رحلة في أزمة دارفور
تحت المجهر

رحلة في أزمة دارفور

محمد صوفي يفتح ملف دارفور الذي تتعدد فيه الثقافات والأعراف. يبلغ تعداد الإقليم نحو خمسة ملايين نسمة، ومن حيث الثقافة والدين يتحدث بعضهم اللسان العربي ويتحدث البعض الآخر لغات أفريقية.

– دارفور.. الموقع وطبيعة السكان
– مرتكزات الصراع القبَّلي في دارفور

– أزمة دارفور وتأثير التدخل الخارجي

– اتفاقية السلام ومستقبل دارفور


undefinedمقاتل من دارفور1: نقاتل من أجل الظلم، نقاتل من أجل الحرية، نقاتل من أجل القهر الثقافي، القهر الكيمائي، القهر الاقتصادي، القهر الديني، نحن مقهورون من كل الأشياء لذلك نقاتل حتى صوتنا ينجلي وقيدنا ينكسر.. بس إحنا نطلب من المجتمع الدولي يحمي هؤلاء المواطنون لست أنا، نحن نحمي أنفسنا بهذه الأسلحة.

دارفور.. الموقع وطبيعة السكان

محمد سالم الصوفي: إن الظروف والمسببات التي تقتضي من أي مواطن أن يقرر حمل السلاح في وجه سلطات بلاده تستحق التوقف والمراجعة، لا مناص لمن يتناول قضية كهذه من وقفة تردد تتملكه فيها الحيرة فلا يدري من أين يتخذ مدخل للولوج إلى الموضوع وتلك إحدى سمات الأزمة ونحن هنا أمام أزمة.. إنها أزمة دارفور، سنحاول في البداية ونحن نتلمس طريقنا للتغلغل في غضون الموضوع أن نسترشد بفك بعض متعلقاته الموضوعية، يقع إقليم دارفور بولاياته الثلاث في أقصى غرب السودان تحده من الشرق الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان وولاية غرب كردفان ومن الجنوب تحده ولايتا شمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال ومن الشمال الغربي الجماهيرية العربية الليبية ومن الغرب جمهورية تشاد ومن الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى، أما مساحة الإقليم فتناهز مائة وستة وتسعين ألفا وأربعمائة وأربعة أميال مربعة أي ما يمثل خُمس مساحة السودان نفسه ونصف مساحة مصر ويساوي مساحة فرنسا، في هذا الحيز الترابي الذي يسمى دارفور يعيش شعب ينحدر من أصول عرقية شتى وله مشارب ثقافية متنوعة.. يبلغ تعداده نحو خمسة ملايين نسمه ومن حيث الثقافة والدين يتحدث بعضهم اللسان العربي ويتحدث البعض الآخر لغات أفريقية مختلفة ويدينون جميعا بالإسلام.

مجذوب الخليفة- مسؤول ملف دارفور في الحكومة السودانية: هناك أعراق متكاملة، أعراق عربية وأعراق أفريقية، ليست هناك قبيلة أفريقية 100% ولا عربية 100% هي أعراق متكاملة وهكذا السودان تكونت نتيجة هذا التجانس والاختلاط ودارفور قبل هذا وكله مسلمة 100% ولغتها اللغة العربية وفي أكثر حفظة.. فهي العروبة جزء من ثقافتها لأنه العروبة لا تعني العنصر.

محمد سالم الصوفي: ولعل الموقع الجغرافي لدارفور واختلاف أصول أهله العرقية وتنوع مشاربهم الثقافية وتباين أنماط عيشهم، كل ذلك كان له مغزى خاص في تفجر أزمة دارفور وتطوراتها المختلفة.. أما الفروع الرئيسية لقبائل الإقليم فهي الفور، الزغاوة، المساليت، التاجو، التنجور، النوابية، التاما، المحاميد، البرقو، الرزيقات والمسبعات  وغيرهم من القبائل الأخرى، هذا الخليط البشري يعيش في هذا الإقليم القاحل المترامي الأطراف ذي المصادر الطبيعية الشحيحة وينقسم هؤلاء ا لسكان من حيث الأنشطة الاقتصادية إلى رعاة من أصل عربي ومزارعين من أصول زنجية أفريقية ولم تكن مواشي الرعاة أبدا في يوم من الأيام صديقا حميما لحقول المزارعين.

