الريع في المغرب.. مواجهة الآفة العميقة
بعد إخراجي حلقة لبرنامج "تحت المجهر" وعنوانها "من الرباط إلى القدس" العام الماضي، وهو العمل الذي اعتبرته لبنة جديدة في توظيف علم الصورة لإيصال القيم الإنسانية للعقول والقلوب ليُبنى عليها فكر وسلوك إيجابي خادم للإنسانية، يأتي فيلمي الجديد لصالح شبكة الجزيرة الإعلامية، ومن خلال برنامج "تحت المجهر" بعنوان" رهان المستقبل.. الريع في المغرب، وهي حلقة وثائقية نحاول فيها تقديم اقتصاد الريع كظاهرة وآفة وثقافة معا.
فبكل موضوعية وجرأة في الطرح والنقاش عملنا على هذا الموضوع الشائك والخطير واجتهدنا في إخراجه (أنا والفريق)، ليقف المشاهد وبقوة الصورة المقنعة على الجوانب و الآثار السلبية للريع والاحتكار، وما علاقته بالرشوة والفساد بشكل عام.
حاولنا الإجابة عن سؤال كبير وعميق: لماذا الريع كأحد أوجه الفساد والرشوة ممكن؟ ما نوعية المناخ والبيئة أو الأرضية الخصبة التي أنتجت لنا هذا الريع أو هذه الآفة الخطيرة التي تنخر المجتمعات؟ وكيف تحول إلى ثقافة؟ الكل يريد أن يستفيد ويربح بدون جهد ولا مخاطرة؟ وهل يمكن وصفه بأنه منتج للكسالى والطفيليين.
حاولنا تناول الموضوع بطريقة وثائقية جذابة في الإخراج، حيث اعتمدنا على قصص لناشطين حقوقيين مناهضين لهذا النوع من الاقتصاد، وصحفيين قادهم بحثهم الميداني إلى مواجهة مباشرة مع لوبي المقالع، وهو أحد أوجه الاحتكار والريع بالمغرب، مثله مثل المأذونيات الممنوحة لشركات لاستغلال المعادن أو الصيد في أعالي البحار أو النقل، ورصدنا وحللنا من خلال الخبراء الاقتصاديين، والفاعلين الحقوقيين المناهضين لهذا النوع من الاقتصاد.
للعمل على هذا الموضوع كان لابد من تكوين فريق متمكن منسجم، من الإعداد إلى آخر لمسة فنية، فالشكر الجزيل لفريق هذا العمل وأسماؤهم كلها في تتر الحلقة، فمن الأستاذ محمد لغروس الصحفي المتألق المسؤول الأول عن البحث والإعداد العلمي في هذا المنتوج الإعلامي، والذي كانت له بصمة خاصة في مقابلات الضيوف والتنسيق معهم، إلى الأستاذة حفيظة المرزوقي، وفتيحة، وآمنة.
وكل طاقم إبداع المعروف بانسجامه التام، دون أن أنسى ما قدمه لي د. مولاي العربي الهاشمي ود. أحمد ويحمان ود. عمر الكتاني الذين لم يكونوا مجرد ضيوف في الفيلم بل مستشارين على مستوى ما هو علمي دقيق، وكذلك الناقد الدكتور الحبيب الناصري الذي لم يبخل علي بنصائحه القيمة فنيا، وكل ضيوف الفيلم على المشاركة والمساهمة بعلمهم، برغبة كبيرة وحب وجدية.
كان هذا المنتوج الإعلامي هو عمل تشاركي بامتياز بين الطاقم التقني الذي هو خلف الكاميرا ومن هم أمامها، يثرون النقاش بإسهاماتهم وآرائهم العلمية الدقيقة، خدمة للإنسان وتنويره.
صعوبات
أما الصعوبات فطبعا لكل عمل جاد صعوبات لعل أهمها كيف يمكن معالجة موضوع تعرض لكثير من التوظيف السياسي، بشكل وثائقي توثيقي يستضيف الخبراء، ويخاطب عقول الناس قبل أهوائهم وميولاتهم ويخرج بعمل قوي مضموناً سلس شكلاً، والحمد لله وفقنا.
وتبقى كل الصعوبات محفزات للتحسين والتجويد ليصبح فيلمنا الوثائقي في هذه الحلة التي أراها شخصيا والطاقم المساعد لي تتوافق مع أملنا في توظيف علم الصورة، وتحقيق ما نجتهد من أجله، ونخلص له وهو أن يكون المنتوج الإعلامي خصوصا الفيلم الوثائقي وسيلة تواصلية ناجعة لتجاوز العقبات والإشكالات والرقي نحو الأفضل وهو ما نلخصه في عملنا اليومي.
المخرج: الطاهر العبدلاوي