تحت المجهر

من الرباط إلى القدس

سلطت الحلقة (معادة) الضوء على مسار علاقة المغرب بالقضية الفلسطينية على المستويين الشعبي والرسمي، وكذلك التعاطي مع إسرائيل في ضوء مشروع قانون تجريم التطبيع معها.

"من الرباط إلى القدس" هو رحلة عبر التاريخ والحاضر لمعالجة وثائقية لعلاقة المغاربة (يهودا ومسلمين) بفلسطين. فالمغاربة مرتبطون بالقضية الفلسطينية، لدرجة اعتبرت فيها قضية وطنية محلية، غير أن السنوات الأخيرة شهدت "انزياحا" عن هذا التعلق الوجداني بفلسطين بعقد بعض الفعاليات المدنية بشكل "تطبيع" مع إسرائيل، وهو ما أنتج تفاعلا سياسيا ومدنيا حول الموضوع.

إبراز هذه التفاعلات المدنية بين المطبعين إراديا والممانعين جعل الحاجة ماسة لتقريبها إلى المشاهد العربي بإنجاز حلقة لبرنامج "تحت المجهر" على شاشة الجزيرة الإخبارية تتيح إمكاناته الفنية والموضوعية فرصة لرصد مختلف التوجهات وأبعادها وتأثيرها في مسيرة التحرر الفلسطيني.

قبل البدء بالاشتغال على موضوع "التطبيع" بالمغرب كان النظر منصبا على اختيار ثلة من التقنيين تتوفر فيهم شروط إنجاح مثل هذا الفيلم الوثائقي، وباحثين بمواصفات تؤهلهم لمناقشة محاور موضوع التطبيع المختلفة والمتناقضة أحيانا، فقد ساهم فريق البحث العلمي في جعل الأفكار تتكامل وإن اختلفت، وهنا أشيد بجهود الزميل الصحافي لخلافة عبدلاوي المسؤول الأول عن البحث والإعداد العلمي في هذه الحلقة الذي كانت له بصمة خاصة في الإعداد ومقابلات الضيوف رغم تنوع مشاربهم الفكرية والسياسية.

كما شكلت مساهمة الإعلامية خديجة فلاحي في البحث عنصرا إضافيا لدفع الضيوف لتقديم أفضل ما لديهم من أفكار وطروحات حول الموضوع. وكان للأستاذة حفيظة المرزوقي دور مهم في التنسيق ومتابعة العمل من الفكرة إلى آخر لمسة فنية في الفيلم من دون إغفال تعاون الزميل عبد الرحمن لعوان.

"من الرباط إلى القدس" عمل وثائقي مثل نقلة نوعية لشركة "إبداع للإنتاج السمعي البصري"، إذ يختزل تجربة توضح منهج وإستراتيجية الشركة في توظيف علم الصورة لإيصال القيم الإنسانية إلى العقول والقلوب ليُبنى عليها فكر وسلوك إيجابي يكون خادما للإنسان، وهو ما حاولت الاشتغال عليه وتحقيقه لأسخر كل إمكانياتي الفنية ليخرج هذا العمل الجاد، والذي يتماشى مع جدية وأهداف برنامج "تحت المجهر" في أحسن حلة تقنيا وموضوعيا.

ومن سيشاهد هذه الحلقة سيلمس من دون شك هذا البعد وكذلك تفاعلي الوجداني مع فكرته الإنسانية والحضارية.

أما في ما يتعلق بالصعوبات -التي دائما ما تصاحب أي عمل إعلامي جاد- فكل الصعوبات تحولت إلى محفزات، ورغم انشغال بعض الضيوف بأعمالهم الخاصة بشكل أخر إنجاز بعض المقابلات في وقتها المبرمج، وكذا صعوبة تجميع الأرشيف المتعلق بالموضوع فإن فريق العمل ظل أكثر إصرارا وعزما على تجاوزها. وبالمناسبة، لا بد أن أؤكد على فائدة أراها أساسية في إنجاز أي عمل جاد وهي ضرورة توافق وانسجام فريق العمل، وهو ما تيسر لفيلم "من الرباط إلى القدس" بحمد الله، مما حول المعيقات إلى محفزات في التنفيذ.

وهنا أشير إلى واقعة حصلت أثناء التصوير، إذ كان الفريق في سفر إلى مدينة الحسيمة (شمال المغرب، تبعد عن الرباط مسافة480 كلم) لإجراء مقابلة مع أحد الضيوف المشاركين في ندوة للجمعية الأمازيغية لمساندة القضية الفلسطينية، ولم يتيسر حضور الضيف كما كان مقررا، فساد نوع من التوتر لدى فريق العمل، إلا أن يقيننا بأن الجهد لإنجاز العمل لن يضيع منحنا فرصة تسجيل مداخلة سفير فلسطين بالمغرب في الندوة، وجه من خلالها رسالة لأهل فلسطين يؤكد فيها تضامن أحرار العالم مع القضية، مما يتناسب مع رسالة الفيلم.

خلال مرحلة المونتاج كانت ثمة صعوبة في الاختيار بين نظرتين في إخراج الفيلم: الأولى ترى إمكانية جعل الخلاف بين الضيوف ظاهرا وحادا يتناسب مع السجال الذي يصاحب موضوع التطبيع بالمغرب، وأخرى تراعي ذكاء المتلقي أو المشاهد، وهو ما اخترته، فكان الذي مع التطبيع لا يحس بأن الرأي المخالف يصادر نظرته الخاصة للموضوع، وكذلك العكس، مع حرصي الشديد على التقاء جميع الضيوف في دائرة مشتركة وهي مناهضة كل غطرسة تصدر من الكيان الإسرائيلي في حق الفلسطينيين، وهو ما كنت وفيا له من البداية حتى نهاية الفيلم "الكل ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين". 

كما جاء تنظيم المسيرة التضامنية للشعب المغربي مع غزة ومقاومتها الأخيرة (الأحد 20 يوليو/تموز 2014) ليؤكد حجم تضامن جميع مكونات الشعب المغربي مع فلسطين.

وبهذا يكون فريق العمل قد وضع لبنة جديدة في توظيف علم الصورة، وتحقيق ما نجتهد من أجله، ونلخصه بـ"الفيلم الوثائقي وإستراتيجية الحل".

المخرج الطاهر العبدلاوي