تحت المجهر- معبر فرح
تحت المجهر

معبر فرح

تتناول الحلقة تهاوي الجدار الفاصل بين قطاع غزة ومصر وتدفق الآلاف من سكان غزة الذين تنفسوا الحرية من ثغرات الجدار على مشارف مدينة العريش المصرية.

– معبر فرح
– بوابات الحرية.. نوافذ الأمل

معبر فرح


سمير فارس
سمير فارس
أحمد محمود العيوطي
أحمد محمود العيوطي
عاصم الوحيدي
عاصم الوحيدي
هند أبو سليم
هند أبو سليم

سمير فارس/ من سكان مدينة رفح المصرية: مع صلاة الفجر بالضبط، قبل صلاة الفجر بالضبط، لقينا أن الكم الهائل من السور، المساحة الطويلة دي، بتوقع شوي شوي شوي زي صوت مثلا إيه؟ هدير البحر هو وماشي، أو صوت دبابة ماشية على حديد، وشوي شوي ارتجالية كده، وصوت متقطع، زي صوت الهوى مثلا، بصينا لقينا السور كله بيوقع، كله وقع مرة واحدة، أنا في الحقيقة تفاجئت فقلت الله أكبر، فبدأت تنهمر علينا، اللي هو الجماهير الشباب الفلسطينيين، ثم الرجال والستات والشباب جايين.. ناس خارجين من سجن كبير أو من كهف كبير وخرجوا ولاقوا النور والشمس قدامهم بالضبط.


المعلق: ما إن تهاوى الجدار الفاصل بين قطاع غزة ومصر حتى تدفق آلاف من سكان غزة، بعضهم لا يعرف حتى وجهته، يسير على غير هدى بعيدا عن الحدود، والحرية التي تنفسوها من ثغرات الجدار كانت تقف عند مشارف مدينة العريش المصرية التي لا تبعد عن القطاع سوى خمسين كيلومترا. كان ذلك أقصى ما سمحت به السلطات المصرية وفرضت طوقا يحول دون وصول الفلسطينيين لأبعد من ذلك، لكن ذلك كان كافيا ولو مؤقتا بالنسبة لمعظم هؤلاء الذين يغادرون قطاع غزة لأول مرة في حياتهم.. هذا الرجل ولد ونشأ مع الجدار الذي يفصله عن جيرانه الفلسطينيين، يتملكه شعور صامت بالسعادة لانهياره ولو لأيام قليلة، ففي وقت ما كان بإمكان الحاج سمير وعائلته التنقل بحرية داخل رفح الفلسطينية شأنهم شأن المئات من العائلات التي تقطن المناطق الحدودية، وجمعت بينها روابط الجوار والمصاهرة قبل أن تمزقها الأسلاك الشائكة والجدر المحصنة، وقد سمحت له هذه اللحظات بتنفس هواء الحرية رغم أنه يعيش في الجانب المصري..


سمير فارس: أنا البيت ده بنيته سنة 1980 أثناء الاحتلال الإسرائيلي، ده بيت أرضنا نحن ملك، نحن أهل رفح المصرية، مواطنين مصريين مقيمين في هذه المنطقة وطول عمرنا، كل شجر الزيتون الي أنت شايفه، العمارات دي ملك بتاعتنا، قدامنا بوابة صلاح الدين، وعلشان بوابة صلاح الدين اللي هي البوابة الرئيسية بتاعة مدينة رفح، اللي كانت بوابة سميت ببوابة صلاح الدين لأنه نحن هنا نسبة لصلاح الدين الأيوبي فاتح زمان الإسلامي، والبوابة دي

"
بوابة صلاح الدين هي البوابة الرئيسية لمدينة رفح، وهي موجودة قبل عام 1967
"
سمير فارس

