إشراقات

جدلية العلاقة بين الثقافة والسياسة ج2

شرعية الدولة العربية والاستنساخ من النظم الغربية، والعولمة وتأثيرها على الأنظمة الاقتصادية والسياسية في العالم، وجدلية العلاقة بين الثقافة وآلة الحرب، والفرنكفونية وظاهرة التبعية العربية للثقافات الغربية، الأزمة الراهنة في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي.

مقدمة الحلقة:

كوثر البشراوي

ضيف الحلقة:

د. غسان سلامة: وزير الثقافة اللبناني

تاريخ الحلقة:

06/09/2002

– شرعية الدولة العربية والاستنساخ من النظم الغربية
– النظم العربية بين الدكتاتورية واللجوء إلى الديمقراطية

– العولمة وتأثيرها على الأنظمة الاقتصادية والسياسية في العالم

– جدلية العلاقة بين الثقافة وآلة الحرب

– الفرنكفونية وظاهرة التبعية العربية للثقافات الغربية

– الأزمة الراهنة في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي


undefinedكوثر البشراوي: أصدقاءنا المشاهدين في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في هذه الحلقة من برنامج (إشراقات) يستمر حديثنا مع ضيفنا الدكتور غسان سلامة ونستمر في طرح العديد من الأسئلة مثل علاقة الثقافة بآلة الحرب، كما يقال حول العلاقة بين النهضة العربية الفكرية ودخول (نابليون بونابرت) إلى مصر، كما نتساءل حول التهمة الموجهة دائماً إلى ضيفنا الدكتور غسان والمتمثلة في صفة الفرانكفوني حتى النخاع، هل هو فعلاً كذلك؟ سنستمع إلى الإجابة بعد قليل.

والآن اسمحوا لي أن نبدأ وإياكم هذه الحلقة وتستمع معاً إلى أول أسئلة هذه الحلقة ونطلب من الأستاذ أبو حيدر أنه يبدأ على بركة الله هذه الحلقة.

أعود إلى.. إلى ما أشرت إليه من مفهوم الاستنساخ، ويمكن تحدثت عن وجود التشريع أو.. أو شرعية الدولة، ذكرت أن هذه اللحظة التشريعية ولدت في.. في.. في مخاض خطأ، يعني واستشهدت بمثال العراق ومثال لبنان، بريطانيا لم تكن بريئة من دستور العراق، وفرنسا لم تكن ولا تزال غير بريئة من مما يحدث فيه، فكيف يمكن تطبيق فكرة يعني أن تنبت شيء يشبه هذا المجتمع بدون الالتفات إلى ظهور بداية النقلة الحقيقية وهي استنساخ مزمن منذ فترة بعيدة.

شرعية الدولة العربية والاستنساخ من النظم الغربية

د.غسان سلامة: هذا هو التحدي الحقيقي، في الواقع نحن مررنا بثلاث لحظات مشاركة أو دستورية.. لحظات دستورية اللحظة الأولى كانت اللحظة العثمانية في القرن التاسع عشر في أواخر السلطنة العثمانية دخل الدستور ودخل مبدأ المشاركة، ولكنه انتهى بانتهاء السلطنة، ثم جاءت لحظة دستورية ثانية أيام الانتشار الاستعماري والانتدابي على مختلف الدول العربية حيث كان الاستنساخ للأمثلة الأوروبية هو الغالب، كنا نأخذ الدواء دون تشخيص الداء.

كوثر البشراوي: هل كان لديهم خيار فعلاً؟

د.غسان سلامة: لم يكن لديهم الخيار وفي الواقع أخطأنا مرتين تلك المرحلة، نحن النخب الثقافية أو ربما آباؤنا، أخطأنا مرتين، أخطأ الذين استنسخوا دون أن يتساءلوا عن مدى جدوى هذا.. هذا الدواء لدائنا، ولكن أخطأوا أيضاً أولئك الوطنيين الذين في تلك المرحلة كانوا يرفضون السيطرة الأوروبية مع الأفكار الأوروبية كانوا يريدون أن يرفعوا بكل شيء باسم الاستقلال الوطني، كانوا يقولون لا نريد لا سيطرة الغرب علينا ولا أفكاره حتى ولو كانت جيدة أو ديمقراطية، الطرفان في تلك المعادلة أخطئا، الطرف الذي استنسخ والطرف الذي رفض الغرب بوصفه طرفاً مسيطراً وبوصفه منبعاً للأفكار…

كوثر البشراوي [مقاطعةً]: دكتور.. دكتور هناك خطأ ثالث مهم الاستمرار في تبني هذا الخطأ.

د.غسان سلامة: طبعاً، طبعاً، العودة عن الخطأ فضيلة وبالتالي نحن في اللحظة الثالثة، وهي اللحظة التي لا يمكن أن نتخبَّأ لا وراء وجود السلطنة العثمانية ولا وراء المستعمر الأجنبي، نحن متروكون لأنفسنا، وبالتالي مسؤوليتنا كبيرة، قيل كان عندنا نوع من حائط مبكى اسمه الغرب المسيطر المهيمن، اليوم لا عذر لدينا إذا أسأنا تنظيم أحوالنا السياسية والاقتصادية، لا يمكن لي أنا كلبناني مثلاً أن أتحجج بأوضاع إقليمية سيئة، بعدم وصول الوفاق الوطني إلى درجته القصوى، باختلافات وجهات النظر داخل المجتمع، لكي أقول لا أريد أن أقدم على الإصلاحات الضرورية في مجال عصرنه الاقتصاد اللبناني، لا والله.. الله غالب، هناك أوضاع ما بتسوا لا هناك شغل يجب أن نقوم به مما كانت الأوضاع الإقليمية، أنا إذا كان عندي مشروع ثقافي في هذه الوزارة لا يمكنني أن أقول لكي والله أنا لا أضع مخططاً لتطوير الثقافة في لبنان لأنه هناك إسرائيل، طيب إسرائيل خلال فترة.. فترة مواجهتنا الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية والتوتر جاء إليها 21 مليار دولار فقط استثمار في مجال التقنيات المتطورة، لم يقل الإسرائيليون لا والله نحن في ظروف حرب مع العرب وبالتالي يجب أن نوقف عملية تطوير اقتصادنا، لذلك هذا الكلام المتباكي على إنه الغرب مازال مسيطراً وإنما بوسائل أخرى، التوسع والصهيونية قائمة، كل هذا الأمر صحيح، الغرب مازال مسيطراً على اقتصاد العالم مع اليابان ومع أعضاء آخرين، ولكن اليابان الذي هزم في الحرب العالمية الثانية من قبل الغرب، قام من رماده وبنى ثاني اقتصاد في العالم، ولم يقل الغرب سيطر علي، ونحن أيضاً في بلداننا العربية تعودنا ولسوء الحظ مازلنا نقوم بهذا الأمر، بالبحث دائماً عن أعذار لكسلنا، نحن كسولين.

