صورة عامة - تحت المجهر - المساء الأخير .. واقع الموريسكيين الأسبان - 26/8/2010
تحت المجهر

المساء الأخير.. واقع الموريسكيين الإسبان

تتناول الحلقة قصة الموريسكيين الذين أجبروا على التنصر منذ خمسمائة عام ولم يبق من آثارها إلا نتائجها التي استحكمت بالأندلسيين جيلا بعد جيل.

 

– اتفاقيات لا تحترم ومحاولات إبادة
– قصص الصمود والحفاظ على العقيدة

– حين يحكي الفن قصص التاريخ

– الأندلس بلد المساجد والكنائس

 أليسيا دي لائيغرا
 أليسيا دي لائيغرا
منصور إسكوديرو
منصور إسكوديرو
 محمد رزوق
 محمد رزوق
 أنطونيو منويل
 أنطونيو منويل
عبد الصمد أنطونيو
عبد الصمد أنطونيو
عبد الحفيظ أليزو
عبد الحفيظ أليزو

 [معلومات مكتوبة]

1085 سقوط طليطلة

1236 سقوط قرطبة

1492 سقوط غرناطة

1609 تراجيدية الطرد

هل تبقى لهم أشياء من حاضرهم

حتى يمروا غدا قرب ماضيهم…

[نهاية المعلومات المكتوبة]


عبد الصمد أنطونيو روميرو: سبب إسلامي يعني هو كان الدعاء المستجيب لأجدادنا.

اتفاقيات لا تحترم ومحاولات إبادة


عبد القادر بلعيسى: يدور التاريخ دورته تاركا آثارا عميقة بتجربة تاريخية وإنسانية معقدة بالأندلس. النهايات تأسر البدايات وللزمان مسرات وأحزان، المتجول في شوارع مدن الأندلس يدرك بيسر أن محنة الموريسكيين الذين أجبروا على التنصر منذ خمسمئة عام لم يبق من آثارها إلا نتائجها التي استحكمت بالأندلسيين جيلا بعد جيل، لكن غرناطة بدرتها الحمراء قدرها أن تظل حبيسة الفكرة وهي تطل من وراء دموع المرافي متشحة بحمرة مسائها الأخير.


أليسيا دي لائيغيرا رودريغز/ أستاذة في التاريخ: عندما تمت المصادقة على اتفاقية سانتافي التي وقعها الملك فرناندو والملكة إيزابيل كان من بين ما اتفق عليه بناء علاقات حسنة بين الأقليات المسلمة الموجودة في غرناطة والحكم المركزي بإسبانيا تلك الأقلية التي أطلق عليها اسم الموذيخاريس أي المدجنين وكان يسمح لهم بحق ممارسة شعائرهم الدينية والتكلم بلغتهم الأصلية وإحياء تقاليدهم وأعرافهم، حتى إنه تم التوصل إلى إنشاء محاكم مدنية مختلطة مكونة من قضاة مسلمين وآخرين تابعين لعرش الكستيه.


منصور إسكوديرو/ رئيس الرابطة الإسلامية الإسبانية: ماذا حدث بعد بضع سنوات؟ لم يحترم الملوك الكاثوليك هذا الاتفاق فبدأت ملاحقات شديدة للمسلمين انتهت بإبادة حقيقية فقد كان عليهم إما مغادرة البلاد الإسبانية أو الدخول في الدين المسيحي مرغمين.


عبد القادر بلعيسى: كان زواج الملك فرديناند والملكة إيزابيلا حدثا تاريخيا أفضى إلى توحيد إسبانيا المسيحية ضد أبي عبد الله حاكم غرناطة، تلك الوحدة ما كانت لتكتمل إلا بسقوط غرناطة بعد صمود دام شهورا وتوقيع معاهدة التسليم التي نصت على احترام حقوق الأقلية المسلمة، وهي أحدث ما زال الإسبان يحتفلون بها في كثير من مدن الأندلس حيث يشاركون في عروض تنفيذ المعارك التي دارت بين المسيحيين الكاثوليك والأندلسيين المسلمين، معارك رفع إثرها العلم الكاثوليكي على برج قصر الحمراء إيذانا بسقوط غرناطة، ومع هذا السقوط كان العالم على مفترق الطرق يعلن نهاية تاريخ وبداية آخر لا زلنا نعيشه حتى اليوم ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى نقض الملوك الكاثوليك المعاهدة وقادوا حملات مطاردة وتفتيش ضد الأندلسيين وأرغموهم على التنصر، هي قصة مؤلمة ما زالت صورها معروضة على جدران مصلى كاتدرائية غرناطة منحوتات تجعلك ترى الأسى عميقا على وجوه الرجال والنساء لحظة محنة التعميد.


