إشراقات

الدكتور نيقولا زيادة

د.نيقولا زيادة.. طفولته ونشأته، أقدار: من وفاة الوالد إلى دار المعلمين، ربط د.نيقولا بين التاريخ والجغرافيا، نظرته للقومية والوحدة العربية.

مقدم الحلقة:

كوثر البشراوي

ضيف الحلقة:

نيقولا زيادة: مؤرخ

تاريخ الحلقة:

14/02/2002

– طفولة د. نيقولا زيادة
– أقدار: من وفاة الوالد إلى دار المعلمين

– ربط نيقولا بين التاريخ والجغرافيا

– نظرة نيقولا للقومية والوحدة العربية

undefined
undefined

كوثر البشراوي: أصدقاءنا المشاهدين في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً في برنامجكم (إشراقات).

أن تتكاثر كليات الدراسات التاريخية بتكاثر الجامعات فتلك ظاهرة تستحق التقدير، وأن تتزايد أعداد الدارسين للتاريخ والمهتمين بتقري أخباره واستنطاق حوادثه وحفظ عادياته فتلك مهمة تستحق أيضاً الثناء والإعجاب بغض النظر عن التفاوت في التفسير، ولكن أن يتمثل المؤرخ الوقائع بصدق ومعرفة ودراية فيعطيه التاريخ حق التجوال الحر في شعابه ويمنحه سر الفتوة الدائمة فتلك وحق التاريخ إشراقة من إشراقات زماننا، وتلك هي صورة ضيفنا الدكتور نقولا زيادة.

أجد نفسي مدفوعة للبوح أمامكم في هذه المقدمة بأنه ما كان للتاريخ أن يمنح ضيفنا هذه الميزات لولا التزامه الهادئ والأصيل بقضايا وجودة وعمقه الإنساني والحضاري، فهو ابن العائلة الناصرية أو النصراوية، نسبة إلى الناصرة، والمولود عام 1907 في دمشق يوم كانت كل المدن ضواحي من ضواحي الشام قبل سايكس بيكو، وهو ابن فلسطين الواعي من يوم أن أصدر (بلفور) صك استعماره الدامي، ومن يوم أن تواطئت معه مؤسسات كتابة التاريخ والمؤرخين لإسكات التاريخ الفلسطيني والعربي وتزويره. وهو المسيحي ابن الناصرة مدينة البشارة الذي يرى المسيحية نتاجاً حضارياً عربياً، وهو الدارس لتاريخ الحضارة الإسلامية ومدرسها في الجامعات الأوروبية والأميركية، إنه ضيفنا الدكتور نقولا زيادة شيخ المؤرخين العرب وفتاهم وفتوتهم بلا منازع، فأهلاً به وأهلاً بكم.

دكتور نقولا زيادة أولاً: مرحباً بك في هذا البرنامج وفي كل بيت عربي ندخله اليوم.

د.نقولا زيادة: أهلاً وسهلاً بك وبالبرنامج وأصحاب البرنامج.

كوثر البشراوي: الله يخليك، دكتور طبعاً أنا إن لم تخوني ذاكرتي التقينا منذ ثماني سنوات في لندن، لكن الحديث كان شحيح، لأن المساحة الزمنية لا يمكن ساعة نستوعب فيها مشوار ما يقارب القرن، ويا رب يطول في عمرك، الحيرة الحقيقية كيف البدء؟ هل نبدأ من النهايات، أم نبدأ من البدايات، وما بين الأولى والأخيرة المآسي كثيرة؟


طفولة د. نقولا زيادة

د.نقولا زيادة: أنت لك.. أنت لك الخيار وأنا مستعد للإجابة المكشوفة.

كوثر البشراوي: طيب يا سيدي، أنا حسب رأيي إذا ما يزعجك نعود إلى الميدان التحتاني في دمشق عام 1907 تاريخ ولادتك، طبعاً من باب المصادفة.

د.نقولا زيادة: لا.. لا تنسي.

كوثر البشراوي: تفضل.

د.نقولا زيادة: في الثاني من ديسمبر كانون الأول، آخر 1907.

كوثر البشراوي: يعني هو نقصنا شوية.. نقصنا شوية، طيب لتكن البداية من الميدان التحتاني دكتور، طبعاً ليست من باب المصادفة تلك الولادة في دمشق لأن والدك كان ناصري وأمك الناصرية كانوا مقيمين في دمشق بسبب التزام الوالد بعمل مع السكك الحديدية، أبدأ أنت.

د.نقولا زيادة: في عام 1900 تماماً أطلق السلطان عبد الحميد الدعوة إلى بناء خط يصل دمشق بالمدينة ومكة تسهيلاً للحجاج، الواقع أن هذا الأمر لم يكن هو السبب الأصلي، السبب الأصلي كان عبد الحميد يريد أن يقيم طريقاً سريعاً لإرسال الجنود إلى الحجاز وكان الخط هذا منتظراً منه أن يستمر إلى اليمن، لكن عبد الحميد أراده كذلك ثم أراده على أن يكون وقفاً إسلامياً، ولذلك لم يقبل أن تتدخل أي شركة أجنبية في بناء هذا الخط، الأموال جاءت بعضها من السلطان نفسه تبرعات، بعضها عن موظفي الدولة العثمانية الذين طُلب منهم –بقطع النظر عن دينهم- أن يتبرعوا بمعاش شهر واحد كل سنة لمدة بضعة سنوات، ثم طُلب من جميع المسلمين في العالم أن يتبرعوا لهذا الخط فتبرع نظام حيدر آباد بكمية كبيرة على سبيل المثال، ثم طُلب من الناس أن يتبرعوا، ولذلك أو في مقابل ذلك كان عندما يتبرع الشخص يُمنح لقب يتوقف على المبلغ بيك، باشا إلى آخره، وهذه الألقاب انتشرت في أيام عبد الحميد إلى حد أنه قبل مدة صدر قرار لم ينفذ تماماً في مجلس الوزراء اللبناني بإلغاء الألقاب الرسمية فخامة ودولة وإلى آخره، فكنت أنا في البيت هنا عندي أصحاب ولي صديق كان وزير فقلت له: معالي الوزيران، فقال واحد: ألغيت الألقاب، قلت: أنا مولود في أيام عبد الحميد، هذا أكثر واحد وزع ألقاب لا أتنازل عن هذا الحق، والدي ووالدتي من الناصرة، لكن والدي اشتغل في سكة حديد الحجاز في أثناء إنشائها وكان مركزها دمشق، كان في قسم الهندسة رسام، فبطبيعة الحال سكن دمشق، والدي ووالدتي تزوجا في السادس من شهر شباط فبراير عام 1907 وذهبا إلى دمشق، وولدت أنا قبل نهاية العام، يعني في الثاني من ديسمبر في دمشق، هذا السبب الذي جعل مسقطي دمشق بدل أن يكون الناصرة أو أي مكان آخر، لو كان فيه طريق عربات وكان التعهد في القدس كان ممكن أسكن في القدس أو أولد في القدس.


