صورة عامة من تحت المجهر
تحت المجهر

رواندا ذاكرة الموت ودروب الحياة

تسرد الحلقة قصة الإبادة العرقية في رواندا والتي حصدت أرواح نحو مليون شخص من التوتسي ومَن تعاطف معهم من الهوتو المعتدلين.

– ذكريات الحرب وآثار المجازر
– التعايش السلمي وفرص المصالحة

undefined

[مقطوعة غنائية]

يا أهل رواندا.. تعالوا نتذكر تعالوا نتذكر مَن فقدناهم تذكروا السواطير والفؤوس… تذكروا أولئك الذين دفنوا أحياء.

عبد القادر دعميش: رواندا بلد صغير بذاكرة قوية في قلب أفريقيا الاستوائية، جمال رواندا الفتان في موسم ممطر مازال يحتفظ بمسحة حزن دفين تذكروا أن العالم أغمض عيونه وطمس آذانه عام 1994 عندما كانت آلة حرب الإبادة العرقية في رواندا تحصد أرواح نحو مليون شخص من التوتسي ومَن تعاطف معهم من الهوتو المعتدلين.

[مقطوعة غنائية]

تذكروا مَن اغتصبن.. وتذكروا مَن يتموا وشردوا وهجروا.

عبد القادر دعميش: كل شبر كان ساحة للقتل، كل شبر يكاد لا يخلو من حفر جماعية اعتبرت على عجالة مقابر لم يكن للقتلة وقت للدفن فهم لم يكونوا قد انتهوا بعد من القتل اليوم ومنذ تلك الأيام يبحث ذووا الضحايا عن دفن أحبتهم بالكرامة التي تليق بالإنسان شهيق حزن في رواندا يرافق نبش ذاكرة موت مرعب سكن يوما كل تل ووادي، رواندا أرض الألم تتألم عندما تتذكر ما وقع وتتألم عندما تنسى خوفا من تكرار ما وقع فكيف تجمع أرض الألم بين درب الحياة وذاكرة الموت.

رواندا ذاكرة الموت.. ودروب الحياة

رواندا: من وقائع 1994

عبد القادر دعميش: مورامبي بلدة تقع على بعد مائة وخمسين كيلومترا جنوب غربي العاصمة كيغالي في اتجاه الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، هذه المدرسة الثانوية التي لم تفتح يوما أبوابها للدراسة دشنها القتل العرقي وتركت حرب الإبادة آثارها جثث الضحايا سكنت الأقسام محنطة على نفس وضع لحظة القتل بعضها يرفع ذراعه للاحتماء دون جدوى وجثث أطفال في وضع بكاء، رائحة الموت تملأ القسم وكل المكان ألف ومائتا جثة تم الاحتفاظ بها في أربعة وعشرين قسما ولكن في هذا المكان الجميل الذي خلقه الله قتل ودفن أكثر من أربعين ألف من التوتسي على يد ميليشيات الهوتو لأول مرة أوجه حقا الحالة التي يقال فيها تعجز الكلمات عن التعبير، ايمانويل الذي فقد أسرته ونجا مع آثار في الرأس أصبح حارسا لذاكرة الحرب والموت هنا في مورامبي.

ذكريات الحرب وآثار المجازر

ايمانويل مورانغيرا – ناجي من الإبادة: لقد عايشت المجازر التي وقعت في مورامبي، المسؤولون وقتها جمعوا سكان المنطقة للتحريض على قتل التوتسي، بعد الاجتماع مباشرة بدأ حرق بيوت التوتسي ونهب مواشيهم وممتلكاتهم لجئنا إلى الكنيسة الكاثوليكية دون جدوى هناك مقبرة جماعية استخرجت منها جثث الضحايا كان قد ردمها العسكريون الفرنسيون وقتها وأقاموا عليها ملعبا للكرة الطائرة للتغطية على المجازر التي ارتكبتها ميليشيات الهوتو المتطرفة.