كوثر البشراوي: لا عزيمة

د. غسان سلامة: ما يتميز به تتميز به مجتمعاتنا هي أنها مستكينة إلى قدر من الكسل، علينا كمسؤولين وكأعضاء في المجتمعات أن نتنبه إلى أننا إن أعذارنا في مجمل الأحيان واهية، وأن لا يمكن لنا أن نتحجج اليوم.. اليوم بأننا لا نريد هذه الفكرة، لأنها آتية من اليابان أو لا من ألمانيا أو لا من..

كوثر البشراوي: أو القدرية المطلقة

د.غسان سلامة: أو القدرية المطلقة، اليوم مسؤوليتنا كاملة لتحقيق استقلالنا وفي تحقيق أنظمتنا السياسية المتقدمة وفي إصلاح اقتصاداتنا وفي مسؤوليتنا كاملة، كاملة.

النظم العربية بين الدكتاتورية واللجوء إلى الديمقراطية

كوثر البشراوي: حسب رأيك أنت كمفكر سياسي، هل كانت الديمقراطيات في العالم الثالث تعطي أوطانها العربية بالذات أسلوب للهروب إلى الأمام أو تغطية أو اعطاء شرعية لدول استنفذت حقها في الوجود أو فرصة لتغطية يعني ورطات مالية اقتصادية، ألخص فكرتي، أنه لما يأتي الموضوع إلى المشاركة في الثروات وفي الخير ديكتاتورية، ولما يتورط.. تتورط الدولة في مديونيات نعود هنا إلى مفهوم الديمقراطية ونطالب المجتمع أن يدفع ثمن هذه الورطات الاقتصادية تحت مسمى الديمقراطية، شيء غريب، سبحان الله يعني.

د.غسان سلامة: صحيح، في تراثنا هيك، يعني الخديوي إسماعيل في مصر، الخديوي إسماعيل أنشأ أول مجلس للنواب عندما احتاج إلى فرض آراء جديدة، وكان بحاجة إلى من يدافع عنها مع الناس، السلطنة العثمانية، أنشأت مجلس المبعوثين عندما يعني كانت بحاجة أيضاً لسداد ديونها الخارجية، والآن في التسعينات عندما نقل الدين على عدد من الدول وكانت بحاجة إلى عصرنة اقتصادها وإلى التعامل بطريقة مقبولة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي شعرت بحاجة إلى نوع من التمثيل الشعبي لكي تمرر إما سياسات تقشفية أو إما ضرائب جديدة، أنا معك إنما إذا كنتِ من الذين يعتقدون بأن الديمقراطية البريطانية شيء لا بأس به، فاعلمي إن الديمقراطية البريطانية نشأت تماماً هكذا، بمعنى أن الديمقراطية البريطانية نشأت على قاعدة: “No Taxation.withowt presentation” لا ضرائب بدون تمثيل، لا.. أنا لست مستعداً أن أدفع ضرائب للملك أو للملكة إذا لم أكن.. لم يكن لي صوت وقرار واشتراك في قرار حول وسائل إعادة توزيع هذه الضرائب التي تجنيها الدولة من الناحي لإعادة توزيعها على المجتمع، لذلك حتى في الدول الديمقراطيات العريقة فإن الديمقراطية نشأت أيضاً في ظروف ملتبسة يعني نحن نتعلم ونعلم في كتبنا أن الديمقراطية نشأت بسبب أفكار (لوك) و(روسو) وغيرهم، هذا صحيح لكن جزئياً صحيح، الواقع أن الديمقراطية تنشأ من خلال ميزان القوى بين السلطة وبين المجتمع، وبالتالي هناك لحظة من اللحظات يأتي المجتمع ويقول للحاكم الآن إذا كنت تريد ضرائب إضافية، إذا كنت تريد سياسة تقشف تصيب هذا المجتمع، إذا كنت تريد أن يذهب أبناؤنا وفي الخدمة العسكرية في الجيش فإنك بحاجة كدولة أن تعطيني شيئاً بالمقابل، هو اشتراكي في القرار العسكري واشتراكي في القرار السياسي واشتراكي في القرار الضريبي والمالي وفي إعادة توزيع الثروة الوطنية، أن تنشأ الديمقراطية بسبب ميزان القوى ليس معيباً، ليس معيباً، لذلك إذا كانت السلطات العربية أو سلطات العالم الثالث إجمالاً انفتحت على الديمقراطية لأنها كانت في مأزق مالي ومأزق مديونية ومأزق..، فهذا أمر طبيعي والديمقراطية في الغرب نشأت أيضاً من خلال مآزق السلطات وعدم تمكنها من الاستمرار إلا بإنشاء عقد اجتماعي جديد مع المجتمع كان هو العقد الديمقراطي، لذلك ما قلتي صحيح، ولكنه غير معيب..

كوثر البشراوي: لكن لماذا ظهر لحظة إنشاء هذه الديمقراطية.