أقدار: من وفاة الوالد إلى دار المعلمين

كوثر البشراوي: نعم، وشاءت الأقدار –مع كل الأسف- أن تتغير مجرى الأمور ويحدث حادث بسببه يتوفى والدك، وتكون أمك مجبرة على مغادرة دمشق والعودة إلى فلسطين في اتجاه جنين والناصرة وهنا العودة إلى الأرض الحقيقية.

د.نقولا زيادة: هذا صحيح، جُند والدي ومرض وأُرسل إلى المستشفى ولم نعرف أي مستشفى فكنا نتناوب أنا وأمي التفتيش عنه، أنا كنت في أوائل الثامنة من عمري يعني، التفتيش عنه، كنا نتناوب لأنه كان لي أخ صغير عمره نحو سنة لا يمكن أن يترك وحده.

كوثر البشراوي: الفريد.

د.نقولا زيادة: فكان اليوم تذهب.. اليوم أذهب أنا، الأشياء التي رأيتها في المستشفيات في ذلك الوقت من، أنواع الأمراض، لأنه كانوا يسمحون لي وأنا طفل بالدخول إلى المستشفى والكشف عن وجوه المرضى حتى أتعرف عليه.

كوثر البشراوي: الموتى تقصد.

د.نقولا زيادة: لا، المرضى في المستشفى، لكن يوم من الأيام رجعت أمي في المساء وبيدها كيس من ثياب، وقالت لي: أبوك مات وهذه ثيابه، لأنه هي اكتشفوا وصلت للمستشفى وجدوا أن دخل هذا الرجل إلى المستشفى ومكتوب جنبه مات، توفي أعطوها ثيابه، فسألته: أين دُفن؟ لأن هم دفنوه، فسألها الرجل التركي خرستيان؟ وخرستيان بالتركي معناها.

كوثر البشراوي: المسيحي.

د.نقولا زيادة: مسيحي، كريستن، قالت له: نعم، قال لها: مارجريس، أي في مقبرة مارجريس كل المسيحيين كانوا يدفنون في مقبرة مارجريس والمسلمون يوزعون على بقية المقابر. فبعد هذا كان من الطبيعي أن أعود إلى بلدنا، وأن تبدأ أمي مهمة العناية بأربعة أطفال.. جدي لأمي كان مستعد أن يحتضننا، لكن عائلة كبيرة تأتي.. تأتي فتلقي بثقلها على رجل تجاوز السبعين من عمره مسألة صعبة.

كوثر البشراوي: صحيح.

د.نقولا زيادة: كان لي خال وخالة، كانا مستعدين لمساعدة أمي، لكن الاثنين توفيا قبل مرور سبع أو ثمانية شهور من عودتنا.

كوثر البشراوي: الخال كوليرا.

د.نقولا زيادة: فأصبح العبء كله على أمي.

كوثر البشراوي: أتذكر من خلال مذكراتك ذكرت كيف أنه خالتك توفيت بالكوليرا في طولكرم.

د.نقولا زيادة: في طولكرم، نعم.

كوثر البشراوي: وخالك –الله يرحمه- أيضاً توفي مع مجموعة من الشباب كانوا يلعبون بقنبلة صغيرة.

د.نقولا زيادة: واحد كان يلعب فيها فراح الجميع.

كوثر البشراوي: فتفجر الجميع، يعني قدر الموت قدر غريب، ولكنه أوصلك من باب أيضاً المصادفة.

د.نقولا زيادة: لأقول لك؟.

كوثر البشراوي: إلى موقع أو إلى حظ لم يحظ به طفل آخر لو كان في حضن عائلة مستقرة في (جنين) أو في (الناصرة) مثلاً، اللي هي دار المعلمين.

