الموريون في الفلبين
تحت المجهر

المورويون في الفلبين

ثلاث عشرة قبيلة مسلمة سماها المستعمر الإسباني شعب مورو يخوضون حربا امتدت لعقود عديدة تشتد نارها تارة وتخبو تارة أخرى والهدف هو الانفصال.

– الحياة العامة للفلبينيين وعلاقتهم بواشنطن
– مشكلة الاقتصاد ومعاناة الأقلية المسلمة

– جبهة تحرير مورو الإسلامية وعواقب الاندماج سياسيا


undefinedصهيب جاسم: مانيلا عاصمة الفلبين إحدى دول جنوب شرق آسيا التي استقلت عام 1946 ولم تكن لتتوحد آلاف جزرها لولا سعي مستعمريها إلى تكوين دولة هي اليوم أحد أهم الحلفاء الآسيويين لواشنطن في المنطقة انحدار اسمها من أصل إسباني يدلل على المكون الثقافي لسكانها البالغين ستة وثمانين مليون نسمة يشكل الكاثوليك منهم حسب الأرقام الرسمية 83% بينما تبلغ نسبة البروتستانت 9% ويتوزع الباقون بين الإسلام والبوذية أهم عنصر يوحد الفلينيين هو دينهم فهم أكثر شعوب المنطقة اعتناقا للمسيحية التي جاءتهم في ظلال السيوف الإسبان منذ القرن السادس عشر مما ميزهم عن جيرانهم المسلمين والبوذيين ويلاحظ أن قسما كبيرا منهم متلزم بالطقوس الدينية ربما أكثر من بعض الغربيين ومع افتقاد التاريخ الفلبيني في كثير من مراحله إلا أن مظاهر تؤكد وجود روح قومية تحرك سكان هذه الجزر فإن من الطبيعي فهم تجذر وتجاوز دور الكنيسة حياة الفرد الخاصة إلى جوانب الحياة العامة مشكلة محور الثقافة وعلى الرغم من أن الدولة والكنيسة منفصلتان دستوريا لكنهما واقعيا مرتبطتان ويقوى دورها كلما كان القساوسة من عوائل غنية وذات تأثير سياسي واقتصادي ومتى كان الأسقف مؤثرا فالكل يسعى لكسب مباركته وبعض زعماء الكنيسة امتد نفوذهم إلى الوقوف ضد تهديد البيئة وعرقلة خطط تحديد النسل رغم التحذير من انفجار سكاني والأهم من ذلك ريادة التحولات السياسية.

الحياة العامة للفلبينيين وعلاقتهم بواشنطن

الأب روبرت رياس– كنيسة ميراكيلس ميدلس: خلافا للدور الضعيف الذي تمارسه الكنيسة الكاثوليكية في دول أوروبا حيث لا نرى أسقفا أو حتى البابا يتدخل بشكل كبير في السياسة أو أن يطرح مواقفه علنا أو أن يظهر في مسيرات واجتماعات حزبية إننا هنا نشكر الرب على حرية تحرك الكنيسة الكاثوليكية وهذا يعود إلى تجربتنا في إسقاط ماركوس الديكتاتور الذي كان يتحكم وعائلته بالبلد حينما كانت الكنيسة القوة التي أوقفته عند حده.

صهيب جاسم: يعيش الفلبينيون حياة ديمقراطية منذ عام 1986 إثر وضع دستور جديد للبلاد ويحتكمون إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس وأعضاء مجلسي الكونغرس والشيوخ كل ستة أعوام غير أن قرابة عقدين من الحريات أبرزت جوانب سلبية للديمقراطية ومنها بناء الأحزاب الفلبينية على مصالح شخصيات معينة مع صعوبة التمييز بينها فكريا فالأغلبية الساحقة منهم كاثوليك ويدعمون الهيكلة الاجتماعية الحالية واقتصاد السوق المنفتح وهم قوميون بدرجات متفاوتة إتباع الفلبين نموذج أنظمة الحكم الأميركية وتطلع شعبها للأميركيين ثقافيا يتوازى مع عدم قدرة أي رئيس يصل إلى القصر الرئاسي على الانفكاك عن ماض ترسخ فيه الارتباط بين مانيلا وواشنطن.