كانت موجودة قبل 1967، كانت نفس البوابة هنا، وكانت في حدود موجودة ونحن كنا كمصريين بنعدي رفح الفلسطينية نشتري الحاجات اللي نحن عاوزينها ونرجع ثاني، والبطاقة نحطها على البوابة، والفلسطيني برضه يعدي هنا رفح المصرية بالبطاقة يحطها ويروح يشتري حاجته ويرجع ثاني، ما كانش في أي نوع من المشاكل إطلاقا. وفي فتحة هناك في السور باقي الجدار اللي هو العازل ده، دي الفتحة اللي أنتم شايفينها بالضبط، دي كانت عبارة عن باب إلكتروني، كانت الدبابات الإسرائيلية لما عاوزة تخش على رفح الفلسطينية علشان تدمر تتفتح بالريموت وتخش الدبابة تضرب وترجع ثاني وتوقف وراء الجدار العازل ده اللي هو الجدار الحديدي. فالحمد لله اللي هو إيه؟ تفجر معظمه.


المعلق: انهار الجدار وسار الفلسطينيون صوب الحدود باتجاه مصر، وعلى الطرف الآخر كان هناك من يسير صوب الحدود أيضا ولكن باتجاه فلسطين، كسائق سيارة الأجرة المصرية هذه، لاجئ فلسطيني يسكن في مدينة العريش المصرية قريبا من وطنه الذي هجر منه.


أحمد محمود العيوطي: أحمد محمد محمود العيوطي، فلسطيني أساسا من يافا، بلدي يافا، هاجرنا من 1948 على مدينة غزة ومن مدينة غزة إلى العريش، جمهورية مصر العربية، ومقيمين في العريش من 1948.


المعلق: اعتاد هذا السائق في الظروف الاعتيادية القليلة نقل ركاب فلسطينيين قادمين من قطاع غزة أو عائدين إليه، اليوم يسير باتجاه بوابة صلاح الدين على الحدود بين رفح الفسلطينية ورفح المصرية لاستقبال أقارب لم يتسن له رؤيتهم منذ أعوام. في الأيام الأولى غضت السلطات المصرية الطرف عن مرور الفلسطينيين إلا أنها أبقت على رجال الأمن في الشوارع الرئيسية للحد من حجم العابرين، هذا ما يفسر مرور هؤلاء عبر الطرق الوعرة بين المساكن والحقول. البعض ممن لم تحمله هذه الشاحنات الصغيرة لم ينتظر فرصة الركوب واختار السير على الأقدام لعشرات الكيلو مترات والوجهة مدينة أخرى لا تختلف كثيرا عن قطاع غزة، ولكنها الحرية، حرية أن يختار المرء السفر والعودة متى يشاء ومن حيث يشاء وهي قوانين لم يعرفها قطاع غزة على الإطلاق..على هذه الحدود التي صنعها البشر يلتقي أحبة من الطرفين الفلسطيني والمصري، وكذلك سائق سيارة الأجرة كان على موعد مع أحبته.


أحمد محمود العيوطي: والله الشباب دول قرايبي جايين من رفح فلسطين ومن غزة، أروح أقابلهم يالله.. هلا حبيبي، هلا حبيبي.. أهلا وسهلا، يالله تفضلوا على السيارة، كيف حالكم؟ إيش أخباركم؟ كيف الأهل هناك إن شاء الله بخير؟ كله تمام؟ كله تمام يالله تفضلوا..


مشارك1: والله الناس طفرانة وما صدقت تطلع.


مشارك2: والله أنا بالنسبة إلي لو أروح عالعريش مشي مش زعلان، ترى أني مبسوط.


أحمد محمود العيوطي: والله الشباب دول قرايبي من رفح فلسطين، يعني الأخ ماجد مصطفى موسى من سكان رفح فلسطين، جايين يشوفوا هالأوضاع اللي في العريش ويغيروا جو من الوضع اللي هم فيه، الكئيب والصعب على المعيشة اللي هناك. والشباب كلها زي ما أنت شايف، غزة كلها فضيت رايحة على العريش، تشوف أهاليها وتشوف قرايبها وتشوف الدينا اللي فيها..


