أكثر من رأي

السلام الصعب في كوسوفو

هل حرب كوسوفو تقوم على المبادئ أم المصالح؟ ما دوافع أميركا من هذه الحرب؟ وهل تكيل بمكيالين؟ لماذا سارعت روسيا بنشر قواتها في مطار بريشتينا؟ وما موقف حلف الأطلسي من هذا الإجراء؟ هل تحقق السلام الصعب في كوسوفو؟
مقدم الحلقة سامي حداد
ضيوف الحلقة – د. يزيد الصايغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كمبردج
– د. قاسم جعفر، باحث بالقضايا الاستراتيجية
– فيتالي نعومكين، رئيس المركز الروسي للدراسات الاستراتيجية والسياسية
تاريخ الحلقة 14/06/1999

undefined
undefined
undefined
undefined

سامي حداد: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم في حلقة اليوم من برنامج (أكثر من رأي) وتأتيكم على الهواء مباشرة، 78 يوماً من الموت والدمار والتهجير ليعود المتحاربون للنقطة التي بدءوا منها، سلامة ألبان كوسوفا فمنذ بدء الحملة الجوية الأطلسية في 24 من مارس/ آذار الماضي، فر 850 ألفاً من سكان الإقليم نتيجة للغارات الجوية، والتطهير العرقي أيضاً.

وهكذا وبعد 35 ألف طلعة جوية أطلسية، وإلقاء 20 ألفاً من مختلف القنابل والصواريخ، ومقتل حوالي 8 آلاف من الصرب بين مدني وعسكري توقفت الغارات، وانتصرت الحرب الجوية، تلك الحرب التي شكك العديد من السياسيين والمحللين من جدواها.

وهكذا أرغمت الدبلوماسية المدعومة بالقوة، أرغمت الرئيس اليوغسلافي على قبول شروط الأطلسي، ولو أنها كانت إلى حد ما أخف من شروط اتفاق

(رامبوييه) في شهر فبراير الماضي.

والآن هل هذه الحرب كما قال الرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا: كانت أول حرب في التاريخ تخاض من أجل المبادئ وليس المصالح؟ وهل كسب السلام الآن سيكون أكثر صعوبة من كسب الحرب؟ وهل حل الأطلسي محل الأمم المتحدة لفض النزاعات الإقليمية والدولية؟ ولماذا تخلت روسيا عن حليفتها بلجراد كما فعلت من قبل مع بغداد؟ وما الذي يقصده رئيس وزراء بريطانيا (توني بلير) بألا مكان في القرن القادم لأي ديكتاتور يقمع شعبه، ويهدد جيرانه، ويساند الإرهاب؟

نستضيف اليوم في الآستديو الأستاذ قاسم محمد جعفر (الباحث والمختص بالقضايا السياسية والدفاعية)، من (موسكو) وعبر الأقمار الصناعية الدكتور فيتالي نعومكن (رئيس مركز روسيا للدراسات الدولية والاستراتيجية)، ومن (لندن) الدكتور يزيد صايغ (الأستاذ بجامعة كمبريدج، الخبير بالقضايا الاستراتيجية).

للمشاركة في البرنامج يمكن الاتصال داخل قطر بهاتف 888840، خارج قطر 974 مفتاح قطر 888841 أو 42، فاكس 885999.

أهلاً بالضيوف الكرام، ولو بدأنا من البروفيسور نعومكن في موسكو، أستاذ فيتالي، لماذا سارعت روسيا بنشر قواتها في مطار (بريشتينا) في إقليم كوسوفا؟ هل نحن أمام الهجوم وتقسيم برلين كما حدث في الحرب العالمية الثانية؟

د. فيتالي نعومكن: لا أظن، نحن بعيدين جداً عن هذا الوقت، وروسيا بعيدة عنه قبل كل شيء، أولاً: العدد هذا صغير جداً 200 شخص فقط، وأظن أنه هذا الإجراء قام به السيد (يلتسين) قبل كل شيء لأهداف داخلية، ليرفع من شعبيته المتدهورة في البلد، وحتى يظهر أيضاً للغرب أن القوات الروسية لا تزال تستطيع أن تنتشر في قلب أوروبا بسرعة، وبدون -في الحقيقة- أي إنذار أو أي إذن سابق، أظن…

سامي حداد [مقاطعاً]: إذن أنت تقر بأن هنالك مشاكل أمام الرئيس يلتسين الذي تزعزعت -ربما كما قلت- شعبيته، وأراد أن يدعم موقفه عن طريق إرسال هذه القوات الرمزية خاصة أمام (الدوما) البرلمان الذي يسيطر عليه الشيوعيون، وكذلك القوميون.

د. فيتالي نعومكن [مستأنفاً]: نعم لحد ما، نعم هناك مشاكل داخلية، ومن جهة أخرى يلتسين -أيضاً- مهتم بأن يستعمل هذا العامل -يعني نشر القوات الروسية في برشتينا بسرعة- حتى يقنع الأميركان بأن يعطى للروس قطاع تكون فيه مسؤولية كاملة للقوات الروسية المكونة لقوات حفظ السلام بنفسها، هذا مهم جداً بالنسبة لروسيا، الحصول على قطاع خاص في إقليم كوسوفا.

سامي حداد: مع أن (مادلين أولبرايت) وزيرة الخارجية الأميركية، رفضت أن يكون هنالك شيء اسمه قطاع، لأن ذلك يعني تقسيم الإقليم، ومن ثم يجب أن تكون تلك القوات تحت حلف الأطلسي، ولازلتم تبحثون عن حل وسط لهذا الموضوع.

دعني أنتقل إلى لندن قبل أن أسأل الأخ قاسم هنا في الآستديو، دكتور يزيد الصايغ، سمعت ما قاله البروفيسور فيتالي نعومكن، يعني العملية الروسية عملية عبارة عن تهدئة الأوضاع ومشاعر القوميين والشيوعيين داخل موسكو، كيف تنظر لندن إلى هذه الخطوة، إدخال القوات الروسية قبل دخول أي جندي من قوات الحلف؟

د. يزيد الصايغ: طبعاً هناك ارتياب وارتباك أيضاً حول الدوافع الحقيقية، وحتى لو كانت الدوافع الأساسية هي داخلية تخص الرئيس يلتسين في حساباته الانتخابية، هناك طبعاً تخوف من أن يؤدي هذا التحرك الروسي إلى نوع من السابقة بحيث يتأكد موقف روسي، تصرف روسي أحادي الجانب فيما يخص باقي المفاوضات حول الانتشار في إقليم كوسوفا.

وحول موضوع إيجاد قطاع منفصل للانتشار الروسي، وطبعاً أعتقد أن الأمر الهام هنا مهما كانت الدوافع الأصلية، وقد يكون الدافع الأصلي بسيط جداً نسبياً وداخلياً.

السؤال: ما هي الأبعاد أو العواقب التي يمكن أن تنشأ في حال نشأ نوع من العناد الروسي خاصة بين العسكريين في موسكو حول هذا الموضوع، وحول الحصول على قطاع منفصل؟ ما هي الأبعاد السياسية لذلك مستقبلاً؟

سامي حداد [مقاطعاً]: يبدو وكأنما هنالك يعني أصوات مختلفة في موسكو بين وزارة الخارجية والدفاع.

[فاصل إعلاني]

سامي حداد: قاسم جعفر، سمعت ما قاله نعومكن من موسكو، ويزيد الصايغ من لندن، نعومكن: يلتسين لديه مشاكل داخلية، للاستهلاك الداخلي أرسل مائتي جندي واحتلوا مطار بريشتينا، دكتور يزيد الصايغ في لندن يقول: لهذه الخطوة مضاعفات، كيف تعلق على ما قاله الاثنان؟

قاسم محمد جعفر: لا شك أن ما قاله الدكتور نعومكن صحيح بأن هناك اعتبارات ومشاكل داخلية ربما شجعت يلتسين أو غيره من القادة الروس، ونحن لا نعرف على وجه التحديد من اتخذ القرار بهذا الموضوع، على الدخول إلى بريشتينا ومن ثم الوصول إلى المطار.

وأيضاً لا شك أن ما قاله الدكتور يزيد عن المضاعفات -بغض النظر عن الدوافع- وأن مضاعفات مثل هذا العمل هي مضاعفات ضخمة، وسيكون لها أثر هائل على الموضوع برمته، وأعتقد أن هذا ما سيأتي بنا إلى أساس الموضوع، لماذا الروس هناك أساساً؟ لماذا سمح للروس أن يكونوا في بريشتينا؟ لماذا سمح الروس لنفسهم أن يكونوا في بريشتينا؟

بغض النظر عن دوافع يلتسين أو غيره من .. هناك عامل حقيقي وأساسي أدى إلى هذا الوضع، وهو التسوية التي أدت إلى وجود الروس كطرف في المعادلة البلقانية الراهنة، هذه التسوية التي تمت وكما ترى موسكو أنها تمت بفضلها من خلال الوساطة التي قام بها (فيكتور شيرنوميردن) ومن خلال الوساطة بمشاركة الرئيس الفنلندي ..

سامي حداد [مقاطعاً]: يعني عاوزين قطعة من الكيك.

قاسم محمد جعفر: يا سيدي، عندما يخوض حلف شمال الأطلسي حربه منذ البداية على أساس تحقيق أهداف خمسة محددة ومعلنة، وهي أهداف لا شك في مصداقيتها، ولا شك في إخلاصها للقضية الكوسوفية، ولكنه يقتصر في خوض هذه الحرب على الحرب الجوية، ولا يريد أن يزج بقواته البرية من أجل إخراج الصرب من كوسوفا، كان لابد بالضرورة أن تأتي هذه التسوية كنصر مجتزأ وليس نصراً كاملاً.

فهذه نصف حرب أدت إلى نصف نصر، ونصف النصر هذا الذي أراد حلف الأطلسي أن يحوله سياسيّاً وإعلاميّاً إلى نصر كامل، جاءت الخطوة الروسية لتكشفه على حقيقته..

سامي حداد [مقاطعاً]: وتفوت عليه هذا.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: ولتفوت عليه هذه الفرصة، ولتطالب حلف الأطلسي بأن تقول له: لقد وفرت على حلف الأطلسي مغبة الدخول البري إلى كوسوفا، فعليكم الآن أنتو تعترفوا لي بالدور المطلوب..