محمد رزوق/ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء: هذه الاتفاقيات في الحقيقة ما هي إلا في نظر الإسبان تهدئة للخواطر ريثما يتم التخطيط الكامل لإجلاء حميع الأندلسيين من غرناطة أو أن يدمجوا إدماجا كليا في المجتمع الإسباني أي إلغاء الهوية العربية الإسلامية لهؤلاء وهذا ما رفضه هؤلاء الأندلسيون رفضا قاطعا.


أليسيا دي لائيغيرا رودريغز: إذا كان هناك من أحد يجب أن يتحمل مسؤولية ما حدث فسيكون هو الكاردينال سيثميلوس لأنه كان على اطلاع تام بكل ما يجري من خروقات لبنود الاتفاقية بغرناطة وضواحيها.


محمد رزوق: أول جريمة ثقافية كبرى قام بها الكاردينال هو أنه قام بتجميع آلاف الكتب العربية الإسلامية في ساحة باب الرملة في غرناطة وقام بإحراقها، وحسب الدارسين والباحثين فإن هذه الآلاف من المخطوطات والكتب لم ينج منها إلى ثلاثمئة مخطوط فقط بحيث إن الأندلس التي كما نعلم كانت بلد الحضارة العربية الإسلامية البلد الذي أعطى بإشعاعه العلم إلى أوروبا الآن تدمر حضارته يدمر تراثه، وليس هذا فقط، قاموا بتحويل المساجد إلى كنائس قاموا بانتزاع الأراضي من الأندلسيين قاموا بفرض ضرائب مجحفة في حق هؤلاء.


عبد القادر بلعيسى: لم يستسلم الأندلسيون لقرارات الإسبان بل انتفضوا بثورة كبرى عام 1499 ميلادية بحي البيازين تجمع فيها مئات من الأندلسيين في رد فعل مقاوم ضد نقض الإسبان جميع المعاهدات وإصرارهم على مخطط الإبادة.


محمد رزوق: الأندلسيون لم يستسلموا، فقاموا بثورة أخرى ثورة البخارس في 1501 هذه الثورة أيضا كانت هامة وقاوم فيها الأندلسيون مقاومة شديدة وفعالة، وأشير هنا إلى نقطة هامة أن هذه المقاومة لم تكن فقط لمطلب آني بل إن الأندلسيين حاولوا خلق كيان مستقل تماما عن الإسبان بل أسسوا شبه حكومة أندلسية تتفاوض باسمهم ورفضوا جميع القرارات التي فرضت عليهم من طرف الإسبان، وقاوموا في الجبال جبال البخارس كما نعلم تقع في جنوبي غرناطة ولكن أيضا رد الفعل الإسباني كان قويا.


عبد القادر بلعيسى: هذه غاليرا بلدة صغيرة ذات البيوت المحفورة في الصخر عنوان عنيف من عناوين تراجيديا الموريسكيين، كانت غاليرا ملاذا جغرافيا وحصنا منيعا يضم مئات المقاتلين من الرجال والنساء الذي أبدوا مقاومة شديدة ضد الجيش الإسباني لذلك احتمى بها من ظل من الأندلسيين في المناطق المجاورة. في هذه القرية الصغيرة جرت مواجهات ضارية بين المقاومة الأندلسية والجيش الإسباني جسد فيها الأندلسيون صمودا ملحميا قويا على الرغم من قلة إمكانياتهم مقارنة بالجيش الإسباني الذي أخفق عدة مرات فلجأ إلى طلب مساعدات ضخمة في الجيش والعتاد وتمكن من دخول القرية وإبادة مقاتليها وأهلها، بعد هذه الأحداث وخشية من استمرار قوة قضية الموريسكيين الذين كانوا يتزايدون في العدد بكثرة دخل الأندلسيون تجربة جديدة من المعاناة وضيق عليهم الإسبان الأرض بما رحبت.