د.نقولا زيادة: الواقع.. الواقع أنني أذكر تماماً الآن أنني في سن الثالثة عشرة بدأت أبحث عن عمل في جنين حيث كانت تشتغل أمي لأساعد أمي، وكان هناك مناسبة أولى إنهم بحاجة إلى شخص يشتغل على التليفون، التليفون كان حديث بس للعسكريين، وقدمت الامتحان ونجحت في الامتحان لكن لما عرف المسؤول أنني سن الثالثة عشرة رفض أن يستخدمني قال: هذا سيكون عليه أن يقوم بالليل بالمناوبات سينام مؤكد، الأمر الثاني أنه فرغ منصب موزع بريد في (جنين) فذهبت أنا إلى مدير البريد وطلبت منه أن اشتغل، قال لي: محطة سكة الحديد تبعد عن المدينة، البلدة نحو كيلومترين، ونحن ننقل البريد من سكة الحديد إلى البلدة وبالعكس على حمار، فإذا هرب الحمار منك هل تستطيع أن تستعيده؟ ضحكت، لكنني تألمت أنني لم أستطع أن أساعد أمي، بهذه المناسبة أمي لم تكن تعرف بهذا، لما عرفت عزرت بهدلتني، قالت لي: هذا ليس شغلك، أنت دير بالك على المدرسة، وكان هذا من حُسن حظي، لأنه دخلت دار المعلمين فيما بعد، كنا 78 طالب وكانت دار المعلمين ستأخذ 31 طالباً، وأظن أنا إن لم أكن أصغر الطلاب فعلى الأقل من أصغرهم المتقدمين للامتحان، وقُبلت، ولكن حدث بعد إعلان النتيجة في القدس أنني واقف أنا أتحدث إلى أصحابي من الناصرة الذين هم طلاب من قبلي في دار المعلمين، وأقول لهم: مقبول.. مقبول.. مقبول وأنا مسرور جداً أكاد أنط يعني، فإذا برجل يضع يديه على كتفي، التفت فإذا به مدير دار المعلمين، قلت: هذا جاي يقول لي: يا ولد أنت قبلناك خطاً، وبدأت عزيمتي تنحط، فإذا به يقول لي: يا نقولا أنت دون الخامسة عشرة من السن، دون الخامسة عشرة، أنا المطلوب أن يكون في الخامسة عشرة ليتقدم للامتحان، قال لي: أنت دون الخامسة عشرة، شكلك وحديثك وكلامك وامتحانك يدل على أنك أصغر من هيك، لكن نحن قبلناك مرغمين، غصب عنا!! التفت عليه قال: كنت الأول بين كل الطلاب، وأنا آت من صف ابتدائي مشكوك في أمره أهو رابع أو خامس مقابل طلاب أكبر مني سناً وغيرها، فحمدت الله وهذه يومها قررت إنه لازم أنا أظل في الطليعة، في الطليعة بقدر الإمكان.


ربط نقولا بين التاريخ والجغرافيا

كوثر البشراوي: دكتور أنا من الأسئلة اللي بقيت معلقة في ذهني، يعني أنتم في دار المعلمين لم يكن هناك تخصص اسمه التاريخ والجغرافيا، كنتوا تأخذوا مادة معرفية عامة، لماذا اختيارك للتاريخ والجغرافيا وإصرارك على الربط بينهما هذه العلاقة التاريخ والجغرافيا؟

د.نقولا زيادة: أما قضية التاريخ.. التاريخ والجغرافيا واهتمامي فيها فقد جاء مصادفة، لما نُقلت إلى مدرسة عكا الثانوية طُلب مني أن أدَّرس هذين الموضوعين، لأن هذا هو المركز الشاغر، أنا كنت أحب الرياضيات، ولو أتيح لي كنت استمريت، في واقع الأمر لما كنت أدرِّس أنا التاريخ والجغرافيا كنت أدرس الرياضيات وحدي لمدة سنتين، ثم أدركت أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها واحد، 2، فبدأت اهتم بالتاريخ والجغرافيا لأنه يجب أن أقوم بواجبي نحو الطلاب، ثم أحببت الموضوع، أما الربط بين التاريخ والجغرافيا فيعود ليس فقط إلى هذا، يعود إلى شيء آخر، أنني أنا كنت أمشي كثيراً وأنا صغير، يعني أنا لما كنت، لما دخلت دار المعلمين كنت مشيت قرى (جنين) و(الناصرة) مساحة.. لما دخلت دار المعلمين تعرفت على القدس وحولها، لما علمت في.. في (عكا) و(ترشيحا) تعرفت على قضائي (ترشيحا).. (عكا) و(صفد)، أنا كنت أشعر من ذلك الوقت إنه أنا يمكن أن أفهم موقع قلعة صليبية قريبة على (عكا) فهمتها أكثر لما مشيت لهناك، فرأيت لماذا بُنيت في هذا المحل بالذات؟ زرت لبنان وسوريا في سنة 1925 أنا والمرحوم (درويش المقدادي) أستاذي وصديقي مشياً على الأقدام من شمال فلسطين إلى (انطاكيا) مروراً بكل لبنان والجزء الساحلي من سوريا، فضلاً عن الصعود إلى الجبال، عندئذ أيضاً أدركت أهمية الطريق التجاري، لماذا حمص وطرابلس مرتبطتان تجارياً؟ لأنه بين الجبلين هناك فيه شيء يشبه سرج الحصان تنخفض الجبال، فإذاً الطريق تمشي، هذه أدركتها بالفعل.

كوثر البشراوي: بالمشي.

د.نقولا زيادة: ثم كملتها بالدراسة واهتممت بها اهتماماً كبيراً في كل دراستي، لحد الآن أحاول أن أعرف جغرافية المنطقة قبل أن أكتب عنها.

كوثر البشراوي: إذا بتسمح لي بتأويل آخر وليس هذا تطاول مني عليك دكتور، أنت أدرى بنفسك وبتحليل نفسك، أعتقد أيضاً رحلتك إلى القاهرة بين 33و34 وهذه المدينة التي فتحت لك الأبواب أمام المعالم الإسلامية، أنت في البدء كنت كتير مهتم بالزمن القديم، التاريخ القديم، وفجأة انبهرت بهذا المشهد العربي، هذا المشهد الإسلامي الذي يحتضن حتى المسيحي في الوطن العربي وأنت أدرى بهذا، فالأ تعتقد.. زد إلى ذلك وضع فلسطين ما قبل الحرب هذا البحث عن جنسية، عن هوية، هذا الصراع من أجل المكان والزمان والتاريخ.