د.غسان سلامة: هنا أنت بحاجة إلى ديمقراطية، من بعد أن تكون الديمقراطية مجرد مخرج للنخب الحاكمة من ورطتها المالية والاقتصادية والضريبية وما شابه، عندما تكون مخرجاً لكي تستمر التجربة ولكي تتجلى تلك التجربة، ولكي تدوم تلك التجربة الديمقراطية، أنت بحاجة لديمقراطيين للدفاع عن ديمقراطية، ومن هنا يعني هذا كتبته من 6 سنوات "ديمقراطية بدون ديمقراطييين"، عندما كانت عملية الانتشار الديمقراطية المؤسسية على قدم وساق في كل الدول، قلت: أحذر من أن نكتفي من الديمقراطية بهذا الخروج من المأزق الذي وجدت السلطات فيه نفسها، علينا إذا كنا فعلاً ديمقراطيين أن نقول للديمقراطيين يجب أن تدافعوا عن هذه التجربة ولا يجب أن تشعروا، كما هي الحال في كثير من الدول الآن قدر من الإحباط والخيبة والقول لماذا المشاركة، لماذا ديمقراطية؟

كوثر البشراوي: يعني ساعات نشعر أنها شيء من البورفات، بصراحة، عرفت.. هناك عرض مسرحي حقيقي، هناك ما قل عرض مسرحي نقول إنه تدريبات بروفة، الديمقراطية في الوطن العربي أشعر أنها بروفة.

د.غسان سلامة: معلش.. معلش.

كوثر البشراوي: وثم فجأة تتحول إلى الوجه الآخر الديكتاتوري لما تكون الأمور ابتدأت تعود إلى شيء من الاستقرار الاقتصادي.

د.غسان سلامة: شوفي، خليني أقول لك شغلة، في الحقيقة أن تكون بروفة يعني أنك متفائلة، يعني كمان أنا متفائل لأنه بعد البروفات يأتي الحفل الافتتاحي…

كوثر البشراوي: لابد.

د.غسان سلامة: فأنت تقولين أننا نتطور باتجاه الحفل الافتتاحي وأنا معك، إنما المسألة في مكان آخر، أُحذِّر من التعميم في الوطن العربي المنقسم إلى أو حوالي 20 أو 22 كيان سياسي لم يكن يوماً خلال قرن من الزمن على نفس السلطات السياسية، كان دائماً من ناحية التنظيم السياسي نوع من الموزاييك، ملكيات وجمهوريات، هناك من قال في الستينات أن عهد الملكيات انتهى فوجدناها تستمر، اشتراكيات ورأسماليات ولا أقول ديمقراطيات وديكتاتوريات، لا أقول ذلك، ومستويات مختلفة من الديمقراطية أو من التسلط، مستويات مختلفة، تبدأ بالصفر حيث تنعدم الحرية تماماً وتنهي بحالات من الحريات الواسعة تماماً حتى الاختناق كما كانت الحالة عليه في لبنان كانت الحرية قائمة حتى انتفاء الدولة…

كوثر البشراوي: حتى التخمة…

د.غسان سلامة: حتى التخمة، حتى انتفاء الدولة أنا أعتقد أن هذا التنوع في الأنظمة العربية الذي شهدناه في الخمسينات والستينات والسبعينات سيستمر في القرن المقبل أو في القرن الذي بدأ سيستمر، أنا لا أعتقد أن هناك تياراً سيحكم الحياة السياسية والثقافية من المحيط إلى الخليج، لا الاشتراكية استطاعت ذلك ولا الفكرة القومية استطاعت ذلك، ولا الفكرة الإسلامية استطاعت ذلك، سنبقى على موزاييك سياسي، هناك دول ستذهب نحو مزيد من استلهام الشريعة الإسلامية في أنظمتها السياسية، هناك أنظمة ستبتعد عن هذا الأمر، هناك أنظمة ستذهب أبعد في تجذير الديمقراطية وهناك من سيقفل المسرح بعد البروفة التي ذكرتيها، هناك من سيعود إلى أنواع من أنواع التسلط وهناك من سيقدم على تشريعات لحماية حقوق الإنسان، وفي المجال الاقتصادي هناك من سيذهب بعيداً في الخصخصة وهناك من سيذهب أقل في الخصخصة أو بوتيرة أبطأ أو ربما من لن يقدم على الخصخصة ومن سيعود إلى دور فاعل للدولة في المجال الاقتصادي.

أنا أقول أننا والحمد لله متنوعون في وطننا العربي الواسع، وأننا لم نكن يوماً على قاعدة نظامية سياسية واحدة، وأن هذا رحمة وليس غضب، لأننا.. لأن تنوعنا جزء من التقدم المختلف في مجتمعاتنا، والصورة أو مرآة عن اختلاف العقد الاجتماعي القائم في مختلف دولنا.

العولمة وتأثيرها على الأنظمة الاقتصادية والسياسية في العالم

كوثر البشراوي: نعم، دكتورة على ذكر المجال الاقتصادي وأنت أشرت منذ يعني 10 دقائق في الحديث إلى المثال الياباني مثلاً الذي أعاد بناء نفسه بعد الحرب.. الحرب العالمية الثانية من لا أقول الصفر، من رماده، لذلك حدثت كثيراً عن هذا.. هذه العولمة.. أو هذا العصر اللي يتميز بالانفجار المعلوماتي وسوق المال العالمي، هذه العولمة اليوم تهدد مرة أخرى بلد مثل اليابان.. تهدد بريطانيا.. تهدد ألمانيا.. تهدد فرنسا، فإلى أي من هذا ميزات هذا العصر الشاسع يعني يحيط الحصار على مواقع جغرافية بقطع النظر عن حجمها وضخامتها وعراقتها؟

د.غسان سلامة: طبعاً أنا لا أنظر إلى العولمة نظرة فقهية، لكي أريحك من السؤال وأقول لكن أنا ضدها وأنا معها، مجرد طرح الموضوع بهذه الطريقة، طبعاً ساذج، العولمة صيرورة، ماذا تعني في واقع الحال؟

تعني مستوى أعلى من الترابط بين اتصالات الدول، ومستوى أعلى من الترابط بين المعلومات والاتصالات على مختلف أنحاء الكرة الأرضية، إذن هي ثورة تكنولوجية في جوهرها، هذه الثورة التكنولوجية تعيد توزيع السلطة على الساحة العالمية فهناك من يقف ويقول بما أنه هناك إعادة توزيع الثروة، أريد حصة أكبر، القادر يصبح أكثر قدرة في هذه الحالة والضعيف يصبح أسوأ ضعفاً، لذلك ردة الفعل العفوية إذا كان هناك إعادة سلطة ولست أنا في موضع الدفاع عن السلطة القليلة التي بين أيادي فعلي أن أحافظ عليها وأن أحتمي بها، وبالتالي أن أدير ظهري للعولمة، مشكلة من يتخذ هذا الموقف أنه عندما يدير ظهره للعولمة -العولمة لا تدير ظهرها له.