محمد رزوق: في عهد فيليب الثالث بأنه كما نعلم جميعا هي المرحلة التي سيصدر فيها القرار المشؤوم قرار 4 أبريل سنة 1609، الذي يقضي بنفي جميع الموريسكيين خارج ديار إسبانيا. من طبيعية الحال المسيحيين عاديين كباقي الإسبان ولكن هو يتذكر أنه ينتمي إلى العائلة الفلانية الموريسكية وكذا أو كذا يعني حافظوا على جزء من تراثهم فقط، بعض العادات بعض التقاليد المعمار غير ذلك، بعد مرور مئات السنين سوف يندثر كل شيء.

قصص الصمود والحفاظ على العقيدة


عبد القادر بلعيسى: "باكيطا" شخصية إسبانية من أصول موريسكية مثقفة وعضو في جمعية ابن العريف العالم الصوفي الأندلسي الشهير، تروي بعشق حكايا الأجداد وتتطلع إلى ألا يمحو زوال العرب السياسي بالأندلس عمق الشخصية الإسبانية الأندلسية.


فرانسيسكا ديلكارمن سانتيش "باكيطا"/ كاتبة وعضوة في الجمعية الثقافية ابن العريف بالميريا: لم أكن أعلم أنه الإسلام حتى بلغت سنا معينة فبدأت أقرأ وألاحظ فقلت مع نفسي إني كنت مسلمة طوال حياتي إلا أنني لم أشعر بذلك حتى اللحظة بعد ذلك صرت أعيش من جديد بشكل من الأشكال أمرا عجيبا، كان يبدو لك من قبل أمرا اعتياديا كان هو حياتك المعيشة حتى ظننت أن الجميع كان على هذه الحالة.


عبد القادر بلعيسى: عبد الصمد أنطونيو روميرو عميد كلية الدراسات الأندلسية بإسبانيا وعضو جميعة وقف مسجد غرناطة شخصية فكرية ومدنية إسبانية عامة وقصة موريسكية حية ما زالت فصولها تروى إلى الآن.


عبد الصمد أنطونيو روميرو/ عميد كلية الدراسات الأندلسية بإسبانيا: أنا عمري الآن 55 سنة وأنا أتكلم عما رأيته حين كنت صغيرا وهذا غير موجود في الكتب وإنما عرفته بنفسي. حقيقة منذ زمن فرانكو كان الناس إلى هذه المرحلة في مناطق خاصة يحافظون على الدين إلى درجة كانت في بيوتهم أمكنة للخمر ولحم الخنزير ولكن الحقيقة أن هذه البيوت كانت أمكنة للصلاة أي مصلى. إن السبب الأول لدخول الناس في الغار هو أنه يتوفر على ماء عذب نستفيد منه كان ذلك داخل فضاء صغير، والسبب الثاني أن للغار جهة ثانية تحتوي على فضاء كبير، كان ذلك داخل غرفة صغيرة وفي الجهة الثانية كانت هناك غرفة كبيرة وكان الناس الذين يعرفون كيفية الوضوء والغسل يلجؤون إلى هذا المكان قبل صلاة الجمعة وكذلك الذين كانوا يشكون في صحة وضوئهم أو شيء من هذا القبيل يدخلون إلى هذا المكان ليتعلموا على أيدي الأئمة طريقة الوضوء المضبوطة والنظافة قبل الصلاة.


عبد القادر بلعيسى: إن عبور قصص إخفاء المعتقد الديني إلى ذاكرة كثير من ذوي الأصول الموريسكية لم يحجب مشهد البيان المتدفق لثقافة العمران وبهاء الأحياء والأزقة والمروج والمرتفعات المزدهية والأسوار والأقوسة والفنون والألوان ذات الأسرار الأندلسية إن زائر أجواء هذه المآثر وأرجاء عرصاتها يحس أنه أمام رسالة بصرية تبلغه بخفق حيوي متواصل أن عباءة الأندلس لم تسل كل أيامها بعد.


أنطونيو منويل رودريغز زاموس/ أستاذ بجامعة قرطبة: لا زالت البصمة الموريسكية ظاهرة للعيان في الحياة الإيبيرية ليس فيما يمكن أن نراه أو نسمعه فقط بل تلك البصمة التي لا يمكن أن نراها وتوجد في روحنا وفي كل ما هو حميم وإنساني.