مجذوب الخليفة: تعقدت هذه القبائل في الآونة الأخيرة منذ عام 1984 ظروف الجفاف والتصحر وقلة الموارد وأصبحت قضية المداخلات بين الرعاة وهم أصحاب إبل وأبقار وأنعام كثيرة في السودان كلها في دارفور وبين المستقرين من المزارعين تزداد والمسارات تضيق وهناك حوالي أربعة عشر مسار معروف في دارفور كرحلة الشتاء والصيف يعني من مناطق في الشمال إلى الجنوب حتى بحر العرب في تلك المنطقة، أضف إلى.. ولذلك هذه زادت من حدة وأعادت هذه الخلافات المختلفة.

مرتكزات الصراع القِبَلي في دارفور

محمد سالم الصوفي: وقد مثَّل شح المصادر الطبيعية عموما والماء بشكل خاص أحد أبرز مرتكزات الصراع الرئيسية في دارفور، أزمة المياه التي كانت من الأسباب المباشرة لمأساة دارفور ما زالت تطارد الأهالي هنا في معسكراتهم التي أقامتها المنظمات على الحدود السودانية التشادية، إذاً كان النزاع على الموارد الطبيعية والتباين الثقافي والعرقي من بين الأسباب الكبرى للأزمة فضلا عن عوامل عديدة أخرى تتعلق بالإخفاق المضطرد في سياسات غير حكيمة استمر تطبيقها عقود متتالية انتهت بإقليم دارفور إلى ما وصل إليه من مأساة خطيرة وأفرزت بروز حركات مسلحة مقاتلة حملت السلاح في وجه السلطة وفي وجه بعضها أيضا، من أبرزها حركة العدل والمساواة التي تصفها بعض الدوائر على أنها امتداد لحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي.

خليل إبراهيم- حركة العدل والمساواة: أنا لا أرى وجاهه في هذا الاتهام وهذا الحديث ينم.. كأنك تريد أن تقول أننا خاضعون لسيطرة جهة ما أو نعمل تحت إمرة جهة ما وهذا ليس صحيح، نحن في حركة العدل والمساواة السودانية حركة مستقلة تماما، هي حركة قومية (Across the country) على مستوى القطر، نحن نرعى مصالح شعبنا، نراعي مصالح إقليم دارفور وصحيح لدينا علاقات طيبة مع الغرب هذه حقيقة.

محمد سالم الصوفي: وبرزت أيضا حركة جيش تحرير السودان التي يعتبرها البعض مقربة من الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق، كما أفرزت في المقابل مليشيات الجنجويد المحسوبة على الدولة والتي ذاع صيتها بسبب ما وصِف ببشاعة الممارسات وفظاعة الدور الذي قامت به ضد أهالي دارفور وهي أمور تنفيها الحكومة السودانية بشدة.

مجذوب الخليفة: هذا ليس له معنى، هذا شعار سياسي يريد أن يلصق.. نحن نتكلم عن مليشيات خارجة على القانون من كل القبائل ولذلك ليست هناك مليشيات عربية بعينها تضرب الآخرين لكن هناك مليشيات ومجموعات خارجة عن القانون وهناك مجموعات مسلحة في القبائل، هذه القبائل مسلحة بطبيعة الحال في أفريقيا الوسطى وفي تشاد وفي السودان وفي غيرها من مناطق أفريقيا كما في بعض المناطق العربية وقضية.. حتى المسمى المحلي تورا بورا للمليشيات الموجودة في جبل مرة وبشمرجة وده كله من آثار الحرب في العراق وفي أفغانستان، المليشيات الموجودة في مناطق شمال دارفور والمليشيات الأخرى تسمى جنجويد هذه أسماء محلية لا يراد بها قبيلة معينة والحكومة لم تنشئها كما قلت لك في التاريخ ولا تدعم أي من المليشيات.. إنما تقاتلها جميعا كما تقاتل التمرد، التمرد هو أول من بدأ واستفز القبائل ومجموعاتها لترد عليه حماية عن نفسها وجاءت الحكومة لتبسط الأمن على الجميع في كل المواقع.

