المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة للدول الإسلامية
مقدم الحلقة: | كوثر البشراوي |
ضيوف الحلقة: | عدة ضيوف |
تاريخ الحلقة: | 20/09/2002 |
– مدى تأثير منظمة المؤتمر الإسلامي على واقع العالم الإسلامي
– حقيقة وجود مشروع إستراتيجية ثقافية إسلامية موحد
– موقع العامل الثقافي في صراع الحضارات
– ملامح الإستراتيجية الثقافية الإسلامية
– مدى انعكاس ملامح العولمة على الصراع الثقافي
– الحضارة الإسلامية بين الانغلاق وقبول الحداثة
كوثر البشرواي: أصدقاءنا المشاهدين في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في قاعة المؤتمرات هذه بفندق شيراتون الدوحة التي احتضنت منذ فترة غير بعيدة المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة، في هذه القاعة انطلق وإياكم لطرح الأسئلة التي تبادر أذهاننا جميعاً على ضوء القرارات التي تم اتخاذها في مؤتمر انعقد في وقت عسير وفي فترة غامضة ومتقلبة.
فبعد الحادي عشر من سبتمبر الشهير أحاط الإحباط قلوبنا وأذهاننا خاصة بعد مؤتمر القمة، فانصبت آمالنا المتبقية على المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة عسى تكون الثقافة الدرع الأخير لتحمي جسد العالم الإسلامي الذي تتربص به النسور الكواسر الشرسة لتنهش من مقوماته وقيمه وخصوصياته.
في المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة اكتظت هذه القاعة بمئات الضيوف، ولكن غاب عنها معظم وزراء الثقافة إلا ما ندر، لتنوب عنهم وفود جياشة لا تملك من الصلاحيات سوى الصمت، أو في أحسن الحالات الموافقة على قرارات فخفاخة لا تُلزم أحد.
في قاعة المؤتمرات هذه اكتظت بل وفاضت النوايا الحسنة والرغبة في فعل شيء ما والحلم على الأقل بشيء ما، ولكن كل مؤشرات الإنجاز والفعل تبخرت بغياب أيادي الممولين، وهذا الأمر ليس بالجديد على القائمين على وزارات الثقافة والمنظمات والمؤسسات الفكرية والثقافية التي تحولت –بالروتين- إلى عبء ثقيل على بعض حكوماتنا العربية وتحولت أيضاً إلى عبء ثقيل على جيوب شعوبنا، فلا يخفى على أحد أن هذه المؤتمرات المترفة في ظاهرها والشحيحة في جل أفعالها هذه المؤتمرات مكلفة جداً لاستقبال المئات من علية القوم، ولكن من يسدد الفواتير؟ المال العام طبعاً.
وحتى لا يكون منطلق حديثي في هذه الحلقة مجرد النسف المجاني لمجهودات علماء ومفكرين ووزراء وأكاديميين جاءوا وتناقشوا واجتهدوا ليقدموا لنا حلولاً نبصر من خلالها النور فإنني لا أنكر أبداً أنهم يصيغون في بياناتهم الختامية أماني جميلة جداً ويمكن تحقيقها لولا تخاذل العزيمة السياسية والاقتصادية..
أصدقاءنا المشاهدين، في المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة اتفق على مجموعة كبيرة من القرارات واسمحوا لي أن أعود إلى بعض رؤوس الأقلام في هذه الورقة.
إذن اتفقوا في بيانهم الختامي على ما يلي: مثلاً، التشديد على ضرورة المحافظة على التراث واسترجاع الممتلكات الثقافية المسلوبة. قرار جميل.
قرار آخر يؤكد على ضرورة مواصلة الحوار بين الثقافات والحضارات من منطلق الاحترام المتبادل والتسامح عملاً بالتوجيهات القرآنية الكريمة في احترام الآخر والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، وعدم المجادلة إلا بالتي هي أحسن. كلام جميل، ولكن ما أحوجنا نحن داخل بلداننا الإسلامية إلى هذه النصيحة العظيمة، وما أحوج حكامنا –بالتحديد- إلى استخدام الاحترام المتبادل والموعظة الحسنة في تعاملهم مع معارضاتهم وحتى في تعاملهم مع الموالين لهم.
نقطة أخرى مهمة تشير إلى العمل أو ضرورة العمل على إنشاء قناة ثقافية إسلامية، والله أجمل من هذا الكلام على فكرة لا يمكن أن نجد، ما لا يستطيع عقلي أن يفهمه في هذا القرار هو أن هذه القناة ستكون باسم من؟ وتمثل من؟ وبلغة من؟ وبمذهب من؟ وفي أي موقع جغرافي؟ وبمنظور من؟ هل ستكون هذه القناة الثقافية الإسلامية بمنظور تركي مثلاً؟ أو بالمنظور القطري؟ أو بالمنظور الماليزي؟ أو بالمنظور التونسي؟ أو ربما بالمنظور البوشي البحت؟ الله أعلم.
ولا يفوتني طبعاً أن أذكر إحدى النقاط الهامة في البيان الختامي إذ اتفق المؤتمرون على استراتيجية ثقافية إسلامية موحدة، يعني جمل في غاية البلاغة والاختصار، ولكنها جمل أيضاً تحتاج إلى خبراء لفك التشفيرة وفك رموزها البلاغية طبعاً، وهذه المحاولة هي التي أعزم اليوم –إن شاء الله- أن أطرحها مع بعض ضيوف هذا المؤتمر بحثاً عن مشرق ما في كومة هذه الأوراق وأوراق البحث هذه وأرجو أن تنضموا إلينا عسى نصل جميعاً إلى قراءة إيجابية ومعتدلة لما ينوي أو لما يريده علية الفكر في العالم الإسلامي إيصاله لنا.
أهلاً وسهلاً بكم في (إشراقات) وفي المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة.
اسمح لي في البدء أن أتساءل حول حجم منظمة المؤتمر الإسلامي.. حجمها في الفعل وفي تغيير الواقع على الأقل اللي يهمنا إحنا في العالم الإسلامي؟
مدى تأثير منظمة المؤتمر الإسلامي على واقع العالم الإسلامي
الشيخ سعيد النعماني (المستشار الدولي لوزير الثقافة الإيراني): بسم الله الرحمن الرحيم، بالنسبة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي أنا أتصور أنها منظمة كبقية المنظمات الدولية، أُنشئت على أساس حادثة معينة وقعت وهي بعد الحريق الذي تعرض له المسجد الأقصى.