عبد الكريم كراسكو/ نائب رئيس الرابطة الإسلامية الإسبانية: عند التحول الإسباني الذي حدث بعد موت فرانكو اكتشف الناس أن ما كان يمارسه بعض أفراد عائلاتهم من طقوس في بيوتهم له علاقة بما يقوم به المسلمون وهناك قصص كثيرة قد تحسبها من نسج الخيال أو الأساطير ولكنها حقيقية وهناك شواهد كثيرة على ذلك.


فرانسيسكا ديلكارمن سانتيش "باكيطا": في هذا الحال ليس المهم ما يحكى أو ما يقال ولكن المهم ما عشته في صغرك، فمثلا قد تكون في بيتك تأكل نوعا معينا من الأكل كما قد تأتي أيام الصوم ولا نعرف عددها أهي ثلاثون أم أربعون يوما، هذا ما يجعلك تحس أن عائلتك تختلف فعلا عن باقي العائلات في الخارج وتدرك في الأخير أن لكل عائلة جزءا خفيا خاصا بها، ففي حالة أن مرض أحدنا مرضا شديدا كنا نسارع إلى من يعرف تلك الكلمة وكأنها كلمة سحرية وغامضة يهمس بها في أذن المريض وهذه الكلمة كانت "لا إله إلا الله" فإذا تقبلها المريض يشفى تماما بكل تأكيد، هذه الجملة لم يكن يدرك معناها بالضبط ومع مرور الزمن ظلت كوصفة سحرية وهي لا زالت كذلك حقيقة.


عبد الصمد أنطونيو روميرو: سنة 1986 وهي السنة التي أسلم فيها أخي الدكتور عبد الرحيم كنت أدرس العبادات وكيفية الصلاة هنا بجانب البيت وفي اليوم التالي سألت أمي أخي عبد الرحيم: كيف يدرسك أخوك أنطونيو هذه الأشياء؟ وما معنى ذلك؟ فأجابها أخي: تلك هي الصلاة في الإسلام وطريقة العبادات والتقرب إلى الله وصار يفسر لها معاني كل حركة في الصلاة وفي الأخير بدأت أمي تبكي وقالت له إنها حين كانت صغيرة هنا في هذا المكان نفسه كانت تدخل مع جدها إلى غرفة نومه وكان تراه عدة مرات يستيقظ في الصباح الباكر ويقوم بالشيء نفسه يتوضأ ويؤدي نفس الحركات ثم يأخذ غطاء نظيفا ويقف جهة القبلة ثم يصلي، وهي صغيرة كانت تنظر إليه من تحت الغطاء لكنه لم يحدثها عن معنى ذلك.


عبد الكريم كراسكو: تلك حكايات ذات بعد إسلامي تدرك معها أن الإسلام لم يغادر هذه الأرض في يوم من الأيام رغم كل المضايقات والملاحقات التي تعرض لها من بقي من المسلمين، لما عرفت إسبانيا الحرية والديمقراطية استطاع الإسلام الظهور علانية واستطاع الناس أن يعتنقوه بكل حرية فنسجت بذلك صلة بين تاريخها الإسلامي وحاضرها.


أنطونيو منويل رودريغز زاموس: الموريسكيون المعروفون بالمسلمين ظلوا بشبه الجزيرة بعد الجلاء، قاموا بجهود جبارة للحفاظ على تقاليدهم بإخفائها ونهج أسلوب ذكي لأجل الاستمرارية والبقاء.

[فاصل إعلاني]

حين يحكي الفن قصص التاريخ


فرانسيسكا ديلكارمن سانتيش "باكيطا": أن تكون مسلما كان أمرا غير وارد، فأنا أبلغ من العمر 51 عاما وفي الماضي عندما كان عمري 11 سنة لم يكن أحد يجرؤ على قول أنا مسلم ولا خطر ذلك على بالي.


عبد الصمد أنطونيو روميرو: في هذه القرية بالضبط، والناس يعرفون ذلك ثمة منطقة اسمها بيدروتشي وهي منطقة أندلسية عربية حفر فيها نفق يفضي مباشرة إلى بيت وسط المدينة كانت تقام فيها محاكم التفتيش وهذا معروف وبهذا المكان ثمة نفق آخر يفضي إلى الكنيسة والناس الذين يدخلونه لا يخرجون أبدا، كانت محاكم التفتيش إلى نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين وهذا كان معروفا لدى الناس وحتى في الأسبوع المقدس ثمة تمثيل لهذا الموضوع، إن أصل هذه المسيرات كانت محاكم التفتيش في الليل ومن دون ضوء يقرعون الطبول وتمشي القرية كلها في المسيرة وفي الأخير يأخذون المشكوك فيهم من الموريسكيين في المسيرة ولا يعودون بعد ذلك.


