالمعنى السياسي، العروبة التي خلقت الجبانة [الجبن] وجعلتنا نتكل على الكثرة، العروبة التي جعلتنا نتدخل في شئون بعضنا..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

قلنا هذا الكلام، أنا أريد أن أطرح سؤالا، أنت تردد هذا الكلام وتؤكد عليه، لكن هناك من يقول: إذا لم يحاول رص الصفوف فهناك إسرائيل تحاول أن تفرض تكتلا بقيادتها عنوانه (الشرق أوسطية)، وشمعون بيريز قال لأحد الدبلوماسيـين الغربيـين في مؤتمر الدار البيضاء للتعاون الاقتصادي عام 94م بالحرف الواحد قال: إن مصر قادت العرب خلال نصف قرن وأوصلتهم إلى هذه الحالة المزرية، فلينظر العرب إلى ماذا ستقودهم إسرائيل خلال الفترة المقبلة، كيف ترد على مثل هذا الكلام؟ هذا كلام من عندي هنا؟

رفيق روحانا:

سأرد عليك بطريقة فيها نوع من الدليل المرح، فتاة من طالباتي من تلميذاتي سألتني مرة.. هل هذا الشاب يحبني؟ قال لي: إنني الأجمل، إنني الأطيب، إنني الأروع، قلت لها وهل تنـتظرين أن يقول لك: أنت الأبشع؟ ما من شاب يرى فتاة إلا ويقول لها: أنت الأجمل.. أنا لو كنت صهيونيا لامتدحت العروبة لأنه لا خطر على دول المنطقة إلا إذا بقيت ضمن العروبة، أنا لو كنت صهيونيا لدفعت أموالي لتبقى العروبة شعاراً لكم، أنا أحبكم يا أبناء هذه المنطقة لذلك أقول لكم: الصهيونية ستخرب بيوتكم بالعروبة فاتركوها.

فيصل القاسم:

طيب منذر عبد الله من الدانمارك.

منذر عبد الله:

السلام عليكم، أنا أحب أن أقول للأخ (معن) بأن الغزو الصليبي للمنطقة والتـتار والمغول والصليبيين وسايكس بيكو لم تكن ضد مشروع عربي أو أمة عربية بالمفهوم السياسي الموجود الآن، إنما كانت ضد الأمة الإسلامية وضد مبدأ الإسلام وعقيدة الإسلام، والمشروع القومي العربي، ويجب أن نفرق بين العروبة وبين العرب كشعب، فالعرب كشعب كانوا موجودين منذ القديم، ولكن المشروع القومي العربي السياسي الذي جاءت به بريطانيا وفرنسا في آخر القرن التاسع عشر ليكون معولا في هدم الخلافة الإسلامية، وليفصل العرب عن الأتراك، ويجعل المسلمين عربا وأتراك وأهل البلقان أعداء ومتخاصمين، ويؤدي إلى تفتيت المنطقة وضرب الدولة الإسلامية، وتشتيت المسلمين.. هذا المشروع القومي العربي أريد به أن يكون معول هدم للإسلام والمسلمين ودولة الإسلام.

فيصل القاسم:

السيد عبد الله، شكرا جزيلاً، الكثير من النقاط، (يوسف ميسور) من لبنان.. طيب انقطع الخط.. تأكيدا لكلامه لدي بعض المعلومات تقول – ذكر هذا الكلام في البداية – حتى الجامعة العربية -كما قال- قامت بإيحاء من بريطانيا، ولدي كلام لوزير خارجية بريطانيا (إيدن) عام 1941م أمام مجلس العموم البريطاني قال بالحرف الواحد: "إن العالم العربي خطا خطوات عظيمة إلى الأمام منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وإن كثيرا من المفكرين العرب يرغبون في أن تحقق الشعوب العربية درجة من التقارب أكبر مما هو محقق الآن، وهم من أجل تحقيق هذا يعولون على مساعدة بريطانيا، وإنه من الطبيعي والعدل أن تتدعم العلاقات الثقافية الاقتصادية والسياسية بين البلاد العربية، وأن بريطانيا ستقدم المعونة الكاملة لأي خطة تـتمتع بالتأييد التام في هذا الاتجاه".. هذا كلام يؤيد كلام رفيق روحانا، كيف ترد؟