فتنادى المسلمون، وبطبيعة الحال هذه حالة معروفة، وكما يقال بأن المصائب وكذلك أيضاً الأفراح توحد، فالملمات وبعض المآسي حينما تحدث توجد هزة وخضة شديدة في الأمة، في هذه.. في هذا المجال أيضاً كان هناك نوع من الفوران الشعبي الجماهيري حيث كان هناك إحساس من قبل الأمة الإسلامية بأنها مستهدفة وبأن هناك نوع من الإهانة لشخصيتها ولمقدساتها خاصة بما يعرفونه عن النظام الصهيوني من مكائد ضد الإسلام والمسلمين، وباعتباره مشروعاً في الحقيقة لضرب المسلمين في عقر دارهم، فكان تنادى مجموعة من الدول العربية والإسلامية عقدت مؤتمرها الأول، ومنها انبثق فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي، يعني كالمنظمة الدولية في الأمم المتحدة لكل العالم مثلاً، جامعة الدول العربية لمجموعة الدول العربية، فكان هناك فكرة طرحت أيضاً وهي أن يكون للمسلمين -كأمة إسلامية- منظمة لشؤونهم المختلفة، وأخذت تقريباً نفس.. نفس الطريقة في الأمم المتحدة يعني أن هناك جانب اقتصادي وهناك جانب مثلاً هناك يونسكو في الأمم المتحدة فهناك صار صيغة الأيسيسكو منظمة التربية.. المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وهكذا في مجالات أخرى كانت هناك الإرسيكا، كان هناك.. يعني انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي عدة منظمات فرعية لمعالجة المسائل المختلفة للعالم الإسلامي.
أنا أتصور -على أي حال- أن هذه المنظمة في الحقيقة خلال هذه السنوات الطويلة من عمرها، لا أستطيع أن أقول أنها حققت طموحات، ولكن لا أستطيع أيضاً أن أجردها وأن أسلب عنها كل شيء، هي في الحقيقة على أي حال يجب أن نحن نكون واقعيين، لأن الدول مهما دخلت في منظمات لكن تبقى لها استراتيجيتها وخطها وولاؤها ومصالحها الخاصة التي قد لا تتفق في بعض الأحيان مع المصالح العامة مع الأسف الشديد.
كوثر البشرواي: لا نحكم على هذه المنظمة بالإعدام لأنه الفعل شحيح في كل مكان، على رأس هذه المنظمات مثلاً الأمم المتحدة اللي اليوم أيضاً تتعرى وتسقط على كل المستويات، ولكن نريد أن نختلس من هذا القدر الشحيح اللي هي منظماتنا شيء حقيقي، اليوم نحن نتحاور في إطار الفكرة التي طرحت تحت مسمى الاستراتيجية الثقافية الإسلامية الموحدة، أنا لا أخفي رأيي المسبق أنه كلمة فضفاضة جداً، كبيرة جداً، فيها الكثير من اللامنطق واللا حقيقة، لأنه نحن فرادى كما ذكرت منذ قليل أنت وهذا التوحيد في العالم أشلاؤه تجهل بعضها البعض، لا اللغة تجمعنا بيننا وبين الفرس وبين الأتراك وبين ماليزيا وبين أندونيسيا، لا أفكارنا المسبقة تسمح لنا –أصلاً- بمحاكاة الآخر والتعرف عليه، فما أعرف إلى أي مدى أنت متفائل ومن صفاتك التفاؤل يعني؟
الشيخ محمد سعيد النعماني: في الحقيقة كما قلتي يعني منظمة المؤتمر الإسلامي المفروض بها بالخصوص لأنها تنبثق من.. من فكرة ومن مفهوم الإسلام بكل ما يحمله من ثقل معنوي وقيمي، هذه المنظمة يجب أن تختلف عن أي منظمة أخرى، وأنا قلتها في بعض الاجتماعات حتى، أنه حينما نحن نجتمع تحت مظلة الإسلام يجب أن تكون تلك القيم وتلك المفاهيم هي التي تحكم طريقتنا في التحاور، طريقتنا في الاختلاف، طريقتنا في طرح المواضيع المختلفة، فقضية الإسلام يعني يصبغ علينا جواً معنوياً وقدسياً خاصاً المفروض أن يكون هكذا، ولكن مع الأسف الشديد نحن لا زلنا نجد الكثير من المفارقات في هذه المنظمة مثلاً نجد بعض الدول –على أي حال- متحالفة حتى يعني حلفاً قوياً مع الكيان الصهيوني، الذي كما الآن أيضاً أنتم أشرتم إلى ذلك، أن هذه المنظمة قد قامت على أجل.. على أساس رد فعل لعمل قام به الصهاينة وهو حريق المسجد الأقصى! فكيف يمكن..؟ هذه المفارقات –مع الأسف- نحن نعيشها، أما بالنسبة إلى الاستراتيجية الثقافية.. للعالم الإسلامي، وهذا هو اسمها الصحيح، والذي قامت منظمة الأيسيسكو مشكورة في يعني لتدوين هذه الاستراتيجية، عُقدت عدة اجتماعات وقد أنا شاركت شخصياً يعني في بعض هذه الاجتماعات في المغرب، في السنغال، في جدة، في القاهرة، في أكثر من بلد، اجتمعنا لتدوين هذه الاستراتيجية، وقد أخذ بنظر الاعتبار –تقريباً- كل الأمور الثقافية التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية لنهوضها ولتحقيق نهضتها والسير في.. في.. في طريق تقدمها، ولكن يبقى –مع الأسف الشديد أيضاً- أن هذه الاستراتيجية محكومة كبقية.. كبقية.
كوثر البشراوي: المشاريع..
الشيخ محمد سعيد النعماني: المشاريع أنها ليست ملزمة.
حقيقة وجود مشروع إستراتيجية ثقافية إسلامية موحد
كوثر البشرواي: دكتور، الحادي عشر من سبتمبر تاريخ قريب جداً.