سامي حداد [مقاطعاً]: الواقع كنت أريد أن أبقى ذلك على أساس نصف حرب ونصف سلام، دعني أنتقل إلى موسكو مع الدكتور فيتالي نعومكن، دكتور فيتالي، في مقالة لتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا في مجلة "نيوزوييك" الأميركية هذا الأسبوع، قال فيها: أولاً: أشاد بالموقف الروسي لإنهاء الحرب، وأعرب عن أمله في أن تسهم الدول الصناعية السبع الكبرى في اجتماعها القادم بعد أيام في مساعدة روسيا فيما يتعلق بوضعها الاقتصادي المتدهور.

يعني هل نفهم من ذلك أن روسيا التي قامت بدور الوسيط وأقنعت (ميلوشيفيتش) على القبول بشروط الأطلسي تنتظر مكافأة من الدول الغربية من الأطلسي بشكل خاص؟

د. فيتالي نعومكن: لا، ما أظن أن روسيا تنتظر مكافأة من الغرب، ولكن الغرب يوافق على تقديم العون لروسيا الآن، لأن الغرب الآن يحتاج إلى نشاط روسيا ومساهمة روسيا بالقوات الدولية لحزب السلام في كوسوفا، لا يمكن في الحقيقة أية تسوية في أوروبا أن تتم بدون المشاركة من قبل روسيا، ولذلك يلتسين اتخذ هذا القرار، هو شخصيّاً اتخذ هذا القرار بانتشار القوات الروسية في بريشتينا ..

سامي حداد [مقاطعاً]: ولكن عفواً، أستاذ فيتالي، هذه التسوية جاءت حسب الشروط الأميركية وليس حسب رغبة روسيا أو شروط روسيا، أليس كذلك؟

د. فيتالي نعومكن [مستأنفاً]: لا صحيح، لا صحيح طبعاً، هذا صحيح، شروط التسوية هي شروط حلف شمال الأطلسي، والسيد ميلوشيفيتش طبعاً هو تحت هذا الضغط، الضغط الحربي العسكري هو في الحقيقة وافق على هذه الشروط، لا شك في هذا.

سامي حداد: ومع ذلك هناك البعض من يقول: إن الروس في سبيل مصالحهم الاقتصادية يتخلون عن أصدقائهم، حصل ذلك الآن في بلجراد، وحدث ذلك في حرب الخليج الثانية عندما أتاكم أربعة ونصف مليار دولار من دولة خليجية كبيرة في سبيل دعم الموقف الأميركي فيما يتعلق بالعراق.

د. فيتالي نعومكن: روسيا طبعاً مهتمة قبل كل شيء بحل مشاكلها الداخلية، ولكن هي أيضاً مهتمة بأن تلعب دوراً مهمّاً في تأمين الأمن الأوروبي، أو على القارة الأوروبية بشكل عام، ولذلك لا يمكن -في رأيي- أن نفسر هذا الإجراء أو مثلاً هذا الموقف كاستسلام، أو مثلاً بأن روسيا لا تهتم بالأصدقاء، الصرب أنفسهم قرروا اتخاذ هذا الموقف.

سامي حداد: أستاذ قاسم، روسيا لها دور في الأمن الأوروبي كما قال الأستاذ فيتالي، هل توافقه على ذلك؟

قاسم محمد جعفر: لا شك، لا شك…

سامي حداد [مقاطعاً]: في الوقت اللي رأينا فيه الأمن الأوروبي ودور الأمم المتحدة سرقته الولايات المتحدة.

قاسم محمد جعفر: دعنا نعود بالوضع قليلاً إلى أسسه، روسيا في نهاية المطاف لا تزال دولة كبرى، هي لم تعد الدولة العظمى الموازية، أو التي تحاول أن توازي وتتساوى مع الولايات المتحدة هذا صحيح، هذا كان أيام الاتحاد السوفيتي، وقد فشلت تلك التجربة وذلك المشروع، ولكن هذا لا يعني أن روسيا لم تعد دولة كبرى أو توقفت عن التمسك بطموحات وآمال للعب دور الدولة الكبرى، وخاصة في أوروبا..

سامي حداد [مقاطعاً]: لكن الطموحات أخ قاسم، الطموحات شيء والفعل شيء آخر، يعني هي ترعى -على سبيل المثال- ترعى مؤتمر السلام في الشرق الأوسط وأصبحت على الرف.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: ولذلك تلجأ القيادة الروسية وأعتقد أن هذا كان في منتهى الذكاء من جانب يلتسين ومساعديه، وربما أيضاً من جانب بعض العسكريين، كانوا يحاولون أن يركضوا وراء الفرصة عندما تسمح لهم، أو عندما تشاهد روسيا أن هناك فرصة سانحة ما يمكن من خلالها إعادة تثبيت وتكريس الدور الروسي، والحصول على مكاسب استراتيجية أو اقتصادية أو سياسية لروسيا من خلال مناسبة من المناسبات.

فروسيا لم تقصر في ممارسة مثل هذا الدور، وهذا تحديداً ربما في الشرق الأوسط -المثال الذي تفضلت به- ليس وارداً، لأن المسألة في الشرق الأوسط كما يقولون: مبكلة لمصلحة الأميركان، ولكن في مسألة مثل البلقان، وفي الوضع الذي وجد فيه حلف شمال الأطلسي نفسه في البلقان مواجهاً بخيارين: إما القبول بنوع من التسوية حتى التي تحقق شروطه -لا خلاف في ذلك- ولكن ليس بشكل كامل ولا تنطوي على هزيمة كاملة للصرب، تقضي بخروجه دون قيد أو شرط من كوسوفا وبين الخيار الآخر الذي كان يعني أنه يترتب عليهم الدخول المباشر إلى كوسوفا بالقوة، وإخراج القوات الصربية منه مثلما أخرج الحلفاء القوات العراقية من الكويت فهذا مثال آخر، عندئذ وجد الحلفاء أن من مصلحتهم الاعتماد على الوساطات، والوساطة الروسية كانت هي البارزة في هذا المجال.

سامي حداد: ومع ذلك علينا أن ننتظر إذا كان هذه المفرزة الروسية إذا كانت ستأتمر .. طبعاً هنالك مفروض أن يأتي حسب الاتفاق بضعة آلاف من الجنود الروس، تحت إمرة من سيكونون؟ إمرة الأطلسي، أم ستكون لهم قيادة خاصة بهم؟ وهذا ربما لا توافق عليه أميركا.

أستاذ يزيد الصايغ في لندن، الحديث الآن عن دور روسي في الأمن الأوروبي وليس بالضرورة أن يكون هو الموازي، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار دور روسيا في أي أمن أوروبي، هل توافق على ذلك كما قال قاسم هنا، قاسم جعفر؟

د. يزيد الصايغ: إذا أردنا التعميم، والانتقال إلى الموقف الروسي استراتيجيّاً في القارة الأوروبية، وفي موضوع الأمن الأوروبي عموماً لابد أن يكون هناك دور، لكن المشكلة خاصة بالنسبة لروسيا، وأيضاً لأعضاء حلف ناتو هو تحديد ذلك

الدور، وتحديد آليات ممارسة ذلك الدور.

وأعتقد أن المشكلة التي نشهدها اليوم في كوسوفا أي أن روسيا قادرة على فرض وجودها، وعلى إرغام الأطراف الأخرى على الالتفات إلى رغبتها واهتماماتها هي وأولوياتها، هذا قد يكون ممكن لروسيا في المدى القصير، ولكن المشكلة الاستراتيجية لديها أنها ليست لديها -بالواقع- صورة واضحة عن الدور الأمني البعيد المدى في أوروبا، ولا عن –حتى- استراتيجية للسياسة الخارجية.

ليست هناك سياسية خارجية روسية واضحة المعالم، هناك أهداف أو أولويات ومصالح حيوية روسية، ولكن لم يتم جمعها حتى الآن وصياغتها ضمن سياسة خارجية يلتزم بها أهم الأطراف، وزارة الخارجية، الرئيس، الجنرالات، الدوما -البرلمان الروسي- هذه المشكلة التي تجابه روسيا، وبالتالي تعرقل إلى حد

ما، وتربك علاقتها الأمنية والسياسية مع الدول الغربية الرئيسية.

سامي حداد: في الواقع أريد أن آخذ رأي البرفيسور نعومكن في موسكو، لا يوجد اتحاد.. وحدة في رأس القرار الروسي، رئيس الوزراء يلتسين، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، هنالك أصوات مختلفة.

وهذا الواقع ما عبر عنه يوم أمس (جورج روبنسون) وزير الدفاع البريطاني قال: يجب أن يكون هناك صوت واحد خارج من موسكو، حتى عندما تجتمع الدول السبع الكبرى بالإضافة إلى موسكو -الدول الصناعية الكبرى- حتى نعرف إذا كنا نريد أن نساعد موسكو أم لا.

يعني بعبارة أخرى لا يوجد لكم -كما قال يزيد الصايغ- استراتيجية بعيدة المدى بسبب هذه الفوضى في رأس القرار الروسي.

د. فيتالي نعومكن: في رأيي ليس هناك فوضى، هناك طبعاً صراع بين تجمعات مختلفة، بين قوة سياسية مختلفة ظهرت في روسيا في التسعينات فقط، وليس لدينا تجربة في الحقيقة في التكيف مع هذا الواقع الجديد، ولكن في نفس الوقت هناك خط واضح، فروسيا مثلاً وافقت –مثلاً- على تشكيل القيادة الموحدة في كوسوفا، وهذا تعبير عن خطه الموحد بالنسبة للتسوية في كوسوفا، وأيضاً الرئيس يلتسين مستعد أن يأتي إلى (كين) للقاء بين الدول الثمان حتى يعبر عن رأي موسكو حول التسوية في كوسوفا، ومشاركة الروس في القوات الدولية لحفظ السلام.