كوثر البشراوي: صحيح، طيب دكتور عندي سؤال ماشي.

د.غسان سلامة: لذلك هناك شيء ثالث ضروري خط ثالث، هذا الخط من تباشيره في دول مثل الهند حقيقي، وهو أن أسوأ ما يمكن أن يحصل لكي مع العولمة هو أن تزيد العولمة من تهميشك، وبالتالي الخطر الأكبر حالياً ليس خط العولمة كاستتباع وإنما خطر العولمة كتهمش، أي تخرجي من شبكات الاتصال والمعلومات والاستثمارات العالمية وتقفي على جانبها إذا كان هذا هو الأمر فهو أسوأ ما يمكن أن يحصل لأي دولة في العالم، لذلك يجب أن يكون لدى خطة تبدأ بالقول العولمة أمر حاصل، ثانياً: كيف يمكن أن أستفيد منها.

كوثر البشراوي: دكتور، اسمح لي على ذكر أو على طالما نحن فتحنا أبواب الاقتصاد والمجال الاقتصادي أريد أن أربط هذا بما يسمى العولمة اليوم، العولمة ليست كمفهوم وكتعريف ولكن كحقيقة، اليابان اليوم اللي أنت أشرت إليها منذ قليل أنها بلد بنى نفسه بعد.. من تحت الأنقاض، اليوم يخترق تحت مظلة العولمة، يعني وأنت أدرى مني أن في فرنسا الأصوات ليس لا توشوش بل تصرخ اليوم، فيما يسمى أو ما يطالبون به في يعني مشاركة في المسؤولية والقرار وليس فقط في تبعية العولمة كعالم…

د.غسان سلامة: عندما كانت سيادة.. سيادة دول سيادة مطلقة كانت دعوة للمشاركة هي داخل كل دولة، يعني كنت أنا مهتماً بأن يكون هناك نظام مشاركة في لبنان وذلك في بلد آخر، اليوم سيادة الدولة باتت نسبية، عندما تخترق الفضائيات الحدود، عندما تخترق الاتصالات، عندما يخترق الإنترنت، عندما الأقمار الصناعية…

كوثر البشراوي: والأسلحة تخترق كل مساحات…

د.غسان سلامة: صحيح، وعندما تصبح الحدود نسبية، وتصبح السيادة آنذاك نسبية أيضاً، آنذاك يصبح السعي نحو المشاركة قاصراً إذا بقى دون حدود البلد الواحد، إذا بقي المرء يقول أنا أريد ديمقراطية في بلدي فهو يسعى إلى نصف الطريق، في عالم.. في عالم العولمة، يعني في مرحلة تحول الحدود إلى فواصل نسبية بين الناس وليس إلى جدران مطلقة، في عصر انتقال المعلومة بالوقت الحقيقي، في عصر وجود أقمار صناعية تراقب العالم لحظة بلحظة، أصبح السعي للمشاركة يجب أن يتم في الآن معاً على مستوى محلي وعلى مستوى عالمي، لذلك قاصر من زال.. من زال يسعى للديمقراطية في بلده مهما كان هذا البلد، اليوم النضال من أجل المشاركة إذا كنا فعلاً مهمومين بهواجس العالم الثالث والدول النامية هي السعي معاً نحو المشاركة السياسية في بلداننا ونحو المشاركة في القرار العالمي، لذلك نرى أن مركز القرار ينتقل من المنظمات العالمية بالصورة هيك لا شعورية وأحياناً سرية، إن المنظمات التي اعتدنا عليها في النصف قرن الماضي مجلس الأمن الدولي، الأمم المتحدة، اليونسكو، مش عارف، هي منظمات وليدة منظمات مثل مثلاً منظمة الدول السبع الأكثر تطوراً على المستوى الاقتصادي، هذا.. مركز قرار أهم بكثير اليوم من مجلس الأمن الدولي، تنتقل من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى منظمة التجارة الدولية حيث هناك قرارات تمس سيادة الدول يومياً لذلك علينا أن الخطى ونتنبه إلى هذا الانزلاق في مركز القرار الدولي من المنظمات التي تعودنا عليها إلى المنظمات الوليدة التي هي ستكون أكثر فعالية في القرن الجديد لكي يكون لنا في العولمة دور، ذلك أن العولمة هي مستوى أعلى من الترابط، ولأنها مستوى أعلى من الترابط فإننا نتأثر بالضرورة بأي قرار يصدر على مستوى عالمي إن بقرار منع البقرة المجنون أو بقرار تصديرها، إن بقرار.. اليوم البورصة التي تنهار في البرازيل تتأثر بها بورصة لندن أو بورصة طوكيو، إذن مستوى الترابط أصبح أوثق بكثير، وبالتالي علينا أن نكن في مركز القرار وذلك يعني إنه علينا أولا أن ننتبه إلى أين هو مركز القرار اليوم على مستوى العالم، هل هو في دولة؟ هل هو في منظمة؟ وإذا كانت منظمة.. ما هي تلك المنظمة؟ وكيف يتخذ القرار فيها، ثانياً علينا ألا ندير للعولمة لأن العولمة لم تدير ظهرها لأحد.

[فاصل إعلاني]

كوثر البشراوي: أنا كدت.. كدت أخطأ وأقول أمامنا خياران فقط يا إما الصعود في هذا الماراثون من أجل إثبات وجودنا أو المغادرة، لكن حتى كلمة مغادرة لا تجوز لأنها غير ممكن.

د. غسان سلامة: أنا معكي.

كوثر البشراوي: يعني لا يمكن.

د. غسان سلامة: أنا معكي، من يفكر أن يغادر العالم والعولمة يغادر الحقيقة والواقع.

كوثر البشراوي: ينتحر ويرتاح.