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري (مدير عام المنطقة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة): نعم.
كوثر البشراوي: طرح مشروع الاستراتيجية الثقافية الإسلامية أعتقد طُرح في داكار.د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: نعم، قبل هذا.
كوثر البشرواي: هي تقريباً 14 سنة، والإسلام نحن تقريباً في القرن الخامس عشر، هل نحن محتاجون إلى صفعات أو.. أو هزات في تاريخنا لكي نتذكر أنه حان الوقت لكي نمر إلى الفعل، يعني النوايا الحسنة غير كافية، تلتفت اليوم إلى 15 قرن وأياديك فاضية من مشروع حقيقي؟
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: أنا أتفق معكي تماماً، أن العيب ليس في الذين ينجحون في الوصول إلى أهدافهم ويستغلون الظروف والمتغيرات لتقوية اندفاعهم وبرامجهم…
كوثر البشرواي: مراكزهم وقدراتهم.
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: نعم، وومخططاتهم، العيب فينا نحن، لأننا طيلة هذه المدة لم نعمل شيئاً إيجابياً قوياً، هناك قرارات وهناك اجتماعات ومؤتمرات ثم تخرج الحصيلة مجموعة من الأوراق توضع في المكاتب، ولا ينظر فيها ولا توظف التوظيف الميداني الحقيقي، وهذه الهزات التي نمر بها هي التي توقظنا لفترة معينة ثم نعود إلى الثبات مرة أخرى، أنا أتوقع أنه قد حان الوقت لكي نغير من أساليب عملنا، ومن نظرتنا إلى الأشياء وإلى الأمور، وأن نتعامل معها من منطلق الحرص الشديد على مصالح الأمة، لأن الذي هو مهدد اليوم ليس الدولة الفلانية أو الدولة العلانية..
كوثر البشرواي: الجميع..
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: المهدد هو الجميع.
كوثر البشراوي: صحيح.
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: والحضارة الإسلامية بكاملها مهددة، ومستقبل أجيالنا في جميع دول العالم الإسلامي –أيضاً- مستقبل مظلم إلى حد ما، لأنه ليس لدينا ما يمكن أن نقدمه من التطمينات للأجيال المقبلة، فلذلك لابد من الشروع فوراً في أعمال ميدانية تنكب عليها الدول الأعضاء من خلال مؤسسات العمل المشترك، وتوفر لها المبالغ الكافية، الأطر البشرية موجودة، الكفاءات البشرية موجودة في جميع دول العالم الإسلامي حتى من المسلمين المهاجرين الذي يعيشون في دول غربية، والإرادة لدى المثقفين والمفكرين والمسؤولين عن العمل الإسلامي المشترك إرادة قوية، نريد قراراً سياسياً صادقاً قويا ونريد دعماً مالياً كافياً، وعندئذ ستنجح هذه المشروعات نحن ننفق، وأرجو أن تسمحي لي إذا أطلت هنا، ننفق مبالغ طائلة على مجالات أرى أنها غير ضرورية في.. في الوقت الحالي وليست في قائمة الأولويات، ننفق على مباريات كرة القدم وعلى سباقات معينة وعلى برامج ترفيهية كثيرة.
كوثر البشراوي: صحيح.
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: وبدون حساب، ولكن العمل الثقافي وهو العمل الخطير الذي يبني الإنسان ويبني العقل ويبني الوجدان ويساهم في تشييد الحضارة، هذا لا نوليه إلا الشيء القليل، حتى الجوائز التي ترصد للمفكرين نجد أنها جوائز محددة..
كوثر البشرواي: هزيلة.
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: وهزيلة إلا ما ندر، وبينما الجوائز التي تعطى للرياضيين والفنانين فهي جوائز عالية وكبيرة ومتكررة، فهذه نقطة يجب أن نهتم بها، وأن نعيد النظر في كل هذه الأمور.
ويجب ألا نعيش الماضي وأحلام الماضي تدغدغنا هذه الأحلام ونغيب عن الحاضر الذي نحن فيه ضعفاء، ومنقسمون ومتفرقون، وليس هناك ما يجمعنا إلا الكلمات الطيبة في المناسبات العامة أو المناسبات الرسمية، لكن عندما تأتي الأمور إلى حقيقتها وإلى العمل الميداني يتخاذل الكثير وتنصرف الاهتمامات وتضيع تلك الأقوال الحماسية التي نسمعها في المنتديات العامة.
كوثر البشرواي: هل هناك فعلاً مشروع ثقافي إسلامي موحد يجمع الجميع ويرضى به الجميع؟
د. أكمل الدين إحسان أوغلي (مدير عام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية): هو أنا سعيد جداً أن ألتقي بك مرة أخرى في هذا الإطار، وكما تفضلتي بالإشارة فعالم التسعينات من أواخر العقد الأخير من القرن العشرين يختلف عن العقد السنوات الأولى من العقد العشرين، أعتقد أن عام 90 كان بداية نهاية نظام معين في العالم، end of the old world order والعالم.. نظام العالم الجديد new world order ، الـ new world order لم نفهم أو لم.. لم يعني.. لم يستطيع أن العالم يفهم ملامح هنا النظام، كيف سيتشكل، ولكن أعتقد إنه نتيجة انهيار النظام العالمي القديم الذي سيطر على العالم كله ظهر شيء جديد في هذه الفترة هو.. هو أهمية التنوع الثقافي، بمعنى أن انقسام العالم إلى معسكرين طوال نصف قرن من الزمان بعد الحرب العالمية الأولى، كان يغطي على.. على هويات ثقافية متنوعة.
لنأخذ مثلاً الاتحاد السوفيتي أو.. أو الجمهورية الفيدرالية اليوغسلافية، كنموذجين، الاتحاد السوفيتي ظهر منه دول عديدة جداً منها الجمهوريات الإسلامية التركية في وسط آسيا، منها الجمهوريات في قافقاسيا، منها أوكرانيا.. منها كذا.. منها كذا، كل.. ليتوانيا.. استوانيا.. كل هذه أصبحت دول مستقلة ذات ثقافات مستقلة ذات هويات شخصية مستقلة.