سامي حداد: كيف يستطيع -يا أستاذ فيتالي- أن يأتي الرئيس يلتسين -أو على الأقل- أن يبدي رأيه فيما يتعلق بوضع السلام في كوسوفا، وتسوية المشكلة، وعودة اللاجئين، في وقت هو يذهب إلى هناك ليستجدي بضعة مليارات من الدولارات لإعادة جدولة الديون الروسية في الخارج في نادي باريس ولندن، وإلى آخره؟ كيف يستطيع أن يحقق ما يشاء من الدول السبع الكبرى؟

د. فيتالي نعومكن: صحيح وضعه معقد، ولكن في نفس الوقت روسيا لا تطالب بأي عون لإنقاذ الاقتصاد الروسي، هذا العون الذي يأتي من البنوك والمؤسسات الدولية المالية هي تأتي في الحقيقة لضبط السوق المالية العالمية، هي ليس مساعدة لتطوير -مثلاً-الاقتصاد الروسي، هي في الحقيقة مساعدة –مثلاً- لتحويل النظام المالي الروسي إلى نظام مالي عالمي، وبناء علاقة مباشرة بين السوق المالية الروسية والسوق المالية العالمية.

سامي حداد: قبل أن ننتقل إلى موضوع، معنا حول أقل من دقيقة يا أخ قاسم عن موضوع الحرب، الحرب الجوية ومضاعفاتها ودور أوروبا والأمم المتحدة، وحتى ننتهي على نقطة آخر شيء عن روسيا، هل يستطيع الرئيس يلتسين عندما يذهب الأسبوع القادم ليلتقي مع الدول السبع الكبار أن يفرض شروطاً فيما يتعلق بتسوية كوسوفا، فيما يتعلق بالدور الروسي؟

قاسم محمد جعفر: لا أعتقد أنه يستطيع أن يفرض شروطه، ولكن كما سبق وذكرنا هناك محاولات روسية دائمة لاقتناص الفرص، ولتحقيق المكاسب، وأيضاً هناك مبالغة في تقدير مدى حجم الاعتماد الروسي على الدعم الغربي، وكما تفضل البروفيسور نعومكن صحيح أن هذه المعونات الغربية في معظمها هي لتحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد السوق حسب المفهوم العالمي.

وهو أمر في المصلحة الاستراتيجية الرأسمالية الغربية قبل أن يكون أي شيء

آخر، فهذان أعتقد أنه عاملان مختلفان، ما يفترض أن نركز عليه هو أن روسيا تعاني من مشكلات خطيرة على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الاستراتيجي الداخلي، ولكنها من خلال هذه المشاكل لا يمكن نفي دور روسيا كقوة مؤثرة ورئيسية سواء على المسرح الأوروبي، أو في مسارح أخرى ستحاول السياسة الروسية تحقيق مكاسب فيها.

[موجز الأخبار]

سامي حداد: الدكتور يزيد الصايغ في لندن، من المعروف أن الاتفاق بين الأطلسي وصربيا ينص على أن تبقى كوسوفا داخل دولة يوغسلافيا، الاتفاق ينص على ألا يجري استفتاء بعد ثلاث سنوات لتقرير مصير ألبان كوسوفا كما كانت الحال في اتفاق رامبوبيه في شباط الماضي، تغيرت الأمور الآن، ومع ذلك تبقى كوسوفا تابعة على الورق إلى يوغسلافيا أثناء وجود قوات حلف الأطلسي، هل يمكن اعتبار إن كوسوفو أصبحت الآن محمية أطلسية بالرغم من وجود 200 عسكري روسي؟

د. يزيد الصايغ: إلى حد كبير هذا صحيح، القوات الصربية النظامية والشرطة الخاصة تنسحب أو انسحبت من الإقليم، طبعاً ننتظر النتيجة فيما يخص شمال الإقليم، هل سينسحب الصرب تماماً وكليّاً من كافة المناطق؟ وهل سيتم ذلك دون أن تحل مكانهم قوات روسية في المنطقة الشمالية وهي طبعاً .. وذلك كان الهدف الذي أرادته بلجراد وموسكو على حد سواء على ما يبدو.

ولكن المستقبل فعلاً هناك مشكلة أو سؤال كبير حول مستقبل الإقليم، بما أن الألبان من الصعب جداً أن يتقبلوا استمرار أي نوع من الحكم الصربي حتى على الشكل الرمزي، ماذا هو المصير السياسي؟ ماذا هو مصير القوات العصابية الكوسوفية.. جبهة تحرير كوسوفا؟ هذه من الأسئلة الهامة.

وطبعاً في حال أعطي للروس قطاع خاص ودور خاص في مناطق معينة، هناك احتمالات إضافية تمهد الطريق أمام التقسيم، وخاصة أن المدنيين الصرب يهربون، أو ينسحبون من الكثير من المناطق، وقد يعيدوا التجمع في مناطق يعتبرونها آمنة لأنها تخضع للسيطرة أو الأمن الروسي.

سامي حداد: إذن يعني هذا.. ممكن أن أوجه ذلك إلى فيتالي نعومكن في موسكو، وجود القوات الروسية، هروب بعض سكان كوسوفا من الصرب إلى القطاع -إذا جاز التعبير- الروسي، يعني كأنما هنالك تقسيم للإقليم أليس كذلك؟

د. فيتالي نعومكن: لحد ما يمكن أن نعتبر مثل هذا الحل شكلاً ما من التقسيم، ولكن تقسيم –في الحقيقة- قد يكون غير التقسيم الرسمي، لأن -كما ذكر الأخ يزيد- هناك غموض في مستقبل إقليم كوسوفا، ومع أن حلف شمال الأطلسي وافق على أن يكون إقليم كوسوفا جزءاً لا يتجزأ عن يوغسلافيا.

طبعاً لا يمكن أن تعود سيطرة يوغسلافيا على الحكومة الفيدرالية على إقليم كوسوفا، فماذا سوف يكون في كوسوفا؟ هناك طبعاً مناطق شمالية هي مناطق عزيزة على قلب الصرب، لأن هذا كان قلباً للحضارة الصربية في القرون الوسطى، فماذا سيكون مستقبل هذا الإقليم؟ لا تعرف حتى الآن؟!

سامي حداد [مقاطعاً]: ومن هذا المنطلق ارتأت روسيا أن ترسل بمفرزة إلى هناك وربما أكثر في القريب العاجل حتى تحمي الصرب؟

د. فيتالي نعومكن: لا أظن أنه كان هذا مقصوداً، ولكن الواضح أن الصرب الذين لا يثقون بأي حماية من قبل حلف شمال الأطلسي، بعدما كانت قوات حلف شمال الأطلسي تقتل الصرب بالآلاف لا يستطيعون أن يعتمدوا على حماية الأطلسي، فطبعاً سيلجؤون إلى الحماية الروسية بلا شك، ولكن الواضح أيضاً أن إقليم كوسوفا -بشكل عام- هذه التسوية سوف يؤدي إلى سيطرة الأطلسي على أو الإشراف الأطلسي على المناطق المسلمة، المناطق التي يعيش فيها المسلمون في قلب القارة الأوروبية كنتيجة لذلك.

سامي حداد: قاسم جعفر، يستنتج مما قاله الدكتور فيتالي نعومكن أن هناك شبه تقسيم للإقليم، قطاع روسي يحمى الصرب في الشمال، الأراضي الحميمة المقدسة على قلوبهم –كما قال- مقابل..

قاسم محمد جعفر [مقاطعاً]: الخطر الرئيسي في كل المعادلة هو وصول الوضع .. وخاصة كما أشار الدكتور فيتالي ليس بالضرورة كتقسيم رسمي كما حدث في البوسنة، ولكن كتقسيم عملي على أرض الواقع، هو وصول الأمور فعلاً إلى هذه النهاية غير السعيدة، لأن ذلك أيضاً -ذلك التقسيم- لن يؤدي إلى تسوية المشكلة بالشكل المطلوب على المدى البعيد، ربما أدى إلى تهدئتها كما حدث أيضاً في البوسنة بشكل مجتزئ، وإلى حد.. حتى الآن على سبيل المثال في البوسنة، أين المهجرين الذين تمكنت القوات الدولية (S4) -كما تعرف- من إعادتهم إلى مناطقهم…

سامي حداد [مقاطعاً]: في الواقع كنت أود أن أشير إلى هذه النقطة، كان هناك حوالي مليوني لاجئ من البوسنة لم يعد سوى 550 ألف، الآن عندنا أكثر من مليون مهجر من كوسوفا يعودون إلى من؟ إلى بيوت محروقة؟! إلى من؟

قاسم محمد جعفر: ولذلك نعود إلى الأساس السياسي للتسوية التي توصل.. تم التوصل إليها، فطبعاً ذكرنا أن هذه التسوية تقتضي اعتراف بالسيادة اليوغوسلافية على كوسوفا، وهذه المرة تحت ضمانة الأمم المتحدة.

دعونا لا ننسى أنها كمان إحدى الأمور التي تمكن ميلوشيفيتش من انتزاعها في هذه التسوية هي العودة إلى إطار الأمم المتحدة، من أجل توفير ما يقال أنه شرعية دولية لما يحدث..

سامي حداد [مقاطعاً]: مع أن الذي صاغ الاتفاقية هو الدول الثماني الكبرى، ومن ثم -رفعاً للعتب- بعتوه للأمم المتحدة.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: صحيح صحيح، ولكن وهنا العوامل.. يعني في نهاية المطاف هناك وضع بالغ التعقيد وبالغ الصعوبة يجري الآن في كوسوفا، القوات الأطلسية التي دخلت إلى كوسوفا تواجه مشكلة حقيقية، هذه المشكلة أشار إلى جزء منها الدكتور يزيد عندما قال مثلاً: مستقبل جيش تحرير كوسوفا، هل سيرضى جيش تحرير كوسوفا بنزع تسليحه؟ هناك بند يقول Demilitarization أو بالأحرى ..

سامي حداد [مقاطعاً]: Disarming.

قاسم محمد جعفر: ليس Disarming هناك فرق ليس Disarming ليس نزع تسلح، ولكن نزع الصفة العسكرية Demilitarization لجيش تحرير كوسوفا، تركت هذه العبارة عائمة ومبهمة دون أن يعرف أحد هل يعني ذلك نزع السلاح أم مجرد إزالة الصبغة العسكرية مع بقائهم في وحداتهم..