مقاتل من دارفور2: أولا الحكومة من الجهل والظلم عن طريق الجنجويد أو الضغوطات الإنسانية والضرب انتينوف وحرق القرى.. حصلت لنا في دارفور واغتصاب بطريقة غير مشروعية من الظلم والجهل الذي كون حكومة سودانية عن طريق الجنجويد وأعطاهم سلاح.. قوات مليشيات غير منظمة التي انتشرت في دارفور وحتى الآن الحكومة تحميها وتقول ما في جنجويد والجنجويد هم دارفوريين وهم سودانيين، فعلا هم سودانيين لكن تكوين السلاح وحمل السلاح بطريقة غير منظمة لأنه هنا فيه ظلم كثير جدا حصلت لنا في دارفور

مجذوب الخليفة: دون شك كانت هناك آثار وهكذا الحرب، بعض الأبرياء قُتِلوا، بعض الناس ضعيفي النفوس استغلوا الظروف وضربوا بعض الأبرياء في قراهم ومناطقهم ومن ثم جاءت مأساة اللاجئين والنازحين لكن السؤال أين ذهب النازحين أين ذهب؟ النازحون ذهبوا بنسبة 90% إلى مواقع الحكومة في نيالا في الجنينة في الفاشا، فلا يذهب الفرد.. لا تذهب الفريسة إلى قاتلها فأتوا في مناطق الحكومة حيث الحماية وهربوا من مناطق التمرد ومناطق المليشيات الموجودة فيها، هذه فرية والآن الواقع يكذبها.

محمد سالم الصوفي: لا شك إذاً إنه خطب عظيم وأمر جلل ذلك الذي حمل أهالي دارفور إلى تجشم هذه المخاطر واقتحام مثل هذه الظروف، فما حقيقة الأمر وما الذي جرى بالفعل؟ ما هي الأسباب الكامنة وراء اندلاع الأزمة؟

محمد صالح أيوب– جامعة الملك فيصل– تشاد: قضية دارفور نظر إليها الجميع من مقاييس وموازين غير الموازين الاجتماعية السياسية الحقيقية للمنطقة، نحن في يعني النظرة السيسولوجية ونظرية علم الاجتماع نقول أن أزمة دارفور قضية اجتماعية سياسية اقتصادية في الأساس، عندما بدأت بوادر هذه الأزمة أول مَن تنبأ بها الحقيقة أخوة في جامعة الخرطوم، كتبوا كتاب بإسم الصراع القبلي في دارفور وقد تنبؤا في هذه الدراسة الاجتماعية التي أجراها علماء اجتماع في جامعة الخرطوم أنه إذا لم تقم الحكومة بأي مساعي لحل بعض القضايا التي أدت إلى خلخلة البناء الاجتماعي في منطقة دارفور وشعور بعض الجماعات بالهامشية وشعورها بنوع من الانفصام عن الشخصية السودانية وأنها ترى أنها تعامَل معاملة دونية، إذا لم تعالِج مثل هذه القضايا ذات الطابع الاجتماعي الصراعي.. يعني الصراع العرقي في بعض الأحيان فيه لمسة ذات طبيعة محلية أو جغرافية إقليمية إذا لم تعالَج ستقع شيء كارثة.

[فاصل إعلاني]

أزمة دارفور وتأثير التدخل الخارجي

محمد سالم الصوفي: وإذا كانت الأسباب الذاتية أو الداخلية للصراع هي أكثر شيوعا وتناولا لدى الناس فإن الكثيرين يعتبرون الأسباب الخارجية أكثر حسما وأبلغ أثرا في هذا الصراع.

محمد صالح أيوب: كل الذي يجري في غرب السودان ينعكس إيجابا أم سلبا على شرق تشاد وهكذا العكس.. أي حركة ديموغرافية اقتصادية سياسية اجتماعية تحدث في منطقة شرق تشاد تنعكس إيجابا أم سلبا على منطقة غرب السودان.