عبد القادر دعميش: هذه المدرسة الثانوية أصبحت متحف ذاكرة وفي مقابر جماعية تملأ جنبات المكان دفن بعض أفراد أسرة ايمانويل لم يكن من السهل طرح السؤال دون إيقاظ مزيد من الألم فهمت وحسب أن حياة ايمانويل مملوءة برائحة الموت، هذه القاعة الكبرى كان يفترض أن تكون مطعم طلاب المدرسة الثانوية لقد تحولت إلى مكان لحفظ بقايا ملابس الضحايا كأنهم تعروا ليموتوا الحقيقة أن القتلة كان يأخذون ملابس ضحاياهم أنها بعض شواهد آخر حرب إبادة في القرن العشرين وقعت في بلد فقير جدا عندما يأتي الروانديون إلى هذا المكان يشعرون بمواجهة الرعب أنهم يذكرهم بالتمزق الذي أنجر عن جنون القتل مورامبي متحف للموت ومقياس ما لدى البشر من إنسانية كي لا تتكرر مأساة الإبادة، ماري جوزيه أرملة قتل زوجها في الحرب وأصيب ابنها بالشلل بسبب ضربة على رأسه من الميليشيات أمثالها كثيرون والمعاناة تتضاعف مع صعوبات الحياة، تتذكر ماري جوزيه فصلا مريرا في حياتها وحياة بلدها.

ماري جوزيه نيوفورا – ناجية من الإبادة: كنت أسكن قرب الحدود لقد حجزوا الناس وسدوا الطرق وهاجموا مساكن التوتسي قتلوا زوجي وضربوا ابني على رأسه، إنه اليوم مصاب وتلم به نوبات من الصرع والصراخ الشديد لهول ما يتذكره وصراحة نريد منكم أن تكونوا لسان خير لدى من يمكنهم مساعدتنا دولتنا فقيرة ولدينا أرامل وأيتام أرجوكم.. أرجوكم قولوا للعالم بأننا نتضرر أنا مسيحية وكثيرا ما أعتقد أن الشيطان حل بيننا.

عبد القادر دعميش: ما كان يسوع عليه السلام ليهرب ويترك أناس أبرياء لمصيرهم هم الذين لم يبحثوا سوى عن النجاة ولكن القس الأوروبي الذي كان في كنيسة نياما الكاثوليكية هذه هرب في اليوم السابع وفي اليوم الثامن قتلت الميليشيات عشرة آلاف من التوتسي الذين اعتقدوا إيجاد الحماية والنجاة، هنا السيدة سيرفينا التي تشرف على المكان قالت لي أن من الذين نجوا تمثال العذراء عليها السلام ولو أنها لم تسلم تماما لقد رأى القتلة في وجهها الجميل ملامح التوتسي سكن الصمت كنيسة نياما إلى جانب جماجم الضحايا بعد اثني عشر عاما على حرب الإبادة (GINOSITE) مازال الناجون يصرون على الإبقاء على آثار المجزرة كما هي حتى يتذكر الجميع وكي لا تتكرر، هذا نعش امرأة من التوتسي كانت جميلة في حياتها لقد اغتصبت حتى الموت اغتصبت لأيام ثم قتلت ووضع ابنها عليها في وضع الرضاعة كنيسة نياما الشاهدة على الإبادة ليست استثناء ففي كافة إرجاء رواندا تحولت أماكن اللجوء إلى أماكن للرعب فكيف يتعايش قتلة وضحايا في بلد يعتمد مستقبله على ذاكرته، ابتداء من السابع أبريل من كل عام ولمائة يوم توقد شعلة التذكر في مركز(IBUKA) في العاصمة كيغالي إنها مائة يوم من الحزن والدموع في رواندا على ضحايا حرب الإبادة عام 1994.