معن بشور:

أنا أول شيء أود أن أرد على الأستاذ اللي ذكر الغزوات الصليبية.. أنا ذكرت في معرض الرد على فكرة التجمع والتكتل، أنا شخصيا مع وحدة المنطقة، وهنا حين أقول العروبة أو المشروع العربي، المشروع القومي العربي لا يلغي الإسلام، بالعكس تماما يعتبر الإسلام هو روح هذه العروبة تماما كما يعتبر أن المسيحيين العرب هم شركاء أصيلون في حضارة الأمة وفي هويتها، إذن أنا لم أقصد أن المشروع القومي العربي هو الذي واجه التـتار، أنا قلت إن مشروع وحدة المنطقة هو الذي استطاع أن يرد على الغزوات الفرنجية والمغولية والتـترية.

اثنين: سايكس بيكو حين جاء جاء ليقسم المنطقة العربية، سايكس بيكو حين جاء بالذات جاء ليقسم المنطقة العربية، أما الحديث – وهذا نقاش دائم – أن المشروع القومي العربي جاء ليضرب الدولة الإسلامية، أعتقد أن هذا الكلام ينال بعض الأشخاص الذين التحقوا بالمشروع القومي.. المشروع القومي العربي بدأ حين أخذ كثير من القادة والزعماء العرب في المشرق العربي يشعرون باضمحلال الدولة العثمانية وبتوجه بعض المسيطرين عليها باتجاه التـتريك، فسعوا إلى توفير خط دفاع ثان. أنا أعتبر أن العروبة كانت خط الدفاع الثاني عن هوية المنطقة بعد أن بدأ التفكك يصيب الدولة العثمانية، العروبة لم تكن يوما ولا يمكن أن تكون يوما ضد وحدة المنطقة، ولا يمكن أن تكون يوماً العروبة في مواجهة الإسلام. وأعتقد أن هذا النقاش قد حسم في الفترة الأخيرة ومنذ عشر سنوات حين تلاقى القوميون العرب والإسلاميون في مشروع نهضوي، في مشروع توحيدي لطاقات الأمة ولجهودها.

فيصل القاسم:

إذن بهذه الحالة يمكن القول إن الشارع العربي ليس خرافة قومية وثورة رومانتيكية بأي حال من الأحوال؟

معن بشور:
طبعا، منّو خرافة.

فيصل القاسم:
وأنا أريد أن أوجه هذا الكلام للسيد روحانا.. هل سمعت عن أنشودة (الحلم العربي) ؟ الحلم العربي أنشودة وزعت.. يعني لاقت إقبالا هائلاً من المحيط إلى الخليج لأنها عزفت على وتر العروبة والقومية، وأنت تقول..

رفيق روحانا [مقاطعا]:

طبيعي.

فيصل القاسم:

كيف طبيعي؟

رفيق روحانا:

قلت لك في البدء أكبر مصيـبة يوم تـتحول المصيـبة إلى حقيقة ويظن الناس أنها هي الخلاص، المشكلة الكبيرة اليوم ليست إلا في كون العروبة بنظر البعض أصبحت حقيقة.

فيصل القاسم:

طيب دقيقة، لكن كيف ترد على شخص مثل (صمويل هانتنغتون) عندما يقول.. يتحدث عن الغرب، يقول: "إن الغرب متفرد وليس عالميا"، وأعتقد أن كلامه ينطبق على العرب، ويقول: إن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، روح أي حضارة برأيه هي الدين واللغة والقيم والعادات والتقاليد، إذا كان هانتنغتون ينظّر للقومية الغربية بهذه الطريقة فلماذا لا نحلم نحن أو يسمح لنا بأن نحلم بأن ننظر لمثل هذه القومية؟

رفيق روحانا:

