تحت المجهر

الأزمة السودانية

ما طبيعة الأزمة السودانية وأهم معالمها؟ لماذا يعتبر حسن الترابي إشكالية للسودان؟ كيف جاءت حكومة الإنقاذ؟ وما مؤشرات غياب الاستقرار السياسي في السودان؟ ما وضع المرأة والأقليات في السودان؟ وما حجم التدخلات الدولية وأثرها في الأوضاع بالسودان؟
مقدم الحلقة ماهر عبد الله
ضيوف الحلقة – عدة شخصيات، –
تاريخ الحلقة 01/07/1999

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

ماهر عبد الله: كل شيء في السودان يسير بطيئاً، وفي عصر السرعة والميكروويف مازال السوداني يصر على التمتع بقهوته مطهوة على نار الفحم الهادئة حتى لو اضطره ذلك للوقوف تحت الشمس الإفريقية الحارقة، ورغم غلاء الأسعار الذي يصلح شعاراً للمرحلة التي يعيشها سودان اليوم، إلا أن الوقت وحده يبدو وكأنه بلا ثمن.

الملاحظة الثانية التي تفرض نفسها على زائر السودان هي إفريقيته، وهذه الإفريقية لا تقتصر على سواد البشرة التي اشتق منها اسم البلاد بل تمتد لتشمل الموسيقى، والفنون، وأشكال المنازل الريفية، وطبيعة المهن السائدة، وتتسع السمات الإفريقية لتشمل حتى القبيح منها مثل المجاعات، والأوبئة التي تطل برأسها على البلد كل بضعة سنين، وهذه الإفريقية قد تكون أهم معالم الأزمة السودانية اليوم حيث أن صراع الهوية هو الجمر الكامن تحت رماد الحرب الأهلية التي تعصف بالبلد منذ ما قبل استقلاله.

بروفسور يوسف الخليفة أبو بكر (خبير لغويات): السودان -كما هو- قطر متعدد الثقافات والأعراق والمناخات، وكذلك هو متعدد اللغات والإحصائية الموجودة لدينا كعلماء لغات أن في السودان حوالي 120 لغة غير العربية، وهذه اللغات يتكلمها حوالي 50% من السودانيين.

الأب فيلوثاوس فرج (كنيسة الشهيدين): السودان دا وعاء كبير، مليون ميل، وأنا أفتكر أن قلب السودان مساحته قدر السودان، مليون ميل،قلب كبير واسع، وبيشيل الناس كلها، وبيسع الكل.

ماهر عبد الله: في هذا الزمن الإفريقي الثقيل الخطى ثمة رجل يبدو وكأنه وحده سريع الخطوات أو لكأنه يعيش زمناً هو زمنه الذي شكل عجينته بيديه، ذلك هو الدكتور حسن عبد الله الترابي الشخصية الأكثر إثارة للجدل في تاريخ السودان الحديث، والتي إليها يُنسب كل ما يجري في السودان اليوم.

وأياً كان الرأي في الترابي فإنه خلخل، ومازال يخلخل بنيات قائمة وأرسى ومازال يرسي دعائم لواقع جديد، وهو واقع يشكل في عين محازبيه ومؤيديه سوداناً جديداً، في حين لا يرى فيه معارضوه إلا الدمار والخراب، بل ويذهب بعضهم إلى أنه ليس إلا أداة تحركها أطراف خارجية لا تريد الخير للسودان والسودانيين.

سيد أحمد الحسين (قيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي): أنا آسف أن أقول إنه مخلب قط، مخلب قط للمطامع الدولية وللأغراض والأهداف الدولية اللي تستهدف وحدة السودان لأغراض أخرى، وما حصل -إطلاقاً- للعالم في تاريخه وجد سانحة له عشان ما يدخل على السودان، ويلعب به، ومالقاش أبداً ثعلب يلعب بيه اللعبة دي إلا الترابي.

ماهر عبد الله: والذين يتحدثون عن ازدواجية السلطة في سودان الإنقاذ لا يعرفون الترابي حق المعرفة، فثمة طموح في الحياة أكبر من طموح السلطة بمعناها التنفيذي المباشر، متعة وطموح أن يسير البلد والدولة والشعب طبقاً لرؤاك وتصوراتك ونظرياتك، عندما يمتلئ الإنسان بطموح مثل هذا تتضاءل في عينيه السلطة وتتحول إلى مجرد آلية من آليات التغيير الممكنة والمتاحة، ولا بأس عندئذ أن يتنافس، أو حتى يتصارع عليها الآخرون.

د. مالك حسين (رجل أعمال سوداني): دعني أرد على هذه النقطة بواقع بسيط، البشير بقي من عمره في السلطة دورة رئاسية أخرى بعدها الدستور لا يسمح له بأن يترشح، أما الترابي سيبقى مدى ما هو حي زعيماً للحركة الإسلامية، فأصلاً بفأصلاً ليست هناك مقارنة، يعني موقع الترابي كمرجعية لا يحده الدستور أبداً، لأنه يعمل خارج نطاق الدستور بالمعنى -مع احترامي للدستور- بمعنى أنه هو مرجعية خارج النظام الدستوري الموجود، ومرجعية الترابي في الحركة الإسلامية لم تأت من كونه فرد فقط، وإنما جاءت لأنه كفرد استطاع أن يحدث تغييراً في أنظمة الحكم في السودان ويؤثر -حتى- على الأماكن الأخرى.