"
جمعية تذكّر أسست من أجل الدفاع عن مصالح الضحايا وإعادة الاعتبار لكرامتهم. فالاهتمام بالذاكرة يعني التعبير عن تعلقنا بأحبتنا الذين أبيدوا
"
فرانسوا كزافييه نغارمبي

فرانسوا كزافييه نغارامبي – رئيس جمعية تذكر (IBUKA): الذاكرة مهمة جدا لضحايا الإبادة فبفضل الذاكرة نستطيع إعادة الاعتبار لكرامة الضحايا والاهتمام بالذاكرة يعني التعبير عن تعلقنا بأحبتنا الذين أبيدوا الذاكرة أداة أساسية لفهم الإبادة والذاكرة أداة تربية ووقاية حتى لا يكون هذا مجرد أمل مخدوع جمعية (IBUKA) كما يدل أسمها أسست من أجل الذاكرة وللدفاع عن مصالح الضحايا إذ يجب مكافحة جريمة كبرى ومعاقبة مرتكبيها ومصلحة الضحايا هي قبل كل شيء تحقيق العدالة، لقد رأينا أناس طيبين لم يشاركوا في القتل لأسباب مختلفة وأحيانا لأسباب دينية هناك بعض الكاثوليك الذين قاوموا هناك بعض البروتستانت الذين قاوموا ولكن الوضع الخاص للمسلمين الذين قاوموا الإبادة يستحق الإشادة المسلمون كانوا أيضا مهمشين مثل التوتسي.

عبد القادر دعميش: في هذا المنزل المتواضع بروهنغو غربي رواندا تسكن زورا كاروهينبي امرأة تعدت الثمانين من العمر زورا من الهوتو إنه تذكير فقط إذ أنها مسلمة، زورا أنقذت حياة نحو مائة شخص من التوتسي واستحقت وسام بطل قومي من الرئيس بول كاغامي.

زورا كاروهينبي: اليوم حتى ولو كان الأمن سائدا فهناك بعض الناس الذين لا يحبون ما أنجزته هذه الدولة بعض الناس، يعني بقايا ميليشيات في غابات حدودية ولذلك قد يكون هناك بعض الغضب فقلوبهم قاسية رسالتي أن يحذر الجميع من الوقوع فيما وقعنا فيه نحن يجب أن يتعايش الناس في طاعة الله وحب بعضهم.

عبد القادر دعميش: شخصية زورا المضيفة الودودة جعلت الناس يلتفون حولها وإنها حقا تفرح بذلك من بين هؤلاء من ظل يشكر زورا لأنها أنقذت حياته يوم زيارتنا لها أقامت زورا ما يشبه الاحتفال.

ماريا موكا رويما – ناجية من الإبادة: لقد اختبأت في هذا المكان الذي وصلت إليه بشق النفس، كانت علاقتي بزورا طيبة إنها صديقة جئت إليها خلال أيام الحرب كنت شاردة ولم أعرف حتى أين كان أبنائي كانت ميليشيات الهوتو المتطرفة لا ترحم أبدا، اعتبروا التوتسي مجرد حشرات ينبغي قتلها قتلوا زوجي وأبنائي ونهبوا ممتلكاتنا وأنا لست غاضبة اليوم فالحياة القاسية لم تترك مكانا للمشاعر لا أطالب أحدا بشيء الله شاهد وهو وحده المعوض والكفيل وهو الذي سيحكم بيننا.

مسافيري سنفورون – ناجي من الإبادة: أتذكر أنه كان يوم الرابع والعشرين من أبريل 1994 الميليشيات تحرق منازل التوتسي وأحرقوا منزلي هربت وأمضيت تلك الليلة عند صهري ثم مكثت في مزارع الموز خلال أسبوعين عدت ليلا إلى صهري فطردني وجئت عند هذه المرأة الطيبة ومكثت عندها مع مجموعة من الناس لمدة أسبوع وكانت تقوم بتمويه الميليشيات لإنقاذ أرواحنا، قلت لزورا لا أريد أن أكون سببا في موتك خرجت إلى غابة مجاورة فقدت كل أفراد أسرتي بقيت أختي فقط عندما أتذكر أحزن ولكن هناك لقاء في الآخرة واليوم أكرر شكري لزورا على إنقاذي وآخرين من القتل لقد كان موقف المسلمين إيجابيا كما فعلت زورا ربما هي استفادت من القرآن لو كان أمثال زورا كثيرين لنجا كثير من الناس.