د. غسان سلامة: لا.. لا هي المسألة لا ينتحر، عندما يكون نوع مسؤولاً عندما ينتحر ينحر معه، لذلك علنيا أن ننظر إلى العولمة نظرة يعني رائقة.

كوثر البشراوي: نعم، دكتور غسان، فرنسا ما هي -حيال الله- بلد عندها تاريخها وعندها ثقافتها وعندها أياديها التي تطال مناطق كثير، وبرغم ذلك تكثف من الندوات والمحاضرات تطالب فيها بإعادة النظر في سوق المال العالمي، اسمه العولمة ولكن هو أساساً في إطار سوق المال، والذي تطالب فرنسا بتشكيل لجنة من الأمم المتحدة لتحجيم مساحة التلاعب بالعقول، يطالبون بتشكيل لجنة فيها شرطة من (UN) لحماية البشرية من التلاعب بالعقول ما رأيك في هذا الشكل؟

د. غسان سلامة: شوفي أحد أشكال العولمة الحاصلة هو ليس فقط انتقال السلطة من بلدان ضعيفة إلى بلدان أقوى ومن بلدان نامية إلى بلدان أكثر نمواً، ومن بلدان منخرطة.. غير منخرطة.. أو غير منخرطة كفاية في ثورة الاتصالات إلى بلدان منخرطة تماماً في ثورة الاتصالات، هذا ما نراه ونقرأه في الصحف، وهذا صحيح، لكنه نصف الحقيقة، ما نشهده.. وهناك في الواقع دراسات أميركية ممتازة في هذا المجال، هو أيضاً انتقال مخيف.. مخيف للسلطة داخل كل مجتمع إذا كان نامياً أو لا، من فئات اجتماعية إلى فئات اجتماعية أخرى، مثلاً حتى داخل المجتمع الأميركي هناك من يصرخ بصوت عالٍ اليوم أن الطبيب والمهندس والمحامي باتوا موظفين عند وسيط البورصة، يعني أن السلطة انتقلت، في العصر الصناعي في عصر الثورة الصناعية كانت السلطة في يد المهندس، وفي يد مدير المصنع، اليوم تنطلق.. تنتقل السلطة حتى في الدول الأكثر نمواً داخل هذه المجتمعات من صاحب المصنع ومن صاحب.. ومن صاحب الخبرة المهندس، الطبيب، إلى من؟ إلى من هو أكثر قدرة على التلاعب بالأسواق المالية.

كوثر البشراوي: دكتور، اسمح لي بتعقيب فقط، لا استحضر الاسم، ولكن هناك أحد الأساتذة من جامعة (كاليفورنيا) أميركي، يحلل الوضع الأميركي ويقول أنه حتى الدولة في أميركا تحولت إلى (كومبارس) في خدمة سوق المال، كدرع لحماية الأهداف المالية، فما بال الطبيب و..

د. غسان سلامة: فما بالك.. فما بالك بالفئات الاجتماعية، إذا كان اليوم.. إذا كان اليوم الطبيب مجرد موظف، أو يمكن أن يصبح مجرد موظف وعامل لدى مضارب البورصة، إذا أصبح الأمر نفسه بالنسبة لنا، إذن نحن ندخل في عالم جديد، دور المال في.. السياسي والاجتماعي في عملية الهرم الاجتماعي خطير للغاية..

كوثر البشراوي: والثقافة على مستوى..

د. غسان سلامة: خطير للغاية، لذلك هناك أصوات تخرج من الدول الصناعية تقول هناك مجالات في حياتنا لا يجب أن يتحكم فيها رأس المال، يجب أن تبقى بمنأى، محمية عن هذا الغول المفترس الذي اسمه تحكم المال بالسياسة وبالثقافة وبكل شيء، من هناك فكرة الاحتفاظ وحماية الثقافات الأصيلة من تحكم رأس المال باختيار ما هي الأغنية التي يجب أن يردها أولادنا؟ والتي يجب أن تكون نفس الأغنية في كل أصقاع الأرض، وما هي اللغة التي يجب أن نتكلم بها في كل أصقاع الأرض؟ وما هي.. وما هي.. ما هو الفيلم هو اليهوليوودي؟

كوثر البشراوي: والوجبة والهندام، وكل…

د. غسان سلامة: ما هو الأكل اللازم؟ إذن هناك حالياً داخل حركة العولمة في الدول المنخرطة فيها تماماً، وفرنسا.. ذكرت فرنسا، فرنسا منخرطة في العولمة، وحتى داخل المجتمع الأميركي هناك من يقول طيب لأ، لا يمكن أن نحول الدين إلى شركة.. إلى شركة مالية كما هي الحال في بعض الأديان الجديدة التي نشأت في أميركا منذ قرن حتى الآن، والتي هي عبارة إن شركات مالية تعمل باسم الدين، ولا يمكن أن نحول الثقافة، الثقافة يعني.. لا يمكن أن أقول أنا والله في لبنان، بعلبك.. أعمدك بعلبك، أسربع.. أنظر إليها وأقول والله ما هي قميتها المالية، يمكن أن يكون.. أن تكون قيمتها المالية قريبة من الصفر، إذن تحكم المنطق المالي بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية هو نتاج ممانعة من داخل حركة العولمة، وأنا أقول أن انتقاد العولمة من داخلها هو الأكثر إفادة، أما الجنوح نحو موقف متفرج والقول لا علاقة لي بها..

كوثر البشراوي: وليس حقيقي أصلاً.

د. غسان سلامة: أمير غير واقعي وغير مفيد.

جدلية العلاقة بين الثقافة وآلة الحرب

كوثر البشراوي: دكتور، أنا أغلق ها القوسين حول موضوع الاقتصاد والسياسة، أعود إلى ما أتلذذ بالحديث عنه، موضوع الثقافة بمفهومه البحثي طبعاً، هل يجوز لنا في إطار هذا العالم الذي تنفجر فيه براكين المعلومات لي، هل يجوز لنا أن نتحدث عن ثقافة حرب، ثقافة ما بعد الحرب، ثقافة الانعدام، ثقافة..، من خلال لبنان على.. على الأقل يعني؟

د. غسان سلامة: بلبنان طبعاً هناك كانت ثقافة حرب، عشنا فترة حوالي عشرين عاماً يمكن أن يكون مررنا فيها بسياسة الحرب، بعسكرة الحرب، الميليشيات، بثقافة الحرب، التنظير للحرب، باقتصاد الحرب الموانئ غير الشرعية، وكل ذلك، يعني الحرب لها اقتصادها وسياستها وثقافتها.