تيدي كازينو– تحالف الوطنيين الجدد بالفلبين: التصور الشائع أن الأميركيين ساعدوا الفلبين لكننا لو عدنا إلى التاريخ فسنجد أنهم جاؤوا في نهاية القرن التاسع عشر للاستعمار وبعد حربهم مع اليابان منحونا الاستقلال ولكن مقابل شروط، شروط واتفاقيات تربط الكثير من جوانب اقتصادنا وقراراتنا السياسية بالولايات المتحدة.

"
حضور واشنطن العسكري في المنطقة ضروري لإحداث توازن في القوى، مع لزوم العدالة في العلاقات التي يجب أن تكون علاقة حلفاء لا علاقة أتباع
"
لورين ليغاردا

لورين ليغاردا– زعيمة الأغلبية في الكونغرس سابقا: نحن نحترم ونقيم العلاقات مع الولايات المتحدة ويجب تعزيزها خصوصا في الجوانب التجارية ولكننا لا نريد علاقة أتباع بل علاقة حلفاء وعلى الفلبين في فترة ما بعد الحرب الباردة التأكيد على أن تُحترم كدولة إلى جانب أن حضور واشنطن العسكري في المنطقة ضروري لإحداث توازن في القوى مع لزوم العدالة في العلاقات التجارية.

مشكلة الاقتصاد ومعاناة الأقلية المسلمة

صهيب جاسم: مائة وخمسة وثلاثون عائلة مؤثرة تسيطر على مقاليد السياسة ومفاتيح الاقتصاد بالفلبين وما الرئيسة غلوريا مكباغال أرويو التي تحكم منذ عام 2001 إلا مثالا على ذلك فهي ابنة رئيس سابق لكن أهم ما يمكن أن تسجله أرويو لنفسها هو وعدها بإجراء تعديل دستوري يُحوِّل نظام الحكم إلى نظام برلماني ليكون أكثر استقرار وقد يمهل لطرح الفدرالية إفادة للأقلية المسلمة وفوز غلوريا في انتخابات مايو من عام 2004 يطيل فترة حكمها لست سنوات أخرى ما لم تسعَ أطراف سياسية أو عسكرية لإسقاطها فخلال عقدين ماضيين أسقط الفلبينيون في ثورتين شعبيتين رئيسين آخرهما استرادا لكنهم ما يزالون يشتكون من سوء أحوال معيشتهم.

تيدي كازينو: بعد الثورة الشعبية عام 1986 استطعنا تغيير رأس الهرم كالرئيس والقادة المسؤولين لكن هيكل الدولة ظل كما هو وكذا المؤسسات بما فيها مؤسسة العسكر كما بقي النسيج الاجتماعي وخاصة سيطرة العوائل المؤثرة فيه والإقطاعيين على مقاليد الأمور في الأقاليم حيث تقطن غالبية السكان وهذه من سلبيات الثورة.

صهيب جاسم: وبعيدا عن حياة الطبقة الغنية نجد أن الفقر ومنذ عقود ظل أكبر تحد يواجه أي رئيس يتسلم الحكم في الفلبين فما بين 40% إلى 50% من السكان يعاني من الفقر حسب تقديرات متفاوتة تؤكد بمجموعها الفوارق الكبيرة في الدخل بسبب قلة الفرص المتوفرة للأغلبية كما يصل دخل الفرد في مانيلا إلى تسعة أضعاف دخل الفرد في أفقر الأقاليم الجنوبية التي يقطنها المسلمون وبلغة الرقمية أبسط فإن نصف الفلبين يعيشون على دولارين فقط يوميا مما دفع سبعة ملايين إلى البحث عن فرص عمل في الخارج.

"
تأخر الفلبين اقتصاديا يعود أساسا إلى الحكومة والحاجة لتحسين سياسات الحكم ومؤسساته
"
صوليتا مونسود

صوليتا مونسود– خبيرة تخطيط اقتصادي بالفلبين: الدراسات الدولية أثبتت أن تأخر الفلبين عن جاراتها اقتصاديا لا يعود أساسا للثروات الطبيعية أو العوامل الجغرافية والسكانية رغم تأثيرها لكنه يعود إلى الحكومة والحاجة إلى تحسين سياسات الحكم ومؤسساته وقد صار الأمر واضحا بالنسبة للناس عامة ولهذا تثار زوبعات كثيرة حول الفساد المالي.