نفس الشيء حدث في يوغسلافيا، يوغسلافيا عرفنا ما فيها من حرب بين الصرب والكروات وبين هؤلاء وبين المسلمين وما حدث في البوسنة والهرسك وفي كوسوفا وفي سنجق، نحن نعرف أن في القوقاز الآن هناك نزاعات نتيجة اختلاف الأعراق والهويات الثقافية، كل هذه المسائل لم تكن.. لم نكن نعيش هذه المسائل منذ الحرب العالمية الثانية إلى الحرب.. إلى نهاية القرن، لأنها كانت مغطاة بالشمسيات الكبيرة، شمسيات الاتحاد السوفيتي أو الشمسيات الأخرى.
إذن نهاية.. النظام القديم وانهيار حائط برلين جعل العالم.. خريطة العالم تختلف عما كانت عليه من قبل وخاصة من الناحية الثقافية.
فنحن نعيش ثورة المعلومات وهذه ثورة كبيرة في تاريخ البشرية، إذن نحن في عالم إسلامي نعاني أو لا أقول نعاني.. نواجه -بمعنى أصح- تحديين كبيرين هو ظهور التعددات الثقافية بشكل قوي لم يكن معروفاً.. معروفاً في جيلنا على الأقل من قبل، وهذه الثورة الاتصالية والعولمة التي لم تكن معروفة في التاريخ من قبل.
موقع العامل الثقافي في صراع الحضارات
د. غسان سلامة (وزير الثقافة اللبناني): المعركة في جوهرها ثقافية الآن، المعركة في جوهرها ثقافية يعني المشكلة التي ضربت العلاقات الدولية هي مشكلة في المفاهيم أكثر منها في السياسة، والعامل الثقافي الذي كان عاملاً هامشياً في القرن العشرين حيث طغت الأيديولوجيا أو الحسابات الاستراتيجية خلال الحرب الباردة، العنصر الثقافي كان هامشي في القرن العشرين في الحقيقة، لكن يبدو إنه القرن الواحد والعشرين يبدأ مع دخول عنيف ودموي للعامل الثقافي في الحسابات الدولية، وعندما أقول الثقافي يعني أقول كل ما كنا نسميه بالبنى الفوقية يعني: التربية.. التعليم.. الثقافة أصبحت هي جوهر العلاقات الدولية، هي جوهر النزاعات الجارية في العالم، وهي جوهر الاقتصاد أيضاً، جوهر الاقتصاد.. القطاعات الأسرع نمواً في العالم هي القطاعات المرتبطة بالثقافة، باقتصاد المعرفة.. بثورة الاتصالات، وبالتالي فالعامل الثقافي الذي كان هامشياً خلال القرن العشرين وربما منذ الثورة الصناعية، نحن ندخل قرناً جديداً العامل الثقافي فيه عامل جوهري، أنا لا أقول هذا لأني وزير للثقافة، لتعظيم دوري..
كوثر البشرواي: هذا الواقع مفضوح.
د. غسان سلامة: لكن هذا الكلام أنا كتبته منذ سنة 96 في الحقيقة، وكان مادة لسجالات.. 6 أو 7 سجالات مع (صمويل هنتنجتون) و(فوكوياما) في (دافوس) وبرلين وغيرها من الأماكن، لذلك المعركة هي في جوهرها ثقافية.
كوثر البشرواي: طيب دكتور..
د. غسان سلامة: المؤتمر الحالي لا.. لا يصل لا يرقى، والمؤتمرات التي سمعت عنها لا ترقى إلى مستوى التحدي على الإطلاق، هل ما حصل في الحادي.. الحادي عشر من سبتمبر صفعة تاريخية؟ أنا لا أعتقد ذلك، وإذا كانت صفعة تاريخية فإنها لم تؤثر بما فيه الكفاية في ضحيتها لأن.. لأني لا أرى في الواقع يقظة ثقافية كافية لمواجهة دخول العامل الثقافي بهذا الشكل في الاقتصاد وفي السياسة وفي العلاقات الدولية وفي النزاعات، لا أرى، لا أرى يعني في عالمنا العربي أو في العالم الإسلامي يقظة تكون تلك الصفعة التي ذكرتي قد أيقظتها أو قد أحدثتها، ولا أرى شيئاً من هذا النوع، إن الكلام الغالب هو كلام بالٍ، تكراري غير مبدع، غير.. غير منخرط بصورة كافية في التحولات التاريخية الجارية، ويبقى على مستوى التكرار الممل لأمور ذكرت في السابق أو قيلت في السابق، ولا أرى في الواقع يعني تعبئة تناسب خطورة دخول العامل الثقافي بهذه القوة في كل ما هو بشري في المرحلة..
ملامح الإستراتيجية الثقافية الإسلامية
كوثر البشرواي: لو فقط تعطينا الملامح أو الأسس والأعمدة التي تقف عليها مثل هذه الاستراتيجية، توحيد هذه الخارطة، أعود مرة أخرى واستخدم مصطلح أشلاء الأمة، ما هي الأعمدة التي تلملم هذه الأشلاء ثقافياً؟
الشيخ محمد سعيد النعماني: الأمة، ثقي يعني في هذا المجال وأقولها بكل صراحة، الأمة متقدمة على الحكومات، والأمة متقدمة، على الكثير يعني الأمة في مجملها، في مجملها حينما نجملها، إذا تجدين الآن حتى في موضوع الانتفاضة المباركة في فلسطين، نجد أن الأمة موقفها موقف متقدم وموقف واعٍ لكل ما يجري، نحن –مع الأسف الشديد- في بعض الأحيان قد نحكم على الأمة من خلال يعني بعض شرائح معينة من الأمة، وليس كل الأمة بما هي أمة، على أي حال هذا كان يعني نوع فقط من الإشارة يعني لهذا الموضوع.