عبد القادر بلعيسى: هذا التمثيل الاحتفالي لم يقتصر على مناسبات الأسبوع المقدس فقط بل امتد إلى مناسبات ومدن عدة وأفضى تقييمه عند كثير من الإسبان إلى جدل تتباين آراؤهم فيه بين مؤيد ومعارض وغير مكترث.


خوان أنطونيو بالومينو مولينا/ عمدة فايي دليكرين: هناك شباب لا يعرفون أصل هذه الاحتفالات، تسأله عن مشاركته يجيبك بأن أباه أوعز إليه بذلك.


مشارك: بدأت هذه الحكاية عندما أبعد الملوك الكاثوليك المسلمين الذين كانوا موجودين هنا.


خوان أنطونيو بالومينو مولينا: إنها تبشير دعائي propaganda لما وقع في تلك الحقبة من انتصار الكاثوليك على المسلمين وبالنسبة إلينا نحن نوجد في هذا المكان من العالم تم الحفاظ على هذه التقاليد من أجل الدعاية والبشير بها والتي هي اليوم تشكل جزءا من تاريخنا.


بيلار بيرانوس إسطيبان/ عمدة فيليز دي بنودايا: لا يمكن أن نكتفي بالقول إن هذه الاحتفالات هي تذكير بوقائع تاريخية فحسب بل هي كذلك مزيج بين اللعب والمسرح والاستعراض ونحن نحرص على إيصال هذه العروض إلى الناس في الشوارع خلال أيام سان أنطونيو الاحتفالية للتقريب ما أمكن بين مختلف الثقافات خصوصا ونحن نعيش في عالم تحكمه العولمة.


فرانسيسكا ديلكارمن سانتيش "باكيطا": في الحقيقة إني لا أستمتع بذلك أعتبر أن هذه الاحتفالات عبارة عن استهزاء، حتى في بعض الاحتفالات الدينية الكاثولية أيضا أرى أنها استهزاء بالمسيح وهذا يشعرني بعدم الارتياح ولكي لا أضايق نفسي أو أزعج آخرين، أفضل عدم الذهاب إلى مثل هذه الاحتفالات.


عبد الحسيب كستينيرا/ مدير مسجد غرناطة والمركز الإسلامي: أما في غرناطة بالضبط هناك حفل في يوم 2 من شهر يناير كل سنة التي هي ذكرى سقوط غرناطة ومجموعة كبيرة من المفكرين وأصحاب الرأي في هذا المجتمع ينكرون هذا الاحتفال يقولون ذلك اليوم يوم حزن ويوم خسارة، خسارة كبيرة وليسوا هؤلاء من المسلمين.


عبد القادر بلعيسى: وبموازاة أفراح تلك الاحتفالات وفي ظل أجواء العتمة اجتمعت فئات أخرى للتعبير عن حسرتها ومآسي ظروفها وخوفها وحنينها إلى ظروفها بنغمات حزينة وصرخات تشبه العويل.


أنطونيو منويل رودريغز زاموس: الفلامينكو امتداد للتطور الذي عرفته الموسيقى العريقة مرورا بالرومان والقوطيين والأندلسيين الذين أجبروا على التنصر وقد طبعوا هذه الموسيقى بطابع الحزن والألم وهو تعبير ممزوج بمشاعر الوحدة والمعاناة ورفضا لواقع معين إن فلاحا منكوبا يعني إحساسا بالحرمان الذي يقاسيه موريسكي انتزعت منه أرض، الفلامينكو يميل إلى الوحدة والعزلة وما زال هناك مغنون ومغنيات فلامينكو يرفعون الإصبع عند الغناء وذلك يرمز إلى هذا الشعور، كثير من تعابير فلامينكو الغنائية تبدأ بالآه وهي نبرة تنم عن وجع الإحساس بالضياع استمر ذلك إلى أيامنا هذه، أؤمن أن الشعب الموريسكي شعب ذكي عرف كيف يؤقلم ثقافته مع محيطه ما ضمن له البقاء والاستمرارية في وجه التيارات المعاكسة قدرة على التطور جعلت الشعب الأندلسي المعاصر لا يفقد خاصيته الموريسكية.