فالمرجعية هنا لا تخلع على الشخص، يعني.. ليست.. لا تأتي بالانتخاب ولا تأتي بالتعيين، والترابي أبداً أصلاً لم يفكر، بل أؤكد لك بأنه يكرر دائماً بأن البشير سيرشح لرئاسة الجمهورية القادمة وأنه نفسه لا يرغب في ذلك، أما المرجعية فأنا لا أعتقد أن البشير يعني يعبأ بذلك لأنه رجل يعرف معنى المرجعية بمفهومها الحديث في الفكر الذي يمثله الترابي.

ماهر عبد الله: أما رجل المرحلة والذي قرر تجشم عناء الانتقال بالسودان إلى وضع يقطع فيه مع ما كان سائداً من ثقافة سياسية واجتماعية فهو الفريق عمر حسن البشير، الرجل الذي ينزرع في ذهن زائر السودان أنه الأكثر مقبولية في أوساط الشعب السوداني من بين النخبة التي تحكم البلاد اليوم، وبالتفويض الشعبي الذي أخذه في الانتخابات الرئاسية عام 1996م فإنه يدير دفة الحكم وهو يعلم أن القرار النهائي بيده.

الثلاثون من يونيو عام 89، وبينما كانت الخرطوم تغط في نوم عميق احتلت زمرة من الضباط والجنود بزعامة الفريق البشير مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية وكانت مسلحة بدبابتين لم تحتج إلى استخدامهما، وفي صبيحة اليوم التالي خرج الفريق البشير على الناس باسم هؤلاء ليعلن عن نفسه رئيساً لمجلس قيادة الثورة.

د. حسن البشير: قواتكم المسلحة تدعوكم أيها المواطنون الشرفاء للالتفاف حول رايتها القومية، ونبذ الخلافات الحزبية والإقليمية الضيقة وتدعوكم للثورة معها ضد الفوضى والفساد وضد السلبية واليأس، من أجل إنقاذ الوطن، ومن أجل استمراره وطناً موحداً حراً كريماً.

عاشت القوات المسلحة حامية لكرامة الوطن، عاشت ثورة الإنقاذ الوطني، عاش السودان حراً مستقلاً، الله أكبر والعزة للشعب السوداني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: لم يأت انقلاب البشير مفاجئاً تماماً، فأجواء الخرطوم كانت حبلى بالترقب، والسحب السياسية كانت كثيفة السواد، ولم يكن الجيش بعيداً ولا تنقصه السابقة التاريخية، فقد اعتاد السودانيون على متتالية سياسية يتداول فيها العسكر والمدنيون على السلطة تداولاً سلمياً لا ينغصه إلا ما يؤول إليه الأوائل لاحقاً من ديكتاتورية وما يغرق فيه الآخرون من فوضى، لم يشذ عن هذا إلا الفريق سوار الذهب الذي تغلب على شبق السلطة وتنازل عنها بلا عودة وبمحض اختياره.

علي حسن تاج الدين (عضو مجلس رئاسة سابق/ حزب الأمة): حتى الممارسة الديمقراطية، نقابات، قضاء، صحافة، تركوا عنان وأساءوا للديمقراطية، وأقولها بكل صراحة وعشت تجربة ثلاث سنوات في الديمقراطية، الديمقراطية في ممارستها الساسة السودانيين، والنقابات، و elite السودانيين -أي المثقفين السودانيين- أساؤوا للديمقراطية بالممارسة غير المرشدة للديمقراطية.

ماهر عبد الله: وقد وصل التململ إلى سلطة الجيش الذي كانت عينه على ما يجري، وحاولت قيادته في فبراير 89 تدارك الأمور بإرسال رسالة إلى رئيس الحكومة تطالبه فيها بوضع حد للفوضى السياسية المستشرية في البلاد، إذن لم يعدم الطامح إلى السلطة مبررات الانقضاض على الحكم، فالأجواء مهيأة والشعب مستعد للتغيير بأي ثمن.