سامي حداد [مقاطعاً]: يعني تريد أن تقول: أن هذه الاتفاقية لصالح الصرب أم لصالح سكان إقليم كوسوفو..؟

قاسم محمد جعفر: هذه يعني .. الرئيس العراقي صدام حسين أطلق على حرب الخليج في يوم من الأيام أم المعارك، أنا سأسمح لنفسي باستعارة هذا التعبير وأقول: هذه أم الحروب المجتزأة وأم التسويات الناقصة، فهذه حرب مجتزأة لم تؤد هدفها الحقيقي الذي كان يفترض ويؤمل أن يكون إلحاق هزيمة حقيقية على الأرض بالقوات الصربية حتى يتمكن..

سامي حداد [مقاطعاً]: وكيف يمكن أن تكون هذه الهزيمة وهذا عاشر أسبوع من الغارات الجوية دون دخول قوات برية؟ كيف يمكن أن تكسب حرب؟

قاسم محمد جعفر: عندما يريد حلف الأطلسي أو أي طرف من الأطراف تحقيق نصر رخيص فمثل هذا النصر العسكري الرخيص سيؤدي إلى نتائج سياسية غير كاملة، وما نشهده حالياً هو النتائج السياسية غير المكتملة للتسوية، لأنها جاءت عن طريق نصر رخيص الثمن عسكرياً، لأن حلف الأطلسي ولأسباب معروفة جداً ومبررة جداً .. يعني لا الولايات المتحدة ولا أي دولة من دول أوروبا كانت إما راغبة أو مستعدة في دفع ثمن باهظ في حياة أولادها وجنودها إلى آخره لو دخلت القوات الأطلسية البرية إلى أرض المعركة، ولكن لو كان فعلاً حلف الأطلسي على استعداد لخوض تلك المعركة، وتحقيق إلحاق الهزيمة الفعلية والحقيقية بالقوات الصربية لكنا الآن دخلنا في كوسوفا نظيفة وبدأت عملية

الإعمار، لكانت عودة المهجرين مضمونة، ولكان سقوط ميلوشيفيتش في بلجراد أمراً مضموناً، وهو الأساس المطلوب لإعادة بناء المنطقة..

سامي حداد: ولكن ألا تعتقد قاسم جعفر، أن حرباً برية -كما ذكرت- كان هناك دول ترفض ذلك إيطاليا ألمانيا، وكذلك فرنسا بسبب التحالفات الحكومية أو الائتلافات الحكومية؟

قاسم محمد جعفر [مقاطعاً]: والولايات المتحدة بالذات..

سامي حداد [مستأنفاً]: والأميركان، خاصة وأنه كما تقول بعض المسؤولين في وزارة الدفاع: لم يكن الغرض احتلال أراضي، ومن ثم لم نكن نريد إدخال قوات برية، خايفين إن يخسروا جنود، ولكن إذا دخلت القوات البرية.. عفواً..

قاسم محمد جعفر [مقاطعاً]: أنت حددت الهدف الأساسي وهو إعادة المهجرين، هناك -كما تفضلت- مليون مهجر من سيضمن عودتهم؟ وعندما سيعودون متى ستكون إعادة بناء بلادهم حتى يتمكنوا من العيش فيها؟ وكيف يمكن أن يتم ذلك إذا لم تكن هناك حالة من الوضوح الكامل فيما يتعلق بمستقبل السيادة، فيما يتعلق بمستقبل الحكم، فيما يتعلق بمستقبل الإدارة الذاتية أو الإدارة المدنية المطروحة، وأهم من ذلك كله فيما يتعلق بمستقبل الوجود الصربي المسلح في الإقليم.

سامي حداد: ربما على مستوى الأفراد، ولكن منذ اتفاق رامبوبيه في فرنسا في شهر فبراير الماضي كان الاتفاق أن تبقى داخل يوغسلافيا حتى لا يفتح الأميركان والأوروبيون الباب أمام الأقليات الإثنية والعرقية في دول البلقان التي تطالب بالاستقلال.

قبل أن ننتقل إلى لندن أو موسكو لنأخذ هذه المكالمة، مساء الخير.

مصطفى أحمد: مساء الخير.

سامي حداد: اسم الكريم من فضلك.

مصطفى أحمد: أحمد.

سامي حداد: أهلاً أستاذ أحمد، منين حضرتك تحكي؟

مصطفى أحمد: من ألمانيا.

سامي حداد: أهلاً بيك، اتفضل.

مصطفى أحمد: أشكرك، أستاذ سامي، عندي مداخلة بسيطة.

سامي حداد: اتفضل.

مصطفى أحمد: يعني يلاحظ من البرنامج كأنما تصوير نظام بلجراد أو النظام العراقي ضحية لتخلي روسيا عنها، بينما بالحقيقة ما ها الشكل، النظامين ارتكبوا أبشع أنواع الجرائم في حق شعوبهم والأقليات اللي موجودة في دولهم، يعني بهاي الحال ما ممكن لروسيا سواء مقابل مساعدة مالية أو أي شيء آخر في النظام العالمي الجديد أن تأخذ موقف مثلاً مؤيد جداً لهذه الأنظمة.

كنت أود أن أقول: ما أعرف سبب دفاع البرنامج عن هذا النظامين بها الشكل، دون الإشارة الواضحة إلى إدانتها أو تأييد الموقف الروسي المتخلي عن عنصرين كهؤلاء مثلاً..

سامي حداد [مقاطعاً]: الواقع البرنامج يا أخ أحمد، لم يدافع عن النظام الصربي، ولم يدافع .. نحن نحلل الحرب، مشكلة اللاجئين… قاسم جعفر، الناس ندافع عن ميلوشيفيتش، إحنا اللي عم بنقوله: إن الاتفاقية هذه ناقصة، يجب أن تكون أقوى من ذلك، ميلوشيفيتش!!

قاسم محمد جعفر: نحن ننتقد الاتفاقية لأنها لم تؤد إلى إسقاط ميلوشيفيتش.

مصطفى أحمد [مستأنفاً]: نشرات الأخبار والتقارير.. انحياز جداً واضح لنظام.. ولميلوشيفيتش، ولصدام حسين، إضافة إلى دائماً أخذ الآراء المؤيدة إلهم، وسد الطريق أمام الآراء اللي يعني تعاديهم أو تحاول فضح هاي الأمور، ما أدري يعني..

سامي حداد [مقاطعاً]: شكراً.

مصطفى أحمد: شكراً جزيلاً.

سامي حداد: شكراً لهذه المداخلة، والدليل ذلك أنت .. أفهم من كلامك بأنك من المعارضة أو من المعارضين للنظام العراقي، ومافيش عندنا لامع فلان ولا علان ، دكتور يزيد الصايغ في لندن، هذه الحرب التي دارت الشكوك حولها خاصة السياسيين والمحللين العسكريين، والاستراتيجيين، الحرب الجوية لن تأتي بأي مردود وكانت النتيجة أنها بعد ثمانية وسبعين يوماً من القذف المستمر أتت أكلها دون دخول قوات برية، دكتور؟

د. يزيد الصايغ: يعني أنا اللي بيهمني بالموضوع –بالواقع- إنه مثل أي حرب أخرى.. أكانت حرب كاملة أو جزئية أو مجتزئة، أو ما سميناها، تأتي المهام السياسية الهامة الصعبة أي مهمة إعادة البناء فيما بعد الحرب، أكان ذلك إعادة بناء الاقتصاد وسبل العيش بالنسبة لأهالي المواطنين، وإعادة المهجرين، أم إعادة بناء نظام سياسي، وهذا طبعاً هو الأمر الصعب هنا، لأن السؤال هو هل سيكون هذا نظام سياسي كوسوفي متميز ومنفصل عن النظام الصربي اليوغسلافي، وبهذه الحالة هل سيشمل ويضم المواطنين الصرب الكوسوفيين إلى جانب الألبان الكوسوفيين هذه الأسئلة طبعاً تواجهنا اليوم.

وهناك تحديات سياسية أخرى، مصير الحكم في مقدونيا، وضع (مونتونيجرو) الجبل الأسود، وعلاقة الإقليم الآخر بالنسبة لعلاقته بيوغسلافيا وبصربيا، كل هذه من الأسئلة السياسية الكبرى…

سامي حداد [مقاطعاً]: الواقع للمعلومة فقط، الدكتور.. المعلومة اليوم رئيس الجبل الأسود قال: إنه لن يبقى في الاتحاد اليوغسلافي إذا ما بقي ميلوشيفيتش أو إذا لم تكن هناك ديمقراطية في بلجراد، اتفضل كمل الحديث، نعم.

د. يزيد الصايغ: وحتى أيضاً مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي في صربيا، صربيا موضوعة تحت العقوبات الدولية، وقد عانى الاقتصاد والبنية التحتية في صربيا نتيجة القصف الجوي معاناة هائلة، والسؤال أيضاً أن هل ستتمكن صربيا من استعادة حيويتها السياسية والاقتصادية ضمن الظروف الحالية، وضمن.. مع استمرار ميلوشيفيتش في الحكم؟ هذه كلها من الأسئلة الكبرى التي لا نجد لها حتى الآن الاهتمام الكافي أو الواضح والصريح في الإعلام من قبل الأطراف المعنية.

سامي حداد: لنأخذ هذه المكالمة من السيد سامي أو الدكتور سامي السيد من السعودية، اتفضل يا دكتور.

سامي السيد: عفواً.

سامي حداد: نعم، هالو.. آلو.. انقطع الخط، الواقع عندي فاكس موجه إلى الدكتور فيتالي نعومكن في موسكو من الشاعر الفلسطيني (حبيب شريدم) من دولة الإمارات يقول فيه: ماذا لو انقلب السِحْر على الساحر، واعتبر ثوار كوسوفا أن قوات الأطلسي هي قوات احتلال وانقلبت ضدها كما حدث في الصومال؟ ما نتيجة ذلك؟

د. فيتالي نعومكن: أظن أن هذا لا يستثنى، ولذلك أنا ذكرت أن في الحقيقة هذه العملية انتهت بسيطرة الأطلسي على منطقة المسلمين في أوروبا، وأخذاً بعين الاعتبار بأن جيش تحرير كوسوفا له أهدافه الخاصة، قد لا تتفق بأهداف حلف شمال الأطلسي والأسرة الأوروبية بشكل عام، قد لا يستثنى احتمال .. قد يحتمل وجود أي اشتباك، حدوث أي اشتباك أو أي صراع بين جيش تحرير كوسوفا وخاصة إذا لم يوافق على نزع السلاح مع القوات الدولية لحفظ السلام.