هناك مشكلة أخرى هي لمجرد أن نستشهد برأي لآخر خاصة إذا كان هذا الآخر من أوروبا التي تبهركم -أنا لا تبهرني- التي تبهركم بأنها مركز الحضارات؛ تظنون أن كلامه صحيح، من قال إذا قال (هارمنغتون) أو (هارغيرمنغتون) هذا الكلام فهو صحيح، ليس بالضرورة أن يكون صحيحا لأن قائله فلان. أنا أريد أن أقول لك أمرا مهما جدا وهو: لو استطعنا العودة بالوراء إلى مئات السنين لرأيت من يتكلم اليوم ويقول أنا عربي؛ لرأيت والده كان يقول أنا عثماني، ولرأيت جده يقول أنا مملوكي، أما أنا (رفيق روحانا) فلا قال جدي أنا مملوكي ولا أبي قال أنا عثماني، ولا أنا أقول أنا عربي، كل هذا الطلاء الخارجي أكان العثمنة أو أكان العوربة هو لطمر جودة هذا الشرق؛ هذه المنطقة من العالم التي هي منبع الحضارات عبر التاريخ، يوم ظهرت حضارة الفراعنة ما كان هناك عرب وظهرت الحضارة، ويوم ظهرت حضارة لبنان لم يكن هناك عرب وظهرت الحضارة وملأت الدنيا، لماذا تنـتظرون مني أن أقر معكم بأن لا حضارة في هذا الشرق إلا إذا عوربنا، أثبتنا أننا شعب حضاري قبل أن يكون هناك عروبة؟ العروبة ليست سببا إلا للخراب لأن الذي أوجدها أوجدها لتخرب علاقتك بي وعلاقتي بالأستاذ (معن).

فيصل القاسم:

لكن كما قال السيد بشور أن المشروع الصهيوني يعرف تماما أن الذي يستطيع أن يقف في وجهه هو المشروع القومي العربي يا رجل.

رفيق روحانا:

ما أسميته عربي كيف سيقف في وجه العروبة وأنت تسميه عربيا؟! كيف أنت تـتزوج من امرأة لتـتزوج من غيرها؟ أنت تزوجت من هذه فقط.. كيف تسمي نفسك عربيا لتحارب العروبة؟

معن بشور:

من حارب العروبة؟

رفيق روحانا:

يجب أن تحاربها، أنا أشفق عليكم إن لم تحاربوها.

معن بشور:

لا والله، أول شيء الأستاذ.

رفيق روحانا:

أحبكم إلى درجة أنني أريدكم أن تحاربوها..

معن بشور:

الأستاذ رفيق انطلق من فرضية أن العروبة مشروع صهيوني.

رفيق روحانا:

أكيد!!

معن بشور:

كل ما في تاريخ المنطقة يُظهر أن المشروع الصهيوني ما وجد إلا لكي يجزئ المنطقة ولضرب مشروع وحدة المنطقة.

رفيق روحانا:

هكذا أوحوا لكم لتبقوا عربا، أوحوا لكم بذلك لتقبلوا بالعروبة، أتريدهم أن يقولوا لك: العروبة لا قيمة لها.

معن بشور:

من هم حلفاء المشروع الصهيوني في المنطقة؟

رفيق روحانا:

العروبيون!!

معن بشور:

حلفاء المشروع الصهيوني في المنطقة هم الذين حاربوا المشروع العربي، طبعا المشروع العربي تمثل بفترة من الفترات (بجمال عبد الناصر)، كل الذين حاربوا جمال عبد الناصر من أنظمة وغير أنظمة كانوا حلفاء مستـترين وغير مستـترين مع الصهيونية، أنت ذكرت كلمة (أبو إياد) قال بسبب العروبة قال طريق القدس تمر من فلسطين.

رفيق روحانا:

تمر من (جوني).

معن بشور:

تمر من جوني، هذا كلام اعترض عليه العروبيون قبلك يا أستاذ، لكن أريد أن أقول أيضا أن (أبو إياد) حين قال هذا الكلام كان هناك من يريد أن يدافع عن كيان لبنان من خلال خط بين (جوني) و(تل أبيب)، كان مفتوح خط على تل أبيب بمواجهة هذا الكلام، أنا أرفض كلام (أبو إياد) لكنني أرفض أيضا الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون بالاستعانة بإسرائيل أن يحموا لبنان من العروبة، فتبين أن إسرائيل استخدمتهم.

رفيق روحانا:

أنا ضد هؤلاء.