عبد القادر دعميش: ازداد عدد المسلمين بعد المجازر وازداد عدد الذين اعتنقوا الإسلام هنا في منطقة نيامزا العاصمة الملكية القديمة لم تقع أحداث قتل تذكر فالأخوة الإسلامية كانت أقوى من الانتماء العرقي القبلي.

عثمان كبيريتي – إمام: في سنة 1948 أعتقد قررت الحكومة الاستعمارية أن يبعدوا المسلمين عن المدينة لأنهم كانوا يزعمون أن الأذان يؤذيهم كان هناك ملك رواندي معروف رفض ذلك رفض إبعاد المسلمين عنه فأشترى لهم هذه المنطقة هذه الأراضي فسكنها المسلمون منذ 1948 وبني هذا المسجد سنة 1952 معظم الناس الذين دخلوا في الإسلام دخلوا بسبب أن المسلمين لم يشاركوا في هذه الحرب معظم المسلمين دخلوا جاؤوا هنا كلاجئين الذين كانوا يخافون من هذه المجازر كانوا يلجئون إلى المسلمين.

صالح هابيمانا – مفتي ورئيس جمعية مسلمي رواندا – (AMUR): المسلمون هنا في رواندا يصونوا التصاهر أكثر عدد من آبائنا كله من قبيلة هوتو وأكثر عدد من أمهاتنا كله من قبيلة التوتسي هذا جعلنا نقف في الوسط وبالتالي الإسلام هو الذي ساهم كثيرا في حفاظ المسلمين من التورط في المجزرة وكان هناك تصريح للرئيس الأول بعد المجزرة الذي أشار إلى أن المسلم لم يشارك في المجزرة لأنه مسلم فالموقف الإسلامي في أثناء المجزرة كان موقف إيجابي يعطي سمعة إلى الإسلام والمسلمين في العالم.

اريك كابيرا – مخرج: أتذكر يوما لدى تغطيتي للقاء شارك فيه باحثون وأساتذة أميركيون وقد قاموا بدراسة معمقة حول تصرف المسلمين والإسلام خلال حرب الإبادة وظهرت عدة اعترافات إذ عند وقت ما عرف الناس أن الإسلام والمسلمين عموما لم ينخرطوا في حملة الإبادة وخاصة في مدينة كيغالي لقد لجاء كثير من الناس للاحتماء بالمساجد ولم يكونوا مسلمين وكان راديو الدعاية التابع للقتلة يبث رسائل حقد تقول أيها المسلمون هناك خنازير هربت إلى مساجدكم كان هذا مؤثرا ومزعزع وأثبت أن الإسلام لم ينخرط في حرب الإبادة.

عبد القادر دعميش: خلال مائة يوم أزهقت أرواح نحو مليون رواندي لقد كانت أسرع حرب إبادة (GINOSITE) في التاريخ لنرى بعد قليل كيف يحاول الروانديون التغلب خوفهم وغضبهم وإنجاز مصالحتهم.

[فاصل إعلاني]

التعايش السلمي وفرص المصالحة

عبد القادر دعميش: اسمها مدينا تبلغ ستة وعشرين عاما متزوجة ولها بنتان تبلغان ست سنوات وثلاث سنوات، كان اسمها نيكول اعتنقت الإسلام قبل ست سنوات قالت أن وحدانية الله هي منارتي، تتصارع لدى مدينا مشاهد الغضب والخوف لقد شهدت هول ما وقع عام 1994 وكان عمرها أربعة عشر عاما نجت من المجزرة ولكنها فقدت كل أهلها وأحبتها مرارة كبيرة تتجرعها مدينة عندما تتذكر عندما تتذكر بالخصوص يوم السادس يونيو 1994 الرابعة بعد الظهر في حي نيامي رامبو.