سامي حداد: دكتور يزيد الصايغ في لندن، عوداً إلى موضوع الحرب الجوية كما قال قاسم هنا: بإنها أتت بأنصاف حلول، هنالك في أثناء الحملة ترددت من

بريطانيا –بشكل خاص- أصوات، يجب دخول القوات البرية لتسهيل

العملية، وحتى تنتهي القضية، وظهرت خلافات داخل حلف شمال الأطلسي من إيطاليا، من فرنسا، من ألمانيا.

يعني رغم هذا الانتصار الجوي هل تعتقد أن الخلافات داخل الحلف لو دخلت قوات برية أثناء الحرب لتفجرت، وفشلت الحملة؟ سؤال افتراضي: خلافات داخل الحلف.

د. يزيد الصايغ: يعني أعتقد أن الحلف ما كان سيتمكن من إدخال قوات برية نظراً إلى الاختلافات السياسية فيما بين أعضائه الأساسيين، هذا أمر أكيد وخاصة أن الولايات المتحدة بشكل خاص كانت مترددة في ذلك أو حتى ممتنعة تماماً عن ذلك، وبشكل صريح وعلني.

ولكن السؤال ليس ذلك .. حتى لو تدخلت القوات البرية التابعة لحلف ناتو في القتال البري من أجل طرد القوات الصربية، ومنعها من ارتكاب الجرائم، السقف السياسي الذي كان تسعى لتحقيقه حلف ناتو هو إنهاء الحرب، وإرغام الحكومة الصربية برئاسة ميلوشيفيتش على القبول بشروط اتفاق رامبوبيه، وعملياً لم نخرج عن ذلك النطاق حتى الآن أكان ذلك بسبب العمل البري أو العمل الجوي..

سامي حداد [مقاطعاً]: لا في الواقع خرجنا عن ذلك النطاق.. عفواً، خرجوا عن ذلك النطاق، في رامبوبيه كان يقول: إنه بعد ثلاث سنوات يجب أن يكون هنالك استفتاء لأخذ رأي الشعب فيما يتعلق بمستقبلهم، يجب دخول قوات ناتو الأطلسي.

فقط الآن فيه قوات من الأمم المتحدة، قوات روسية موجودة في كوسوفا، حتى موضوع الاستفتاء ألغي، وتبقى كوسوفا جزءاً لا يتجزأ من صربيا.

د. يزيد الصايغ: هذا صحيح، لا أقصد إن اتفاق رامبوبيه يطبق الآن بحذافيره، لكن القصد إنه فيما يخص العمليات الجوية من جهة، والعمليات البرية من جهة، إن حتى ولو تمت عمليات برية كان الغرض سيكون من ذلك هو فقط تحقيق نفس الغرض الذي استخدمت من أجله العمليات الجوية أي إرغام ميلوشيفيتش على القبول بالشروط الأساسية.

هلا لو تدخلت القوات البرية -يعني الافتراض الثاني- بيصبح إنه القوات البرية ستتمكن من تحقيق أغراضها الميدانية، ودون إصابات مرتفعة جداً تؤدي إلى إحباط أو إجهاض العملية بسبب الاعتراض الداخلي من قبل الرأي العام في الدول الغربية.

يعني كل هذه الافتراضات متتالية، وتجعل من الصعب التنبؤ بأنه حتى مع التدخل البري ما كانت العمليات العسكرية ستؤدي إلى نفس النهاية التي أدت إليها العمليات الجوية، أعتقد أن سلسلة الافتراضات هذه صعبة ولا تغير من جوهر النتيجة التي وصلنا إليها.

سامي حداد: في الواقع قاسم يريد أن يرد على ذلك، ولكن قبل ذلك -معلش- فيه عندي مكالمة من ألمانيا وترد على الدكتور يزيد، الأخ بسام الخوري من ألمانيا، اتفضل يا أخ بسام.

بسام الخوري: آلو، مساء الخير.

سامي حداد: مساء النور.

بسام الخوري: لقد أكدت الولايات المتحدة بأنها لن تساهم بإعادة إعمار كوسوفا، وبأن ذلك مهمة أوروبا، ألا تعتقدون أن هذه المساعدات لكوسوفا ستقتطع من المساعدات المخصصة لدول العالم الثالث؟ وهذا يعني بأن دول الجنوب الفقيرة سوف تدفع تكاليف هذه الحرب.

أما سؤالي للأستاذ قاسم محمد جعفر فهو: هل يوجد دولة أخرى غير الولايات المتحدة تمتلك أسلحة متطورة، مثل صواريخ (كروز) و(توما هوك) يتم التحكم بها عبر الأقمار الصناعية وتصور بأشعة الليزر؟ فأنا أرجو من السيد قاسم محمد جعفر أن يعطينا فكرة قصيرة عن هذه الأسلحة الحديثة، وطريقة عملها.

أما بالنسبة للأخ الذي تكلم من ألمانيا، فأنا أعتقد بأنه لا يوجد عربي يؤيد نظام صدام حسين أو ميلوشيفيتش، ولكننا نعارض طريقة الولايات المتحدة

وعنجهيتها، وأننا نخاف بأن تكون مقدمة لضرب دولة أخرى عربية ربما أو كل دولة تعارض سياسة الولايات المتحدة، ولذلك فإن النقاشات تتركز حول هل الولايات المتحدة على حق أو ليست على حق..

سامي حداد [مقاطعاً]: شكراً يا أستاذ..

بسام الخوري [مستأنفاً]: ولكننا لا نؤيد ضرب الألبان في كوسوفا، وشكراً..

سامي حداد: شكراً يا سيد بسام، وفيما يتعلق بالمساعدات أنا لست وزير الخزانة

الأميركي، فيما يتعلق المساعدات فنترك هذا، كيف ستسفر عنه هذه المعضلة بعد تسوية موضوع كوسوفا، أما فيما يتعلق بـ.. هذا بيذكرني ببرنامج الدفاع اللي كنا بنعمله في الـ B.B.C وكنت عملته قاسم، باختصار رجاء حتى ما نطلع عن الموضوع.

قاسم محمد جعفر: باختصار شديد نعم، توجد هناك دول أخرى تمتلك هذه الأسلحة بأشكال مختلفة وبطرازات مختلفة، الأسلحة الدقيقة التوجيه موجودة في روسيا، موجودة في فرنسا، موجودة في بريطانيا، وربما -أيضاً- وعلى الأرجح أنها موجودة في إسرائيل، بل أن الولايات المتحدة نفسها تستخدم أسلحة إسرائيلية موجهة بدقة في عمليات قصف جوية بعيدة المدى، فهذه الأسلحة موجودة، والولايات المتحدة ليست هي الدولة الوحيدة المحتكرة لمثل هذه الأسلحة.

سامي حداد: وفيما يتعلق بما قاله الدكتور يزيد الصايغ: أن دخول القوات البرية، وربما كانت النتيجة أفضل، رغم وجود…

قاسم محمد جعفر [مقاطعاً]: لا أريد أن أرد بقدر ما أريد أن أعقب، أن أقول: طبعاً كل نتيجة معركة تظل مرتهنة بظروفها وعواقبها، وما يجري فيها، وبمسارها على أرض الميدان، فلا أحد يمكن أن يتكهن بنتيجة المعركة، كان يمكن أن تؤدي المعركة إلى كارثة لحلف شمال الأطلسي ومن يدري، ولكن نحن نقول: أن أي هزيمة يجب أن تتحقق لا يمكن، ولم تثبت الحروب في تاريخها.

وهذه الحرب في نظري ستعود بعد فترة لاحقة، بعد أن يخف هذا الإشعاع الإعلامي، لتعود وتثبت من جديد أن الحرب الجوية، والأداة الجوية، القوة الجوية بمفردها ليست كافية لحسم الحروب، هي كافية للتمهيد لحسم الحروب، ولكن حسم الحروب لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال السيطرة على الأرض، والدليل على ذلك..

سامي حداد [مقاطعاً]: هذا إذا كان هنالك موضوع احتلال أراضٍ، في الموضوع هذا لم يكن هناك احتلال أراضٍ.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: مش احتلال، أنت تريد أن تسيطر على أرض ..

سامي حداد [مقاطعاً]: كان الموضوع هو كسر شوكة العدو ليستسلم وهذا ما حدث.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: أنت عندما حددت لنفسك -كحلف الأطلسي- أنك تريد أن يُعاد مليون مهجر إلى أراضيهم، وأن تنسحب القوات.. هل نسينا الهدف الأساسي انسحاب القوات الصربية..

سامي حداد [مقاطعاً]: عندك الآن خمسين ألف بقوات الأمم المتحدة ستدخل إلى المسرح الكوسوفي لإرجاع هؤلاء.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: يا سيدي يا سيدي، هذا صحيح، ولكن ليس عن طريق هزيمة العدو وإقناعه بضرورة القبول بما تم التوصل إليه على أرض المعركة، أنت الآن في وضع تم قبول العدو من خلال تسوية، ولذلك هذه المشكلات والمعضلات التي تواجهها عملية الانتشار الأطلسية، والتساؤلات الضخمة التي أشرنا إليها -ولا نريد أن نكررها- حول مستقبل كوسوفا، وحول مستقبل الوجود الروسي، وحول مستقبل السيادة، ومستقبل المهجرين، ومستقبل إعادة الإعمار.

لو كانت هذه المعركة أدت إلى نتيجة واضحة وحاسمة على سبيل المثال مثلما أخرج العراق من الكويت لما كنا الآن نواجه هذه المعضلات، كانت المعضلات تتعلق بمسائل تقنية من قبيل إزالة الألغام، وإطفاء الحرائق، وإعادة البناء، أما الآن فنحن نتعامل مع وضع سياسي ومع إشكالات سياسية ربما أدت إلى وضع أكثر صعوبة مما كان عليه…

سامي حداد: معنا السيد عمر عبد الله من الكويت.

عمر عبد الله: آلو.