مشارك3: والله أنا جاي على قرايبي، أحمد قريبي، وأشوف أهلي في العريش وأولاد عمي في مصر، إن شاء الله إذا لنا نصيب بيجوا من مصر على العريش بنشوفهم، وإذا بيصح لنا نروح على مصر جوا، إن شاء الله حنروح وحنشوفهم. بيكفي، بيكفي انقتلنا متنا في هالبلد المسكرة، أربعين كيلو سجن، منتحرك في سجن قاعدين، سجن كبير ومنتحرك فيها، هيك بحر، وهيك حدود، وهيك حدود، وهيك حدود، ولا عارف تروح ولا تجي، يعني غزة بتلفها في عجلة، أربع ساعات بتلف قطاع غزة كلها، وإش هالبلد وإش هالدولة هذه، يفتحوا الحدود ويخلوها فاتحة على طول. شايف الناس هي كيف، كله جاي يشوف قرايبه ويشوف أهله، والناس زهقانة حالها، بدها بس، يعني شوف رفح سينا، الناس مبسوطة على رفح سينا، كيف لما يخشوا جوا على العريش وعلى القاهرة، يعني إشي ما بيتخيلوش العقل هذا، ما حدش كان يصدق أن هذا الشيء بده يصير. وندعو من الله أن تبقى فاتحة على طول يا شيخ، والناس تروح وتجي عادي، نصير نمرق بعربياتنا ونصير نمرق بحالنا وبمالنا، خلص ونعيش نحن والمصريين.


مشارك2: هي مش على قد الأكل والشرب يعني، أنه نحن بدنا نأكل ونشرب قد أنه حرية، بدنا حرية وبدنا الناس تروح وتيجي، يفتحوا لنا الحدود وقت بدنا إحنا نقدر نسافر نروح نسافر، وقت بدنا نيجي نقدر نيجي، نحكي مع قرايبنا نحكي ونروح نشوفهم ويجوا يشوفونا زي ما إحنا بدنا، زي ما إحنا بدنا نروح، يعني أي وقت أنت تتخيله أنك تقدر تروح فيه وتسافر وتشوف الدنيا وتشوف الناس، تقدر تروح على طول يعني زي باقي أي دولة ثانية يعني نحن منطلب أقل حاجة من أقل دولة.

بوابات الحرية.. نوافذ الأمل


المعلق: أيام قليلة فقط وبدأت السلطات المصرية تدريجيا إغلاق الثغرات التي فتحها الفلسطينيون في الجدار الحدودي، وبات من الصعب الدخول إلى مصر. وفي أحسن الأحوال كان بإمكان العابرين الوصول إلى مدينة العريش، حينها كان سائق سيارة الأجرة ما زال يتلقى اتصالات من فلسطينيين يأملون في العبور، ولكن هذا الأمل الضئيل بدأ يتبدد تدريجيا. في طريق عودتنا من رفح إلى العريش استوقفنا على الطريق الوعر هذا الفتى، إنه لاعب كرة قدم في نادي فلسطين انتهز ثغرة الأمل الصغيرة التي فتحت عبر الجدار، للخروج والبحث عن حلمه المؤجل..