الاستراتيجية الثقافية -كما أشرت أنا إلى ذلك- هي في الحقيقة تنطلق يعني من ما يعني في المقدمة تنطلق من القاعدة الإسلامية، من قاعدة المفاهيم الإسلامية والرؤية الإسلامية لبناء أمة، وكما تعبر أيضاً حتى في مقدمتها استشراف المستقبل، وأنتم تعرفون أن هذه العملية، عملية استشراف المستقبل، هي في الحقيقة يعني قد ينظر إليها البعض باعتبارها نوع من العلوم الجديدة التي.. والمصطلحات الجديدة التي دخلت في القاموس مؤخراً، ولكن لا، نحن نجد حتى إسلامياً نوع من النظرة موجودة واضحة ودقيقة، نظرة إلى المستقبل، وأنه.. أنه ألاَّ يبقى الإنسان في واقعه وإنما.. ولا يبقى غارقاً في أحلام الماضي وإنما يجب أن دائماً ينظر إلى المستقبل وطموحاته وآماله وما ينتظره، فهذه الاستراتيجية في الحقيقة تحاول بالاستفادة من الأحكام ومن المفاهيم والعقائد الإسلامية في صياغة مستقبل واعد ومشرق للأمة الإسلامية، ومن هذا المنطلق تحاول -على أي حال- في كل مجال من المجالات الثقافية، كيفية –أولاً- يعني النظرة إلى الأمة الإسلامية، لا كما أنه هو الواقع الموجود، واقع التجزئة، والذي سميتموه بتسمية واقعية وهو الأشلاء الممزقة والمبعثرة، لأ، وإنما هي على حال أمة واحدة، والله –تبارك وتعالى- أرادها أن تكون هذه أيضاً أمة واحدة، والمشتركات أيضاً واحدة، فالانطلاق من وحدة الأمة في منطلقاتها الأساسية من التوحيد، من النبوة، من المعاد، من المفاهيم المختلفة التي توجِّه الأمة وجهةً واحدة، هذا منطلق أساسي، وثم من خلال هذا المنطلق تحاول إنه كيفية الاستفادة من تجارب يعني تجارب الأمم.. الأمة الإسلامية كيف تستطيع أن تستفيد من تجارب بعضها البعض الآخر في المجالات المختلفة، في القيام، مثلاً على سبيل المثال، قضية المعارض مثلاً، معارض الكتاب، معارض الصناعات اليدوية، معارض التراث بشكل عام الذي يجمع في مسائل.. في القضايا الفنية أيضاً هناك إشارة وتأكيد عليها وهو شيء في محله، يعني قضية الفيلم الإسلامي وقضية المسرح الإسلامي وكل هذه الأمور الفنية والصناعات اليدوية والتقليدية، كيف يستطيع المسلمون أن يواكبوا حركة العصر وأن يستفيدوا من تجارب بعضهم البعض الآخر إلى أن تأتي –على أي حال- إلى كل المجالات الأخرى في ثقافة الطفل، دور المسجد مثلاً، دور المؤسسات الثقافية الخاصة، ودور الدولة أيضاً في هذا الجانب. أنا أتصور -على أي حال- هي عبارة عن موسوعة لمجمل العمل الثقافي الذي ينتظر الأمة الإسلامية جميعاً.
[فاصل إعلاني]
كوثر البشراوي: ما معنى ما هي.. ما هي ملامح هذه الاستراتيجية الثقافية الإسلامية؟ فهمها لي فقط.
د.عبد العزيز عثمان التويجري: ملامح هذه الاستراتيجية تقوية الكيان الإسلامي بالاعتزاز بالثقافة الإسلامية ومكوناتها واستيعابها في معيشتنا وفي حياتنا، والانفتاح على الأمم الأخرى للاستفادة مما لديها من معطيات ومستجدات وإبداعات تغني ثقافتنا المعاصرة، فالثقافة هي أخذ وعطاء، والأمة الإسلامية في سابق العصور انفتحت على ثقافات كثيرة واستوعبتها وهضمتها، وأصبحت جزءاً من نسيجها، أخذت المفيد..
كوثر البشراوي [مقاطعة]: خلينا عام 2002 معلش، خلينا الآن..
د.عبد العزيز بن عثمان التويجري: أنا أريد أن أضرب بالمثال القديم لنعيش الوضع.. الوضع الحالي، يجب أن نستفيد من دروس.. دروس الماضي، يعني هل الماضي هو فقط للحديث الجميل عن الماضي، أم هو لأخذ العبر منه وأخذ الدروس التي يمكن أن نوظفها اليوم لنستفيد منها في.. في تحسين ظروف معيشتنا وأحوالنا؟ نحن نريد اليوم أن نعطي لمجتمعاتنا مزيداً من الحريات، مزيداً من الاحترام للكرامة الإنسانية، مزيداً من التعاون المثمر بين فئات المجتمع المختلفة ومؤسساته الحكومية وغير الحكومية، يجب أن نعيد النظر في كثير من أساليبنا وفي كثير من.. وأدوات العمل التي نستخدمها، وأن نطور كل ذلك في ضوء مصالح الأمة الكبرى، وأن يكون هناك نوع من التلاقي على ما ينفع المسلمين وأن نبتعد كثيراً عن الخصومات وعن الحزازات التي أبعدتنا.. أبعدت بعضنا عن بعض، وخلقت بيننا من المسافات البعيدة التي لا فائدة لنا منها، بل هي تزيد في إضعافنا وفي تقوية أعدائنا، وأن ننظر إلى ما نتعرض له من تحديات كبيرة اليوم، وفي مقدمتها هذه الهجمة الصهيونية على فلسطين وعلى مقدساتنا، وما يتعرض له الإسلام من.. من تشويه واختلطت الأمور الإرهاب أصبحت المقاومة إرهاباً، وأصبح الدفاع عن الحقوق المشروعة إرهاباً، استراتيجية تتصدى لكل هذا، ويجب أن نضع جهودنا كلها في إطار واحد من العمل المشترك المبني على احترام حقوق الأمة الإسلامية والغيرة على مصالحها الكبرى، وإذا لم نفعل ذلك اليوم، فإننا غداً سنجد أنفسنا عاجزين عن الدفاع حتى عن أنفسنا هذه الضعيفة التي ليس بيدها سلاح.