محمد الحبيب محي الدين– نائب في البرلمان التشادي: أخي مسألة دارفور هذه أنا أعتقد أنها هي مسألة يعني أكبر من أن تكون هي حرب أهلية أو قبلية لماذا؟ لو نظرنا وقلنا أن هذه المسألة حرب أهلية بين قبائل زنجية وقبائل عربية، هذه نظرية خاطئة لأنه إذا رجعنا إلى تاريخ دارفور نجد أن هذه القبائل التي ذكرتها إذا كانت قبائل زنجية أو قبائل عربية عاشوا في منطقة دارفور في وئام وفي أخوة وناضلوا جميعا في زمن الاستعمار.. بل قبل الاستعمار، في فترة الثورة المهدية نجد أن قبائل الور وقبائل الزغاوة وقبائل المساليت والقبائل العربية الموجودة كلهم كانوا تحت لواء الثورة المهدية ضد الإنجليز ولكن الذي يجري الآن.. يعني أنا أعتقد أن هذه المسألة مسألة مسيَّسة ومسألة قد تكون مقصودة من جهات لها فائدة في هذه المسألة.

محمد سالم الصوفي: ويُنظَر إلى الأسباب المتعلقة بطبيعة العلاقات مع السلطة المركزية في الخرطوم على أنها قد اتسمت دوما بانشغال الحكومات السودانية المتعاقبة على السلطة بالتصارع على تولي دفة الحكم وانشغالها كذلك بالأزمات الأخرى كحرب الجنوب مما جعلها تهمل دارفور إلى حد أذكى الشعور بالحرمان لدى سكانه وهو شعور قديم متجدد لديهم.. فلا طالما أعلنوا انزعاجهم وتذمرهم من عدم الاستفادة من البرامج التنموية للدولة.. ويرى كثيرون أن النخب السياسية السودانية المختلفة على طول مسار التطور الحديث للسودان استغلت وضعية دارفور لتحاول كل نخبة منها توسيع نفوذها ووضع العراقيل وخلق الأزمات للحكومة المركزية ولمنافسيها بهدف إضعافهم أو تحقيق مكاسب سياسية على حسابهم.

محمد صالح أيوب: تناقشت مع بعض إخواننا السودانيين، حينما نناقشهم نقول لهم لماذا تنفون الآخر؟ لماذا تنفون بعضكم البعض؟ يعني هذا النفي إذا لم يُعالَج في السنوات القادمة ستحدث بعض الإشكالات فيما يتعلق بغرب السودان وانعكاسها على البيئة التشادية وعلى الثقافة التشادية وعلى التعليم التشادي وعلى البناء الاجتماعي الديموغرافي التشادي شيء لا يعني لا يخالف فيه باحث متعمق يفهم ما يجري في القارة الإفريقية من تداعيات للأحداث ومن تأثير وتأثر بالأحداث في المناطق المجاورة لأن البيئة هنا هشة جدا.

محمد سالم الصوفي: وتأتي العوامل الثقافية وهي عوامل إذكاء وتأجيج لما يترتب على العوامل السابقة من نزاعات.. فانحدار بعض سكان الإقليم من سلالات عربية أو انتمائهم العربي يطفوا على السطح عند حدوث أي خلاف في مقابل انتماء الطرف الآخر إلى أصول زنجية إفريقية وهكذا تُثار النعرات العرقية ويدخل عامل التعصب للهوية ويُلبَس الصراع لبوسا عنصريا.. وهناك سبب يرتبط بموقع إقليم دارفور جغرافيا ضمن منطقة ظلت منذ فترة طويلة من الزمن مسرح لصراعات مسلحة دامية فهو محاط ببؤر توتر عديدة يمتد نطاقها من حرب الجنوب السوداني وما لها من تأثير بالغ في إيقاظ النزعة الانفصالية لدى كل متذمر على السلطة المركزية إلى الحرب الأهلية في تشاد التي استمرت زهاء ثلاثين عام، تلك الحرب التي لم تنطفئ جدوى فلولها في مناطق قريبة ومتاخمة لدارفور حتى الآن، ثم الحرب المأساوية في إفريقيا الوسطى والبحيرات العظمى فكان لتداخل القبائل وترابط الوشائج العرقية مع شعوب هذه البلدان دوره الكبير فانتقل عدوى النزاعات المسلحة في المناطق المجاورة إلى النسيج الاجتماعي للإقليم فاستشرى وانتشر سريان النار في الهشيم مع ما رافقه من انفلات أمني وظواهر النهب المسلح ويتأكد كل ذلك في منطقة ينتشر فيها السلاح جيئة وذهابا.. بل ويدخل تداوله واستعماله في تقاليد السكان وممارساتهم الاجتماعية اليومية.