اليوم نحن في ثقافة ما بعد الحرب من الناحية الزمنية، ولكن التحدي الحقيقي أن نكون فعلاً قد طوينا صفحة الحرب من الناحية الثقافية، ماذا يعني هذا الأمر؟ يعني طرح سؤال جوهري حول النسيان والتذكر .

نحن في لبنان عشان مراحل من السلم الأهلي الجميل والمنتج، وعشنا مراحل من الحروب المدمرة في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. أعتقد أن مسؤوليتنا في مرحلة ما بعد الحرب هي في طرح السؤال الجوهري، هل علنيا أن ننسى الحرب، أو علينا أن نتذكرها؟ أنا أجيب على هذا السؤال، لكي نستطيع أن ننسى علينا أولاً أن نتذكر، لكي نستطيع أن نطوي صفحة الحرب علينا أن نتفق، نتحاور، نتجادل، بمسبباتها، بفصولها علينا أن نوحش قراءتنا لتلك الحرب لكي لا نعود ونقع فيها. ما نأخذه على أبنائنا وعلى أجدادنا هو أنه بعد كل هزة.. سنة 1840، 1860، 1958، سارعوا ونسوا وتناسوا، فعدنا ووقعنا، لذلك أنا أقول أن الطريقة الوحيدة للنسيان هي في التذكر. علينا أن نتذكر ملياً ما فعلناه بأنفسنا وما فعل الغير بنا، لكي لا نعود، لكي نتمكن آنذاك من نسيان ما حصل لنا.. السؤال إذن ليس هو التذكر أو النسيان، هو التذكر في سبيل النسيان، وأعتقد أن هذا هو الموضوع الأساسي، لذلك أنا ضد السياسيين وضد المثقفين الذين يدعون إلى قفل ملف الحرب بطريقة مصطنعة، ولا أحب تماماً الناس الذين يستذكرون الحرب لجعلها مستمرة.

كوثر البشراوي: بطريقة..

د. غسان سلامة: لإعادة منطقها إلى لبنان، ما هو ضروري هو تذكر الحرب، كمقدمة لنسيانها.

كوثر البشراوي: نعم، دكتور، على ذكر الثقافة والحرب، لو اعتبرنا انه النهضة الثقافية العربية ولدت بين أحضان مدافع (نابليون بونابرت) هل تعتقد بأنه هذه الموازاة أو هذا العناق المزمن بين مفهوم الثقافة وآلية حرب، كان بونابرت وتحول إلى واحد من بني.. من مضارب بني العرب، مش مهم، لكن كيف تفسر هذا القدر الغريب؟

د. غسان سلامة: يعني لست أدري إذا كان هناك ذلك العناق المميت بين الحرب والثقافة.

كوثر البشراوي: لا، يتزاوجوا في بعض الأحيان يعني.

د. غسان سلامة: في بعض الأحيان.. في بعض الأحيان.. في بعض الأحيان، لكن أيضاً في الواقع الثقافة هي في كثير من الأحيان صنو الحرب، وهي في أحيان كثير أيضاً، وربما أكثر هي عدو الحرب، عندما شنت السلطة السوفيتية حرباً على المجتمع الروسي كانت الثقافة الروسية كانت (شيخوف) أولاً، ولكن في مرحلة تانية (صولجنستين) وغيرهم هم الدواء لتلك الحرب التي شنها (ستالين) على.. وكان (صولجنستين) في منفاه (السديري) يكتب.. يكتب ضد حرب الدولة على.. الدولة السوفيتية على المجتمع، وكما لدينا بعض روائع من الحروب، "الحرب والسلم" مثلاً في.. لكي نبقى في التراث الروسي، أو "أنَّا كارنين" أو ما شابه، لدينا أيضاً في مراحل السلم مراحل إبداع عالية أعتقد أن الثقافة فعلا لسوء حظها أو لحسنه تتزاوج مع الحرب، وتتزاوج مع السلم، هي زوجة السلم الشرعية، وهي أحياناً عشيقة الحروب.

الفرنكفونية وظاهرة التبعية العربية للثقافات الغربية

كوثر البشراوي: دكتور، إذا تسمح لي بعد إذنك أتحدث إن مفهوم التبعية، أجدك بين نقرة وأخرى في إطار الحديث إن الدستور أو الدولة أو الثقافة تقول انه التبعية تنخر كل شيء في السلطة، في الثقافة، في الاقتصاد، وأنا أعرف انك أنت على رأس.. لا أقول المؤسسة الفرانكفونية، ولكن من المسؤولين بهذا المجال، إلى أي مدى اهتمامك أو التزامك أو ارتباطك بهذا المنهج الفرانكفوني يتماشى وطرحك حول.. في فكرة التبعية؟

د. غسان سلامة: لا ارتباط لي على الإطلاق، أنا اعتبر نفسي بالأساس مثقف عربي عندما عينت في هذه الحكومة كانت الحكومة اللبنانية منذ أربع سنوات قد اتفقت على عقد قمة الدول الناطقة بالفرنسية في هذا البلد، فسلمت مهمة تنظيم المؤتمر، إنما المسؤول إن العلاقة بالمنظمة بصورة روتينية هو وزير الخارجية، إنما تنظيم المؤتمر سلمت مسؤولية هذا الأمر، ربما لأنه اعتقدوا إنه ما عنديش شغل كفاية في الثقافة، ثم تقرر في قمة عمان الدورية العربية مؤخراً أن القمة العربية الدورية الثانية ستعقد في لبنان، فكلفت أيضاً بتنظيم القمة العربية، لذلك أنا يعني ربما.. ربما لأنهم يعتقدون أن وزارة الثقافة لا تكفي كمسؤولية يومية، سلمت في الواقع مسؤولية الجانب التنظيمي في القمم التي ستعقد في لبنان..