سامي حداد: نعم يا أخ عمر.

عمر عبد الله: أهلاً يا أستاذ سامي.

سامي حداد: اتفضل.

عمر عبد الله: أنا عندي ملاحظة أن حلف الناتو حقق نصر عسكري دون أي خسائر تذكر مما أدى إلى.. يعني أنا بأعتقد أن ميلوشيفيتش انهزم بدليل وافق على ما كان يرفضه في رامبوبيه بل أقل من ذلك، أما عودة اللاجئين والمشكلة الأساسية هي مشكلة الأمن، إذا تحقق الأمن ليس هناك مشكلة من عودة اللاجئين.

المشكلة هي ليس هناك تعقيد كبير بالمسائل فيه خراب في البيوت أو لا، المشكلة هي الأمن إذا تحقق الأمن انتهى كل شيء، وباعتقادي أن على المدى البعيد أن ميلوشيفيتش لن يكون له رصيد من الشعب اليوغوسلافي، حيث يريد أن يدخل في الاتحاد الأوروبي، ويرى الديمقراطية، ويرى انتعاش اقتصادي.

فأعتقد أن يوغسلافيا ممكن أن تكون أفضل بكثير إذا تحقق الأمن في

كوسوفا حيث.. حتى مونتونيجرو أو الجبل الأسود أيضاً سيخسر إذا استمر على هذه السياسة، وبالتالي أنا أعتقد توفير الأمن أولاً ثم عودة اللاجئين، فينهي

المشكلة، هذه مداخلتي اللي حبيت أن أقولها.

سامي حداد: شكراً.

عمر عبد الله: عفواً.

سامي حداد: دكتور فيتالي نعومكن، إحنا نسيناك شوية، هذا الانتصار الأطلسي أو نصف انتصار -كما يقول الزميل قاسم جعفر هنا- هل يعني وضع مشروع الأمن الأوروبي على الرف، وأن الولايات المتحدة هي الضامن الآن للأمن الأوروبي والإقليمي، وربما الدولي أيضاً؟

د. فيتالي نعومكن: طبعاً، هناك الآن تساؤلات كثيرة حول نظام الأمن الأوروبي، ونظام الأمن العالمي، فطبعاً الولايات المتحدة بينت لأوروبا أنها في الحقيقة لا تزال.. وتريد أن تبين لأوروبا أنها لا تزال القوة القيادية في العالم، والقوة القيادية على القارة الأوروبية، هل ستستطيع أن تقبل أوروبا هذه الحقيقة، أو تقبل ما يريد أن تبينه الولايات المتحدة كحقيقة؟

لا نعرف حتى الآن، وأظن أن الأوروبيين سوف يفكرون في مستقبل الأمن الأوروبي مع طبعاً الدور الأميركي، ولكن هل سيكون هذا الدور دور عالمي، ودور قيادي، أو دور مطلق لا نعلم؟!

سامي حداد [مقاطعاً]: في الواقع هذا هو السؤال التاني اللي عاوز أسأله ليكوا إنتو التلاتة يعني كخبراء، الولايات المتحدة هي الضامن للمصالح الأوروبية في أوروبا، هل سيتجاوز ذلك مصالح أوروبا وأميركا، ليس في أوروبا وإنما في الخارج في آسيا الوسطى، في الشرق الأوسط؟ فيتالي نعومكن، شو رأيك؟

د. فيتالي نعومكن: نعم، رأيي طبعاً: الفكرة الأساسية التي الآن تسيطر على العقول الأميركية هي الدور القيادي في العالم، هذا الدور حسب المنطق الأميركي يجب أن يترجم على الواقع الأوروبي، على واقع الشرق الأوسط، وفي العالم، ولذلك كيف يمكن أن يتم هناك التوافق بين -طبعاً- الأطماع الموجودة للدول الإقليمية، والدول العالمية الكبرى الأخرى، مثل الدول الأوروبية، وروسيا، ودول الشرق مع هذه الحقيقة؟

سامي حداد: شكراً، دكتور يزيد الصايغ في لندن، هل توافق على ما قاله فيتالي: إن أميركا الدولة الأعظم، القوة الأعظم، ستكون هي الضامنة للمصالح الأوروبية أيضاً في مناطق أخرى من العالم، كما هي الحال في الشرق الأوسط أيضاً؟

د. يزيد الصايغ: ستكون طرف بكافة النزاعات ذات الأهمية، والتي قد تخص بعض الدول الأوروبية، ومثلاً في منطقة أفريقيا الوسطى في الصراع في زائير – كونجو، في رواندا، كان هناك موقف أميركي وهناك موقف فرنسي مثلاً، ولكن أعتقد أن الدول الرئيسية في حلف ناتو: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا بشكل خاص التي لديها مصالح عبر البحار، وقدرة على قذف القوة العسكرية عبر البحار، حين تتحرك خارج منطقة أوروبا قد تبادر كأميركا أو فرنسا أو بريطانيا ثم تسعى لإيجاد الإطار المناسب لذلك، وقد يكون ذلك الأمم المتحدة أو غير ذلك، أما..

سامي حداد [مقاطعاً]: دكتور، إذن كيف تفسر في هذه الحالة ما قاله توني بلير: إنه أحد الدروس -رئيس وزراء بريطانيا- من هذه الحرب قال: تصوروا رد فعل الرئيس -لم يقل الرئيس صدام حسين- لانتصارنا، إننا نريد دخول القرن القادم دون وجود ديكتاتوريات تمارس التطهير العرقي، تقهر شعوبها، تهاجم جيرانها، إننا جادون في ذلك، يعني يضع قواعد لسلوك العالم، وعمل حاله وسيط -توني بلير- على العالم.

د. يزيد الصايغ: قد يكون ذلك، توني بلير أوبيل كلينتون أو غيره قد يضع أهداف، قد تكون أهداف صريحة وصادقة، وقد تكون أهداف كاذبة بغض النظر، لكن السؤال يعني ما هو الإطار الرسمي الأمني أو العسكري والسياسي الذي من خلاله ستتحرك الولايات المتحدة، أو حتى بريطانيا من أجل تحقيق الأغراض هذه؟ أكانت أغراض مقبولة أو مرفوضة؟

أعتقد أن حلف ناتو كإطار منظم أو كمؤسسة تشترك فيها مجموعة من الدول أمامها الكثير من المشاكل فيما يخص الاتساع شرقاً في مناطق أوروبا

الوسطى، وأوروبا الشرقية، وأن تعالج القلق الروسي من كل ذلك.

وهي بالتالي تجابه مشكلات سياسية رئيسية ستلهيها لسنوات قادمة، أما العمل في خارج القارة الأوروبية حين تجد الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أن لها مصلحة خاصة في التصرف ضد ديكتاتور، أو ضد أي نظام كان خارج القارة الأوروبية ستوجد الشكل المناسب لذلك، ولكن لا أعتقد أن الشكل أو الإطار لذلك التدخل سيكون حلف ناتو.

سامي حداد: والدليل على ذلك ما يجري الآن من حظر جوي على شمال وجنوب العراق تقوم به بريطانيا والولايات المتحدة..

د. يزيد الصايغ [مقاطعاً]: يعني إذا وجدنا أن حلف ناتو لم يستطع أن يحقق الانسجام، ووحدة الموقف فيما يخص بوسنيا في السابق، وفيما يخص كوسوفا اليوم أو في الأمس، كيف نتوقع من نفس هذه الدول أن تلتقي على أمر يلقي بقواتها حتى خارج القارة الأوروبية، وخارج دائرة نفوذها ومصالحها الحيوية؟!

سامي حداد: قاسم جعفر، أراك تتحفز للمداخلة، اتفضل.

قاسم محمد جعفر: لا شك بالنسبة للولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عصر ما كان يسمى بالاستقطاب الثنائي، لا شك أن هناك أحلام وطموحات ورغبات حتى بالنسبة للولايات المتحدة بأن تمارس فعلاً دور الضامن للقوة في العالم، والمتحكم في النزاعات في العالم بأشكال مختلفة، مش كلها بالضرورة عن طريق الوسائل العسكرية.

ولكن حتماً هناك تفكير أميركي يدعو إلى أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الواحدة والوحيدة وستبقى كذلك حتى إشعار آخر، وبالتالي ممارسة السياسة الأميركية على هذا الأساس في العالم، هذا قد يكون صحيح في

هذه الفترة، ولكن لا أعتقد أن العالم سيظل أحادي الأقطاب إلى مالا نهاية، هذا واحد.

اتنين: عندما نتكلم عن أوروبا وخارج أوروبا، نعم أعتقد أن حلف شمال

الأطلسي –كما شاهدنا في كوسوفا- سيكون هو الأداة التي تستطيع الولايات المتحدة من خلالها كقوة رئيسية بالتعاون مع حلفائها المؤثرين والرئيسيين

-الذين أشار إليهم الدكتور يزيد- يعني فرنسا، بريطانيا بشكل أساسي، وألمانيا ربما نشهد -أيضاً- تزايداً في مثل هذا الدور في المستقبل، على المسرح الأوروبي نعم سيكون حلف الأطلسي هو الأداة التي تستخدم في هذا الإطار.

خارج المسرح الأوروبي أعتقد هي المشكلة، لأن هناك -وبغض النظر عما يشعر به الأميركيون- وما يرغب فيه الأميركيون هناك محدوديات للقوة الأميركية، وأعتقد أن المخططين للاستراتيجية الأميركية ليسوا في منأى عن الاعتراف والإقرار بمحدوديات القوة العسكرية الأميركية.

ماذا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة إزاء صراع شامل ربما اندلع بين الهند وباكستان في أي يوم من الأيام؟ ماذا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة إزاء الصين؟ هناك طبعاً مناطق في العالم تستطيع الولايات المتحدة من خلالها أن تتحرك بشكل أكثر سهولة من مناطق أخرى.

وهناك أزمات ووقائع ومناطق في العالم ربما كانت الولايات المتحدة عاجزة بمقدار ما كان الاتحاد السوفيتي عاجزاً أو بمقدار ما تجد روسيا نفسها الآن عاجزة، وهذه الأمثلة الحقيقية هي التي تدل بنا الآن على أن العالم ليس في مرحلة استقطاب واحدة، بل هو في مرحلة تعدد المحاور الإقليمية وتعدد الاستقطابات.

