قضايا الساعة

الانتخابات الجزائرية

الجزائر بعد أكثر من عقد من التجريب الديمقراطي، ومن الهزات السياسية الامتدادية، تساؤلات حول محاولات (البريستورويكا) الجزائرية بين استدامة عقدة الشرعية وعادات الهندسة الانتخابية.
مقدم الحلقة: مالك التريكي
ضيوف الحلقة: سعد جبار / محلل سياسي – لندن
قصي صالح الدرويش / رئيس تحرير مجلة الحدث الدولي – باريس
تاريخ الحلقة: 30/05/2002

– ظاهرة التزوير في الانتخابات الجزائرية
– ازدواجية الحكم في الجزائر ودور المؤسسة العسكرية

undefined
undefined
undefined

مالك التريكي: الجزائر بعد أكثر من عقد من التجريب الديمقراطي، ومن الهزات السياسية الامتدادية، تساؤلات حول محاولات (البريستورويكا) الجزائرية بين استدامة عقدة الشرعية وعادات الهندسة الانتخابية.


ظاهرة التزوير في الانتخابات الجزائرية

أهلاً بكم، تتنازع الجزائر في أذهان من يسمعون بها من بعيد خاصة في غير بلاد العرب صورتان تقريبيتان ومتنافيتان، الأولى هي صورة الحرب الأهلية التي لم تعد أنباؤها تفعل في الضمير فعلها لفرط التواتر والتشابه، أما الثانية فهي صورة موسيقى الرأي التي نجح شباب الجزائر في أن يخاطب بها شباب الإنسانية تنزيلاً لأنغام الغرب الجزائري منزلة الإشعاع العالمي، لكن توافي هاتين الصورتين على ما بينهما من التنافي يجد عبر الجزائر المعاصرة. ذلك السؤال الفكري القديم حو سر التلاءم الفاجع بين الروائع والفظائع.

أما الصور الأقل تقريبية حول الجزائر، فتتعلق بعمليتي غش حديثتين، إذ سبق للجزائر أن وقعت ضحية الغش في مونديال عام 82 حيث تواطأت ألمانيا مع النمسا على حرمانها من الوصول للدور الثاني، رغم انتصاريين جزائريين باهرين كان أحدهما ضد ألمانيا بالذات، وبعد عقد من ذلك وقعت الجزائر ضحية الغش في سباق آخر أي في زلزال سياسي لا يزال الجزائريون يعيشون على وقع هزاته الارتدادية حتى اليوم، هذا الزلزال الذي أحدثه إلغاء المباراة في انتخابات ديسمبر عام 91 قبل حتى أن يبدأ الشوط الثاني، على أن النخبة الحاكمة قد بدأت في معالجة عقدة الشرعية السياسية، منذ انتفاضة أكتوبر عام 88، إلا أنها لم تقبل اللعبة الديمقراطية على ما يبدو إلا قبولاً ذرائعياً يضمن النتيجة حتى قبل بداية اللعبة، وبفعل هذه الهندسة الانتخابية، فإنه يبدو أن (البريستورويكا) الجزائرية نجحت فيما أخفقت فيه (البريستورويكا) السوفيتية، أي تأمين استمرارية النظام الحاكم رغم كل مظاهر التغييب، مثلما يبين مصطفى سواق في التقرير التالي.

تقرير/ مصطفى سواق: يحمل المسار الديمقراطي في الجزائر منذ ولادته وزر الخطيئة الأولى ، فقد ولد بعد مخاض مؤلم بلغ ذروته في انتفاضة الخامس من أكتوبر عام 88 وسجلت شهادة ميلاده النخبة الحاكمة في دستور الثالث والعشرين فبراير عام 89 في عملية محبوكة لتدوير نظامها المهدد وطنياً بالسخط الشعبي ودولياً بدخول الاتحاد السوفيتي مرحلة الانهيار الكامل، وبموضة الإصلاحات الديمقراطية الشكلية انصياعاً للوضع الدولي الجديد، إذن لم يكن هدف النخبة المشرعة أو تلك التي سمحت بالتشريع إرساء ديمقراطية حقيقة، تسمح بالتعددية الحقيقة والمنافسة السياسة النزيهة والتداول السلمي على السلطة، كان الهدف تخليق شروط جديدة تسمح باستمرار النظام نفسه تحت عنوان الديمقراطية، ديمقراطية وظيفية قادرة ولو مؤقتاً على امتصاص الغضب الشعبي العارم، والاستجابة مظهرياً لمطالب حركة المعارضة الداخلية، الهدف تفتيتها وإفراغها من محتواها لاحقاً، وإرضاء الشروط الغربية الملحة على الإصلاح السياسي والاقتصادي بإقرار الديمقراطية وتحرير السوق، المصطلح المفضل عادة في الخطاب الرسمي هو المسار الديمقراطي الموحي بأن الديمقراطية تبقى مجرد مسار يمكن تبرير خطاياه بنقص التجربة لا بسوء النية، ويمكن حتماً تعديله وتغيير اتجاهه عند الضرورة، ليؤدي وظيفته الأساسية استمرار نظام الحكم نفسه.