صادق عبد الماجد (زعيم الإخوان المسلمين): كان هنالك ما يدعو لقيام الإنقاذ والذي دعا لهذه المرحلة التي سبقت الإنقاذ بيوم واحد، وما سبقها إلى الوراء، فالظروف -الحقيقة- التي كانت تحيط بالبلاد، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. يعني كان هناك عدم استقرار، وحقيقة الإنقاذ يأتي في ظرف مواتي للغاية، لا لأنها سبقت انقلابين آخرين كانا يعد لهما في نفس الفترة، لكن كان خيراً أن تأتي الإنقاذ، لأن الشعار الذي رفعته في أيامها الأولى، الشعار يُهدي كل السودانيين.


undefinedماهر عبد الله: لكن ما لم يتوقعه أحد فهو أن تكون ريح الانقلاب إسلامية، بل ومحسوبة على الجبهة القومية الإسلامية تحديداً، لم يكن الإسلاميون وافداً جديداً على الساحة السياسية في السودان، إلا أن أهم مرحلة في الحياة السياسية للإسلاميين كان تحالفهم مع نظام النميري شهد شهر العسل السياسي بين النميري والإسلاميين ولادة ما سمي -لاحقاً- بقوانين سبتمبر.

بعد ثماني سنوات من المصالحة انقلب النميري على الترابي وأعاده إلى السجن في آذار عام 85، وبعد ذلك بشهر خرج النميري لزيارة الولايات المتحدة في رحلة قدر له ألا يعود منها إلا ضيفاً على الترابي ونظام الإنقاذ في الخامس والعشرين من مايو عام 99 فقد أطاحت به انتفاضة شعبية جاءت بالفريق عبد الرحمن سوار الذهب رئيساً انتقالياً للبلاد، شهدت السنة الأخيرة من عمر الديمقراطية الثالثة عدة مؤشرات على غياب الاستقرار السياسي في البلاد فقد تبدلت الحكومة ثلاث مرات بسبب المناكفات الحزبية:

-مارس 88 انفضاض تحالف حكومي بين حزبي (الأمة) و (الاتحادي) وقيام آخر بانضمام الجبهة القومية الإسلامية إليهما.

-مايو 88 حكومة جديدة بعد انسحاب الحزب الاتحادي من التحالف.

-فبراير 89 مذكرة تحذيرية من قادة الجيش للمهدي رئيس الوزراء.

-مارس 89 حكومة جديدة يعود إليها الاتحادي وتخرج منها الجبهة الإسلامية.

-يونيو 89 الانقلاب العسكري، البشير يحل الأحزاب ويودع قيادتها السجن.

رغم محاولات التمويه الأولى مثل إلقاء رموز الحركة الإسلامية في السجون أسوة بغيرهم من زعماء الأحزاب السياسية التي حلتها الثورة محملة إياها مسؤولية الأوضاع المتردية في البلاد، إلا أنه سرعان ما تكشفت الأمور عن وجه إسلامي صريح للنظام الجديد، ومازالت الرواية الرسمية تنكر وجود أية علاقة رسمية سابقة على الانقلاب بين العسكر المنقضين على السلطة وبين الإسلاميين.

غازي صلاح الدين (وزير الثقافة والإعلام): التغيير الذي حدث 89 لم تأت به الجبهة كما هو معلوم، جاءت به مجموعة، حتى وإن حسبت في الإطار العريض في التيار الإسلامي الواسع، مجموعة الضباط، ولكنها جاءت بخلفياتها الخاصة بها، وجاءت بتجربتها الخاصة، وجاءت بأفكارها الخاصة.

محمد الأمين خليفة: الترابي إذا كان عارض الثورة لكان مصيره مثل مصير الصادق المهدي الذي عارض الثورة.

ماهر عبد الله: إلا أن الطريقة التي تطورت بها الأحداث دلت على ترابط حميم بين مجلس قيادة الثورة وبين الإسلاميين ممثلين بما كان يعرف بالجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور الترابي.

محمد الأمين خليفة (وزير شؤون رئاسة الوزراء): أصبح هذا المشروع الذي قامت به ثورة الإنقاذ الوطني وكأنما هو الترابي كما يقول هذا هو مشروعي، فليس هنالك -إطلاقاً- خلاف كبير ما بين ثورة الإنقاذ الوطني وما بين طرح الدكتور حسن عبد الله الترابي، وهو رجل مفكر عالمي الساحة.

ماهر عبد الله: أما واقع الحال اليوم فإن الإسلاميين يحتلون كل مفاصل النظام السياسي في السودان، فالترابي كما يقول مجلس قيادة الثورة.

محمد الأمين خليفة: لم يؤيد بالقول، فحسب بل إنما أيد بكل كوادر الحزب، الجبهة القومية الإسلامية بل وأعطى الإشارات لكل أفراده وكوادره في دول الخليج وأتوا وأصبحوا وزراء.

غازي صلاح الدين: ما كان لهذه الثورة أن تستمر كل هذه المدة لو لم تجد دعماً من تيار مدني مساند.

ماهر عبد الله: ولم يعد السؤال اليوم عن علاقة الإنقاذ بالإسلاميين، بل يجب أن يكون عن خصائص انفراد الإسلاميين بالسلطة في السودان وما إذا كانوا قادرين على تقديم نموذج يمكن أن يطمئن الآخرين إلى مشروع الإسلام السياسي، الأيام الأولى من عمر الإنقاذ شهدت درجات عالية من البطش والقمع، كما شهدت العديد من القيود على الحريات العامة.