كوثر البشراوي [مقاطعةً]: أنا أعود إلى مفهوم التبعية.

د. غسان سلامة [مستأنفاً]: ولا.. يعني ولا.. وهذه المسؤولية يعني لا علاقة لي بها، يعني عقد القمة الفرونكوفونية في لبنان قرر سنة 97 في قمة (هانوي) قبل أن أرجع إلى لبنان بنفسي، والقمة العربية قررت في عمان، ولم أكن حاضراً، إذن أنا سلمت ملف التنظيم للقمم مهما كانت موضوعه.

يبقى.. وهذا موضوع آخر، يبقى أن السؤال قائم ما هو علاقتي.. ما هي علاقتي بالثقافات الأخرى؟ أنا أقول أني لست متعدد الثقافات، أنا كتبت ودرَّست بثلاث لغات، وأتكلم أخرى رابعة لم أدرس بها ولم أكتب بها، لكن هذا لا يعني أني عندي شكوك حول هويتي. أنا أعتبر نفسي بالأساس مثقف عربي، مثقف عربي يكتب بالإنجليزية، ويدرس بالإنجليزية، يكتب بالفرنسية، ويدرس بالفرنسية، وأيضاً يكتب بالعربية، وأمامك كتابان لي بالعربية، ويدرس بالعربية، لذلك أعتقد أن ممارستي، وليس مجرد انفتاح، ممارسة للثقافات الأخرى هي نوع من تعبير إن التحديد الذي أعطيه لعروبتي، أنا سياسياً عروبي، وثقافياً أقول أنى عربي بمعنى معين، أن عروبتي الثقافية هي عروبة منفتحة، متسامحة، قادرة على احتضان الوافد من الثقافات الأخرى، ومن التكنولوجيات الأخرى، إذا كان الهاتف أو الحاسوب.

كوثر البشرواي: دكتور، أنا لا يهمني الحديث عن فرد، ولا أبحث إن الخلاص الفردي.

د. غسان سلامة: نعم.. نعم.

كوثر البشراوي: أنا طرحي للسؤال يتحدث إن تاريخية التبعية بصورة عامة..

د. غسان سلامة: أنا لا أتصور أن..

كوثر البشراوي: أنت.. أنت المتفتح والواثق من نفسك، وعارف.. عارف انه موطئ قدماك هنا بالضبط مثلاً.. قدميك هنا بالضبط أنا أحكي بصورة عامة، ظاهرة التبعية عبر تاريخنا، هل هي ظاهرة حقيقية؟ هل مبالغ فيها سياسياً، ثقافياً؟

د. غسان سلامة: لأ في تبعية، بس أنا لا أعتقد أن تملك اللغات الأجنبية شكل من أشكال التبعية.

كوثر البشراوي: الثقافة مش فقط اللغات.

د. غسان سلامة: ولا حتى الانفتاح على الثقافات الأخرى.

كوثر البشراوي: يعني ظاهرة الفوانكفونية في المغرب.. في الجزائر وتونس مثلاً، أنت تحكي هنا إن تيارات حقيقية وصراع حقيقي بين تيار بسيط اسمه تيار عروبي، و.. وأخطبوط ضخم اسمه التيار الفوانكفونية.

د. غسان سلامة: هذا يشير إلى أمر مهم جداً، وهو خطورة التعميم. الجامعة الفرنسية في لبنان، يعني جامعة القديس يوسف نشأت في القرن التاسع عشر، الجامعة الأميركية نشأت أيضاً في القرن التاسع عشر، قبل إنشاء كيان لبنان الحديث، هل نشوء هذا الأمر تطور إلى نوع من الاستقطاب السياسي؟ أنا أشك في الأمر، لا أعتقد ذلك، والبرهان على ذلك أ،ه في خلال الانتداب الفرنسي في هذا البلد الذي دام من سنة 1920 إلى سنة 1943 لم تقفل الجامعات والمدارس التي تعلم بالإنجليزية، لم تقفل، على العكس تطورات ونمت و.. وتعاظم دورها، ولم تتوقف التيارات العربية، وبالتالي أعتقد أن لبنان من هذه الناحية لا يشبه دول المغرب العربي الذي أتيحت لي فرصة التعرف عن كثب على مجتمعاته في الفترة الأخيرة، ففي هذا البلد نوع من مواءمة.. مواءمة للهوية العربية للبلد، والانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى من خلال التربية والتعليم والتجارة، بينما في عدد من الدول الأخرى، لا سيما في دول المغرب العربي نوع من صدام بين ثقافتين تحولتا إلى حزبين سياسيان، هنا العروبي يتخرج مثل (قسطنطين زريق) أو (جورج حبش) من الجامعة الأميركية يععي لا يعتبر أن مروره طالباً على الجامعة الأميركية سيؤدي إلى اصطفافه وراء الثقافة الأميركية أو وراء السياسة الأميركية، وقد يخرج المرء مثلي من جامعة فرنسية ويكون عروبي التوجه، إذن ليس هناك ذلك الفصام بين العروبة وبين انفتاحها على الثقافات الأخرى، بسبب أن هذا البلد لم يعش مراحل من الاستعمار الخارجي المباشر، عاش حالات من الانتداب السياسي ولفترة لم تتجاوز الـ 23 عاماً، وعلاقته بالثقافات الأخرى لم تكن مرتبطة بالاستعمار، لأنها كانت سابقة على الاستعمار، المدارس باللغات الأجنبية سابقة بكثير على الاستعمار الذي هو ليس حال المغرب العربي والجزائر مثلاً.. في الجزائر نشأت المدرسة الفرنسية بعد وقوع الاستعمار الفرنسي للجزائر، هنا الانتداب، الفرنسي جاء سنة 1920 إلى لبنان، كانت هناك مدارس فرنسية عمرها قرنان في لبنان، إذن هناك نوع من خصوصية للعلاقة الثقافية بالخارج، بفرنسا أو بأميركا، أو بريطانيا، حسب تنوع المجتمع اللبناني، سابقة للعلاقة السياسية ولاحقة للعلاقة السياسية أيضاً، وبالتالي هي إلى حد كبير مستقلة عن علاقة التبعية السياسية والاستعمار المباشر الذي عاث في المغرب العربي الكبير فساداً، هذا لم يعشه لبنان، ولا سوريا ولا منطقة المشرق العربي التي كانت لها علاقة.. يعني عاشت فترة أطول داخل كنف السلطنة العثمانية، ولم تعش فترة السيطرة الغربية المباشرة إلا لفترة جيل عملياً، هو جيل العشرينات والثلاثينات.