معن بشور:

هؤلاء هم أعداء العروبة، هؤلاء في ذلك الحين كانوا أعداء العروبة.

رفيق روحانا:

ليتهم كانوا أعداء للعروبة.

فيصل القاسم:

معن بشور.. لكن لماذا الانتقاد لكلام السيد (روحانا)؟ قبل أيام الكاتب العالمي المعروف الحاصل على جائزة نوبل نجيب محفوظ سئل عن العروبة، قال بالحرف الواحد: أنا لا أهتم بالعروبة.. هناك الكثير من الآراء الآن التي تصدر عن ناس على مستوى عالي جدا يقولون مثل هذا الكلام.

معن بشور:

أول شيء، اللي بيهاجموا العروبة أو اللي ما بيهتموا بالعروبة موجودين، كما موجد مسلمين لا يهتموا بالإسلام، ومسيحيين لا يهتموا بالمسيحية، ولبنانيون لا يهتموا بلبنان.

فيصل القاسم [مقاطعا]:

لكن أنا أريد أن أقول: هذا موضوع العروبة، يقولون إن شعار العروبة لم يكن بالنسبة للكثير من الأنظمة سوى ورقة (توت) سياسية من ضمن أوراق عدة أخرى تلعبها وفق الظروف لتبرير إما وجودها أو نزعاتها التوسعية الإقليمية، فحين خدمت هذه الهوية الأهداف التعبوية لهذه الأنظمة ثم الإعلاء من شأنها إلى درجة.. أو تم الإعلاء من شأنها إلى درجة التقديس، لكن حين فشلت في حشد الأمة وراء زعيمها كما حصل في حرب الكويت، تم سريعا إسقاطها واستبدالها بين ليلة وضحاها بالهوية الإسلامية ثم لاحقا بالهوية القبلية، وهكذا مثلا وصف أحد القادة العرب مؤخراً حزبه القومي العربي بأنه القبيلة التي تضم كل القبائل، وشعبه بأن قبيلة واحدة تنـتمي إليها القبائل الأخرى، مثل هذا الكلام..

معن بشور:

أنا بالنسبة للعروبة، عروبة أي نظام مرهونة بتوجهه لبناء علاقات تكاملية اقتصادية سياسية ثقافية مع الأقطار الأخرى. أنا لا يهمني إذا قال النظام عن نفسه أنه عربي أو غير عربي، أنا يهمني كيف يمارس هذا النظام؟ إذا كان يمارس باتجاه التكامل العربي فأنا أعتبره عروبي ولا يهمني شعاراته، وأنا هنا لست في معرض الدفاع لا عن هذا الحاكم ولا عن ذاك.

فيصل القاسم:

لكنها استخدمت كورقة، أنا أريد كيف استخدمت كورقة (توت) سياسية لتغطية العورات؟

معن بشور:
لم تستخدم العروبة.. الرأي العام العربي والشارع العربي لم يقبل لحظة واحدة باستخدام العروبة لستر العورات، الشارع العربي تظهر عروبته متى؟

فيصل القاسم:

كيف؟ هل توافق على هذا الكلام؟

معن بشور:

الشارع العربي تظهر عروبته حين يتعرض قطر عربي مثلا حين تـتعرض بغداد للقصف الأمريكي يخرج مليون سوري في دمشق تعبيرا عن علاقتهم بعروبتهم.

فيصل القاسم:

ومليون مغربي في الرباط.

معن بشور:

ومليون مغربي في الرباط.. هكذا تظهر العروبة، تظهر العروبة بمعنى الدفاع؛ هذا جسم واحد إذا أصيب منه جزء تداعت الأجزاء الأخرى. الحكام يحاولون استغلال هذا الشعور، لكن بالنسبة لي أنا أحاسب الحكام ليس على كلامهم، أحاسبهم على أعمالهم، وكما قلت، حين تراجعت الأنظمة العربية عن الديمقراطية أنا في رأيي تراجعت عن المشروع القومي، لأن المشروع القومي هو خيار أغلبية هذه الأمة، حين تكون الديمقراطية موجودة في الأمة الأمة تختار طريق التكامل.