صهيب جاسم: ولم يحمِ تحرر الاقتصاد من الترنح بفعل الديون الأجنبية المتراكمة والذي تجاوزت خمسين مليار دولار إضافة إلى ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمارات وعلى مدى ثلاثة عقود مضت نما الاقتصاد الفلبيني بمتوسط 3.5% وهو أقل بكثير من أداء غالبية دول جوارها تلك هي الصورة العامة التي تتصارع في ضمنها أقلية مسلمة مع أكثرية كاثوليكية ولا تكمن الإشكالية في حل عقدة تعايش بين أتباع دينين مختلفين فحسب بل تعود بجذورها إلى التاريخ فالفلبين وُرثوا من قبل المستعمر الأميركي عند الاستقلال حكم المسلمين والسيطرة على مناطقهم الواقعة في الجنوب اليوم وليرثوا بذلك صراعا مزمنا ما يزال قائما سياسيا وعسكريا بين الحكومة الفلبينية والمسلمين المورويين وتلك هي قصتهم. المسجد الذهبي في مانيلا أحد المعالم القليلة التي تذكر بحكم المسلمين لهذه المدينة قبل سقوطها بيد الاستعمار الإسباني وتحولها لعاصمة الفلبين ويُعرف المسلمون هنا بأنهم المورويون أو شعب مورو هكذا سماهم الإسبان عند مواجهتهم مقاومة أجداد هؤلاء في القرن السادس عشر وقد ارتضوا لأنفسهم هذه التسمية لتكون جامعة لثلاث عشرة قبيلة مسلمة ذات لغات وطبائع مختلفة بعد أن سقطت دويلاتهم أما عدديا فليس هناك حصر دقيق لجميع المورويين حيث تتراوح تقديرات عددهم ما بين سبعة وعشرة ملايين والبعض يدّعي أنهم أكثر من ذلك خصوصا وأن وصول الإسلام يعود إلى أكثر من ستة أو سبعة قرون واليوم من ترك من المورويين مناطقه الجنوبية المتأزمة ليسكن في مانيلا لاحقه رعب آخر.

الحاج أنصار ألنتو– رئيس مركز مينداناو الإسلامي الفلبين: تأثرنا بالحملة على الإرهاب فأحيانا يقوم الجيش باقتحام مناطقنا هنا في مانيلا لاعتقال عائلة تضم اثني عشر شخصا مثلا بحجة البحث عن الإرهابيين ونحن نقول لو تحول المسلم إلى إرهابي لم يعد مسلما.

راكمان علي الحاج- إمام المسجد الذهبي بمانيلا: أعتقد أن الحكومة الحالية لا تعتني بالأقلية المسلمة هنا في مانيلا بالشكل الصحيح والمطلوب خصوصا من الناحية الاقتصادية فإخواننا المسلمون هنا لا يتحركون بحرية مثل بقية الأديان كالمسيحيين مثلا وذلك خوفا من اعتقالهم من قبل قوات الجيش أو الشرطة بتهمة الإرهاب.

صهيب جاسم: وعلى الرغم من تشجيع الحكومة المورويون على العيش في العاصمة الفلبينية سعيا لدمجهم في كينونة المجتمع الفلبيني وربما تقبل بعضهم ذلك لكن المورويون لا ينسون أن الدستور لم يمنحهم حقوقا دينية وثقافية خاصة وأن قلة عدد ممثليهم في الكونغرس وضعف صوتهم في مانيلا اليوم يعود إلى المؤتمر الدستوري عام 1943 الذي مهد لضم أقاليم المسلمين للفلبين رغم معارضتهم لذلك واليوم صارت معضلات الفلبين مرتبطة بمشكلات شعب مورو.

الحاج أنصاري ألنتو: مشكلة أقاليم المسلمين تهوي باقتصاد الفلبين ومن يجلس في القصر الرئاسي لن ينهض بالاقتصاد ما لم يحل مشكلة شعب مورو.

لورين ليغاردا: لا ينجح ضخ أموال هائلة في آتون حربا داخلية في الجنوب في أحداث ازدهار اقتصادي في عموم البلاد ولذلك علينا المضي في المسيرة السلمية بأي ثمن.