مدى انعكاس ملامح العولمة على الصراع الثقافي
محمد غنيم (مستشار وزير الثقافة المصري): الفكرة في الإحساس بالعجالة، الإحساس بالطوارئ اللي أنتِ قلتِ عنها، يعني نحن في إطار حدث طارئ، رغم إن أنا مختلف على إنه حدث طارئ، اللي هو ما حدث في 11 سبتمبر، الشعور أو النظرة إلى الإنسان المسلم والإنسان العربي تسبق 11 سبتمبر، نظرة من الغرب اتجاه المسلم أو العربي، يعني إحنا مش ممكن ننسى الحروب الصليبية، مش ممكن ننسى ما حدث بعد ذلك حتى من جانبنا كمسلمين أثناء الإمبراطورية العثمانية ناحية الغرب، مش ممكن ننسى الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والبلجيكي والهولندي، لما دخل بلاد مسلمة وعمل فيها اللي هو عمله سواءً كان حاول يحسن بعض البنى التحتية لكي يستمتع أو كي يستفيد أو يستثمر وجوده في هذه البلاد، أو إنه بيستغلها كأرض تابعة له، بينعم بخيراتها، دائماً كانت النظرة إلى الشرق عموماً، ومنها العالمين: العربي والإسلامي، نظرة إلى أسطورة، إلى خرافة، إلى أرض مليئة بالأعاجيب والغرابة، يعني فيه حاجة.. فيه مشكلة كنا إحنا بنعاني منها عندما كنت أعمل مسؤولاً عن العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة المصرية، إن أي إنسان مسؤول عن مهرجان في فرنسا أو في الغرب عموماً في إنجلترا، جاي بيسعى إلى إنه يأخذ الشيء الغريب في فنونا الشعبية، اللي هو أصبح قالب معروف، يعني مثلاً عايز يعمل خيمة، يبنيها في (نالت)، مدينة نالت الفرنسية، عايز ياخد جمل، عايز يلبس امرأة راقصة ترقص شرقي، عايز الإنسان مش بفنه ولكن بشكله اللي ممكن يبقى الأوروبي ينظر إلى الملابس وإلى الملامح
كوثر البشراوي: يشعر بالرومانسية الـ..
محمد غنيم: يشعر بأنه يعيش في الشرق الحسي قبل أن يكون الشرق المليء بالخيال، وموضوع إن العربي عموماً أو المسلم به كبت ما، بيعاني من أمراض نفسية تجاه المرأة، علاقة المرأة بالرجل، موضوع دائماً في ذهن الغربيين إن إحنا حسيين، نريد أن نلتهم الجنس الآخر، أنا قريت كتاب مرة ودا في إطار الحملة اللي أنا قلت بتسبق 11 سبتمبر وأنا ملحق ثقافي في سفارة مصر في واشنطن، كتاب جابته لي صديقة يهودية، ولكنها كانت تتظاهر بأنها صديقة لمصر وأنها مع القضية الفلسطينية فجابت لي كتاب في يوم من الأيام اسمه “The Arab Mind” العقل العربي، قريته كله مليء بتحليل شخصية مكبوتة، شخصية متخلفة، شخصية لا تسعى إلى التقدم إلى الأمام، ينقصها الخيال البنَّاء اللي فيه إبداع وترتبط بخيال بيرجع للعصور الوسطى أو العصور المظلمة، إلى ما قبل الجاهلية حتى، إلى.. في عصر الجاهلية، يعني عايز أقول لحضرتك إن الحملة الدعائية ضد المسلم والعربي ممتدة من أيام الاستعمار ومن أيام الحروب الصليبية، ويمكن نتذكر ما كان يقال على العربي في فترة كنت أنا فيها في باريس بعد حرب 67 الهزيمة.. النكسة، كنا.. مكتوب على الحيطان “Sale Arabe” العرب القذرون، يعني يمكن حضرتك عربية، أنت أساساً تونسية، شكلك يمكن يبدو أجنبي Blond، إنما لو أنتِ عربية ولابسة اللبس اللي أنتِ لبساه ده ودخلتي أنتِ حرة في إطار حقوق الإنسان اللي بيدعيها الغرب، يمكن تواجهي متاعب مش هأقول الآن من قبل.
فالمؤتمر ده أنا بأعتبره كان فرصة مش هأقول لإطلاق جرس إنذار، ولكن على الأقل لتصويرالخطر المحدق، وده فعلاً حاول بعض من السادة الوزراء ورؤساء الوفود أن يركزوا على ضرورة مواجهة هذا الخطر، لأن نحن نسرع الخطى ناحية هوة سحيقة، مش إحنا اللي بنجري، إنما نحن نُجذب إلى هذه الهوة حتى تكون هناك نهايتنا كاملة، موضوع العولمة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الحرب الباردة انتهت، بدأ موضوع فتح الحدود، اتفاقية الجات بدأنا نشوف كل ده دخل في اتفاقيات، بدأنا نقول: هناك اتجاه واتجاه آخر، اتجاه محاولة هيمنة ثقافة واحدة تريد أن تهيمن بقوتها واقتصادها، ولكن لا تساندها أي حضارة، على ثقافات وحضارات العالم الآخر اللي إحنا سميناها Mackdonaldization أو Cocalization ثقافة الكوكاكولا وثقافة الماكدونالدز، ثقافة الجينز…
كوثر البشراوي: لكن ما حدث بعد 11 سبتمبر فضح أكذوبة العولمة، يعني العولمة أخذت بشاعتها الأخرى اللي هي..
محمد غنيم [مقاطعاً]: ومن قبل هذا، يعني أنتِ لو.. لو تتذكري المظاهرات اللي حصلت في سياتل، المظاهرات اللي حصلت في دافوس، لم يكونوا مسلمين أو العرب الذين تظاهروا ضد العولمة، ولكن كانوا أميركان، وكانوا أوروبيين، في ألمانيا، آخر مرة المظاهرات كانوا ألمان، دول خايفين على مصيرهم، لأن العولمة، لم.. لم تتشكل بعد، هي مازالت مصطلح لم يدخل القاموس، تشكيله ومعناه المحدد سيكون بناءً على نتيجة الفعل ورد الفعل بين الطرفين اللي إحنا بنتكلم عليهم، اللي هو الطرف اللي بيحاول يسيطر بآلياته وبثقافته وبشروطه على كل ثقافات العالم متناسياً التنوع الثقافي المبدع اللي موجود في كل الحضارات، وبين اتجاه آخر يقول لأ، إحنا لنا هويتنا ولنا خصائصنا الثقافية، ولنا مصالحنا، عشان في الآخر بيربطنا الدين بيربطنا العقائد، بيربطنا التراث، التاريخ، كل ده في صراع سيحدد في نهاية الأمر معنى كلمة عولمة في القاموس.