د.نقولا زيادة: لا، خلينا –اسمي لي- أن لا أخلط الأمور.

كوثر البشراوي: تفضل.

د.نقولا زيادة: سأذكرها وبعدين نحاول أن نربطها.

كوثر البشراوي: OK.

د.نقولا زيادة: زيارتي للقاهرة أنا سنة 1933 و34 وانبهاري بالقاهرة كمدينة أولاً وهادي أول مدينة كبيرة أراها، قصور ملكية، قصور أمراء، ميادين فسيحة.

كوثر البشراوي: متاحف.

د.نقولا زيادة: دار للأوبرا، متاحف، هذه الواقع لم تؤثر فيَّ جغرافيا، أثرت فيَّ من حيث هذا التراث الأدبي الفني الجميل، كنت لا أزال في ذلك الوقت أنا مهتم بالتاريخ القديم، وظللت إلى سنة.. إلى سنة 39 في الواقع مهتم بالتاريخ القديم إنما انتقلت من الشرق القديم إلى اليوناني والروماني، هذه واحدة، الانبهار جاء أثره فيما بعد يعني ظهر مرة تانية من نفسي من داخل نفسي لما انتقلت في دراستي للدكتوراة إلى التاريخ الإسلامي، عُدت إلى القاهرة لانبهر ثانية عملياً، يعني وقتئذ عندما قلت إنه: هذا مملوك فهمت شو معنى المملوك، أنا في الزيارة الأولى فهمت إنه مملوك يعني اللي جاءوا بعد الأيوبيين، لكن أكثر من هيك ما كان عندي، فأنا يمكن زيارتي للقاهرة وصعودي الهرم وإنه شوفت النيل، كيف يجتاز، وبعدين تذكرت وصف عمرو بن العاص لمصر وإلى آخره، ما فيه شك هذا جزء من ارتباط التاريخ بالجغرافيا عندي، ولذلك أنا زياراتي كان لها أثر كبير خصوصاً على الأقدام هذه، كان لها أثر كبير في تفهيمي أو لفت نظري لأهمية الجغرافيا لفهم التاريخ، بعدين أنا على ما يبدو بطبيعتي رحَّالة وكل ما يصح لي بأمشي، مثلاً لما كنت في.. في ألمانيا أنا في سنة 36،37 قطعت 3 آلاف كيلو متر على البسكليت في ألمانيا، ما حدا بيعرف من جماعتنا اللي راحوا يمكن صار بالسيارة، بالقطار، أكثر من هيك، فحبي للرحلة ما فيه شك، فلكن أنا في زياراتي الأولى هذه هي التي ربطت في ذهني -خصوصاً زيارة 1925- بين الجغرافيا والتاريخ، ثم القراءة قوتها، ثم كل زيارة أخرى فيما بعد إن كانت في جبال الأطلس في المغرب، أو في جهات الخليج كانت تقوى نظرتي إلى الجغرافيا، على سبيل المثال: عدد كبير من المؤرخين يعرفون أنه في العصور الوسطى كانت السُفن تأتي من مدن إيطاليا إلى الشرق.. شرق المتوسط في أوقات معينة، وتعود في أوقات معينة، لما ألقيت قبل مدة محاضرة عن جغرافية البحر المتوسط ولفت النظر إلى أن السبب في هذا هو تغير الرياح في موسم الصيف والشتاء في منطقة البحر المتوسط كان عدد كبير من زملائي المؤرخين استغرب هذه المعلومة البسيطة، لكن أنا في ذهني دائماً حالاً أربط التاريخ بالجغرافيا.

كوثر البشراوي: نعم، ثم الحظ دائماً -الحمد لله- رفيق دربك توجهت إلى لندن مع جامعة لندن، وأعتقد في ذاك الوقت مش.. مش حيا الله فلسطيني ولا أي عربي ممكن يروح، مش بالضرورة يكون ابن أغنياء، أو إنسان يعني محظوظ باهتمام أحد الإنجليز المقيمين في فلسطين، أعتقد الحظ واعتقادهم وإيمانهم بأنك صاحب القدر الأكاديمي أُرسلت إلى لندن.

د.نقولا زيادة: في الواقع أنا شعرت وقتئذ أن هذه كانت مكافئة على عملي، وكان هذا أمراً غير مألوف أن يُرسل واحد لدراسة البكالوريوس في سن الـ28، كانوا بينتقونهم أصغر، لكن فعلاً هذه سببها تأخري أنا، سببها أنني أنا توفيت والدتي وأنا في سن الثامنة عشر وأصبحت.

كوثر البشراوي: مسؤول.

د.نقولا زيادة: في المدة التي قضيتها في (عكا) مسؤولاً عن أسرة مادياً ومعنوياً، ولذلك لم يكن بإمكاني أن اترك هذه الأسرة لأحد، لما أصبح أخي الذي جاء.. يأتيني.. يليني وجد له عملاً يستطيع أن يساعد، وجاءت هذه المناسبة أُعطيت بعثة من حكومة فلسطين للذهاب لانجلترا، وطُلب مني إني أهتم بالتاريخ القديم، الواقع أن مساعد مدير المعارف الذي أعطاني البعثة.

كوثر البشراوي: جيروم.

د.نقولا زيادة: لما كانت وقتها هو بريطاني أو إنجليزي.

كوثر البشراوي: أي جيروم.

د.نقولا زيادة: جيروم فارل.

كوثر البشراوي: فارل، ياه.