[فاصل إعلاني]

صهيب جاسم: تركنا مانيلا وتوجهنا جنوبا حيث تعيش غالبية المورويون وذلك في جزيرة مينداناو وأرخبيل جزر سولو بما فيها باسلان وبالوان وطاوي طاوي مينداناو هي إحدى أكبر ثلاث جذر في أرخبيل الفلبين وتشتهر بغناها بالثروات الطبيعية والزراعية الهامة اقتصاديا بالنسبة للفلبين والذي يتجول في مدنها كمدينة كوتاباتو يلحظ انتباه مانيلا إلى استثمار ذلك بتفعيل تهجير مسيحي الشمال إلى مينداناو منذ الخمسينيات من القرن الماضي بعد أن كان الأميركييون يمولون توطينهم حتى انخفض عدد المسلمين في بعض مناطقهم إلى أقل من النصف فالمسلمون كانوا يشكلون نسبة 98% من سكان مينداناو وأرخبيل سولو في العقد الأول من القرن العشرين وبفعل التوطين انخفض عددهم ليصبح 40% في عام 1976 واليوم لا يزيد عددهم على 20% من مجموع سكان أقاليمهم وليصبحوا أقلية على أرضهم التي تدار من قبل غيرهم وتظهر أهمية الصراع الديمغرافي في ساعة تقرير مصير مناطق المسلمين التي انتزعت منهم تدريجيا.

البروفيسور قمر أومبا- رئيس جامعة مينداناو الحكومية: إحدى الإشكاليات التي عرقلت مفاوضات الجبهتين الوطنية سابقا والإسلامية حاليا أن كثيرا من الأقاليم المسلمة تاريخيا والمتفاوض عليها لم تعد ذات أغلبية مسلمة والمستوطنون المسيحيون سيرفضون في حالة تنظيم استفتاء الانضمام لحكم خاصة بالمسلمين ولذا سيبقى للمسلمين خمسة أقاليم من أصل ثلاثة عشر.

جبهة تحرير مورو الإسلامية وعواقب الاندماج سياسيا

صهيب جاسم: التعرف على أبرز الأطراف الموروية يتطلب التوجه إلى معاقل جبهة تحرير مورو الإسلامية المنتشرة في إقليم مينداناو وإذا كان لقتال المورويون لكل من حاول أن يحكمهم دورات عديدة منذ خمسة قرون فالجبهة الإسلامية تمثل وقود الدورة الحالية للصراع محتمية بغابات حكمتها سلطنات المسلمين في قديم العهود وقد استلم أواخر عام 2003 مراد إبراهيم القائد العسكري مبديا تحولا إلى الخطاب الدبلوماسي السياسي بعد أن كان متسما بالتعبوية الجهادية على يد مؤسسها سلامة هاشم قبل وفاته وتعود الجذور الإسلامية لفكر قادة الجبهة إلى الستينيات حيث تأثروا بأدبيات الإخوان المسلمين وبعد أن تأسست المقاومة الموروية القومية بعد عام 1968 بدأ المئات منهم السفر إلى الخارج ليتعرضوا لفكر السلف بالسعودية وتجارب الجهاديين في أفغانستان وأخرى في باكستان وماليزيا ليعود هؤلاء مشكلين مزيجا إسلاميا دفعهم للانشقاق عن التيار القومي رسميا عام 1978 ومع حلول عام 2000 صار للجبهة الإسلامية ستة وأربعون معسكرا ضمت إحداها أكاديمية عسكرية للتدرب على الأسلحة والفنيات الحربية، وتدّعي الجبهة أن عدد أعضائها يبلغ مائة وعشرين ألف متدرب 60% منهم مسلحون إضافة إلى أكثر من مائتي ألف مؤيد آخر ومع تأكيد خطابها على السعي للاستقلال بأرض شعب مورو عن الفلبين لكن التقلبات والضغوط محليا وإسلاميا ودوليا فتحت الباب أمام خيارات أخرى.

غزالي جعفر- نائب رئيس جبهة تحرير مورو الإسلامية: لا نحصر الحل في جبهتنا في شكل أو إطار واحد فمقترحات حل شعب مورو عديدة مجموعة تطرح النظام الفدرالي وآخرين يطرحون حكما ذاتيا قويا لأن الحكم الذاتي الحالي مرفوض من قبل أكثرية المورويين إضافة إلى وجود من يدعو إلى استفتاء ينظم بإشراف الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرهم لديهم مقترحات أخرى.