الأب فيلوثاوس فرج: طبعاً الثورة في أيامها الأولى كانت متوحشة، خليفة، لها أنياب وأظافر، خايفة على نفسها.

سيد أحمد الحسين: أنا واحد من الناس اللي عانيت في السجون ومش في بيوت الأشباح، يعني 90، 91، 92، 93، 94، 95، 96، 97 حتى علقت من يدي دية من الساعة خمسة مساءً حتى تاني يوم الساعة خمسة صباحاً، في شهر سبعة في أعز الحر أصناف اللي لا يمكن تتصورها عرضنا لها.

أولاً: تمشي ييجوا ياخدوك من بيتك بالملابس التي أنت عليها، ما فيش حاجة اسمها تغيرها، الأكل بيجيبوه للكلاب ما تأكله، تخبيط الباب عشان ما تنام، الإهانة اللي تسمعها بتسمعها.. يعني أشياء لا يمكن إطلاقاً أن تتصورها.

ماهر عبد الله: والحكومة لا تنكر حدوث مثل هذه الوقائع.

غازي صلاح الدين: أتصور أنه في اللحظات الأولى لأية ثورة -كما يحدث في جميع أنحاء العالم- أن تحدث تجاوزات، هذا شيء وارد لا يمكن الدفاع عنه ولا يمكن تبريره، ولكنه يرد.

ماهر عبد الله: هذا الوضع وضع الإسلاميين أمام تحدى الشرعية، فالانقلابات حتى بوجود مبررات موضوعية لحدوثها لا تكفي لإصباغ الشرعية على النظام، لاسيما حين يقع الانقلاب على حكومة منتخبة.

علي حسن تاج الدين: خلافنا مع الإخوة في الجبهة الإسلامية القومية في أنهم كانوا برعوا وبيزدادوا وبقوا وبيتطوروا في ظل النظام الديمقراطي، في ظل التسامح، في ظل الوصول للسلطة عبر الشرعية الدستورية، هم حاولوا يختصروا الطريق للوصول للسلطة عبر.. مش بقوة الشرعية، ولكن بشرعية القوة، بمعنى عبر الانقلابات العسكرية.

ماهر عبد الله: من هنا بادر مجلس قيادة الثورة إلى حل نفسه وعين مجلساً رئاسياً بزعامة البشير وجرى إنشاء مجلس وطني انتقالي معين روعي فيه تزيينه برموز سياسية محسوبة على الأحزاب والتيارات السياسية المحظورة وسعوا فيه إلى صيغ جديدة من المشاركة السياسية.

د.عبد الرحيم حمدي (وزير المالية السابق): الحكومة بدأت تعطي جرعات من الحرية السياسية بعد الحرية الاقتصادية عبر إنشاء مجالس أولاً كانت معينة، مجلس تشريعي معين ثم مجلس تشريعي منتخب جزئياً، والمجلس التشريعي الآن منتخب انتخاباً كاملاً.

غازي صلاح الدين: نحن الآن لدينا دستور، دستور يسمح بتعدد الأحزاب، يسمح بتداول السلطة، يسمح حتى بتعديل المرتكزات الجوهرية في الدستور بنهج ديمقراطي سلمي.

علي حسن تاج الدين: الدستور وضع في ظل نظام شمولي لم يشترك فيه القوى السياسية، أو كل أهل السودان.

ماهر عبد الله: استمرت الحكومة في تدرجها وأعلنت عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية عامة جرى الترشح فيها على أساس فردي لا حزبي، وجرت هذه الانتخابات في مارس عام 96.

علي عثمان محمد طه (نائب رئيس الجمهورية): السودان مجتمع مفتوح، وبلد.. كتاب مفتوح للصحافة العالمية وللمراقبين، ما من انتخابات أو حدث كبير في السودان إلى ودعي له مراقبون ومحللون من شتى أنحاء العالم.

ماهر عبد الله: وهي دعاوى لا تحظى بكبير قبول في أوساط المعارضة.

غازي سليمان (الأمين العام للتجمع الوطني لاسترداد الديمقراطية): أنا أعتقد أنه من المخجل أن تتحدث الحكومة عن انتخابات في السودان، هذا مخجل، عليها أن تتحدث عن شرعية البندقية، نحن نحترم ذلك، لكن الحديث عن حكم مدني، أو حكم دستوري، أو شرعية دستورية هذا كلام مخجل للغاية.

ماهر عبد الله: الانتخابات -على كل حال- جرى تنظيمها تحت مسمى جديد ومفهوم جديد هو مفهوم التوالي السياسي، وهو محاولة للمزاوجة بين القيم الإسلامية المحلية والديمقراطية الغربية، وهو مفهوم مازال غير واضح حتى للمنخرطين في مشروع التوالي.

الأب فيلوثاوس فرج: توالي أو ما توالي، أنا ضد كلمة التوالي، الحقيقة وكتبت ضدها ووقفت في المجلس الوطني ضدها، لكن كلنا كام واحد اللي وقفوا ضد الكلمة، والباقي قال الله أكبر.