عاصم الوحيدي/ لاعب كرة قدم في نادي فلسطين – غزة: أنا طبعا عاصم من غزة، شاب زي أي واحد من غزة عاوز يشوف حياته، حلم حياته، يشوف طموحاته أحلامه برا. أنا عمري 23 سنة وحتى الآن ما شفناش يوم حلو في حياتنا، عمال كل يوم قصف، اجتياحات واغتيالات. أنا وأخوي الصغير وإلي كمان أخ وأبوي وأمي عايشين في دار واحدة، فأبوي وراتب المعاش التقاعد هو اللي بيصرف علينا وعلى البيت. فالمشكلة واحد متضايق ليه؟ متضايق أنت مثلا، أنا شاب عمري 23 سنة وأخوي نفس الشغلة برضه، ما بيقبضوا رواتب، قاعدين في الدار مش ملاقين شغل، المشكلة أنك تجي تدور على شغل مش ملاقي شغل، قاعد في الدار وأبوك هو اللي بيصرف عليك. كل شهرين ثلاثة مشاكل في غزة، فتح وحماس ومش عاريف إيش، وانقطعت الرواتب، فقلت أنا الواحد مالوش إلا يطلع برا، يعني الواحد زهق المشاكل اللي في البلد. أنا أول مرة أسافر، ما عمري سافرت، أنا زي أي طفل، زي أي شاب، نفسه الواحد يحقق أحلامه طموحاته، يشوف العالم، إذا الواحد.. أنا عن نفسي مثلا لاعب كرة باحب الكرة مش قادرين نمارسها في غزة، مش قادرين نمارسها خالص. إسرائيل قصفت ملعب فلسطين، والكل تابع يمكن قبل سنتين، ملعب فلسطين انقصف وهذا هو ملعب فلسطين الوحيد اللي هو عندنا في غزة نجيل، نحن الباقي عنا ملعب ترابية، مش زي دول برا نجيل، حتى نجيل مش نجيل زي اللي بتسمع مثلا بتشوفه في مصر ولا أوروبا، نجيل عادي، ملعب عادي طبيعي، قصفوه صاروخ، برضه قاعد فترة ما لعبناش عليه والدوري توقف والكاس وكذا، علشان ما يلعبوش عليه، وقصفوا أندية، أندية رياضية انقصفت عندنا في غزة، كذا نادي انقصف عندنا في غزة. ما فيش عندنا ملاعب كرة، نمرة واحد يعني أنت مش قادر تمارس الكرة، ما فيش عندك ملاعب كرة عندنا في غزة، ما فيش إلا ملعب واحد، بتلاقي.. أنا عن نفسي علشان أنا بلعب في نادي في غزة، كنا يمكن ستة أندية في ملعب واحد، في وقت واحد نكون، نصف الملعب هذا يأخذه ناديين ونصف الملعب الثاني يتمرن عليه ناديين، يعني إيش هالمعاناة هذه؟! بدل ما يكون عندنا استاد مثلا عالمي، كل نادي يكون عنده ملعبه الخاص يتمرن فيه يلعب فيه، مش ملاقين ملاعب نلعب عليها، الممارسة مش قادرين نمارس الكرة، طيب نيجي نتفرج على المباراة تلاقي الكهرباء قاطعة، السولار إسرائيل مانعة ندخل السولار، طيب كيف بدنا نحضر المباراة؟ جاءت قصة العريش قلت الواحد هذه يعني فرصة ما بتتعوضش، يعني الفتحة هذه، الله يعلم بكره إيش يصير، ما عاد الواحد بيضمنش، يعني من هون لبكره واحد مش مضمون إيش يصير في غزة. حكومتين، عندنا حكومتين، حكومة في الضفة وحكومة في غزة، ورئيس في الضفة ورئيس في غزة، الواحد مش عارف يعني، والشعب مش قادر إيش يعمل يعني، فجاءت قصة العريش قلت إن شاء الله هذه تكون سبب يعني أنه أقدر أطلع، تكون محطة في حياتي لأنه في غزة ما فيش عندنا نطقة انطلاق، المشكلة عندي نقطة الانطلاق، نقطة الانطلاق بغزة مش حقدر أطلع، فقلت ما ليش إلا أخش مصر، أروح العريش، جبت معي يعني الجواز أهو يعني ممكن.. جبته معاي قلت يعني لو إيش ما كان مش راجع على غزة، لو إيش ما يصير يصير، لحتى أنا يعني.. يعني موجود هنا المهنة لاعب كرة كمان، ما عمريش سافرت، نفسي من أنا وصغير أحقق حلمي وأسافر، ما عمريش سافرت من هالبلد، نفسي أشوف يوم حلو، ما عمروش انختم، يعني أنا عملت هذا الجواز في 2005 حينتهي يعني عنده كمان خمسة شهور ستة حينتهي، يعني عملت الجواز هذا يمكن كلفني مائة دولار برضه لما عملته، ما عمروش انختم، ما عمريش سافرت، عده انتهى الجواز وما عمروش انختم ولا ختم. أنا وأنا طالع من غزة يعني أنا طالع وأنا آخذ قرار يعني قايل لأمي وأبوي ومبلغ صحابي وكذا.. وصحابي عارفين أنه أنا متضايق نفسيا وأنه طالع ويعني فرصة مش حتتعوض، أنا قلت طالع مش راجع بالمرة، طالع ومش حارجع بالمرة على الجحيم، هذا أنا مسميه جحيم مش مسميه غزة. جبت شنطتي وجبت الأواعي اللي بتلزمني، جبت غيار مثلا جبت بنطلون جبت ترنغ رياضي بتاع النادي اللي كنت ألعب فيه هناك، جبت زي كرة، جبت يعني شورت وفانيلة، جبت صور شخصية وأنا وصغير أنه يعني الصور كلها اللي عندي من أنا وصغير لكبير يعني لحد ما صرت شاب يعني. حلم حياتي، من زمان حلم حياتي ومن أنا وصغير نفسي أسافر، حلم حياتي، أنه نفسي أحقق حلمي أنه أطلع أسافر زي العالم، يعني مش عارف لما بيطلعوا على التلفزيون، منشوف أفلام ومنشوف حاجات ومبارايات وكذا، الواحد حتى من قلبه بيصير يقول ليش ما فيش عندنا زي هذا الكلام؟ ليش ما نحن نطلع زيهم؟ نفسي وأمنية حياتي وبتمناها وطول عمري بتمناها ولحتى اللحظة بتمناها أنه أسافر، أسافر أشوف الحياة، كيف الناس عايشين، كيف الدول الثانية عايشة. أنا إن جيت عن نفسي، أقسم بالله نفسي أقعد مع إسماعيل هنية ومع محمود عباس أقول لهم اللي بده فتح يروح على الضفة، اللي بده حماس يضل في غزة، واللي ما بدوش الاثنين يفتحوا المعبر قدامه يروح يشوف البلد اللي بده ياها.