د.نقولا زيادة: هذا أصله كان لما تُشْكل عليَّ مسألة من مسائل التاريخ كنت أكتب له فكان يجيبني، فهو يعرف اهتماماتي، ولذلك قال لي لما قال لي، قال لي: فيه عندي بعثة بتاخدها؟ قلت له: بآخدها، قال لي: أنت متزوج، قلت له: لأ، قال: هذه أحسن أريح، أريح إلك، فقال: لكن نريد منك أن تُكمِّل دراسة التاريخ القديم، قلت له: أنا الآن سأذهب إلى إنجلترا وأدرس التاريخ اليوناني والروماني مع ما يتصل به من التاريخ القديم، لأنه التاريخ القديم أنا المادة التي عندي كثيرة، لكن أريد أن أنظفها، أن أعرف الغث من الثمين فيها عن طريق الأساتذة، لكن سأهتم بالتاريخ اليوناني والروماني وهذا كان، وقضيت أربع سنوات في لندن منها فصل دراسي نصف سنة في جامعة ميونخ، لأنه كان فيه أستاذ معين يهتم بهذا الموضوع فأقتُرح عليَّ من الجامعة أو من الكلية على الأصح أن أذهب لقضاء هذه السنة، واعتبر هذا الفصل، واعتبرت هذه الإقامة جزءاً من دراستي بجامعة لندن، يعني ما.. ماحاسبوني عليها، حسبوها لي.

كوثر البشراوي: مرحلة لندن دكتور، لم تكن فقط مرحلة الحصاد الأكاديمي الحقيقي، كانت مرحلة انبهار أولاً لندن حتى مقارنة مع القاهرة كانت لندن وكانت مدننا العربية شيء آخر هذا أولاً، ثانياً أنا أتذكر حادثة أنت ذكرتها في.. في سيرتك الذاتية لما تجرأت أن تنتقد أستاذك (بينز) أعتقد حول هميروس.

د. نقولا زيادة: بينز.

كوثر البشراوي: Byan ويعني من باب خجلك أو هكذا تعود الطلبة أن يقفوا إجلالاً واحتراماً أمام أساتذتهم فلا يتجرؤ على إفصاح.. الإفصاح بآرائهم أمام الجميع أبلغته رأيك خارج القاعة وأصر أن تُعيد هذا الرأي أمام الجميع واعترف بخطئه الأكاديمي وتحليله لهميروس وأنت الطالب القادم من فلسطين، وهو الأستاذ اللندني في أهم جامعات لندن.

د.نقولا زيادة: هذا درس.. هذا درس تعلمته أنا، والحمد لله أنا لم أقل لطالب في حياتي: أذهب.. أذهب الآن مشغول لأنني لا أعرف، أقول له: أنا لا أعرف، فلنبحث أنت وأنا عن الموضوع مع بعض، والذي يسبق يخبر الآخر، راجع أنت كذا وأنا بأراجع كذا، هذه.. هذا درس تعلمته كان كبير، كبير لأن بروفيسور (داينز) أستاذ في جامعة لندن يقول للطلاب أمام الطلاب: مستر زيادة عنده شيء يقوله لكم، تفضل، قلت: قال أنا صار لي مدة اتهم (هومر) بأنه كان مخطئاً، والواقع أنني أنا مخطئ، لأنني لا أعرف ما يكفي عن المنطقة، ولذلك ظننت أن هذا هو الذي.. الذي اتهم.. كان بيتهم هومر قال: فأوقدوا النيران في.. في الحقول، فقال: كيف يمكن أن توقد النيران في الحقول في شهر أكتوبر في الخريف؟ فكان وجهة نظري أنا يا سيدي هذه المنطقة في الخريف نوقد نيران في الحقول ونظل في الحقول، ونعمل في الحقول، قلت له.. قال لي: لماذا لم تقلها أمام الطلاب؟ سكتت، قال: المرة القادمة بتحكيها للطلاب.

[فاصل إعلاني]

كوثر البشراوي: نستمر مع بعض أبرز المحطات في حياتك، بعد لندن عُدت عام 39 إلى القدس حيث بقيت تقريباً ثمان سنوات، وشاءت الأقدار أن تعود مرة أخرى إلى لندن، تلك الفترة المربكة بالنسبة للشاب، كانت طبعاً فترة حرجة لفلسطين،حرجة لمنطقة فلسطين والأردن ولبنان، منطقة بريطانيا قررت فيها الانسحاب وإعطاء الضوء الأخضر اللا علني لدولة صهيون، فخبرنا عن تلك.. تلك المرحلة المحزنة والمفرحة لك لأنك تزوجت وأنجبت.