صهيب جاسم: للجبهة اليوم مكاتبها السياسية المعلنة كحلقة وصل بين معسكراتها ومانيلا لمتابعة مفاوضات بدأت رسميا عام 1997 لكنها لم تصل إلى مناقشة الحل النهائي حتى الآن فليس من السهل أن يضع هؤلاء أسلحتهم التي يصنعون بعضها أو أن ينسوا حلم الانفصال ويسلموا بالاندماج في المجتمع كما تريد مانيلا خاصة وأن واشنطن لم تعتبرهم بعد في عداد الإرهابيين غير أن الجيش الفلبيني يعول على إحداث انقسامات في صفوفهم بعرض حلول وقتية وتضيق الخناق عليهم جغرافيا فأربعون مذكرة هي نتاج المباحثات حتى الآن ولكن من دون نتيجة فخيار مانيلا الأول تحقيق انتصار عسكري أو دبلوماسي يُجهض حلم المورويون بالحصول على حقوقهم كاملة ولا تبدي تنازلا عن سيادة أو سلطة حقيقة فيما يتفاوض قادة الجبهة لتأسيس نظام حياة وحكما مناسبا ومقبول لشعب مورو وفي حين تنتقد أطراف نهجهم المسلح فإن عدم ثبوت نجاح مسيرة السلم تُرجعهم إلى الدائرة الأولى.

غزالي جعفر: الجبهة الإسلامية لم تغير موقفها المبدئي وحسب ما ترى الغالبية الكبرى من شعب مورو فإنهم ما يزالون يؤمنون بأن الحل الوحيد لقضيتهم والذي سيكون دائما هو الاستقلال بالانفصال عن جمهورية الفلبين.

"
دعم واشنطن للجيش الفلبيني بطائرات وأسلحة ومعدات لمواجهة الأطراف الموروية زاد من وطيس المعارك في بعض الأشهر
"
صهيب جاسم

صهيب جاسم: من عمق هذه الغابات في مينداناو تنطلق شرارة الرفض للحكم الفلبيني المركزي والسؤال الذي يطرح نفسه كيف سيكون مآل الجبهة الإسلامية بعد سنوات من ذوبان الجبهة الوطنية؟ وإلى متى سيظل الآلاف يعيشون حياة الحرب ويحلمون بحياة السلام؟ فمع انسداد طريق المفاوضات تندلع الحرب من حينا لآخر لتثبت أن مينداناو وما جورها لم تهنأ بسلام واستقرار لفترات طويلة في العقود الماضية بل إن الحرب تنوعت أشكالها من مواجهات الغابات إلى شوارع المدن، دعم واشنطن للجيش الفلبيني بطائرات وأسلحة ومعدات زاد من وطيس المعارك في بعض الأشهر وتقدر الأرواح التي أزهقت منذ عام 1972 بمائة وعشرين ألفا من المسلمين والمسيحيين ماعدا الضحايا الآخرين والتبعات السلبية الأخرى للحرب ورغم ذلك فإن مؤسسات الغوث الدولية لم تثبت فاعليتها في إعانة اللاجئين والمشردين الذين يرتفع عددهم أحيانا إلى مئات الآلاف وحتى في فترات الهدوء يظل البعض مشردا في مثل هذا المبنى الذي من المفترض أن يكون مركزا إسلاميا لكنه بات مهجورا بعد التضييق على المنظمات الإغاثية الإسلامية بحجة مكافحة الإرهاب، ثم أضاف ظهور جماعة أبو سياف مادة حارقة إلى تراكمات قضية شعب مورو ليعقدها فقد تسبب تخصص أفراد في تجارة اختطاف الأجانب والمواطنين إلى خلط أوراق النضال التاريخي بجرائم عصابة كان من السهل إدراجها في القائمة الأميركية للإرهابيين مع اتهام بالارتباط ماليا بسياسيين محليين وعسكريين زيارتنا لمعسكرات الجيش الفلبيني أطلعتنا على الطرف الثاني للصراع فحالة الحرب في أقاليم المورويين تؤكدها الأعداد الكبيرة من المعسكرات المنتشرة فيها والحكومة كالمورويين لم تتخلَ عن الحل العسكري وربما يظل أسلوبا أساسيا في التعامل مع مشكلة مورو متابعة تحركات الجيش الفلبيني سارت بنا عبر طريق سريع يخترق مناطق كانت حتى عام 2000 تحت سيطرة الجبهة الإسلامية أما الإجراءات الأمنية فلا تغيب عن الكثير من مدن مينداناو تدعمها تحركات الجيش الذي يبلغ عدد أجنحته الثلاثة أكثر من مائة ألف إضافة إلى الآلاف من ميلشيات المستوطنين المسيحيين المسلحة وكل ذلك تعزيز لموقف صقور حكومة مانيلا وإضعاف لدور الحمائم مع أن كلا الفريقين يأمل تعميم تجربته مع جبهة مورو الوطنية التي حلت نفسها واندمجت في الجيش الفلبيني لتشمل من بقي مسلحا من المورويين.