عبد العزيز بلخادم (رئيس المجلس الشعبي الوطني سابقاً – عام 1991م): فنحن نلتقي اليوم ولآخر مرة لنختتم دورة خريف هذه السنة في ظل الديمقراطية التي كان الجميع ينشدها.

مصطفي سواق: تحمل النظام الجزائري نتائج أول ممارسة حقيقية للديمقراطية عندما انهزم أنصاره في أول انتخابات جزائرية نزيهة في يوليو عام 90، لكنه فقد صوابه عند ظهور نتائج الدور الأول من انتخابات ديسمبر عام 91 التشريعية، حيث اتضح أن السلطة كانت ستفلت من قبضته، رغم التعديلات التي أجراها على القوانين الانتخابية، كان على المسار الانتخابي إذن أن يوقف على خيار الشعب الديمقراطي .. أن يرفض بحجة حماية الديمقراطية من زلاتها، أما بقية القصة فأصبحت دليلاً مدرسياً لكيفية التخلص من ديمقراطية تتجرأ على تهديد النظام الحاكم، أعلن عن حل البرلمان دستورياً من دون أن يعلم بذلك حتى رئيس البرلمان نفسه، وفرضت على الرئيس الاستقالة لرفضه الموافقة على وقف المسار الانتخابي، وألغيت الانتخابات في يناير عام 92، وأعلنت حالة الطوارئ المستمرة حتى اليوم، وقمعت المعارضة الفائزة، واعتقلت قياداتها وحظر حزبها القانوني الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بعد فترة انتقالية لمؤسسات حكم عينت من طرف ذوي الحل والعقد، عادت السلطة إلى الانتخابات أملاً في الخروج من أزمة الشرعية مستعصية المطلوبة داخلياً وخارجياً، ومعها عادت حليمة إلى عادتها القديمة، ممارسة لعبتها المفضلة التزييف الذي شاب وإن بدرجات متفاوتة، كل الانتخابات التي أجريت منذ عام 92 بحيث أن تحقيق المجلس الشعبي الوطني نفسه المنتهية فترته أثبتت الممارسة الواسعة للتزييف في تشريعيات عام 97، كما أن انتهاك المسار الديمقراطي الانتخابي يتجاوز مجرد تزييف النتائج إلى ممارسات مبدعة لتضييق فضاء العمل السياسي التعددي والحريات التي تقوم عليها الديمقراطية، القيم الأخرى المكونة للممارسة الديمقراطية تكاد هي الأخرى تكون مغيبة أو مقلصة عملياً وجوهرياً رغم حضورها النظري أو الشكلي، كالفصل بين السلطات واستقلالية الفضاء وحقوق الإنسان والمحاسبة والشفافية السياسية والاقتصادية والإدارية ونحوها، أما حرية التعبير فتكاد تكون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فهي تتراوح بين حرية واسعة تتمتع بها الصحافة المكتوبة المستقلة وبين استعمال للتليفزيون مقيد يكاد يكون وقفاً على الحكومة وأنصارها.

تحميل السلطة الحاكمة مسؤولية تشوهات المسار الديمقراطي لا يعفي المعارضة بمختلف فئاتها من المسؤولية، فالخطاب المتشدد الذي تبنته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ذروة مجدها منح مبرراً شكلياً على الأقل لإلغاء المسار الانتخابي، والمرونة المفرطة وربما الانتهازية التي تبنتها بعض أحزاب المعارضة في تعاملها مع السلطة بمشاركتها في الانتخابات المزيفة، ودخولها التآلف الحكومي، منح شرعية صورية لممارسات مناقضة للديمقراطية، لا يمكن أن تنتهي إلا بالتطهر من آثام الخطيئة الأولى، خطيئة العلاقة المحرمة بين السلطة النخبوية المستبدة والديمقراطية.