د. نقولا زيادة: الواقع إنه أظن كلنا تألمنا لما كان يحدث في فلسطين، لأنه منذ.. على الأقل منذ 23 و24 أنا شخصياً أصبحت أدرك أن القضية خطرة، وأن بريطانيا ستقوم بهذا الأمر، ولما سمعت مرة رواية عن (وايز مان) يقول: إن المقصود عندنا هو أن تصبح فلسطين يهودية كما هي بريطانيا بريطانية، قلت: هذا الرجل كما يقولون الآن: مسنود، لكن القضية فيها كمان إنه كان فيه استهتار في قضية فلسطين، الاستهتار عند القادة، استهتار عند الجماعة العرب اللي بالخارج، ما أظن أنه أوليت من الأول الدرجة من الأهمية التي تستحقها، كان.. لا تنسي يا سيدتي أن هؤلاء الناس الذين كانوا يتصرفون في مقدرات العالم العربي مصر، بلاد الشام، فلنترك الباقي نأخذ هذه، لبنان، الأردن إلى آخره، أين تعلموا السياسة؟ أين دربوها؟ كانوا كلهم زعماء يسرهم أن ينادي العامة بهم فليحيا إن كان (سعد زغلول) في مصر، أو الحاج (أمين الحسيني) بفلسطين، أو (شكري القواتلي) في دمشق كلها واحد، ما فيه عندهم معرفة، كانوا يقاومون، أو يحاربون، أو يقاتلون إذا ظنوا أنهم كانوا يحاربون أو يقاتلون، جماعة مهروا في السياسة، مهروا في التنظيم، ثم نحن ما كان عندنا تنظيم، حتى فيما يتعلق بالزعامة السياسية الفلسطينية نفسها لم يكن هناك تنظيم زعامي حزبي مرتب، كان هناك قيادة وتبع، القيادة فوق والناس يتبعون، مثلاً الحاج أمين الحسيني نفسه الذي لا أعرفه شخصياً أنا بهذه المناسبة، لأنني لم أتعرف على أي من الزعماء في حياتي، لم يكن حوله مجلس صغير يستحق الذكر، يستشيره الذين كانوا حوله يستشيرهم ما كانوا يستحقون أن يكونوا مستشارين لأمور عادية بلها قضية مثل قضية فلسطين، في نفس الشيء كان فيه مصر، حزب الوفد ماذا كان في مصر؟ سعد زغلول والذين حوله وكلهم مخلص لا أنكر عليه، ثم بينهم وبين الشعب ما فيه شيء إلا يحيا سعد، هاي زعامات حول شو اسمه؟ مكونات.. تكوينات تكون حول زعماء، ولذلك ما كان فيه فعلاً إدراك لهذا، تصوري أنه لما أرسل الوفد الفلسطيني الأول إلى لندن سنة 1921 للبحث في قضية فلسطين مع وزارة المستعمرات، كان واحد من أعضاء الوفد لا يعرف اللغة الإنجليزية لأنه كان يجب أن تتمثل مدينة من مدن فلسطين بهذه العائلة ذات النفوذ وبهذا الشيخ الكبير في العائلة لا في أحد الأفراد المتعلمين، طب ماذا يفيد فلسطين أن يذهب شخص -مع احترامي إله، أنا كنت أحترمه كتير هذا الرجل- للندن ولا يعرف اللغة الإنجليزية؟ يتحدث مع مَنْ؟

كوثر البشراوي: ويسمع ماذا؟ ويفهم مَنْ؟

د. نقولا زيادة: وأضطر الوفد في ذلك الوقت كي يكون معه أحد فعلاً العارفين باللغة الإنجليزية أن يأخذ معه (وديع البستاني) اللبناني الأصل الذي كان يعمل محامياً في (حيفا).

كوثر البشراوي: طيب، دكتور..

د. نقولا زيادة: هذه.. هذه على الهامش..

كوثر البشراوي: نعم، لنجعل هذا الهامش موضوعاً مهماً الآن، موضوع فلسطين تلك الفترة وربما نجبر على المقارنة حتى الوضع الحالي يعني، أعتقد كما ذكرت أنت هناك ظروف أيضاً سيئة أحاطت بوضع فلسطين، يعني الجامعة العربية عام 45 كان فيها بعض الأعضاء اللي لا يملكون ذاك الوزن ومازالوا لا يملكون ذاك الوزن الثقيل بالرغم من الأموال ومن مكتسبات كثيرة، فلسطين كانت تعتبر حتى من قِبَل الجامعة العربية شيء هامشي وأنت قلت هذا، يعني لا يعيرون أي اهتمام كبير لها كمنطقة جغرافية مثلاً.

د. نقولا زيادة: والدليل على هذا في رأيي الذي قلته في ذاك الوقت أنا أن فلسطين لم يقبلوا أن يجعلوها عضواً في جامعة الدول العربية، كان لها ممثل لفلسطين، يعني يقعد بدون تصويت يسمع ويمكن ما يحكي حتى (موسى العلمي)، هذا كان الممثل، ممثل لفلسطين، ممثل صامت.

كوثر البشراوي: أيه نعم، لكن فيه مسألة.. فيه عندي نقطة..

د. نقولا زيادة: ما هو هذه أنا ما أعرف، أظن كان الأمل الوحيد لا أقول عندي أنا، لكن عند بعض أصدقائي الذين كانوا يتعاطون السياسة، أنا لم أتعاطى السياسة في حياتي، يتعاطون السياسة، كان الأمل أن تصبح فلسطين دولة ثنائية الجنسية، هذا الأمر الذي يُنادي به الناس الآن، بمعنى أن يكون هناك دولة واحدة فيها عرب ويهود إلهم حقوق وإلى آخره، هذه واحدة، الأمر الآخر: لما صدر قرار التقسيم كان هناك من الفلسطينيين والعرب من نصح بقبوله، يعني هذا كان الأمل الوحيد، الأمل الوحيد إنقاذ.. أصبح القضية قضية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ما عاد فيه قضية راح نحتل فلسطين كلها، راح تُسترجع فلسطين كما يُصرخ اليوم ويُنادى به.

كوثر البشراوي: نعم، دكتور يعني جيلك أنت بماذا كان يمكن أن يطالب البلدان المجاورة؟ ماذا.. كيف يمكن أن يتصرف العرب وهم موعودون بوعود وهمية من بريطانيا وأميركا ومازال الحلم قائم؟ البعض منهم إن شاء الله يكون دولة عنده، أيضاً حتى لما صارت المأساة عام 48 -وأنت ذكرت هذه الفضائح- إنه كانوا.. كان السوريون يخشون من العراقيين، وكان العراقيون يعني غير مدركين بما يعني خطة العمل لأنه ماكو.. ماكو أوامر –كما قلت أنت- مصر من جانبها كان فيه شيء من الخربطات، لأنه الأسلحة كانت مغشوشة، يعني كل ها العوامل ألا تعتقدوا أنه تعكس العجز لا فقط الفلسطيني بل عجز منطقة بأسرها؟