مادينا اومورونغي – نيكول سابقا – ناجية من الإبادة: في الثامن من أبريل عام 1994 جاءت ميليشيات الانتراهاموي كانوا يصفرون ويزمجرون كان بعضنا مختبئ في مقر الإخوانية الكاثوليكية كنا هنا في نيامي رامبو أمي وأبي وإخواني الصغار بعضنا الآخر كان مختبئ في أقسام مدرسة مجاورة ضيق المكان الذي كنا فيه صعب التنفس وعطش الأطفال الصغار على وجه الخصوص أخي الصغير كان يبكي من العطش ليس هناك ماء لقد غرفنا له الماء من الحمام اضطرارا وشرب منه، كنا نسمع خطوات في الخارج تتسارع نحونا نصحنا كبار السن بالتزام الصمت والهدوء وطلب الإخوان الكاثوليك قائمة أسماء الأسر الموجودة قالوا أنهم سيعطونها لكنيسة سانت اندغي المجاورة لكن القس خالف وعده وأخذ القائمة ورجع ومعه مجموعة من الميليشيات والجيش بدؤوا مناداة الناس وساد الرعب، ضربوا الناس وساقوهم إلى حفر الموت كانوا يركعوننا قبل القتل كانوا يستخدمون السواطير والخناجر الكبيرة والعصي ذات المسامير ويطلقون الرصاص، لقد قُتلت والدتي في تلك الظروف القليل فقط ينجو مصابا دون حراك من الجثث ماتت والدتي وكنت بين الجثث عادوا للتأكد من موت الجميع ووجدوني، قلت لهم لا تقتلوني فأنا أعرف مكانا فيه مال ففعلوا ولكنهم أمسكوا أخي الصغير الذي كان يصرخ مسكوه من رجليه وقلبوه إلى الأسفل وقطعوا رأسه بالساطور.

عبد القادر دعميش: كم من الأرواح زهقت كم من المنازل تحولت إلى قبور لأهلها مجازر الإبادة خلفت مليون قتيل ومئات آلاف الأيتام والأرامل وقصص مآسي لا حصر لها، أي شمس تجفف دموع مدينا كي يستقيم درب مستقبل رواندا، مدينا ليست ضد مستقبل وطنها ودولتها ولكن هل أن شمس بلدها تجفف الحقد الذي جعل منها ضحية على قيد الحياة؟ إنه مسار متعدد الدروب المتفق فيه أن لا مصالحة من دون عدالة وأنها عدالة تبدأ من الشعب من تقاليد فك الخلاف انطلاقا من جلسة على العشب وهذا هو معنى الجتشطشا، من الغريب أن يلبس المتهمون بالقتل اللون الوردي لون الأمل، نعم هذا بالضبط ما تريده الحكمة الرواندية كان اللون سابقا أسود قاتما وفرضه الاستعمار ولا يتعجب المرء كيف يتم التفاعل بين متهمين بالقتل مع الضحايا والشهود والأسر وتحت أنظار قوة الدولة المصالحة في رواندا تتطلب العفو والعفو يتطلب الاعتراف الصادق والتفاصيل تصنعها كينونة البشر في لحظة معينة ولكن لا ينبغي النسيان فجروح رواندا مازالت طرية، الجميع يجري مداولاته وتوقعاته بالحكم، الكاميرا لم تصور تفاصيل الجلسة وأقوال الشهود والمتهمين، أحد الثلاثة اعترف بما اتهم به وسينقل من السجن ليقضي نصف ما تبقى من عقوبته في القيام بالأشغال ذات الصالح العام والثاني أنكر كل شيء حكم عليه بثلاثين سنة سجنا والثالث أنكر كلية ثم عاد فأعترف وهذا ما يعتبره الروانديون عدم احترام فحكم عليه بخمسة وعشرين عاما سجنا ولكن بإمكانه الاستئناف، الدولة الرواندية تريد مستقبلا بلا أحقاد، إنه تحدى كبير فكيف السبيل إلى الجمع بين العفو وعدم النسيان والمصالحة ثلاثة معاني صعبة في رواندا فأي عدالة للضحايا وأي عدالة للقتلة.

