تحت المجهر

رياضة نظيفة.. أبطال سقطوا في فخ المنشطات

شكلت قضية العداء الكندي بن جونسون الحلقة الأشهر في مسلسل سقوط أبطال الرياضة العالمية في فخ تعاطي المنشطات، وهو الموضوع الذي تناقشه حلقة 18/6/2014 من برنامج “تحت المجهر”.

كانت البداية المحفزة للبحث عن إمكانية إنجاز فيلم وثائقي يعالج مضار المنشطات في المجال الرياضي بقراءتي صدفة مقالا يتناول حالة اللاعبين الجزائريين المنتمين للنخبة الوطنية لكرة القدم سنوات ثمانينيات القرن الماضي، الذين اتهموا اتحادهم المحلي بإعطائهم منشطات دون علمهم طوال سنوات الممارسة الكروية التي توجوها بألقاب وبطولات ومشاركة مشرفة بكأس العالم 1982.

النتيجة، وفق قول اللاعبين، ولادات لأبناء معاقين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. لم يكن بالإمكان أن يمر موضوع كهذا دون أن يحرك في القارئ فضولا لمعرفة تفاصيل أكثر، وفي تحويل هذه القصة المأساوية إلى فيلم. من هنا جاءت فكرة البحث عن المضار الصحية التي تواجه الرياضيين المتعاطين للمنشطات، رغبة في دق ناقوس الخطر بالنظر إلى ما قرأته بعدها عن حالات وفاة أو إعاقة دائمة أصابت شبابا بمقتبل العمر لا يدركون خطورة الفعل الذي يقدمون عليه.

كان المؤتمر الدولي الرابع للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا) الذي نظم بجوهانسبرغ بجنوب أفريقيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي فرصة لائقة للقاء الفاعلين بالمجال على المستوى العالمي وعلى رأسهم جون فاهي، الرئيس السابق للوكالة الذي انتهت ولايته الثانية باختتام أعمال المؤتمر.

كما شكل المؤتمر فرصة لنقل النقاشات الهامة التي بدأت منذ سنوات بين مختلف المتدخلين بميدان مكافحة المنشطات، وأفضت إلى القانون المعدل لـ وادا الذي أقر في المؤتمر باعتبار ذاك النقاش ملخصا لما يعتمل بالأوساط الرياضية العالمية، ومؤشرا على حجم الظاهرة ومدى إيمان العالم وانخراطه الفعلي في محاربتها.

لم يكن بالإمكان التطرق للمنشطات دون إفراد جزء هام من الفيلم للوطن العربي. وكانت التجربة المغربية، التي عرفت بنتائجها الرياضية الكبيرة بالبطولات العالمية، محورا هاما في التجربة العربية بالنظر إلى تسجيل البلد حالات تعاطي إيجابية بلغ صداها المحفل الدولي أيضا. وتكتسي التجربة المغربية أهميتها من المآل الذي وصلته من انحسار للنتائج وتصاعد لعدد حالات التعاطي الذي اختاره الرياضيون سبيلا أقصر إلى النتائج الإيجابية بما يحمله ذلك من أخطار صحية وأخطار متعلقة بالسقوط في الاختبارات المفاجئة التي تجرى خلال المنافسات وخارجها. والنتيجة تلطخ سمعة الرياضة المغربية بعد أن كانت مثالا عربيا فريدا في تحقيق الإنجاز دوليا.

وبالبحث المتواصل في الموضوع، وجدنا كيف أن المنشطات صارت سلاحا في الحرب السورية يتبادل أطراف الصراع فيها التهم بالاتجار فيها لشراء السلاح وتزويد الجنود والمقاتلين بها لمساعدتهم على تحمل فصول الصراع الدامي. لكن المفاجأة تمثلت أيضا في فضيحة خيول إسطبلات غودولفين البريطانية المملوكة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، التي تناولتها وسائل الإعلام باهتمام كبير، حيث تم توقيف مدرب الخيول هناك محمد الزرعوني لثبوت إعطائه الخيول منشطات لتحسين الأداء، وهو ما ألقى بظلاله على صدقية النتائج التي حققتها خيول غودولفين طوال سنوات، ما حدا بحاكم دبي إلى إغلاق الإسطبلات والدفع بحملة علاقات عامة كبيرة لتفادي آثار "القضية" وتداعياتها.

خلال مراحل التصوير، واجهتنا صعوبة إقناع لاعبين تورطوا في تعاطي المنشطات للحديث أمام الكاميرا. وحده بطل الجودو المغربي قبِل الحديث إلينا ليروي قصته مع المنشطات خلال دورة الألعاب العربية الـ11 المقامة بالدوحة عام 2011 حيث أدى تناوله لمكمل غذائي إلى سحب الميدالية الذهبية منه، لكن قناعة لجنة العقوبات ببراءته جعلتها توقع عليه عقوبة مخففة لم تتجاوز الشهرين. غيره امتنع الكثيرون عن الحديث بمن فيهم مسؤولون رسميون حاليون وسابقون تلقينا منهم وعدا بالمشاركة قبل أن تتحول هواتفهم وهواتف مستشاريهم إلى هواتف صماء ترن دون مجيب.

لكننا صدمنا من امتناع لاعبيْن جزائريين اثنين عن الحديث إلى الجزيرة رغم اتفاقنا المسبق معهما. وهو أمر مثير للدهشة والاستغراب خصوصا وأن قضيتهما تم تداولها كثيرا في وسائل إعلامية أخرى. لكنها كانت ستكون المرة الأولى التي يجري الحديث عنها في فيلم وثائقي. وبالرغم من أن الموضوع لا يزال محرما في كثير من البلدان العربية ولدى الفاعلين الرياضيين والسياسيين، فقد تمكنا من الإحاطة بجوانب كثيرة من الوضع العام بالدول العربية ومدى تجذر ظاهرة تعاطي المنشطات بها.

الخلاصة أن موضوع المنشطات في الرياضة وخارجها موضوع متشعب يحتاج إلى تسليط الضوء على مختلف جوانبه، بما يخدم تأسيس بيئة تنافسية رياضية شريفة تحقيقا لمبدأ الرياضة النظيفة.

أوشن طارق، منتج في فريق برنامج "تحت المجهر"

إعلان
المصدر : الجزيرة