[فاصل لموجز الأنباء]

فيصل القاسم:

سيد روحانا: أنت تركز منذ البداية على موضوع أن العروبة هي عبارة عن تدخل في شؤون الآخرين، ولم تجلب لنا إلا المصائب، أنا أريد أن أقول لك: لماذا لا نفكر بالتكتل.. أنت ضد التكتل حتى الآن، لماذا لا نفكر بنوع جديد من التكتل بعيد تماما عن الشعارات القومية العروبية التقليدية، مثلا؟

رفيق روحانا:

صعب.

فيصل القاسم:

مثلا لا نجبر مواطنا في جنوب السودان أن يغير من عاداته وتقاليده وتراثه، لن نطلب من حاكم أن يترك مقعده لرئيس دولة أخرى، ولكن سوف نستنبط أشكالا تصنع النسيج الاقتصادي الواحد، والنسيج الثقافي الواحد، وربما النسيج الاجتماعي المتقارب، هذا سيزيد مع الوقت عنصر المصلحة، ويحس كل قطر أنه في وضع أفضل في ظل التواصل بغض النظر عن الأشكال الدستورية للعلاقات العربية/ العربية، لماذا مثلا لا ننشد مثل هذا التكتل؟ هل يعتبر مثل هذا التكتل نوعا من التخريب العروبي؟

رفيق روحانا:

أنا سأرد، وأعجبني كلامك بشكل تام، وسأعطيك الدليل عليه.. مشكلتنا أنك إذا قلت أنا ضد العروبة فهذا يعني أنا سأعادي كل دول المنطقة، لا لا، ليس بالضرورة إذا قال الفرنسي أنا لست ألمانيا أن يكون ضد ألمانيا، أنا عندما أقول: أنا لبناني أنا لست عروبيا هذا لا يعني أنني سأخرب سوريا وسأخرب الأردن وسأخرب العراق وسأخرب الجزيرة العربية، لا، أنا أحب هذه الدول، وأنا أريد هذه الدول إخوة لي وأكثر من إخوة، ولكن أنا كما لا أريد أن يكون أخي (جون) – أخي اسمه (جون) – أو أختي (ريتا) أن لا يكونا رفيق؛ أنا لا أقبل أن يكون أخي أنا وأنا أخي، أنا أريد أن أبقى أنا أنا لأبدع، ويصبح أخي أخي لا أخي أنا، إذن أنا عندما أقول أنا لست عروبيا هذا لا يعني أنني لن أتعامل مع كل من يقول أنا عربي، أنا أشتاق له أن يشرح الله صدره إلى الحق، إذن أنا لست ضد أحد يوم أقول إنني لست عروبيا.

معن بشور:

عظيم.. خلينا نلتقط هذه النقطة، لأنني أعتبر هذا مدخل مهم، اعتبر أن السوري والعراقي إخوة له وهو حريص على التعاون.

رفيق روحانا:

أكيد.

معن بشور:

وأعتقد أنك لا تعتبر الإسرائيلي أخ لك؟

رفيق روحانا:

أبدا.

معن بشور:

تمام، فإذن هناك ما يجمعك بالسوري والعراقي والأردني وغيره، بينما لا يجمعك شيء بالإسرائيلي، عظيم، هذا الشيء الذي يجمعك بالسوري وبالعراقي وبالأردني ولا يجمعك بالإسرائيلي أنا أسميه العروبة، أنت تسميه المشرقية، لكن هناك.

رفيق روحانا:

إذا أسميت الوردة كما تشاء، ستبقى لها رائحة.

معن بشور:

أنا لا يهمني الاسم، أنا يهمني أن نتفق معا على حاجتنا لبعضنا البعض دون..

رفيق روحانا [مقاطعاً]:

من قال لا..

معن بشور:

هذه الحاجة التي هي نقطة الالتقاء بيني وبينك.

رفيق روحانا:

أنت غنيت الأردن يوما، أنا غنيت الأردن بصوت جوليا، وسأُسمعك بعض أبيات القصيدة.

معن بشور:

أنت عربي رغماً عنك، أنت عربي بالرغم عنك.

رفيق روحانا:

فلننـتقل إلى بعض الشعر عله يعطي ندى للندوة.