د. عبد الرحيم حمدي: كلمة التوالي أنا شخصياً معترض عليها، والأخ الدكتور الترابي ناقشته فيها، لأنني أعتبرها من بنات أفكاره.

صادق عبد الماجد: لم نجد لها في كل قواميس اللغة العربية معنى يؤدي المعنى الذي أرادته الحكومة.

ماهر عبد الله: أما رافضو التوالي فيقرؤونه قراءة مغايرة تماماً.

الحاج وراق (أمين المكتب التنفيذي في حركة القوى الجديدة حقاً): ونظام التوالي هو هزيمة للنظام الشمولي، لكن ليس انتصاراً للديمقراطية التعددية، وبين هزيمة النظام الشمولي، وعدم انتصار الديمقراطية التعددية هناك بعض التنازلات، وهناك بعض مظاهر هي تشابه الديمقراطية التعددية، لكن تختلف معها في الجوهر.

جوهر الديمقراطية التعددية هو التداول السلمي للسلطة ونظام التوالي محاولة للالتفاف على إمكان تداول سلمي للسلطة، ولذلك هو بلا جنين.

غازي سليمان: أي شخص يتكلم أن قانون التوالي السياسي يمثل تحول ديمقراطي في السودان فهذا الشخص بعيد عن السودان، أو موالي للسلطة، أو رجل عاجز في تحقيق أو المساهمة في التطور الديمقراطي الحقيقي في السودان.

ماهر عبد الله: تشكيك المعارضة -على كل حال- لا يقتصر على التشكيك بشرعية النظام وإجراءاته، وما تفرع عنه من مؤسسات، بل يمتد ليشمل التشكيك بالتزامه بالدين وبجوهر علاقته بالإسلام نفسه.

سيد أحمد الحسين: واللي يحصل في السودان دا الآن إذا كان صحيح هو الدين والله كان كل الناس خرجوا منه، إذا كان دا الإسلام بيدخل في البلاد فيخربها زي ده كده.. ما نريده.. هو إسلام كذب، ما إسلام صحيح.

غازي سليمان: ليس هنالك أي ارتباط بين الإسلام وهذا النظام، النظام -بكل أمانة وأنا رجل واضح- يستعمل الإسلام كما يستعمل البندقية لأهداف دنيوية.

ماهر عبد الله: فيما يتصل بالديمقراطية، وعندما يقع الحديث عن الإسلام السياسي تبرز التساؤلات عن وضع المرأة وعن وضع الأقليات، وفيما يتعلق بوضع المرأة يجد زائر السودان الكثير مما يكسر الصورة النمطية عن موقف الإسلاميين منها فهي تحتل من المواقع السياسية والاجتماعية ما لم يسبق لها أن احتلته في أية حكومات سابقة، فيكف تأثر وضع المرأة في ظل حكومة الإنقاذ؟

مولانا فريدة إبراهيم أحمد (قاضية بالمحكمة العليا): والله هو فعلاً تأثر الوضع القانوني في فترة الإنقاذ إلى الأحسن، وفعلاً المرأة كسبت في فترة العشر سنين الماضية دية مكاسب كثيرة في تولي السلطات أو القيادة بتاعة البلد فعينت لأول مرة في (والية)، (والية) لولاية كاملة، لحكومة،رئيسة وزراء في الحكومة هي كلها، مفوضة من رئيس الجمهورية لكل سلطات الوالي.

عينت كوزيرة اتحادية لكل السودان في وزارة -أنا بأفتكر من أقوى الوزارات- هي وزارة القوى العاملة، ودي ذاتها خلتها إنها التبديل والتعديل في كل ما يفيد المرأة فتعين كثيراً من النساء وزراء دولة، ووزراء ولائيين في الولايات، وقبل أيام كنا بنحتفل بتولي أول سفيرة بوزارة الخارجية لمنصب السفير اللي هي كانت قاصرة على الرجال.

ماهر عبد الله: أما وزيرة العمل (أغنيس لوكودو) فقد كانت أول امرأة تعمل حاكماً لولاية، ولم يمنعها من ذلك كونها مسيحية، وغير عربية.

أغنيس لوكودو (وزيرة القوى العاملة): بصفتي امرأة ليس عندي مشكلة لأنني كامرأة أواصل نشاطي في شؤون السودان منذ أيام الدراسة الجامعية في السبعينات، وكامرأة أرى أن الوضع الحالي ليس سوى مواصلة لعملي.

ماهر عبد الله: ومع ذلك هناك أطراف في المعارضة مازالت ترى غير هذا.

محاسن عبد العال (قيادية في اتحاد المرأة السودانية): هذا النظام سلبها هذا الحق، لأنه أبعدها من المجال الدبلوماسي، أبعدها من المجال.. المرأة السودانية وصلت المرحلة بتاعة مساعدة للملحق الثقافي في سفارة القاهرة، أبعدت، ومش أبعدت بس حتى أجبرت على الاستقالة من هذا المنصب تحت ظل هذا النظام، وهذه حقائق مثبتة.