مالك التريكي: يبدو إذن أن ما يسمي بالمسار الديمقراطي في الجزائر هو مجرد صبغة إجرائية اعتمدت بعد أحداث أكتوبر عام 88 لتسهيل ممارسة السلطة في وجه الانتقادات الداخلية والضغوط الخارجية، معنا الآن من لندن لبحث قضية التجربة الديمقراطية في الجزائر الأستاذ سعد جبار (المحلل السياسي وخبير الشؤون الجزائرية) أستاذ سعد جبار، ما رأيكم في القول بأن سبب انسداد الأفق السياسي في الجزائر الآن هو أن النخبة الحاكمة لم تكن أبداً جادة منذ عام 88 في انتهاج التجربة الديمقراطية.

سعد جبار (محلل سياسي – لندن): هو مقدمة البرنامج والشريط الذي سمعناه لخص القضية بشكل موضوعي للغاية، والبقية تفاصيل، طبعاً.. هنا يجب أن نحكم على الممارسات لا على الأقوال، وبناء على ذلك يمكننا القول وبكل نزاهة أن النظام منذ 92 قد استعمل كل الوسائل المتاحة من أجل وقف الديمقراطية ووقف أي فرص لبدء المسار الديمقراطي في الجزائر، وأحسن في ذلك وأفلح في ذلك ونستطيع أن نقول أنه أبدع إلى درجة أنه يمكن أن يجارى في بلدان شمولية وديكتاتورية أخرى بكل سهولة

مالك التريكي: لكن هنالك جانب يعتبر من جوانب الديمقراطية وهو الانتخابات والاستفتاءات في السنوات العشر الماضية بمعدل واحد كل.. كل سنة، ما معنى هذه الانتخابات إذن؟

سعد جبار: هي الانتخابات وحدها تعتبر.. لا تعتبر دليل على وجود الديمقراطية، وأكثر ما يؤكد ذلك أن الإتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية ودول شمولية كبيرة تكثر في الانتخابات لكنها لا نوفر الشروط الموضوعية للعملية الديمقراطية، وأهمها ما نقصد به هو أن عنصر الانتخابات ضروري في العملية الديمقراطية بمعنى لتمكين المواطنين من اختيار الأشخاص الذين يثقون فيهم وبرامجهم، وإن كانت أحزاب سياسية وبرامجها، ثم مراقبة الأداء بتاعها فيما بعد، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا عن طريق الفصل بين السلطات، الأشخاص الذين تعينهم وتختارهم ليكونوا منفذين للبرامج ولما تريده كشعب وكمواطنين، وبين من يراقبون تلك العملية من برلمانيين وجهاز قضائي و.. وأجهزة رقابة أخرى ومنها الصحافة، وهذا ما لم يتم في الجزائر على الإطلاق، نح ضيعنا فرصة بحيث أننا حققنا أو أجرينا عدداً قياسياً من الانتخابات إن كانت الانتخابات تحل المشكلة، لحلت الأزمة الجزائرية لأن أكثر النظام..

مالك التريكي [مقاطعاً]: الأزمة الجزائرية.. أستاذ.. أستاذ سعد جبار، الأزمة الجزائرية الحقيقة هي الأزمة الاقتصادية، الطبالة تطال الآن ثلث القادرين على العمل، وهنالك حوالي نصف مليون عامل فصلوا من وظائفهم، الدولة خرجت من إدارة الاقتصاد، وهنالك نوعاً من الانقلاب على النظام الاقتصادي في الجزائر المرور رأساً من الاشتراكية إلى نوع من الفوضى الليبرالية، أليس هذا هو الخطر الحقيقي؟

سعد جبار: نعم، هنالك أزمة اقتصادية خانقة، هنالك أزمة اجتماعية خانقة، هنالك أزمة أمنية خانقة، لكن في الوضع الجزائري المصدر هو الوضع السياسي، لماذا لا يمكن أن ندخل نظام السوق، أو الاقتصادي الحر دون أن تكون هنالك شروط موضوعية لأن الذي استفاد من الوضع المتردي الأمني والسياسي في الجزائر هو (الكارتير) الذي أصبح يسيطر على السوق بمعنى الذين هم الآن في السلطة، والكمشة [المجموعة] النافذة أصبحت تسيطر هي الأخرى على السوق بمعنى لا يمكن أن يتنافس رجل أعمال يعني عادي مع الذين يرتبطون بالنخبة في السلطة، الذين يستوردون كميات كبيرة من السلاح دون أن يدفعوا الجمارك ولا يدفعوا ضرائب، فهذه واحدة.

