تحقيق خاص

صراع البقاء.. قصص مروعة من وراء قضبان نظام الأسد

كشف فيلم استقصائي لقناة الجزيرة بعنوان “صراع البقاء” (2020/3/29) فظاعة عالم سجون النظام السوري من خلال شهادات بعض الناجين من تجربة الاعتقال وإعادة تجسيد جزء من تلك الذاكرة.

كشف فيلم استقصائي لقناة الجزيرة بعنوان "صراع البقاء" (2020/3/29) فظاعة عالم سجون النظام السوري من خلال شهادات بعض الناجين من تجربة الاعتقال وإعادة تجسيد جزء من تلك الذاكرة.

وسلط الفيلم الضوء على الصور التي سربها الضابط المنشق عن الأجهزة الأمنية السورية والمعروف بالاسم المستعار "قيصر"، والتي وثقت درجة هزال جثث آلاف المعتقلين وعكست حجم سوء النظام الغذائي والمعاملة القاسية.

شهادات مروعة
عرضت هنادي حسين شهادة اعتقالها بفرعي الأمن العسكري 215-227 قائلة إنه فور وصولها تقدم نحوها شخصان نزعا حجابها وطرحاها أرضا، ثم طلبا منها محاكاة مشية وصوت الحصان، وإنها تعرضت للتعذيب بالماء البارد خلال الأيام القارسة.

وقال المعتقل السابق في سجن صيدنايا العسكري قيس مراد إنه عند دخوله مكان الإيقاف "المجهول" كان يمشي في ممر مظلم جدا لا يمكنه من الرؤية أمامه، وإنه كان في طريقه يدعس على أجساد أشخاص ملقين على الأرض وهم يتألمون.

أما المعتقلة السابقة في فرع فلسطين الأمن العسكري حماة عائضة الحاج يوسف، فتحدثت عن تدابير استقبال السجينات اللائي يتم تعريتهن بشكل كامل للتفتيش أمام السجان، وذكرت حالة طالبة معتقلة تعرضت للاغتصاب في عديد المناسبات مما أدى إلى اضطرابها عقليا.    

واستذكر المعتقل السابق في سجن صيدنايا العسكري منير الفقير يوميات الاعتقال التي تميزت بظروف في غاية القسوة، حيث فاق الاكتظاظ كل التوقعات ووصل إلى درجة وضع 120 شخصا في زنزانة لا تتجاوز مساحتها الـ20 مترا مربعا، مما يجبر العديد على النوم وقوفا أو في وضع "البطة".  

كما أشارت المعتقلة السابقة في المخابرات الجوية فرعي المزة وحرستا إلى كثرة حالات الاضطراب النفسي داخل السجون، حيث اشتهر لدى المعتقلين مصطلح "الفصلان" وهي حالة من الانهيار العصبي بسبب عدم تحمل ظروف الاعتقال، وأن السجينات الأكثر عرضة لهذه الحالات هن اللائي تركن أبناءهن أمام مصير مجهول ودون أي رعاية.  

من جانبه، أوضح الطبيب النفسي المعتقل سابقا بفرع المخابرات الجوية 215 جلال نوفل أن النشاط السياسي يخفف صدمة الاعتقال، على عكس غير الناشطين الذين صدموا كثيرا من الانتقال من الحياة إلى حدود الموت وهو ما يتسبب في اضطرابات نفسية، أبرزها الهذيان والذهان، وأضاف أن حوالي 2000 معتقل ماتوا بسبب تفشي عدد من أمراض في السجن كان أبرزها الإسهال الحاد.

منشق وخبراء يتحدثون
أكد الضابط المنشق عن إدارة المخابرات العامة السورية أساليب تعامل الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد مع المعتقلين، وقال إنها تكرس عنصر الرعب منذ اللحظة الأولى، من خلال ربط اليدين من خلف مع الضغط على الرأس والمرور من مكان فيه ضرب وصراخ، وإن هذه التدابير تسمى "حفل الاستقبال" الذي يحاول من خلاله العنصر الأمني إذلال السجين و"تجريده من إنسانيته" وإثبات ولائه لمرؤوسيه.

وأضاف أن النظام الغذائي بالمعتقل مرتبط بمزاج المسؤول المباشر، حيث يمكن تحويله إلى أسلوب من أساليب التعذيب كما يصل الأمر إلى درجة ابتزاز المعتقل بالسماح له بقضاء حاجته البشرية، وأن أي عنصر أمني يشتبه في مساعدته لمعتقل أو التعاطف معه يتعرض للمساءلة والاعتقال وحتى التعذيب.  

واعتبر المستشار القانوني في المركز الأوروبي لحقوق الإنسان باتريك كروكر الأوضاع داخل مراكز الاعتقال الحكومية في سوريا غير إنسانية إلى أبعد الحدود، وأشار إلى وجود آلاف المعتقلين حاليا وعدد كبير جدا منهم يموتون أو يعانون منن التعذيب الممنهج، وأن المشافي العسكرية تحولت من علاج المرضى إلى مراكز احتجاز للجرحى المعتقلين وترتكب فيها أيضا جرائم قتل، مضيفا أنه تم توثيق حالات اغتصاب وعنف جنسي شمل النساء والرجال دون استثناء، وأن الصور المسربة للعنصر الأمني "القيصر" المنشق عن نظام الأسد أثبتت موت الآلاف بمعتقلات سوريا.

ووصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني ظروف السجون السورية بالأسوأ في العالم وخلال العصر الحديث بسبب عدد المختفين قسريا الذي يقارب 82 ألفا، وأشار إلى أنه في حال تعرض أي معتقل للمرض لا يجرؤ أبدا طلب العلاج من سجانه بسبب ما حدث مع زملائه من ضرب مباشر على مكان الوجع، وأن المرضى الذين ينقلوا للمستشفى لا يسلمون من التعذيب هناك أيضا وتكون عادة خلفيات القمع والتنكيل طائفية، كما حدد عدد السوريين الذين عاشوا تجربة الاعتقال والإخفاء القسري ما بين مليون ومليون و200 ألف، وعدد القتلى تحت التعذيب بحوالي 14 ألفا.

‏‏من جهتها، أكدت الباحثة بمنظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي أن عددا كبيرا من الوفيات بالسجون السورية تعود إلى سوء التغذية والظروف الصحية المتدهورة والتعذيب الممنهج، وأن المنظمة وثقت في تقاريرها حالات عديدة لقتل المعتقلين في سوريا، وذلك بالاعتماد على الصور المسربة من قبل الضابط المنشق أوائل عام 2014 والمعروف بكنية "قيصر"، مرجحة عدد القتلى بالمعتقلات بحوالي 10 آلاف، وهو ما يصنف -حسب تعبيرها- جرائم ضد الإنسانية.