موسى فكى محمد– رئيس الوزراء التشادي: هذه المنطقة فيها عصابات كثيرة مسلحة، فيها حتى قبل مشاكل دارفور الحالية السرقة، فيها نهب وفيها بعض المشاكل بين القبائل بين الرعاة وبين المزارعين، أحيانا بين الرعاة مع بعض وأحيانا ما بين المزارعين، إذاً فيها تأثيرات أمنية للحكومة حتى في بعض العصابات المسلحة المتسللة من تشاد ربما لنا بعض الأخبار أن كونت نفسها كصورة في هذه المنطقة وأحيانا بعض هذه العناصر وبعض عناصر الجنجويد دخلت إلى الأراضي التشادية وسرقت وقتلت، إذاً لا شك في أن فيه أثار كثيرة مشكلة دارفور في تشاد.

محمد سالم الصوفي: ومرت عقود بعد عهد الاستقلال كانت فيها كل دولة مستعمرة تعترف للدولة المستعمرة الأخرى بمنطقة نفوذها ولكن مع مطلع الثمانينيات وإطلالة النظام العالمي الجديد اختل اعتدال ميزان القوى بين هذه الدول وطفقت من جديد في سباق محموم من أجل بسط نفوذها على أوسع رقعة ممكنة وهنا تأجج صراع صامت بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية التي يرى بعض المراقبين إنها سعت إلى تحقيق مصالحها الخاصة في إفريقيا على حساب فرنسا التي تحتفظ بتراث من السبق الاستعماري في هذا الجانب من القارة الإفريقية لتمركز قواعدها العسكرية الكبرى قريبا من هذه المنطقة في تشاد وجمهورية وسط إفريقيا وساحل العاج.. وينظر الكثيرون إلى أن الأهداف من حرص الولايات المتحدة على تكثيف تدخلها لا تقتصر فقط على توسيع نطاق نفوذها في مقابل الدول الأخرى مثل فرنسا بل يتجاوز ذلك إلى مرامي وأهداف أخرى تتصل مثلا بمواصلة تصفية حساباتها مع السودان نفسه وحكومته التي تتهمها الإدارة الأميركية بأنها ساندت ما تصفه بالإرهاب في يوم من الأيام.. فوصل الموقف الأمني من السودان حد اتهامه بارتكاب مجازر جماعية ضد المواطنين من دارفور.

"
أعمال خرق القانون وحرق القرى غير العربية لا تزال متواصلة على أيدى الجنجويد والقوات الحكومية السودانية
"
كولن باول

كولن باول– وزير الخارجية الأميركي السابق: لقد توصلنا إلى استنتاج يقول أن عمليات إبادة قد حصلت فعلا في دارفور وأن الحكومة السودانية والجنجويد يتحملان مسؤولية هذه الإبادة التي قد تكون مازالت متواصلة، إن المقابلات التي أجريناها تؤكد أن هناك نمط مستمر وواسع الانتشار من أعمال خرق للقانون والاغتصاب وحرق القرى على يدي الجنجويد وقوات حكومية ضد القرى غير العربية وثلاثة أرباع المقابلات التي أجريَّت تنبئ عن مشاركة في هذه الهجمات.