عبد القادر بلعيسى: مهما كانت صعوبة استيعاب هذا التناقض الصارخ بين احترام الأصول الموريسكية وتمجيد محاكم التفتيش ومعارك انتصار ملوك الكاثوليك في عروض الاحتفالات فإن غياب إدراك أبعاد ذلك قد يسهم بإيجابية في تفسير واقع ذوي الأصول الموريسكية وعلاقاتهم بمحيطهم الإسباني.


فرانسيسكا ديلكارمن سانتيش "باكيطا": فيما يخصني إن علاقتي طيبة مع الجميع، كنت أدرس في مدرسة دينية وكانت في ذلك الوقت أحسن مدرسة تدرس العلوم إلى جانب الدين ولم تكن لدي مشاكل مع أحد والآن عندما ألتقي بإحدى أستاذاتي الراهبات وهي الآن صارت عجوزا ونتحدث فيما بيننا قالت لي ذات مرة كنت أعلم أنك ستصبحين مسلمة، لنر هل ستكونين فعلا مسلمة صالحة، فهم لا يتفاجؤون لأن العلاقات التي تجمعنا طيبة على العموم إضافة إلى أن هاته المتدينات الكاثوليكيات يحملن أيضا دما مسلما مثلي.


عبد الصمد أنطونيو روميرو: نحن في النظام الديمقراطي لنا النظام نفسه الذي كان في الأندلس سياسيا، الحرية والحفاظ على الأقليات والحقوق والواجبات طبعا نحن أهل الدولة ونحب بلادنا نحن جزء منها أقلية صغيرة مسلمة ويفرحنا أن نكون إسبان مسلمون نحترم الدولة ونعيش في نظامها الديمقراطي والقانون والدستور، إن العلاقة مع الحكومة قوية جدا ومع الملك أيضا وهو رجل معروف وملك للمسلمين واليهود والنصارى، الحمد لله سيكون المستقبل خيرا.

الأندلس بلد المساجد والكنائس


عبد القادر بلعيسى: لعل اتساع مجال حرية الاعتقاد وانطلاق إرادة التعايش يكونان مؤشرين لبداية حقيقية لوصل الحاضر الإسباني بماضيه الأندلسي ذلك الماضي المفعم بالتعايش الإنساني الذي بلغ فيه تعاون المسلمين مع غيرهم في مجالات الترجمة والعلوم والفنون إلى درجة تعكس تسامحا ثقافيا ودينيا لا مثيل له.


محمد رزوق: ولهذا الإسبان وجدوا سهولة كبيرة عندما حولوا المساجد الإسلامية إلى كنائس لأنها كانت عمارة واحدة تقريبا، لم يكن هناك أي فرق بين المسلمين وبين المسيحيين لأن المسيحي دخل في النسق العربي فأصبح له معمار واحد عقلية واحدة لباس واحد، إذاً ما الفرق؟ بماذا يفرقني عنك؟ الفرق سوف يأتي مع الحكم الإسباني.


عبد القادر بلعيسى: هذه المساجد بناها حرفيون أندلسيون بحس ديني وحضاري رحب ومتسامح يشهد حتى اليوم كثير من الإسبان المسيحيين ويدعون المؤسسات المسؤولية إلى استحضار كل ذلك في قراراتها وقوانينها.


أسونسيون بريز كوطاريلو/ المندوبة الجهوية للثقافة والشباب بإقليم غرناطة: بالنسبة للمؤسسات الإسبانية صحيح أنها تقوم بهذا الأمر وهذا ما تحاول فعله وهو موضوع الاعتراف يوما بعد يوم بما خلفته تلك الثمانية قرون التي قضاها المسلمون بإسبانيا وبكل الأشياء التي حملوها إلينا أو تركوها لنا وكذلك كل تلك الأشياء التي لا زلنا نستمتع بها وهذا قليل ولكن بهذه الطريقة نستطيع أن نعوض عما ارتكب من أخطاء في الماضي.


