تحت المجهر

ضد العسكر.. ضد عبود

رغم أنه وضع نهاية للديمقراطية السودانية الوليدة، إلا أن الجماهير انقلبت عليه وأجبرته على التنحي، إنه الفريق إبراهيم عبّود (1958- 1964) الذي سلطت حلقة 3/10/2014 الضوء على فترة حكمه.

بعد عامين من استقلال السودان انتهى عمر الحكومة الديمقراطية الأولى وبدأ حكم العسكر، كان ذلك في 18 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1958 حين أعلن الفريق إبراهيم عبود -الرجل الأول في المؤسسة العسكرية في السودان آنذاك- استيلاءه على الحكم. لكن المظاهرات أجبرته على التنحي عام 1965.

بعد إعلانه عن تشكيل المجلس العسكري، أصدر عبود جملة من القرارات والمراسم حل بموجبها الأحزاب السياسية كلها ومنعها من ممارسة العمل وصادر دورها وضيّق على حرية الصحافة.  

ويقول يوسف حسين للحلقة المعادة من برنامج "تحت المجهر" إن السلطة الانقلابية ضربت الحريات السياسية والنقابية والصحفية، وبدأت في محاكمة عدد من الناس في النقابات.  

غير أن نظام عبود العسكري -ورغم صرامته- لم يستطع أن يمنع الانفلاتات داخل المؤسسة العسكرية فبدأ التململ داخلها، وشهد مارس/آذار عام 1959 أول محاولة انقلابية على نظام عبود، ثم تنوعت أدوات مقاومة النظام العسكري بالمذكرات والإضرابات وصولا إلى أولى المظاهرات الجماهيرية احتجاجا على قرار تهجير أهالي حلفا أقصى شمال السودان بموجب اتفاقية إنشاء السد العالي بين مصر والسودان.

وليس غريبا أن يبدأ النشاط المدني ضد العسكر في الجامعات وتحديدا من طلاب جامعة الخرطوم الذين صاروا فيما بعد أساس ثورة أكتوبر عام 1964.     

وقد أدت جملة التطورات التي حدثت في السودان إلى تغير موقف حزب الأمة -أكبر القوى السياسية آنذاك والذي أيد نظام عبود في البداية- إلى مطالبته في عام 1960 العسكر بتسليم السلطة للمدنيين. مع العلم أنه بعيد انقلاب عبود صدرت عدة بيانات من قيادات سياسية ودينية سودانية تؤيد الانقلاب، بينما عارض الحزب الشيوعي الانقلاب علناً.

والتفت القوى السياسية حول الإمام الصديق المهدي وبدأت تنظم صفوفها، وحاول النظام التفاوض معه لكنه رفض التنازل. وبحسب ربيع حسن، ففي ذلك الوقت كان اليسار بقيادة الحزب الشيوعي يبحث في خطوط التقاء مع نظام عبود. وقرر عام 1962 الانسلاخ عن جبهة الأحزاب ليتحول من المعارضة إلى مهادنة النظام ومحاولة المشاركة في صنع القرار.

على صعيد جنوب السودان يعتبر عام 1962 مفصليا هاما في مواجهته للنظام الذي لم تكن له سياسة واضحة تجاه خصوصية الجنوب.

ويقول الخبير الإستراتيجي، محمد حسين أبو صالح إن نظام عبود لم يتعامل بحكمة مع الجنوب الذي توجد به مصالح إستراتيجية غربية. أما زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي فأكد في ندوة في جامعة الخرطوم أنّ ثمّة ظروفا قادت الجنوب إلى التمرد وأن حل مشكلات البلاد يكمن في ذهاب النظام العسكري ورجوع الجيش إلى ثكناته.

شرارة الثورة 
بدأ الطلاب العزل في الجامعات يواجهون قمع النظام وجهاً لوجه، ولأول مرة استخدمت الشرطة الرصاص الحي فسقط طالب كلية العلوم أحمد القرشي شهيداً ليعرف في كتب التاريخ لاحقاً بأول شهيد لثورة أكتوبر/تشرين الأول عام 1964 للميلاد.

وتحول تشييع الطالب أحمد القرشي إلى مظاهرة مهيبة يتقدمها القادة السياسيون، وتبعتها مظاهرات واحتجاجات عمت جميع مدن السودان وطالبت برحيل النظام، وفي الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول تدافع آلاف السودانيين إلى القصر مطالبين الفريق عبود بالتنحي، فتصدى لهم الحرس الجمهوري وسقط 22 من الشهداء و19 من الجرحى.

واستمرت المظاهرات حتى مارس/آذار عام 1965 وارتفع سقف مطالب الجماهير من حل المجلس العسكري إلى إزاحة الفريق عبود عن رأس الدولة وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على إجراء انتخابات ديمقراطية، وهكذا أجبر الفريق إبراهيم عبود على إعلان تنحيه.

ويصف القيادي بحزب البعث العربي الإشتراكي محمد علي جادين ثورة أكتوبر بأنها أكبر حدث سياسي بعد الاستقلال، بينما تقول القيادية بحزب الأمة مريم الصادق المهدي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، "هذا درس قوي وفعلي وعملي أكدته وأظهرته وجددته مرة أخرى ثورة أكتوبر".