كوثر البشراوي: يعني أنت كمفكر سياسي تسقط مصطلح التبعية في إطار تفكيكك لوضع لبنان.

د. غسان سلامة: في الحالة المشرق العربي عموماً التبعية الثقافية لا.. يعني موجودة، لا أقول أنها موجودة، لذلك كنا نتحدث منذ لحظات إن الاستنساخ، ومخاطر الاستنساخ، ولكن التبعية ليس لها تلك الحدة أو تلك.. أو ذلك الوضوح.

كوثر البشراوي: الصدام.

د. غسان سلامة: أو تلك الطبيعة الصدامية، لأنها أساسا غير مرتبطة بالاستعمار السياسي أو بالسيطرة السياسية الغربية على دولنا كما هي الحال في دول المغرب العربي.

الأزمة الراهنة في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي

كوثر البشراوي: نعم. دكتور، طبعاً بصفتك ابن هذه المنطقة لابد أن نتطرق إلى موضوع مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، وأود أن أعرف منك يعني ما هي الأزمة الراهنة في مجرى الصراع من اتفاق أوسلو أو حتى مؤتمر من مدريد إلى اللحظة هذه مع مجيء (شارون) مثلاً؟

د. غسان سلامة: يعني من الصعب عليَّ أن أختصر نظريتي -إذا ئشتِ- حول هذا الموضوع، لكني -دعيني- أوصف فقط المرحلة الحالية. أنا أسمي المرحلة الحالية مرحلة المأزق الإسرائيلي المتمزق بين الجنوح نحو التسوية وعدم القدرة على دفع ثمنها.. هناك جنوح في المجتمع الإسرائيلي نحو المهادنة والمهادئة، ونحو يعني الاستفادة من العولمة والبرجزة، نحو تحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع ليس مجتمع حرب، وإنما إلى مجتمع برجوازي ساكن، فيه بورصة، وفيه سفر، وفيه سياحة، وما شابه، هذا له ثمن، وهناك عجز في نفس المجتمع الإسرائيلي عن دفع هذا الثمن، هناك مقاربة للدولة الفلسطينية المستقلة، وعندما تلوح في الأفق تراجع واختيار صقور ومتهورين من أمثال (أرييل شارون)، هناك جنوح نحو التسوية مع لبنان أو مع سوريا، وهناك عجز إن دفع الثمن الضروري للتوصل إلى تلك التسوية، لذلك نحن كلنا حالياً في مرحلة هذا التناقض الوجودي الإسرائيلي، بمجتمع يميل من داخله نحو البرجزة، مع ما يعني ذلك من التحول من مجتمع ثكنة.. من مجتمع حرب إلى مجتمع سلم، ولكن هناك في الآن معاً عجز عن دفع ثمن هذا الانتقال للأطراف العربية، بدءًا بفلسطين التي هي غير مستعدة، وهذا صحيح وشرعي أن تقبل بهذا الانتقال دون أن تحصل على الحقوق المشروعة لها، هذا التناقض في وضع المجتمع الإسرائيلي يؤدي إلى انعدام الاستقرار الإسرائيلي.

نحن في العشر سنوات الماضية شاهدنا (شامير) ثم (رابين) ثم (بيريز) ثم (نتنياهو) ثم الآن.. ثم (باراك)، والآن (شارون) يتراقص المجتمع السياسي الإسرائيلي من زعيم منقذ لديه العصا السحرية إلى آخر دون أن يجد حلاً من خلال أياً من هؤلاء لمعضلته الأساسية، التي هي برأيي معضلة، ضرورة التسوية والعجز عن دفع الثمن.

كوثر البشراوي: اسمح لي أن أختتم بسؤال: كيف تريدنا أن نحاسبك؟ نحكي بصورة عامة، مش بالشكل المباشرة للكلمة، كمفكر سياسي عربي، أو كوزير لبناني في وضع لبناني، نجد له المبررات ما لا يحصى ولا يعد؟

د. غسان سلامة: حسابيني على صفتين، بما إني لا أتخلى عن أي منهما، يمكن أن أحاسب كمثقف، هل خنت أبناء جلدتي عندما انتقلت إلى موقع القرار أم بقيت وفياً؟

كوثر البشراوي: هل خنت الفكر السياسي لما جيت وزير؟

د. غسان سلامة: مثلاً.. وأحاسب أيضاً كوزير، هل حققت.. أو هل سعيت فعلاً لتحقيق كل ما أعلنت عنه في كل المجالات التابعة لوزاراتي، أم استكنت وتكاسلت؟ لذلك من يصبح وزيراً ويبقى مثقفاً يحاسب مرتين، وأنا مستعد للحساب.

كوثر البشراوي: سيدي، الله ينصرك، والله يوفقك، وأشكرك دكتور على هذه الإشراقات الجميلة التي أهديتنا إياها، وأهديت جمهورنا كتير إياها، وإن شاء الله نلتقي في فرص أخرى، لأنه على أمثالك أن ينظِّروا في الموقع الصح، وليس الانسحاب كالكثير من المثقفين العرب الذين يشتكون ويتباكون، ولكن الفعل قليل. ألف مرة شكراً دكتور، وطبعاً شكراً لجمهورنا الكريم على سعة البال.. طبعاً أقول سعة البال لأنه دايماً المجال الثقافي يتهم انه ثقيل الهضم، ولكن أعرف أنه لولا الفائدة وحرصنا على تقديم المعلومة الحقيقية التي تفيد مجتمعاتنا لما كان برنامج (إشراقات)، ولما كانوا ضيوفنا في خدمة هذا الجمهور العربي.

أصدقاءنا المشاهدين، حتى ملتقانا المقبل في الأسبوع المقبل بمشيئة الله، أترككم في رعاية الله وأمانه، إلى اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.