تحت المجهر

اغتيال حلب

تسلط حلقة (18/3/2015) من برنامج “تحت المجهر” الضوء على معاناة سكان حلب السورية المحاصرة، من خلال شهادات مواطنين تمسكوا بالمكان وبذكرياتهم وأحلامهم، رغم الحصار والبراميل المتفجرة المتهاطلة عليهم.

في السينما الروائية يُبنى كل شيء ويعاد خلقه ليأتي على صورة الواقع، من وجهة نظر المؤلف الذي يبني عالمه كما يريد، من سرد الحكاية، إلى كل ما يلزم لقولها، إضاءة، وحركات كاميرا، وأداء ممثلين، وديكورات وإكسسوارات.

السينما الروائية إذن ترصد الحياة وتسجلها وتقول الحكاية كما أرادها السينمائي المؤلف، من خلال اللقطات المتتالية. أما الفيلم التسجيلي فيرصد الحياة ويسجلها كما هي، طازجة، عفوية، وتحتاج في الكثير من الأحيان لوجهة نظر محددة، لتأخذ أهميتها وترتقي لأن تكون سينما تسجيلية، بمعنى إعادة صياغة اللقطات أثناء التصوير، ثم أثناء تركيب الفيلم فمن من خلال التأليف (وجهة نظر المؤلف)  تكتسب السينما التسجيلية أهميتها.

شخصيا، أتعامل مع الفيلم التسجيلي كأنه فيلم روائي إذ اختار كل شيء وأعيد بناءه من جديد مع ضرورة الحفاظ على الصدق. شخصيات الفيلم، حركاتها أمام الكاميرا، ثم حركات الكاميرا، الأماكن، الأجواء العامة، الإضاءة وشكل اللقطات،  الموسيقى، الصمت، الحوارات  وكل ما يلزم لتروى الحكاية بشكل ترتقي بها من مجرد أن تكون انعكاساً للواقع، بل العمل على حل لغز هذا الواقع.

في فيلم "اغتيال حلب"عملنا منذ البداية على بناء وتطوير الموضوع، واختيار الشخصيات بدقة لتكون ملائمة لمضمون الحكاية ومقولة الفيلم الأساسية. لأجل ذلك أتت الشخصيات منوعة ومختلفة على المستويين الاجتماعي والمعرفي،  شخصيات ملونة ومتباينة في طريقة تفكيرها وعيشها وتناولها للواقع لتغطي جميع محاور الموضوع المطلوبة وتضيء جميع جوانب الفيلم.

اعتمد الفيلم على شخصيات حقيقية من قلب النسيج الاجتماعي السوري لمدينة حلب. ناس بسطاء، تاجر ومنشد وأستاذ وناشط مدني وجندي حر وطالب مدرسة، يجتمعون في اختيارهم ألا يغادروا مدينتهم برغم أمطار البراميل المتفجرة التي تنهال على رؤوسهم ليل نهار.

اعتمد الفيلم على البوح الحقيقي والعفوي لشخوصه وعلاقتها بالزمان والمكان،  فكان أن عملنا على خلق هذه العلاقة من خلال رصد المكان في الزمن، وتصوير معاناة الناس اليومية وصعوبة العيش ونقص موارد الحياة والقصف الهمجي للأحياء السكنية والمقاومة الشعبية المستمرة.

 المكان ممثل في البيت والشارع والمدرسة والمدينة، هو فضاء يمتزج مع نسمات الهواء، وضوء الشمس، وكل عناصر الحياة التي تجعل منه وطناً لا بديل عنه.

عملنا جميعنا منتجا ومخرجا ومصورين ومعدين على شكل الفيلم وطريقة التصوير الخاصة بهذا الموضوع وذلك من خلال ورشات عمل مكثفة نظمناها قبل التصوير طوال فترة التحضير والإعداد.

لقد اشتغلنا جاهدين مع فريق عمل بطولي استطاع أن يصور ولساعات طويلة في ظروف استثنائية تحت القصف والضرب والحصار، وما شاهدتموه من كادرات جميلة ونظيفة (تقنيا) لا يعلم غير الله ما كابدناه لتصويرها من صبر وعذاب وتفان وجلد في الإعداد والتصوير وبعدها تأمين نقل المواد من داخل حلب إلى أماكن أخرى أكثر أمنا.

كما قضى فريق العمل ساعات طويلة في انتظار الكهرباء ليتمكن من تحميل ساعات عديدة من المادة المصورة. والهدف وراء كل ذلك أن يصل صوت هؤلاء البشر الصامدين هناك في حلب إلى المشاهدين هنا وهناك. استغرق التصوير أشهرا طويلة استطعنا أن نغطي خلالها فصولا مختلفة من صيف وخريف وشتاء عملنا طوالها تحت أشعة الشمس وزخات المطر والثلوج، على أن يحمل الفيلم أمنية ضمنية في مضمونه وشكله بأن يكون الربيع قريباً ومزهراً وطويلاً.

اغتيال حلب ليس وثيقة تاريخية من قلب مدينة محاصرة وصامدة يرويها أهل المدينة وسكانها الأصيلين فحسب، بل هو صرخة أيضاً أمام عالم صامت وعاجز عن إيقاف آلة التدمير الهمجية لنظام لا يرحم ولا يتوانى عن تدمير إحدى أهم وأقدم مدن العالم لمجرد أن أهلها رفضوا ذل سنوات طويلة وانتفضوا بوجهه مطالبين بالحرية والحق في الحياة بكرامة.

كلمة فريق العمل