منصور إسكوديرو: تحولت إسبانيا بعد دستور 1978 من بلد لائكي إلى بلد ديمقراطي يعترف بتعدد الديانات ومنها الإسلام، سنة 1978 كانت بداية لظهور الحركة الإسلامية الإسبانية حيث صار بعض المواطنون الإسبان يعتنقون الديانة الإسلامية فتكونت بذلك النواة الأولى للأقليات الإسلامية بإسبانيا والتي أضحت شيئا فشيئا جزءا رسميا من مكونات المجتمع الإسباني ووصلت جمعياتها إلى أربعمئة جمعية ومؤسسة إسلامية مسجلة رسميا ومعترف بها من قبل وزارة العدل الإسبانية وهي تنضوي كلها تحت اللجنة الإسلامية وهي بمنزلة فيدرالية إسبانية كبيرة، في سنة 1992 وهذا مهم جدا وهي فترة تتزامن مع مرور خمسمئة سنة على اتفاقيات سانتافي صادقت الحكومة على اتفاقية تعاون مع اللجنة الإسلامية بإسبانيا وكان لي الشرف بأن كنت أحد الذين وقعوا على تلك الاتفاقية بصفتي ممثلا عن اللجنة الإسلامية من خلال هذه الاتفاقية يعترف النظام الإسباني رسميا بالدين الإسلامي ويعطي للمسلمين كل الحقوق التي يكفلها الدستوري الإسباني في الحريات وممارسة الشعائر الدينية.


عبد الحسيب كستينيرا: الحقيقة الاجتماعية تختلف عن النظرية بطبيعة الحال ولكن لنا مرجعية قانونية توفر لنا الحقوق التامة والصعوبات لا تأتي من القانون تأتي من التطبيق ومن التأثير الكبير والسلطة الكبيرة والسيطرة الكبيرة للكنيسة الكاثوليكية في هذا المجتمع.


عبد القادر بلعيسى: بعد انتظار دام خمسمئة عام نجح المسلمون الإسبان أخيرا في بناء جامع في غرناطة في قلب حي البيازين وعلى مرمى حجر من قصر الحمراء بعد معركة قضائية وصعوبات متتالية استمرت سنين عدة وانتهت برخصة بناء المسجد بمركزه الثقافي وحدائقه مع تعديل تصميمه وتصغير حجم مئذنته.


عبد الحسيب كستينيرا: بناء هذا المسجد تاريخ طويل، 23 سنة من الجهود الطويلة والصعوبات الكبيرة كانت من بعض الأطراف المتعصبة في المدينة وفي المجتمع الإسباني الذين لا يتصورون في أي حال من الأحوال أن يكون مسجدا في حي تاريخي وبالضبط هذا الحي الذي هو آخر مقر للمسلمين في الجزيرة الإيبيرية وجعلوا أمامنا كل الصعوبات والمكر والخداع والحملات السياسية والحملات الدعائية في الإعلام في الجرائد حتى استعملوا بعض المفكرين الإسبان المؤرخين الإسبان المتطرفين الذين يقولون إن الإسلام خطر كبير وإن الإسلام سيفتح بابا جديدا في الاصطدام بين أطراف المجتمع الإسباني وذلك كله بعد خمس سنوات من افتتاح المسجد ولله الحمد بين أن كله مزور وكله كذب.


أسونسيون بريز كوطاريلو: المسلمون في إقليم غرناطة منظمون جدا وتوجد مجموعة كبيرة من الجمعيات التي حصلوا من خلالها على امتيازات عدة وهي من إيجابيات المؤسسات الإسبانية الرسمية، صحيح أنهم ينجحون في تحقيق بعض المنجزات مثل موضوع المقبرة بغض النظر عن مسألة المسجد، هناك مشروع مهم قيد الإنجاز وهو ترميم مقبرة خاصة للملسمين.


عبد القادر بلعيسى: ثمة خلاف الآن بين المسيحيين والمسلمين في قرطبة حول مسجد الكاتدرائية، المسلمون الإسبان يطالبون بالصلاة فيها تأكيدا على سمة التعايش التي عرفها المسجد منذ بنائه وقد دعوا في مناسبات كثيرة إلى السماح لهم بتحويل جزء من المسجد إلى مكان للصلاة غير أن الكنيسة الكاثوليكية بإسبانيا رفضت هذا الطلب فيما دعت أصوات أخرى إلى نسيان هذا الأمر لأنه يذكر بالقرون الثمانية التي أمضاها المسلمون في شبه الجزيرة الإيبيرية.