ماهر عبد الله: لكن الحكومة عينت أول سفيرة في تاريخ السودان.

محاسن عبد العال: سفيرة وين؟! سلطاتها شنو؟! ما في سفيرة! ما عندنا سفيرة سودانية، لا أعلم أن لدينا سفيرة سودانية، لا أعلم، لا أعلم عينت وزيرة حقيقة، عينت في المجلس الوطني، ولكن بدون أعباء، أو بدون صلاحيات لعمل أي شيء.

ماهر عبد الله: والوزيرة أغنيس تشير في سودان الإنقاذ مسألة أخرى يكثر التخويف منها كلما جرى الحديث عن الإسلام السياسي هي مسألة الأقليات.

أغنيس لوكودو: كمسيحية في سودان اليوم، كان في البداية صعب جداً علينا القبول بهذه الحكومة، ونحن كمسيحيين في ولاية الاستوائية اعتقدنا أنها ليست برنامجاً للحكم بقدر ما هي برنامجاً للأسلمة.

الأب فيلوثاوس فرج: بالنسبة لي موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية أنا كتبت ضده، وأنا شخصياً مش موافق عليه، مش ممكن مثلاً تحكمني كمسيحي بالشريعة الإسلامية أنا ما أقبلش أتحكم بيها.

أغنيس لوكودو: كان هذا رد فعلنا الأول قبل أن نفهم ما الذي تريده الحكومة، فنحن نعلم أنها إسلامية.

الأب فيلوثاوس فرج: برضه أنا أقول إن القانون السوداني حتى الآن لم يلمس قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين وبيحترمها، وحتى الآن الكنيسة في السودان هي السلطة التي تحدد الورثة الشرعيين ليس سواها وفق قوانين المسيحية، في المسيحية الرجل يرث كالمرأة والمرأة كالرجل.

سيد أحمد الحسين: المزايدات اللي بتعملها الجبهة باسم الدين وفرضها للدين، طبعاً بالتأكيد بيخلي الإخوان الجنوبيين والمسيحيين بيتحفظوا على الدولة الدينية، نحنا إطلاقاً ما مع الدولة الدينية.

الأب فيلوثاوس فرج: الدستور ما قال الشريعة الإسلامية بس، قال الشريعة الإسلامية والعرف، خلاص، يبقى هو ما قال الشريعة الإسلامية ما نقدر نقول إن عندنا الشريعة الإسلامية دية لازم تكون 100%، الدستور ما قال كده!!

ماهر عبد الله: بل ويذهب بعض المسيحيين إلى أبعد من هذا.

الأب إدي أمبروز (نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان/ المجلس الوطني): عندما وصلت هذه الحكومة إلى السلطة كان أول ما أعلنته أن عليك أن تكون جاداً مع الله، وبالنسبة لي كمسيحي من أكثر أنواع المسيحية أصولية فإننا نشترك معها في هذه النظرة، لأننا في الماضي واجهنا صعوبات فيما كان يسمى بالتعددية الحزبية والتي كان يمتدحها الغرب، لم يكن مسموحاً -لنا- وقتها أن نمارس ديننا بحرية، جعلوا الأمور صعبة لنا، لكن الأمور عكس ذلك اليوم، الأمور أسهل بكثير لنا.

ماهر عبد الله: في بحث حكومة الإنقاذ عن الشرعية تبدو المعارضة التقليدية أحد أهم أسباب قوتها، وذلك بسبب فشل هذه المعارضة في تنظيم نفسها، وهي في بعض الأحيان تبدو وكأنها تريد أن تتجاوز الواقع السياسي القائم اليوم في السودان.

الصادق المهدي (زعيم حزب الأمة المعارض): أنا أعتقد، أنا رئيس وزراء السودان المنتخب، ولم أعف حتى الآن إعفاءً شرعياً، ولذلك حديثي بهذا اللقب أو من هذا المنطلق أقوى من أي منصب آخر لا أحتاج أن أبحث عن مناصب أخرى، المنصب الذي احتله هو منصب القيادة الدستورية الشرعية للسودان إلى أن يعدلها السودانيون في إطار آخر.

ماهر عبد الله: أما التجمع الذي تعمل المعارضة تحت رايته فيعاني من تصدعات حقيقية تؤثر على وحدته وعلى مصداقيته فثمة أطراف فيه تلتقي في الخفاء وتبطن غير ما تظهر.

أما ما يحتاج إلى الدس فهو الموقف من الزعامات المعروفة للمعارضة وخصوصاً طموح الصادق المهدي لقيادة السودان من جديد.

فاطمة إبراهيم (اللجنة المركزية/ الحزب الشيوعي): أنا في تقديري إذا قدرنا جابت محمد عثمان علينا.. شالنا نحنا واحد واحد.. حزب الأمة عشان يضرب.. إذا حزب الأمة عايز يمشي معاهم يبقى بيحارب نفسه.. وحينتظر معانا قليلاً.. ندخل جوة.. ونجيب محمد عثمان.. تخيل.. إنه.. الحركة، والحزب الشيوعي، والنقابات معانا محمد عثمان.. التاني.. الصادق شو معاه..؟!