معن بشور:

دقيقة.. أنا بعتقد وصلنا لنقطة مهمة جدا، إذن هناك حاجة لعلاقة بين أبناء هذه المنطقة.

رفيق روحانا:

من قال لا؟

معن بشور:

خلاص، هذه الحاجة أنت لا تريد أن تسميها عروبة ربما لأنك متأثر بخلفيات أحترمها، لكن أنا أسميها أنا عروبة، هذه الحاجة للتكامل للتلاقي دون أن يلغي السوري اللبناني، ولا أن يلغي اللبناني العراقي، الكل يحتفظ بهويته، لكن الكل يحتاج إلى هذه العلاقة، إذن هذه هي العروبة التي أنت وصلت إليها دون أن تسميها.

رفيق روحانا:

أنت شرحت هكذا، إنما الحقيقة ليست هكذا، العروبة أوقعتك – كما أشرت – في التدخل في شؤون الآخرين.

فيصل القاسم:

قلنا ذلك.. أنت تركز على الجانب الثقافي.

معن بشور:

أنا ما ركزت على الجانب الثقافي.

فيصل القاسم:

هل تستطيع أن تنكر بأن هناك انفصالا ثقافيا بالرغم مما يشاع عن وجود روابط ثقافية مشتركة وإلى ما هنالك، ولدي بعض الأمثلة على الكثير من البلدان العربية يقولون إن مصر مثلا منذ استقلالها لم يمر عام إلا وأصدرت طوابع تسترجع الحقبات ما قبل العربية والإسلامية من تاريخها، أما سوريا فتحمل طوابعها سواء عادت إلى ما قبل 63م أم بعده أشكالا ومعالم أوغاراتية وهيلينية، بينما الجزائر اهتمت بالتماثيل الصغيرة الدونيسية، وتونس بهانيبعل وهملاقار وقرطاجة، ولبنان بالأميرين فخر الدين المعن الثاني وبشير الشهابي..

رفيق روحانا:

وما العيب في ذلك؟

فيصل القاسم:

هناك نزعة انفصالية في داخل كل دولة.

رفيق روحانا:

هذه العودة إلى التراث العظيم انفصال؟! هل تعتبر العودة إلى تاريخي العظيم- وأشدد عليه – هل تعتبره انفصالا؟

فيصل القاسم:

لكن هذا ليس عودة للتراث بقدر ما هو محاولة للانفصال.

رفيق روحانا:

لماذا لا تفسره بأنه وعي صحيح، بينما من يدَّعون العروبة
على جهل مطبق؟!

معن بشور:

أنا أعتبر أن العروبة أو القومية العربية أو الحضارة العربية لم تأت لتلغي ما سبقها من حضارات، على العكس من ذلك هي أتت من أجل أن تكون حلقة في تراكم حضارات، أنا أعتز بالحضارة الفرعونية، وأعتز بالحضارة الفينيقية، وأعتبر أن هذه جزء من حضارة هذه المنطقة التي أنتمي إليها وحضارة الأمة التي أنتمي إليها، وهي جزء من الحضارة العربية، وهذا كتبه كبار المفكرين القوميين، كتبه ميشيل عفلق وكتبه قسطنطين زريب، لم ينكر أحد منهم مساهمة الحضارات ما قبل المرحلة العربية في الحضارة العربية.

ثانيا: أنا أعتقد أن في الثقافة كما في غيرها من الأمور هناك ما يربط بين العرب وهناك نوازع في كل بلد، نوازع متميزة أو مستقلة، لكن الحقيقة أن ما يجمع في الجانب الثقافي بين العرب هو أكثر بكثير مما يفرق، وهنا أود أن أؤكد على نقطة مهمة جدا، وأعتقد أنه لو بدأنا الحلقة بأن عرفت مفهومي أنا للعروبة، وعرف الأستاذ مفهومه للاعروبة، أعتقد أننا كنا وصلنا إلى نقاط مشتركة، العروبة التي أفهمها أنا هي عروبة لا تلغي حضارة سبقت، لا تلغي قومية تقيم على هذه المنطقة، العروبة التي أفهمها عروبة تحترم حق الأكراد في قوميتهم، وتحترم كل النـزعات الموجودة في المنطقة، تحترم ابن جنوب السودان في ثقافته، وحرصه على ثقافته.

