مدارس دون سقف
ولدت فكرة حلقة "تحت المجهر" التي تحمل عنوان "مدارس بلا سقف" من الحاجة الملحة إلى تسليط الضوء على مشاكل إنسانية وحياتية عميقة يعاني منها النازحون السوريون، ومن بينها بالطبع قضية تعليم الأبناء.
بدأ العمل من خلال بحث جوانب هذه القضية في لبنان فقط، وفي مرحلة ثانية امتد البحث والعمل إلى الأردن التي أقيم على أرضها أكبر مخيم للنازحين السوريين: مخيم الزعتري.
تكاثفت عوامل البؤس لتزيد محنة السوريين اشتداداً، من ظروف الطقس القاسية، إلى الوضع الاقتصادي السيء مروراً بتزايد أعداد النازحين، وكلها عوامل جعلتهم يعيشون واحدة من أسوأ المراحل في شتاء وربيع عام 2015.
قضية التدريس، تحولت إلى قصص لبنات وأولاد شكلت أساس فيلم وثائقي مثلت فيه كل قصة قضية ومحورا يرتبط بعضها ببعض. أبطال وبطلات حلقة "مدارس بلا سقف" كلهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و16 ، حكوا قصصهم وقصص نزوح ومخيمات ومدارس بلا سقف.
خصصنا مرحلة طويلة من مرحلة الإعداد للفيلم للبحث وعمليات الإنتاج ما قبل التصوير في كل من الأردن ولبنان، وفي تلك المرحلة قمنا باختيار الشخصيات الأنسب للفيلم وموضوعه. كانت تلك عملية ممتعة، فالتواصل مع الأولاد والبحث عن شخصيات الفيلم بينهم أغنى العمل، لكنها كانت، بالمقابل، المرحلة الأصعب في عملية الإنتاج.
كان لزاما علينا أن نبذل جهدا كبيرا لكسر الجليد وإقامة علاقات متينة مع النازحين الصغار. كان الحذر مسيطرا على الأولاد وأهاليهم، وكانوا يرفضون الظهور وعرض حالاتهم، خاصة أولئك الذين يعيشون فقراً مدقعاً. الأولاد أنفسهم كانوا يعانون من آثار صدمات الحرب والنزوح، وهي معاناة يمكن فهمها وتلمسها من خلال التلعثم في الكلام والصعوبة في التعبير عن الذات، حيث كان ردودهم على أسئلتنا إجابات مكررة وبجملٍ قصيرة جداً.
جهِدنا لطمأنه شخصياتنا، ومساعدتها على التعبير بوضوح عن قصصها، واضطررنا مراراً إلى الاستغناء عن قصص معبرة أبدى أصحابها، عند التصوير، تراجعا وتمنعا عن الحديث أو ضعفا في التعبير، ليتم استبدالهم بآخرين أكثر قدرة على الكلام والحكي.
حلقة "مدارس بلا سقف" تجربة مميزة بالنسبة لي كمخرجة، فهي المرة الأولى التي أتعامل فيها مع أطفال كانوا أبطال الفيلم، بل إنهم هم شخصيات العمل الرئيسة، يُضاف إليهم أربعة راشدين يظهرون كشخصيات ثانوية في هذا الوثائقي.
تجربة غنية
"مدارس بلا سقف" هو فيلم عن أطفال، وبلسان الأطفال، وهو بهذا المعنى فيلم أفتخر به في مسيرتي. أفتخر بهذه التجربة الغنية التي لامست فيها، أنا وفريق العمل كله، مستويات عميقة في البحث في ذات شخصياتنا، في مسعى لفهم وتخيل مستقبل الشخصيات التي تحملت ولا تزال صدمات الحرب والنزوح ، وواجهت في سن مبكرة صعوبات الحياة التي تعتبر عمالة الأطفال وجها من أوجهها.
كانت التجربة غنية، لأن هؤلاء الصغار قدموا لي ولفريق العمل دروساً مهمة في التشبت بالأمل رغم قساوة ظروف العيش.
آمل أن يلعب الفيلم دوره في دق ناقوس الإنذار بالنسبة لمختلف الأطراف لدعم وحماية الأطفال السوريين الذين سُرقت منهم طفولتهم وتُركوا وحيدين في مواجهة قساوة الواقع قبل الأوان.
المخرجة: ميرنا شبارو