ماهر عبد الله: وهو موقف يقدم له أصحابه بعض التبرير أو على الأقل هذا هو التبرير الذي يدور في لقاءات أطراف في الحزب الشيوعي وجماعة العقيد (جون جارانج).

فاطمة إبراهيم: هذا الصادق بدأ يتململ، بده يفلت من اتفاقية (أسمرة) لذلك في مصر قال لحسني ندعوك أنك تتولى المبادرة بالتفاوض والمصالحة مع النظام عشان نحل المشكلة سلمياً، أنا ما بحب العنف.

ماهر عبد الله: والخلافات التي تنهش تحالف المعارضة في الخارج ليست سياسية آنية فحسب بل هي فكرية عقائدية كذلك.

الصادق المهدي: نحن نريد أن نطمئن أن الحزب الشيوعي كحزب سياسي ديمقراطي راجع نفسه، تخلى عن أطروحات الديمقراطية المركزية، تخلى عن أطروحات الثورة الحتمية، تخلى عن أطروحات الصراع الطبقي حتى النهاية، تخلى عن أطروحات الأممية.

ماهر عبد الله: ولكن الحزب الشيوعي السوداني مازال يحن إلى الدولة الاشتراكية، ويدعو لها ويعمل من أجلها.

فاطمة إبراهيم: أدوات التغيير في السودان، وبناء السودان الجديد بيرتكز على.. الحركة، الحزب الشيوعي، النقابات، دول.. إذا السودان الاشتراكي بيحقق المساواة والكفاية.

ماهر عبد الله: هناك نقطة أخيرة حول المعارضة لا تقل أهمية وهي أن طروحاتها النظرية كلها تقريباً متضمنة في الدستور الحالي الذي وضعته الإنقاذ ذلك باستثناء علمانية الدولة، وإذا كان دستور الإنقاذ تجاوزها باستثناء الجنوب من تطبيق الشريعة، فإن قواعد واتباع المهدي والميرغني من الأنصار والختمية لن يقبلوا بها، وهذا ما يفسر امتناعهما عن إلغاء العمل بأحكام الشريعة عندما انفردا بالحكم في الفترة الديمقراطية التي سبقت الإنقاذ.

سيد أحمد حسين: إحنا لما جينا في 85 كانت فيه مزايدات من الجبهة القومية الإسلامية، وكان الشعب السوداني مخدوع بشعارات الجبهة القومية الإسلامية، وكان لابد -تكتيكياً- من الناحية السياسية أنك تجاري هذه المزايدات.

ماهر عبد الله: هذا التداخل والتقاطع بين طروحات المعارضة وطروحات الحكومة السودانية لا يحتاج من المراقب إلى كثير عناء لإدراكه، فتصريحات الطرفين مفعمة به.

الصادق المهدي: كانوا يقولون التعددية من عمل الشيطان، الآن يقولون: التعددية إسلامية، كانوا يقولون: اعتبار المواطنة أساس للحقوق الدستورية خروج عن الملة، الآن يعتبرون المواطنة أساس للحقوق الدستورية، أساس للوحدة الوطنية في السودان، هامش الحرية في السودان زاد، كثير من الناس لا يعلمون ذلك، المعارضة بقوتها أجبرت النظام أن يزيد هامش الحرية، زيادة هامش الحرية -أصلاً في أي موقع- تزيد الفرصة في النقاش والرأي والرأي الآخر.

ماهر عبد الله: وهذا يدخل النقاش السياسي الدائر في السودان في باب المماحكة، وتثبيت المواقف أكثر منه في باب البحث عن حلول حقيقية لمشاكل السودان، في عالم اليوم لم تعد المعادلات الداخلية وحدها هي الحكم الوحيد في استقرار أي نظام سياسي، والسودان بلد كبير له حدود مشتركة مع تسع دول إفريقية كلها تتأثر بما يجري في السودان.

د. حسن الترابي (رئيس المجلس الوطني السوداني): السودان يحيط به عدد من البلاد، الذي يحكم الكونغو الآن، وهي 60 مليوناً، عاش في السودان بضعة عشر عاماً، ويتكلم العربية من السودان، والذي يحكم غرب السودان كان في السودان كذلك، خرج من السودان، واللذان يحكمان شرق السودان كذلك، فكل البلاد التي حول السودان تتأثر بالسودان تأثراً بالغاً وذلك ما يدركه الغرب أيضاً ولذلك حاول أن يحيط به بالقوة والتحريض، وبكل شيء.

ماهر عبد الله: ولهذا فالتدخل الدولي في شؤون السودان ليس جديداً بل إنه اتخذ في مراحل سابقة أشكالاً لا علاقة لها بالسياسة، ولا بمن يحكم السودان، بل تتصل بهوية السودان وعروبته.