فيصل القاسم:

لكن هناك من يرد عليك بالقول بأن هذا مجرد كلام إنشائي جميل لا يمت للتصرفات القومية العربية بصلة؟

معن بشور:

يا سيدي، أنا أدافع عن فكرة أناضل من أجلها، وأنا أخذت موقف حين قامت أنظمة قومية في ممارسات لا أعتبرها قومية، كان لي موقف نقدي منها وواضح، أنا أعتقد أن هناك تيارا في المنطقة العربية بدأ يتبلور من جديد بشكل مؤتمرات قومية بشكل ندوات، بشكل مراكز دراسات، بدأ يطرح طرحا للحركة القومية وللمشروع الحضاري العربي..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

بطريقة جديدة.

معن بشور:

مستفيدة من كل التجارب الماضية، التجارب الماضية كان فيها إيجابيات، وكان فيها سلبيات.

فيصل القاسم:

سأعطيك المجال كي ترد، ولكن لنأخذ محمد يوسف من لبنان.. تفضل يا سيدي.

د. محمد يوسف نجم:

أنا الدكتور محمد يوسف نجم، أحيـيك يا أستاذ فيصل، ونرجو أنك تعمل عشرين خط على برنامجك لأنني منذ نصف ساعة، وأنا أحاول أن أتكلم.

فيصل القاسم:

أنا آسف جدا، تفضل يا سيدي.

د. محمد يوسف نجم:

وأحيي العزيز (معن) والأستاذ (روحانا).. هنالك بعض التصحيحات، الأستاذ روحانا حفظ آيات من القرآن وتمسك بها، وكلمة (التكاثر) لا تعني الاتحاد والتجمع لمن يفهم القرآن الكريم، إنما تعني الاعتزاز بالمال والبنين بدليل أن الآية الأخيرة من السورة تقول (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) عن النعيم يعني نعيم الأموال والثراء والغني التي تـتفاخرون بها فيما بينكم، هذه ناحية. الشيء الثاني: القرآن وهو يحب أن يستشهد بالقرآن يقول.

فيصل القاسم:

لكن بشكل خاطئ على ما يبدو.

د. محمد يوسف نجم:

يقول {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} الشيء الآخر كلمة (عرب وأعراب) بمفهوم الذين يفهمون اللغة العربية، وأنا بكل تواضع منهم وأعتز بلغتي: العرب هم سكان الأمصار، والأعراب هم سكان البوادي، وسكان البوادي عادة كانوا غير منضبطين وقاوموا الإسلام، بدليل أن القرآن الكريم يقول {بلسان عربي مبين} أنزل القرآن بلسان عربي مبين، ولم يقل بلسان أعرابي مبين، ثم كلمة (عَروب) التي استشهد بها من القاموس وقال أنها تعني المرأة الزانية.. هذا خطأ فادح.

فيصل القاسم [مقاطعا]:

وهذا غير صحيح..

د. محمد يوسف نجم:

لأن القرآن الكريم عندما يتحدث عن نساء الجنة اللاتي وعد الله بهن المؤمنين وصفهن بأنهن (عُربا أترابا) عربا، العَروب في اللغة العربية لمن يفهمها هي المتحببة إلى زوجها وليست الزانية.

الشيء الآخر، يتحدث عن المستشرقين أنهم من دعاة العروبة، أنا بكل تواضع حضرت على الأقل عشرة أو أكثر من مؤتمرات المستشرقين، والمستشرقون جاءوا ليحطموا فكرة العروبة في فترة من الفترات كان التمسك بالعروبة عندهم يعني التمسك بالإسلام، ثم لما قامت إسرائيل، وشيخهم الآن (برنارد لويس) في جامعة (برنستون) أصبحوا يدسون على العروبة.