محمد سالم الصوفي: ولكن ولوج الولايات المتحدة لساحة الصراع في هذه الأصقاع الإفريقية يتم أيضا في ظل معطى جديد يعتبر من بين العوامل الخارجية ذات التأثير البالغ في تفاقم قضية دارفور وفي كافة القضايا الأخرى وبؤر التوتر عبر العالم ونعني بهذا المعطى ظاهرة العولمة التي خلَفت زحاما في أذهان الشعوب ومخيلتها ونزوع إلى العصبيات الإثنية وتأكد هذا وأصبح أكثر حدة ووضوحا لدى الأقليات وخاصة تلك التي تعيش في مجتمعات ذات تعدد عرقي كبير فتأتي مخاوفها ترجمة لاستشعار وتوجس من مخاطر الذوبان والتهميش فتتحرك باتجاه تأكيد ذاتها والبحث عن موطئ قدم تحت الشمس.

معمر القذافي– الزعيم الليبي: دبت حمَّى في العالم ما بعد العولمة وفي ظل.. دخل إطار الفضاءات، حمَّى خوف من السحق فالأقليات حتى وصلت الاسم القبَّلي.. أصحاب الثقافات.. أصحاب العرق الواحد، الثقافة الواحدة، الأصل الواحد القبيلة الواحدة، الجماعات الصغيرة.. الصغيرة هذه خافت من السحق، يعني شيء سيكولوجي يعني حاجه نفسية، خافت من السحق من العولمة فراحت تحتمي بنفسها وتتقوقع وتأخذ موقف من الآخر من أجل حماية نفسها وهذا ليس في السودان فقط ولا في دارفور فقط في العالم كله.

اتفاقية السلام ومستقبل دارفور

محمد سالم الصوفي: وفي إطار الاهتمام الإقليمي والإفريقي بتداعيات أزمة دارفور المعقدة المتداخلة جاء مؤتمر قمة طرابلس في صيف 2004 والذي حضرته ست دول متاخمة للإقليم أو معنية بقضيته، تمخض عن خطوات وصفت بالمهمة أجهضتها الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمتمردين.

مصطفى عثمان إسماعيل– وزير خارجية السودان: إن حكومة السودان ستقدم كل التسهيلات حتى يتم تنفيذ القرارات الجديدة وثانيا بالنظر إلى المطالب الدولية فإن السودان يرحب بهذه الخطوات كما سيعمل على التنسيق بشأنها، ثالثا إن حكومة السودان سمحت للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى من يحتاجها.

محمد سالم الصوفي: وإن كانت تلك الخطوات قد عززت حسب المتابعين دور الاتحاد الإفريقي من خلال إقرار وتشكيل قوة حماية المراقبين كما يسميها البعض أو قوات حفظ السلام كما يسميها البعض الآخر.. ولا يختلف اثنان على أن قضية دارفور قد استحوذت على اهتمام دولي لم تحظى به قضية معاصرة، تمثل ذلك بحضور لافت للأمم المتحدة بكل هيئاتها ومجالسها ومن خلال الزيارات المكوكية لمسؤوليها التي أوصلتهم إلى أبعد نقاط الميدان وعلى رأسهم الأمين العام كوفي عنان ومن خلال جلسات مجلس الأمن الدولي، كما كان للدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن دورها وحضورها المؤثر من خلال زيارات مسؤوليها ومبادراتهم وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.

توني بلير– رئيس الوزراء البريطاني: آلاف من البشر يموتون يوميا ولا أحد يفعل شيئا تجاههم، جلب المساعدات الإنسانية لا شك أنه مهم للغاية فالمساعدات موجودة لكن الحالة الأمنية هي المشكلة التي تصعب علينا تقديم الدعم بشكل فعال وهذا لا يعني بالضرورة تدفق آلاف الجنود من دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك حاجة ماسة للدعم اللوجستي لتسهيل انسياب المساعدات.

محمد سالم الصوفي: وفي منعطف لافت في تاريخ السودان الحديث استجابت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان للضغوطات الدولية ووقَّعا اتفاق السلام الشامل مطلع 2005 والذي بُني على بروتوكولات نيفاشا الستة والتي يطرح المتابعون إشكالية حول مصداقية قدرتها على أن تكون إطارا مناسبا لحل مشكلة غرب السودان كما يقول الطرفان المتصالحان عنها.. على نفس النسق الذي تم مع الجنوب مع الاختلاف الشاسع بين الجهتين تاريخيا وثقافيا ودينيا واقتصاديا.