موسى فاضل هاريريبيمانا – وزير الأمن الداخلي: من خطط (GINOSITE) مجازر الإبادة الوحشية يكون في المرتبة الأولى القتل ومَن دخلوا شجعوا في أن يتداخلوا في هذه المجازر الوحشية يكون مرتبة ثانية نفيه من الأرض والذين دخلوا ويهدمون البيوت والمنازل سرقوا مرتبة ثالثة ثم قلنا هذه المراتب، القرآن الكريم في نهاية الآية يقول {إلاَّ الَذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} عشان نعرف حقيقة المجازر الوحشية لابد أن نقول للناس مَن يريد يتوب ويعلم كيف جرت هذه المجازر ممكن نخفض منه العقاب في تحديات أن تجد واحد قتل أباك وقتل أمك وبقيت أنت يتيما ثم يقر على أنه قتل فيخرج من السجن ويأتي في بيته ويعمل لأسرته وأنت يتيما ما عندما ما يساعدك لأن نريد الإصلاح والوحدة لابد أن نساعد هذا اليتيم عشان هو لأنه ما عنده الفروع ما عنده الأصول لابد أن نساعده كالحكومة ولكن الحكومة التي تساعد ذلك حكومة فقيرة هي دولة رواندا.

فرانسوا كزافييه نغارامبي: المصالحة بالنسبة للناجين هي قبل كل شيء مسار له شروط إذ لا يمكن أن تتحقق المصالحة من دون عدالة لا يمكن أن تكون هناك مصالحة من دون عدالة للضحايا والاعتناء بهم وتطييب خاطرهم، نعتقد أن المصالحة ممكنة المصالحة ضرورية لبناء المستقبل ولكن يجب أن تتوفر الشروط.

عبد القادر دعميش: هذا المكان في تلة موغينا بمحافظة غيتراما ليس سجنا هذا واحد من مراكز تأهيل الذين اعترفوا بأخطائهم بجرائمهم قبل العودة إلى المجتمع، هنا يقومون بأشغال الصالح العام فصقل الحجر الذي يستخدم في البناء والطرقات وغيرها طريقة لطلب العفو كما هو ثقل لذهن يتيما بعد مجازر الإبادة ليبيراتا متهمة بتسليم ابن جارتها للقتلة لقد اعترفت بذلك ستقول أنها تصلي وتدعو لخير رواندا ولكننا لم نعرف ماذا تقول جارتها التي فقدت ابنها.

ليبيراتا: أملي أن أقضي العقوبة المحكومة علي وأعود إلى منزلي وإلى المجتمع للعيش معا لقد تعلمت صقل الحجر والتصالح مع الناس سأصلي كثيرا وسأدعو لبلدي من أجل ألا يتكرر ما وقع من إبادة أرجو أن يسود الأمان في حياة الروانديين.

عبد القادر دعميش: يقبع في هذا المركز أكثر من سبعمائة سجين اعترف بجرائمه عندما يقارنون بين قضاء عقوباتهم بالقيام بالأعمال ذات الصالح العام وبين السجون التي كانوا فيها فأنهم يجمعون على أفضلية هذا المركز فهنا يتناولون وجبتين في اليوم إضافة لمشروب ساخن صباحا بينما لا يتناولون في السجن سوى وجبة واحدة في الأربع والعشرين ساعة، هذا علاوة على الهواء الطلق والزيارات العائلية أي الذهاب والاستقبال في نفس الوقت ويظل الهدف في هذا المركز ومثله من المراكز الأخرى التأهيل لحياة مجتمعية جديدة ما بعد الإبادة تفاصيلها هنا ليس عدد الأحجار المصقولة بل صقلها جيدا.