سامي حداد: لكن تبقى الأطلسي برئاسة أميركا، هو القوة.

قاسم محمد جعفر [مقاطعاً]: في أوروبا.

سامي حداد [مستأنفاً]: في أوروبا وربما في أفريقيا والشرق الأوسط، لنأخذ..

قاسم محمد جعفر [مقاطعاً]: قد لا أستبعد أن يكون لحلف الناتو دور في الشرق الأوسط..

سامي حداد [مستأنفاً]: لنأخذ خالد عبد الله.. معلش واحد في القاهرة ليه فترة، خالد عبد الله من القاهرة، اتفضل يا أخ خالد.

خالد عبد الواحد: خالد عبد الواحد من القاهرة.

سامي حداد: آسف، اتفضل يا أخ خالد عبد الواحد، متأسفين كمان أخرناك شوية على التليفون.

خالد عبد الواحد: والله، أنا بأحييكم وبأحيي الضيوف كلهم، لكن هو أنا بأتساءل هل الاعتقاد إن أهداف الناتو كانت موجودة فقط لأمن مسلمين كوسوفا، أو رجوع المهجرين، أو ما شابه ذلك؟ أنا أعتقد إن أهدف الناتو كلها تحققت بالتواجد في قلب أوروبا، وبالتواجد في قلب منطقة البلقان –منطقة ساخنة- وهم كانوا لا يريدون أهداف أكثر من ذلك.

وبالتالي هم لا يريدون حرب برية كما جرى من المحاور ضيفك في البرنامج وهي إن الاتفاق جاء ناقص، وهم كانوا لا يريدون أكثر من ذلك.

النقطة الثانية:..

سامي حداد [مقاطعاً]: لا.. لا، معلش النقطة هادي.. أستاذ عبد الواحد، معلش النقطة هذه، يعني أنت لا تتفق مع ما قاله توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، والرئيس كلينتون بأن هذه أول حرب في التاريخ نخوضها في سبيل المبادئ، حرب أخلاقية، وليس في سبيل المصالح، يعني لو لم يدخل حلف الأطلسي لإيقاف التطهير العرقي والمجازر التي كان يقوم بها الصرب ضد الألبان شعب كوسوفا، يعني كان الأول الأميركان قاعدين ما بيعملوش حاجة، الآن دخلوا وضربوا بتحطوا على الأميركان، مش عارف على مين نرد؟!

خالد عبد الواحد [مقاطعاً]: يا سيدي الفاضل، أنا لا أتفق معك، سيدي الفاضل، سيدي الفاضل، أنا لا أتفق مع توني بلير في هذا أبداً، لكنها مصالح عليا، مصالح استراتيجية لحلف الناتو، مصالح استراتيجية لأميركا، وجرى تنفيذها، هذا ولا حرج في ذلك هم يبحثون عن مصالحهم ولا حرج في ذلك، هم يملكون القوة ولا حرج في ذلك.

اللي أنا عايز أقوله: إن هل الناتو ما نجحش في إنه يتواجد في قلب أوروبا؟! هل الناتو ما نجحش في قياس رد الفعل الروسي في مشكلة، في حرب واقعية مع حليف استراتيجي للروس؟! هل الناتو ما نجحش في إبعاد اليوغوسلاف عن عرقلة أوروبا الموحدة؟ هل الناتو لم يفلح في عمل صيغة جديدة لما بعد الحرب الباردة؟! هل الناتو ما نجحش في قياس رد الفعل الصيني بما سمي بالخطأ في ضرب السفارة الصينية حتى يمكن عمل استراتيجية ما بعد هذا الحرب؟!

سيدي الفاضل، هنا اللي إحنا بنقوله.. اللي أنا بأؤكد عليه إن أهداف الناتو ماهياش أهداف المصالح العليا أو المثل العليا كما يقولون، هي مصالحهم، كما كانت مصالحهم في حرب الخليج، حرب الخليج كانت ليست لتحرير الكويت، ولكن فقط للتواجد في منطقة الخليج.

وأميركا تريد أن تسيطر على منابع البترول حتى تكون هناك ورقة رابحة ليها لأوروبا الموحدة، هل أميركا دلوقت.. هل أمن أوروبا الموحدة لا يرتبط حالياً بأمن أميركا، بالتواجد الأميركي، وبالرؤية الأميركية..

سامي حداد [مقاطعاً]: شكراً أستاذ عبد الواحد، شكراً لهذه المداخلة القيمة، والواقع لو نتذكر عندما كانت حرب البوسنة، وقتل المسلمين، وحاولت أوروبا أن تحل الموضوع، لم يحل الموضوع إلا لما دخلوا الأميركان على الخط.

دكتور فيتالي نعومكن، كيف ترى موسكو الآن.. يعني من أحد دروس كوسوفا أن الأمم المتحدة همشت، وضعت على الرف فيما يتعلق بحل أي نزاع إقليمي؟

د. فيتالي نعومكن: لا أظن موسكو من بداية النزاع كانت مع دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومن أخطر التهديدات لنظام الأمن العالمي، والنظام العالمي بشكل عام كان تهميش دور الأمم المتحدة، ولذلك من نتائج هذا.. يعني أن النتيجة الأساسية هو التسوية في إطار الأمم المتحدة، وهذا الشيء الذي موسكو راضية به الآن.

أما قضية المصالح أو قضية –مثلاً- الحرب الإنسانية فنحن يجب ألا ننسى أن مثلاً.. إذا الآن نتذكر مثلاً قضية كمبوديا، كان (الخمير روج بول بوت) من أفظع وأوحش الديكتاتوريين، ولكن الولايات المتحدة لم تعترف بالنظام الجديد في كمبوديا، وبالضغط من الولايات المتحدة بول بوت استمر ممثلاً لكمبوديا في الأمم المتحدة.

ولذلك المعايير المزدوجة -مع الأسف- لا تزال موجودة في تصرفات الدول الكبرى الموجودة في حلف شمال الأطلسي، ولذلك هناك شكوك في كون هذه

الحرب، وهذه العملية إنسانية فقط، ولذلك نحن نريد العودة إلى الأمم المتحدة، إلى مجلس الأمن حيث تكون كل الأمم وكل الدول في العالم تستطيع أن تقول رأيها، وتعبر عنه.

سامي حداد: إذن.. يعني هناك من يعتقد أن بالإضافة إلى التطهير العرقي الذي مارسه الصرب ضد الألبان، دخل الحلف الأطلسي لإيقاف بركان ربما تفجر من الأقليات العرقية في دول البلقان، ولذلك أرادوا أن يضعوا درساً، ويوقفوا ذلك، والدليل على ذلك أنهم قالوا: يجب أن تبقى كوسوفا جزءاً من يوغسلافيا؟

د. فيتالي نعومكن: نعم، طبعاً هذه هي الحقيقة.

سامي حداد: إذن لم تكن حرب مصالح.. يعني حرب نظيفة كما يقولون.

د. فيتالي نعومكن: لا، هي من جهة حرب مصالح، لأن لو كانت مصلحة مثلاً الولايات المتحدة الأميركية.. نحن نعرف الأمثلة كثيرة من ذلك عندما كانت مصلحتهم مع الديكتاتوريين ومع الأنظمة الديكتاتورية كان دعم الأنظمة الديكتاتورية موجوداً أو قوياً.

وفي هذه الحالة سياستهم ضد الديكتاتور، ضد التطهير العرقي.. وهذا شيء

جيد، ولذلك روسيا الآن تؤيد مشروع التسوية في كوسوفا، لأن روسيا أيضاً ضد التطهير العرقي وفي صالح التسوية.

سامي حداد: لنأخذ هذه آخر مكالمة من المغرب من السيد تكمنت محمد، آلو.

تكمنت محمد: آلو مساء الخير.

سامي حداد: مساء النور.

تكمنت محمد: أخ سامي؟

سامي حداد: نعم.

تكمنت محمد: أريد أن أتدخل بمداخلة بسيطة.

سامي حداد: اتفضل.

تكمنت محمد: ربما الإخوة سبقوني إلى ذلك، نحن كعرب وكمسلمين يجب ألا تنطوي علينا اللعبة، فيما يتعلق بأزمة البلقان وأزمة كوسوفا، نسمع عن الشرعية

الدولية، نسمع عما قاله توني بلير: سوف ندخل القرن الواحد والعشرين بدون أنظمة ديكتاتورية، في حين نجد أن الولايات المتحدة وبريطانيا من الدول الذين يتعاملوا مع الأنظمة الديكتاتورية وخصوصاً في الشرق الأوسط، أكثر من

ذلك يجب ألا ننسى المسألة الأفغانية، حينما كان الانسحاب السوفيتي كنا نسمع المجاهدين الأفغان، كانت المسألة مجاهدين حقوق الإنسان إلى غير ذلك، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحوا إرهابيين، نسمع بذلك الدعم للمجاهدين، فلهذا يجب نحن كعرب ومسلمين أن (…) حذرين.

فهذا التدخل في كوسوفا ليس من أجل اللاجئين.. من أجل المسلمين، فهو تدخل من أجل فرض الإمبريالية والعربية وتطويق بعض البلدان التي تريد التحرر بنفس.. القرار، لهذا نحن ضد تهجير المهجرين، ضد سحق الأقليات، ولكن نريد

حلاً معمماً، أين هي حقوق الشعب الفلسطيني؟ أين هي حقوق الأقليات في دول أخرى؟ ولماذا في كوسوفا بالذات؟ ولماذا تخاذل حلف الأطلسي في الغرب بالنسبة للبوسنة والهرسك، قصفوا هذا الشعب المسلم، وانتهى الصرب من جرائمهم حين ذاك سمعنا بالحل الدبلوماسي، أو الحل السياسي.

سامي حداد: شكراً يا أخ محمد من المغرب لهذه المداخلة، قاسم جعفر، قال مارتين إنديك (مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ومهندس سياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران) قال: إن وقوف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة إلى جانب ألبان كوسوفا كان له تأثير واضح في العالم العربي والإسلامي، وساهم في وضع حد لما يقال: إن أميركا تكيل بمكيالين، ما رأيك؟

قاسم محمد جعفر: ازدواجية المعايير.