دانيال لوسيرو- المتحدث باسم الجيش الفليبيني: يمكن للجبهة الإسلامية أن تقتضي بمعاملتنا مع رجال الجبهة الوطنية بعد حلها واندماجهم في صفوف جيشنا وشرطتنا فنحن نعتبرهم عاملا أساسيا لتدعيم عملياتنا في مينداناو.

صهيب جاسم: فزعيم الجبهة الوطنية لسواري سجنته مانيلا لتغيبه عن الساحة الدولية متهمة إياه بالفساد بدلا من مكافأته على تخليه عن العمل المسلح والسعي للانفصال عن الفلبين وانشغاله معها في مفاوضات ماراثونية لم تكن ثمارها مرضية سوأ أنها حولت رجاله إلى قوات شرطة وسلمت بعض قادته مناصب في الحكم الذاتي بعد انقسام الجبهة الوطنية إلى أربعة أجنحة وليس من الصعب أن نلاحظ قلة فوائد الحكم الذاتي الممنوح للمورويين في خمسة أقاليم بجنوب الفلبين بحسب اتفاق منذ عام 1996 برعاية دول عربية وإسلامية فأهل مراواي وهي إحدى المدن الموروية يؤمنون بمقتضي حقهم الجماعي كشعب بتاريخ وثقافة وحضارة وتجربة سياسية متميزة عن الفلبينيين في أن يقرروا مصيرهم ويتابعوا التطور الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق طموحاتهم في ظل نظام يرضونه ولكن في المقابل فإن الكثير من السكان يري أن ضلوع سياسيين مسلمين فلبينيين في فساد مالي أضر بما يسمي بالحكم الذاتي إضافة إلى ما يصفونه بمماطلة حكومة مانيلا في تنفيذها لكامل الاتفاقية مع عدم اكتراث المجتمعين العربي والإسلامي رسميا أو شعبيا بما يدور هنا خلافا لما كان عليه الحال في الثمانينيات ولا ينسي المورويون أن تيمور الشرقية القريبة منهم جغرافيا لم تستقل إلا بعد أن تبنت استراليا وغيرها قضيتها في المحافل الدولية وربما دفعت هذه الأجواء بعض المورويين للاندماج في الحياة السياسية الفلبينية ولو على المستوى المحلى رغم أن ذلك لم يساهم في تحسين الحكم الذاتي واقعيا.

قمر أومبا: عندما مُنح المسلمون الحكم الذاتي بقي التحكم بثروات أقاليمهم بيد حكومة مانيلا المركزية ولذلك أعتقد أنه يلزم لأي حكم ذاتي حقيقي أن ينعم بحق جلب الاستثمارات وذلك للاستفادة من الثروات الطبيعية والتي يمكن أن تدار فدراليا ولكن في ظل الوضع الحالي فإن إدارة الحكم الذاتي عاجزة عن تنمية مناطق المسلمين.

عبد الملك لاغينداب- حزب الأمة- مينداناو: الكفاح المسلح للمسلمين المتمثل في الجبهة الإسلامية بدأ منذ سنوات طويلة أما نحن فلقد قررنا الاندماج في الحياة السياسية الفلبينية منذ ستة أو ثمانية سنوات فنحن حديثوا العهد بهذا المجال ولا يمكننا التفرج على واقع المسلمين دون الإسهام لصالح رفاهيتهم حسب الفرص التي يوفرها لنا الدستور الفلبيني.

