أمانة الأحباس في تونس
كما أوقفوا ممتلكات أخرى لأحفادهم وذرياتهم -أي الأوقاف الخاصة- لتستفيد منها عائلة الواقف. هذا التوجه لاعتماد الوقف منهاجا أدى إلى زيادة مساحة الأوقاف على التراب التونسي.
اعتقدت في الأيام الأولى من البحث أن حال الوقف في تونس مثله مثل الوقف في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، لكن التعمق في البحث كشف لي أن الوقف في تونس قصة سياسية بامتياز. فقد قرر الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة إلغاء العمل بنظام الوقف، ومصادرة الأوقاف العامة وتصفية الخاصة منها بالتزامن مع استقلال البلاد عام 1956.
واكتشفت مع البحث الميداني أن معظم الأحفاد لم يحصلوا على حقوقهم من وقف أجدادهم لأسباب مختلفة.
هذه الحلقة، والتي وفقنا بها بحمد الله، تكشف للمشاهد العربي استغلال الاستعمار الفرنسي للأوقاف ومصادرة الأموال الطائلة التي كانت تدرّها في تلك الفترة بحجة سداد الدين الخارجي التونسي، ومن ثم الفساد الذي لف عملية التحبيس، مثل التحبيس على الذكور دون الإناث للتحايل على الميراث، والإهمال الذي تعرضت له الكثير من مؤسسات الوقف وتحولها إلى أماكن مهجورة دون عناية.
كما أولينا اهتماما خاصا للظروف السياسية التي طبعت الصراع على السلطة بين الرئيس الحبيب بورقية وصالح بن يوسف الذي كان جامع الزيتونة يدعمه قبل أن يضطر لمغادرة تونس.
على مدار أشهر طويلة من العمل على هذا المشروع واجهتنا الكثير من الصعوبات، لعل أهمها كان العثور على شخصيات من أولئك الذين خسروا أملاكهم في عملية التصفية، حيث إن كثيرا منها تعرض للاحتيال أو الاستيلاء لدرجة أن بعض القضايا المتعلقة بها لا تزال معلّقة في المحاكم منذ ستين عاما، خاصة في ظل خشية البعض منهم من الحديث إلى الكاميرا.
ما نأمله بعد إنجاز هذا الفيلم -الذي قد يكون الأول الذي تناول موضوع الأحباس وتعقيداته في تونس، وهو ما يحسب لشبكة الجزيرة وبرنامج "تحت المجهر"- أن يفتح بابا للنقاش حول الأوقاف وأهميتها لرفد وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني، بدل أن يكون التعصب وراء رأي دون رأي حكما بيننا، كما يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور عادل بالكحلة إذ ينتقد التصلب في الرأي في موضوع الأحباس ويقول: "في تونس دائما تجد هناك مواقف إما أيدولوجية متعلمنة ورافضة مئة بالمئة، أو مواقف دينية تمجيدية لا تعترف بالنقد الذاتي".
عايد نبعة