"
هدفنا مساعدة مرتكبي الجرائم في السابق على المصالحة والانخراط في المجتمع عن طريق التربية المدنية ليتفهموا الإطار الذي يرسم سياسة البلد فيتعايشوا معه
"
   تيوفيلا نييرا هونورا

تيوفيلا نييرا هونورا – منسقة برامج أعمال الصالح العام: الاندماج هو العودة إلى المجتمع مع كل ما تم ارتكابه في السابق كان الأفراد الموجودون هنا قد تلقوا تربية سيئة دفعتهم إلى قتل الناس والآن بعد أن فهموا ما ارتكبوه من سوء جاء وقت المصالحة فمع مَن يتصالحون أنهم سيتصالحون مع الناس ومع البلد والتصالح لا يعني فقط طلب العفو وإنما أيضا انخراط في السياسة الجديدة للبلد التربية المدنية التي نعطيها هنا هي لمساعدتهم على معرفة الإطار الذي يرسم سياسة البلد وهكذا عندما يفهمون هذا ويعودون إلى المجتمع سوف لن يكونوا عناصر خطر عليه وحينها يمكن الحديث عن المصالحة لأنه إذا استمررنا في إضمار الكراهية هناك خطر الانتقام وهذا ليس هدفنا نحن اخترنا طريق المصالحة وإعادة بناء بلدنا وبالضبط من أجل صنع تاريخ آخر نريد نهاية الماضي، لا نريد تكرار الإبادة ولهذا يجب مساعدة الذين تورطوا أنهم يدركون النظرة الجديدة من خلال قيامهم بأعمال الصالح العام إذ نحن بصدد تطوير بلدنا وليس بصدد التمييز العرقي كلنا روانديون وكلنا أبناء نفس البلد بالأحرى علينا العمل من أجل مستقبل بلدنا.

جون فرانسوا: كنا في سياسة سيئة حرضونا واستجبنا واعتدينا على إخواننا لقد أتيحت لي الفرصة للقيام بأعمال الصالح العام أن هذا يشعرني بالسرور ويعطي معنى لطلبي العفو.

ايمانويل انبونا كوليني – أسقف الكنيسة البروتستانتية في رواندا: عندما بدأ إطلاق سراح المشتبهين بارتكاب الإبادة تسألنا عما يجب القيام به وقلنا يجب أن نلتقي كمؤمنين ثم كقادة لقد التقينا معا لأربعة أيام تحدثنا عن مشاكل رواندا وتحدثنا عن المشاكل في مضض ولكننا مسؤولون، ما الذي ينبغي فعله؟ قررنا أن تكون المعتقدات الدينية معا لمرافقة المشتبهين الذين أطلق سراحهم إلى ديارهم داخل العائلة وداخل المجموعة الاجتماعية وفي مساجدهم وكنائسهم ولكن الهدف هو كيف السبيل إلى العيش بانسجام.

صالح هابيمانا: التعايش السلمي ولكن في نفس الوقت غير الاستسلامي، نتعايش معهم ونفكر معهم ونجمع ثلاثة دفعات هناك دفعة الذين نجوا من المجزرة وهناك دفعة ثانية للذين كانوا محكومين في السجن ولكن أطلق سراحهم والآن يعيشون معنا في الخارج وهناك أسر لبعض الناس الذين مازالوا في السجن هذه الدفعات الثلاثة نتعامل معهن نتعامل معهن عبر هذه المنظمة التي تربط الأديان المتواجدة على ساحة رواندا رئيس هذه المنظمة طبعا من الكنيسة البروتستانتية وأنا أبقى نائبه الأول.

فرانسوا كزافييه نغارامبي: تحقيق الانسجام في مستقبل رواندا يتوقف على قدرة الروانديين في مستقبل رواندا يتوقف على قدرة الروانديين على بناء مجتمع مختلف عن ذلك الذي أدى إلى حرب الإبادة فمجتمع الإبادة كان مبنيا على التهميش والكراهية والتفرقة العرقية والآن يجب بناء مجتمع قانون حيث يكون كل الروانديين متساويين ويكون كل الروانديين فخورين لكونهم متساويين فخورين بالعيش المشترك وبالاحترام المتبادل بين هؤلاء وأولئك وبالتالي المصالحة والانسجام ممكنان إذا كانت هناك دولة قانون حقيقية ومن شروط دولة القانون هذه العدالة وإنصاف ضحايا حرب الإبادة.