سامي حداد: ازدواجية المعايير عند الأميركان.

قاسم محمد جعفر: هو طبعاً أنا بأسمع..

سامي حداد [مقاطعاً]: والأخ هذا نفس الشيء حكاه تقريباً.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: العديد من الإخوان والدكتور فيتالي أوافقه على أن.. أن المشكلة في السياسة الأميركية قد لا تكون ازدواجية المعايير بقدر ما هي انتقائية المعايير، هم فعلاً قد يكونوا.. وأنا أعترض بشدة على من يقول: أنهم دخلوا من أجل فقط مصالح في كوسوفا، ولا يهمهم مصير شعب كوسوفا، لا أعتقد أن أي دولة..

سامي حداد [مقاطعاً]: دولة صغيرة، فيها نفط هي مثل منطقة الخليج؟!

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: لا أعتقد أن أي دولة من الدول سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، إدارة مثل إدارة الرئيس كلينتون بالذات بكل الحساسية التي تمتلكها هذه الدول للرأي العام، ولمسألة الشعبية Pause – writings كما يقولون وكل هذه الأمور، لا أعتقد أنهم يجازفون بالدخول في مثل هذه المواجهة العسكرية بكل ما تنطوي عليه من مخاطر، لمجرد أنهم يريدون أن يسجلوا نقاط.. بالعكس هناك كان أزمة حقيقية.

وبالنسبة لكوسوفا كان هناك وضع حقيقي مأساوي يريدون التخلص منه، لا يريدون أن يشاهدوه يجري في أوروبا، لا يريدون أن يكون هناك مليون مهجر ولاجئ جديد يتوزعون في أراضي أوروبا والولايات المتحدة إلى ما هنالك.

هناك كانت اعتبارات اقتصادية خوف من احتمال اتساع مسألة كوسوفا لتصل إلى مناطق أخرى في البلقان، وربما أيضاً تمتد إلى اليونان وتركيا، كان هناك وضع خطير فعلاً اضطر حلف شمال الأطلسي إلى مواجهته.

بالنسبة للبوسنة، أعتقد أن الأخ الذي تحدث من المغرب لو سأل أي بوسني في (سراييفو) اليوم أو في أي مدينة بوسنية عن هذا الموقف، لكان رأيه معارضاً

تماماً، ولكان أشاد بالتدخل الأطلسي، وتدخل الولايات المتحدة الذي أنقذ البوسنيين من المصير الذي كان يأتيهم على أيدي الصرب، فنعود إلى الولايات المتحدة، الولايات المتحدة المشكلة ..

سامي حداد [مقاطعاً]: تعود إلى الولايات المتحدة باختصار شديد، نعم.

قاسم محمد جعفر [مستأنفاً]: لأننا .. نعود لأنني أريد أن أصل إلى هذا، المشكلة بالنسبة للسياسة الأميركية هي الانتقائية، هي اختارت أن تدافع عن البوسنة، فكان لها فعلاً سياسة فعلاً جيدة ومشرفة إلى حد كبير بالنسبة للدفاع عن أهل البوسنة، الآن في كوسوفا لا أعتقد أن أحداً يمكن أن ينتقد أهداف الأطلسي على الأقل الأهداف المعلنة للحلف الأطلسي تجاه أهل كوسوفا، وأزمة كوسوفا، ومأساة كوسوفا.

كنا نتمنى -وهنا بيت القصيد- كنا نتمنى لو أن هذه السياسة الأميركية أو الغربية أو الأطلسية تطبق على الأوضاع الأخرى، يا ليتها كانت تطبق على الشرق الأوسط، وعلى القضية الفلسطينية، لكنا انتهينا من الصراع العربي الإسرائيلي منذ زمن بعيد.

يا ليتها طبقت على العراق لكنا تخلصنا من الأزمة العراقية المزمنة التي تحولت بدورها إلى أزمة لا نهاية لها من زمن بعيد، لو كانت هذه السياسة الأميركية ليس أنها تكيل بمكيالين، ولكنها تعامل كل الأمور بنفس الجدية، وبنفس

التصميم، وبنفس العزم الذي تنتقي فيه أحياناً بعض الأزمات وبعض المسائل لمعاملتها بشكل آخر، لكنا وصلنا لوضع أفضل بكثير ليس فقط بالنسبة للشرق الأوسط، ولكن بالنسبة إلى العلاقات العربية الأميركية، والعربية الغربية.

سامي حداد: شكراً قاسم، دكتور فيتالي، قبل أن أنتقل إلى لندن عندي فاكس من السيد عامر البياتي في (فيينا -النمسا) يقول: مشاركة الأوروبيين في الحرب أدى إلى خسارة الأحزاب الاشتراكية في الانتخابات التي حدثت في البرلمان الأوروبي أمس لصالح المحافظين، كيف تنظرون إلى رد الفعل هذه لدى المواطن الأوروبي بسبب هذه الحرب؟ هل توافق؟ يعني هذا يريد جواباً من روسيا منك.

د. فيتالي نعومكن: لا، أنا في رأيي سؤال صعب، وحتى الآن لا تجري في كل الدول الأوروبية انتخابات حتى نستنتج دروس معينة، نستخلص دروس معينة من هذا، ولكن في رأيي أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين الحرب في كوسوفا وبين نتائج الانتخابات.

في رأيي الانتخابات وفوز حزب ما في هذه الانتخابات في أوروبا سوف تتعلق -قبل كل شيء- على مدى نجاح هذا الحزب أو ذاك، أو هذه الحكومة أو تلك في حل المشاكل الداخلية، ورفع مستوى المعيشة للسكان.

سامي حداد: دكتور يزيد الصايغ في لندن، ما حدث في يوغسلافيا هل تعتقد أنه

سيؤدي.. يعني اجتمع الأوروبيون تحت المظلة الأميركية، هل تعتقد أن ذلك سيؤدي إلى تخفيض التنافس الأوروبي الأميركي الاقتصادي، نحن نعرف ما حدث في هذا العام، حرب الموز بين أوروبا والولايات المتحدة، الأوروبيون -دول الاتحاد الأوروبي- يشترون من مستعمراتهم السابقة، يشترون من مزارع في أميركا اللاتينية، تدخلت الولايات المتحدة، منظمة التجارة

العالمية -ذراع أميركا- ودفعوا غرامة، وأصبحت أميركا تأكل موز الآن بقرار أميركي، هل ذهب هذا التنافس الأميركي الأوروبي الاقتصادي بعد هذه الحرب؟

د. يزيد الصايغ: طبعاً لا، التنافس التجاري الأميركي الأوروبي مستمر، ولا تزال هناك قضايا جديدة تحصل كل أسبوع تقريباً، قضايا رئيسية، ولا علاقة بين تصرف حلف الناتو في حرب كوسوفا، وبين التنافس التجاري هذا.

هناك قضايا اقتصادية رئيسية وبعيدة المدى هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الاختلاف مع الولايات المتحدة حول القضايا التجارية، هناك سعي أوروبي واضح بعيد المدى وأيضاً ليس بجديد لحماية الصناعات، والقطاعات الإنتاجية الأوروبية.

وقد يتخذ ذلك أشكال جديدة كلما سعى الاتحاد الأوروبي نحو بلورة الآلية الخاصة به، لصياغة سياسة خارجية خاصة بأوروبا، وقد نشهد المزيد من هذه الأمور في المستقبل القريب أيضاً، ولكن مجدداً لا علاقة بين وحدة الموقف النسبية في كوسوفا والموقف تجاه أي قضية أخرى، لا أعتقد أن هناك رابط ضروري بين الاثنين.

قاسم محمد جعفر: صح.

سامي حداد: مع أن.. يعني كنت هذا أريد أن أطرحه على ثلاثتكم في آخر دقيقتين، (جرام فولر) المدير السابق لمكتب سياسة الشرق الأوسط التابع لمجلس الاستخبارات القومي الأميركي، قال: إن نهاية الحرب الباردة، تعاظم مبدأ العولمة على المستويين السياسي والاقتصادي سيجعلان تكرار الدرس في كوسوفا في مناطق أخرى من العالم حيث يوجد ديكتاتوريات ونزاعات إقليمية، ولو بدأنا فيك يا دكتور يزيد.

د. يزيد الصايغ: لا أعتقد أن الغرب عموماً.. وطبعاً كلمة الغرب توحي بشيء موحد ومتجانس وذلك يخالف الواقع، إنما الغرب لن يتدخل في كل بقعة من بقاع العالم، ومثلاً أشار الزميل قاسم قبل قليل .. لوَّح إلى إمكانية أن يحصل خلاف ما، أو نزاع مسلح في جنوب آسيا بين الهند وباكستان، هل حلف الناتو سيتدخل هناك؟

لا تمتلك سوى الولايات المتحدة، وإلى حد ما بريطانيا وفي موقع ثالث بعيد فرنسا القدرة على نقل أي قوات تذكر إلى منطقة بعيدة كجنوب آسيا، وبالتالي لا أعتقد أن ما يتنبأ به جرام فولر سيتم، وإن كان يرغب جرام فولر أو غيره من المحللين الأميركيين أو الغربيين بأن يتولى الغرب دور الشرطي العالمي، وقد يكون ذلك إشي مطلوب، أو شيء غير مطلوب هذا للدولة..

سامي حداد [مقاطعاً]: ما تنساش إنه كان مدير المكتب السياسي لقسم الاستخبارات في المجلس القومي الأميركي، مشاهدينا الكرام..

د. يزيد الصايغ [مقاطعاً]: طبعاً، ليس من جديد.

سامي حداد [مستأنفاً]: عفواً، مشاهدينا الكرام، لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيوف حلقة اليوم في الآستديو الأستاذ قاسم محمد جعفر (الباحث في الشؤون والقضايا العسكرية والسياسية) من موسكو، الدكتور فيتالي نعومكن (رئيس مركز روسيا للدراسات الاستراتيجية)، ومن لندن الدكتور يزيد الصايغ (الأستاذ بجامعة كمبريدج، الخبير في القضايا الاستراتيجية)، مشاهدينا الكرام حتى نلتقي في حلقة أخرى من برنامج (أكثر من رأي) تحية لكم، وإلى اللقاء.