منصور إسكوديرو: نحن لا نسعى إلى تحويل الكنائس إلى مساجد أبدا، فقط الكاتدرائية أو قرطبة نعتبرها مثالا فريدا، لماذا؟ لأن هذا المعبد كان مكان عبادة يتسع لكل الديانات التوحيدة، هذا المكان يتمتع بهذه الخاصية الفريدة وهو مكان لعبادة الإله الواحد عبر قرون، إضافة إلى أنه خلال حقبة من حق التاريخ كان يتعبد الناس بالمكان نفسه الذي كان توجد فيه الكاتدرال لا باسيليكا ذيسانفيسنتي إلى جانب المسجد، كان يصلي المسلمون والمسيحيون كانوا يتقاسمون ذلك المكان لذلك قمنا بتقديم طلب إلى أسقف المدينة في مناسبات مختلفة ليسمح لنا بالعبادة هناك مع إدخال بعض الإصلاحات لهذا الغرض ونحن لا نريد أن نستعيد المسجد ليكون لنا وحدنا، حاليا في الكاتدرائية تؤدى الطقوس المسيحية فقط لكن ثمة فضاءات واسعة أخرى ويمكن للمسلمين أن يصلوا هناك وقد سبق أن حصل ذلك بموافقة الأسقف، لماذا إذاً لا نستغل هذه الإمكانية ليكون معبدا ليس للمسلمين أو الكاثوليك والمسيحيين أو اليهود فقط بل لكل مؤمن بالإله الواحد.


عبد الحفيظ أليزو أفالوس غونزاليس/ ممثل الجماعة الإسلامية في الأندلس بقرطبة: الآن نحن المسلمين نمثل جزءا صغيرا من المجتمع القرطبي، فأين الخطورة في أن يستطيع المسلمون تأدية صلواتهم بمسجدهم، مسجد الحمراء الذي هو روح قرطبة وروح الأندلس كلها؟ وكما ترى فنحن المسلمين هنا لم يبق لنا من سبيل سوى أن نبني هذا المسجد الصغير الذي نخصصه لتأدية الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وفي يوم ما سنصلي بمسجدنا إن شاء الله سبحانه، مسجد الأندلس.


أنطونيو منويل رودريغز زاموس: يخسر تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية الشيء الكثير عندما قام بالتعتيم على هؤلاء الناس لكن في الوقت نفسه ربح تراثا عظيما أساسه تلك القدرة على البقاء التي يتوفر عليها الشعب الموريسكي، أرى إسبانيا تضيع عليها فرصة التعرف إلى نفسها بسبب تنكرها لتاريخها لأنها غير قادرة على رؤية ذاتها في المرآة، إن ما ينقص التاريخ الإسباني هو الاعتراف بنفسه لأنه يلغي مرحلة مهمة من ماضيه، إسبانيا لا يمكن أن تفهم من دون ابن رشد وابن خلدون وعلمائها الأندلسيين الذين كانوا مفتاحا للنهضة الأوروبية.


عبد الصمد أنطونيو روميرو: نحن المسلمين دائما ناس سلام من البداية إلى النهاية، إن شاء الله تأتي مرحلة جديدة وتكون السنة المقبلة الذكرى الأربعمئة على خروج الموريسكيين من البلاد فرصة لاحترام الأقليات، ومهم جدا أن تحترم الدولة الأقليات سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين.


فرانسيسكا ديلكارمن سانتيش "باكيطا": أن تكون مسلما بالنسبة إلى البعض هو أمر طبيعي وطبيعي بالنسبة إلينا يتماشى مع طبيعتنا أن يعرف الناس جذورهم ومن أين أتوا وأن يستعيدوا القرون الثمانية من تاريخهم التي لم تضع بأي حال من الأحوال، ففي المدرسة ننتقل من دونرودريكو إلى الملوك الكاثوليك أما تلك القرون الثمانية من تواجد المسلمين في إسبانيا صارت كأنها لم تكن يوما لا وجود لها نسمع فقط هناك الحمراء ومسجد غرناطة، لا، لا، فهناك اللغة وملامح الإنسان وحركاته هناك الأرض أسماء الناس والأماكن هناك السواقي والنبات هناك الملبس والمأكل والكتب والثقافة كل هذا كأنه لم يكن حقيقة وحينما يتكلمون عن هذه الثقافة يقولون الثقافة العربية التي كانت في الأندلس، لا، لا، هذه الثقافة هي ثقافتنا نحن.