تحت المجهر

"عالقون في اليمن" الصوماليون بين جحيمين

هربوا من بلدهم الصومال الذي دمرته الحروب الأهلية إلى اليمن أقرب بلد لهم، فلا هم تمكنوا من الوصول إلى الدول الخليجية المجاورة، ولا هم وجدوا حياة كريمة لهم ولأبنائهم.

بدأت رحلة احتكاكي بفكرة فيلم "عالقون في اليمن" عند قراءتي للمادة البحثية الأولية الخاصة بالفيلم التي احتوت على شرح للأوضاع التي يعيشها اللاجئون الصوماليون على الأراضي اليمنية، وجذبتني وقتها القصص الإنسانية التي تعبر عن حجم معاناتهم ومحاولاتهم التشبث بأي أمل، مهما كان بسيطا، في الحياة.

ومن ثم انطلق فريق العمل لمعاينة الواقع على الأرض، فزرنا الشواطئ ومخيم خرز والمناطق التي يعيش فيها الصوماليون، والتقينا عددا من المنظمات الإنسانية التي تعمل على خدمة اللاجئين.

سمعنا من بعض اللاجئين الصوماليين، الذين يعيشون على الأراضي اليمنية، قصصاً كثيرةً لم تحظَ بمتابعة إعلامية تظهر حجم المعاناة التي يعيشونها، وهذا ما زاد اهتمامنا بالقضية أكثر فاكثر.

استغرقت عمليات البحث والتطوير للاستقرار على أفضل القصص المعبرة أكثر عن حجم معاناة اللاجئين الصوماليين على الأراضي اليمنية سبعة أشهر، بدأنا بعدها في محاولة عكس هذه المعاناة وتوثيقها وإبرازها من كافة جوانبها. وكان لزاما علينا إستخراج التصاريح اللازمة والتنسيق مع السلطات الأمنية، وكذا المفوضية المعنية بهؤلاء اللاجئين، لبدء مراحل التصوير في اليمن والصومال.

وشكلت الظروف الأمنية السيئة التي يعيشها البلدان أبرز التحديات التي واجهت فريق العمل ، حيث بذلنا جهداً كبيراً في إنتاج هذا الفيلم، وحاولنا كفريق الوصول إلى أكثر الشخصيات قرباً وتعبيرا عن هذه القضية، إن كان على مستوى القصص الشخصية وتتبع الحالات، أو كان على مستوى المعنيين بقضايا حقوق الإنسان ومسؤولي المفوضية والجمعيات المختلفة العاملة مع اللاجئين.

صورنا الفيلم على مدار شهر كامل ، غطينا فيه ما يقارب (80 – 90%)  من الساحل اليمني لرصد آلام وآمال هؤلاء الصوماليين منذ لحظة وصولهم على متن القوارب ضمن النقاط المختلفة التي يصلون إليها، وانتقالهم إلى المدن اليمنية ومنها إلى مخيم خرز والمناطق الحضرية وصولا إلى الحدود السعودية. وكان هذا من أكبر التحديات التي واجهتنا، أي الانتقال بين المناطق المختلفة، بسبب انتشار قطاع الطرق بها.

تعتبر معظم المناطق الساحلية اليمنية مناطق عسكرية، فكان لزاما علينا الحصول على الكثير من التصاريح. أُوقفنا التصوير عدة مرات ووقعت بعض الإشكالات مع بعض القيادات حتى يسمح لنا التصوير، لكننا سجلنا، بشكل عام تعاونا من قبل الحكومة اليمنية، والمنظمات المعنية لتسهيل مهمتنا في التصوير، بالرغم من اضطرارنا إلى التواصل مع كل محافظة يمنية على حدة.

ولأن الفيلم يتناول هذه القضية من خلال تتبع القصص، فقد تطلب ذلك الكثير من الوقت لانتظار وصول اللاجئين مع عدم معرفة النقاط التي يصلون عبرها، حيث أنهم يصلون عن طريق التهريب إلى نقاط مختلفة كل مرة، لكننا تمكنا في الأخير من تصوير لحظات الوصول إلى الشواطئ اليمنية.

تطلب تخوف اللاجئين من الإعلام جهداً إضافياً لإقناعهم بالتصوير للتمكن من إيصال صورة الواقع بأفضل قدر ممكن، كما أن تجمهرهم أمام الكاميرا خلق صعوبة في التقاط صور طبيعية تظهر نمط حياتهم اليومية المعتادة.

واجهنا صعوبة أيضا في التصوير مع أحد المُهرِبين حيث كنا نسعى للوقوف بشكل قريب على كيفية تعامل هؤلاء المهربين مع اللاجئين بما فيها طرق التعذيب التي يلجؤون إليها. تطلب ذلك وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً للوصول إليهم وتسجيل شهاداتهم وتصوير أماكن احتجاز الصوماليين وتعذيبهم. وفي سبيل ذلك تعرض فريق عملنا في بوصاصو بالصومال إلى إطلاق النار أثناء التصوير ونجا بصعوبة.

كما أن وجودنا في مناطق عسكرية وعدم اعتياد الناس على تقنية التصوير بالطائرة لم يسمح لنا باعتماد معالجة بصرية جديدة تستخدم تقنية التصوير من أعلى. لكننا استطعنا أخيراً، وعلى مدار الشهر الذي استغرقه التصوير، ورغم كل العقبات المناطقية والمسافات الكبيرة المقطوعة والمخاطر الأمنية ، الإلمام بأكثر الجوانب أهمية في قضية اللاجئين الصوماليين العالقين بالأراضي اليمنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المخرج محمد عمر