الحضارة الإسلامية بين الانغلاق وقبول الحداثة
د.غسان سلامة: وهم.. وهم عند أصحاب القرار وعند أصحاب الرأي، وهم نحن نعيش حالة وهم، هناك وهم بأننا إذا.. انخرطنا حقيقةً في مسيرة الحداثة فإننا سنتخلى عن هويتنا، على الرغم.. على الرغم من أننا نرى بعد مائة سنة على الثورة البلشفية أن الثقافة الروسية لم تمت بتبنيها لأفكار الحداثة، وأن الثقافة اليابانية لم تمت، وأن الهوية اليابانية مازالت عزيزة اليوم، وبالتالي نحن نعتقد أننا أشطر من غيرنا، نحن نعتقد أننا أفضل من غيرنا، وبالتالي نحن نعتقد أننا في منعة من ثقافتنا وفي عزة من تراثنا بحيث نأخذ من المنتجات الغربية ما نشاء دون أن نتساءل عن الانقلاب الذهني الذي أدى إلى إنتاجها في الأساس، وعندما يقال لنا هذا الدخول السطحي في حركة الحداثة يأتي لكم بالمصاعب وبالمشاكل دون أن يأتي لكم بالحلول، نجيب: لأ، نريد أن نحافظ على هويتنا وثقافتنا، هذا كلام فارغ، الثقافة اليابانية لم تمت بتبنيها الحداثة منذ قرن ونصف، منذ قرن ونصف الثقافة الروسية لم تمت، الثقافة الصينية لم تمت، الثقافات التي دخلت في عملية صنع الحداثة لم تتخلَّ عن هويتها ولم تندثر، لأنها دخلت، على العكس نحن نرى أن القرن العشرين حمل في طياته عدداً كبيراً من الوفيات هناك 300 لغة ماتت في القرن العشرين، اندثرت تماماً، هناك ثقافات اندثرت في القرن العشرين، لأن الثقافات والحضارات لا تبقى.. لا تبقى إذا لم تدافع عن نفسها، ولكن كيف تدافعين عن نفسك؟ الدفاع عن النفس لا يكون بالانغلاق، الثقافات التي انغلقت على نفسها واللغات التي انغلقت على نفسها وانعزلت هي التي ماتت، بالعكس نحن نرى مثلاً أن الحضارة الإسلامية كانت في أوجها عندما كانت منفتحة على الثقافة الإغريقية وعندما كانت تلعب دور الوسيط بين الحضارات، الحضارات الشرقية والغربية، ونرى بالمقابل أن الحضارة الإسلامية تضعضعت عندما اعتقدت بأنها بالمحافظة على ما يسمى بالتراث الذي أشك بوجوده.. أشك بوجوده أخذت من الحداثة قشورها، الحضارة الصينية العظيمة.. العظيمة كان يمكن لها هي أن تقوم بالثورة الصناعية الكبرى، سبعة قرون قبل الحضارة الغربية لولا لم تقفل على نفسها وتتزمت، وتبقى داخل أسوارها، كان هناك كل العناصر موجودة في القرن الحادي عشر، يعني سبعة قرون قبل الثورة الصناعية ببريطانيا لكي تقوم الثورة الصناعية في الصين، لكن الإمبراطور والنخبة الحاكمة –آنذاك- قال أنه لأ، يجب أن ندافع عن هويتنا وتراثنا، ولن نغير عاداتنا، فبقيت الثورة الصناعية منعزلة، وقامت الثورة الصناعية الكبرى في الغرب وليس في الصين، لذلك عندنا تجارب تاريخية كثيرة تشير إلى أن في الواقع الحضارات التي تتمسك بسور واهٍ اسمه تراثها تؤدي يعني تزيد من ضعفها ولا تزيد منها، بينما الحضارات التي تنخرط.. تنخرط في العمليات الدولية التي اسمها الحداثة اليوم ولا.. لا.. لا تفقد أي شيء من هويتها ومن ثقافتها، الحضارة اليابانية موجودة، الحضارة الصينية موجودة، الحضارة الروسية موجودة دون أن يكون هناك أي مساس باستمرارها.
كوثر البشراوي: أنت حالياً إلى جانب كونك مدير عام مركز إرسيكا التابع للمؤتمر الإسلامي أنت لمدة أربعة سنوات رئيس الاتحاد الدولي لتاريخ العلوم وفلسفتها، بالله هذا المركز.. هذا المنصب هل يمكن استغلاله لتطبيق ما ترنو إليه ما تدعو إليه من خلال ها اللقاء؟
د.أكمل الدين إحسان أوغلي: نعم، أولاً: أشكرك على السؤال وأوضح شيء وإن هذا الاتحاد الدولي يجمع كل مؤرخي العلوم والقائمين بدراسة فلسفة العلوم في كل أنحاء العالم، وهذا الآن أكثر عُمْر من نصف قرن من الزمان، وقام على إنشائه كبار مؤرخي العلوم مثل (جورج سارتون) و(ألدوميلي).. و(تاتون)، وما إلى ذلك، وهذه أول مرة يتولى عالم مسلم من خارج أوروبا وأميركا رئاسة مثل هذا الموقع المهم، وأنا أعتقد أن هذه فرصة لنا جميعاً أن نؤكد أولاً.. نؤكد دور العلم.. دور الإسلام في بناء العلم العالمي، وأنا أعتقد أن هذا ينسحب على جوانب أخرى من الحضارة الإنسانية المعاصرة، الحضارة التي نعيش فيها الآن في يومنا هذا نحن لسنا عالةً عليها، نحن بُناتها، وشاركنا في بنائها، فنحن نمتُ إليها وهي تمت إلينا.
كوثر البشراوي: لكن الآن ماذا عن مساهمتنا؟
د.أكمل الدين إحسان أوغلي: الآن مساهمتنا موجودة، ولكنها قليلة، يجب أن نكثر من هذه المساهمات، لا.. يجب ألا ننسى أن هناك عالمان مسلمان فازا بجائزة نوبل أحدهما في الفيزياء والآخر في الكيمياء، وسيأتي من بعدهما كثير إن شاء الله، ولكن بما يتعلق بمنصب الاتحاد رئاسة الاتحاد الدولي لتاريخ العلوم وفلسفتها أقول: أننا منذ الآن بدأنا في جمع شمل العلماء المسلمين في العالم.. في تاريخ العالم الإسلامي.