صهيب جاسم: الأرض والتحكم بثروات مياهها ويابستها كان مجالا آخراً للصراع طوال مائة عام مضت فالمورويون كانوا يمتلكون كل أراضي مينداناو قبل عام ثلاثة عشر من القرن الماضي لكن ما أن حل عقد السبعينيات حتى صار 85% من شعب مورو بدون أرض يمتلكونها وحسب إحصائية أخرى فإن كل المورويين ينتشرون اليوم في 17% فقط من مساحة أراضي أجدادهم وغالبيتهم بدون مصدر دخل ثابت أو عقار فقد انتزعت أراضيهم وبقانون أصدره أول رئيس للفلبين عام 1936 تملكت الدولة بموجبه أراضي المسلمين ثم وزعتها على المستوطنين قانون أنكر أي سجلات تاريخية يعود أصلها إلى السلطانات المسلمة التي ازدهرت في هذه الربوع ولم يعوض المورويون عن ذلك بجعل التنمية الاقتصادية أولوية كما وُعدوا.

"
شعر المسلمون بالظلم لما استقلت الفلبين لأنهم باتوا الأفقر في أقاليمهم، فثاروا على حكومة مانيلا لفقدانهم أراضيهم
"
بينيتو ليم

بينيتو ليم- محلل سياسي من جامعة الفلبين- مانيلا: الاستعمار الأميركي وزع الأراضي التي كان يمتلكها المسلمون تاريخيا على المستوطنين المسيحيين في الجنوب وذلك بعد أن ثار المسلمون ضد القوى المستعمرة التي لم تعترف بحقهم ليواجه المسلمون بعد ذلك عاقبة تضحيتهم الوطنية وعندما استقلت الفلبين شعر المسلمون بالظلم لأنهم صاروا الأفقر في أقاليمهم فثاروا ثانية ضد حكومة مانيلا لفقدانهم لأراضيهم الكافية لتطبيق دينهم ولذلك شعروا بضرورة أن يحكموا أنفسهم.

صهيب جاسم: تتركز المواجهة الثقافية والتعليمية على صناعة أجيال المستقبل فالطالب الموروي في المدارس والمعاهد الإسلامية يعتقد أنه يقاوم مساعي انتزاع هوية ودين شعبه ولعل هذه المدرسة قد سلمت من نار الحرب التي طالما طالت مقاعد الدراسة وكان المورويون قد ظلوا حتى بداية الثمانينيات متخلفين تعليميا حتى بدأ بناء المدارس وتزايد سفرهم للدراسة لكن مستواهم ما يزال أقل من غيرهم بسبب ضعف الاهتمام الرسمي وتراجع الدعم من العالم الإسلامي وعند عدم استفادة الكثيرين من تعليمهم وظيفيا فإن هذا يدفعهم إلى العمل العسكري مع تدهور أوضاع المعيشة. ما يزال حلم تأسيس دولة إسلامية مستقلة في جنوب الفلبين محفورا في قلوب المورويين من سكان هذه الأرض مطيلا أمد الصراع إلى الأجيال الجديدة غير أن المخرج قد يكون في استفتاء شعبي أو تسوية سلمية حقيقية غير مزيفة ولا شكلية وإلا لاستمر نزيف الدم يتدفق من آن لآخر ولا ما نعم الناس بهذه الطبيعة الخلابة وثرواتها فالمسلمون هنا يؤمنون بأن الإسلام قد منحهم قيما وقوانين وطعما آخر للحياة وشعورا بالانتماء للأمة الإسلامية وربطهم بالعالم العربي بل تسبب الإسلام في ظهور سلطانات قوية قبل ظهور الفلبين بعد أن كانوا قبائل متفرقة ثم كان المحرك للكفاح من أجل حريتهم ولعل إخفاء البعدين الديني والثقافي لقضية شعب مورو وتفسيرها اقتصاديا قد عرقل الوصول إلى سلام عادل ودائم لوقف أحد أقدم الحروب الداخلية في جنوب شرق آسيا خصوصا مع افتقاد الدور الدولي اللازم للحسم بين أحد الحلول التي طالما يسمع عنها المسلمون والمسيحيون هنا ويبقى المستقبل بيد الجيل الجديد هل سيتقبل الحقائق الجغرافية والسكانية والتقلبات الدولية ويرضى بالواقع الفلبيني أم سيظل المورويون يسبحون ضد التيار بحثا عن بر الأمان المأمول؟

المصدر: غير معروف