ثم أحب أن أسأل الأستاذ الكريم ما رأيه في (إبراهيم اليازجي) و(نجيب العازوري) و(قسطنطين زريب) و(إدموند رباط) و(ميشيل عفلق) و(شكري غانم).. هل كانوا أقل فهما وإدراكا لمستقبل هذه الأمة من هذا الأستاذ المتكلم الذي يجلس على يمينك؟ وشكرا لك، وأرجوك في المرة القادمة أن تضع عشرين خطاً للتليفون حتى أستطيع أن أتكلم ببعض هذا الكلام، وشكرا.

فيصل القاسم:

شكرا جزيلا، سيد رفيق روحانا أنا لدي بعض.. الكثير من الفاكسات، يبدو أنك منذ البداية لغويا وفكريا ومعرفيا.. يعني خلينا نحكي باللبناني عم بـ(تخبص)، حتى الكلام امرأة عروب يقول لنا أبو صعصعة من الجزائر وعد إلى القاموس، امرأة عروب: امرأة تحب زوجها، أعرب فلان: أفصح في كلامه، وليس كما يدعي رفيق روحانا، وأتحداك أن تستطيع أن ترد على السيد محمد يوسف.. أتحداك.

رفيق روحانا:

سآتي بعد قليل بالقاموس وأقرأ له ما قرأت أنا في القاموس، وسأريه على الشاشة، والقاموس سيحضر بعد قليل.

فيصل القاسم:

ممكن أن يكون قاموس عبري؟

رفيق روحانا:

لا، لا قاموس المنجد، المنجد المفروض لكل تلامذة الشرق، أرد على الأستاذ محمد يوسف نجم بأن التكاثر يعني المال والبنين، وهل فرق بين من يتكاثر بالمال ويتكاثر بحب البنين ممن يتكاثر بالعدد، التكاثر كلمة تعني أي طلب لكمية لا لجودة، هذا المقصود بالكلام. المرأة العروب سنأتي بالقاموس. أما عن إبراهيم اليازجي، ذكر لي أسماء على ما أعتقد تعمد أن تكون كلها من المسيحيين، أقول لك يا أخي محمد، أنا لا أهتم إذا كان المتكلم مسيحيا، أنا نفسي لا أهتم إذا كنت أتكلم وأنا مسيحي أو أنا غير مسيحي، لا علاقة لموضوع العروبة بدين من الأديان، والعروبة لا علاقة لها بالإسلام والعروبة لا علاقة لها بالمسيحيية، ولا يظنن أحدكم أنه يغريني عندما يقول: ما رأيك (بميشيل عفلق)؟ أنه إذا كان اسمه ميشيل أنا راح أحب رأيه، أنا يمكن أن أكون ضد (سعيد عقل) الذي هو أبي الروحي بكل أفكاري، يمكن أن أكون ضده إذا رأيت خطأ ما ظهر منه لا سمح الله، أنا لا أهتم (لمارمارون) نفسه إذا أخطأ (مارمارون)..

فيصل القاسم [مقاطعا]:

وأصبح عربيا أو عروبيا.

رفيق روحانا:

لا أهتم لهذا الأمر. أنا أناقش موضوعا هو في عمق الفكر، هذا الموضوع اسمه العروبة التي أوجدتها الصهيونية، والتي وجدت لتفسد كل ما في هذه المنطقة من قيم. هناك نقطة أخرى.. المستشرقون، أنا أعرف منهم المستشرق (روزيتانو) لا يزال اليوم في مصر حيا يرزق، وهو قالها لي يوم ذهبنا لتكريم ذكرى طه حسين سنة 1975م، قال لنا إن همّ المستشرقين فقط هو إحياء اللغة العربية، فهمت منه يومها أن الباعث هو الصهيونية، لأن من يهتم بإعادة ميت إلى الحياة همه أن يـبقي الجثة في البيت، وأنا لن أرضى أن تبقى جثة أبي في البيت.

فيصل القاسم:

مشاهدينا الكرام، لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيفينا الكاتب والإعلامي الدكتور (رفيق روحانا)، والسيد (معن بشور) الأمين العام المساعد للمؤتمر القومي العربي، نلتقي مساء الثلاثاء المقبل فحتى ذلك الحين هاهو فيصل القاسم يحيـيكم من بيروت.

فحتى ذلك الحين هاهو فيصل القاسم يحييكم من بيروت.

المصدر: الجزيرة