وثانياً: في إبراز مساهمة العلم الإسلامي في بناء العلم الدولي، وفي نفس الوقت علاقة الدين بالعلم في الإسلام، ومنذ أسابيع عقدنا ندوة حول هذا الموضوع بالتعاون مع جامعة أوكسفورد وعلماء من أوروبا ومن الشرق الأقصى ودرسنا علاقة الدين بالعلم في الحضارة المسيحية، في الحضارة الإسلامية، في الحضارة الصينية، ويعني هذه الدراسة المقارنة ستبرز موقف العلم.. موقف الإسلام في بناء العلم الدولي.
أعتقد أن الاتحاد الدولي هذه فرصة لنا جميعاً لكي نؤكد معاني جديدة ويمكن لنا أن نستغل هذا الموقع للمساهمة في الحوار الذي نحن نبغي إليه وتوضيح إسهاماتنا في بناء الحضارة الإنسانية.
كوثر البشراوي: دكتور، لكي لا أسيء فهمك أو تأويل كلامك، يعني عام 2002 ما هي الوصفة التي تقدمها، ما هي الشخصية التي تتصورها سليمة ومتزنة..
د.غسان سلامة: ثورة ذهنية.. ثورة ذهنية باتجاه العقلانية، باتجاه الانخراط النشط في حركة العولمة، باتجاه تحديث المجتمعات، باتجاه تحرر المرأة، باتجاه أمور لم تعد حكراً على الغرب بل باتت جزءاً من الأخلاقيات الدولية.
كوثر البشراوي: طيب ماذا تفعل بالمصطلحات –إن كنت تعترف لوجودها- مثل الهوية الإسلامية، الثقافة العربية الإسلامية، هل تعتقد أنها مجرد أوهام وأضغاث أحلام، نطرحها على جانب، أم هي حقيقة؟
د. غسان سلامة: من يقول.. من يقول أن الثقافة العربية مهددة بالعولمة؟ الثقافة العربية مهددة بالعولمة إذا انكفأت على نفسها، ما هيَّ جزء من العولمة، يعني ليش الثقافة العربية عاجزة أن تكون قادرة أن تكون خارج العولمة؟ يجب أن تنخرط فيها بحماس وأن تثبت أنها قادرة على التنافس مع الثقافات الأخرى وإلى آخره، أما بالنسبة للحضارة الإسلامية والدين الإسلامي هو موجود في الدول الغربية، هو موجود هناك ملايين من المسلمين في الغرب يساهمون حالياً في الحضارة الغربية بجد ونشاط، أكبر مغنية أوبرالية حالياً في باريس هي مسلمة، هناك أطباء كبار، هناك مخترعون، هناك مكتشفون، هناك أساتذة جامعيون بالآلاف مسلمون في الغرب، وهم يمارسون دينهم ولا يعتقدون لحظة واحدة أن انتماءهم إلى حركة الحداثة، إلى الفكر العلمي، إلى حركة العولمة الثقافية، لا يعتقدون لحظة أن هذه عوائق أمام ممارسة دينهم وأمام انتمائهم الديني أو أمام تعلقهم بجذورهم الثقافية العربية، لماذا نعتقد بالضرورة.. بالضرورة أن أي تطور في العالم.. أي تطور تشريعي، أي تطور أخلاقي، أي تطور علمي يهدد بالضرورة هويتنا؟ هذا موقف الدفاع المستميت عن نفس ضعيفة، أنا أعتقد أنه لدينا من القدرة والجرأة الشجاعة والأمثلة التاريخية، لا سيما في عز ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، لكي نقول لنا موقع في العالم وعلينا أن نقتحمه وليس لدينا موقع ضعيف في العالم وعلينا أن ندافع عنه.
إن منطق القلعة المحاصرة هو منطق يؤدي –في الواقع- إلى الاضمحلال.
محمد غنيم: يعني النهارده السادة وزراء الثقافة الموجودين في المؤتمر ورؤساء الوفود دُوُل، هم كبار مسؤولين في دولهم، هم بيمثلوا حكومات، يعني حكومات يعني معناها سياسة حكومة، معناها ميزانية، معناها سلطات، Still هي بيعكس رأي حكومة، إنما أين منظمات المجتمع المدني؟ أين الاستفادة من تعبئة اللي بيلعب به الغرب النهادره؟ هو الغرب بيلعب بأيه؟ بيلعب بالمجتمع المدني، بيقول: أنا المستقبل لهؤلاء، للشعب، الديمقراطية بتستوجب إن منظمات المجتمع المدني وتشكيلاتها تبدأ ترسم مستقبل هذه البلد، فإحنا لابد أن ندعم ونساند ونشجع مؤسسات المجتمع المدني في الدول الإسلامية لكي تتخاطب، وأنت هيبقى مع الآخر، يعني إحنا عندنا عدد كبير في مصر من مؤسسات المجتمع المدني، في كل دولة موجودة النهارده بتتحول إلى نظام السوق المفتوح في التجارة فيها مؤسسات مجتمع مدني، لأن فيها تخصيصية، فيها Privatization خصخصة، يبقى هنا بأقول في هذا المؤتمر: يا وزراء الثقافة، هذا هو التحدي الذي أمامنا، ولكن في نفس الوقت أعطوا إمكانياتكم، ولكن تعاونوا مع بعض.
[في الحلقة القادمة]
د.عبد العزيز بن عثمان التويجري: هل هناك إرادة قوية داخل المجموعة الإسلامية في إطار من العمل الإسلامي من المشترك لإحداث هذا التغيير وسد الأبواب أمام المزايدين والمنتهزين وأصحاب الأهواء الذين يريدون للعالم الإسلامي أن يبقى دائماً منقسماً ومتفرقاً وضعيفاً وعاجزاً وليس له مكان بين الأقوياء؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن أن نطرحه، فإذا وصلنا إلى جواب عن هذا السؤال عندئذ نستطيع أن نقول إننا بدأنا الخطوة الصحيحة نحو الهدف الذي نسعى إليه.