د. نقولا زيادة: يا سيدتي الآن نحن ننظر إلى القضية بعد مرور ثلاثة عقود، وأربعة عقود، وخمسة عقود، فنحللها تحليلاً واقعياً منطقياً، ونجد.. نصل إلى النتيجة التي توصلت أنت إليه في سؤالك، إنه ماذا كان هؤلاء يمكن أن يعملوا؟ لكن في ذلك الوقت القضية كانت قضية حماس، حماس، نحن في فلسطين يوم من الأيام اعتقدنا أن العراق سيكون بروسيا العرب ويوجد العرب، راح العراق أو خفت الحدة هناك فجاء (أديب الشيشكلي) يقول: سوريا بروسيا العرب، يمكن الناس صدقوا، ما كنا –أظن- عندنا من النضج السياسي لندرك حقيقة الأمور، فكانت كلها أكترها مش.. مش كلها هبات، واستمرت هذه القضايا هبات حتى إلى أمس الناس هذا إن لم تكن استمرت إلى يوم الناس هذا، الهبات.. السياسة هبات عندنا أكثر مما هي برامج ودراسات ومفهوميات وعمليات.

كوثر البشراوي: وأنت كشاهد على هذه الهبات هل مازلت تحمل شيء من الأمل، أم أن الهبات صراعات والصراعات تتلاشى مثل البخار؟

د. نقولا زيادة: الهبات التي مرت عليَّ أنا كانت الهبة الأولى في العشرينات، هبة القومية العربية بدأت في العشرينات، هي قد تكون بدأت، قبل في أيام.. أواخر أيام عبد الحميد وإلى آخره، لكن في العشرينات بدأنا نتحسس بها، وبدأت في الواقع من بلاد الشام، وكانت في أكثرها كالنسيم يدخل فيملأ الرئة.

كوثر البشراوي: ويمر.

د. نقولا زيادة: وينعش ثم يمشي، يمثلها قصيدة (لخير الدين الزروكلي) اسمها (الديدبان) ألقاها في دمشق وقصيدة (لعبد المحسن الكاظمي) ألقاها في القاهرة.

كوثر البشراوي: و(إبراهيم طوقان).

د. نقولا زيادة: وقصيدة.. نعم؟

كوثر البشراوي: و(إبراهيم طوقان)..

د. نقولا زيادة: بعدين هذا من الخارج، ثم يأتي واحد مثل (إبراهيم طوقان) فيقول قصائده، وهنا كُتَّاب يكتبون الشعر، الحمد لله وقتها كان بعض الشعر عندنا هو الشعر الموزون المقفي، ما كان فيه الشعر الحديث هذا، لا انتقاداً للشعر الحديث أعوذ بالله، لأ، لكن تقريراً للواقع، فهذه الهبات يوم تقوم في دمشق مظاهرة، القومية العربية، تقوم في العراق مظاهرة القومية العربية، يتحدث عنها (ساطع الحصري)، (درويش المقداري)، (نقولا زيادة)، (قسطنطين زريق) إلى آخره، أنا كنت من دُعاة القومية العربية، لكن أنا كنت أدعو إليها بفلسطين، كان منبري صغير، لكن الذين دعوا إليها من العراق ومن مصر كان منبرهم كبيراً، لكن.. وظلت هذه ماشي، لكن تخفت، ثم جاءت فكرة مادام فيه قومية عربية لازم تكون فيه وحدة عربية، والذين تحدثوا عن الوحدة وكتبوا عنها أكثر بكثير من الذين كتبوا عن القومية العربية، إلى درجة أنه جاء وقت -أظن أنا- على بعض الشباب يظن إنه الوحدة العربية أصبحت بمنأى اليد يعني، إنه بعد بكره تُعلن، أنا أظن إنه القومية العربية مع احترامي لكل الآراء الأخرى من الأشياء التي أضعفتها الهبة الكبيرة التي تمت فيها على يد جمال عبد الناصر.

[جزء من خطاب لجمال عبد الناصر]

د. نقولا زيادة: كانت هبة كبيرة، ولكن لما جاءت خصوصاً لما تمت وحدة وانفصمت كانت هذه فعلاً كافية أن تحمل المنطاد هذا العالي أن يهبط مرة واحدة لأن الغاز انتهى منه، والقضية كانت المحاور التي نشأت، حتى في أيام الانتداب قبل الاستقلال محور عراقي أردني، محور شامي مصري، شامي سعودي، سعودي مصري، المهم فيها أن تحول دون التقارب داخلياً، تقول لي: هذا تأثير الدول الأجنبية ممكن، لكن لو أن الناس كانوا مثقفين كافية ما خضعوا إلى هذه الدرجة، هذه مشكلتنا، فيه مشاكل أخرى، ولذلك لما جاء واحد مثل عبد الناصر إله ها الكرزمة، هذه المهمة، ما فيه شك إن الرجل كان.. استطاع أن يتملك قلوب الناس فلما ضاعت القضية أصابتنا النكسة انتكس كل شيء معه، الآن قليلون الذين يتحدثون عن الوحدة العربية أو القومية العربية، فيه.. فيه مؤتمر سنوي يُعقد اسمه مؤتمر الوحدة العربية، المؤتمر القومي العربي لا يختلف كثيراً عن أي ندوات تُقام حول الموضوع، وأنا اشترك فيه يعني أقول هذا وأنا.. والأيام المرات اللي لا أشترك فيها أقرأ النتائج التي تُرسل (….) وحدة هذه، لكن لو سألتيني عني أنا شخصياً، ما أنا ذكرت هذه لا لأبرئ نفسي، لكن لا تهم نفسي، أنا في حياتي مؤمل، أنا متفائل وهذا شيء يبدو في تصرفاتي كما عرفتِ في الأيام الأخيرة، ولذلك لم أفقد الأمل في القومية العربية ولا أزال بين حين وآخر أكتب عنها، لكنني أخشى عليها كما أخشى على أي فتاة جميلة من كثرة المقربين أو المتقربين منها، كل واحد بحجة أن يكون هو حاميها، يصبح حراميها.