المعلق: رحل عاصم بحثا عن حلمه الذي لم يجده في غزة، وكثير من هؤلاء ما زالوا يعبرون إما بحثا عن لقمة يسدون بها جوع صغارهم أو أملا في رؤية قريب لهم أو هربا من جحيم الحياة في غزة.


هند أبو سليم: عارف العطشان بالصحراء، لما تعطيه نقطة ماء هل أنه مثلا بيخف العطش شوي؟ لا بيزيد. هلق أنتم فتحتم، فتحوا المعبر نقطة كثير صغيرة وبصيص من الأمل، هل أنه معناه أنه.. بترجع، بترجع بتشوف السواد أكثر، بترجع بتكون مخنوق أكثر، أنت دوقتني طعم الحرية ورجعت أخذتها مني ثاني يعني هيك أنه هيك رح يخف الوضع؟ لا. أنا محتاجة الحرية الحقيقية، أن أعيش كأنسان طبيعي، مش محتاجة أنك.. صفى آخر آمالي أنا أنه يفتح معبر رفح هو هو! المفروض خلص أنا ما بدي إشي ثاني من الإسرائيليين، لا، بدي أرضي وبدي بلدي وبدي حرياتي وبدي أماني وبدي أعيش كإنسان طبيعي، أنا ما رح أوقف لغاية أنه فتح معبر رفح ووقفت حياتي لعند هيك، لا طبعا، أنا حياتي أبعد من هيك، أنا لما كنت عايشة في غزة..


المعلق: خرجت هند عام 2005 من قطاع غزة للدراسة في الخارج وانقطعت عن طفلتها زينة التي ظلت في غزة لنحو ثلاث سنوات بسبب إغلاق معبر رفح، فلا هي استطاعت العودة إلى غزة ولا طفلتها استطاعت الخروج إلى مصر كمئات الفلسطينيين العالقين على جانبي الحدود.


هند أبو سليم: زيي زي كل الناس الموجودين بمصر، أنه أول ما يقولوا المعبر فتح، يالله بدنا نروح المعبر فتح، ضليتني على موضوع المعبر فتح وسكر أربعة شهور، بعد الأربعة شهور طلبت من أهلي ما يقولوا لي أصلا، ما بدي أسمع، ولا يقولوا لزينة. نفسياتنا تحطمت، مش عم نتحمل، لا عم أنام ولا عم أعرف أعيش أصلا، شنطتي جاهزة دائما وهي شنطتها نفس الـ.. يعني مش مرتاحين، يعني عارف لما بتكون في حالة انتظار في مطار وعم يؤجلوا في الطيارة كل يوم وكل يوم وكل يوم، أنا حاولت أروح غزة تهريب مش رح أقدر أنكر، حاولت بشتى الوسائل، أنه يعني شو ما بدكم، خدوا عيوني بس دخلوني بدي ابنتي، يعني قبل كان عندي سبب منطقي أنا عم أدرس، عم أخلص بدي شهادة لمستقبلي ومستقبلها، بس هلق ستة شهور شو الـ .. شو السبب؟!..