الحاجة الثانية البطالة الكبرى، لأن المصانع قد أغلقت أو سرح عمالها أو أن البقية منهم مهددون بالتسريح لأن المنتجات أًبحت لأن لا تتنافس مع ما هو مستورد، إذن لا توجد خطة اقتصادية، وبالتالي فإن المنتفع من الوضع الحالي سياسياً واقتصاديا واجتماعياً هي النخبة الحاكمة التي أوقفت المسار الانتخابي في 92، و (…) الجزائريين اليوم ليؤكدوا لك أن الذين لا يرتبطون مع أركان النخبة الحاكمة لا يمكنهم أن يصلوا أو أن يمارسوا العملية التجارية، أو أن يستفيدوا بأي حال من الأحوال حتى بالطرق النزيهة أو بالطرق الشرعية المطلوبة، وعليه فإن الوضع الحالي أصبح..

مالك التريكي: أستاذ.. أستاذ سعد جبار (المحلل السياسي وخبير الشؤون الجزائرية) شكراً جزيلاً لك.

هنالك السلطة الفعلية كما أن هنالك السلطة الشكلية بهذين المصطلحين المتقابلين تشير اللغة السياسية المتداولة إلى ازدواجية الحكم في الجزائر، وذلك حسب اعتقاد شائع يقول بأن مظاهر السلطة هي في يد الرئاسة والحكومة أما حقيقة السلطة فهي في يد المؤسسة العسكرية، فهل صحيح أن الأزمة الجزائرية هي رهينة هذه الازدواجية.

[فاصل إعلاني]


ازدواجية الحكم في الجزائر ودور المؤسسة العسكرية

مالك التريكي: تسمى في الفكر السياسي الغربي بالخرساء، وخرسها علامة رضاها برجحان الحكم المدني وامتثالها لأصول العقد الاجتماعي الذي يحرم على القوات المسلحة التدخل في السياسة، ولذلك كانت أول نصيحة بادر لتقديمها الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، إلى أول رئيس حكومة جزائرية فرحات عباس فور نيل الاستقلال عن فرنسا عام 62، كانت أول نصيحة هي المسارعة إلى حل جيش التحرير، وقد اتضح المغزى من هذه النصيحة بعد أقل من 3 أعوام، عندما انقلب الجيش على أول رئيس في تاريخ الجزائر أي الرئيس أحمد بن بلا، ومنذئذ والاعتقاد الشائع بأن المؤسسة العسكرية في الجزائر هي الموئل الحقيقي للسلطة، ياسر أبو النصر يتطرق إلى عدد من الأسئلة التي تثار حول دور المؤسسة العسكرية في النظام الجزائري.

تقرير/ ياسر أبو النصر: إذا كان لكل دولة جيش، فإن للجيش الجزائري دولة، عبارة يحلو للكثيرين من معارضي نفوذ المؤسسة العسكرية الجزائرية أن يرددوها تعبيراً عن تعاظم ذلك النفوذ، ويردون ذلك إلى إصرار العسكريين على صياغة الحياة السياسية في الجزائر، سواء بشكل مباشر أو من وراء ستار أحزاب صغيرة تبدو واجهة لتجميل الواقع

لوزيرة حنون (رئيسة حزب العمل عام 1997م): منذ بداية الأزمة، الجيش كان متورط ليه؟ لأنه القيادة العسكرية هي التي اتخذت قرار وقف المسار الانتخابي وكانت هناك محاكم عسكرية حكمت بالإعدام على كثير من المسؤولين مثلاً في الفيس محاكم لا تضمن يعني حق الدفاع للمعتقلين، هناك يعني تدخل في.. بتاع الجيش في الحياة السياسية، هو مهيمن عليها، حقيقة هو نظام عنده واجهة مدنية، لكن بالأساس هو عسكري