بروفسور يوسف الخليفة أبو بكر: اليونسكو حتى عام 1985م وهي تشجع محو الأمية، كانت تعتبر أن الشعوب التي تكتب لغاتها بالحرف العربي أمية.

ماهر عبد الله: مع وصول حكومة الإنقاذ إلى السلطة ازداد التدخل الدولي سفوراً، فمنظمات تدعي الحياد مثل منظمة الصليب الأحمر الدولي، ضبطتها الحكومة السودانية في أكثر من مناسبة وهي تقدم خدمات لقوات جارانج، واشتملت هذه الخدمات على نقل المعونات والإمدادات والجنود، ومن هذه المناسبات هبوط إحدى طائراتها غير المرخصة في مدينة كان الجيش السوداني قد استعاد السيطرة عليها حديثاً، لكن التدخل الأكبر إنما جاء من القطب الدولي الأكبر، من الولايات المتحدة الأميركية.

مادلين أولبرايت: أنا هنا اليوم لأعلن عن عقوبات اقتصادية وتجارية شاملة على حكومة السودان بسبب دعمها المتواصل للإرهاب الدولي، وعملها على زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة، وسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك الاضطهاد الديني.

ماهر عبد الله: لكن الحكومة الأميركية لم تكتف بالحظر التجاري والاقتصادي بل مدت يدها بالدعم لدول متخاصمة مع السودان مثل إريتريا وإثيوبيا.

د. حسن الترابي: الآن سُلِّحت إريتريا وإثيوبيا تحريضاً على السودان، هي ما كانت تريد أن تقاتل السودان بقلبها، هكذا حدثوني -هم- فأنا صديق قديم منذ أيام اللاجئين.

ماهر عبد الله: وكان طبيعياً أن يمتد الدعم إلى المعارضة السودانية.

الصادق المهدي: ما يوجد من دعم للمعارضة أميركي هو سياسي ومعنوي، لكن ليس مادياً، ولا عسكرياً.

بيل كلينتون: اليوم أمرت قواتنا المسلحة بضرب أهداف إرهابية في أفغانستان والسودان.

ماهر عبد الله: لكن ضرب مصنع الشفاء قد يكون أكبر هدية قدمتها أميركا لحكومة السودان، فقد أسهمت الضربة في التفاف الشعب السوداني حول حكومته، وازداد الموقف الأميركي سوءً بعد رفع أحد المحاكم الأميركية للحجز الذي كان مفروضاً على أموال صاحب المصنع صلاح إدريس في إشارة واضحة إلى عدم قيام صلة بين مصنعه وبين الأسلحة الكيماوية التي زعمت أميركا أن المصنع ينتجها.

د. حسن الترابي: هم يعبرون عن غضبهم، ولكن يمكن أن يتحولوا وصبرنا عهداً طويلاً، والآن اكتشفوا أنهم أخطؤوا خطأً بالغاً وبدؤوا يخافون من السودان أن يفضح هذه الخطيئة عليهم، فبدؤوا يرفعون عنا الضغوط الاقتصادية.

ماهر عبد الله: وفي هذا الإطار يضع الترابي جملة التحركات التصالحية التي شهدتها الساحة السودانية في الآونة الأخيرة داخلياً وخارجياً.

د. حسن الترابي: وبدأت الضغوط من الغرب الآن حتى على هؤلاء المعارضين وعلى البلاد المجاورة لنا، لأن السودان من العسير أن تغلبه بالضغط بل قد تزيده تطرفاً.

ماهر عبد الله: عشر سنوات من الإنقاذ أدخلت السودان في دوامة كبيرة من التغيرات الداخلية والخارجية، ومع اقتراب العشر سنوات من نهايتها اكتملت حلقات في العقد السوداني برجوع الرئيس السابق جعفر محمد نميري، وبدت حلقات أخرى في طريقها إلى الاكتمال بعد لقاءات المصالحة بين حكومة الإنقاذ والمعارضة وبينها وبين بعض جيرانها، وأياً كان الرأي في ثورة الإنقاذ إلا أن القائمين عليها -أنفسهم- لا يرون فيها إلا حلقة أولى في مشروع مازالوا يطمحون إلى تحقيقه.

د. حسن الترابي: أنا أعتقد أن هذه ليست إلا خطوة، خطوة في التطور، أنت تنقذ أحداً من الغرق مثلاً، ولكنك لا تعيش معه هكذا إلى أن يموت، إذن أنت تريد بعد أن هدمت القديم أن تبني من جديد، بعد أن سحقت الباطل أن تبني الحق، الذين ينشغلون بالماضي وبإنجازات التحرير الوطني وبحرب الاستعمار فقط، يرتكنون إلى الماضي، وعلى الدين في ماضيه، وعلى الثقافة الدينية، وعلى المذاهب الدينية شيعة أو سنة، ومذهب الصوفية، هذا كله انشغال بالماضي، ولكننا نتحدث اسألني عن المستقبل يا أخي، وأنا -إن شاء الله- أمد نظري غيباً وراء ذلك المستقبل الآخرة، إن شاء الله.