المعلق: هند التي عاشت على وقع نشرات الأخبار بانتظار خبر سار، تلقت اتصالا هاتفيا من والديها يخبرانها بأن الجدار قد هدم وأن ابنتها زينة تسير بصحبة جدتها باتجاه مصر.


هند أبو سليم: أنا لما عرفت أنه زينة خلص يعني ساعة ساعتين ورح تكون عندي، رحت عملت شعري ونزلت جبت لي بلوزة جديدة، يوم عيد، يعني أنا رايحة أقابل حدا، يعني رح أقابل نصفي الآخر، روحي، نزلت عملت شعري اشتريت لبس جديد، لبست زي كأني رايحة أقابل حبيب العمر زي ما بيقولوا، وأنا عم أحضنها مش قادرة أوصف لك كيف كان الوضع يعني، أنه أخيرا.. يعني هالعذاب هذا كله انتهى، وحضنتها.. أنا وعم أحضنها ما كنتش مصدقة أنا عم أحضنها، ما كنتش مصدقة قديش تغيرت، أنا تركتها ثلاث سنوات ونصف أخذتها ست سنين، أنه معقول طويلة وكبيرة وشعرها طويل، أنا تركتها شعرها لهون، كان ممكن لو أنه حدا قاعد جواي بيقول لك أنه في صراخ ووجع وفرحة، بس لما جيت أعبر ما قدرت كان كله كان صامت، لقائي فيها كان بعتبره لقاء صامت..


المعلق: مثل كل الذين عبروا من غزة لحظة انهيار الجدار استطاعت زينة العبور إلى حضن والدتها العالقة في مصر، فكم من الأطفال والأمهات يا ترى حالت بينهم الحدود؟


هند أبو سليم: تخيل أنا جزء، يعني خلية كثير صغيرة من قصة معاناة أكبر، يعني أنا أم من ملايين الأمهات وبنتي بنت من ملايين الأطفال، تخيل لوين أصبحت مأساتنا الفلسطينية مش أرض ومش عودة لاجئين ومش حياة وموت، صفت أنه علشان الله بس يفتح معبر رفح، بدي أشوف أهلي بدي أطمئن عليهم، وأنا وعلي وقيس مليون، اثنين مليون، ثلاثة مليون بني آدم، بيطلعوا علشان يدرسوا، بيطلعوا علشان يتعلموا، بيطلعوا علشان يشتغلوا، وبعد هيك بتنقطع كل وسائل العودة، الرجوع. حيجي يوم ويبطل في جدار ويبطل في أيريز ويبطل في معبر رفح؟ يا ريت.. بس حق كل إنسان طبيعي أن يتحرك بسهولة، يحس بالأمان، مش حقوق أطفال، حقوق إنسان، للأسف نحن كفلسطينيين مش عايشين كبني آدمين. هل أنه حينهار الجدار العازل؟ قديش أخذ سور برلين تينهار، سنين، رح ينهار يمكن ما بعرف، بتمنى، بس ما بعرف..


المعلق: لا هند تعرف ولا أحد يعرف، والثغرة التي فتحت سرعان ما أغلقت مرة أخرى وعاد الناس إلى سيرتهم الأولى على جانبي الحدود، فكم سيطول الانتظار؟.. زينة تنعم الآن بدفء والدتها في مصر، والحاج سمير لا يملك إلا النظر إلى فلسطين من منزله المجاور للحدود، أما سائق سيارة الأجرة فينتظر فتح المعبر من جديد لنقل الركاب الفلسطينيين والاستماع لحكايات الوطن، ولاعب كرة القدم عاصم نجح أخيرا في الوصول إلى دولة الإمارات أملا في تحقيق حلمه المؤجل.