ياسر أبو النصر: أصحاب هذا الرأي يؤرخون لهيمنة الجيش على المشهد السياسي بإنقلاب عام 1965، الذي أطاح فيه العقيد هواري بومدين آنذاك بأول رئيس منتخب بعد الاستقلال، أحمد بن بلا، ومنذ ذلك التاريخ وعلى مدى أكثر من 3 عقود استمدت المؤسسة الرئاسية شرعيتها من المؤسسة العسكرية، فدفعت تلك المؤسسة بعد رحيل بومدين بمرشحها الشابي بن جديد الذي ظل وفياً لمبادئها إلى أن قرر الخروج عن النص، ورغب في التعايش مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ عبر انتخابات نزيهة اكتسح إسلاميو الجبهة جولتها الأولى، ولم تكن هناك جولة ثانية، فقد صدر الأمر العسكري كما كنت، منطق المؤسسة العسكرية في إلغاء نتائج الانتخابات وما واكبها من استبعاد بن جديد، كان مقاومة الإرهاب والحفاظ على مبادئ الجمهورية، هذا ما عبر عنه مراراً الجنرال خالد نزار، وزير الدفاع السابق رسمياً والمحرك فعلياً لخيوط اللعبة السياسية في الجزائر من وجهة نظر كثير من لمحللين، تعاونه دائرة محكمة من العسكريين الذين بسطوا هيمنة غير مباشرة على الحياة السياسية بحيث ظل إطلاق أي مشروع رئاسي رهناً بتأييدهم وإلا حدث ما لا يحمد عقباه، وفي سياق ما لا يحمد عقباه اتجهت أصابع الاتهام في ملابسات اغتيال بو ضياف إلى المؤسسة العسكرية في تحليل استند مؤيدوه إلى استنفاذ غرض الإفادة من تاريخه الثوري النقي في إضفاء شرعية جديدة على النظام، بدا أنه فقدها مع تلك الأحداث، والأهم من ذلك التخلص من إصراره على فتح ملفات الفساد الرئيس الأمين زروال اضطر بعد ذلك تحت وطأة خلافاته العديدة مع رموز المؤسسة العسكرية إلى اختصار مدته الرئاسية وسلم مقاليد الحكم إلى مرشح جديد للعسكريين مؤثراً عن طيب خاطر مغادرة القصر الرئاسي إلى بيته بسلام، أما الرئيس بوتفليقة فقد انسحب أمامه 6 مرشحين للرئاسة إحتجاجاً على إلقاء المؤسسة العسكرية بثقلها وراءه.

سعد بو عقبة (كاتب وصحفي – عام 2000): المؤسسة العسكرية لا يمكن إبعادها في المرحلة هذه عن التأثير لأنها تحملت العبء الكبير في إدارة الأزمة، وبالتالي لا يمكن إغفالها، ولكن ينبغي التعامل معها بحنكة وبحكمة.

ياسر أبو النصر: الحنكة والحكمة بالفعل هما عنوان الوصفة التي يتعامل بها الرئيس بوتفليقة مع المؤسسة العسكرية، وفي ظل علاقة معقدة يجتمع فيها الصراع والتعاون، يدرك كل طرف مكامن القوة والضعف لدي الطرف الآخر، مما يسمح لبوتفليقة بهامش أكبر من المناورة، يصفها المعنيون بالشأن الجزائري بأن طرفيها محكوم عليهما بالتعايش في ظل الصراع، وذلك وفق معادلة يباح فيها لبوتفليقة أن ينتقد العسكريين كما يشاء، وأن تفعل المؤسسة العسكرية على أرض الواقع أيضاً ما تشاء، لكن بعض ما تفعله المؤسسة العسكرية يندرج في قائمة من الاتهامات التي تبدأ بالتلاعب في معظم الانتخابات السابقة، ويتصاعد منحناها مع تقارير تربط جنرالات الجيش بمافيا الفساد الاقتصادي والتجاري، إلى حد إعلان بوتفليقة بأن هناك 17 جنرالاً يحتكرون التجارة الخارجية، وتبلغ تلك الاتهامات ذروتها مع ما تم تداوله من معلومات في أواخر التسعينات حول تورط الجيش في مذابح وأعمال عنف قيل أنها نسبت إلى الإسلاميين سعياً لتشكيل رأي عام مناوئ لهم، وحشداً للمزيد من التعاطف الدولي، قد تجد بعض أو كثير من تلك الحيثيات من يعارضها وقد يبدو اختزال الأزمة الجزائرية في المؤسسة العسكرية تبسيطاً مخلاً بحركة التاريخ والسياسة،ورغم ذلك تظل عودة العسكريين إلى ثكناتهم بشكل واقعي بنداً أساسيا في أية وصفة علاج لمعضلة الجزائر.

مالك التريكي: منذ انقلاب عام 65 إذن والاعتقاد الشائع بأن المؤسسة العسكرية هي التي تمسك بالسلطة الفعلية في الجزائر، معنا الآن من باريس لبحث هذه القضية الأستاذ قصي صالح درويش (رئيس تحرير مجلة الحدث الدولي وخبير الشؤون الجزائرية).