نظرة نقولا للقومية والوحدة العربية

كوثر البشراوي: أنت لديك نظرية أو رؤية في موضوع القومية والوحدة، ولاحظت أنك تفصل بين هذين العنوانين، بالنسبة لك: القومية لها جذور تاريخية ولا يمكن أن نفهم القومية بدون معرفة لتاريخ هذه الأمة، وموضوع كلمة الأمة أيضاً أنت أعطيتها الكثير من الوقت.. من وقتك الأكاديمي والمعرفي، والقومية بالنسبة لك هي ماضي وحاضر، أما الوحدة فهي قد تكون حاضر ولكنها ممكن في المستقبل، ممكن هو احتمال يمكن إنجازه، لماذا فصلت بين القومية العربية والوحدة العربية؟ وما هي القومية أكاديمياً؟ كيف تفسرها أنت؟ وما هي الوحدة؟ وما هي معطياتها حسب رأيك؟

د. نقولا زيادة: القومية عندي باختصار أنا: هو شعوري الناشئ عن الانتماء، لكن ليس نتيجة الغوغائية، نتيجة فهم التراث، ومن هنا أدعو إلى فهم تاريخ العرب، وتراث العرب فهماً صحيحاً، لا فهماً معقداً مفبركاً كما يحدث الآن، مشكلتنا الآن أن تراثنا تلعب به المنظمات المختلفة أصولية وغير أصولية فسد، يعني غير واضح، أظن أنا أنه قبل 50 سنة كان عندما يكتب الواحد عن التراث في نفسه كمية معينة من الشعر والأدب والدين والتاريخ والسياسة وكل هذه، الآن صار التراث كأنه موزع، كأنه قطع بقلاوة ما عاد صدر كنافة شقفة واحدة، هذه واحدة، الآن أنا فيه عندي القومية هي فهم، إدراك لهذا الأمر، لكن.. بقطع النظر عن وجود كيانات مستقلة أو مقسمة في أيام الانتداب وغيره، أيام الانتداب كان فيه قومية، شعور قومي لأنه كلنا ضد شيء، الآن صرنا ضد بعضنا، الآن أنا كان رأيي أنا وفيه 3، 4 من أصدقائي وضعنا مخطط وألقينا عنه سلسلة محاضرات في فلسطين، والواقع إنه كتاب صغير اللي نُشر أولاً عن القومية والعروبة كان هو توسيع للمحاضرة التي أُلقيت في اليوم التالي، المشروع كان عندنا في إنه أنا أتحدث الآن عن شواسمه؟ الأربعينات، الفكرة كانت عندنا أنه من الصعب أن تقوم وحدة عربية من المغرب إلى المشرق، ممكن يكون فيه شعور قومي عربي، شعور قومي مرتبط بالتراث، لكن وحدة لا يمكن، فكان وجهة نظرنا.. فلتكن هناك أربع وحدات إقليمية واحدة الجزيرة العربية، التانية: العراق وبلاد الشام، التالت: مصر والسودان، والرابع: المغرب العربي. فكرة القومية العربية يجب أن تظل حيَّة، وستظل حية، لكن أكتر من هيك تحتاج إلى نار، الآن الوقود الموجود لها..

كوثر البشراوي: غير كافي.

د. نقولا زيادة: قليل، وهناك بلاد لا تسمح بالتحدث عنها، وبلاد يا سيدتي تتحدث عنها 24 ساعة، وحديث من الشفاه، بطل، أبطال، كله: وين أبطال، وهذا آه بطل، لأ، هذه يجب أن نواجه الحقيقة، طبعاً أنا لا، هذه الحقيقة لا أقولها لجميع الناس، هلا هن مع الأسف سيسمعها كثيرون، لكن مع هذا كله أنا أشدد أن الفكرة.. فكرة القومية العربية موجودة وستظل موجودة وأريد منها أن يأتيها دفع في الشرح وفي التفسير، لكن على طريقة ليست الحماسة الموجودة في ما يكتب في الصحف، القومية العربية فكرة جيدة وكان.. كان أجدادنا، ناس يقول: كان أجدادنا مخرب، ليه؟ نحن..

كوثر البشراوي: صحيح نحن..

د. نقولا زيادة: نحن..

كوثر البشراوي: وهذا ما أنا كنت أطالب به منذ قليل حقنا..

د. نقولا زيادة: هذا حقنا.

كوثر البشراوي: يعني هذا مش هبة أو إرث..

د. نقولا زيادة: أنا.. أنا كمان حقي لأني أنا صحيح عمري 93 سنة بس أنا أعتبر نفسي من جيل الشباب.

كوثر البشراوي: على راسي وعيني، على راسي وعيني لكن خلونا نجربوا يعني.

[في الحلقة القادمة]

د. نقولا زيادة: عندما أقول أنا فكرة القومية العربية موجودة، يجب أن يكون لها جذور، والجذور هي في الأمة..

كوثر البشراوي: والأمة موجودة، وهي واقع، وهي حية ليست..

د. نقولا زيادة: ما هو الأمة موجودة، الأمة موجودة، لكن هذه الأمة تحتاج إلى تثقيف في معنى الأمة.

كوثر البشراوي: الوقت أيها الأصدقاء هو قوت التاريخ، وقد أتى على كل ما لدينا من دقائق في هذه الحلقة، ولم يبق لي سوى ثوانٍ معدودة لأدعوكم فيها للانضمام إلينا في الحلقة المقبلة لنستكمل وإياكم سيرة ضيفنا الدكتور نقولا زيادة، وحتى ذلك الحين أترككم في أمان الله ورعايته، إلى اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.