"
فيما عدا قضية الفدرالية التي يمكن أن تطبق في جميع أنحاء السودان، فإن بروتوكولات نيفاشا لم تقدم أي حلول أخرى
"
عكاشة السيد عكاشة

عكاشة السيد عكاشة– محلل سياسي: بروتوكولات نيفاشا ما فيها ما يشبه الحل إلا في نقطة واحدة هي قضية الفدرالية التي يمكن أن تطبق على كل أنحاء السودان، أما بقية ما جاء في هذه البروتوكولات.. الجنوب لا يشبه دارفور، الجنوب لا يشبه الشمال، الجنوب لا يشبه منطقة شرق السودان، القضايا متشابكة والقضايا مختلفة ولكن في نهايتها هي قضايا التخلف وقضية انعدام التنمية.

محمد سالم الصوفي: كما طرح الاتفاق سؤالا مَلِحا يتعلق بإمكانية أن يواجه الجنوبيين بنادقهم بعد اتفاقيات السلام مع الحكومة إلى حلفائهم المتمردين في غرب السودان بعد أن أصبح الجنوبيين جزءا من الحكومة المركزية.

جون قرنق– زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان: حتى قبل أن نؤدي اليمين هناك رغبة داخل الحركة الشعبية في تحقيق السلام في كافة أنحاء السودان.. في غربه وشرقه، حيث لدينا قبائل البيجا والرشايدة التي تقاتل في الشرق لذلك نحن نريد سلاما شاملا وفيما يتعلق بدارفور نود أن نرى تسوية سياسية عادلة للنزاع الدائر هناك وبذات الكيفية التي توصل بها مواطنو الجنوب وجبال النوبة.

محمد سالم الصوفي: ورغم غموض رهانات الحكومة والمتمردين على مفاوضات أبوجا المتعثرة البطيئة فإن المعطيات التي أفرزها السلام التاريخي بين الحكومة والجنوبيين لا يُعتقَد أنها ستزيد تلك الرهانات وضوحا ومازال الوقت مبكرا حسب المتابعين لتغليب التفاؤل على التشاؤم بشأن مستقبل دارفور وإن كانت القيادة السودانية ترى عكس ذلك.

عمر البشير– الرئيس السوداني: الأوضاع في دارفور والتطورات الإيجابية الموجودة الآن على الأرض سواء على مستوى الإغاثة والسماح للإغاثة بالوصول لكل المحتاجين أينما كانوا، أيضا تحدثنا عن العودة الطوعية للمواطنين إلى قراهم واللي بدت الآن الحقيقة بصورة كبيرة جدا وكثير من المواطنين الآن عايشين حياتهم الطبيعية وبيزرعوا في أراضيهم، الآن حقيقة لم تُسجَل أي أحداث لما يسمى بالجنجويد في ترويع المواطنين أو دفعهم من مواقعهم إلى المعسكرات بل بالعكس الآن في عودة من المعسكرات إلى القرى.

محمد سالم الصوفي: وفي انتظار كل الوعود والمبادرات يظل اللاجؤون ينتظرون، ينتظرون منذ وصول الدفعات الأولى منهم قادمين من دارفور ولكن اللاجئين أنفسهم بدؤوا يشعرون أن الانتظار قد يطول وبدؤوا يتفاعلون مع هذا القدر المحتوم ويحاولون التكيف مع حياة اللجوء القاسية من خلال تعزيز مساكنهم المكونة من الخيم وعرائش القش والحشائش، يعززونها بأبنية طينية متواضعة ويقيمون أسواق مقايضة صغيرة.. وبعد هل سيفيد ما يصفه المتابعون بعلاجات الكي أو البتر ربما.. التي يخضع لها السودان المريض اليوم؟ وهل سيصل السودان بحسمه لقضية الجنوب إلى نهاية النفق المظلم أم أن السودان سيظل كالسائر في الوحل كلما تمكن بعد جهد من رفع رجل غاصت رجله الأخرى في الوحل؟ وداعا.