أستاذ قصي، هل هنالك مبالغة في الاعتقاد بأن المؤسسة العسكرية هي التي تعوق التوصل إلى حل جذري للأزمة في الجزائر؟

قصي صالح الدرويش (رئيس تحرير مجلة الحدث الدولي – باريس): نعم السؤال بهذه الصيغة يحمل مبالغة أكيدة، لأن المؤسسة العسكرية موجودة في الحكم الجزائري منذ الاستقلال وهي التي أيضا رجحت انتخاب أحمد بن بلة رئيساً للجمهورية، ولا يمكن أن نقول أنها بدأت عام 1965، لكن لابد أن ننظر إلى تطور المؤسسة العسكرية في الجزائر بأنها اتجهت وباستمرار نحو التحول، أو نحو تحويل النظام الجزائري إلى نظام مدني رغم كل ما يمكن أن وقع من أخطاء، والذي تابع حركة الحكم في عهد الرئيس الراحل هواري بو مدين ، يستطيع أن يدرك وببساطة أن هواري بو مدين أن يتحول تدريجياً إلى رئيس مدني ويحول معه النظام إلى نظام مؤسسات مدنية، وكما تفضلت…

مالك التريكي [مقاطعاً]: لكن المنتقدين، أستاذ قصي لكن المنتقدين لدور الجيش في النظام الجزائري يقولون أن هذه مجرد أمور شكلية، أن السلطة الفعلية هي يد.. في يد المؤسسة العسكرية، ويستدلون على ذلك بكثير من الأدلة منها مثلاً أنه قد تعاقب على حكم الجزائر في السنوات العشر الماضية العشر الماضية خمسة رؤساء، بينما رئيس هيئة أركان الجيش ومدير الاستخبارات العسكرية لا يزالان في منصبيهما حتى الآن

قصي صالح الدرويش: أولاً أريد أن أسألك أخ مالك هل تعتقد بأن هواري بو مدين يعني –يعني في السنوات الأخيرة قبل وفاته -كان يحكم بصفته عسكرياً وكان قادة الجيش أو كبار الضباط في الجيش هم الذين يحكمون، أم أنه كان يحكم هو بصفته رئيساً يمسك بزمام السلطة في الجزائر، أنا شخصياً وكما تابعت الجزائر منذ ذلك الوقت أستطيع أن أقول -وأنا مرتاح- بأن الرئيس بو مدين كان يحكم في السنوات الأخيرة على الأقل من حكمه كرئيس مدني، وكان يسعى إلى بناء هذه الدولة الجزائرية، ولكنه كان يعتقد أن الجيش أداة بناء مهمة للنظام الجزائري فهناك الجيش وهناك التكنوقراطيا، والتكنو قراطيون، وهناك أيضاً السياسيون الذين بدأوا يتكونون في حزب جبهة التحرير، أنت تسألني عن..

مالك التريكي [مقاطعاً]: في الوقت الحالي، أستاذ قصي، في الوقت الحالي.

قصي صالح الدرويش: لا.. لا.. معلش لا أنت سألتني يعني سؤال بعد تحقيق طويل عن صيرورة المؤسسة العسكرية..

مالك التريكي: تفضل.. تفضل.

قصي صالح الدرويش: الوضع الحالي بالتأكيد يعني هناك 5 رؤساء تبدلوا، لكن لا تنسى أن وزير الدفاع الذي كان نافذاً وقوياً وهو خالد نزار يعني ترك السلطة، صحيح رئيس الأركان منذ ذلك الوقت ما زال موجود، لكن تستطيع أن تجد هذه الحالة في كثير من الدول والأنظمة العربية، بالتأكيد المؤسسة العسكرية في الجزائر حاضرة وحاضرة بقوة وتلعب دور، والكثيرون يعتقدون بأنه لولا المؤسسة العسكرية ما كان بقي من النظام المدني أو من الدولة الجزائرية إلى شيء بعد هذه السنوات العشر التي مرت، أنا لا أريد أن أدافع عن أخطاء.

مالك التريكي: أستاذ.. أستاذ قصي صالح درويش.. أستاذ قصي صالح درويش (رئيس تحرير مجلة الحدث الدولي وخبير الشؤون الجزائرية من باريس) شكراً جزيلاً.

وبهذا سيداتي سادتي تبلغ حلقة اليوم من (قضايا الساعة) تمامها، دمتم في أمان الله.