عبد القادر دعميش: هول ما وقع في رواندا عام 1994 يجعلها ورشة استثنائية، لم تقعد رواندا منتظرة بكاء المجموعة الدولية بعد أزمة ضمير دروب الروانديين للعودة للحياة ليست من دون منعرجات ولكنهم يعرفون إقامة الاحتفال في نيانغي كان موعد بين فاطمة ابنة المرحوم الحاج انداغيزا والسكان لتلمس مشترك بتفاصيل حياتية الموعد يبدأ بنشيد حب لرواندا يا رواندا الجميلة المسبوكة بالتلال والبحيرات والبراكين يا وطني لتغمرك السعادة فكلنا أبنائك (ABANYARWANDA) لنغني لمعانك وننشد مكارمك أنت وطني حضننا جميعا فلتتلألأ دوما يا وطن الازدهار يحفظك الله يا إرثا غاليا الذاكرة ألم وشجاعة فمع أنه تذكر لضحايا فهو ليس يوما للحزن، فاطمة ذكرت بشجاعة رفضت أن تقول للقتلة أن هي هوتو أم توتسي غدا يوم آخر تصنعه الأجيال.

فاطمة انداغيزا – رئيسة اللجنة الرواندية العليا للمصالحة والوحدة: أشكركم على حسن الاستقبال، رأيت فرقة للرقص أريد أن نرقص جميعا فهذا ليس يوما للحزن، هل هناك مَن استفاد من الإبادة؟ هل المصالحة ضرورية؟ أريد أن أقول لكم اليوم أننا قطعنا خطوات مهمة في بناء وحدتنا ودولتنا، المصالحة إخواني لا تحتاج شهادة إنها تحتاج ضميرا، بعد حرب الإبادة يعيش الناس في انسجام اجتماعي إذ ليس هناك وطن للهوتو ووطن للتوتسي وليس لدينا معسكرات للضحايا ومعسكرات للقتلة، اذهب إلى أي مكان في رواندا ستجد الروانديين يعيشون معا هناك احترام متبادل في المدارس التلاميذ معا المستشفيات تقدم نفس الخدمات والرعاية للجميع دون تمييز عرقي، لاحظ كيف يحيي الروانديون بعضهم، إن هناك حب وأخوة في العمل في الجيش في الشرطة في المجتمع المدني في الكنائس وفي المساجد كل الروانديين على اختلاف مشاربهم يعيشون معا أيضا.

عبد القادر دعميش: في مركز غيسوزي بالعاصمة كيغالي يأتي الناس للتذكر والاتعاظ كيف أن الإنسانية لم تسمع صراخ أطفال يقتلون، هذا هو الطفل مامي كان يحب أكل البطاطا المقلية والجمال الذي يستوحيه من أمه حب ورقصا عندما جاء القتلة كانت كلماته الأخيرة أمي أين يمكنني أن أهرب لقد قتل بعدة طلقات.

اليز ايغيهوزو: أمر مؤلم للغاية لأنهم أطفال وصغار جدا لا يدركون شيئا لا يعرفون حتى لماذا قتلوا ومع ذلك قتلوا بأسوأ شكل.

يانيك جيزا – فريد: بالنسبة لي لتجنب إبادة يجب تجنب التفرقة بين هوتو وتوتسي إنه بلد واحد وهو بلدنا ببساطة أننا كلنا روانديون، رواندا بلدنا الجميل والغالي المسبوك بالتلال والبحيرات والبراكين.

[مقطوعة غنائية]

يا وطني لتغمرك السعادة كلنا أبناؤك (ABANYARWANDA) لنغني لمعانك وننشد مكارمك أنت وطني حضننا جميعا فلتتلألأ دوما يا وطن الازدهار يحفظك الله يا إرثا غاليا كسانا خيرا بلا حدود ثقافتنا المشتركة هي هويتنا لغتنا الوحيدة توحدنا فليكن ذكاؤنا ووعينا وقوانا خيراتك المتنوعة أسلافنا النفيسون كرسوا أرواحهم وأجسادهم لجعلك أمة كبيرة يا وطني.

المصدر : الجزيرة